تفسير مقاتل بن
سليمان سورة المنافقون
(4/329)
[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 11]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ
اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ
يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا
أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ
آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا
يَفْقَهُونَ (3) وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ
وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ
مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ
الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى
يُؤْفَكُونَ (4)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ
اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ
مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ
أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (6) هُمُ
الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7)
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ
الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ
وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا
يَعْلَمُونَ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ
أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ
يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9)
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي
إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ
(10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها
وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11)
(4/332)
[سورة المنافقون «1» ] «سورة المنافقون «2»
» مدنية عددها «إحدى عشرة «3» » آية كوفية.
__________
(1) معظم مقصود السورة:
تقريع المنافقين وتبكيتهم، وبيان ذلهم وكذبهم، وذكر تشريف
المؤمنين وتبجيلهم، وبيان عزهم وشرفهم، والنهى عن نسيان ذكر
الحق- تعالى-، والغفلة عنه، والإخبار من ندامة الكفار بعد
الموت، وبيان أنه لا تأخير ولا إمهال بعد حلول الأجل فى قوله:
«وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها ... »
سورة المنافقون: 11. [.....]
(2) فى أ: «سورة المنافقون» ، وفى ف:، السورة التي يذكر فيها
المنافقون» ، وفى المصحف:
«سورة المنافقون مدنية وآياتها 11، ونزلت بعد الحج» .
(3) فى أ: «أحد عشر» ، وصوابه «إحدى عشرة» .
(4/335)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا
جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ يعني نحلف إِنَّكَ
لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ
وَاللَّهُ يَشْهَدُ يعنى يقسم إِنَّ الْمُنافِقِينَ
لَكاذِبُونَ- 1- في حلفهم اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ يعني حلفهم
الذي حلفوا أنك لرسول الله جُنَّةً من القتل فَصَدُّوا الناس
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعنى دين الإسلام إِنَّهُمْ ساءَ ما يعني
بئس ما كانُوا يَعْمَلُونَ- 2- يعني النفاق ذلِكَ بِأَنَّهُمْ
آمَنُوا يعني أقروا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ
بالكفر فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ- 3- وَإِذا رَأَيْتَهُمْ
تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ يعني عبد الله بن أبي، وكان رجلا
جسيما صبيحا ذلق اللسان، فإذا قال سمع النبي- صلى الله عليه
وسلم- لقوله: «وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ «1» »
كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ فيها تقديم يقول كأن أجسامهم
خشب بعضها على بعض قياما، لا تسمع، ولا تعقل، لأنها خشب ليست
فيها أرواح فكذلك المنافقون لا يسمعون الإيمان ولا يعقلون، ليس
في أجوافهم إيمان فشبه أجسامهم بالخشب يَحْسَبُونَ كُلَّ
صَيْحَةٍ أنها عَلَيْهِمْ يقول إذا نادى مناد في العسكر أو
أفلتت دابة أو أنشدت ضالة يعني طلبت، ظنوا أنما «يرادون «2» »
بذلك مما فى قلوبهم من الرعب، ثم قال:
[198 أ] هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ
يعنى لعنهم الله أَنَّى
__________
(1) «وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ» : ساقطة من أ.
(2) فى أ: «يريدون» ، وفى ف: «يرادون» .
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 22.
(4/337)
يعني من أين يُؤْفَكُونَ- 4- يعني يكذبون
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ يعني عبد الله بن أبي تَعالَوْا
يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ «يعنى عبد الله بن أبى
«1» » لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ يعني عطفوا رءوسهم رغبة عن
الاستغفار وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ عن الاستغفار وَهُمْ
مُسْتَكْبِرُونَ- 5- يعني عطف رأسه معرضا، فقال عبد الله بن
أبي للذي دعاه إلى استغفار النبي- صلى الله عليه وسلم- ما قلت
كأنه لم يسمع حين دعاه إلى الاستغفار، يقول الله- تعالى-:
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ
تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ
اللَّهَ لا يَهْدِي من الضلالة إلى دينه الْقَوْمَ
الْفاسِقِينَ- 6- يعني العاصين، يعنى عبد الله ابن أبى، ثم
قال: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ يعني عبد الله بن أبي لا
تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما رجع غانما من غزاة بني
لحيان، وهم حي من هذيل، هاجت ريح شديدة ليلا، وضلت ناقة رسول
الله- صلى الله عليه وسلم- فلما أصبحوا، قالوا للنبي- صلى الله
عليه وسلم-: ما هذه الريح؟ قال: موت رجل من رءوس المنافقين
توفي بالمدينة.
قالوا: من «هو «2» » ؟ قال: رفاعة بن التابوه. فقال رجل منافق:
كيف يزعم محمد أنه يعلم الغيب، ولا يعلم مكان ناقته أفلا يخبره
الذي يأتيه بالغيب بمكان ناقته؟
فقال له رجل: اسكت، فو الله، لو أن محمدا يعلم بهذا الزعم
لأنزل عليه فينا، ثم قام المنافق، فأتى النبي- صلى الله عليه
وسلم- فوجده يحدث أصحابه، أن رجلا من المنافقين شمت بي، بأن
ضلت ناقتي، قال: كيف يزعم محمد أنه
__________
(1) فى أ: «يعنى عبد الله» ، وفى ف: «يعنى عبد الله بن أبى» .
(2) فى أ: «وهو» ، وفى ف: «وهي»
(4/338)
يعلم الغيب أفلا يخبره الذي يأتيه بالغيب
بمكان ناقته؟ لعمري، لقد كذب، ما أزعم أني أعلم الغيب، ولا
أعلمه، ولكن الله- تعالى- أخبرني بقوله، وبمكان ناقتي، وهي في
الشعب، وقد تعلق زمامها بشجرة، فخرجوا من عنده يسعون قبل
الشعب، فإذا هي كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم- فجاءوا
بها، والمنافق ينظر، فصدق مكانه. ثم رجع إلى أصحابه، فقال:
أذكركم الله، هل قام أحد منكم من مجلسه؟ أو ذكر حديثي هذا إلى
أحد؟ قالوا: لا، قال:
أشهد أن محمدا رسول الله، والله لكأني لم أسلم إلا يومى هذا،
قالوا: وما ذاك قال وجدت النبي- صلى الله عليه وسلم- يحدث
الناس بحديثي الذي ذكرت لكم، وأنا أشهد «أن الله أطلعه عليه
وأنه لصادق» «1» فسار حتى دنا من المدينة «فتحاور «2» » رجلان
أحدهما عامري والآخر جهني، فأعان عبد الله بن أبي المنافق
الجهني، وأعان جعال بن عبد الله بن سعيد العامري. وكان جعال
فقيرا، فقال عبد الله لجعال: وإنك لهناك. فقال: وما يمنعني أن
أفعل ذلك فاشتد لسان جعال على عبد الله [198 ب] ، فقال عبد
الله: مثلي ومثلك كما قال الأول سمن كلبك يأكلك، والذي يحلف به
عبد الله لأذرنك، ولهمك غير هذا. قال جعال:
ليس ذلك بيدك، وإنما الرزق بيد الله- تعالى-، فرجع عبد الله
غضبان؟
فقال لأصحابه: والله، لو كنتم تمنعون جعالا، وأصحاب جعال
الطعام الذي من أجله ركبوا رقابكم لأوشكوا أن يذروا محمدا- صلى
الله عليه وسلم- ويلحقوا بعشائرهم ومواليهم، لا تنفقوا عليهم،
حَتَّى يَنْفَضُّوا يعنى حتى يتفرقوا من
__________
(1) من ف، وفى أ: «أن الله الذي أطلعت عليه لصادق فينا» .
(2) فى أ: «فتحاور» ، وفى ف: «فتجاور» .
(4/339)
حول محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، ثُمّ قَالَ: لو أن جعالا أتى محمدا- صلى الله عليه
وسلم- فأخبره لصدقه، وزعم أني ظالم، ولعمري، إني ظالم إذ جئنا
بمحمد من مكة، وقد طرده قومه فواسيناه بأنفسنا، وجعلناه على
رقابنا، أما والله، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها
الأذل، ولنجعلن علينا رجلا منا. يعني نفسه، يعني بالأعز نفسه
وأصحابه «1» ، ويعني بالأذل- النبي صلى الله عليه وسلم-
وأصحابه، فقال زيد بن أرقم الأنصاري- وهو غلام شاب-: أنت والله
الذليل القصير «المبغض «2» » في قومك ومحمد- صلى الله عليه
وسلم- في عز من الرحمن، ومودة من المسلمين، والله، لا أحبك بعد
هذا الكلام أبدا. فقال عبد الله: إنما كنت ألعب معك. فقام زيد
فأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فشق عليه قول عبد الله بن
أبي وفشا في الناس أن النبي- صلى الله عليه وسلم- غضب على عبد
الله لخبر زيد لخبر زيد فأرسل النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى
عبد الله فأتاه ومعه رجال من الأنصار يرفدونه ويكذبون عنه.
فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: أنت صاحب هذا الكلام الذي
بلغني عنك. قال عبد الله: والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا
من ذلك قط، وإن زيدا لكاذب وما عملت عملا قط أرجى في نفسي أن
يدخلني الله به الجنة من غزاتي هذه معك، وصدقه الأنصار،
وقالوا: يا رسول الله شيخنا وسيدنا لا يصدق عليه قول غلام من
غلمان الأنصار مشى بكذب ونميمة فعذره النبي- صلى الله عليه
وسلم- وفشت الملامة لزيد في الأنصار، وقالوا: كذب زيد، وكذبه
النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان زيد يساير النبي- صلى الله
__________
(1) كذا فى أ، ف.
(2) فى أ: «المنقصر» ، وفى ف: «المبغض» .
(4/340)
عليه وسلم- في المسير قبل ذلك. فاستحى بعد
ذلك أن يدنو من النبي- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله- تعالى-
تصديق زيد وتكذيب عبد الله
فقال: «هُمُ» يعني عبد الله «الَّذِينَ يَقُولُونَ لا
تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى
يَنْفَضُّوا» وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني
مفاتيح الرزق والمطر والنبات وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا
يَفْقَهُونَ- 7- «الخير «1» » ، ثم قال، يعني عبد الله:
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ
الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [199 أ] يعني الأمنع منها الأذل
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ فهؤلاء
أعز من المنافقين وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ- 8-
ذلك،
فانطلق النبي- صلى الله عليه وسلم- يسير ويتخلل على ناقته حتى
أدرك زيدا فأخذ بأذنه ففركها حتى احمر وجهه، فقال لزيد: أبشر
فإن الله- تعالى- قد عذرك، ووقى سمعك، وصدقك، وقرأ عليه
الآيتين، وعلى الناس فعرفوا صدق زيد، وكذب عبد الله
، قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني أقروا يعني
المنافقين لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ
ذِكْرِ اللَّهِ يعنى الصلاة المكتوبة وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ
يعني ترك الصلاة فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ- 9-
وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ من الأموال مِنْ قَبْلِ
أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ يعني المنافق فيسأل الرجعة
عند الموت إلى الدنيا، ليزكي ماله ويعمل فيها بأمر الله- عز
وجل- فذلك قوله: فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا يعنى هلا أَخَّرْتَنِي
إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ لأن الخروج من الدنيا إلى قريب «2»
فَأَصَّدَّقَ
__________
(1) فى أ: «الخبر» ، وفى ف: «الخير» .
(2) كذا فى أ، ف، والمراد تأجيل الخروج من الدنيا إلى وقت قريب
أى الدماء بتأخير الموت وقتا قصيرا.
(4/341)
يعنى فأزكى مالي وَأَكُنْ مِنَ
الصَّالِحِينَ- 10- يعني المؤمنين، مثل قوله:
«وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ
لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ «1» » يعني
المؤمنين وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها
وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ- 11- من الخير والشر، يعنى
المنافقين «2» .
__________
(1) سورة التوبة: 75.
(2) فى أ: «المنافق» ، وفى ف: «المنافقين» . [.....]
(4/342)
سورة التّغابن
(4/343)
[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 18]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ
لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ
وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ
فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) يَعْلَمُ ما
فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما
تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (4)
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ
فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (5) ذلِكَ
بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ
فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا
وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6) زَعَمَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي
لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ
عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ
يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ
صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً
ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ
النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) مَا أَصابَ
مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ
بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ
تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ
(12) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا
لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا
وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ
عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً
لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً
يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ
حَلِيمٌ (17) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (18)
(4/345)
قوله: « ... ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ «1»
» - يقول ما أمرناهم بها، كقوله:
« ... ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ
اللَّهُ لَكُمْ «2» ... » يعني التي أمركم الله- تعالى-.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ:
حدثني الْهُذَيْلِ عن المسيب، عن أبي روق في قوله: « ... فَما
رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها «3» ... » يقول ما وحدونى فيها.
__________
(1) سورة الحديد: 28.
(2) سورة المائدة: 21.
(3) سورة الحديد: 27.
(4/348)
[سورة التغابن «1» ] «سورة التغابن مدنية
وفيها مكي «2» » ، عددها «ثماني عشرة «3» آية» كوفى «4»
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان تسبيح المخلوقات والحكمة فى خلق الخلق والشكاية من القرون
الماضية، وإنكار الكفار البعث والقيامة وبيان الثواب والعقاب،
والإخبار عن عداوة الأهل والأولاد، والأمر بالتقوى حسب
الاستطاعة، وتضعيف ثواب المتقين، والحبر من اطلاع الحق على علم
الغيب، فى قوله:
«عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» سورة
التغابن: 18.
(2) من ف، وفى أ: «سورة التغابن مكية» . وفى المصحف: «سورة
التغابن مدنية» .
وفى بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي «مكية» .
(3) فى أ: «اثنا عشر» ، وهو خطأ، أولا من جهة اللغة صوابها
«اثنتا عشرة آية» ، ثانيا من جهة علوم القرآن الثابت: أن سورة
التغابن «ثماني عشرة آية» .
(4) فى المصحف: (64) سورة التغابن مدنية وآياتها (18) نزلت بعد
سورة التحريم.
وفى بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي- السورة مكية إلا آخرها: «
... إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ ... » سورة
التغابن: 14 إلى آخر السورة.
(4/349)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ يعني يذكر الله مَا فِي السَّماواتِ من
الملائكة وَما فِي الْأَرْضِ من شيء من الخلق غير كفار الجن
والإنس لَهُ الْمُلْكُ لا يملك أحد غيره وَلَهُ الْحَمْدُ في
سلطانه عند خلقه وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ أراده قَدِيرٌ- 1-
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ من آدم وحواء وكان بدء خلقهما من تراب
فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ يعني مصدق بتوحيد الله-
تعالى- وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ- 2- خَلَقَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يقول لَمْ يخلقهما باطلا
خلقهما لأمر هُوَ كائن وَصَوَّرَكُمْ يعني خلقكم في الأرحام
فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ
ولم يخلقكم على صورة الدواب، والطير فأحسن صوركم يعني فأحسن
خلقكم وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ- 3- فى الآخرة يَعْلَمُ ما فِي
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ في قلوبكم
من أعمالكم وَما تُعْلِنُونَ منها بألسنتكم وَاللَّهُ عَلِيمٌ
بِذاتِ الصُّدُورِ- 4- يعني القلوب من الخير والشر أَلَمْ
يَأْتِكُمْ يا أهل مكة نَبَأُ يعني حديث الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ قَبْلُ أهل مكة: حديث الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم
رسلهم فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ يقول ذاقوا العذاب جزاء [199
ب] ثواب أعمالهم في الدنيا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 5- ذلِكَ
بِأَنَّهُ يعني ذلك بأن العذاب الذي نزل بهم فى الدنيا كانَتْ
تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يعني البيان فَقالُوا
أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا عن الإيمان
وَاسْتَغْنَى اللَّهُ عن عبادتهم
(4/351)
وَاللَّهُ غَنِيٌّ عن عبادة خلقه حَمِيدٌ-
6- في سلطانه عند خلقه زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ
يُبْعَثُوا بعد الموت فأكذبهم الله- تعالى- فقال:
قُلْ يا محمد لأهل مكة: بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ
لَتُنَبَّؤُنَّ فى الآخرة بِما عَمِلْتُمْ الدنيا وَذلِكَ يعني
البعث والحساب عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ- 7- فَآمِنُوا يعني صدقوا
بِاللَّهِ أَنَّهُ واحد لا شريك له وَرَسُولِهِ محمد- صلى الله
عليه وسلم- وَالنُّورِ يعني القرآن الَّذِي أَنْزَلْنا على
محمد- صلى الله عليه وسلم- وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من خير
أو شر خَبِيرٌ- 8- يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ
يعني جمع أهل السموات وجمع أهل الأرض ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ
يعني أهل الهدى تغبن»
أهل الضلالة، فلا غبن أعظم منه فريق في الجنة وفريق فى السعير،
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ أنه واحد لا شريك له وَيَعْمَلْ
صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً
لا يموتون وذلِكَ الثواب الذي ذكر الله- تعالى- هو الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ- 9- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا
يعنى القرآن أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 10- مَا أَصابَ ابن آدم مِنْ مُصِيبَةٍ
إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ
قَلْبَهُ يعني ومن يصدق بالله في المصيبة، ويعلم أن المصيبة من
الله ويسلم لأمر الله يهده الله- تعالى- للاسترجاع، فذلك قوله:
__________
(1) الغبن هنا مجاز، فإن المؤمن بأخذ مكان الكافر فى الجنة
ويأخذ الكافر مكان المؤمن فى النار، فكأن المؤمن غبن الكافر.
وفى الجلالين: «يغبن المؤمنون الكافر بن بأخذ منازلهم وأهليهم
فى الجنة لو آمنوا» .
(4/352)
«يَهْدِ قَلْبَهُ» للاسترجاع. يقول:
«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ «1» » ، وفى سورة
البقرة يقول: «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ «2» » للاسترجاع
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ من هذا عَلِيمٌ- 11- وَأَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ يعني
أعرضتم عن طاعتهما فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا محمد- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَلاغُ الْمُبِينُ- 12-
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ- 13- يقول به فليثق الواثقون. يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا نزلت في الأشجع إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ
وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ يعني إذا أمروكم بالإثم، وذلك
أن الرجل كان إذا أراد الهجرة قال له أهله، وولده ننشدك الله
أن تذهب وتدع أهلك وولدك ومالك، نضيع بعدك، ونصير عيالا
بالمدينة لا معاش لنا فيثبطونه، فمنهم من يقيم، ومنهم من يهاجر
ولا يطيع أهله [200 أ] ، فيقول: تثبطونا عن الهجرة، لئن جمعنا
الله وإياكم لنعاقبنكم، ولا نصلكم، ولا تصيبون منا خيرا، يقول
الله: فَاحْذَرُوهُمْ أن تطيعوهم في ترك الهجرة، ثم أمرهم
بالعفو والصفح والتجاوز فقال: وَإِنْ تَعْفُوا عنهم يعني وإن
تتركوهم، وتعرضوا، وتتجاوزوا عنهم وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا
خير لكم فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لذنوب المؤمنين رَحِيمٌ- 14-
بخلقه، ثم وعظهم فقال: نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ
فِتْنَةٌ
يعنى بلاء وشغل عن الآخرة اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ
يعنى جزاءظِيمٌ
- 15- يعني الجنة فَاتَّقُوا اللَّهَ في أمره ونهيه مَا
اسْتَطَعْتُمْ يعني ما أطعتم وَاسْمَعُوا له مواعظه
وَأَطِيعُوا أمره وَأَنْفِقُوا من أموالكم في حق الله خَيْراً
لِأَنْفُسِكُمْ
__________
(1) سورة البقرة: 156.
(2) سورة البقرة: 157.
تفسير مقاتل بن سلمان ج 4- م 24
(4/353)
ثم رغبهم في النفقة، فقال: وَمَنْ يُوقَ
شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- 16- أى يعطى
حق الله من ماله، ثم قال: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ يعني التطوع
قَرْضاً حَسَناً «يعني طيبة بها أنفسكم تحتسبها «1» »
يُضاعِفْهُ لَكُمْ يعني القرض وَيَغْفِرْ لَكُمْ بالصدقة
وَاللَّهُ شَكُورٌ لصدقاتكم حين يضاعفها لكم حَلِيمٌ- 17- عن
عقوبة ذنوبكم حين غفرها لكم وعن من بمن بصدقته ولم يحتسبها.
عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ يعنى عالم كل غيب يعنى غيب ما
في قلبه من المن وقلة الخشية، وشاهد كل نجوى الْعَزِيزُ يعني
المنيع فِي ملكه الْحَكِيمُ- 18- فِي أمره.
__________
(1) كذا أ، ف: أعاد الضمير مؤنثا على الصدقة، وكان السباق
يقتضى أن يعيده على القرض فيقول: «يعنى طيبة به أنفسكم تحتسبه»
.
(4/354)
سورة الطّلاق
(4/355)
[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 12]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ
وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ
بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ
بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي
لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) فَإِذا
بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ
وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ
كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ
اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ
لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ
حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ
لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ
الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ
ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4)
ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ
اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً
(5) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ
وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ
أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ
حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ
تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (6) لِيُنْفِقْ ذُو
سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ
فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ
يُسْراً (7) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ
رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً
وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها
وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ
يَا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ
اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ
آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها
أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ
يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12)
(4/357)
[سورة الطلاق «1» ] سورة الطلاق مدنية
عددها «اثنتا عشرة آية «2» » كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان طلاق السنة، وأحكام العدة، والتوكل على الله- تعالى- فى
الأمور، وبيان نفقة النساء حال الحمل والرضاع وبيان عقوبة
المتعدّين وعذابهم، وأن التكليف على قدر الطاقة، وأن الصالحين
الثواب والكرامة، وبيان عقوبة المتعدين وعذابهم، وأن التكليف
على قدر الطاقة، وأن الصالحين الثواب والكرامة، وبيان إحاطة
العلم، والقدرة فى قوله: « ... لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً» . سورة الطلاق: 12.
وتسمى سورة الطلاق لقوله: « ... إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ... » سورة الطلاق: 1.
كما تسمى سورة النساء القصرى- قاله عبد الله بن مسعود- وذلك
تمييزا لها عن سورة النساء الكبرى وهي السورة الرابعة فى ترتيب
المصحف، بعد سورة الفاتحة، وسورة البقرة، وسورة آل عمران، تجيء
سورة النساء.
(2) فى أ: «اثنا عشر آية» ، والصواب: «اثنتا عشرة آية» .
(3) فى المصحف: (65) سورة الطلاق مدنية وآياتها 12 نزلت بعد
سورة الإنسان. [.....]
(4/361)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ نزلت في عبد
الله بن عمر بن الخطاب، وعتبة بن عمرو المازني، وطفيل بن
الحارث، وعمرو بن سعيد ابن العاص «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا
طَلَّقْتُمُ النِّساءَ» فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ يعني
«طاهرا «1» » من غير جماع وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا
اللَّهَ رَبَّكُمْ فلا تعصوه فيما أمركم به لا تُخْرِجُوهُنَّ
مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ من قبل أنفسهن ما دمن في
العدة وعليهن الرجعة إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ
مُبَيِّنَةٍ يعني العصيان البين، وهو النشوز وَتِلْكَ حُدُودُ
اللَّهِ يعني سنة الله وأمره أن تطلق المرأة للعدة «طاهرة «2»
» من غير حيض ولا جماع وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ يعني
سنة الله وأمره فيطلق لغير العدة فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا
تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً- 1-
يعني بعد التطليقة والتطليقتين أمرا يعني الرجعة فَإِذا
بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ يعني به انقضاء العدة قبل أن تغتسل
فَأَمْسِكُوهُنَّ [200 ب] إذا راجعتموهن بِمَعْرُوفٍ يعني طاعة
الله أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ يعني طاعة الله في غير
إضرار فهذا هو الإحسان وَأَشْهِدُوا على الطلاق والمراجعة
__________
(1، 2) كذا فى أ، ف: «طاهرا» ، وكان الأنسب «طاهرات» أو
«طاهرة» ، أى حال كونهن طاهرات، أو حال كون المطلقة طاهرة.
فلعله أراد حال كون الطليق طاهرا من غير جماع ويلاحظ أن كلمة
«طليق» وصف على صيغة فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث، فيقال رجل
طليق وامرأة طليق، وكذلك كريم وبخيل.
(4/363)
ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ثم قال للشهود:
وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ على وجهها ذلِكُمْ الذي ذكر
الله- تعالى- من الطلاق والمراجعة يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني يصدق بالله أنه
واحد لا شريك له وبالبعث الَّذِي فِيه جزاء الأعمال، فليفعل ما
أمره الله، ثم قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجاً- 2-
نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، جاء إلى النَّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فشكا إليه الحاجة والفاقة، فأمره
النبي- صلى الله عليه وسلم- بالصبر، «وكان ابن له أسير «1» »
في أيدي مشركي العرب فهرب منهم فأصاب منهم إبلا ومتاعا، ثم إنه
رجع إلى أبيه فانطلق أبوه إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخْبَرَه بالخبر وسأله: أيحل له أن
يأكل من الذي أتاه ابنه؟ فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-:
نعم فأنزل الله- تعالى- «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ»
فيصبر «يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً» من الشدة وَيَرْزُقْهُ مِنْ
حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ يعني من حيث لا يأمل، ولا يرجو فرزقه
الله- تعالى- من حيث لا يأمل ولا يرجو، ثم قال: وَمَنْ
يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ في الرزق فيثق به فَهُوَ حَسْبُهُ
إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ فيما نزل به من الشدة والبلاء
قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ من الشدة والرخاء قَدْراً-
3- يعني متى يكون هذا الغني فقيرا؟ ومتى يكون هذا الفقير غنيا؟
فقدر الله ذلك كله، لا يقدم ولا يؤخر.
فقال رجل للنبي- صلى الله عليه وسلم- حين نزلت
«وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ
قُرُوءٍ ... «2» » فما عدة المرأة التي لا تحيض؟ وقال خلاد
الأنصارى:
__________
(1) كذا فى أ، والأنسب: «وكان له ابن أسير» .
(2) سورة البقرة: 228.
(4/364)
«ما عدة «1» » من لم تحض من صغر؟ «وما عدة»
«2» الحبلى؟ فأنزل الله- عز وجل- في اللاتي قعدن عن المحيض
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ يعني
القواعد من النساء اللاتي قعدن عن المحيض إِنِ ارْتَبْتُمْ
يعني شككتم، فلم «يدر «3» » كم عدتها فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ
أَشْهُرٍ إذا طلقن، ثم قال: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ فكذلك
أيضا يعني عدة الجواري اللاتي لم يبلغن الحيض، وقد نكحن، ثم
طلقن، فعدتهن ثلاثة أشهر، ثم قال: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ
أَجَلُهُنَّ يعنى «الحبلى «4» » : فعدتهن أَنْ يَضَعْنَ
حَمْلَهُنَّ يقول فإن كانت هذه المطلقة حبلى فأجلها إلى أن تضع
حملها. ثم رجع إلى الطلاق، فقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ في
أمر الطلاق يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً- 4- يقول ومن
يتق الله فيطلق كما أمره الله- تعالى- ويطيع الله فى النفقة،
والمسكن، ييسر الله أمره، ويوفقه للعمل الصالح ذلِكَ الذي ذكر
من الطلاق، [1201] والنفقة، والمسكن، أَمْرُ اللَّهِ
أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فيما أمره ما
ذكر يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ يعني يغفر له ذنوبه
وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً- 5- يعنى الجزاء، يعنى يضاعفه له
أَسْكِنُوهُنَّ يعني المطلقة الواحدة والثنتين «5» مِنْ حَيْثُ
سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ
__________
(1) «ما عدة» : من أ، وفى ف: «وعدة» .
(2) العبارة من ف، وفى أ: وقال خلاد لأنصارى من لم تحض فبين
الله عدة من لا محيض، وعدة التي لم تحض من صغر، وعدة الحبلى،
فأنزل الله- تعالى- فى اللاتي قعدن من المحيض «إن ارتبتم»
وفيها خطأ، فى السياق، وفى الآية، ولذا اعتمدت على ف فى هذه
العبارة.
(3) في أ: «تدر» ، وفى ف: «يدر» .
(4) كذا فى أ، ف، وفى حاشية أ: «الحبالى، محمد» .
(5) كذا فى أ، ف، والمراد به المفردة والمثنى والجمع.
(4/365)
يعني من سعتكم في النفقة، والمسكن، «وَلا
تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ «1» » وَإِنْ كُنَّ
أُولاتِ حَمْلٍ يعنى المطلقة وهي حبل فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ
حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ أولادكم
إذا وضعن حملهن فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يعني فأعطوهن أجورهن
وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ يعني الرجل والمرأة بِمَعْرُوفٍ يقول
حتى «تنفقوا «2» » من النفقة على أمر بمعروف وَإِنْ
تَعاسَرْتُمْ يعني الرجل والمرأة وإذا أراد الرجل أقل مما طلبت
المرأة من النفقة فلم يتفقوا على أمر فَسَتُرْضِعُ لَهُ يعني
للرجل امرأة أُخْرى - 6- يقول ليلتمس غيرها من المواضع، ثم
قال: لِيُنْفِقْ في المراضع ذُو سَعَةٍ في المال مِنْ سَعَتِهِ
الذي أوسع الله له على قدره وَمَنْ قُدِرَ يعنى قتر عَلَيْهِ
رِزْقُهُ مثل قوله: « ... إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ
لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ... «3» » يعني نضيق عليه في بطن
الحوت، فَلْيُنْفِقْ فى المواضع قدر فقره مِمَّا آتاهُ اللَّهُ
يعني مما أعطاه الله من الرزق على قدر طاقته، فذلك قوله:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ فى النفقة نَفْساً إِلَّا ما آتاها يعني
إلا ما أعطاها من الرزق سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ
يُسْراً- 7- يعني من بعد الفقر سعة في الرزق وَكَأَيِّنْ يعني
وكم مِنْ قَرْيَةٍ يعني فيما خلا عَتَتْ يقول خالفت عَنْ
أَمْرِ رَبِّها وَخالفت رُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً
شَدِيداً يعني فحاسبها الله بعملها في الدنيا فجزاها العذاب
وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً- 8- يعني فظيعا، فذلك قوله:
فَذاقَتْ العذاب في الدنيا وَبالَ أَمْرِها
__________
(1) «وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ» : ساقط من
أ.
(2) فى أ: «تنفقوا» ، وفى ف: «تنفقوا» ، وهي غير واضحة فى
كليهما.
(3) سورة الأنبياء: 87.
(4/366)
يعني جزاء ذنبها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها
خُسْراً- 9- يقول كان عاقبتهم الخسران في الدنيا وفي الآخرة
حين كذبوا فأخبر الله، عنهم بما أعدلهم في الدنيا، وما أعد لهم
في الآخرة فقال: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ فى الآخرة عَذاباً
شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يحذرهم يا أُولِي الْأَلْبابِ
يعني من كان لَهُ لب أو عقل فليعتبر فيما يسمع مع الوعيد
فينتفع بمواعظ الله- تعالى- يخوف كفار مكة، لئلا يكذبوا محمدا-
صلى الله عليه وسلم- فينزل بهم ما نزل بالأمم الخالية حين
كذبوا رسلهم بالعذاب في الدنيا والآخرة، ثم قال: للذين آمنوا
«فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ» ثم نعتهم فقال:
الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً-
10- يعني قرنا رَسُولًا يعني النبي- صلى الله عليه وسلم-
يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ يعني يقرأ عليكم آيات
القرآن مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ [201 ب] الَّذِينَ آمَنُوا فى
علمه وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ
يعني من الشرك إلى الإيمان وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يعني
يصدق بالله أنه واحد لا شريك له وَيَعْمَلْ صالِحاً في إيمانه
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ يعنى البساتين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ يقول تجري من تحت البساتين الأنهار خالِدِينَ
فِيها يعني مقيمين فيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ
رِزْقاً- 11- يعني به الجنة اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ
سَماواتٍ وَخلق مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ
الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ يعني الوحي من السماء العليا إلى الأرض
السفلى لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً- 12-.
(4/367)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ، وَلَمْ أسمع «مقاتلا «1» » ،
يُحَدِّثُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ أَبِي الضحى فى
قوله: «سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» قَالَ:
آدَمُ كَآدَمَ، وَنُوحٌ كَنُوحٍ وَنَبِيٌّ وَمِثْلُ نَبِيٍّ.
وَبِهِ الْهُذَيْلِ عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عن إبراهيم
ابن مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله:
«سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» ، قَالَ: لَوْ
حَدَّثْتُكُمْ تَفْسِيرَهَا لَكَفَرْتُمْ وَكُفْرُكُمْ بِهَا
تكذيبكم بها، قال الهذيل: ولم أسمع «مقاتلا «2» » .
__________
(1) فى أ: «مقاتل» ، وفى ف: «مقاتلا» .
(2) فى أ: «مقاتل» ، وفى ف: «مقاتلا» .
(4/368)
|