تفسير مقاتل بن سليمان

سورة فصّلت

(3/725)


[سورة فصلت (41) : الآيات 1 الى 54]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4)
وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9)
وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (14)
فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (18) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)
حَتَّى إِذا مَا جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (25) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (28) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (43) وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (44)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (46) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49)
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)

(3/727)


سورة فصلت «1» سورة السجدة مكية عددها أربع خمسون آية كوفية «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان شرف القرآن، وإعراض الكفار عن قبوله وكيفية خلق الأرض والسماء، والإشارة إلى إهلاك عاد وثمود، وشهادة الجوارح على العاصين فى القيامة وعجز الكفار فى سجن جهنم، وبشارة المؤمنين بالخلود فى الجنان، وبيان شرف القرآن والنفع والضرر، والإساءة والإحسان، وجزع الكفار عند بالابتلاء والامتحان، وإظهار الآيات الدالة على الذات والصفات وإحاطة علم الله بكل شيء من الأسرار والإعلان بقوله: « ... أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ» سورة فصلت: 54.
وتسمى سورة «حم» السجدة، لاشتمالها على السجدة، كما تسمى سورة فصلت لقوله- تعالى- فيها: «كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» سورة فصلت: 2.
وتسمى كذلك سورة المصابيح لقوله: « ... وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ... »
سورة فصلت: 12.
(2) فى أ: «عددها خمسة وأربعون» . وفيه خطأ لغوى صوابه خمس وأربعون.
وفيه خطأ نقل فالمذكور فى كتب التفسير أن عددها عند الكوفيين أربعا وخمسين آية، لا خمسا وأربعين.
وأما نسخة ل، ف فلم يذكروا عدد الآيات فى صدر السورة وهذا شأنهما فى كل السور فى الأهم الأغلب.
وفى المصحف: (41) سورة فصلت مكية وآياتها 54 نزلت بعد سورة غافر.

(3/733)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم «1» - 1- تَنْزِيلٌ حم يعني ما حم في اللوح المحفوظ يعني ما قضي من الأمر مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ- 2- اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر «الرَّحْمَنِ» يعني المسترحم على خلقه «والرَّحِيمِ» أرق من الرحمن «الرَّحِيمِ» اللطيف بهم، قوله: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ليفقهوه ولو كان غير عربي ما علموه، فذلك قوله: لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ- 3- ما فيه، ثم قال: القرآن: بَشِيراً بالجنة وَنَذِيراً من النار فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ يعني أكثر أهل مكة عن القرآن فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ- 4- الإيمان به وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ «مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ» «2» وذلك أن أبا جهل [133 ب]
ابن هشام، وأبا سفيان بن حرب، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، دخلوا على علي بن أبي طالب ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنده فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قولوا: لا إله إلا الله. فشق ذلك عليهم «وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ»
يقولون عليها الغطاء فلا تفقه ما «تقول» «3» وَفِي آذانِنا وَقْرٌ يعني ثقل فلا تسمع ما تقول، ثم إن أبا جهل بن هشام
__________
(1) لجأت إلى طريقة النص المختار من النسخ أ، ل، ف فى صدر هذه السورة، ففي جميعها اضطراب.
(2) «مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ» : ساقطة من أ، ف، ل.
(3) فى الأصل: «تقوم» .

(3/735)


جعل ثوبه بينه وبين النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: يا محمد أنت من ذلك الجانب ونحن من هذا الجانب وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ يعني ستر وهو الثوب الذي رفعه أبو جهل فَاعْمَلْ يا محمد لإلهك الذي أرسلك إِنَّنا عامِلُونَ- 5- لآلهتنا التي «1» نعبدها، ثم قال- تعالى-: قُلْ يا محمد لكفار مكة: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لقولهم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- اعمل أنت لإلهك، ونحن لآلهتنا، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ بالتوحيد وَاسْتَغْفِرُوهُ من الشرك، ثم أوعدهم إن لم يتوبوا من الشرك فقال: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ- 6- يعني كفار قريش الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ يعني لا يعطون الصدقة ولا يطعمون الطعام وَهُمْ بِالْآخِرَةِ يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال هُمْ كافِرُونَ- 7- بها بأنها غير «كائنة» «2» ، ثم قال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بالتوحيد وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ من الأعمال لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ- 8- يعنى غير منقوص فى الآخرة قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالتوحيد وَبِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، ثم قال:
وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً يعني شركا ذلِكَ الذي خلق الأرض في يومين هو رَبُّ الْعالَمِينَ- 9- يعني الناس أجمعين، ثم قال: وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها يعني جعل الجبل من فوق الأرض أوتادا للأرض لئلا تزول بمن عليها وَبارَكَ فِيها يعنى فى الأرض والبركة: الزرع والثمار
__________
(1) فى أ: «الذي» .
(2) فى أ: «كائن» . [.....]

(3/736)


والنبات وغيره «1» ، ثم قال: وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يقول وقسم في الأرض أرزاق العباد والبهائم سَواءً لِلسَّائِلِينَ- 10- يعني عدلا لمن يسأل الرزق من السائلين ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ قبل ذلك فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً عبادتي ومعرفتي يعني أعطيا الطاعة طيعا أَوْ كَرْهاً وذلك أن الله- تعالى- حين خلقهما عرض عليهما الطاعة بالشهوات واللذات على الثواب والعقاب فأبين أن يحملها من المخافة، فقال لهما الرب ائتيا المعرفية لربكما والذكر له على غير ثواب ولا عقاب طوعا أو كرها قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ- 11- يعنى [134 أ] أعطيناه طائعين فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ يقول فخلق السموات السبع فِي يَوْمَيْنِ الأحد والاثنين وَأَوْحى يقول وأمر فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها الذي أراده قال وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا يقول لأنها أدنى السموات من الأرض بِمَصابِيحَ يعني الكواكب وَحِفْظاً بالكواكب يعني ما يرمي الشياطين بالشهاب لئلا «يستمعوا» «2» إلى السماء، يقول: ذلِكَ الذي ذكر من صنعه في هذه الآية تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ في ملكه الْعَلِيمِ- 12- بخلقه فَإِنْ أَعْرَضُوا عن الإيمان يعني التوحيد فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً فى الدنيا مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ- 13- يقول مثل عذاب عاد وثمود وإنما خص عادا وثمود من بين الأمم لأن كفار مكة قد عاينوا هلاكهم باليمن والحجر.
قال مُقَاتِلُ: كل من يموت من عذاب أو سقم أو قتل فهو مصعوق.
__________
(1) كذا فى أ، ف.
(2) فى أ: «يستمعوا» ، ف: «يستمعون» .

(3/737)


ثم قال: إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ يعني من قبلهم ومن بعدهم، فقالوا لقومهم: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ يقول وحدوا الله قالُوا للرسل لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فكانوا إلينا رسلا فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ يعني بالتوحيد كافِرُونَ- 14- لا نؤمن به فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا يعني فتكبروا عن الإيمان وعملوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فخوفهم هود العذاب وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً يعني بطشا قال كان الرجل منهم ينزع الصخرة من الجبل لشدته وكان طوله اثنا عشر ذراعا ويقال «ثمانية عشر ذراعا» «1» وكانوا باليمن فى حضر موت «2» .
أَوَلَمْ يَرَوْا يقول أو لم يعلموا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً يعني بطشا وَكانُوا بِآياتِنا يعني بالعذاب يَجْحَدُونَ- 15- أنه لا ينزل بهم فأرسل الله عليهم الريح فأهلكتهم، فذلك قوله- تعالى-:
فَأَرْسَلْنا فأرسل الله عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً يعنى باردة فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ يعني شدادا وكانت ريح الدبور فأهلكتهم، فذلك قوله: لِنُذِيقَهُمْ يعني لكي نعذبهم عَذابَ الْخِزْيِ يعنى الهوان فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فهو الريح وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى يعني أشد وأكثر إهانة من الريح التي أهلكتهم فى الدنيا وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ- 16- يعني لا يسمعون من العذاب.
قال عبد الله: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول: الصرصر الريح الباردة التي لها صوت.
__________
(1) فى الأصل: «ثماني عشر ذراعا» ، ويجب تأنيث العدد لأن المعدود مذكر فصوبته.
(2) فى أ: «فى حضرموت (فأرسلنا عليهم) ..» ففسر جزءا من الآية 16 ثم عاد فأكمل تفسير الآية 15 ثم أكمل الآية 16، وقد صوبت الأخطاء وعدلت مكان التفسير، حسب ترتيب الآيات فى المصحف الشريف.

(3/738)


ثم ذكر ثمود، فقال: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ يعني بينا لهم فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى يقول اختاروا الكفر على الإيمان فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ يعني صيحة جبريل- عليه السلام- الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ- 17-[134 ب] يعني يعملون من الشرك، ثم قال: وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بالتوحيد من العذاب الذي نزل بكفارهم وَكانُوا يَتَّقُونَ- 18- الشرك، قوله: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ- 19- نزلت في صفوان بن أمية الجمحي، وفي ربيعة، وعبد بالليل ابني عمرو الثقفيين «.........» إلى خمس آيات، ويقال «إن الثلاثة نفر» «1» صفوان بن أمية، وفرقد بن ثمامة، وأبو فاطمة «فَهُمْ يُوزَعُونَ» يعني يساقون إلى النار تسوقهم خزنة جهنم حَتَّى إِذا ما جاؤُها يعني النار وعاينوها قيل لهم أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون في الدنيا؟ قالوا عند ذلك « ... وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ» «2» فختم الله على أفواهم وأوحى إلى الجوارح فنطقت بما كتمت الألسن من الشرك، فذلك قوله: شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ وأيديهم وأرجلهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ- 20- من الشرك فلما شهدت عليهم الجوارح، «وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ» «3» : قالت الألسن للجوارح لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا يعني الجوارح قالوا أبعدكم الله إنما كنا نجاحش عنكم فلم شهدتم علينا بالشرك ولم تكونوا تتكلمون في الدنيا قالُوا قالت الجوارح للألسن: أَنْطَقَنَا اللَّهُ اليوم الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ
__________
(1) من ف، وفى أ: ويقال إن الثلاثة يعنى.
(2) سورة الأنعام: 23.
(3) «وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ» : ساقط من أ.

(3/739)


من الدواب وغيرها وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني هو أنطقكم أول مرة من قبلها في الدنيا، قبل أن ننطق نحن اليوم وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- 21- يقول إلى الله تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم في التقديم «1» وذلك أن هؤلاء النفر الثلاثة كانوا في ظل الكعبة يتكلمون، فقال أحدهم: هل يعلم الله ما نقول؟ فقال الثاني:
إن خفضنا لم يعلم، وإن رفعنا علمه. فقال الثالث: إن كان الله يسمع إذا رفعنا فإنه يسمع إذا خفضنا. فسمع قولهم عبد الله بن مسعود، فأخبر بقولهم النبي- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله في قولهم: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ يعني تستيقنون، وقالوا تستكتمون أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ يعني حسبتم أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ- 22- يعني هؤلاء الثلاثة قول بعضهم لبعض هل يعلم الله ما نقول، لقول الأول والثاني والثالث، يقول حسبتم «أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ» «2» .
وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ يقول يقينكم الذي أيقنتم بربكم وعلمكم بالله بأن الجوارح لا تشهد عليكم، ولا تنطق وأن الله [135 أ] لا يخزيكم بأعمالكم الخبيثة أَرْداكُمْ يعني أهلككم سوء الظن فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ- 23- بظنكم السيئ كقوله لموسى: « ... فَتَرْدى» «3» يقول فتهلك «فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ» يعني من أهل النار فَإِنْ يَصْبِرُوا على النار فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ يعني فالنار مأواهم وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا في الآخرة فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ- 24- يقول وإن يستقيلوا ربهم في الآخرة، فما هم من المقالين لا يقبل ذلك منهم، ثم قال: وَقَيَّضْنا لَهُمْ في الدنيا قُرَناءَ من الشياطين يقول
__________
(1) من أ، وليس فى ف، وفى أأيضا زيادة: «فاستقيموا إليه واستغفروه وإليه ترجعون» .
(2) من ف، وفى أأخطاء.
(3) سورة طه: 16.

(3/740)


وهيأنا لهم قرناء في الدنيا فَزَيَّنُوا لَهُمْ يقول فحسنوا لهم كقوله: « ... كَذلِكَ زُيِّنَ «1» ... » يقول حسن ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يعني من أمر الآخرة وزينوا لهم التكذيب بالبعث والحساب والثواب والعقاب أن ذلك ليس بكائن وَزينوا لهم ما خَلْفَهُمْ من الدنيا فحسنوه في أعينهم، وحببوها إليهم حتى لا يعملوا خيرا وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ يعني وجب عليهم العذاب فِي أُمَمٍ يعني مع أمم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني من قبل كفار مكة مِنْ كفار الْجِنِّ وَالْإِنْسِ من الأمم الخالية إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ- 25- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى الكفار «2» لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ...... إلى ثلاث آيات، هذا قول أبي جهل وأبي سفيان لكفار قريش قالوا لهم إذا سمعتم القرآن من محمد- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فارفعوا أصواتكم بالأشعار والكلام في وجوههم، حتى تلبسوا عليهم قولهم فيسكتون، فذلك قوله: وَالْغَوْا فِيهِ بالأشعار والكلام لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ- 26- يعني لكي تغلبونهم فيسكتون، فأخبر الله- تعالى- بمستقرهم في الآخرة، فقال: فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً يعني أبا جهل وأصحابه وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ- 27- من الشرك ذلِكَ العذاب جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ يعني أبا جهل وأصحابه لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ لا يموتون جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يعني بآيات القرآن يَجْحَدُونَ- 28- أنه ليس من الله- تعالى- وقد عرفوا أن محمدا- صلى الله عليه وسلم-
__________
(1) سورة يونس: 12، وتمامها «وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» .
(2) كذا فى أ، ف.

(3/741)


صادق في قوله ونزل في أبي جهل بن هشام وأبي بن خلف «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ ... » الآية «1» وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لأنهما أول من أقاما على المعصية من الجن إبليس، ومن الإنس ابن آدم قاتل هابيل رأس الخطيئة نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا يعنى من أسفل منا [135 ب] فى النار لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ- 29- في النار، ثم أخبر عن المؤمنين فقال: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ فعرفوه ثُمَّ اسْتَقامُوا على المعرفة ولم يرتدوا عنها تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ في الآخرة من السماء وهم الحفظة أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا «وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» «2» - 30- وذلك أن المؤمن إذا خرج من قبره، فينفض رأسه، وملكه قائم على رأسه يسلم عليه، فيقول الملك للمؤمن أتعرفني؟ فيقول: لا.
فيقول: أنا الذي كنت أكتب عملك الصالح فلا تخف ولا تحزن وأبشر بالجنة التي كنت توعد، وذلك أن الله وعدهم على السنة الرسل- فى الدنيا- الجنة «3» ، وتقول الحفظة يومئذ للمؤمنين نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
ونحن أولياؤكم اليوم: وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها
يعني في الجنة مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ
- 31- يعني ما تتمنون، هذا الذي أعطاكم الله كان نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ- 32-، قوله: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ يعني التوحيد وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
__________
(1) سورة فصلت: 40 وتمامها «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» .
(2) «وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» : ساقطة من أ. [.....]
(3) أى أن الوعد بالجنة كان فى الدنيا على ألسنة الرسل.

(3/742)


- 33- يعني المخلصين يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- قوله: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» «1» وذلك أن أبا جهل كان يؤذي النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان النبي «2» مبغضا له يكره رؤيته فأمر بالعفو والصفح يقول إذا فعلت ذلك فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ يعني أبا جهل كَأَنَّهُ وَلِيٌّ لك في الدين حَمِيمٌ- 34- لك في النسب الشفيق عليك، ثم أخبر نبيه- عليه السلام-: وَما يُلَقَّاها يعني لا يؤتاها يعني الأعمال الصالحة العفو والصفح إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا على كظم الغيظ وَما يُلَقَّاها يعني لا يؤتاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ- 35- نصيبا وافرا في الجنة فأمره الله بالصبر والاستعاذة من الشيطان في أمر أبي جهل وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ يعني يفتننك في أمر أبي جهل والرد عنه مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ يعني فتنة فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ بالاستعاذة الْعَلِيمُ- 36- بها، نظيرها في «حم» المؤمن « ... إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبالِغِيهِ «3» ... » ،
وفي الأعراف «4» أمر أبي جهل.
وَمِنْ آياتِهِ أن يعرف التوحيد بصنعه وإن لم تروه اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ
__________
(1) «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» : ساقط من أ
(2) «النبي» : من ف، وهي ساقطة من أ.
(3) سورة غافر: 56، وتمامها «إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» .
(4) يشير إلى الآية 200 من سورة الأعراف وهي: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» .

(3/743)


يعني الذي خلق هؤلاء الآيات إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ- 37- فسجد النبي- صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون يومئذ، فقال كفار مكة عند ذلك: بل نسجد للات والعزى ومناة، يقول الله- تعالى-: فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا [136 أ] عن السجود لله فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ من الملائكة يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ- 38- يعني لا يملون من الذكر له والعبادة وليست لهم فترة ولا سآمة وَمِنْ آياتِهِ أن يعرف التوحيد بصنعه وإن لم تروه أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً متهشمة غبراء لا نبت فيها فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ يعني على الأرض المطر فصارت حية فأنبتت واهْتَزَّتْ بالخضرة وَرَبَتْ يقول وأضعفت النبات، ثم قال: إِنَّ الَّذِي أَحْياها بعد موتها لَمُحْيِ الْمَوْتى في الآخرة ليعتبر من يشك في البعث إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- 39- من البعث وغيره، قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا يعني أبا جهل يميل عن الإيمان بالقرآن- بالأشعار والباطل «1» لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا يعني أبا جهل، وأخبر الله- تعالى- بمستقره في الآخرة فقال: أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ يعني أبا جهل خير أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم قال لكفار مكة: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ هذا وعيد إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ- 40- من الشرك وغيره إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى أبا جهل بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ يعني به القرآن حين جاءهم وهو أبو جهل وكفار مكة وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ- 41- يقول وإنه لقرآن منيع من الباطل، فلا يستذل، لأنه كلام الله لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ
__________
(1) كذا فى أ، ف. والمراد يترك الإيمان بالقرآن وينشغل بالأشعار والباطل.

(3/744)


يقول لا يأتي القرآن بالتكذيب بل يصدق هذا القرآن الكتب التي كانت قبله:
التوراة والإنجيل والزبور، «1» ثم قال: وَلا يأتيه الباطل مِنْ خَلْفِهِ يقول لا يجيئه «2» من بعده كتاب يبطله فيكذبه بل هو تَنْزِيلٌ يعني وحي مِنْ حَكِيمٍ في أمره حَمِيدٍ- 42- عند خلقه، ثم قال: ما يُقالُ لَكَ يا محمد من التكذيب بالقرآن أنه ليس بنازل عليك إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ من قومهم من التكذيب لهم أنه ليس العذاب بنازل «3» بهم يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على الأذى والتكذيب إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ يقول ذو تجاوز في تأخير العذاب عنهم إلى الوقت حين سألوا العذاب في الدنيا وإذا جاء الوقت وَذُو عِقابٍ فهو ذو عقاب أَلِيمٍ- 43- يعني وجيع كقوله: « ... إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ ... » «4» إن كنتم تتوجعون، قوله: وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا وذلك أن كفار قريش كانوا إذا رأوا النبي- صلى الله عليه وسلم- يدخل على يسار أبي فكيهة اليهودي، وكان أعجمي اللسان غلام عامر بن الحضرمي القرشي يحدثه [136 ب] قالوا: ما يعلمه إلا يسار أبو فكيهة، فأخذه سيده فضربه، وقال له: إنك تعلم محمدا- صلى الله عليه وسلم- فقال يسار: بل هو يعلمني، فأنزل الله- عز وجل- «وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا» يقول بلسان العجم لَقالُوا لقال كفار
__________
(1) الجملة مكررة فى أ.
(2) فى أ: «لا يجبه» .
(3) فى أ: «نازل» ، ف: «بنازل» .
(4) سورة النساء: 104، وتمامها: «وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً» .

(3/745)


مكة: لَوْلا فُصِّلَتْ يقول هلا بينت آياتُهُ بالعربية حتى نفقه ونعلم ما يقول محمدءَ أَعْجَمِيٌّ «1» : ولقالوا إن القرآن أعجمي أنزل على محمد وَوهو عَرَبِيٌّ قُلْ نزله الله عربيا لكي يفقهوه ولا يكون لهم علة، يقول الله- تعالى-: «هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» «2» هُدىً من الضلالة وَشِفاءٌ لما في القلوب للذي فيه من التبيان، ثم قال: وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بالآخرة يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ يعني ثقل فلا يسمعون الإيمان بالقرآن «3» وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى يعني عموا عنه يعني القرآن فلم «يبصروه» «4» ولم يفقهوه أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ- 44- إلى الإيمان بأنه غير كائن لأنهم صمٌّ عنه وعميٌ وفي آذانهم وقر، قوله: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يقول أعطينا موسى التوراة فَاخْتُلِفَ فِيهِ يقول فكفر به بعضهم وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وهي كلمة الفصل بتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى يعني يوم القيامة يقول لولا ذلك الأجل لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ يعني بين الذين آمنوا وبين الذين اختلفوا «وكفروا» «5» بالكتاب، لولا ذلك الأجل لنزل بهم العذاب فى الدنيا وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ يعنى من الكتاب مُرِيبٍ- 45- يعنى أنهم
__________
(1) فى الجلالين: (أ) قرآن (أعجمى و) نبى (عربي) استفهام إنكار منهم، بتحقيق الهمزة الثانية وقلبها ألفا بإشباع ودونه.
(2) «هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» : ساقطة من أ، ومن ف، ومكتوب فى حاشية ف.
(3) كذا فى أ، ف، ويكون تقديره: (فلا يسمعون «الدعوة» إلى الإيمان بالقرآن) .
(4) فى الأصل: «يبصرون» . [.....]
(5) فى أ: «وكفروهم» ، وفى ف: «وكفروا» .

(3/746)


لا يعرفون شكهم، ثم قال: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ العمل فَعَلَيْها يقول إساءته على نفسه وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ- 46- إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وذلك أن اليهود قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- أخبرنا عن الساعة، فإن كنت رسولا كما زعمت علمتها وإلا علمنا أنك لست برسول، ولا نصدقك،
قال النبي- صلى الله عليه وسلم- «لا يعلمها إلا الله أرد علمها إلى الله، فقال الله- عز وجل- للنبي- صلى الله عليه وسلم» «1»
- فإن كنت «رددت» «2» علمها، يعني علم الساعة إلى الله فإن الملائكة والخلق كلهم ردوا علم الساعة يعني القيامة إلى الله- عز وجل- وَيعلم ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها يعنى من أجوافها يعنى الطلع وَيعلم ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى ذكرا أو أنثى «سويا وغير سوي» «3» يقول وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ يقول لا تحمل المرأة الولد ولا تضعه إلا بعلمه وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ يقول أسمعناك كقوله: «وَأَذِنَتْ لِرَبِّها ... » «4» يقول سمعت لربها ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ- 47-[137 أ] يشهد بأن لك شريكا فتبرءوا يومئذ من أن يكون مع الله شريك، يقول وَضَلَّ عَنْهُمْ في الآخرة مَا كانُوا يَدْعُونَ يقول يعبدون يقول «ما عبدوا في الدنيا مِنْ قَبْلُ» وَظَنُّوا «5» يعنى وعلموا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ- 48- يعنى من فرار من
__________
(1) ما بين القوسين « ... » من ف: وليس فى أ.
(2) فى أ: «ردت» .
(3) فى أ، ف: «سوى وغير سوى» .
(4) سورة الانشقاق: 2.
(5) من ف، وفى أ: «ما عبدوا (من قبل) فى الدنيا» .

(3/747)


النار لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ يقول لا يمل الكافر مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ يقول لا يزال يدعو ربه الخير والعافية وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ يعنى البلاء وشدة فَيَؤُسٌ من الخير قَنُوطٌ- 49- من الرحمة، ثم قال: وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا يقول ولئن آتيناه خير وعافية مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ يعني بعد بلاء وشدة أصابته لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي يقول أنا أحق بهذا، يقول:
وَما أَظُنُّ يقول ما أحسب السَّاعَةَ قائِمَةً يعني القيامة كائنة، ثم قال الكافر: وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي في الآخرة إن كانت آخرة إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى يعني الجنة كما أعطيت في الدنيا يقول الله- تعالى- فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا من أعمالهم الخبيثة وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ- 50- يعني شديد لا يقتر عنهم، وهم فيه مبلسون، ثم قال: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ بالخير والعافية أَعْرَضَ عن الدعاء فلا يدعو ربه وَنَأى بِجانِبِهِ يقول وتباعد بجانبه عن الدعاء فى الرخاء وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ بلاء أو شدة إصابته فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ- 51- يعني دعاء كبير يسأل ربه أن يكشف ما به من الشدة في الدعاء ويعرض عن الدعاء في الرخاء قُلْ يا محمد لكفار مكة:
أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ هذا القرآن مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ وذلك أنهم قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- ما هذا القرآن إلا شيء ابتدعته من تلقاء نفسك أما وجد الله رسولا غيرك وأنت أحقرنا وأنت أضعفنا ركنا وأقلنا جندا، أو يرسل ملكا، إن هذا الذي جئت به لأمر عظيم، يقول الله: مَنْ أَضَلُّ يقول فلا أحد أضل مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ- 52- يعني في ضلال طويل، ثم خوفهم فقال: سَنُرِيهِمْ آياتِنا يعني عذابنا فِي الْآفاقِ يعني في البلاد ما بين اليمن والشام، عذاب قوم عاد، وثمود، وقوم لوط كانوا

(3/748)


تمرون عليهم، ثم قال: وَنريهم العذاب فِي أَنْفُسِهِمْ فهو القتل ببدر حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ يعني أن هذا القرآن «الحق» «1» من الله- عز وجل- أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ «شاهدا» «2» أن هذا القرآن جاء من الله- عز وجل- أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ- 53- كقوله في الأنعام:
« ... قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ «3» ... » أَلا إِنَّهُمْ فِي [137 ب] مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ يعني في شك من البعث وغيره أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ- 54-.
__________
(1) فى أ: «لحق» ، وفى ف: «الحق» .
(2) فى أ: «شاهد» ، وفى ف: «شاهدا» .
(3) سورة الأنعام: 19.

(3/749)