تفسير مقاتل بن سليمان

سورة الزخرف

(3/779)


(43) سورة الزخرف مكّيّة وآياتها تسع وثمانون

[سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 89]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (7) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (14)
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (19)
وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ مَا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذلِكَ مَا أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29)
وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (30) وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (34)
وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35) وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (39)
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (44)
وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (46) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (49)
فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (54)
فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (56) وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (59)
وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62) وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (64)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (69)
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (74)
لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنادَوْا يَا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (81) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)
وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)

(3/781)


سورة الزخرف «1» سورة الزخرف مكية عددها تسع وثمانون آية كوفية «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان إثبات القرآن فى اللوح المحفوظ، وإثبات الحجة والبرهان على وجود الصانع، والرد على عباد الأصنام الذين قالوا: الملائكة بنات الله، والمنة على الخليل- صلى الله عليه وسلم- بإبقاء كلمة التوحيد فى عقبة، وبيان قسمة الأرزاق، والإخبار عن حسرة الكفار، وندامتهم يوم القيامة، ومناظرة فرعون وموسى، ومجادلة المؤمنين مع عبد الله بن الزبعرى بحدث عيسى فى قوله: «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ» سورة الزخرف: 57، وبيان شرف الموحدين فى القيامة، وعجز الكفار فى جهنم واثبات الهبة الحق فى السماء وأمر الرسول بالإعراض عن مكافأة الكفار فى قوله:
«فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ ... » سورة الزخرف: 89.
(2) فى المصحف (43) سورة الزخرف مكية إلا آية 54 فمدنية وآياتها 89 نزلت بعد سورة الشورى.
وتسمى سورة الزخرف لقوله « ... عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ، وَزُخْرُفاً ... » سورة الزخرف: 34- 35.

(3/787)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم- 1- وَالْكِتابِ الْمُبِينِ- 2- يعنى البين ما فيه إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ليفقهوا ما فيه ولو كان غير عربي ما عقلوه لَعَلَّكُمْ يقول لكي تَعْقِلُونَ- 3- ما فيه، ثم قال: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ يقول لأهل مكة إن كذبتم بهذا القرآن فإن نسخته في أصل الكتاب يعني اللوح المحفوظ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ يقول عندنا مرفوع حَكِيمٌ- 4- يعني محكم من الباطل قوله: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً يقول لأهل مكة أفنذهب عنكم هذا القرآن سدى لا تسألون عن تكذيب به أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ- 5- يعني مشركين وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ- 6- وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ ينذرهم العذاب إِلَّا كانُوا بِهِ يعنى بالعذاب يَسْتَهْزِؤُنَ- 7- بأنه غير نازل بهم فَأَهْلَكْنا بالعذاب أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً يعني قوة وَمَضى مَثَلُ يعني شبه الْأَوَّلِينَ- 8- في العقوبة حين كذبوا رسلهم يقول هكذا أمتك يا محمد في سنة من مضى من الأمم الخالية في الهلاك «1» .
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يقول لنبيه- صلى الله عليه وسلم- لئن سألت كفار مكة مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ
__________
(1) فى أ: ذكرت الآية 8 مع تفسيرها قبل الآية 6، 7 وقد أعدت ترتيب الآيات كما فى المصحف الشريف.

(3/789)


في ملكه الْعَلِيمُ- 9- بخلقه، ثم دل على نفسه بصنعه ليوحد فقال:
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً يعنى فرشا «1» وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا يعني طرقا تسلكونها لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ- 10- يقول لكي تعرفوا طرقها وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ وهو المطر فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً يقول فأحيينا به، يعني بالماء بلدة ميتا لا نبت فيها، فلما أصابها الماء أنبتت كَذلِكَ [142 أ] يقول هكذا تُخْرَجُونَ- 11- من الأرض بالماء كما يخرج النبت، ثم قال: وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها يعني الأصناف كلها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ يعني السفن وَمن وَالْأَنْعامِ يعني الإبل والبقر مَا تَرْكَبُونَ- 12- يعني الذي تركبون لِتَسْتَوُوا يعني لكي تستووا عَلى ظُهُورِهِ يعني ذكورا وإناثا من الإبل ثُمَّ قال: لكي تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ على ظهورها يعني يقولون الحمد لله وَلكي تَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا يعني ذلل لنا هذا المركب وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ- 13- يعنى مطيقين وَلكي تقولوا إِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ- 14- يعني لراجعون، قوله:
وَجَعَلُوا لَهُ يقول وصفوا له مِنْ عِبادِهِ من الملائكة جُزْءاً يعني عدلا هو الولد فقالوا: إن الملائكة بنات الله- تعالى- يقول الله:
إِنَّ الْإِنْسانَ في قوله لَكَفُورٌ مُبِينٌ- 15- يقول بين الكفر يقول الله- تعالى- ردا عليهم: أَمِ يقول «2» : اتَّخَذَ الرب لنفسه مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ
__________
(1) فى أ، ل، ف: «مهادا» يعنى فراشا، قال البيضاوي، وقد قرأ غير الكوفيين «مهادا» بالألف.
(2) كذا فى أ: ف.

(3/790)


فيها تقديم واستفهام اتخذ مما يخلق من « ... مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ» «1» بنات؟ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ- 16- يقول واختصكم بالبنين، ثم أخبر عنهم في التقديم، فقال: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا يعني شبها والمثل زعموا أن الملائكة بنات الله- تعالى-، «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ... » «2» ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا يعني متغيرا وَهُوَ كَظِيمٌ- 17- يعني مكروب أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ يعني ينبت في الزينة يعني الحلي مع النساء يعني البنات وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ- 18- يقول هذا الولد الأنثى ضعيف قليل الحيلة «وهو» «3» عند الخصومة والمحاربة غير بين ضعيف عنها، ثم أخبر عنهم فقال: وَجَعَلُوا يقول ووصفوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً
لقولهم إن الملائكة بنات الله، يقول الله- تعالى- للنبي- صلى الله عليه وسلم-: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ؟ فسئلوا فقالوا: لا.
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: فما يدريكم أنها إناث؟ قالوا: سمعنا من آبائنا، وشهدوا أنهم لم يكذبوا،
«وأنهم» «4» إناث؟ قال الله- تعالى-:
سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ بأن الملائكة بنات الله، في الدنيا، وَيُسْئَلُونَ- 19- عنهما في الآخرة، «حين شهدوا» «5» أن الملائكة بنات الله وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ
__________
(1) سورة الزخرف: 18.
(2) سورة النحل: 58.
(3) فى أ: «وهي» ، وفى ف: «وهو» .
(4) فى أ، ف: «أنهم» .
(5) فى ف: «حين يشهدون» ، وكلمة «ويسألون» مع تفسيرها ساقط من أ، ومثبت من ف.

(3/791)


يعني الملائكة يقول الله- تعالى- مَا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ يقول ما يقولون إلا الكذب: إن الملائكة إناث «إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ» «1» - 20- «يكذبون» «2» أَمْ آتَيْناهُمْ يقول أعطيناهم كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ من قبل هذا القرآن بأن يعبدوا غيره فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ- 21- فإنا لم نعطهم «بَلْ قالُوا» «3» ولكنهم قالوا:
إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ- 22- نزلت في الوليد بن المغيرة، وصخر بن حرب، وأبي جهل بن هشام، وعتبة «وشيبة» «4» ابني ربيعة، كلهم من قريش وَكَذلِكَ يقول وهكذا ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي [142 ب] قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ يعني من رسول فيما خلا إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها يعني جباريها وكبراءها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ يعني على ملة وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ- 23- بأعمالهم كما قال كفار مكة «قالَ» «5» أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ» بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ من الدين ألا تتبعوني، فردوا على النبي- صلى الله عليه وسلم- ف قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ
__________
(1) «إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ» : ساقطة من أ، ف، ح، وهي فى ل بدون تفسير.
(2) «يكذبون» : زيادة من الجلالين. [.....]
(3) «بل قالوا» : ساقط من أ.
(4) «وشيبة» : ساقطة من أوهي من ف.
(5) فى أ: «قل» لهم يا محمد «أو لو جئتكم» . وقراءة حفص وابن عامر «قال» .
ولكنها تكتب «قل» فى المصحف وقرأ غيرهم «قل» وهو خطاب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وأما قراءة حفص وابن عامر «قال» فهي حكاية أمر ماض أوحى إلى النذير. وانظر تفسير البيضاوي: 649.

(3/792)


- 24- يعني بالتوحيد كافرون ثم رجع إلى الأمم الخالية فيها تقديم ثم قال: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ بالعذاب فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ- 25- بالعذاب يخوف كفار مكة بعذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزر وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ- 26- ثم استثنى الرب نفسه لأنهم يعلمون أن الله ربهم فقال: إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي يقول خلقني فإني لا أتبرأ منه فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ- 27- لدينه، قوله- تعالى-: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً لا تزال ببقاء التوحيد فِي عَقِبِهِ يعني ذريته يعني ذرية إبراهيم لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَرْجِعُونَ- 28- من الكفر إلى الإيمان يقول التوحيد إلى يوم القيامة يبقى في ذرية إبراهيم- عليه السلام- «لعلهم يرجعون» يقول لكي يرجعوا من الكفر إلى الإيمان، قوله بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ يعني كفار مكة وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ يعني القرآن وَرَسُولٌ مُبِينٌ- 29- يعني محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أمره «وَلَمَّا» «1» جاءَهُمُ الْحَقُّ يعني القرآن قالُوا هَذَا القرآن سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ- 30- لا نؤمن به نزلت في سفيان بن حرب وأبي جهل بن هشام وعتبة وشيبة، ثم قال الوليد بن المغيرة- لو كان هذا القرآن «حقا» «2» أنزل عليَّ أو على أبي مسعود الثقفي واسمه عمرو بن عمير ابن عوف جد المختار، فأنزل الله- تعالى- في قول الوليد بن المغيرة وَقالُوا لَوْلا يعني هلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ
__________
(1) فى أ: «فلما» .
(2) «حقا» : من ف وليست فى أ.

(3/793)


- 31-: القريتان «1» مكة والطائف وكان عظمة أن الوليد عظيم أهل مكة في الشرف، وأبا مسعود عظيم أهل الطائف فى الشرف، يقول الله- تعالى- أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ يقول أبأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاءوا ولكنها بيدي أختار من أشاء من عبادي للرسالة، ثم قال: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يقول لم نعط الوليد «وأبا مسعود» «2» الذي أعطيناهما من الغنى لكرامتهما على الله ولكنه قسم من الله بينهم، ثم قال:
وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ يعنى فضائل [143 أ] في الغنى لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ يعني الأحرار بَعْضاً يعني الخدم سُخْرِيًّا يعني العبيد والخدم سخره الله لهم وَرَحْمَتُ رَبِّكَ يعني الجنة خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ 32- يعني الأموال يعني الكفار «ثم ذكرهم هوان الدنيا عليه» «3» فقال:
وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً يعني ملة واحدة يعني على الكفر يقول: لولا أن ترغب الناس في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة من الخير والرزق لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لهوان الدنيا عليه لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ يعني بالسقف سماء البيت وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ- 33- يقول «درجا» «4» على ظهور بيوتهم يرتقون.
__________
(1) فى أ: «القريتين» ، وفى ف: «القريتان» .
(2) فى أ: «وأبو سعيد» ، ف: «وأبو مسعود» ، وصوابها: «وأبا مسعود»
(3) فى أ: «ثم ذكر هوان الدنيا عليه فقال» .
(4) فى أ: «درجا» ، وفى ف: «درجة» .

(3/794)


وَلجعلنا لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً من فضة وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ- 34- يعني ينامون وَزُخْرُفاً يقول وجعلنا كل شيء لهم من ذهب إِنْ كُلُّ ذلِكَ يقول وما كل الذي ذكر لَمَّا إلا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا يتمتعون فيها قليلا وَالْآخِرَةُ يعني دار الجنة عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ- 35- خاصة لهم، قوله: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ يقول ومن يعم بصره عن ذكر الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ- 36- فى الدنيا يقول صاحب بزين لهم الغي. وَإِنَّهُمْ وإن الشياطين لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ يعني سبيل الهدى وَيَحْسَبُونَ ويحسب بنو آدم أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ- 37- يعني على هدى حَتَّى إِذا جاءَنا ابن آدم وقرينه في الآخرة جعلا في سلسلة واحدة قالَ ابن آدم لقرينه يعني شيطانه يَا لَيْتَ يتمنى بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ يعني ما بين «مشرق» «1» الصيف إلى «مشرق» «2» الشتاء أطول «يوم» «3» في السنة وأقصر «يوم» «4» في السنة فَبِئْسَ الْقَرِينُ- 38- يقول فبئس الصاحب معه فى النار فى سلسلة واحدة يقول الله- تعالى-: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ في الآخرة الاعتذار إِذْ ظَلَمْتُمْ يقول إذ أشركتم في الدنيا «أَنَّكُمْ» «5» وقرناءكم من الشياطين فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ- 39- يقول: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الذين لا يسمعون الإيمان يعنى
__________
(1) فى أ: «مشرقى» ، ف: «مشرق» .
(2) فى أ: «مشرقى» ، ف: «مشرق» .
(3) فى أ، ف: «يوما» .
(4) فى أ، ف: «يوما» .
(5) فى أ: «فإنكم» . [.....]

(3/795)


الكفار أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ الذين لا يبصرون الإيمان وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 40- نزلت في رجل من كفار مكة، يعني بين الضلالة، قوله:
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ يقول فنميتك يا محمد فَإِنَّا مِنْهُمْ يعني كفار مكة مُنْتَقِمُونَ- 41- بعدك بالقتل يوم بدر أَوْ نُرِيَنَّكَ في حياتك الَّذِي وَعَدْناهُمْ من العذاب ببدر فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ- 42- فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ من القرآن إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 43- يعنى دين مستقيم وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ يقول القرآن لشرف لك وَلِقَوْمِكَ ولمن آمن منهم وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ- 44- فى الآخرة عن من [143 ب] يكذب به، ثم قال: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا يعني الذين أرسلنا إليهم مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ- 45- يقول سل يا محمد مؤمني أهل الكتاب هل جاءهم رسول يدعوهم إلى غير عبادة الله، قوله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا اليد والعصا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ «فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ» «1» - 46- فَلَمَّا جاءَهُمْ «بِآياتِنا» «2» إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ- 47- استهزاء وتكذيبا، يقول الله- تعالى-: وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها يعني اليد بيضاء لها شعاع مثل شعاع الشمس، يغشي البصر فكانت اليد أكبر من العصا، وكان موسى- عليه السلام- بدأ بالعصا فأنقاها وأخرج يده فلم يؤمنوا، يقول الله- تعالى-: وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ يعنى الطوفان والجراد
__________
(1) «فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ» : ساقط من أ.
(2) فى أ: بالآية.

(3/796)


والقمل والضفادع والدم والطمس والسنين لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ- 48- يعني لكي يرجعوا من الكفر إلى الإيمان وَقالُوا لموسى يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ يقول سل لَنا رَبَّكَ فلم يفعل، وقال تسموني ساحرا، وقال فى سورة الأعراف « ... ادْعُ لَنا رَبَّكَ «1» ... » بِما عَهِدَ عِنْدَكَ أن يكشف عنا العذاب، إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ- 49- يعني مؤمنين لك، وكان الله- تعالى- عهد إلى موسى- عليه السلام- لئن آمنوا «كشف» «2» عنهم فذلك قوله:
«بما عهد عندك» إن آمنا كشف عنا العذاب، فلما دعا موسى ربه كشف عنهم فلم يؤمنوا، فذلك قوله: فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ- 50- الذي عاهدوا عليه موسى- عليه السلام-: « ... لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ «3» ... » فلم يؤمنوا، قوله: وَنادى فِرْعَوْنُ القبطي فِي قَوْمِهِ القبط وكان نداوة أنه: قالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ أربعين فرسخا في أربعين فرسخا وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي من أسفل مني أَفَلا يعني فهلا تُبْصِرُونَ- 51- ألهم جنان وأنهار مثلها، ثم قال فرعون: أَمْ أَنَا خَيْرٌ يقول أنا خير مِنْ هذَا يعني موسى الَّذِي هُوَ مَهِينٌ يعنى ضعيف ذليل وَلا يَكادُ يُبِينُ- 52- حجته يعني لسانه لأن الله- تعالى- كان أذهب عقدة لسانه في طه حين قال: «وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي» «4» قال الله- تعالى-: « ... قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسى» «5» ،
__________
(1) سورة الأعراف: 134.
(2) فى أ: كشف، ف: كشفت.
(3) سورة الأعراف: 134.
(4) سورة طه: 27.
(5) سورة طه: 36.

(3/797)


ثم قال فرعون: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ «أَسْوِرَةٌ» «1» مِنْ ذَهَبٍ يقول فهلا ألقي عليه ربه الذي أرسله «أَسْوِرَةٌ مِنْ ذهب» إن كان صادقا أنه رسول أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ- 53- يعني متعاونين يعينونه على أمره الذي بعث إليه فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ يقول استفز قومه القبط فَأَطاعُوهُ فى الذي قال لهم [144 أ] على التكذيب، حين قال لهم: « ... مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ» «2» فأطاعوه في الذي قال لهم: إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ- 54- يعني عاصين فَلَمَّا آسَفُونا يعني أغضبونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ- 55- لم ينج منهم أحد فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً يعني مضوا في العذاب وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ- 56- يعني عبرة لمن بعدهم، قوله: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا والمثل حين زعموا أن الملائكة بنات الله، وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، وفي المسجد العاص بن وائل السهمي، والحارث وعدي ابنا قيس، كلهم من قريش من بني سهم فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم- «إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ» «3» إلى آيتين. ثم خرج إلى باب الصفا فخاض المشركون في ذلك، فدخل عبد الله ابن الزبعري السهمي، فقال: تخوضون في ذكر الآلهة، فذكروا له ما قال النبي- صلى الله عليه وسلم- لهم ولآلهتهم، فقال عبد الله بن الزبعري يا محمد أخاصة لنا ولآلهتنا أم لنا ولآلهتنا ولجميع الأمم وآلهتهم «فقال النبي- صلى
__________
(1) فى أ: أساورة.
(2) سورة غافر: 29.
(3) سورة الأنبياء: 98.

(3/798)


الله عليه وسلم- بل هي لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم ولآلهتهم» «1» فقال عبد الله خصمتك ورب الكعبة ألست تزعم أن عيسى بن مريم «نبي» «2» وتثني عليه وعلى أمه خيرا وقد علمت أن النصارى يعبدونهما، وعزير يعبد والملائكة تعبد فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون معهم فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: لا. فقال عبد الله أليس قد زعمت أنها لنا ولآلهتنا ولجميع الأمم وآلهتهم؟ خصمتك ورب الكعبة. فضجوا من ذلك فأنزل الله- تعالى- «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى»
يعنى الملائكة وعزيز وعيسى ومريم «أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ» «3» وأنزل «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا» إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ- 57- يعني يضجون تعجبا لذكر عيسى- عليه السلام-، عبد الله بن الزبعري وأصحابه هم هؤلاء النفر وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ يعني عيسى؟ وقالوا ليس آلهتنا إن عذبت «خيرا» «4» من عيسى بأنه يعبد «5» يقول الله- تعالى- «بل هو» مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا يقول ما ذكروا لك عيسى إلا ليجادلونك به بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ- 58- إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ يعني عيسى- عليه السلام- يقول ما هو إلا عبد أَنْعَمْنا عَلَيْهِ بالنبوة وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ- 59- يقول الله- تعالى- حين ولد من
__________
(1) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ، وهو من ف.
(2) «بنى» : ساقطة من أ.
(3) سورة الأنبياء: 101.
(4) فى أ، ف: «خير» . [.....]
(5) كذا فى أ، ف: والجملة ركيكة وبها أخطاء.

(3/799)


غير أب يعني آية وعبرة ليعتبروا قوله: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ- 60- مكانكم فكانوا خلفا منكم، ثم رجع في التقديم إلى عيسى فقال: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ [144 ب] «لِلسَّاعَةِ» «1» يقول نزوله من السماء علامة «للساعة» ينزل على ثنية أفيق: وهو جبل بيت المقدس يقال له أفيق، عليه ممصرتان دهين الرأس معه حربة، يقتل بها الدجال يقول نزول عيسى من السماء علامة للساعة فَلا تَمْتَرُنَّ بِها يقول لا تشكوا في الساعة ولا في القيامة أنها كائنة، قوله: «وَاتَّبِعُونِ» «2» هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ- 61-، ثم قال: وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ عن الهدى إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ- 62- يعنى بين وَلَمَّا جاءَ عِيسى يعني بني إسرائيل «3» بِالْبَيِّناتِ يعني الإنجيل قالَ لهم: قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ يعني الإنجيل فيه بيان الحلال والحرام وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ من الحلال والحرام فبين لهم ما كان حرم عليهم من الشحوم واللحوم وكل ذي ظفر فأخبرهم أنه لهم حلال في الإنجيل غير أنهم يقيمون على السبت فَاتَّقُوا اللَّهَ ولا تعبدوا غيره وَأَطِيعُونِ- 63- فيما آمركم به من النصيحة فَإنَّهُ ليس له شريك إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ يعني وحدوه هَذَا يعني هذا التوحيد صِراطٌ يعني دين مُسْتَقِيمٌ- 64- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فى الدين والأحزاب هم: النسطورية والمار يعقوبية والملكانية تحازبوا من بينهم في عيسى- عليه السلام- فقالت النسطورية: عيسى ابن الله. وقالت
__________
(1) فى أ: الساعة «علامة» .
(2) فى أ: «واتبعونى» .
(3) كذا فى أ، ف، والمراد ولما جاء عيسى إلى بنى إسرائيل.

(3/800)


المار يعقوبية: إن الله هو المسيح بن مريم، وقالت الملكانية: إن الله ثالث ثلاثة فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يعني النصارى الذين قالوا في عيسى ما قالوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ- 65- يعني يوم القيامة وإنما سماه أليما لشدته، ثم رجع إلى كفار قريش فقال: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ يعنى يوم القيامة أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ- 66- بجيئتها، ثم قال:
الْأَخِلَّاءُ في الدنيا يَوْمَئِذٍ في الآخرة بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ- 67- يعني الموحدين نزلت في أمية بن خلف الجمحي، وعقبة ابن أبي معيط قتلا جميعا وذلك
أن عقبة كان يجالس النبي- صلى الله عليه وسلم- ويستمع إلى حديثه، فقالت قريش: قد صبأ عقبة وفارقنا. فقال له أمية بن خلف: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا «فلم تنقل» «1» في وجهه، حتى يعلم قومك أنك غير مفارقهم، ففعل عقبة ذلك فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أما أنا لله علي لئن أخذتك خارجا من الحرم لأهريقن دمك. فقال له: يا بن أبى كبشة، [145 أ] ومن أين تقدر علي خارجا من الحرم، فتكون لك مني «السوء» «2» . فلما كان يوم بدر أسر، فلما عاينه النبي- صلى الله عليه وسلم- ذكر نذره فأمر علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فضرب عنقه فقال عقبة: يا معشر قريش، ما بالي أقتل من بينكم؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- بتكذيبك الله ورسوله. فقال: من لأولادى. فقال النبي
__________
(1) فى أ، ف: «إن لم تنقل» . وما أثبته قريب مما ورد فى كتب السيرة وأنسب إلى سياق الكلام.
(2) فى ف: «السوء» وفى أ: «السواء» .

(3/801)


- صلى الله عليه وسلم- لهم النار.
«ولما» «1» كان يوم القيامة وقع الخوف، فقال: يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ يقول رفع الله الخوف عن المؤمنين الْيَوْمَ يعنى يوم القيامة وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ- 68- فإذا سمعوا النداء رفعوا رءوسهم، فلما قال: الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ- 69- يقول الذين صدقوا بالقرآن وكانوا مخلصين بالتوحيد، نكس أهل الأوثان والكفر رءوسهم، ثم نادى الذين آمنوا وكانوا يتقون المعاصي فلم يبق صاحب كبيرة إلا نكس رأسه، ثم قال: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ يا أهل التوحيد أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ يعني وحلائلكم تُحْبَرُونَ- 70- يعني تكرمون وتنعمون يُطافُ عَلَيْهِمْ بأيدي الغلمان بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ من فضة يعني الأكواب التي ليس لها عرى مدورة الرأس في صفاء القوارير، ثم قال:
وَفِيها «مَا تَشْتَهِيهِ» «2» الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ- 71- لا تموتون وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 72- لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ- 73- ثم قال: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ يعني المشركين المسرفين فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ- 74- يعنى لا يموتون لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ العذاب طرفة عين وَهُمْ فِيهِ يعني في العذاب مُبْلِسُونَ- 75- يعني آيسون من كل خير مستيقنين بكل عذاب مبشرين بكل سوء زرق الأعين سود الوجوه، ثم قال: وَما ظَلَمْناهُمْ فنعذب على غير ذنب وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ- 76- وَنادَوْا فى النار يا مالِكُ
__________
(1) فى أ، ف: فلما، والأنسب «ولما» .
(2) فى أ: «ما تشتهي» ، وفى الآية: «ما تشتهيه» .

(3/802)


وهو خازن جهنم، فقال: ماذا تريدون؟ قالوا: لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ فيسكت عنهم مالك «فلا» «1» يجيبهم مقدار أربعين سنة، ثم «يوحي» «2» الله- تعالى- إلى مالك بعد أربعين «أن يجيبهم» «3» ، فرد عليهم مالك: «قالَ» «4» إِنَّكُمْ ماكِثُونَ- 77- في العذاب يقول مقيمون فيها فقال مالك: لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ في الدنيا يعني التوحيد وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ- 78-، قوله: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ- 79- يقول أم أجمعوا أمرا.
وذلك أن نفرا من قريش منهم أبو جهل بن هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وهشام بن عمرو [145 ب] ، وأبو البختري بن هشام، وأمية بن أبي معيط، وعيينة بن حصن الفزاري، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وأبي بن خلف، - بعد موت أبي طالب- اجتمعوا في دار الندوة بمكة ليمكروا بالنبي- صلى الله عليه وسلم- سرا عند انقضاء المدة فأتاهم إبليس في صورة شيخ كبير فجلس إليهم، فقالوا له: ما أدخلك في جماعتنا بغير إذننا؟ قال عدو الله:
أنا رجل من أهل نجد، وقدمت مكة فرأيتكم حسنة وجوهكم، طيبة ريحكم، فأردت أن أسمع حديثكم، وأشير عليكم، فإن كرهتم مجلسي خرجت من بينكم.
فقال بعضهم لبعض: هذا رجل من أهل نجد ليس من أهل مكة فلا بأس عليكم منه. فتكلموا بالمكر بالنبي- صلى الله عليه وسلم-.
__________
(1) فى أ: «فلم» .
(2) فى أ: «أوحى» .
(3) فى أ: «أن أجبهم» .
(4) «قال» ساقط من أ.

(3/803)


فقال أبو البختري بن هشام- من بني أسد بن عبد العزى-: أما أنا فأرى أن تأخذوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- فتجعلوه في بيت وتسدوا عليه بابه، «وتجعلوا» «1» له كوة لطعامه وشرابه حتى يموت.
فقال إبليس: بئس الرأي رأيتم تعمدون إلى رجل له فيكم صغو، قد سمع به من حولكم، تحبسونه في بيت، وتطعمونه وتسقونه، فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم عنه ويفسد جماعتكم ويسفك دماءكم. قالوا: صدق والله الشيخ.
فقال هشام بن عمرو- من بنى عامر بن لوى-: أما أنا فأرى أن تحملوه على بعير، فتخرجوه من أرضكم، فيذهب حيث شاء ويليه غيركم.
فقال إبليس: بئس الرأي، رأيتم تعمدون إلى رجل قد أفسد عليكم جماعتكم، وتبعه طائفة منكم فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم كما أفسدكم، فيوشك بالله أن يميل بهم عليكم. فقال أبو جهل: صدق والله الشيخ.
فقال أبو جهل بن هشام: أما أنا فأرى أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش فتأخذون من كل بطن منهم رجلا، فتعطون كل رجل منهم سيفا فيضربونه جميعا فلا يدري قومه من يأخذون به، وتؤدي قريش ديته، فقال إبليس: صدق والله الشاب. إن الأمر لكما.
قال: فتفرقوا عن قول أبي جهل فنزل جبريل- عليه السلام- فأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- «بما ائتمروا به» «2» وأمره بالخروج فخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- من ليلته إلى الغار. وأنزل الله- تعالى- فى شرهم
__________
(1) فى أ: «وتجعلون» .
(2) فى أ: «بما ائتمروا به القوم» . [.....]

(3/804)


الذي أجمعوا عليه «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ» يقول أم أجمعوا أمرهم على محمد- صلى الله عليه وسلم- بالشر فإنا مجمعون أمرنا على ما يكرهون فعندها قتل هؤلاء النفر ببدر، يقول: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ الذي بينهم وَنَجْواهُمْ الذي أجمعوا عليه «ليثبتوك» «1» في بيت، أو يخرجوك من مكة، أو يقتلوك، بَلى نسمع ذلك منهم وَرُسُلُنا الملائكة الحفظة لَدَيْهِمْ يعني «عندهم» «2» يَكْتُبُونَ- 80- قُلْ يا محمد [146 أ] :
إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ يعني ما كان للرحمن ولد فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ- 81- وذلك أن النضر بن الحارث- من بني عبد الدار بن قصي- قال:
إن الملائكة بنات الله. فأنزل الله- عز وجل- «قُلْ» يا محمد «إن كان للرحمن» يقول ما كان للرحمن «ولد فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ» يعني الموحدين من أهل مكة بأن لا ولد، ونزه الرب نفسه عما كذبوا بالعذاب: سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ- 82- يعني عما يقولون من الكفر بربهم، يعني كفار مكة حين كذبوا بالعذاب في الآخرة، وذلك أن الله- تعالى- وعدهم في الدنيا على ألسنة الرسل أن العذاب كائن نازل بهم فَذَرْهُمْ يقول خل عنهم يَخُوضُوا في باطلهم وَيَلْعَبُوا يعني يلهوا في دنياهم حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ في الآخرة الَّذِي يُوعَدُونَ «3» - 83- العذاب فيه. ثم قال: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ
__________
(1) ليثبتوك: ليحبسوك.
(2) فى أ: «عند ربهم» ، وفى ف: «عندهم» .
(3) فى أ: كتب تفسير الآية 83 قبل تفسير الآية 82. وقد أعدت ترتيب الآيات وتفسيرها كما وردت فى المصحف.

(3/805)


فعظم نفسه عما قالوا، فقال: وهو الذي يوحد في السماء، ويوحد في الأرض وَهُوَ الْحَكِيمُ في ملكه الخبير بخلقه الْعَلِيمُ- 84- بهم، ثم عظم نفسه عن شركهم فقال: وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ يعني القيامة وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- 85- يعني تردون في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ يقول لا تقدر الملائكة الذين يعبدونهم من دون الله الشفاعة، وذلك أن النضر ابن الحارث ونفرا معه قالوا: إن كان ما يقول محمد حقا فنحن نتولى الملائكة وهم أحق بالشفاعة من محمد- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله «وَلا يَمْلِكُ» يقول ولا يقدر «الذين يدعون من دونه» وهم الملائكة الشَّفَاعَةَ، يقول لا تقدر الملائكة الذين تعبدونهم من دون الله على الشفاعة لأحد، ثم استثنى فقال:
إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ يعني بالتوحيد من بني آدم، فذلك قوله: وَهُمْ يَعْلَمُونَ- 86- أن الله واحد لا شريك له فشفاعتهم لهؤلاء قوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ يعني أهل مكة: كفارهم لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وذلك أنه لما «نزلت» «1» فى أول هذه السورة «خلق» «2» السموات والأرض «3» نزلت في آخرها «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ»
فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم-: من خلقكم ورزقكم وخلق السموات والأرض؟ فقالوا: الله خالق الأشياء كلها، وهو خلقنا.
قال الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- قل لهم: فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ- 87- يقول من أين يكذبون بأنه
__________
(1) كذا فى أ، ف، والأنسب «نزل» .
(2) فى أ: «من خلق» ، وفى ف: «خلق» .
(3) ورد ذلك فى الآية 4 والآية 11.

(3/806)


واحد لا شريك له، وأنتم مقرون أن الله خالق الأشياء وخلقكم، ولم يشاركه أحد في ملكه فيما خلق؟ فكيف تعبدون غيره؟ فلما قال النبي- صلى الله عليه وسلم- يا رب [146 ب] وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ يعنى كفار مكة قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ- 88- يعني لا يصدقون، وذلك أنه لما قال أيضا في الفرقان: « ... إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً» «1» قال الله- تعالى- يسمع قوله «2» ، فيها تقديم «يا رب إن هؤلاء» يعنى كفار مكة «قوم لا يؤمنون» يعني لا يصدقون بالقرآن أَنَّهُ من اللَّه- عز وجل- يقول الله- تعالى- لنهيه- صلى الله عليه وسلم-: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ يعني فأعرض عنهم فيها تقديم وَقُلْ سَلامٌ أردد عليهم معروفا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ- 89- هذا وعيد حين ينزل بهم العذاب فنسخ آية السيف الإعراض والسلام، وذكر وعيدهم وفي «حم» المؤمن فقال: «إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ، فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ» «3» .
__________
(1) سورة الفرقان: 30.
(2) كذا فى أ، ف. والجملة ركيكة.
(3) سورة غافر: 71، 72. وفى أ، ف خطأ قومه.

(3/807)