تفسير مقاتل بن سليمان

سورة ص

(3/625)


[سورة ص (38) : الآيات 1 الى 88]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هَذَا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4)
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرادُ (6) مَا سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (14)
وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَا لَها مِنْ فَواقٍ (15) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16) اصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)
وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (20) وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24)
فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (29)
وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (31) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (32) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34)
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (36) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (38) هَذَا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (39)
وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (40) وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنا مَا لَهُ مِنْ نَفادٍ (54)
هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (59)
قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (60) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هَذَا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (61) وَقالُوا مَا لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (62) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (63) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)
قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)
إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74)
قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (78) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)
قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)

(3/627)


سورة ص «1» سورة ص مكية عددها ثمانون وثمانون آية كوفى «2»
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان تعجب الكفار من نبوة المصطفى- صلّى الله عليه وسلم- وصف المنكرين رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- بالاختلاق والافتراء، واختصاص الحق- تعالى- بملك الأرض والسماء، وظهور أحوال يوم القضاء، وعجائب حديث داود وأوربا وقصة سليمان فى حديث الملك، على سبيل المنة والعطاء، وذكر أيوب فى الشفاء، والابتلاء، وتخصيص إبراهيم وأولاده من الأنبياء، وحكاية أحوال ساكني جنة المأوى، وعجز حال الأشقياء فى سقر ولظى: وواقعة إبليس مع آدم وحواء، وتهديد الكفار على تكذيبهم للنبي المجتبى فى قوله: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ سورة ص: 87- 88.
ولها اسمان: سورة ص، لافتتاحها بها، وسورة داود لاشتمالها على قصته فى قوله:
« ... وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ» سورة ص: 17.
(2) فى المصحف (38) سورة ص مكية وآياتها 88 نزلت بعد القمر.

(3/633)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ- 1- يعنى ذا البيان «بَلِ» «1» الَّذِينَ كَفَرُوا بالتوحيد من أهل مكة فِي عِزَّةٍ يعني في حمية، كقوله في البقرة: « ... أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ... «2» » الحمية وَشِقاقٍ- 2- اختلاف، ثم خوفهم فقال- جل وعز-: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ من قبل كفار مكة مِنْ قَرْنٍ من أمة بالعذاب في الدنيا، الأمم الخالية، فَنادَوْا عند نزول العذاب في الدنيا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ- 3- يعني ليس هذا بحين قرار فخوفهم لكيلا يكذبوا محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمّ قَالَ- جل وعز-: وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ محمد- صلى الله عليه وسلم- مُنْذِرٌ مِنْهُمْ رسول منهم وَقالَ الْكافِرُونَ من أهل مكة هَذَا ساحِرٌ يفرق بين الاثنين كَذَّابٌ- 4- يعنون النبي- صلى الله عليه وسلم- حين يزعم أنه رسول أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً «إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ» «3» - 5- وذلك حين أسلم عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فشق على قريش إسلام عمر، وفرح به المؤمنون وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ وهم سبعة وعشرون رجلا، والملأ في كلام العرب الأشراف منهم الوليد بن المغيرة،
__________
(1) «بل» : ساقطة من ا.
(2) سورة البقرة: 206، وتمامها: «وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ» . [.....]
(3) «إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ» : ساقط من ا.

(3/635)


وأبو جهل بن هشام، وأمية وأبي ابنا خلف، ... وغيرهم، فقال الوليد بن المغيرة:
أَنِ امْشُوا إلى أبي طالب وَاصْبِرُوا واثبتوا عَلى عبادة آلِهَتِكُمْ نظيرها في الفرقان « ... لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها «1» ... » يعني ثبتنا، فقال الله- عز وجل- في الجواب: «فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ «2» ... » فمشوا إلى أبي طالب فقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا وسيدنا في أنفسنا وقد رأيت ما فعلت [115 ب] السفهاء وإنا أتيناك لتقضي بيننا وبين «ابن» «3» أخيك.
فأرسل أبو طالب إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأتاه، فقال أبو طالب: هؤلاء قومك، يسألونك السواء فلا تمل كل الميل على قومك. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: وماذا يسألوني؟
قالوا: ارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- «لهم» «4» : أعطوني أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب، وتدن لكم بها العجم.
فقال أبو جهل: لله أبوك لنعطينكها وعشرا معها. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: قولوا لا إله إلا الله.
فنفروا من ذلك، فقاموا، فقالوا: «أجعل» يعني وصف محمد «الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا الذي يقول «لَشَيْءٌ عُجابٌ» يعنى لأمر عجب، بلغة أزد شنوءة، أن تكون الآلهة واحدا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ الأمر يُرادُ- 6- ما سَمِعْنا بِهذا الأمر الذي يقول محمد فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ يعني ملة النصرانية، وهي آخر الملل لأن النصارى يزعمون أن مع الله
__________
(1) سورة الفرقان: 42، وتمامها «إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا» .
(2) سورة فصلت: 24. وتمامها: «فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ» .
(3) «ابن» : زيادة اقتضاها السياق.
(4) فى ا: «أم» ، وفى كتب السيرة: «لهم» .

(3/636)


عيسى بن مريم، ثم قال الوليد: إِنْ هَذَا القرآن إِلَّا اخْتِلاقٌ- 7- من محمد تقوله من تلقاء نفسه، ثم قال الوليد: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- مِنْ بَيْنِنا ونحن أكبر سنا وأعظم شرفا، يقول الله- عز وجل- لقول الوليد: «إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ» يقول الله- تعالى-:
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي يعني القرآن بَلْ لَمَّا يعني لم يَذُوقُوا عَذابِ- 8-، مثل قوله « ... وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ «1» ... » يعني لم يدخل الإيمان في قلوبكم أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ يعني نعمة ربك وهي النبوة، نظيرها في الزخرف «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ... «2» » يعنى النبوة يقول أبأيديهم مفاتيح النبوة والرسالة فيضعونها حيث شاءوا، فإنها ليست بأيديهم ولكنها بيد الْعَزِيزِ في ملكه الْوَهَّابِ- 9- الرسالة، والنبوة لمحمد- صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يعني كفار قريش يقول ألهم ملكهما وأمرهما، بل الله يوحي الرسالة إلى من يشاء، ثم قال: فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ- 10- يعني الأبواب إن كانوا صادقين بأن محمدا- صلى الله عليه وسلم- تخلقه من تلقاء نفسه، يقول الوليد: «إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ الأسباب» يعني الأبواب التي في السماء، فليستمعوا إلى الوحي حين يوحي الله- عز وجل- إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-، ثم أخبر عنهم فقال:
جُنْدٌ مَا هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ- 11- فأخبر الله- تعالى- بهزيمتهم ببدر مثل قوله: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ... » «3» ببدر والأحزاب [116 ا] بنى المغيرة
__________
(1) سورة الحجرات: 14.
(2) سورة الزخرف: 32.
(3) سورة القمر: 45.

(3/637)


وبني أمية، «وآل «1» » أبي طلحة كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ- 12- «كان يأخذ الرجل فيمده بين أربعة أوتاد، ووجهه إلى السماء، وكان «يوثق» «2» كل رجل إلى سارية مستلقيا بين السماء والأرض فيتركه حتى يموت» «3» وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ يعني غيضة الشجر وهو المقل وهي قرية شعيب يعزي النبي- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على «تكذيب» «4» كفار مكة، كما كذبت الرسل قبله فصبروا، ثم قال: أُولئِكَ الْأَحْزابُ- 13- يعني الأمم الخالية إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ- 14- يقول فوجب عقابي عليهم فاحذروا يا أهل مكة مثله فلا تكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- فكذبوه بالعذاب في الدنيا والآخرة فقالوا متى هذا العذاب؟ فأنزل الله- عز وجل- وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ يعني كفار مكة يقول ما ينظرون بالعذاب إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً يعنى نفخة الأولى ليس لها مثنوية، نظيرها في يس « ... صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ «5» ... » ما لَها مِنْ فَواقٍ- 15- يقول ما لها من مرد ولا رجعة وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا وذلك أن الله- عز وجل- ذكر في الحاقة أن الناس يعطون كتبهم بأيمانهم وشمائلهم فقال أبو جهل: «عَجِّلْ لَنا قِطَّنا» يعني كتابنا الذي تزعم أنا نعطى في الآخرة فعجله لنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ- 16- يقول ذلك تكذيبا به فأنزل الله-
__________
(1) فى ا: إلى، وفى ل: وآل.
(2) الكلمة غير واضحة فى ل، ف.
(3) من ل، وفى ف، ا: «الأوتاد» يعنى العقابين.
(4) فى ا: تكذيبهم، وفى ف: تكذيب.
(5) سورة يس: 49. وتمامها: «مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ» .

(3/638)


عز وجل- اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ يعني أبا جهل يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على تكذيبهم وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ «بن أشى ويقال ميشا» «1» بن «عويد» «2» بن فارض بن يهوذا بن يعقوب- عليه السلام- ذَا الْأَيْدِ يعنى القوة فى العبادة إِنَّهُ أَوَّابٌ- 17- يعني مطيع إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ- 18- وكان داود- عليه السلام- إذا ذكر الله ذكرت الجبال معه ففقه تسبيح الجبال وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً يعني مجموعة، وسخرنا الطير محشورة كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ- 19- يقول كل الطير لداود مطيع وَشَدَدْنا مُلْكَهُ قال كان يحرسه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألفا من بني إسرائيل، ثم قال: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ يعني «وأعطيناه «3» الفهم والعلم» وَفَصْلَ الْخِطابِ- 20- يقول وأعطيناه فصل القضاء: البينة على المدعي واليمين على من أنكر وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ يعنى حديث الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ- 21- وذلك أن داود قال: رب اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما، فوددت أنك أعطيتني من الذكر مثل ما أعطيتهما، فقال له: إنى ابتليتهما بما لم أبتلك به، فإن شئت [116 ب] ابتليتك بمثل الذي ابتليتهما، وأعطيتك مثل ما أعطيتهما من الذكر، قال: نعم، قال: اعمل عملك. فمكث داود- عليه السلام- ما شاء الله- عز وجل-، يصوم نصف الدهر، ويقوم نصف الليل، إذا صلى في المحراب فجاء طير حسن ملون فوقع إليه فتناوله فصار إلى الكوة، فقام ليأخذه فوقع الطير في بستان فأشرف داود فرأى امرأة تغتسل فتعجب من حسنها، وأبصرت المرأة ظله فنفضت شعرها
__________
(1) من ل، وفى ا: «بن أشى بن لمس» . [.....]
(2) من ل، وليست فى ا.
(3) فى ا: «وأعطيناه» .

(3/639)


فغطت جسمها، فزاده ذلك بها عجبا ودخلت المرأة منزلها، وبعث داود غلاما في أثرها إذا هي بتسامح امرأة أدريا بن حنان، وزوجها في الغزو في بعث البلقاء الذي بالشام، مع «نواب» «1» بن صور يا ابن أخت داود- عليه السلام- فكتب داود إلى ابن أخته بعزيمة أن يقدم أدريا فيقاتل أهل البلقاء، ولا يرجع حتى يفتحها أو يقتل فقدمه فقتل- رحمة الله عليه- فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود، فولدت له سليمان بن داود، فبعث الله- عز وجل- إلى داود- عليه السلام- ملكين، ليستنقذه بالتوبة، فأتوه يوم رأس المائة في المحراب وكان يوم عبادته الحرس حوله، «إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ» «2» فلما رآهما داود قد تسوروا المحراب فزع داود، وقال في نفسه: لقد ضاع ملكي حين يدخل على بغير أَذَن.
«قالُوا» «3» فقال أحدهما لداود: لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ يعني بالعدل وَلا تُشْطِطْ يعني ولا تجر فى القضاء وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ- 22- يقول أرشدنا «إلى قصد الطريق» «4» ثم قال: إِنَّ هذا أَخِي يعني الملك الذي معه لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً يعنى تسع وتسعون امرأة وهكذا كن لداود «5» .
__________
(1) فى ا: «ثواب» .
(2) ما بين القوسين « ... » : ساقط من ا.
(3) «قالوا» : ساقطة من ا.
(4) فى ا: «إلى قصد وهو عدل الطريق» ، ف: «إلى قصد الطريق» .
(5) اتبع مقاتل هنا الإسرائيليات التي تنقص من قدر الأنبياء وتنسب إليهم المعاصي.
مع أن الله حفظ ظواهرهم وبواطنهم من التلبس بأمر منهى عنه، إن الأنبياء هداة البشرية والأسوة الحسنة التي قال الله فيها «أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ... » سورة الأنعام: 90. -

(3/640)


ثم قال: وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ يعنى امرأة واحدة فَقالَ أَكْفِلْنِيها يعنى أعطينها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ- 23- يعني غلبني في المخاطبة، إن دعا كان أكثر منى ناصرا، وإن بطش كان أشد مني بطشا، وإن تكلم كان أبين مني في المخاطبة قالَ داود: لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ يعني بأخذه التي لك من الواحدة، إلى التسع والتسعين التي له وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ يعنى الشركاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ليظلم بعضهم بعضا إِلَّا استثناء، فقال: «إلا» الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا يظلمون أحدا «1» وَقَلِيلٌ ما هُمْ يقول هم قليل فلما قضى بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك فلم يفطن لهما فأحبا يعرفاه فصعدا تجاه وجهه، «وعلم» «2» أن الله- تبارك وتعالى- ابتلاه بذلك [117 أ] وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ يقول وعلم داود أنا ابتليناه فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً يقول وقع ساجدا أربعين يوما وليلة وَأَنابَ- 24- يعني ثم رجع من ذنبه تائبا إلى الله- عز وجل- «وخر
__________
- قال النسفي فى تفسيره: 4/ 29- 30: (وما يحكى من أن داود بعث مرة بعد مرة أدريا إلى غزوة البلقاء وأحب أن يقتل ليتزوج امرأته فلا يليق من المتسمين بالصلاح من أفناء الناس فضلا عن بعض أعلام الأنبياء، وقال على- رضى الله عنه-: من حدثكم بحديث داود- عليه السلام- على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة، وهو حد الفرية على الأنبياء ... » .
لقد اتهمت الإسرائيليات أنبياء الله بالسكر والزنا وشرب الخمر، وجعلتهم دعاة للرذيلة والشر وهذا يخالف حقائق التاريخ ونصوص القرآن قال- تعالى-: «رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ... » .
إنا بلينا فى بلادنا بدولة إسرائيل، وبلينا فى تفسيرنا بأباطيل بنى إسرائيل؟ فمتى نطهر بلادنا من اليهود؟ ومتى ننقى تفسيرنا من إسرائيليات اليهود؟
عسى ان يكون قريبا.
(1) فى ازيادة: إضمار.
(2) كذا فى ا، والأنسب: «فعلم» .

(3/641)


راكعا» مثل قوله: « ... ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً ... » «1» يعنى ركوعا فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ يعني ذنبه، ثم أخبر بما له في الآخرة، فقال: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى يعني لقربة وَحُسْنَ مَآبٍ- 25- يعني وحسن مرجع يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ يعنى بالعدل «2» وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى «فتحكم بغير حق» «3» فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يقول يستزلك الهوى عن طاعة الله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني عن دين الإسلام لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يعني بما تركوا الإيمان يَوْمَ الْحِسابِ- 26- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا يعني لغير شيء ولكن خلقتهما لأمر هو كائن ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة «أنى» «4» خلقتهما لغير شيء فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ- 27- لما أنزل الله- تبارك وتعالى- «في» «5» «ن والقلم» «إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ» «6» قال كفار قريش للمؤمنين: إنا نعطى من الخير في الآخرة ما تعطون، فأنزل الله- عز وجل-
__________
(1) وفى البقرة: 58، «وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ» .
سورة النساء: 154، وهي «وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً» .
ومثلها فى الأعراف: 161، وهي: «وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ» .
(2) فى ف زيادة: «بما بينت لك فى الزبور» .
(3) فى ا: «فتحكم بغيره» ، وفى ف: «فنحكم بغير حق» .
(4) فى ا: «أنها» . [.....]
(5) «فى» : ليست فى الأصل.
(6) سورة القلم: 34.

(3/642)


أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعنى بنى هاشم و «بنى المطلب» «1» أخوي بني عبد مناف «2» ، فيهم علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب- عليهم السلام- وعبيدة بن الحارث بن المطلب، وطفيل بن الحارث بن المطلب، وزيد بن حارثة الكلبي، وأيمن بن أم أيمن، ومن كان «يتبعه» «3» من بني هاشم يقول: أنجعل هؤلاء كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ بالمعاصي، نزلت في بني عبد شمس بن عبد مناف: في عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، وحنظلة بن أبي سفيان، وعبيدة بن سعيد ابن العاص، والعاص بن أبي أمية بن عبد شمس، ثم قال: أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ يعني بني هاشم وبني المطلب في الآخرة كَالْفُجَّارِ- 28- كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ يا محمد مُبارَكٌ يعني هو بركة لمن عمل بما فيه لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ يعني ليسمعوا آيات القرآن وَلِيَتَذَكَّرَ بما فيه من المواعظ أُولُوا الْأَلْبابِ- 29- يعني أهل اللب والعقل وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ ثم أثنى على سليمان، فقال- سبحانه-: نِعْمَ الْعَبْدُ وهذا ثناء على عبده سليمان نعم العبد، إِنَّهُ أَوَّابٌ- 30- يعني مطيع إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ يعني بالصفن إذا رفعت الدابة إحدى يديها فتقوم على ثلاث قوائم، ثم قال:
الْجِيادُ- 31- يعنى السراع، مثل قوله
__________
(1) فى ا: «وبنى عبد المطلب» ، وفى ف: «وبنى المطلب» ، وتفسير الآية 28 من ف، إذ أنه مقتضب جدا فى ا.
(2) أى فى بنى هاشم وبنى المطلب والذين آمنوا وعملوا الصالحات.
(3) المرجح لدى أن الضمير يعود على النبي- صلى الله عليه وسلم- أى ومن كان يتبع النبي محمدا من بنى هاشم.

(3/643)


« ... فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ ... » «1» معلقة قائمة على ثلاث، وذلك أن سليمان- عليه السلام- صلى الأولى، ثم جلس على كرسيه لتعرض عليه الخيل وعلى ألف فرس كان ورثها من أبيه داود- عليهما السلام- وكان أصابها [117 ب] من العمالقة فعرض عليه منها تسعمائة فغابت الشمس ولم يصل العصر، فذلك قوله: «فَقالَ» «2» إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ يعني المال وهو الخيل الذي عرض عليه عَنْ ذِكْرِ رَبِّي يعني صلاة العصر، كقوله: «رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ... » «3» يعنى الصلوات الخمس حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ- 32- والحجاب جبل دون ق بمسيرة سنة تغرب الشمس من ورائه، ثم قال: رُدُّوها عَلَيَّ يعني كروها علي فَطَفِقَ «مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ» «4» - 33- يقول فجعل يمسح بالسيف سوقها وأعناقها فقطعها، وبقي منها مائة فرس فما كان في أيدي الناس اليوم فهي من نسل تلك المائة قوله: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ يعني بعد ما ملك عشرين سنة، ثم ملك أيضا بعد الفتنة عشرين سنة، فذلك أربعين يقول لقد ابتلينا سليمان أربعين يوما وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ يعني سريره جَسَداً يعني رجلا من الجن يقال له «صخر بن عفير» «5» بن عمرو بن شرحبيل، ويقال إن إبليس جده، ويقال أيضا اسمه أسيد ثُمَّ أَنابَ- 34- يقول ثم رجع بعد أربعين يوما إلى ملكه وسلطانه وذلك أن سليمان غزا العمالقة فسبى
__________
(1) سورة الحج: 36.
(2) «فقال» : ساقطة من ا.
(3) سورة النور: 37.
(4) «مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ» :، ساقط من ا.
(5) فى ا: «ضمر بن عميرة» ، وفى ف: «صخر بن عفير» .

(3/644)


من نسائهم، وكانت فيهم ابنة ملكهم فاتخذها لنفسه فاشتاقت إلى أبيها، وكان بها من الحسن والجمال حالا يوصف فحزنت وهزلت وتغيرت فأنكرها سليمان أن يتخذ لها شبه أبيها فاتخذ لها صنما على شبه أبيها فكانت تنظر إليه في كل ساعة فذهب عنها ما كانت تجد فكانت تكنس ذلك البيت وترشه حتى زين لها الشيطان فعبدت ذلك الصنم بغير علم سليمان لذلك، وكانت لسليمان جارية من أوثق أهله عنده قد كان وكلها بخاتمه وكان سليمان لا يدخل الخلاء حتى يدفع خاتمه إلى تلك الجارية وإذا أتى بعض نسائه فعل ذلك وأن سليمان أراد ذات يوم أن يدخل الخلاء فجاء صخر وقد «نزع» «1» سليمان خاتمه ليناوله الجارية، ولم يلتفت، فأخذه صخر فألقاه في البحر وجلس صخر في ملك سليمان «2» ، وذهب عن سليمان البهاء والنور فحرج يدور في قرى بني إسرائيل فكلما أتى سليمان قوما رجموه وطردوه تعظيما لسليمان- عليه السلام- وكان سليمان إذا لبس خاتمه سجد له كل شيء يراه من الجن والشياطين وتظله الطير، وكان خرج من ملكه فى ذى القعدة
__________
(1) ونزع.
(2) فى ا: وجلس فى ملكه، وهذه القصة كلها ليست فى ف (نسخة فيض الله) إلى جوار أنها مختلفة لمخالفتها ما
ورد فى الحديث الصحيح الذي رواه البخاري فى باب الجهاد: 4/ 22 عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-، قال سليمان بن داود- عليهما السلام- لأطوفن الليلة على مائة امرأة، أو تسع وتسعين كلهن تأتى بفارس يجاهد فى سبيل الله. فقال له صاحبه: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل والذي نفس محمد بيده او قال: إن شاء الله، لجاهدوا فى سبيل الله فرسانا أجمعون. أهـ.
فإذا ورد فى السنة الصحيحة تفسيرا للآية فلا يجوز أن نفسرها بقصة صخر المارد التي ذكرها مقاتل، وأوردها ابن جرير الطبري: 23/ 101. ويجب أن ينقى تفسير القرآن من هذه الخرافات التي دخلت علينا من إسرائيليات اليهود وأباطيلهم.

(3/645)


وعشر ذي الحجة ورجع إلى ملكه يوم النحر، وذلك قوله: «وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ ... » : أربعين يوما « ... ثُمَّ أَنابَ» يعني رجع إلى ملكه، وذلك أنه أتى ساحل البحر فوجد صيادا يصيد [119 ا] السمك فتصدق منه «1» ، فتصدق عليه بسمكة «2» فشق بطنها فوجد الخاتم فلبسه فرجع إليه البهاء والنور وسجد له كل من رآه وهرب صخر فدخل البحر، فبعث في طلبه الشياطين فلم يقدروا عليه حتى أشارت الشياطين على سليمان أن يتخذ على ساحل البحر، كهيئة العين من الخمر، وجعلت الشياطين «تشرب» «3» من ذلك الخمر ويلهون، فسمع صخر جلبتهم فخرج إليهم فقال لهم: ما هذا اللهو والطرب قالوا مات سليمان بن داود وقد استرحنا منه، فنحن نشرب ونلهو فقال لهم وأنا أيضا أشرب وألهو معكم، فلما شرب الخمر فسكر، أخذوه وأوثقوه وأتى به سليمان فحفر له حجرا فأدخل فيه وأطبق عليه بحجر آخر، وأذاب الرصاص فصب بين الحجرين وقذف به في البحر فهو فيه إلى اليوم فلما رجع «سليمان» «4» إلى ملكه وسلطانه: قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ- 35- فوهب الله- عز وجل- له من الملك ما لم يكن له ولا لأبيه داود- عليهما السلام- فزاده الرياح والشياطين بعد ذلك فذلك قوله- تعالى-:
__________
(1) أى طلب منه الصدقة، ومن ذلك تعلم أنها مهانة لأنبياء الله، والأنبياء أكرم على الله من أن يهينهم أو يحكم فيهم صخر المارد خصوصا وقد ورد فى الحديث الصحيح، أن فتنة سليمان هي أنه نسى أن يقول: إن شاء الله.
(2) كيف يصدق هذا؟ مع
قوله- صلّى الله عليه وسلم- نحن معاشر الأنبياء لا تحل لنا صدقة، إن القصة كلها مختلفة.
[.....] (3) فى ا: «تشربون» والأنسب: «تشرب» .
(4) «سليمان» : زيادة اقتضاها السياق.

(3/646)


فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ- 36- يقول مطيعة لسليمان حيث أراد أن «تتوجه» «1» توجهت له وَسخرنا له الشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ- 37- كانوا يبنون له ما يشاء من البنيان وهو محاريب وتماثيل ويغوصون له في البحر فيستخرجون له اللؤلؤ، وكان سليمان أول من استخرج اللؤلؤ من البحر، قال: وَآخَرِينَ من مردة الشياطين، إضمار مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ- 38- يعني موثقين في الحديد هَذَا عَطاؤُنا فَامْنُنْ على من شئت من الشياطين فخل عنه أَوْ أَمْسِكْ يعني، وأحبس في العمل والوثاق من شئت منهم بِغَيْرِ حِسابٍ- 39- يعني بلا تبعة عليك في الآخرة فيمن تمن عليه فترسله، وفيمن تحبسه في العمل، ثم أخبر بمنزلة سليمان في الآخرة فقال تعالى-: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى يعني لقربة وَحُسْنَ مَآبٍ- 40- يعني وحسن مرجع، وكان لسليمان ثلاثمائة امرأة حرة وسبعمائة سرية وكان لداود- عليه السلام- مائة امرأة حرة وتسعمائة سرية، «وكانت» «2» الأنبياء كلهم في الشدة غير داود وسليمان- عليهما السلام- وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ يعني إذ قال لربه: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ يقول أصابنى الشيطان بِنُصْبٍ يعني مشقة في جسده وَعَذابٍ- 41- في ماله ارْكُضْ يعنى ادفع [119 ب] الأرض بِرِجْلِكَ بأرض الشام فنبعت عين من تحت قدمه فاغتسل فيها فخرج منها صحيحا ثم مشى أربعين خطوة فدفع برجله الأخرى فنعبت عين ماء أخرى،
__________
(1) فى ا: «توجه» .
(2) فى ا: «كانت» .

(3/647)


ماء عذب بارد شرب منها، فذلك قوله: هَذَا مُغْتَسَلٌ الذي اغتسل فيها، ثم قال: بارِدٌ وَشَرابٌ- 42- الذي أشرب منه «وكان الدود» «1» يأكله «سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات متتابعات» «2» . وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ فأضعف الله- عز وجل- له، وكان له سبع «بنين» «3» وثلاث بنات قبل البلاء وولدت له امرأته بعد البلاء سبع بنين وثلاث بنات فأضعف الله له رَحْمَةً يعني نعمة مِنَّا، ثم قال: وَذِكْرى يعني تفكر لِأُولِي الْأَلْبابِ- 43- يعني أهل اللب والعقل وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً يعني بالضغث القبضة الواحدة فأخذ عيدانا رطبة وهي الأسل مائة عود عدد ما حلف عليه وكان حلف ليجلدن امرأته مائة جلدة فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ يعني ولا تأثم في يمينك التي حلفت عليها، فعمد إليها فضربها بمائة عود ضربة واحدة فأوجعها فبرئت يمينه، وكان اسمها دنيا ثم أثنى الله- عز وجل- على أيوب فقال: إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً على البلاء إضمار نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ- 44- يعني مطيعا لله- تعالى-، لما برأ أيوب فاغتسل كساء جبريل- عليه السلام- حلة وَاذْكُرْ يا محمد صبر عِبادَنا إِبْراهِيمَ حين ألقي في النار وَصبر «إِسْحاقَ» «4» للذبح وَصبر يَعْقُوبَ فى
__________
(1) فى ا: «وكانت الدواب» ، وفى ف: «وكانت الدود» .
(2) من ف، وفى ا: سبع سنين، وسبع أشهر وسبع أيام وسبع ساعات، وقال أيوب- عليه السلام- لم يكن فيما ابتليت به شيء أشد على من شماتة الأعداء. والزيادة الأخيرة من ا، وليست فى ف.
(3) فى ا: «بنون» ، وفى ف: «بنين» .
(4) «إسحاق» : مكرر فى امرتين.

(3/648)


ذهاب بصره «1» ولم يذكر إسماعيل بن إبراهيم لأنه لم يبتل» «2» ، «واسم أم يعقوب» «3» رفقا.
ثم قال: أُولِي الْأَيْدِي يعني أولى القوة في العبادة، ثم قال:
وَالْأَبْصارِ- 45- يعني البصيرة في أمر الله ودينه، ثم ذكر الله- تعالى- هؤلاء الثلاثة إبراهيم وابنيه إسحاق ويعقوب بن إسحاق، فقال: إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ للنبوة والرسالة بِخالِصَةٍ «ذِكْرَى» «4» الدَّارِ- 46-.
حدثنا أبو جعفر قال: حدثنا داود بن رشيد، قال: حدثنا الوليد عن ابن جابر «أنه» «5» سمع عطاء الخراساني في قوله: «أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ» قال القوة في العبادة والبصر بالدين «إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ» يقول وجعلناهم أذكر الناس لدار الآخرة يعني الجنة وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ- 47-[120] اختارهم الله على علم «للرسالة» «6» وَاذْكُرْ صبر «إِسْماعِيلَ» هو أشويل بن هلقانا» «7» وَصبر الْيَسَعَ وَصبر «ذَا الْكِفْلِ» «8» «وَكُلٌّ» «9» مِنَ الْأَخْيارِ- 48- اختارهم الله- عز وجل- للنبوة فاصبر يا محمد
__________
(1) فى حاشية ا: العمى لا يجوز على الأنبياء- عليهم السلام- على ما حرره السبكى وإن كان المعتزلة يرون جوازه.
(2) فى ا: «لم يبتل» ، وفى ف: «لم يبتلى» .
(3) فى ا: «واسم يعقوب» ، وفى ف: «واسم أم يعقوب» .
(4) فى ا: «ذكر» .
(5) «أنه» : زيادة اقتضاها السياق، والرواية كلها، سندها ومنها من اوليست فى ف.
(6) فى ا: الرسالة، وفى ف: للرسالة. [.....]
(7) فى ا: «إسماعيل» بن هاقانا، وفى ف: ( «إسماعيل» هو أشويل بن هلقانا) ولم يفسر إسماعيل فى الجلالين، والبيضاوي، والدر المنثور، وتفسير المقياس للفيروزآبادي المنسوب لابن عباس.
(8) فى القرآن «ذا الكفل» وفى الكلام العادي يقال «وصبر ذى الكفل» .
(9) فى ا: «كل» .

(3/649)


على الأذى كما صبر هؤلاء الستة على البلاء، ثم قال: هَذَا ذِكْرٌ يعني هذا بيان الذي ذكر الله من أمر الأنبياء فى هذه السورة وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ من هذه الأمة في الآخرة لَحُسْنَ مَآبٍ- 49- يعني مرجع جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ- 50-.
حدثنا أبو جعفر قال: حدثنا داود بن رشيد، قال: حدثنا جليد عن الحسن في قوله: «مفتحة لهم الأبواب» قال: أبواب يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، يقال لها: انفتحي، انقفلي، تكلم فتفهم «وتتكلم» «1» .
حدثنا داود بن رشيد قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: سألت زهير بن محمد عن قوله- تعالى-: « ... وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا» «2» قال ليس فى الجنة ليل، هم في نور أبدا ولهم مقدار الليل بإرخاء الحجب ومقدار النهار.
مُتَّكِئِينَ فِيها في الجنة على السرر يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ- 51- وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ النظر عن الرجال لا ينظرن إلى غير أزواجهن لأنهن عاشقات لأزواجهن، ثم قال: أَتْرابٌ- 52- يعنى مستويات على ميلاد واحد بنات ثلاثة وثلاثين سنة، ثم قال:
هَذَا الذي ذكر في هذه الآية، «ذكر» «3» يعني بيان من الخير في الجنة مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ- 53- يعنى ليوم الجزاء إِنَّ هذا الخير في الجنة لَرِزْقُنا مَا لَهُ مِنْ نَفادٍ- 54- يقول هذا الرزق للمتقين، ثم ذكر الكفار، فقال- سبحانه-: «هَذَا» «4» وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ
__________
(1) فى ا: وتكلم.
(2) سورة مريم: 62.
(3) «ذكر» : وردت على أنها من الآية فى الأصل.
(4) «هذا» : ساقطة من الأصل.

(3/650)


- 55- يعني بئس المرجع، ثم أخبر بالمرجع، فقال: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ ما مهدوا لأنفسهم من العذاب هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ يعني الحار الذي انتهى حره وطبخه وَغَسَّاقٌ- 57- البارد الذي قد انتهى برده نظيرها في «عم يتساءلون» « ... حَمِيماً وَغَسَّاقاً» «1» فينطلق من الحار إلى البارد فتقطع جلودهم وتتصدع عظامهم وتحرق كما يحرق حر النار، ثم قال: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ- 58- يقول وآخر من شكله يعني من نحو الحميم والغساق أصناف يعني ألوان من العذاب في الحميم يشبه بعضه بعضا في شبه العذاب هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ وذلك أن [120 ب] القادة فى الكفر المطعمين في غزاة بدر والمستهزئين من رؤساء قريش دخلوا النار قبل الأتباع، فقالت الخزنة للقادة وهم في النار «هَذَا فَوْجٌ» يعني زمرة «مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ» النار إضمار يعنون الأتباع. قالت القادة: لا مَرْحَباً بِهِمْ قال الخزنة:
إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ- 59- معكم فردت الأتباع من كفار مكة على القادة «قالُوا» «2» بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ زينتموه لَنا هذا الكفر إذ تأمروننا في سورة سبأ «3» أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا فَبِئْسَ الْقَرارُ- 60- يعني فبئس المستقر، قالت الأتباع، «قالُوا» «4» رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا
__________
(1) سورة النبأ: 25.
(2) «قالوا» ، ساقطة من ا.
(3) سورة سبأ: 33 وتمامها: «وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ» .
(4) «قالوا» : ساقطة من ا.

(3/651)


يعني من زين لنا هذا يعني من سبب لنا هذا الكفر فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ- 61- «وَقالُوا» «1» مَا لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ- 62- يعنون فقراء المؤمنين عمار، وخباب، وصهيب، وبلال، وسالم، ونحوهم.
أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا فى الدنيا، نظيرها فى «قد أفلح» «2» «فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا ... » «3»
أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ- 63- يقول أم حارت أبصارهم عناقهم معنا في النار ولا نراهم، إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ- 64- يعني خصومة القادة والأتباع في هذه الآية، ما قال بعضهم لبعض في الخصومة، نظيرها في الأعراف، وفي «حم» المؤمن حين قالت، « ... أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا ... » «4»
عن الهدى، ثم ردت أولاهم دخول النار على أخراهم دخول النار وهم الأتباع وقوله: «إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ ... » إلى آخر الآية. «5» قُلْ لكفار مكة: إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ يعني رسول وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ لا شريك له الْقَهَّارُ- 65- لخلقه، ثم عظم نفسه عن شركهم فقال- سبحانه-: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا «فإن» «6» من يعبد فيهما، فأنا ربهما ورب من فيهما الْعَزِيزُ في ملكه الْغَفَّارُ- 66- لمن تاب قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ- 67- يعني القرآن حديث عظيم لأنه كلام الله- عز وجل- أَنْتُمْ يا كفار مكة عَنْهُ مُعْرِضُونَ- 68-
__________
(1) «قالوا» ساقطة من ا، ونلاحظ أن الآيات فى امرتبة هكذا آية 61 ثم 64 ثم 62 ثم 63 ثم 65. وقد أعدت ترتيبها كما وردت فى القرآن، فأخرت آية 64 الى مكانها.
(2) سورة المؤمنون: 1.
(3) سورة المؤمنون: 110 وتمامها «فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ» ومعنى نظيرها فى «قد أفلح» ، أى فى «قد أفلح المؤمنون» . [.....]
(4) سورة الأعراف: 38.
(5) سورة غافر: 47، وتمامها: «وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ» .
(6) فى ا: «بأن» ، ف: «فإن» ، وعليهما علامة تمريض. والكلمة غير واضحة فى جميع النسخ.

(3/652)


يعني عن إيمان بالقرآن معرضون مَا كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى من الملائكة إِذْ يَخْتَصِمُونَ- 69- يعني الخصومة حين قال لهم الرب- تعالى-: « ... إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» قالت الملائكة:
« ... أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ» «قَالَ» الله لهم: «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ» «1» [121 أ] «فهذه «2» خصومتهم» إِنْ يعني إذ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ
- 70- يعني رسول بين إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ- 71- يعني آدم، وكان آدم- عليه السلام- أول ما خلق منه عجب الذنب وآخر ما خلق منه أظفاره ثم ركب فيه سائر خلقه يعني عجب الذنب، وفيه يركب يوم القيامة كما ركب في الدنيا فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ- 72- فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ الذين كانوا في الأرض إضمار كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ- 73- ثم استثنى من الملائكة إبليس وكان اسمه في الملائكة الحارث «3» وسمي إبليس حين عصى إبليس من الخير، «إِلَّا إِبْلِيسَ» «4» اسْتَكْبَرَ حين تكبر عن السجود لآدم- عليه السلام- وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ- 74- في علم الله- عز وجل- «قالَ يَا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ» «5» ما لك ألا تسجد لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ يعنى تكبرت
__________
(1) سورة البقرة: 30.
(2) فى ا، ف: «فهذا خصومتهم» ، والأنسب: «فهذه خصومتهم» .
(3) فى ا، ف: الحرث، ونلاحظ أن كلمة الحارث تكتب الحرث فى النسختين فى كل المواضع.
(4) «إلا إبليس» : ساقط من ا، ف.
(5) من ف، فى ا: خطأ فى الآية.

(3/653)


أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ- 75- يعني من المتعظمين قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ- 76- والنار تغلب الطين قالَ فَاخْرُجْ مِنْها يعني من الجنة فَإِنَّكَ رَجِيمٌ- 77- يعني ملعون وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ- 78- قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ- 79- يعني النفخة الثانية قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ- 80- إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ- 81- يعني إلى أجل موقوت «وهو» «1» النفخة الأولى قالَ إبليس لربه- تبارك وتعالى-: فَبِعِزَّتِكَ يقول فبعظمتك لَأُغْوِيَنَّهُمْ يقول لأضلنهم أَجْمَعِينَ- 82- عن الهدى، ثم استثنى إبليس فقال: إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ- 83- بالتوحيد فإني لا أستطيع أن أغويهم قالَ الله- عز وجل-: فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ- 84- يقول قوله الحق. فيها تقديم، و «أقول الحق» يعني قول الله- عز وجل- لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ يإبليس ومن ذريتك الشياطين وَمِمَّنْ تَبِعَكَ على دينك من كفار بني أدم مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ- 85- يعنى من الفريقين جميعا قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ يعني من جعل وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ- 86- هذا القرآن من تلقاء نفسي إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ يقول ما القرآن إلا بيان لِلْعالَمِينَ- 87- وَلَتَعْلَمُنَّ يعنى كفار مكة نَبَأَهُ يعنى نبأ القرآن بَعْدَ حِينٍ- 88- هذا وعيد لهم القتل ببدر، مثل قوله فى «والصافات» «2» : «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ» «3»
__________
(1) فى ا: وهي.
(2) سورة الصافات: 1.
(3) سورة الصافات: 174.

(3/654)


يعنى القتل ببدر «1» .
__________
(1) انتهى تفسير سورة ص فى ف.
وفى اصفحة [121 ب] زيادات معظمها أشبه بالإسرائيليات فلم أنقلها واعتمدت فى ذلك على نسخة ف «فيض الله» وهي أقدم من ا.

(3/655)