تفسير مقاتل بن سليمان

سورة التّحريم

(4/369)


[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 12]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4)
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12)

(4/371)


[سورة التحريم «1» ] سورة التحريم مدنية عددها «اثنتا عشرة «2» » آية «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
عتاب الرسول- صلى الله عليه وسلم- فى التحريم والتحليل قبل ورود وحى سماوي» وتعبير الزوجات الطاهرات على إيذائه وإظهار سره، والأمر بالتحرز والتجنب من جهنم، والأمر بالتوبة النصوح، والوعد بإتمام النور فى القيامة، والأمر بجهاد الكفار بطريق السياسة، ومع المنافقين بالبرهان والحجة وبيان أن القرابة غير نافعة بدون الإيمان والمعرفة، وأن قرب المفسدين لا يضر مع وجود الصدق والإخلاص، والخبر عن شجاعة امرأة فرعون وإيمانها، وتصديق مريم، بقوله « ... وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ ... » سورة التحريم: 12 [.....]
(2) فى أ: «اثنا عشر» ، والصواب «اثنتا عشرة» .
(3) فى المصحف: (66) سورة التحريم مدنية وآياتها 12 نزلت بعد سورة الحجرات.

(4/373)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ يعني مارية القبطية وهي أم إبراهيم بن محمد- صلى الله عليه وسلم- وذلك
أن حفصة بنت عمر بن الخطاب زارت أباها، وكانت يومها عنده «1» فلما رجعت أبصرت النبي- صلى الله عليه وسلم- مع مارية القبطية في بيتها، فلم تدخل حتى خرجت مارية فقالت للنبي- صلى الله عليه وسلم-: إني قد رأيت من كان معك في البيت يومي وعلى فراشي. فَلَمَّا رَأَى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وجه حفصة الغيرة والكآبة قال لها: يا حفصة، اكتمي علي، ولا تخبري عائشة ولك علي ألا أقربها أبدا.
وَبِإِسْنَادِهِ، قَالَ مُقَاتِلُ: قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحَفْصَةَ: اكْتُمِي عَلَيَّ حَتَّى أُبَشِّرَكِ أَنَّهُ يَلِي الأَمْرَ مِنْ بَعْدِي أَبُو بَكْرٍ، وَبَعْدَ أَبُو بَكْرٍ أَبُوكِ.
فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلا تُخْبِرَ أَحَدًا فَعَمِدَتْ حَفْصَةُ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ وَكَانَتَا مُتَصَافِيَتَيْنِ، فَغَضِبَتْ عَائِشَةُ فَلَمْ تَزَلْ بِالنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى حَلَفَ أَلا يَقْرَبَ مَارِيَةَ القبطية، فأنزل الله- تعالى- هذه الآية:
«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ»
تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ يعنى حفصة
__________
(1) كان- صلى الله عليه وسلم- بقسم بين نسائه فيجعل لكل واحدة يوما- فمعنى وكانت يومها عنده- أى كان يوم حفصة عند رسول الله والعبارة قلقة كما ترى.

(4/375)


وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ- 1- لِهَذِهِ الْيَمِينِ الَّتِي حَلَفْتَ عَلَيْهَا قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ يعنى قد بين الله لكم نظيرها [302 أ] فى سورة النور «1» تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ مثلها في المائدة ... إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ «2» ... فأعتق النبي- صلى الله عليه وسلم- رقبة في تحريم مارية وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ بخلقه الْحَكِيمُ- 2- في أمره حكم الكفارة.
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ يعنى حفصة حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ حفصة بِهِ عائشة يقول أخبرت به عائشة يعني الحديث الذي أسر إليها النبي- صلى الله عليه وسلم- من أمر مارية وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ يعني أظهر الله النبي- صلى الله عليه وسلم- على قول حفصة لعائشة فدعاها النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبرها ببعض ما قالت لعائشة، ولم يخبرها بعملها أجمع، فذلك قوله: عَرَّفَ النبي- صلى الله عليه وسلم- «بَعْضَهُ» «3» : بعض الحديث وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ الحديث بأن أبا بكر وعمر يملكان بعده فَلَمَّا نَبَّأَها النبي- صلى الله عليه وسلم- «بِهِ» «4» بما «أفشت «5» » عليه قالَتْ حفصة للنبي- صلى الله عليه وسلم-
__________
(1) سورة النور: (1) وتمامها: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.
(2) سورة المائدة: 89 وتمامها: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
(3) فى أ: ( «بعضه» الحديث) .
(4) «به» : ساقطة من أ.
(5) فى أ: «فشت» .

(4/376)


مَنْ أَنْبَأَكَ هذا الحديث قالَ النبي- صلى الله عليه وسلم-: نَبَّأَنِيَ يعني أخبرني الْعَلِيمُ بالسر الْخَبِيرُ- 3- به إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ يعنى حفصة وعائشة فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما يعنى مالت قلوبكما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ يعني تعاونتما «على «1» » معصية النبي- صلى الله عليه وسلم- وأذاه فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ يعني وليه وَجِبْرِيلُ- صلى الله عليه وسلم- وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ- 4- للنبي- صلى الله عليه وسلم- يعني أعوانا للنبي- صلى الله عليه وسلم- عليكما إن تظاهرتما عليه فلما نزلت هذه الآية هم النبي- صلى الله عليه وسلم- بطلاق حفصة حين «أبدأت «2» » عليه. قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: لو علم الله في آل عمر خيرا ما طلت حفصة. فنزل جبريل على النبي- صلى الله عليهما- فقال لا تطلقها: لأنها صوامة قوامة وهي من نسائك في الجنة، فأمسكها النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك، ثم قال: عَسى رَبُّهُ يعني رب محمد- صلى الله عليه وسلم- إِنْ طَلَّقَكُنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- فطلقها النبي- صلى الله عليه وسلم- واحدة وراجعها أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ، ثم نعتهن فقال: مُسْلِماتٍ يعني مخلصات مُؤْمِناتٍ يعني مصدقات بتوحيد الله- تعالى- قانِتاتٍ يعني مطيعات تائِباتٍ من الذنوب عابِداتٍ يعني موحدات سائِحاتٍ يعني صائمات ثَيِّباتٍ يعني أيمات لا أزواج لهن وَأَبْكاراً- 5- عذارى لم يمسسن. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ بالأدب الصالح
__________
(1) فى أ: «عليه» ، وفى ف: «على» .
(2) فى أ: «أبدت» ، وفى ف: «أبدأت» ، والمعنى أظهرت سره.

(4/377)


النار فى الآخرة ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ يعني أهلها «1» وَالْحِجارَةُ تتعلق في عنق الكافر مثل جبل الكبريت تشتعل عليه النار بحرها على وجهه عَلَيْها يعني على النار مَلائِكَةٌ يعنى خزنتها التسعة عشر «2» [202 ب] غِلاظٌ شِدادٌ يعني أقوياء وذلك أن ما بين «منكبي «3» أحدهم» مسيرة سنة وقوة أحدهم أن يضرب بالمقمعة «فيدفع بتلك «4» » الضربة سبعين ألفا عظم كل إنسان مسيرة أيام فيهوى في قعر جهنم مقدار أربعين سنة، فيقع أحدهم لا حيا ولا ميتا.
لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ- 6- يعنى خزنة جهنم يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى كفار مكة لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ يعني القيامة إِنَّما تُجْزَوْنَ في الآخرة مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 7- فى الدنيا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً يعنى صادقا فى توبته «5» «لا يحدث نفسه أن يعود إلي بالذنب الذي تاب منه أبدا «6» » عَسى رَبُّكُمْ إن تبتم والعصى من الله واجب أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ يعني يغفر لكم ذنوبكم وَيُدْخِلَكُمْ في الآخرة جَنَّاتٍ يعنى البساتين «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا من تحت البساتين الْأَنْهارُ «7» يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ يعني لا يعذب الله النبي وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ كما يخزي الظلمة نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ولهم «8» على الصراط دليل إلى
__________
(1) كذا فى أ، ف.
(2) يشير إلى قوله- تعالى- فى سورة المدثر: 30 «عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ» وفى ف: «تسعة عشر ملكا» .
(3) فى أ: «منكبية» ، وفى ف: «منكبى أحدهم» .
(4) فى أ: «تدفع تلك» ، وفى ف: «فيدفع بتلك» . [.....]
(5) كذا فى أ، والضمير يعود على النائب المتصيد من الكلام السابق.
(6) من ف، وفى أ: «الذي لا يحدث نفسه أن لا يعود إلى الذنوب التي تاب منها أبدا» .
(7) فى أ: «تجر من تحتها» البساتين «الأنهار» .
(8) كذا فى أ، ف.

(4/378)


الجنة، ثم قال: وَبِأَيْمانِهِمْ يقول وبتصديقهم بالتوحيد في الدنيا أعطوا الفوز في الآخرة إلى الجنة يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا فهؤلاء أصحاب الأعراف الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم فصارت سواء إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الفوز والمغفرة قَدِيرٌ- 8- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ بالسيف وَالْمُنافِقِينَ بالقول وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ يعني في الشدة بالقول عليهم وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 9- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعني امرأة الكافر التي يتزوجها المسلم وهي امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما في الدين يقول كانتا مخالفتين لدينهما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ يعني نوح ولوط- عليهما السلام- من كفرهما شَيْئاً يعني امرأتيهما وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ- 10- حين عصيا يخوف عائشة وحفصة بتظاهر هما على النبي- صلى الله عليه وسلم- فكذلك عائشة وحفصة إن عصيا ربهما لم يغن محمد- صلى الله عليه وسلم- عنهما من الله شيئا، ثم قال: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا يعني المرأة المسلمة التي يتزوجها الكافر، فإن كفر زوجها لم يضرها مع إسلامها شيئا يقول لعائشة وحفصة: لا تكونا بمنزلة امرأة لوط فى المعصية، وكونا بمنزلة امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ومريم في الطاعة إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ الشرك وَنَجِّنِي مِنْ أهل مصر الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ- 11- يعني المشركين فنظرت إلى منازلها في الجنة قبل موتها وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها [203 أ]

(4/379)


عن الفواحش وإنما ذكرت بأنها أحصنت فرجها لأنها قذفت بالزنا فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وهي مريم بنت عمران بن ماثان بن عازور بن صاروى ابن الردي بن آسال بن عازور بن النعمان بن أيبون بن روبائيل بن سليتا بن أوباخش وهو ابن لوبانية بن بوشنا بن أيمن بن سلتا بن حزقيل بن يونس بن متى بن إيحان ابن بانومر بن عوريا بن معققا بن أمصيا بن نواسر بن حزالي بن يهورم بن يوسقط ابن أسا بن راخيعم بن سليمان بن داود بن أتسي بن عويد بن عمى ناذب بن رام ابن حضرون بن قارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق «1» بن إبراهيم- عليهم السلام- «روحنا» يعني جبريل، وذلك أن جبريل- صلى الله عليه وسلم- مد مدرعتها بأصبعيه، ثم نفخ فى جيبها وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها يعنى بعيسى أنه نبى الله وَكُتُبِهِ يعني الإنجيل وكانت مريم مِنَ الْقانِتِينَ- 12- يعني من المطيعين لربها،
قالت عائشة- رضي الله عنها- كيف لم يسمهما الله- تعالى-؟ قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: ليغضهما.
يعني امرأة نوح وامرأة لوط، قالت عائشة: فما اسمهما «2» ؟ فأتاه جبريل- صلى الله عليه وسلم- فقال: أخبر عائشة- رضي الله عنها- أن اسم امرأة نوح والغة، واسم امرأة لوط والهة.
__________
(1) كذا فى أ، ف وهو يحتاج إلى تمحيص وتحقيق.
(2) فى أ: «فقال اسمهما» ، وفى ف: «فما اسمهما» .

(4/380)


سورة الملك

(4/381)


[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 30]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً مَا تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9)
وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (13) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)
أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (30)

(4/383)


[سورة الملك «1» ] سورة الملك مكية عددها ثلاثون آيه «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة.
بيان استحقاق الله الملك، وخلق والحياة والموت للتجربة، والنظر إلى السموات للعبرة، اشتعال النجوم والكواكب للزينة، وما أعد للمنكرين: من العذاب والعقوبة، وما وعدته المتقين: من الثواب، والكرامة وتأخير العذاب عن المستحقين بالفضل والرحمة، وحفظ الطيور فى الهواء بكمال القدرة واتصال الرزق إلى الخلوقة، بالنوال والمنعة وبين حال آهل الضلالة، والهداية، وتعجل الكفار بمجيء، القيامة، وتهديد المشركين بزوال النعمة بقوله: « ... فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ» .
سورة الملك: 30.
ولها فى القرآن والسنن سبعة أسماء سورة الملك لمفتتحها، والمنجية، لأنها تنجى قارئها من العذاب المانعة لأنها تمنع قارئها من عذاب القبر- وهذا الأمم فى التوراة- والدافعة لأنها تدفع بلاء الدنيا وعذاب الاخرة من قارئها: والشافعة لأنا تشفع فى القيامة لقارئها، والمجادلة لأنها يجادل منكرا ونكيرا فتناظرهما كيلا يؤذيا قارئها، السابع المخلصة لأنها تخاصم زبانية جهنم، لئلا يكون لهم يد على قارئها.
(2) فى الصحف، (67) سورة الملك مكية وآياتها 30 نزلت بعد سورة الطور.

(4/387)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: تَبارَكَ يعني افتعل البركة الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ أراده قَدِيرٌ- 1- الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ فيميت الأحياء ويحيي الموتى من نطفة، ثم علقة، ثم ينفخ فيه الروح، فيصير حيا، قوله- تعالى-: لِيَبْلُوَكُمْ يعني ليختبركم بها أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ «عَنِ الضحاك بن مزاحم «1» » ، عن عبد الله ابن عَبَّاسٍ قَالَ: «أَيُّكُمْ» أَتَمُّ لِلْفَرِيضَةِ وَهُوَ الْعَزِيزُ فِي مُلْكِهِ، فِي نِقْمَتِهِ لِمَنْ عَصَاهُ، الْغَفُورُ- 2- لِذُنُوبِ الْمُؤْمِنِينَ.
ثم أخبر عن خلقه ليعرف بتوحيده فقال: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ في يومين طِباقاً بعضها فوق بعض بين كل سماءين مسيرة خمسمائة سنة وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، قوله: مَا تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ يقول ما ترى ابن آدم في خلق السموات من عيب فَارْجِعِ الْبَصَرَ يعني أعد البصر ثانية إلى السماوات هَلْ تَرى ابن آدم في السموات مِنْ فُطُورٍ- 3- يعني «من فروج «2» » ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يقول [203 ب] أعد البصر الثانية يَنْقَلِبْ يعني يرجع إِلَيْكَ ابن آدم الْبَصَرُ خاسِئاً يعنى
__________
(1) فى أ: «عن الضحاك عن ابن مزاحم» .
(2) فى أ: «من فرج» ، وفى ف: «من فروج» .

(4/389)


إذا اشتد البصر يقع فيه الماء: «خاسئا» يعنى صاغرا وَهُوَ حَسِيرٌ- 4- يعنى كالا منقطعا لا يرى فيها عيبا ولا فطورا.
قوله: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا لأنها أدنى السموات وأقربها من الأرض من غيرها بِمَصابِيحَ وحفظا يعني الكواكب وَجَعَلْناها يعني الكواكب رُجُوماً يعني رميا لِلشَّياطِينِ يعني إذا ارتقوا إلى السماء وَأَعْتَدْنا لَهُمْ يعني للشياطين عَذابَ السَّعِيرِ- 5- يعني الوقود وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ واعتدنا للذين كفروا بتوحيد الله، لهم في الآخرة عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 6- حيث يصيرون إليها، قوله:
إِذا أُلْقُوا فِيها يعنى فى جهنم اختطفتهم الخزنة بالكلاليب سَمِعُوا لَها شَهِيقاً يعني مثل نهيق الحمار وَهِيَ تَفُورُ- 7- يعني تغلي تَكادُ تَمَيَّزُ تفرق جهنم عليهم مِنَ الْغَيْظِ على الكفار تأخذهم، ثم قال: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ يعني زمرة «1» اختطفتهم «2» الخزنة بالكلاليب، يعني مشركي العرب واليهود والنصارى والمجوس ... وغيرهم سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها خزان جهنم أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ- 8- يعني رسول وهو محمد- صلى الله عليه وسلم- قالُوا للخزنة:
بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا بالنذير يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وَقُلْنا «3» للنبي- صلى الله عليه وسلم-: مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يعني ما أرسل الله من أحد يعني من نبي، وقالوا للرسول، محمد- صلى الله عليه وسلم-، ما بعث الله من رسول إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ يعنى إلا فى شقاق كَبِيرٍ
__________
(1) محرفة فى أ.
(2) فى أزيادة: «تلفتهم» .
(3) فى أ: «وقالوا» ، وفى حاشية أ: الآية «وقلنا» .

(4/390)


- 9- وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ المواعظ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ- 10- يقول الله- تعالى-: فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ يعني بتكذيبهم الرسل فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ- 11- يعنى الوقود، ثم أخبر الله- تعالى- عن المؤمنين، وما أعد لهم في الآخرة فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ولم يروه، فآمنوا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ- 12- يعني جزاء كبيرا في الجنة وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ في النبي- صلى الله عليه وسلم- فى القلوب أَوِ اجْهَرُوا بِهِ يعني أو تكلموا به علانية يعني به كفار مكة إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 13- يعني بما في القلوب، ثم قال:
أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ يقول أنا خلقت السر في القلوب، ألا أكون عالما بما أخلق من السر في القلوب وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ- 14- يعني لطف علمه بما في القلوب، خبير بما «فيها «1» » من السر والوسوسة، قوله: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا يقول أثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها فَامْشُوا يعني فمروا فِي مَناكِبِها يعني في نواحيها وجوانيها آمنين كيف شئتم وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ الحلال وَإِلَيْهِ النُّشُورُ- 15- يقول إلى الله [204 أ] تبعثون من قبوركم أحياء بعد الموت، ثم خوف كفار مكة فقال: أَأَمِنْتُمْ عقوبة مَنْ فِي السَّماءِ يعني الرب- تبارك وتعالى- نفسه لأنه في السماء العليا أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ- 16- يعني فإذا هي تدور بكم إلى الأرض السفلى، مثل قوله: «يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً «2» » ، ثم قال:
__________
(1) فى أ، ف: والضمير يعود على القلب. والأنسب: فيها، ليعود على القلوب المذكور قبله. [.....]
(2) سورة الطور: 9.

(4/391)


«أَمْ «1» » أَمِنْتُمْ عقوبة مَنْ فِي السَّماءِ يعني الرب- عز وجل- أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً يعني الحجارة من السماء كما فعل بمن كان قبلكم من كفار العرب الخالية قوم لوط وغيره «2» فَسَتَعْلَمُونَ يا أهل مكة عند نزول العذاب كَيْفَ نَذِيرِ- 17- يقول كيف عذابي وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني قبل كفار مكة من الأمم الخالية رسلهم فعذبناهم فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ، - 18- يعني تغييري وإنكاري «ألم يجدوا «3» » العذاب حقا، يخوف كفار مكة، ثم وعظهم ليعتبروا في صنع الله فيوحدونه، فقال: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ يعني الأجنحة وَيَقْبِضْنَ الأجنحة «حين «4» » يردن أن يقعن مَا يُمْسِكُهُنَّ عند القبض والبسط إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ من خلقه بَصِيرٌ- 19-، ثم خوفهم فقال: أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ يعنى حزب لَكُمْ يا أهل مكة، يعني «فهابوه «5» » يَنْصُرُكُمْ يقول يمنعكم مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إذا نزل بكم العذاب إِنِ يعني ما الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ- 20- يقول في باطل، الذي ليس بشيء، ثم قال يخوفهم ليعتبروا: «أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ «6» من المطر من الآلهة غيري إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ عنكم فهاتوا المطر يقول الله- تعالى- أنا الرزاق،
__________
(1) «أم» : ساقطة من أ.
(2) معنى وغيره: أى وغير قوم لوط من أقوام الأنبياء، وكان الأنسب: «وغيرهم» .
(3) فى الأصل: «أليس وجدوا» .
(4) فى أ: «حتى» ، والأنسب: «حين» .
(5) فى ف: «فهانوه» ، وفى أ: «فهابوه» .
(6) «أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ» : ساقطة من أ، مع تفسيرها.

(4/392)


قال: بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ يعني تمادوا في الكفر وَنُفُورٍ- 21- يعني تباعد من الإيمان قوله: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ يعني الكافر يمشي ضالا في الكفر أعمى القلب، يعني أبا جهل بن هشام، أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- «مؤمنا مهتديا، نقى القلب «1» » عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 22- يعني طريق الإسلام قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ يعني خلقكم وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ يعنى القلوب قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ- 23- يعني بالقليل، «أنهم قوم «2» » لا يعقلون، «فيشكروا «3» » رب هذه النعم البينة في حسن خلقهم «فيوحدونه «4» » قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ يعني خلقكم في الأرض وَإِلَيْهِ يعني إلى الله تُحْشَرُونَ- 24- فى الآخرة فيجزيكم بأعمالكم، قوله: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ يقول متى هذا الذي توعدنا به فأنزل الله- عز وجل- «وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ» إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 25- بأن العذاب نازل بنا في الدنيا، يقول الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم-: قُلْ لكفار مكة: إِنَّمَا الْعِلْمُ يعني علم نزول العذاب بكم ببدر عِنْدَ اللَّهِ وليس بيدي وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ بالعذاب مُبِينٌ- 26-، قوله: فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً يعنى النار والعذاب فى الآخرة [204 ب] قريبا سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى سيئ لذلك
__________
(1) فى أ: «مؤمن مهتدى القلب» ، وفى ف: «مؤمنا مهتديا نقى القلب» .
(2) فى أ: «فهؤلاء» ، وفى ف: «بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ» .
(3) فى أ: ف: «فيشكرون» .
(4) كذا فى أ، ف.

(4/393)


وجوههم وَقِيلَ لهم يعني قالت لهم الخزنة: هذَا العذاب الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ- 27- يعنى تمترون فى الدنيا قُلْ الكفار مكة يا محمد:
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ يقول إن عذبني الله وَمَنْ مَعِيَ من المؤمنين أَوْ رَحِمَنا فلم يعذبنا، وأنعم علينا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ يقول فمن يؤمنكم أنتم مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ «1» - 28- يعنى وجيع قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ الذي يفعل ذلك آمَنَّا بِهِ يقول صدقنا بتوحيده إن شاء أهلكنا أو عذبنا وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا يعني بالله وثقنا حين قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- «إِنْ أَنْتُمْ إِلا فى ضلال مبين» فرد عليهم النبي- صلى الله عليه وسلم-: فَسَتَعْلَمُونَ عند نزول العذاب مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 29- يعني باطل ليس بشيء أنحن أم أنتم نظيرها في طه، «2» ثم قال لأهل مكة: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً يعني ماء زمزم وغيره «غَوْرًا» يعني غار في الأرض فذهب فلم تقدروا عليه فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ- 30- يعنى ظاهرا «3» تناله الدلاء.
__________
(1) فى أ: العذاب.
(2) سورة طه: 135.
(3) فى أ: «طاهرا» بدون إعجام، والأنسب «ظاهرا» . [.....]

(4/394)


سورة القلم

(4/395)


[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 52]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)
وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كانَ ذَا مالٍ وَبَنِينَ (14)
إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (19)
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24)
وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (32) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (33) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34)
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (39)
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (41) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (43) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44)
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)
فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (52)

(4/397)


[سورة القلم «1» ] سورة ن، مكية عددها «اثنتان «2» » وخمسون آية كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة.
الذب عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وعذاب مانعي الزكاة وتخويف الكفار بالقيامة، وتهديد المجرمين بالاستدراج. وأمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- بالصبر، والإشارة إلى حال يونس- عليه السلام- فى قلة الصبر وقصد الكفار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليصيبوه فى « ... لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ ... » سورة القلم: 51.
(2) فى أ: «اثنان» والصواب «اثنتان» .
(3) فى الصحف: (68) سورة القلم مكية إلا من الآية (17) إلى الآية (33) ومن الآية (48) إلى الآية (50) فمدنية، وآياتها 52 نزلت بعد سورة العلق.
ولها اسمان سورة ن وسورة القلم وهذا أشهر.
تفسير مقتل بن سليمان ج 4 م 26

(4/401)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: ن وَالْقَلَمِ يعني بنون الحوت وهو فى «بحر «1» » تحت الأرض السفلى والقلم قلم من نور يكتب به، طوله كما بين السماء والأرض كتب به اللوح المحفوظ وَما يَسْطُرُونَ- 1- يقول وما تكتب الملائكة من أعمال بني آدم، وذلك حين قال كفار مكة، أبو جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وغيرهم: إن محمدا مجنون، فأقسم الله- تعالى- بالحوت والقلم وما يسطرون- الملائكة- من أعمال بنى آدم، فقال: مَا أَنْتَ يا محمد بِنِعْمَةِ رَبِّكَ يعني برحمة ربك بِمَجْنُونٍ- 2- وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ- 3- يقول غير منقوص لا يمن به عليك وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ- 4- يعني دين الإسلام فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ- 5- بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ- 6- يعني سترى يا محمد «ويرى «2» » أهل مكة إذا نزل بهم العذاب ببدر «بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ» يعني المجنون فهذا وعيد، العذاب ببدر، القتل وضرب الملائكة الوجوه والأدبار، ثم قال:
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ الهدى وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ- 7- من غيره قوله فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ- 8- حين دعى إلى دين آبائه وملتهم، نظيرها فى سورة الفرقان «3» ، نزلت هذه الآية في بني المغيرة بن عبد الله بن عمرو
__________
(1) فى أ: «نحر» وفى ب: «بحر» .
(2) فى أ: «ويرون» ، والصواب ما أثبته.
(3) سورة الفرقان: 52 وتمامها «فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً» .

(4/403)


ابن مخزوم منهم الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، وعبد الله ابن أبي أمية، وعبد الله بن مخزوم، وعثمان، ونوفل ابني عبد الله بن المغيرة، والعاص، وقيس، وعبد، شمس وبني الوليد سبعة الوليد، وخالد، وعمارة، وهشام، والعاص، وقيس، وعبد شمس، «بنو «1» » الوليد بن المغيرة وَدُّوا حين دعى إلى دين آبائه لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ
- 9- يقول ودوا لو تكفر يا محمد فيكفرون فلا يؤمنون «وَلا تُطِعْ «2» » كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ- 10- يعنى الوليد ابن المغيرة المخزومي، يقول، كان تاجرا «ضعيف القلب «3» » وذلك أنه كان عرض على النبي- صلى الله عليه وسلم- المال على أن يرجع عن دينه وذلك قوله- تعالى-: « ... وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً «4» » يعنى الوليد وعتبة هَمَّازٍ يعنى مغتاب مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ- 11- كان يمشي بالنميمة مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ يعني الإسلام منع ابن أخيه وأهله الإسلام مُعْتَدٍ يعني في الغشم والظلم أَثِيمٍ- 12- يعني أثيم بربه لغشمه وظلمه، نظيرها في «وَيْلٌ للمطففين «5» » عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ يقول مع ذلك النعت زَنِيمٍ- 13- يعني بالعتل «6» رحيب الجوف موثق الحلق «7» أكول شروب غشوم ظلوم ومعنى «زنيم» أنه كان فى أصل أذنه
__________
(1) فى أ: «يقول» ، وفى ف: «بنو» .
(2) فى أ: «فلا تطع» ، وفى ف: «ولا تطع» .
(3) فى أ: «البار» ، وفى ف: «القلب» .
(4) سورة الإنسان: 24 وتمامها: «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً» .
(5) سورة المطففين: 1، يشير إلى الآية 12 من سورة المطففين وهي «وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ» .
(6) فى أ: «يعنى بالعقل» ، وفى ف: «يعنى بالعتل» .
(7) على معناها لا يتكلم بالخير ولا ينطق بالإيمان.

(4/404)


مثل زنمة الشاة مثل الزنمة التي تكون معلقة في «لحى «1» » الشاة زيادة في خلقه أَنْ كانَ يعني إذا كان ذَا مالٍ وَبَنِينَ- 14- إِذا تُتْلى عَلَيْهِ يعني الوليد آياتُنا يعني القرآن قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ- 15- يقول أحاديث الأولين وكذبهم وهو حديث رستم واسفندباز يقول الله- عز وجل-:
سَنَسِمُهُ بالسواد عَلَى الْخُرْطُومِ- 16- يعني على الأنف، وهو الوليد وذلك أنه يسود وجهه وتزوق عيناه «ويصير «2» » منكوس الوجه مغلولا في الحديد قبل دخول النار «3» ، ثم رجع في التقديم فقال: إِنَّا بَلَوْناهُمْ يقول إنا ابتليناهم يعني أهل مكة بالجوع كَما بَلَوْنا يقول كما ابتلينا أَصْحابَ الْجَنَّةِ بالجوع «4» حين هلكت جنتهم، كان فيها نخل وزرع وأعناب، ورثوها عن آبائهم، واسم الجنة الصريم، وهذا مثل ضربه الله- تعالى- لأهل مكة ليعتبروا عن دينهم، وكانت جنتهم دون صنعاء اليمن بفرسخين وكانوا مسلمين، وهذا بعد عيسى بن مريم- عليه السلام- وكان «آباؤهم صالحين «5» » ، يجعلون للمساكين من الثمار والزرع والنخل ما أخطأ الرجل فلم يره حين يصرمه، وما أخطأ المنجل، وما ذرته الريح، وما بقي في الأرض من الطعام حين يرفع، وكان هذا «شيئا كثيرا «6» » ، فقال القوم: كثرت العيال وهذا طعام كثير، أغدوا سرا جنتكم
__________
(1) فى أ: «نحر» ، وفى ف: «لحى» ، والعبارة كلها من ف، وهي محرفة فى أ. [.....]
(2) «بصير» : زيادة اقتضاها السياق.
(3) فى أ: «معلق فى الحديد قد نزل النار» ، والمثبت من ف.
(4) فى أ: «يقول ابتليناهم يقول أهل مكة بالجوع» ، والمثبت من ف.
(5) فى أ: «وهم صالحين» ، والمثبت من ف.
(6) فى أ: «شيء كثير» ، وفى ف، «شيئا كثيرا» .

(4/405)


فاصرموها، ولا تؤذنوا المساكين، كان آباؤهم يخبرون المساكين فيجتمعون عند «صرام «1» » جنتهم، وعند الحصاد، «إِذْ «2» أَقْسَمُوا» لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ- 17- ليصرمنها إذا أصبحوا وَلا يَسْتَثْنُونَ- 18- فيقولون إن شاء الله، فسمع الله- تعالى-[205 ب] قولهم فبعث نارا من السماء في الليل على جنتهم فأحرقتها حتى صارت سوداء، فذلك قوله: فَطافَ عَلَيْها يعني على الجنة طائِفٌ يعني عذاب مِنْ رَبِّكَ يا محمد ليلا وَهُمْ نائِمُونَ- 19- فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ- 20- أصبحت يعني الجنة سوداء مثل الليل فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ- 21- يقول لما أصبحوا قال بعضهم لبعض أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ- 22- الجنة، يقول الحرث والثمار والزرع ولا يعلمون أنها احترقت «فَانْطَلَقُوا «3» » وَهُمْ يَتَخافَتُونَ- 23- يعنى «يتشاورون «4» » فيما «بينهم «5» » ، وهو الخفي من الكلام فقالوا سرا:
أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ- 24- وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ «6» قادِرِينَ- 25- على حدة في أنفسهم «7» «قادرين» على جنتهم فَلَمَّا رَأَوْها ليس فيها شيء ظنوا أنهم أخطأوا الطريق قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ- 26- عنها، ثم
__________
(1) فى أ: «أصرام» ، وفى ف: «صرام» .
(2) فى أ، ف: «فأقسموا» ، والآية: «إذا أقسموا» .
(3) فى أ: «فأقبلوا» ، وفى حاشية أ: «فانطلقوا» .
(4) فى أ: «يتشاورون» ، وفى ف: «يتشاورون» ، وفى حاشية أ، «يتسارون» :
محمد أى تعليق من الناسخ محمد.
(5) فى أ: «يتشاورن» بينهم، والأنسب: «يتشاورون فيما بينهم» .
(6) فى الجلالين: (حرد) منع الفقراء.
(7) من ف، وفى أ: « (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ) يعنى على حد فى أنفسهم» .

(4/406)


أنهم عرفوا الأعلام فعلموا أنهم عقوبة، فقالوا: بَلْ نَحْنُ يعني ولكن نحن مَحْرُومُونَ- 27- يقول حرمنا خير هذه الجنة قالَ أَوْسَطُهُمْ يعني أعدلهم قولا، نظيرها في سورة البقرة. « ... أُمَّةً وَسَطاً ... «1» » يعني عدلا أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ- 28- فتقولون إن شاء الله- تعالى-: قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ- 29- فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ- 30- يقول يلوم بعضهم بعضا فى منع حقوق المساكين قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ- 31- يقول لقد طغينا في نعمة الله- تعالى- قالوا: عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها يعني خيرا من جنتنا التي هلكت إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ- 32- في الدعاء إليه يقول الله- تعالى-: كَذلِكَ «يعني هكذا الْعَذابُ هلاك جنتهم «2» » وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ يعني أعظم مما أصابهم إن لم يتوبوا فى الدنيا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ- 33- ولما أنزل الله- تعالى- هذه الآية: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ- 34- قال كفار مكة للمسلمين إنا نعطى في الآخرة من الخير أفضل مما تعطون يقول الله- عز وجل-: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ في الآخرة كَالْمُجْرِمِينَ- 35- فى الخير يقول الله- عز وجل-: ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ- 36- يعني تقضون إن هذا الحكم لجور أن تعطوا من الخير في الآخرة ما يعطى للمسلمين أَمْ لَكُمْ يعنى يا أهل مكة كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ- 37- يعنى
__________
(1) سورة البقرة: 143 وفيها: «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ» .
(2) «يعنى هكذا (العذاب) هلاك جنتهم» . من ف، وفى أ: «هكذا معك جنتهم» . [.....]

(4/407)


تقرأون إِنَّ لَكُمْ فِيهِ أن تعطوا هذا الذي قلتم بأن لكم في الآخرة: لَما تَخَيَّرُونَ- 38- قل لهم: يا محمد، أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا يعني ألكم عهود علينا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ يقول «حلفنا «1» » لكم على يمين فهي لكم علينا بالغة لا تنقطع إلى يوم القيامة إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ- 39- يعني ما تقضون لأنفسكم في ألآخرة من الخير سَلْهُمْ يا محمد، أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ- 40- يقول أيهم بذلك كفيل بأن لهم [206 أ] في الآخرة «ما للمسلمين «2» » من الخير أَمْ لَهُمْ يقول ألهم شُرَكاءُ يعني شهداء من غيرهم بالذي يقولون:
فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ يعني بشهدائهم فيشهدوا لهم بالذي يقولون إِنْ كانُوا صادِقِينَ- 41- بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير، قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ يعنى قوله: « ... وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ... » يعني عن شدة الآخرة «3» وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ- 42- وذلك أنه تجمد أصلاب الكفار فتكون كالصياصي عظما واحدا مثل صياصي البقر لأنهم لم يسجدوا في الدنيا خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ عند معاينة النار تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ يعني تغشاهم مذلة وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ يعنى يؤمرون بالصلاة
__________
(1) فى أ: «جعلنا» ، وفى ف: «حلفنا» .
(2) فى أ: «ما للمسلم» ، وفى ف: «ما للمسلمين» .
(3) كذا فى أ، ف. وفى القرطبي ص 754 يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ يوم يشتد الأمر ويصعب الخطب، وكشف الساق مثل فى ذلك، وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن فى الهرب، قال حاتم:
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ... وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
أو يكشف عن أصل الأمر وحقيقته بحيث يصير عيانا مستعار من ساق الشجر وساق الإنسان وتنكيره للتهويل أو للتعظيم وقرئ تكشف بالتاء على بناء المفعول والفاعل، والفعل للساعة أو الحال.

(4/408)


الخمس وَهُمْ سالِمُونَ- 43- يقول كانوا معافون في الدنيا فتصير أصلابهم مثل سفافيد الحديد.
قال مُقَاتِلُ: قال ابن مسعود في قوله: « ... يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ... »
يعنى فيضيء نور ساقه الأرض، فذلك قوله « ... وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ... »
يعني نور ساقه اليمين هذا قول عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه «1» .
قال مُقَاتِلُ وقال ابن عباس- رضي الله عنه- فى قوله: « ... يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ... » يعنى عن شدة الآخرة، كقوله: قامت الحرب على ساق، قال يكشف عن غطاء الآخرة وأهوالها «2» قوله: فَذَرْنِي هذا تهديد وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ
__________
(1) وهب أنه قول عبد الله بن مسعود، فهل يعفى من قال به من التجسيم والتشبيه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وانظر ما كتبته فى مقدمة هذا التفسير عن: التجسيم عند مقاتل.
(2) قارن بما نقلته لك عن القرطبي فى تفسير هذه الآية (هامش رقم 1) فى هامش تفسيرها: قبل قليل، وكلاهما متقارب من بعضه.
قال النسفي فى تفسيره: « ... يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ... » نفس الظروف فليأتوا أو اذكر مضمرا والجمهور على أن الكشف عن الساق عبارة عن شدة الأمر وصعوبة الخطب فمعنى يوم يكشف عن ساق يوم يشتد الأمر ويصعب ولا كشف ثمة ولا ساق ولكن كنى به عن الشدة لأنهم إذا ابتلوا بشدة كشفوا عن الساق، وهذا تقول للأقطع الشحيح يده مغلولة ولا يد ثمة ولا غل. وإنما هو كتابة عن البخل. وأما من شبه فليضيق عطفه وقله نظره فى علم البيان، ولو كان الأمر كما زعم المشبه لكان من حق الساق أن يعرف لأنها ساق معهودة عنده.
وفى تفسير الطبري يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل يبدو عن أمر شديد ثم ذكر من قال ذلك.
ثم ساق الطبري روايات أخرى فى مضمون ما ذهب إليه مقاتل منها ما أسند إلى ابن مسعود ومنها ما أسند إلى أبى سعيد الخدري. منها يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ يعنى عن نور عظيم.
ومنها يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ فلا يبقى مؤمن إلا خر لله ساجدا.

(4/409)


__________
ومنها ما يفيد أن كل قوم يتبعون آلهتهم، ثم يتجلى الله للمؤمنين فى صورة فيكشف عما شاء الله أن يكشف فيخرون سجدا إلا المنافقين فإنه يصير فقار أصلابهم عظما واحدا مثل صياصي البقر.
وهذه الروايات غريبة عن روح الإسلام وأصوله وقواعده وبعيدة عن نصوص بالقرآن الصريحة فى قوله- سبحانه-: « ... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ... » ، « ... لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ... »
والله منزه عن مشابهة الحوادث، أما النصوص التي يوهم ظاهرها مشابهته- سبحانه- للحوادث ففيها رأى السلف وهو أننا نؤمن بها كما وردت ونفوض حقيقة المراد منها إلى الله- تعالى- فنؤمن بأن لله وجها ويدا ونقطع بأن ذلك لا يشبهه بالحوادث ونفوض حقيقة المراد إلى الله، وأما رأى الخلف فإنهم يؤولون هذه النصوص على نحو يليق بجلال الله- سبحانه- فيؤولون اليد بالقدرة ويؤولون الوجه بالذات.
وقد بين الإمام النووي أن الخلاف بين السلف والخلف ليس كبيرا فكلاهما منفقان على مخالفته- سبحانه وتعالى- للحوادث ولكن السلف شرحوا اللفظ، والخلف حملوه على المعنى والتأويل، ورأى السلف أسلم، ورأى الخلف أحكم.
وأنت- أيها المؤمن- ما أحوجك إلى يقين صادق وإيمان ثابت بالله خالقا، ورازقا، سميعا، مجهبا، مقصودا فى الحوائج، منزها عن النظر والمثيل، بدون بحث فى كيفية الذات فقد أجاب القرآن عن حقيقة الله بسورة كاملة هي أساس التوحيد فقال سبحانه:
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ سورة الإخلاص.
ولم يعرف عن الصحابة أنهم سألوا النبي- صلى الله عليه وسلم- عن معنى أى آية من الآيات المتشابهة، مثل « ... وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ... » سورة: الرحمن: 27، « ... يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ... »
سورة الفتح: 10، «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» سورة طه: 5. ولكنهم آمنوا بها واستقر الإيمان بالله فى قلوبهم، واندفعوا إلى العمل بمقتضى هذا الإيمان.
ثم ظهر الخلاف فى فهم هذه النصوص فى العصور المتأخرة ودب الشقاق والفرقة بين الناس بسبب التفرق فى فهمها، والقرآن روح. وحياة، وذكر، ورحمة، والفرقة كفر: وشقوة، وقد آن لنا أن نعود إلى فهم القرآن والاهتداء بهديه، وأن نتجنب الخلافات المذهبية والسياسة، وأن نكتفي بنعمة القرآن وروحه ففيها الشفاء والرحمة وأن نبتعد عن الانحرافات الدخيلة وعن شبه التجسيم والتشبيه وعما أورده المنحرفون من روايات وإسرائيليات غريبة عن روح هذا الدين.

(4/410)


يقول خل بيني وبين من يكذب بهذا القرآن، «فأنا أنفرد بهلاكهم «1» » سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ- 44- سنأخذهم بالعذاب من حيث يجهلون وَأُمْلِي لَهُمْ يقول لا أعجل عليهم بالعذاب إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ- 45- يقول إن أخذي بالعذاب شديد نزلت هذه الآية في المستهزئين من قريش قتلهم الله- تعالى- فى ليلة واحدة، قوله: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً يعني خراجا على الإيمان فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ- 46- يقول أثقلهم الغرم
__________
فما قيمة الرواية إذا اصطدمت بأصل من أصول ديننا، وما قيمة الرواية إذا اشتملت على شذوذ أو علة قادحة» وما قيمة الرواية إذا خالفت المعقول أو اصطدمت مع الأصول، وما قيمة الرواية إذا خالفت روح القرآن أو هدى الإسلام.
لقد ذكر علماء الحديث أن من علامة وضع الحديث ما يأتى:
1- ركاكة معناه وضعفه.
2- فساد معناه.
3- مخالفته الكتاب والسنة المتواترة أو الإجماع القطعي.
4- مخالفته الوقائع التاريخية المقطوع بصحتها.
5- صدور الحديث من راو تأييدا لمذهبه وهو متعصب مغال فيه.
وقال ابن الجوزي: إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع.
انظر علوم الحديث الدكتور عبد الله شحاتة المكتبة الثقافية: 87.
وأخيرا ننقل ما قاله الأستاذ سيد قطب تفسير « ... يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ... »
والكشف عن الساق كناية- فى تعبيرات اللغة العربية المأثورة- عن الشدة والكرب فهو يوم القيامة الذي يشمر فيه عن الساعد، ويكشف فيه عن الساق، ويشتد الكرب والضيق، ويدعى هؤلاء المتكبرون إلى السجود فلا يملكون السجود، أما لأن وقته قد فات واحذزوا ما لأنهم كما وصفهم فى موضوع آخر يكونون « ... مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ» سورة إبرهيم: 43 وكأن أجسامهم وأعصابهم مشدودة عن الهول على غير إرادة منهم، وعلى أية حال فهو تعبير يشير بالكرب والعجز والتحدي المخيف.
(1) من ف، وفى أ: «فأما لا تقدر بهلاكهم» .

(4/411)


فلا يستطيعون الإكثار من أجل الغرم أَمْ عِنْدَهُمُ يقول أعندهم علم الْغَيْبُ بأن الله لا يبعثهم وأن الذي يقول محمد غير كائن، أم عندهم بذلك كتاب فَهُمْ يَكْتُبُونَ- 47- ما شاءوا، ثم قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: فَاصْبِرْ على الأذى لِحُكْمِ رَبِّكَ يعني لقضاء ربك و «الذي» «1» هو آت عليك وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ يعني يونس بن متى من أهل نينوي- عليه السلام- يقول لا تضجر كما ضجر يونس فإنه لم يصبر، يقول لا تعجل كما عجل يونس، ولا تغاضب كما غاضب يونس بن متى فتعاقب كما عوقب يونس إِذْ نَادَى ربه في بطن الحوت وكان نداؤه فى سورة الأنبياء « ... لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ» [206 ب] «سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ «2» » ثم قال: وَهُوَ مَكْظُومٌ- 48- يعني مكروب في بطن الحوت يعني السمكة لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ- 49- ولكن تدار كه نعمة يعني رحمة من ربه فنبذناه بالعراء وهو سقيم والعراء البراز يعني لألقي بالبراز وهو مذموم فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ- 50- وَإِنْ يَكادُ يقول قد كاد الَّذِينَ كَفَرُوا يعني المستهزئين من قريش لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ يعني يبعدونك لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ يقول حين سمعوا القرآن كراهية له وَيَقُولُونَ إِنَّهُ إن محمدا لَمَجْنُونٌ- 51- وَما هُوَ يعني أن هو إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ- 52- يعنى ما القرآن إلا تذكرة للعالمين.
__________
(1) فى أ: «الذ» ، وفى ف: «الذي» .
(2) سورة الأنبياء: 87.

(4/412)