تفسير مقاتل بن سليمان

سورة القيامة

(4/503)


[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 40]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (3) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4)
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (5) يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (6) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)
يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلاَّ لا وَزَرَ (11) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)
وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (15) لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19)
كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (24)
تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (25) كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)
إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (30) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (34)
ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (37) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (39)
أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (40)

(4/505)


[سورة القيامة «1» ] «سورة القيامة» مكية عددها أربعون آية كوفى «2» .
__________
(1) مقصود السورة:
بيان هول القيامة، وهيبتها، وبيان إثبات البعث وتأثير القيامة فى أعيان العالم، وبيان جزاء الأعمال، وآداب سماع الوحى والوعد باللقاء والرؤية والخير عن حال السكرة، والرجوع إلى بيان برهان القيامة، وتقرير القدرة على بعث الأموات فى قوله: «أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى» سورة القيامة 40.
(2) فى المصحف: (75) سورة القيامة مكية وآياتها 40 نزلت بعد سورة القارعة.

(4/507)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ما أقسم الله بالكافرين في القرآن في غير هذه السورة قوله- تعالى- لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ- 1- نظيرها «وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ «1» » .
قال وكان أهل الجاهلية، إذا أراد الرجل أن يقسم قال: «لا أقسم» وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ «2» اللَّوَّامَةِ- 2- يقول «أقسم «3» » بالنفس الكافرة التي تلوم نفسها في الآخرة، فتقول « ... يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي «4» » ، « ... يَا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ «5» » يعني في أمر الله في الدنيا أَيَحْسَبُ هذا الْإِنْسانُ يعني عدي بن ربيعة بن أبي سلمة ختن الأخنس بن شريق وكان حليفا لبني زهرة فكفر بالبعث، وذلك
أنه أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد حدثني عن يوم القيامة متى يكون؟ وكيف أمرها وحالها؟
فأخبره النبي- صلى الله عليه وسلم- بذلك. فقال: لو عاينت ذلك اليوم سأومن بك، ثم «قال «6» » : يا محمد، أو يجمع الله العظام يوم القيامة؟ قال: نعم.
__________
(1) سورة البروج: 2.
(2) هناك اضطراب شديد فى أ، ف، ل فى الجزء السابق من سورة القيامة وقد لجأت إلى طريقة النص المختار فى تحقيق هذه السورة.
(3) فى أ، ف: «لا أقسم» ، وفى ل: «أقسم» . [.....]
(4) سورة الفجر: 24.
(5) سورة الزمر: 56.
(6) فى أ: «فقال» .

(4/509)


فاستهزأ منه، فأنزل الله- جل وعز- «لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ..
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ» أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ- 3- يقول أن لن نبعثه من بعد الموت، فأقسم الله- تعالى- أن يبعثه كما كان، ثم قال: بَلى قادِرِينَ يعني كنا قادرين عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ- 4- يعني أصابعه، يعني على أن نلحق الأصابع بالراحة ونسويه حتى نجعله مثل خف البعير فلا ينتفع بها كما لا ينتفع البعير بها ما كان حيا، نزلت هذه الآية في عدي بن ربيعة والأخنس بن شريق، ثم قال: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ يعني عدي بن ربيعة لِيَفْجُرَ أَمامَهُ- 5- يعني تقديم المعصية وتأخير التوبة يوما بيوم يقول سأتوب، حتى يموت على شر عمله، وقد أهلك أمامه يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ- 6- يعني يسأل عدي متى يوم القيامة؟ تكذيبا بها فأخبر الله- تعالى- عن ذلك اليوم فقال: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ- 7- يقول إذا شخص البصر فلا يطرف مما يرى من العجائب «التي يراها «1» » مما كان يكفر بها في الدنيا «أنه «2» » غير كائن مثلها فى سورة «ق والقرآن المجيد «3» » [218 أ] وَخَسَفَ الْقَمَرُ- 8- فذهب ضوءه وَجُمِعَ بين الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ- 9- «كالبقرتين المقرونتين» «4» يوم القيامة قياما بين يدي «الخلائق «5» » ، ثم ذكر «فقال «6» » يَقُولُ هذا الْإِنْسانُ المكذب
__________
(1) فى أ، ف: «الذي يرى» .
(2) كذا فى أ، ف، والمراد: أن البعث.
(3) سورة ق 22 وتمامها: «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» .
(4) فى أ: «كالبقرتين المقرونتين» ، وفى ف: «كالبعيرين المقرونين» .
(5) فى أ: «الخالق» ، وفى ف: «الخلائق» .
(6) كذا فى أ، ف: «ولعل فيها مفعولا محذوفا تقديره ثم ذكر المكذب فقال، أو يكون أصلها ثم ذكر فقال» .

(4/510)


بيوم القيامة يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ- 10- يعني أين المهرب حتى أحرز نفسي يقول الله- تبارك وتعالى-: كَلَّا لا وَزَرَ- 11- يعني لا جبل «يحرزك «1» » ويسمى حمير الجبل وزر. ثم استأنف فقال: إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
- 12- يعني المنتهى يومئذ إلى الله- عز وجل- لا تجد عنه مرحلا يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ
لآخرته، ثم قال:
وَما أَخَّرَ
- 13- من خير أو شر بعد موته في دنياه، فاستن بها قوم بعده يقول الله- تعالى-:
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
- 14- وذلك حين كتمت الألسن فى سورة الأنعام «2» وختم الله عليها في سورة «يس والقرآن الحكيم» ، فقال:
«الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ ... «3» » فنطقت الجوارح وشهدت على الألسن بالشرك فى هذه السورة، فلا شاهد أفضل من نفسك، فذلك قوله- تبارك وتعالى-: «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ»
يعني جسده وجوارحه شاهدة عليه بعمله فذلك قوله- تبارك وتعالى-: « ... كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً «4» » يعنى شاهدا، ثم
__________
(1) فى أ: «يحوزك» .
(2) عله يشير إلى الآية 125 وتمامها: «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ» أو الآية 158 من سورة الأنعام وتمامها «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ»
(3) سورة يس: 65 وتمامها: «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» .
(4) سورة الإسراء: 14 وتمامها: «اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» .

(4/511)


قال وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
- 15- ولو أدلى بحجته لم تنفعه وكان جسده عليه شاهدا، لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
- 16- إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ
فى قلبك يا محمد وَقُرْآنَهُ
- 17- حتى نقريكه حتى تعلمه وتحفظه في قلبك فَإِذا قَرَأْناهُ
يقول فإذا تلوناه عليك يقول إذا تلا عليك جبريل- صلى الله عليه وسلم- فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
- 18- يقول فاتبع ما فيه، وذلك أن جبريل كان يأتي النبي- صلى الله عليه وسلم- بالوحي فإذا قرأه عليه، تلاه النبي- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يفرغ جبريل من الوحي مخافة أن لا يحفظه فقال الله- تعالى- «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ»
بتلاوته قبل أن يفرغ جبريل- صلى الله عليه- «لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ»
فى قلبك «وَقُرْآنَهُ»
عليك يعني نقريكه حتى تحفظه «1» ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ- 19- يعني أن نبين لك حلاله وحرامه، كما قال الله- تعالى «2» -: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى «3» » - يقول الله- تعالى- فى هذه السورة كَلَّا بَلْ «لا تزكون «4» » ولا تصلون وتُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ- 20- يعني كفار مكة، تحبون الدنيا وَتَذَرُونَ عمل الْآخِرَةَ- 21- يقول تختارون الحياة الدنيا على الآخرة فلا تطلبونها نظيرها في «هَلْ أَتَى على الإنسان» «تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ «5» » ثم قال:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ- 22- يعنى «الحسن والبياض «6» » ويعلوه النور
__________
(1) الجملة قلقة فى أ، ف، وهي متصيدة منهما. [.....]
(2) فى أ: كما قال الله- تعالى-: قَدْ أَفْلَحَ.
(3) سورة الأعلى: 14، 15.
(4) فى أ: «تزكون» ، وفى ف: «لا تزكون» .
(5) النص فى سورة القيامة، 20، 21، وليس فى سورة «هل أتى على الإنسان» .
(6) كذا فى أ، ف، والأنسب «بالحسن والبياض» .

(4/512)


إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ- 23- يعني ينظرون إلى الله- تعالى- معاينة، ثم قال- جل وعز-[218 ب] : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ- 24- يعني متغيرة اللون تَظُنُّ يقول تعلم أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ- 25- يقول يفعل بها شر كَلَّا لا يؤمن بما ذكر في أمر القيامة، ثم قال: إِذا بَلَغَتِ الأنفس التَّراقِيَ- 26- يعني الحلقوم وَقِيلَ مَنْ راقٍ
- 27- وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ- 28- يعني وعلم أنه قد يفارق الدنيا وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ- 29- يعني التف أمر الدنيا بالآخرة فصار واحدا كلاهما، ثم قال: إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ- 30- يعني النهاية إلى الله في الآخرة ليس عنها مرحل، ثم قال: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى- 31- يقول فلا صدق أبو جهل بالقرآن ولا صلى لله- تعالى- وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى- 32- يقول ولكن كذب بالقرآن وتولى عن الإيمان يقول أعرض عن الإيمان ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى- 33- يقول يتبختر، وكذلك بنو المغيرة بن عبد الله بن عمر المخزومي إذا مشى أحدهم يختال في المشي أَوْلى لَكَ فَأَوْلى - 34- ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى - 35- يعني وعيدا على أثر وعيد وذلك
أن أبا جهل تهدد النبي- صلى الله عليه وسلم- بالقتل وأن النبي- صلى الله عليه وسلم- أخذ تلابيب أبي جهل بالبطحاء فدفع في صدره، فقال: «أَوْلى لَكَ فَأَوْلى، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى»
يعني أبا جهل حين تهدد النبي- صلى الله عليه وسلم- بالقتل، فقال أبو جهل: إليك عني فإنك لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا، لقد علمت قريش أني أعز أهل البطحاء وأكرمها، فبأي ذلك تخوفني يا بن أبي كبشة، ثم انسل ذاهبا إلى منزله، فذلك قوله: «ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى» تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 33

(4/513)


في التقديم «1» ، ثم قال: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً- 36- يعني مهملا لا يحاسب بعمله يعني أبا جهل إلى آخر السورة «2» ، ثم قال: أَلَمْ يَكُ هذا الإنسان نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ «يُمْنى»
«3» - 37- ثُمَّ كانَ بعد النطفة عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى- 38- الله خلقه فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «4» - 39- أَلَيْسَ ذلِكَ يعني أما ذلك بِقادِرٍ الذي بدأ خلق هذا الإنسان عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى - 40- يعنى بقادر على البعث بعد الموت.
__________
(1) أى المتقدم ذكره.
(2) الآيات التالية إلى آخر السورة تعنى أبا جهل.
(3) فى أ: «تمنى» .
(4) من حاشية أ، وليست فى أ.

(4/514)


سورة الإنسان

(4/515)


[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 31]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (4)
إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9)
إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (13) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (14)
وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (15) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (19)
وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (21) إِنَّ هَذَا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24)
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (28) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (29)
وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31)

(4/517)


[سورة الإنسان «1» ] سورة الإنسان مكية «عددها إحدى وثلاثون آية» «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان مدة خلقة آدم، وهداية الخلق لمصالحهم وذكر ثواب الأبرار، فى دار القرار، وذكر الله على الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأمره بالصبر، وقيام الليل، والمنة على الخلق بأحكام خلقهم، وإضافة كلية المشية إلى الله، فى قوله: «يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ ... » .
سورة الإنسان: 31.
(2) فى أ: «عددها أحد عشر آية» وهو خطأ، ولم يذكر عدد الآيات فى ف.
وفى المصحف: (76) سورة الإنسان مدنية وآياتها 31 نزلت بعد سورة الرحمن.
وللسورة ثلاثة أسماء: «هل أتى ... » ، لمفتتحها بها.
وسورة الإنسان، لقوله: «عَلَى الْإِنْسانِ» .
وسورة الدهر، لقوله: «حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ» .

(4/519)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ يعني قد أتى على الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً- 1- يعني به آدم لا يذكر، وذلك أن الله خلق السموات وأهلها، والأرض وما فيها من الجن قبل أن يخلق آدم- عليه السلام-، بواحد وعشرين ألف سنة وهي ثلاثة أسباع «1»
، فكانوا لا يعرفون آدم، ولا يذكرونه «وكان «2»
» سكان الأرض من الجن زمانا ودهرا [219 أ] ثم إنهم عصوا الله- تعالى- «وضر «3»
» بعضهم بعضا فأرسل الله عليهم قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن وإبليس فيهم، وكان اسم إبليس الحارث أرسلهم الله على الجن فطردوهم حتى أخرجوهم من الأرض إلى الظلمة خلف الحجاب وهو جبل تغيب الشمس خلفه، وفي أصله، وفيما بين ذلك الجبل وبين جبل قاف مسيرة سنة كلها ظلمة وماء قائم، ثم إن إبليس وجنده طهروا الأرض «وعبدوه «4»
» زمانا فلما أراد الله- تعالى- أن يخلق آدم- صلى الله عليه-، أوحى إليهم أني جاعل في الأرض خليفة يعبدونني، ويطهرون لي الأرض، فردوا إلى الله قوله، وإبليس منهم: فقالوا ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها يعني من يعصي فيها، ويسفك الدماء كفعل الجن، لا أنهم علموا الغيب: ولكن قالوا ما عرفوا عن
__________
(1) المعنى أن 7 7 7 21
(2) فى أ: «فكان» ، والأنسب: «وكان» .
(3) فى أ: «وصف» ، وفى ف: «ويضرب» ، وفى ل: «وضرب» . [.....]
(4) «وعبدوه» : كذا فى أ، ف، والضمير عائد على الله- سبحانه وتعالى-.

(4/521)


الجن الذين عصوا ربهم، وقالوا نحن نسبح بحمدك ونقدس لك، يعنى ونطهر لك الأرض، فأوحى الله إليهم أني أعلم ما لا تعلمون. ثم إن الله- تبارك وتعالى- قال- يا جبريل- ائتني بطين فهبط جبريل- عليه السلام- إلى الأرض فأخذ ترابا من تحت الكعبة «وهو أديم «1»
» الأرض وصب عليه الماء فتركه زمانا حتى أنتن الطين فصار فوقها طين حر، وأسفلها حمأة.
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ عَنْ مُقَاتِلٍ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا كَانَ مِنَ الْحُرِّ مِنْهَا فَهُمْ أَصْحَابُ الْيَمِينِ: وَمَا كَانَ مِنَ الْحَمْأَةِ فَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الشِّمَالِ،
وذلك أن امرأ القيس بن عابس الكتمي، ومالك بن الضيف اليهودي اختصما بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أمر آدم- عليه السلام- وخلقه، فقال مالك بن الضيف: إنما نجد في التوراة أن الله خلق آدم حين خلق السموات والأرض، فأنزل الله- عز وجل- يكذب مالك بن الضيف اليهودي فقال: «هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ» يعني واحدا وعشرين ألف سنة، وهي ثلاثة أسباع، بعد خلق السموات والأرض «لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً» يذكر: ثم «خلق «2»
» ذريته فقال: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ يعني ماء مختلطا وهو ماء الرجل وماء المرأة فإذا اختلطا فذلك المشج، فماء الرجل غليظ أبيض فمنه العصب والعظم والقوة، ونطفة المرأة صفراء رقيقة «فمنها «3»
» اللحم والدم والشعر والظفر فيختلطان فذلك الأمشاج، فيها تقديم،
__________
(1) فى أ: «وهي أدام» ، وفى ف: «وهو أديم»
(2) فى أ: «خلق» ، وفى ف: «ذكر»
(3) فى أ: «فمنه» ، وفى ف: «فمنها»

(4/522)


يقول جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه «1»
، ثم قال: فَجَعَلْناهُ بعد النطفة سَمِيعاً بَصِيراً- 2- لنبتليه بالعمل أي «2»
جعلناه نطفة، علقة، مضغة، ثم صار إنسانا بعد ماء ودم «فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً» من بعد ما كان نطفة ميتة، «ثم قال «3»
» :
إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ يعنى سهيل الضلالة والهدى إِمَّا أن يكون شاكِراً يعني موحدا في حسن خلقه لله- تعالى- وَإِمَّا كَفُوراً- 3- فلا يوحده «وأيضا إما شاكرا لله في حسن خلقه «وَإِمَّا كَفُوراً» بجعل «هده «4»
» النعم لغير الله «5»
» ثم ذكر مستقر من أحسن خلقه، ثم كفر به وعبد غيره، فقال:
إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ في الآخرة يعني يسرنا للكافرين يعني لمن كفر بنعم الله- تعالى- سَلاسِلَ يعنى كل سلسلة طولها سبعون ذراعا بذراع الرجل الطويل من الخلق الأول.
«حَدَّثَنِي «6» أَبِي» رَحِمَهُ اللَّهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ عَنْ مُقَاتِلٍ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- عَلَيْهِ السَّلامُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَوْ أَنَّ حَلْقَةً مِنْ سَلاسِلِ جَهَنَّمَ وُضِعَتْ عَلَى ذِرْوَةِ جَبَلٍ لذاب كما يذوب الرصاص فكيف يا بن آدم «وهي «7»
» عليك وحدك،
__________
(1) السطور التالية مضطربة فى أ، ف وفى جميع النسخ.
(2) فى أ، ف: «ثم قال» ، والأنسب ما أثبته لأن القول الآتي ليس قرآنا بل هو معنى آيات وردت فى سورة «المؤمنين» وغيرها، انظر قوله- تعالى-: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ... » : 12- 14 المؤمنون.
(3) فى أ: «فقال» .
(4) فى أ، ف: «ذلك» ، والأنسب ما أثبت.
(5) من ف، وفى أاضطراب.
(6) من أ، وفى ف: «حدثنا عبد الله قال: حدثني أبى» .
(7) فى أ: «وهو» ، وفى ف: «وهي» .

(4/523)


ثم قال: وَأَغْلالًا فأما السلاسل ففي أعناقهم، وأما الأغلال ففي أيديهم، ثم قال: وَسَعِيراً- 4- يعني وقودا لا يطفأ، ثم ذكر ما أعد للشاكرين من نعمة فقال: إِنَّ الْأَبْرارَ يعني الشاكرين المطيعين لله- تعالى- يعني أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسلمان الفارسي، وأبا ذر الغفاري، وابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبا عبيدة بن الجراح، وأبا الدرداء، وابن عباس «1»
، يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ يعني الخمر، وأيضا. «إِنَّ الْأَبْرارَ» يعني علي بن أبي طالب وأصحابه الأبرار الشاكرين لله- تعالى- يشربون من كأس يعني من خمر كانَ مِزاجُها كافُوراً- 5- ثم ذكر الكافور فقال: عَيْناً يَشْرَبُ بِها يعنى الخمر عِبادُ اللَّهِ «يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً» «2»
- 6- يعنى أولياء الله يمزجون ذلك الحمر، ثم يجاء بذلك الماء فهو على برد الكافور، وطعم الزنجبيل، وريح المسك لا يمسك أهل الدنيا ولا زنجبيلهم ولا كافورهم، ولكن الله- تعالى- وصف ما عنده بما عندهم لتهتدي إليه القلوب «3»
، ثم ذكر محاسنهم فقال:
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ يعني من نذر لله نذرا، فقضى الله حاجته فيوفي لله بما قد نذره، قال: وَيَخافُونَ يَوْماً يعني يوم القيامة كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً- 7- يعني كان شرا فاشيا في أهل السموات والأرض، فانشقت السماء، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وكورت الشمس والقمر فذهب ضوءهما وبدلت الأرض ونسفت الجبال، وغارت المياه، وتكسر كل شيء على الأرض من جبل أو بناء أو شجر، ففشى شر يوم القيامة فيها، وأما قوله:
__________
(1) هذا على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.
(2) «يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً» : ساقط من أ.
(3) من ف، وفى أنقص. [.....]

(4/524)


«وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ» «1»
أي على حبهم الطعام مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً- 8- نزلت في أبي الدحداح الأنصاري، ويقال في علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- وذلك
أنه [220 أ] صام يوما فلما أراد أن يفطر دعا سائل، فقال:
عشوني بما عندكم فإني لم أطعم اليوم شيئا. قال أبو الدحداح أو علي: قومي فاثردي رغيفا وصبي عليه مرقة، وأطعميه. ففعلت ذلك فما لبثوا أن جاءت جارية يتيمة فقالت: أطعموني فإني ضعيفة لم أطعم اليوم شيئا، قال: يا أم الدحداح قومي فاثردي رغيفا وأطعميها، فإن هذه والله أحق من ذلك المسكين، فبينما هم كذلك إذ جاء على الباب سائل أسير ينادي: عشوا الغريب في بلادكم، فإني أسير في أيديكم وقد أجهدني الجوع فبالذي أعزكم وأذلني لما أطعمتموني.
فقال أبو الدحداح: يا أم الدحداح، قومي ويحك فاثردي رغيفا وأطعمي الغريب الأسير، فإن هذا أحق من أولئك فأطعموا «ثلاث «2»
» أرغفة، وبقي لهم «رغيف واحد «3»
» فأنزل الله- تبارك وتعالى- فيهم يمدحهم بما فعلوا. فقال:
وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً يعني باليتيم من لا أب له ولا أم، (وَأَسِيرًا- من أسارى المشركين «4»
) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ يعني لمرضات الله- تعالى- لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً- 9- يعني أن تثنوا به علينا إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً يعنى يوم الشدة،
__________
(1) فى أ: «على حبهم الطعام» : والآية: «الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ» .
(2) فى أف: «ثلاثة» .
(3) فى أ: «رغيفا واحدا» ، وفى ف: «رغيف واحد» .
(4) من ف، وفى أ: ( «وأسيرا» من أسر بالمشركين من غيرهم) .

(4/525)


قال الفراء وأبو عبيدة: هو المنتهى في الشدة «1»
قَمْطَرِيراً- 10- يعني إذا عرق الجبين فسال العرق بين عينيه من شدة الهول، فذلك قوله: «قمطريرا» فشكر الله أمرهم، فقال: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ يعني يوم القيامة شر جهنم وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً- 11- نضرة في الوجوه «وسرورا» في القلوب، وذلك أن المسلم إذا خرج من قبره يوم القيامة نظر أمامه، فإذا هو بإنسان وجهه مثل الشمس يضحك طيب النفس وعليه ثياب «بيض «2»
» وعلى رأسه تاج فينظر إليه حتى يدنو منه، فيقول: سلام عليك- يا ولي الله.
فيقول: وعليك السلام من أنت يا عبد الله أنت ملك من الملائكة؟ فيقول:
لا، والله. فيقول: أنت نبي من الأنبياء؟ فيقول: لا والله، فيقول: أنت من المقربين؟ فيقول: لا والله. فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح أبشرك بالجنة، والنجاة من النار. فيقول له: يا عبد الله، الله أبعلم تبشرني؟
فيقول: نعم. فيقول: ما تريد مني؟ فيقول له: اركبني. فيقول: يا سبحان الله، ما ينبغي لمثلك أن يركب عليه. فيقول: بلى فإني طال ما ركبتك في دار الدنيا فإنى أسألك بوجه الله [220 ب] إلا ما ركبتني فيركبه فيقول: لا تخف أنا دليلك إلى الجنة «فيعم «3»
» ذلك الفرح في وجهه حتى يتلألأ، ويرى النور والسرور في قلبه، فذلك قوله: «وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً» وأما الكافر فإنه إذا
__________
(1) انفردت (ف) بذكر قصة نسبتها إلى سيدنا على وهي صيامه ثلاثة أيام مع أهل بيته، وحضور سائل قبل المغرب إليه وتصدقه بطعام الإفطار ثلاثة أيام مع أهل بيته، وحضور سائل قبل المغرب إليه وتصدقه بطعام الإفطار ثلاثة أيام متتالية، ولم ترد هذه القصة فى أ، كما ذكر الإمام محمد عبده أن الآية عامة ولا يصح قصرها على على بن أبى طالب، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
(2) فى أ، ف: «بياض»
(3) فى أ: «فيعم» ، وفى م: «فنعم»

(4/526)


خرج من قبره نظر أمامه فإذا هو برجل قبيح، الوجه أزرق العينين أسود الوجه أشد سوادا من القبر في ليلة مظلمة، وثيابه سود يجر أنيابه في الأرض تدهده دهدهة الرعد، ريحه أنتن من الجيفة، فيقول: من أنت يا عدو الله؟ ويريد أن يعرض بوجهه عنه، فيقول: يا عدو الله إلي إلي، وأنا لك اليوم، فيقول:
ويحك أشيطان أنت؟ فيقول: لا والله، ولكني عملك. فيقول: ويحك، ما تريد مني؟ فيقول: أريد أن أركبك. فيقول: أنشدك الله، مهلا فإنك تفضحني على رءوس الخلائق، فيقول: والله ما منك بد فطال ما ركبتني فأنا اليوم أركبك. قال فيركبه فذلك قوله: « ... وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ «1»
» ثم ذكر أولياءه فقال: وَجَزاهُمْ بعد البشارة بِما صَبَرُوا على البلاء جَنَّةً وَحَرِيراً- 12- فأما الجنة فيتنعمون فيها، وأما الحرير «فيلبسونه «2»
» مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ يعني على السرر عليها الحجال لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً لا يصيبهم حر الشمس وَلا زَمْهَرِيراً- 13- يعني ولا يصيبهم برد الزمهرير لأنه ليس «فيها «3»
» شتاء ولا صيف، فأما قوله: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها يعني ظلال الشجر وذلك أن أهل الجنة يأكلون من الفواكه إن شاءوا نياما، وإن شاءوا قعودا وإن شاءوا قياما، إذا أرادوا دنت منهم حتى «يأخذوا «4»
» منها، ثم تقوم قياما، فذلك قوله: وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا- 14- يعني أغصانها تذليلا قوله وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ فهي الأكواز مدورة الرءوس التي ليس لها عرى، قال: كانَتْ قَوارِيرَا- 15-
__________
(1) سورة الأنعام: 31
(2) فى أ: «فيلبسونها»
(3) الضمير يعود إلى الجنة، وفى أ: «فيه»
(4) فى أ: «يأخذون» .

(4/527)


ولكنها من فضة وذلك أن قوارير الدنيا من ترابها وقوارير الجنة من فضة فذلك قوله: «كانَتْ قَوارِيرَا» ثم قطعها، ثم استأنف فقال: قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً- 16- يعني فدرت الأكواب على الإناء وقدر الإناء على كف الخادم ورى القوم، فذلك قوله: «قَدَّرُوها تَقْدِيراً» قال: وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً يعني خمرا وكل شراب في الإناء ليس بخمر، وليس هو بكأس قال:
كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا- 17- يعني كأنما قد مزج فيه الزنجبيل، قوله:
عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا- 18- «تسيل «1»
» عليهم من جنة عدن فتمر على كل جنة، «ثم ترجع لهم الجنة كلها «2»
» . وأما قوله: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ فأما الولدان فهم الغلمان الذين لا يشيبون أبدا «مخلدون» يعني لا يحتلمون، «ولا يشيبون «3»
أبدا» هم على تلك الحال لا يختلفون «ولا يكبرون «4» » ، قال: إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً- 19- في الحسن والبياض يعني في الكثرة، مثل اللؤلؤ المنثور الذي لا يتناهى عدده، قوله: وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ يعني «هنالك «5» » في الجنة رأيت، نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً- 20- وذلك أن الرجل من أهل الجنة له قصر، في ذلك القصر سبعون قصرا، في كل قصر سبعون بيتا، كل بيت من لؤلؤة مجوفة طولها في السماء فرسخ، وعرضها فرسخ، عليها أربعة ألف مصراع من ذهب، في ذلك البيت سرير منسوج
__________
(1) فى أ: «لأنه تسبل» . ولعل أصلها: «لأنها تسيل» . والمثبت من ف.
(2) كذا فى أ، وفى ف: «نعم الجنة كلها» .
(3) من ف، وفى أ: «ولا يموت أحدهم» . [.....]
(4) فى أ: «ولا يكبرون، غلمان» . والمثبت من ف.
(5) فى أ: «مثالك» ، والأنسب: «هنالك» .

(4/528)


بقضبان الدر والياقوت، عن يمين السرير وعن يساره أربعون [221 أ] ألف كرسي من ذهب قوائمها ياقوت أحمر، على ذلك السرير سبعون فراشا، كل فراش على لون، وهو جالس فوقها، وهو متكئ على يساره عليه سبعون حلة من ديباج، «الذي «1» يلي» جسده حريرة بيضاء، وعلى جبهته إكليل مكلل بالزبرجد والياقوت وألوان «الجواهر «2» » كل جوهرة على لون، وعلى رأسه تاج من ذهب فيه سبعون ذؤابة، في كل ذؤابة درة، «تساوي «3» » مال المشرق والمغرب، وفي يديه «ثلاث «4» » أسورة، سوار من ذهب، وسوار من فضة، وسوار من لؤلؤ، وفي أصابع يديه ورجليه خواتيم من ذهب وفضة فيه ألوان الفصوص، وبين يديه عشرة آلاف غلام لا يكبرون ولا يشيبون أبدا، ويوضع بين يديه مائدة من ياقوتة حمراء، طولها ميل في ميل، ويوضع على المائدة سبعون ألف إناء من ذهب وفضة في كل إناء سبعون لونا من الطعام، يأخذ اللقمة بيديه فما يخطر على باله حتى تتحول اللقمة عن حالها إلى الحال التي يشتهيها، وبين يديه غلمان بأيديهم أكواب من ذهب، وإناء من فضة معهم الخمر والماء، فيأكل على قدر أربعين رجلا من الألوان كلها، كلما شبع من لون من الطعام سقوه شربة مما يشتهي من الأشربة فيتجشأ، فيفتح الله- تعالى- عليه ألف باب من الشهوة من الشراب فيدخل عليه الطير من الأبواب، كأمثال النجائب فيقومون بين يديه صفا فينعت كل نفسه بصوت مطرب لذيذ ألذ من كل غناء في الدنيا، يقول: يا ولى
__________
(1) فى أ: «الذي على» والأنسب: «التي على» ، وفى ف «الذي يلي» .
(2) فى أ، ف: «الجوهر» .
(3) فى أ: «تسوى» ، وفى ف: «تساوى» .
(4) فى أ: «ثلاثة» ، وفى ف: «ثلاث» .
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 34.

(4/529)


الله، كلني إنى كنت أرعى في روضة كذا وكذا من رياض الجنة، فيحلون عليه أصواتها «1» » فيرفع بصره فينظر إليهم، فينظر إلى أزهاها صوتا، وأجودها نعتا، فيشتهيها فيعلم الله ما وراء شهوته في قلبه من حبه، فيجيء الطير فيقع على المائدة بعضه قديد، وبعضه شواء، أشد بياضا من الثلج، وأحلى من العسل، فيأكل حتى إذا شبع منها، واكتفى طارت طيرا كما كانت، فتخرج من الباب الذي كانت دخلت منه، «فهو «2» » على الأرائك وزوجته مستقبلة «3» ، يبصر وجهه في وجهها من الصفاء والبياض، كلما أراد أن يجامعها ينظر إليها فيستحي أن يدعوها، فتعلم ما يريد منها زوجها فتدنو إليه، فتقول: بأبي وأمي، ارفع رأسك فانظر إلي فإنك اليوم لي، وأنا لك فيجامعها على قوة مائة رجل من الأولين، وعلى شهوة أربعين رجلا كلما أتاها وجدها عذراء، «لا يغفل «4» » عنها مقدار أربعين يوما، فإذا فرغ وجد ريح المسك منها فيزداد حبالها، فيها أربعة آلاف وثمانمائة زوجة «مثلها «5» لكل زوجة» سبعون خادما وجارية.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- عَلَيْهِ السَّلامُ- قَالَ: لَوْ أَنَّ جَارِيَةً أَوْ خَادِمًا خَرَجَتْ إِلَى الدُّنْيَا لاقْتَتَلَ عَلَيْهَا أهل الأرض كلهم «حتى يتفانوا «6» » .
__________
(1) فى أ: «فيحلون عليه أصوات» ، وفى ف: «فيحلون عليه أصواتها» .
(2) فى أ، ف: «فهو» ، والأنسب: «وهو» .
(3) كذا فى أ، ف، والمعنى أن وجهها يقابل وجهه.
(4) فى أ: «لا يدخل» ، وفى ف: «لا يقفل» .
(5) من ف، وفى أ: زيادة: «لكل زوجة مثلها» وهو خطأ من الناسخ.
(6) فى أ: «حتى يتفانون» ، وفى ف: «حتى يتفانوا» .

(4/530)


وَلَوْ أَنَّ الْحُورَ الْعِينَ أَرْخَتْ ذُؤَابَتَهَا فِي الأَرْضِ لأَطْفَأَتِ الشَّمْسَ مِنْ نُورِهَا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَمْ بَيْنَ الْخَادِمِ وَالْمَخْدُومِ؟ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ بَيْنَ الْخَادِمِ وَالْمَخْدُومِ كَالْكَوْكِبِ «الْمُضِيءِ «1» » إِلَى جَنْبِ الْقَمَرِ فِي النِّصْفِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى سَرِيرِهِ إِذْ يبعث الله- عز وجل- إليه ملكا مَعَهُ سَبْعُونَ حُلَّةً كُلُّ حُلَّةٍ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ «2» ، وَمَعَهُ التَّسْلِيمُ وَالرِّضَا فَيَجِيءُ الْمَلَكُ حَتَّى يَقُومَ عَلَى بَابِهِ، فَيَقُولُ لِحَاجِبِهِ: ائْذَنْ لِي عَلَيَّ وَلِيَّ اللَّهِ، فَإِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَيْهِ. فَيَقُولُ الْحَاجِبُ: وَاللَّهِ، مَا أَمْلِكُ مِنْهُ الْمُنَاجَاةَ، وَلَكِنْ سَأَذْكُرُكَ إِلَى مَنْ يَلِينِي مِنَ الْحَجَبَةِ. فَلا يَزَالُونَ يَذْكُرُونَ بَعْضَهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْخَبَرُ بَعْدَ سَبْعِينَ بَابًا، يَقُولُ: يَا وَلِيَّ اللَّهِ، إِنَّ رَسُولَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَلَى الْبَابِ «3» ، فَيَأْذَنُ لَهُ بِالدُّخُول عَلَيْهِ.
فَيَقُولُ: السَّلامُ عَلَيْكَ، يَا وَلِيَّ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، فَلَوْلا أَنَّ اللَّهَ- تَعَالَى- لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ الْمَوْتَ لَمَاتَ مِنَ الْفَرَحِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ:
«وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ» يَا مُحَمَّدُ، ثُمَّ: يَعْنِي هُنَاكَ رَأَيْتُ «نَعِيمًا» يَعْنِي بِالنَّعِيمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ «وَمُلْكاً كَبِيراً» حِينَ لا يَدْخُلُ عَلَيْهِ رَسُولُ رَبِّ الْعِزَّةِ إِلا بِإِذْنٍ.
«ثم قال «4» » : عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ يعني الديباج، وإنما قال عاليهم لأن الذي يلي جسده حريرة بيضاء، قال: وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وقال في آية أخرى يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا، فهي «ثلاث «5» »
__________
(1) فى أ: «المظلم» ، وفى ف: «المضيء» .
(2) فى أ، ف زيادة: «قد غاب بين إصبعى الملك» . [.....]
(3) وهذا من التجسيم الذي عيب على مقاتل بن سليمان، وانظر مقدمتي لهذا التفسير فى باب:
مقاتل وعلم الكلام.
(4) فى أ: «فقال» .
(5) فى أ، ف: «ثلاثة» .

(4/531)


أسورة، قوله: وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً- 21- وذلك «أن «1» » على باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان، فإذا جاز الرجل الصراط إلى العين، يدخل في عين منها فيغتسل فيها، فيخرج وريحه أطيب من المسك طوله سبعون ذراعا في السماء على طول آدم- عليه السلام- وميلاد- عيسى بن مريم-، أبناء ثلاث وثلاثين سنة، فأهل الجنة كلهم رجالهم ونساؤهم على قدر واحد يكبر الصغير حتى يكون ابن ثلاث وثلاثين سنة، وينحط الشيخ عن حاله إلى ثلاث وثلاثين سنة، كلهم رجالهم ونساؤهم على قدر واحد فى حسن يوسف بن يعقوب [222 أ]- عليهما السلام- ويشرب من العين الأخرى فينقي ما في صدره من غل، أو هم، أو حسد، أو حزن، فيطهر الله قلبه بذلك الماء فيخرج وقلبه على «قلب «2» » أيوب- عليه السلام- ولسان محمد- صلى الله عليه وسلم-، عربي، «3» ثم ينطلقون حتى يأتوا الباب، فتقول لهم الخزنة: طبتم.
يقولون: نعم. فتقول: ادخلوها خالدين يبشرونهم بالخلود قبل الدخول، بأنهم لا يخرجون منها أبدا، فأول ما يدخل من باب الجنة ومعه الملكان اللذان كانا معه في دار الدنيا «الكرام الكاتبين «4» » فإذا هو «5» بملك معه بختية من ياقوتة حمراء زمامها ياقوتة خضراء فإذا كانت البختية من ياقوتة خضراء كان زمامها ياقوتة حمراء، عليها راحلة مقدمها ومؤخرها در وياقوت، صفحتها الذهب والفضة، ومعه
__________
(1) «أن» : من ف، وهي ساقطة من أ.
(2) فى أ: «ذات» ، وفى ف: «قلب» .
(3) كذا فى أ، ف.
(4) فى أ، ف: «الكرام الكاتبين» بالنصب، وصوابها الرفع: الكرام الكاتبون ولعله نصبها على الحكاية ما ورد فى الآية «كِراماً كاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ» سورة الانفطار: 11- 12.
(5) الضمير يعود على أول من يدخل من باب الجنة.

(4/532)


سبعون حلة فيلبسه «1» ويضع على رأسه التاج، ومعه «عشرة آلاف «2» » غلام كاللؤلؤ المكنون، فيقول: يا ولي الله، اركب فإن هذا لك، ولك مثلها فيركبها ولها جناحان، خطوة منها منتهى البصر فيسير على بختيته وبين يديه «عشرة آلاف «3» » غلام، ومعه الملكان اللذان كانا معه في دار الدنيا حتى يأتي إلى قصوره فينزلها، إِنَّ هَذَا الذي قضيت لكم كانَ لَكُمْ جَزاءً لأعمالكم وَكانَ سَعْيُكُمْ يعني عملكم مَشْكُوراً «4» - 22- يعني شكر الله أعمالهم فأثابهم بها الجنة إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا- 23- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ يعني حتى يحكم الله بينك وبين أهل مكة، ولا تشتم إذا شتمت، ولا تغتظ إذا ضربت وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً- 24- وهو الوليد ابن المغيرة بن هشام [222 ب] المخزومي قال: «أَوْ كَفُوراً» أو: ها هنا صلة، والكفور: هو عتبة بن ربيعة، وذلك أنهم خلوا به في دار الندوة، وفيهم عمرو ابن عمير بن مسعود الثقفي، فقالوا: يا محمد، أخبرنا لم تركت دين آبائك وأجدادك؟
فقال الوليد بن المغيرة: إن طلبت مالا أعطيتك نصف مالي على أن تدع مقالتك هذه.
وقال أبو البختري بن هشام: واللات والعزى إن ارتد عن دينه لأزوجنه ابنتي فإنها أحسن النساء، وأجملهن جمالا، وأفصحهن قولا وأبلغهن علما، وقد
__________
(1) الضمير يعود للملك.
(2) فى أ: «عشر ألف»
(3) فى أ: «عشرة ألف»
(4) ترتيب الآيات مضطرب فى أ، ف فى سورة الدهر هذه فالآيات مرتبة كالآتى:
آية: 14، ثم 19، 20، 21، ثم 15، 16، 17، 18، ثم 22، ثم 24، ثم 23، ثم 25، ثم 26 إلى آخر السورة.
وقد أعدت ترتيب الآيات حسب ورودها فى المصحف الشريف.

(4/533)


علمت العزى بذلك، فسكت النبي- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فلم يجبهم شيئا. فقال ابن مسعود الثقفي: مالك لا تجيبنا إن كنت تخاف عذاب ربك وذمه أجرتك فضحك النبي- صلى الله عليه وسلم- عند ذلك، وقبض ثوبه وقام عنهم، وقال: أصعب أقوال وأضعف أعمال، فأنزل الله- عز وجل- «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا»
فيها تقديم، وتأخير «وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً» يعنى الوليد بن المغيرة وأبا البختري بن هشام.
وقال في قول عمرو بن عمير بن مسعود الثقفي:
«قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً «1» » يعنى لا يؤمن من عذابه أحد، ولن أجد من دونه مهربا، «إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ ... » إلى آخر الآية «2» . وأما قوله: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا- 25- يعني إذا صليت صلاة الغداة وهو «بكرة» ، فكبر واشهد أن لا إله إلا هو، «وأصيلا» إذا أمسيت وصليت صلاة المغرب فكبره واشهد أن لا إله إلا هو، فهو براءة من الشرك، فذلك قوله: «وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ» بشهادة أن لا إله إلا هو، قال كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي الغداة، ثم يكبر «ثلاثا «3» » ، وإذا صلى المغرب كبر «ثلاثا «4» » وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ يعني صلاة العشاء والآخرة يقول: صل له قبل أن تنام وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا- 26- يعنى وصل له
__________
(1) سورة الجن: 22.
(2) سورة الجن: 23، وتمامها: «إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً» . [.....]
(3) فى أ: «ثلاثة» ، وفى ف: «ثلاثا» .
(4) فى أ: «ثلاثة» ، وفى ف: «ثلاثا» .

(4/534)


بالليل، وكان قيام الليل فريضة على النبي- صلى الله عليه وسلم- فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لك، ثم رجع إلى قوله- عز وجل- الأول: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا، فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ» فقال: إِنَّ هؤُلاءِ الذين يأمرونك بالكفر يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ يعني الدنيا، لا يهمهم شيء إلا أمر الدنيا الذهب والفضة «والبناء «1» » والثياب والدواب وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يعني أمامهم وكل شيء في القرآن وراءهم يعني أمامهم، يَوْماً ثَقِيلًا- 27- لأنها تثقل على الكافرين إذا حشروا وإذا وقفوا وإذا حاسبوهم، وإذا جازوا الصراط فهي مقدار ثلاثمائة سنة وأربعين سنة فأما المؤمن فإنه ييسر الله خروجه [223 أ] من قبره وإذا حشره وإذا حاسبه، وإذا جاز الصراط، فذلك قوله: «يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ، عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ «2» » وأما قوله: نَحْنُ خَلَقْناهُمْ في بطون أمهاتهم وهم نطفة وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ حين صاروا شبانا يعني أسرة الشباب وما خلق الله شيئا أحسن من الشباب، منور الوجه أسود الشعر واللحية قوى البدن، قال: وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ ذلك السواد والنور بالبياض والضعف تَبْدِيلًا- 28- من السواد حتى لا يبقى شيء منه إلا البياض فعلم الله- عز وجل- فقال: «إِنَّ هذِهِ» «3» إن هذا السواد والحسن والقبح تَذْكِرَةٌ يعني عبرة فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا- 29- يعني فمن شاء اتخذ في هذه التذكرة فيعتبر فيشكر الله ويوحده، ويتخذ طريقا إلى الجنة،
__________
(1) فى أ: «والبنا» .
(2) سورة المدثر: 9، 10.
(3) فى أ: «إن هذا» .

(4/535)


ثم رد المشيئة إليه فقال: وَما تَشاؤُنَ أنتم أن تتخذوا إلى ربكم سبيلا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ فهون عليكم عمل الجنة إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً يعني بأهل الجنة حَكِيماً- 30- إذ حكم على أهل الشقاء النار، ثم ذكر العلم والقضاء بأنه إليه فقال: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ يعني في جنته وَالظَّالِمِينَ يعني المشركين أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً- 31- يعنى وجيعا.

(4/536)


سورة المرسلات

(4/537)


[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 50]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (3) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (4)
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (5) عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (9)
وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19)
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (21) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24)
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (25) أَحْياءً وَأَمْواتاً (26) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ مَاءً فُراتاً (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29)
انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34)
هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49)
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)

(4/539)


[سورة المرسلات «1» ] سورة المرسلات مكية عددها خمسون آية «2»
__________
(1) مقصود السورة:
القسم يوقع القيامة، والخبر عن إهلاك القرون الماضية، والمنة على الخلائق بإيجادهم فى الابتداء وإدخال المكذبين النار وصعوبة عقوبة الحق إياهم وأنواع كرامة المؤمنين فى الجنة، والشكاية من الكفار بإعراضهم عن القرآن فى قوله: «فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ» سورة المرسلات: 50.
(2) فى المصحف: (77) سورة المرسلات مكية إلا آية 48 فمدنية وآياتها 50 نزلت بعد سورة الهمزة.

(4/541)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً- 1- يقول الملائكة وأرسلوا بالمعروف، ثم قال: فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً «1» - 2- وهي الرياح، وأما قوله:
وَالنَّاشِراتِ نَشْراً- 3- وهي أعمال بني آدم تنشر يوم القيامة، أما قوله:
فَالْفارِقاتِ فَرْقاً- 4- فهو القرآن فرق بين الحق والباطل، وأما قوله:
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً- 5- فهو جبريل- صلى الله عليه وسلم- وحده يلقي الذكر على ألسنة الأنبياء والرسل، وهو «فَالتَّالِياتِ ذِكْراً «2» » قوله: عُذْراً أَوْ نُذْراً- 6- يقول عذرا من الله، ونذرا إلى خلقه قال: إِنَّما تُوعَدُونَ من أمر الساعة لَواقِعٌ- 7- يعني لكائن، ثم ما يكون في ذلك اليوم أنه لكائن «وَإِنَّ الدِّينَ «3» لَواقِعٌ «4» » يقول وأن الحساب لكائن، قوله: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ- 8- بعد الضوء والبياض إلى السواد، وأما قوله: وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ- 9- يقول انفرجت عن نزول من فيها من الملائكة، ورب العزة لحساب الخلائق، وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ- 10- يقول من أصلها حتى استوت بالأرض، كما كانت أول مرة، وأما قوله: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ- 11- يقول جمعت، ثم رجع [223 ب] إلى الساعة فى التقديم، فقال:
__________
(1، 2) سورة الصافات: 3.
(3) فى أ، ف، وردت هذه الآية على أنها آية من هذه السورة وهي آية من سورة أخرى.
(4) سورة الذاريات: 6.

(4/543)


لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ- 12- يقول لأي يوم أجلها يعني الساعة يوم القيامة، وجمع الملائكة، قال- تعالى-: لِيَوْمِ الْفَصْلِ- 13- يعني يوم القضاء وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ- 14- ما هو «1» ؟ تعظيما لشدتها فكذبوا بذلك اليوم يقول الله- تعالى- فأوعدهم «وَيْلٌ «2» » يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ- 15- بالبعث فقال: يا محمد أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ- 16- الذين كذبوا بيوم القيامة أهلكتهم بالصيحة والخسف والمسخ والفرق والعدو ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ- 17- بالأولين بالهلاك يعني العذاب يعني كفار مكة لما كذبوا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ- 18- يقول هكذا نفعل بالمجرمين يعني الكفار الظلمة، يخوف كفار مكة لئلا يكذبوا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- أى فاحذروا، يا أهل مكة، أن نفعل بكم كما فعلنا بالقرون الأولى، ثم قال: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ- 19- بالبعث، ثم بين لهم بده خلق أنفسهم لئلا يكذبوا بالبعث، «وليعتبروا «3» » فقال: يا معشر المكذبين، أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ- 20- يقول ماء ضعيف «وهو «4» » النطفة فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ- 21- يعنى الماء يتمكن فى الرحم إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ- 22- يعني تسعة أشهر فَقَدَرْنا الصبي في رحم أمه تسعة أشهر، ودون ذلك أو فوق ذلك فقال الله- عز وجل- فَنِعْمَ الْقادِرُونَ- 23-، ثم قال: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ- 24- قال: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً- 25- أَحْياءً وَأَمْواتاً- 26- يقول أليس قد جعل
__________
(1) هذا من التجسيم المذموم عند مقاتل.
(2) فى أ: «فويل» .
(3) فى أ: «فيعتبروا» .
(4) فى أ: «وهي» . [.....]

(4/544)


لكم الأرض كفاتا لكم، تدفنون فيها، أمواتكم وتبثون عليها أحياءكم، وتسكنون عليها فقد كفت الموتى والأحياء، فقال: وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ «وهي «1» » جبال راسخة فى الأرض أوتادا، ثم قال: وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً- 27- يقول ماء حلوا وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ- 28- بالبعث وقد علموا أن الله- تعالى- قد خلق هذه الأشياء كلها، قوله: انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ- 29- في الدنيا أنه غير كائن وهي النار وذلك أنه إذا انطلق أهل النار وهي تهمهم، زفرت جهنم زفرة واحدة فيخرج عنق فيحيط بأهلها، ثم تزفر زفرة أخرى فيخرج عنق لها من نار وتحيط بهم، ثم تزفر الثالثة فيخرج عنق فيحيط بالآخرين فتصير حولهم سرادق من نار فيخرج دخان من جهنم فيقوم فوقهم، فيظن أهلها أنه ظل وأنه سينفعهم من «هذه «2» » النار، فينطلقون كلهم بأجمعهم فيستظلون تحتها، فيجدونها أشد حرا من السرادق، فذلك قوله: «انْطَلِقُوا إِلى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ» وهو شعب بجهنم، أنهم كذبوا الرسل في الدنيا بأن العذاب في الآخرة ليس بكائن، فتقول لهم الملائكة الخزان «انْطَلِقُوا إِلى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ «3» » ، انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي [224 أ] ثَلاثِ شُعَبٍ- 30- لأنها تنقطع ثلاث قطع، قوله:
لا ظَلِيلٍ يقول لا بارد وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ- 31- يقول من ذلك السرادق الذي قد أحاط حولهم، ثم ذكر ذلك الظل فقال: إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ- 32- وهو أصول الشجر يكون في البرية، فإذا جاء الشتاء قطعت
__________
(1) فى أ: «وهو» .
(2) فى أ: «ذلك» .
(3) سورة المرسلات: 29.
تفسير مقال بن سليمان ج 4- م 35.

(4/545)


أغصانها فتبقى أصولها، «فيحرقها البرد فتسود «1» » فتراها في البرية كأمثال الجمال إذا أنيخت في البرية فذلك قوله: «إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ» كَأَنَّهُ «جِمالَتٌ» صُفْرٌ «2» - 33- يقول كأنها جمال سوداء إذا رأيتها من مكان بعيد وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ- 34- بالبعث، ثم ذكر الويل متى يكون؟
فقال: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ- 35- وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ في الكلام فَيَعْتَذِرُونَ- 36- فقال أن تعتذروا، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ- 37- بالبعث، ثم قال إن: هذا الويل يَوْمُ الْفَصْلِ وهو يوم القيامة وهو يوم الدين جَمَعْناكُمْ يا معشر أهل مكة، وسائر الناس ممن بعدكم وَالْأَوَّلِينَ- 38- الذين كذبوا بالبعث من قبلكم من الأمم الخالية فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ- 39- يقول إن كان لكم مكر فامكروا وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ- 40- بالبعث، قوله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ يعني به الموحدين فِي ظِلالٍ «وَعُيُونٍ» «3» - 41- يعني في جنات يقول في البساتين، ونعيم فهو اللباس الذي يلبسون من سندس واستبرق والحرير والنساء وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ- 42- كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 43- من الحسنات في دار الدنيا، ثم يا محمد إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ- 44- يقول هكذا نجزى المحسنين من أمتك بأعمالهم في الجنة، ثم قال الله- تعالى- لكفار مكة: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ- 45- بالبعث كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ- 46- فيحل بكم ما أحل بالذين من
__________
(1) فى أ: «فيحرقه البرد فتسواد» ، وفى ف: «فتحرقها البرد فيسود» .
(2) فى أ، ف: «جمالة» .
(3) فى أ، ف: «ونعيم» .

(4/546)


قبلكم من العذاب وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ- 47-، قال: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ- 48- يعني الصلوات الخمس، قالوا:
لا نصلي إلا أن «يكون «1» » بين أيدينا أوثانا وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ- 49- بالبعث، قال: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ- 50- يعنى بالقرآن.
__________
(1) فى أ: «كان» ، وفى ف: «يكون» .

(4/547)