تفسير مقاتل بن سليمان

سورة الشّورى

(3/751)


(42) سورة الشّورى مكّيّة وآياتها ثلاث وخمسون

[سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 53]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (24)
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (29)
وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44)
وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (49)
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)

(3/753)


سورة الشورى «1» سورة حم عسق مكية عددها خمسون وثلاث آيات كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان حجة التوحيد، وتقرير نبوة الرسول: وتأكيد شريعة الإسلام، والتهديد بظهور آثار القيامة، وبيان ثواب العاملين دنيا وأخرى، وذل الظالمين فى عرصات القيامة، واستدعاء الرسول- صلى الله عليه وسلم- من الأمة محبة أهل البيت، العترة الطاهرة، ووعد التائبين بالقبول، وبيان الحكمة فى تقدير الأرزاق وقسمتها، والإخبار عن شؤم الآثام والذنوب، وذل الكفار فى مقام الحساب والمنة على الخلق بما منحوا من الأولاد، وبيان كيفية نزول الوحى على الأنبياء، والمنة على الرسول بعطية الإيمان، والقرآن، وبيان أن مرجع الأمور إلى الله الديان فى قوله: « ... إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ» سورة الشورى: 53.
(2) فى المصحف (42) سورة الشورى مكية إلا الآيات 23، 24، 25، 27 فمدنية وآياتها 53 ونزلت بعد سورة فصلت.
وتسمى سورة: «عسق» لابتدائها بها، وسورة الشورى، لقوله فيها « ... وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ... » سورة الشورى: 38.

(3/761)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «حم- 1- عسق «1» » - 2- في أمر العذاب يا محمد فيها تقديم إليك وإلى الأنبياء من قبلك، فمن ثم قال: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ يا محمد وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ من الأنبياء أنه نازل بقومهم إذا كذبوا الرسل، ثم عظم نفسه فقال له يا محمد: «إنما» «2» ذلك يوحى اللَّهُ الْعَزِيزُ في ملكه الْحَكِيمُ- 3- في أمره لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ يعني الرفيع فوق خلقه الْعَظِيمُ- 4- فلا أكبر منه تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ يعني يتشققن من عظمة الرب الذي هو فوقهن، ثم قال: وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ يعني يصلون بأمر ربهم وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ثم بين في «حم» المؤمن أي الملائكة هم فقال: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ... » ثم بين لمن يستغفرون فقال: « ... وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا «3» ... » يعنى
__________
(1) فى ل، ف: وفيها من المدني «ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ ... » إلى آخر الآيات، « ... إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» (وهو يشير إلى آيتي 23، 24) .
وقوله: «وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ» آيات 39، 40، 41.
(2) «إنما» : ساقطة من أ، ف، وهي من ل.
(3) سورة غافر: 7، وتمامها: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ» . [.....]

(3/763)


المؤمنين فصارت هذه الآية منسوخة نسختها الآية التي في «حم» المؤمن «1» .
ثم قال: أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ لذنوبهم الرَّحِيمُ- 5- بهم، قوله وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ يعبدونها من دون الله اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ يعنى رقيب عليهم وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ يا محمد بِوَكِيلٍ- 6- يعني بمسيطر.
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا ليفقهوا ما فيه ولِتُنْذِرَ يعني ولكي تنذر بالقرآن يا محمد أُمَّ الْقُرى وهي مكة، وإنما سميت أمَّ القرى لأن الأرض كلها دحيت من تحت الكعبة قال: وَلتنذر يا محمد بالقرآن مَنْ حَوْلَها يعني حول مكة من القرى يعني قرى الأرض كلها وَلكي تُنْذِرَ بالقرآن يَوْمَ الْجَمْعِ يعني جمع أهل السموات وجمع أهل الأرض لا رَيْبَ فِيهِ يعني لا شك فيه في البعث أنه كائن، ثم بعد الجمع يتفرقون فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ- 7- يعني الوقود، ثم لا يجتمعون أبدا، قال: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ يعني كفار مكة أُمَّةً واحِدَةً يعني عَلَى مَلَّة الْإِسْلام وحدها وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ يعني في دينه الإسلام وَالظَّالِمُونَ يعني مشركي مكة ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ يعني من قريب ينفعهم في الآخرة وَلا نَصِيرٍ- 8- يعني ولا مانع يمنعهم من العذاب عذاب النار.
قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ من الملائكة أَوْلِياءَ يعني آلهة وهم خزاعة وغيرهم يعبدونها فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ يعنى الرب وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى فى الآخرة وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من البعث وغيره قَدِيرٌ- 9- قوله:
__________
(1) ليس هذا من النسخ ولكنه من تخصيص العام.

(3/764)


وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ وذلك أن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن، وآمن بعضهم فقال الله- تعالى-: إن الذي اختلفتم فيه فإني أرد قضاءه إلي وأنا أحكم فيه، ثم دل على نفسه بصنعه، فقال: ذلِكُمُ اللَّهُ الذي يحيي الموتى ويميت الأحياء هو أحياكم وهو الله رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ يعني به أثق وَإِلَيْهِ أُنِيبُ- 10- يقول إليه أرجع، قوله:
فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني خالق السموات والأرض جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً يقول جعل بعضكم من بعض أزواجا يعني الحلائل لتسكنوا إليهن وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يعني ذكورا وإناثا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يقول يعيشكم فيه فيما جعل من الذكور والإناث من الأنعام، ثم عظم نفسه، فقال:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ في القدرة وَهُوَ السَّمِيعُ لقول كفار مكة الْبَصِيرُ- 11- بما خلق لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ يعنى مفاتيح بلغة النبط «مَقالِيدُ السَّماواتِ» المطر وَالْأَرْضِ يعني النبات يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ يقول يوسع الرزق على من يشاء من عباده ويقتر على من يشاء إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ من البسط والقتر عَلِيمٌ- 12-، قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ يقول بين لكم، ويقال سن لكم آثار الإسلام والمن ها هنا صلة ك مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ فيه تقديم وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ يعني التوحيد وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يقول عظم على مشركي مكة مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ يا محمد لقولهم: «أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ «1» » يعني التوحيد، ثم اختص أولياءه فقال: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ
__________
(1) سورة ص: 5.

(3/765)


يقول يستخلص لدينه مَنْ يَشاءُ وَهو يَهْدِي إِلَيْهِ إلى دينه مَنْ يُنِيبُ- 13- يعني من يراجع التوبة، ثم قال: وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ يعني البيان بَغْياً بَيْنَهُمْ «وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ» «1» «ولولا كلمة الفصل التي سبقت من ربك» «2» في الآخرة يا محمد، في تأخير العذاب عنهم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني به القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بين من آمن وبين من كفر ولولا ذلك لنزل بهم العذاب في الدنيا حين كذبوا واختلفوا، ثم قال: وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ قوم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى أورثوا الكتاب من بعدهم: اليهود والنصارى من بعد أنبيائهم لَفِي شَكٍّ مِنْهُ يعنى من الكتاب الذي عندهم [138 ب] مُرِيبٍ- 14، قوله: فَلِذلِكَ فَادْعُ يعني إلى التوحيد يقول الله لنبيه- صلى الله عليه وسلم-: ادع أهل الكتاب إلى معرفة ربك، إلى هذا التوحيد «3» وَاسْتَقِمْ يقول وامض كَما أُمِرْتَ بالتوحيد، كقوله في الزمر- « ... فَاعْبُدِ اللَّهَ ... » «4» وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ فى ترك الدعاء، وذلك حين
__________
(1) فى أ: «ولولا كلمة الفصل التي سبقت من ربك» وهذا النص محرف أيضا فى ف، ل.
(2) كذا فى أ، ل، ف، وفيها جميعا اختلط القرآن بغيره مع تحريفه، فذكرت القرآن مستقلا وجعلت ما فى النسخ تفسيرا.
(3) تفسير (فلذلك فادع) ، من ف وليس فى أ.
(4) سورة الزمر: 2، وتمامها: «إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ» ، وبالنص محرف فى أففيها « ... واعبد الله ... » وفى الزمر آيات فى هذا المعنى منها الآية 11 «قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ» وفى الآية 14: «قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي» وفى الآية: 66 «بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ» .

(3/766)


دعاه أهل الكتاب إلى دينهم، ثم قال: وَقُلْ لأهل الكتاب: آمَنْتُ يقول صدقت بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ يعني القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ بين أهل الكتاب في القول، يقول أعدل بما آتاني الله في كتابه والعدل أنه دعاهم إلى دينه، قوله: اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ يقول لنا ديننا الذي نحن عليه ولكم دينكم الذي أنتم عليه لا حُجَّةَ يقول لا خصومة بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ في الدين يعني أهل الكتاب، نسختها آية القتال في براءة «1» .
اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا في الآخرة فيجازينا بأعمالنا ويجازيكم وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ- 15- وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ يعني يخاصمون فِي اللَّهِ فهم اليهود قدموا على النبي- صلى الله عليه وسلم- بمكة، فقالوا للمسلمين: ديننا أفضل من دينكم، ونبينا أفضل من نبيكم، يقول: مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ يعني لله في الإيمان حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ يقول خصومتهم باطلة حين زعموا أن دينهم أفضل من دين الإسلام وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ من الله وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ- 16- اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ يقول لم ينزله باطلا لغير شيء وَالْمِيزانَ يعني العدل وَما يُدْرِيكَ يا محمد لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ- 17- وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- ذكر الساعة وعنده أبو فاطمة ابن البختري، وفرقد بن ثمامة، وصفوان بن أمية، فقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: متى تكون الساعة؟ تكذيبها بها. فقال الله- تعالى-: «وَما يُدْرِيكَ
__________
(1) يشير إلى الآية الخامسة من سورة التوبة وهي: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .

(3/767)


لعل الساعة» يعني القيامة «قَرِيبٌ» يَسْتَعْجِلُ بِهَا بالساعة الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها يعني لا يصدقون بها، هؤلاء الثلاثة نفر، أنها كائنة لأنهم لا يخافون ما فيها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها يعني بلال وأصحابه صدقوا النبي- صلى الله عليه وسلم- بها يعني بالساعة لأنهم لا يدرون على ما يهجمون منها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ الساعة أنها كائنة، ثم ذكر الذين لا يؤمنون بالساعة فقال: أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ يعني هؤلاء الثلاثة يعني يشكون في القيامة لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ- 18- يعنى طويل اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ البر منهم والفاجر لا يهلكهم جوعا حين قال: «إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا ... » «1» يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ في هلاكهم ببدر الْعَزِيزُ- 19- في نقمته منهم مَنْ كانَ يُرِيدُ بعمله الحسن حَرْثَ الْآخِرَةِ يقول من كان من الأبرار يريد بعمله الحسن الثواب [139 أ] الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ يعني بلالا وأصحابه حتى يضاعف له في حرثه يقول في عمله وَمَنْ كانَ من الفجار يُرِيدُ بعمله حَرْثَ الدُّنْيا يعني ثواب الدنيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ يعنى الجنة لهولاء الثلاثة مِنْ نَصِيبٍ- 20- يعني من حظ، ثم نسختها «مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ... » «2» ، قوله: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا يقول سنوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ يعنى كفار مكة يقول ألهم آلهة بينوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، ثم قال: وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ التي سبقت من الله في الآخرة أنه معذبهم يقول لولا ذلك الأجل لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ قول لنزل
__________
(1) سورة الدخان: 15.
(2) سورة الإسراء: 18.

(3/768)


بهم العذاب في الدنيا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ يعني المشركين لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 21- يعني وجيع، ثم أخبر بمستقر المؤمنين والكافرين في الآخرة فقال: تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا من الشرك وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ يعني العذاب في التقديم، ثم قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ يعنى بساتين الجنة لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ الذي ذكر من الجنة هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ- 22-، ثم قال: ذلِكَ الَّذِي ذكر من الجنة «يُبَشِّرُ اللَّهُ» «1» عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ من الأعمال قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً يعني على الإيمان جزاء إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى يقول إلا أن تصلوا قرابتي وتتبعوني وتكفوا عني الأذى ثم نسختها «2» «قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ «3» ... » ، قوله وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً يقول ومن يكتسب حسنة واحدة نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً يقول فضاعف له الحسنة الواحدة عشرا فصاعدا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لذنوب هؤلاء شَكُورٌ- 23- لمحاسنهم القليلة حين يضاعف الواحدة عشرا فصاعدا. قوله: أَمْ يَقُولُونَ كفار مكة إن محمدا افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً حين زعم أن القرآن من عند الله نشق على النبي- صلى الله عليه وسلم- تكذيبهم إياه، يقول الله- تعالى-: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ يقول يربط على قلبك فلا يدخل في قلبك المشقة من قولهم بأن محمدا كذاب مفتر
__________
(1) فى أ: «يبشر الله به» .
(2) لا تعارض بين الآيتين ولا نسخ فيهما عند الأصولين.
(3) سورة نبأ: 47 وتمامها: «قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» .

(3/769)


«وَيَمْحُ» «1» اللَّهُ إن شاء الْباطِلَ الذي يقولون بأنك كذاب مفتر، من قلبك، وَيُحِقُّ الله الْحَقَّ وهو الإسلام بِكَلِماتِهِ يعني القرآن الذي أنزل عليه إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 24- يعني القلوب يعلم ما في قلب محمد- صلى الله عليه وسلم- من الحزن من قولهم بتكذيبهم إياه، قوله:
وَهُوَ الَّذِي [139 ب] يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ يقول ويتجاوز عن الشرك الذي تابوا وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ- 25- من خير أو شر وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ من أهل مكة لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ- 26- لا يفتر عنهم، قوله:
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ يعني ولو وسع الله الرزق لِعِبادِهِ في ساعة واحدة لَبَغَوْا يعني لعصوا فِي الْأَرْضِ «2» فيها تقديم وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ- 27- بهم وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ يعني المطر الذي حبس عنهم بمكة سبع سنين مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا يعني من بعد الإياسة وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ يعني نعمته ببسط المطر «وَهُوَ الْوَلِيُّ» «3» ولي المؤمنين الْحَمِيدُ- 28- عند خلقه في نزول الغيث عليهم وَمِنْ آياتِهِ أن تعرفوا توحيد الرب وصنعه وإن لم تروه خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ يعني الملائكة في السموات والخلائق في الأرض وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ فى الآخرة إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ- 29-، قوله: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ يعنى
__________
(1) فى أ: ويمحو، وفى رسم المصحف، ويمح.
(2) فى أ: كررت مرتين جملة (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرض) . [.....]
(3) فى أ: (وهو ولى) المؤمنين.

(3/770)


المؤمنين من بلاء فى الدنيا وعقوبة من اختلاج عرق أو خدش عود أو نكبة حجر أو عثرة قدم فصاعدا إلا بذنب، فذلك قوله: «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ» فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ من المعاصي وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ- 30- يعني ويتجاوز عن كثير من الذنوب فلا يعاقب بها في الدنيا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قال أبو صالح: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ أَكْثَرُ، وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ يَعْنِي النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يُعَاقِبْ بِهِ فِي الآخِرَةِ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ « ... مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ «1» ... » قَالَ هَاتَانِ الآيَتَانِ فِي الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِينَ،
قوله- تعالى-: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ يعني بسابقي الله هربا فِي الْأَرْضِ بأعمالكم الخبيثة حتى يجزيكم بها وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يعني قريب ينفعكم وَلا نَصِيرٍ- 31- يقول ولا مانع يمنعكم من الله- جل وعز- وَمِنْ آياتِهِ أن تعرفوا توحيده بصنعه وإن لم تروه الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ- 32- يعني السفن تجري في البحر بالرياح كالأعلام شبه السفن في البحر كالجبال في البر، «2» وقال: إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ قائمات على ظهر الماء فلا تجري إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ترون يعني السفن، إذا جرين وإذا ركدن لَآياتٍ يعني لعبرة لِكُلِّ صَبَّارٍ يقول كل صبور على أمر الله شَكُورٍ- 33- لله- تعالى- في هذه النعمة، ثم قال: أَوْ يُوبِقْهُنَّ يقول وإن يشأ يهلكهن يعني السفن بِما كَسَبُوا يعني بما عملوا من الشرك وَيَعْفُ يعني يتجاوز عَنْ كَثِيرٍ
__________
(1) سورة النساء: 123.
(2) فى أ: البحر، ف: البر.

(3/771)


- 34- من الذنوب فينجيهم من الغرق والهلكة، قال: وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ- 35- قال ويعني من فرار «فَما» «1» أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا تتمتعون بها قليلا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مما أوتيتم فى الدنيا وَأَبْقى وأدوم لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ- 36- يعني وبربهم يثقون، ثم نعتهم فقال: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ يقول كل ذنب يختم بنار وَالْفَواحِشَ ما يقام فيه الحد في الدنيا وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ- 37- يعني يتجاوزون عن ظلمهم فيكظمون الغيظ ويعفون، نزلت في عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن فرط بن رازح بن عدي بن لؤي حين شتم بمكة، فذلك قوله: «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا» يعني يتجاوزوا عن الذين «لا يَرْجُونَ أَيَّامَ الله ... » «2» . وقال: وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لربهم في الإيمان وَأَقامُوا الصَّلاةَ يقول وأتموا الصلوات الخمس نزلت في الأنصار، «داوموا» «3» عليها، وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ قال كانت قبل الإسلام وقبل قدوم النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة إذا كان بينهم أمر، أو أرادوا أمرا اجتمعوا فتشاوروا بينهم فأخذوا به، فأثنى الله عليهم خيرا، ثم قال: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال يُنْفِقُونَ- 38- في طاعة الله، قال: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ يعني الظلم هُمْ يَنْتَصِرُونَ- 39- يعني المجروح ينتصر من الظالم فيقتص منه وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها أن يقتص منه المجروح كما أساء
__________
(1) فى أ: وما.
(2) سورة الجاثية: 13 وتمامها: «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» .
(3) فى الأصل: «داموا» .

(3/772)


إليه ولا يزيد شيئا فَمَنْ عَفا يعني فمن ترك الجارح ولم يقتص وَأَصْلَحَ العمل كان العفو من الأعمال الصالحة فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ قال جزاؤه على الله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ- 40- يعني من بدأ بالظلم والجراءة ثم قال: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ يقول إذا انتصر المجروح، فاقتص من الجارح فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ يعني على الجارح مِنْ سَبِيلٍ- 41- يعني العدوان حين انتصر من الجارح إِنَّمَا السَّبِيلُ يعني العدوان عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يقول يعملون فيها بالمعاصي أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 42- يعنى وجيع، ثم بين [140 ب] أن الصبر والتجاوز أحب إلى الله وأنفع لهم من غيره، ثم رجع إلى المجروح فقال: وَلَمَنْ صَبَرَ ولم يقتص وَغَفَرَ وتجاوز ف إِنَّ ذلِكَ الصبر والتجاوز لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ- 43- يقول من حق الأمور التي أمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بها، قوله- تعالى-: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدى فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ يقول ومن يضلل الله عن الهدى فما له من قريب يهديه إلى دينه مِنْ بَعْدِهِ مثلها فى الجائية قال: وَتَرَى الظَّالِمِينَ يعني المشركين لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ في الآخرة يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ- 44- يقول هل إلى الرجعة إلى الدنيا من سبيل وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها يعني على النار واقفين عليها خاشِعِينَ يعني خاضعين مِنَ الذُّلِّ الذي نزل بهم يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ يعني يستخفون بالنظر إليها يسارقون النظر وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وحده وقالها في الزمر «1» إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
__________
(1) فى أ: قالها فى الزمر، وفى ف: يعنى النبي- صلى الله عليه وسلم- هو قالها فى الزمر، وقد كررت الجملة مرتين فيها، وفى ل: وقالها فى الزمر.

(3/773)


يعني غبنوا أنفسهم فصاروا إلى النار وَخسروا أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يقول وغبنوا أهليهم في الجنة فصاروا لغيرهم، ولو دخلوا الجنة أصابوا الأهل، فلما دخلوا النار حرموا فصار ما في الجنة والأهلين لغيرهم «1» أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ يعنى المشركين فِي عَذابٍ مُقِيمٍ- 45- يعني دائم لا يزول عنهم مثلها في الروم وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ يقول وما كان لهم من أقرباء يمنعونهم من الله وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدى فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ- 46- إلى الهدى، قوله اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ بالإيمان يعني التوحيد مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ يعني لا رجعة لهم إذا جاء يوم القيامة لا يقدر أحد على دفعه مِنَ اللَّهِ، ثم أخبر عنهم يومئذ فقال: مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ يعني حرزا يحرزكم من العذاب وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ- 47- من العذاب فَإِنْ أَعْرَضُوا عن الهدى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً يعنى رقيبا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ يا محمد وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ يقول إذا مسسنا وفي قراءة ابن مسعود «وإنا إذا أذقنا الناس منا رحمة فرحوا بها» يعني المطر «مِنَّا «2» رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني كفار مكة يعني قحط في المطر بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من الكفر فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ- 48- فيها تقديم لنعم ربه في كشف الضر عنه يعني الجوع وقحط المطر نظيرها في الروم، «3» ثم عظم نفسه فقال: لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ
__________
(1) فى أنقص، وفى جميع النسخ نقص، فقد سقطت كلمة «يوم القيامة» وهي جزء من الآية، سقطت من جميع النسخ، وقد ذكرت تفسير الآية من كل النسخ على طريقة النص المختار.
(2) «منا رحمة» : ساقطة من أ.
(3) يشير إلى الآية 36 من سورة الروم وهي «وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ» .

(3/774)


فى الرحم [141 أ] يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً يعنى البنات وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ- 49- يعنى البنين ليس فيهم أنثى أَوْ يُزَوِّجُهُمْ يقول وإن يشأ نصفهم ذُكْراناً وَإِناثاً يعني يولد له مرة بنين وبنات ذكورا وإناثا فنجعلهم له وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً لا يولد له إِنَّهُ عَلِيمٌ بخلقه قَدِيرٌ- 50- في أمر الولد والعقم وغيره، قوله: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً وذلك أن اليهود قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- ألا تكلم الله، وتنظر إليه إن كنت صادقا، كما كلمه موسى ونظر إليه، فإنا لن نؤمن لك حتى يعمل الله ذلك بك. فقال الله لهم: لم أفعل ذلك بموسى، وأنزل الله- تعالى- «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ» يقول ليس لنبي من الأنبياء أن يكلمه الله «إِلا وَحْيًا» فيسمع الصوت فيفقه أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ كما كان بينه وبين موسى أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ يقول أو يأتيه مني بوحي: يقول أو يأمره فيوحى ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ يعني رفيع فوق خلقه حَكِيمٌ- 51- في أمره.
«فقالوا للنبي من أول المرسلين» «1» فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أول المرسلين آدم- عليه السلام- «2» . فقالوا: كم المرسلين؟ قال: ثلاثمائة وخمسة عشر
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » زيادة اقتضاها السياق، ففي أ: ل، ف، ح بدأ الكلام:
بالجواب وهو
«فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- أول المرسلين آدم»
وهذا الجواب لا بد له من سؤال، وقد سقط السؤال من جميع النسخ فأضفته.
(2) فى أزيادة: نسل، وفى ح: نسل، وفى ف: فسئل وفى ل: مسيل.

(3/775)


جماء الغفير «1» ومن الأنبياء من يسمع الصوت فيفقه، ومن الأنبياء من يوحى إليه في المنام، وإن جبريل ليأتي النبي- صلى الله عليه وسلم- كما يأتي الرجل صاحبه في ثياب البياض مكفوفة بالدر والياقوت ورجلاه مغموستان «2» في الخضرة «3» ،
قوله- تعالى- وَكَذلِكَ يعني وهكذا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا يعني الوحي بأمرنا كما أوحينا إلى الأنبياء من قبلك حين ذكر الأنبياء من قبله فقال «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً» إلى آخر الآية «4» .
قوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ يا محمد قبل الوحي ما الكتاب وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ يعني القرآن نُوراً يعني ضياء من العمى نَهْدِي بِهِ يعني بالقرآن من الضلالة إلى الهدى مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 52- يعني إنك لتدعو إلى دين مستقيم يعني الإسلام صِراطِ اللَّهِ يقول دين الله الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقه وعبيده وفي قبضته أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ- 53- يعنى
__________
(1) فى أ، ف: «جم الغفير» وفى ح: «جم الفقير» .
أقول: الثابت فى علم التوحيد أن على المؤمن أن يعتقد أن الله أرسل رسلا وأنبياء كثيرين لهداية البشر وعليه أن يفوض معرفة عددهم إلى الله- تعالى-، لأن الله يقول: «مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ» سورة غافر: 78.
وتحديد الرسل بهذا العدد الصغير مرفوض عقلا وشرعا وجميع النسج مضطربة فى هذا الموضع.
(2) فى أ، ل: «ورجلاء مغموستان» وفى ف: «ورجلاه مطموستان» [.....]
(3) فى أ، ف، ح: «الخضرة» ، وفى ل: «الحضرة» .
(4) الآية 51 من سورة الشورى وتمامها «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ» .

(3/776)


أمور الخلائق فى الآخرة تصير إليه فيجزيهم بأعمالهم والله غفور لذنوب العباد رحيم بهم. [141 ب] قال مُقَاتِلُ: سيد الملائكة إسرافيل وهو صاحب الصور، وسيد الأنبياء محمد- صلى الله عليه وسلم-، وسيد الشهداء هابيل بن آدم، وسيد المؤذنين بلال بن رباح، وسيد الشهور شهر رمضان، وسيد الأيام يوم الجمعة، وسيد السباع الأسد، وسيد الطير النسر، وسيد الأنعام الثور، وسيد الوحش الأيل، وسيد البلاد مكة، وسيد البقاع بكة، وسيد البيوت الكعبة، وسيد البحور بحر موسى، وسيد الجبال طور سيناء، وسيد المجالس ما استقبل به القبلة، وسيد الصلاة صلاة المغرب.

(3/777)