تفسير مقاتل بن
سليمان سورة النّبإ
(4/549)
[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 40]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عَمَّ يَتَساءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)
الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
(4)
ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ
مِهاداً (6) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (7) وَخَلَقْناكُمْ
أَزْواجاً (8) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (9)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (10) وَجَعَلْنَا النَّهارَ
مَعاشاً (11) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (12)
وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (13) وَأَنْزَلْنا مِنَ
الْمُعْصِراتِ مَاءً ثَجَّاجاً (14)
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً
(16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (17) يَوْمَ
يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (18) وَفُتِحَتِ
السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (19)
وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (20) إِنَّ جَهَنَّمَ
كانَتْ مِرْصاداً (21) لِلطَّاغِينَ مَآباً (22) لابِثِينَ
فِيها أَحْقاباً (23) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا
شَراباً (24)
إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (25) جَزاءً وِفاقاً (26)
إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (27) وَكَذَّبُوا
بِآياتِنا كِذَّاباً (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً
(29)
فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (30) إِنَّ
لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32)
وَكَواعِبَ أَتْراباً (33) وَكَأْساً دِهاقاً (34)
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزاءً مِنْ
رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً
(37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا
يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ
صَواباً (38) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ
إِلى رَبِّهِ مَآباً (39)
إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ
الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا
لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40)
(4/551)
[سورة النبأ «1» ] سورة النبأ مكية عددها
أربعون آية كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
ذكر القيامة: وخلق الأرض والسماء: وبيان نفع الغيث، وكيفية
النشر والبعث، وعذاب العاصين وثواب المطيعين من المؤمنين،
وقيام الملائكة فى القيامة مع المؤمنين، وتمنى الكفار المحال
فى قوله:
.. يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً» سورة النبأ: 40
(2) فى المصحف: (78) سورة النبأ مكية وآياتها (40) نزلت بعد
سورة المعارج.
(4/555)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عَمَّ يَتَساءَلُونَ- 1- عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ- 2-
استفهام للنبي- صلى الله عليه وسلم- عن أي شيء يتساءلون نزلت
في أبي لبابة وأصحابه، وذلك أن كفار مكة كانوا يجتمعون عند
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويسمعون حديثه فإذا حدثهم
خالفوا قوله، واستهزءوا منه وسخروا، [224 ب] فأنزل الله-
تعالى- « ... أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ «1» » يا محمد «آياتِ
اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا
مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ... «2» » .
فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحدث المؤمنين، فإذا رأى
رجلا من المشركين كف عن الحديث حتى يذهب، ثم أقبلوا بجماعتهم
فقالوا: يا محمد أبخلت بما كنت تحدثنا؟ لو أنك حدثتنا عن
القرون الأولى «فإن حديثك عجب «3» » . قال: لا، والله لا
أحدثكم بعد يومي هذا وربي قد نهاني «عنه «4» » .
فأنزل الله- تعالى- «عَمَّ يَتَساءَلُونَ، عَنِ النَّبَإِ
الْعَظِيمِ»
يعني القرآن كقوله:
«قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ «5» » لأنه كلام الله- تعالى- قال:
الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ- 3-
__________
(1) فى أ: «وإذا رأيت» ، وفى ف: «أن إذا سمعت» .
(2) سورة النساء: 140.
(3) فى أ: «وإن حديثك عجب» ، وفى ف: «فإن حديثك عجب» .
(4) فى أ: «عنها» .
(5) سورة ص: 67. [.....]
(4/557)
يقول لم يسألون عن القرآن وهم يخالفونه،
ولا يؤمنون به؟
فصدق بعضهم به، وكفر بعضهم به، فاختلفوا فيه، ثم خوفهم الوعيد
فقال:
كَلَّا سَيَعْلَمُونَ- 4- إذا قتلوا ببدر وتوفتهم الملائكة
ظالمي أنفسهم، يضربون وجوههم وأدبارهم، ثم قال: ثُمَّ كَلَّا
سَيَعْلَمُونَ- 5- وعيد على أثر وعيد نزلت فى حين من أحياء
العرب يعني عبد مناف بن قصى، وبنى سهم ابن عمرو بن هصيص بن
كعب، نظيرها في «أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ «1» » ثم ذكر صنعه
ليعتبروا إذا بعثوا يوم القيامة «وقد كذبوا بالقيامة والبعث
«2» » فعظم الرب نفسه- تبارك وتعالى- فقال: أَلَمْ نَجْعَلِ
الْأَرْضَ مِهاداً- 6- يعنى فراشا، وأيضا بساطا مسيرة خمسمائة
عام وَالْجِبالَ أَوْتاداً- 7- على الأرض لئلا تزول بأهلها،
«فاستقرت «3» » «وخلق «4» » الجبال بعد خلق الأرض، ثم قال:
وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً- 8- يعني أصنافا ذكورا وإناثا، سودا
وبيضا وحمرا وأدما، ولغات شتى، فذلك قوله: وَخَلَقْناكُمْ
أَزْواجاً «فهذا «5» » كله عظمته، ثم ذكر نعمته فقال:
وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً «6» - 9- يقول إذا دخل الليل
أدرككم النوم فتستريحون، ولولا النوم ما استرحتم أبدا من الحرص
وطلب المعيشة، فذلك قوله: «سُبَاتًا» لأنه يسبت والنائم مسبوت
كأنه ميت
__________
(1) سورة التكاثر: 1، ويشير إلى قوله- تعالى- فى سورة التكاثر:
2- 4 «كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ
تَعْلَمُونَ» : 3، 4.
(2) فى أ: «فكذبوه بالقيامة والبعث» .
(3) فى أ: «واستقرت» ، وفى ف: «فاستقرت» .
(4) فى أ: «وخلقنا» ، وفى ف: «وخلق» .
(5) فى أ: «فهذه» ، وفى ف: «فهذا» .
(6) تفسير هذه، الآية، وهو ساقط من أ.
(4/558)
لا يعقل، «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً»
«1» - 10- يعنى سكنا، كقوله: « ... هن لباس لكم ... «2» » يعني
سكنا لكم «فألبسكم «3» » ظلمته على خير وشر كثير، ثم قال:
وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً- 11- لكي تنتشروا لمعيشتكم
فهذان نعمتان من نعم الله عليكم، ثم ذكر ملكه وجبروته وارتفاعه
فقال: وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً- 12- يعني بالسبع
السموات وغلظ كل سماء مسيرة عام، وبين كل سماءين مثل ذلك
نظيرها فى المؤمنين « ... خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ
«4» ... » فذلك [325 أ] قوله: «شِدَادًا» قال: وهي فوقكم يا
بني آدم فاحذروا، «لا تخر عليكم إن عصيتم «5» » ثم قال:
وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً- 13- يعني الشمس «وحرها «6» »
مضيئا، يقول جعل فيها «نورا «7» » وحرا، ثم ذكر نعمه فقال:
وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً- 14- يعني
مطرا كثيرا منصبا يتبع بعضه بعضا، وذلك أن الله- عز وجل- يرسل
الرياح «فتأخذ «8» » الماء من سماء الدنيا من بحر الأرزاق، ولا
تقوم الساعة ما دام «به «9» » قطرة ماء، فذلك قوله: «وَفِي
السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ «10» » قال تجيء الريح
فتثير سحابا «فتلحقه «11» »
__________
(1) «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً» : ساقط من أ.
(2) سورة البقرة: 187.
(3) فى أ: «فألبستم» ، وفى ف: «فألبسكم» .
(4) سورة المؤمنون: 17 وقد وردت بالأصل: «جعلنا فوقكم سبع
طرائق.
(5) كذا فى أ، ف، والأنسب: حتى «لا تخر عليكم أن عصيتم» .
(6) فى أ: «وحرها» ، وفى ف: «وحدها» .
(7) فى أ: «بردا» ، وفى ف: «نورا» .
(8) فى أ: «تأخذ» ، وفى ف: «فتأخذ» . [.....]
(9) فى أ: «بها» ، وفى ف: «به» .
(10) سورة الذاريات: 22.
(11) فى أ: «سلحة» ، وفى ف: «فنلحقه» .
(4/559)
ثم تمطر وتخرج الريح والمطر جميعا من خلل
السحاب، قال: لِنُخْرِجَ بِهِ يعني بالمطر حَبًّا يعني بالحبوب
كل شيء يزرع ويحصد من البر والشعير والسمسم ونحوها من الحبوب،
قال: وَنَباتاً- 15- يعني كل شيء ينبت في الجبال والصحارى من
الشجر والكلا فذلك النبات، وهي تنبت عاما بعام من قبل نفسها،
وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً- 16- يعني وبساتين ملتفة بعضها إلى بعض
من كثرة الشجر، فقال: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ يعنى يوم القضاء-
وهو يوم القيامة- بين الخلائق كانَ مِيقاتاً- 17- يعني كان
ميقات الكافر، وذلك أنهم كانوا يقولون: « ... مَتى هذَا
الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «1» » فأنزل الله- عز وجل-
يخبرهم بأن ميقات ذلك اليوم كائن يوم الفصل- يا معشر الكفار-
فتجازون ما وعدكم على ألسنة الرسل، ثم أخبرهم أيضا فقال:
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وذلك أن إسرافيل- عليه السلام-
ينفخ فيها فيقول: أيتها العظام البالية، وأيتها العروق
المتقطعة، وأيتها اللحوم المتمزقة، وأيتها الأشعار الساقطة،
اجتمعن «لننفخ «2» » فيكم أرواحكم، ونجازيكم بأعمالكم، ويديم
«الملك «3» » الصوت، فتجتمع الأرواح كلها في القرن، والقرن
طوله طول السموات والأرض، فتخرج أرواحهم مثل النحل سود وبيض
شقي وسعيد، أرواح المؤمنين، بيض كأمثال النحل من السماء إلى
واد بدمشق يقال له الجابية، وتخرج أرواح الكفار من الأرض
السفلى سود إلى واد بحضرموت يقال له
__________
(1) سورة يس: 48.
(2) فى أ: «لأنفخ» ، وفى ف: «لتنفخ» .
(3) فى أ: «تلك» ، وفى ف: «الملك» .
(4/560)
«برهوت «1» » وكل روح أعرف بجسد صاحبه من
أحدكم إلى منزله «2» فَتَأْتُونَ أَفْواجاً- 18- ثم ينزل
إسرافيل من فوق السماء السابعة، فيجلس على صخرة بيت المقدس،
فيأخذ أرواح الكفار «والمؤمنين «3» » ويجعلهم فى القرن، ودائرة
القرن مسيرة خمسمائة عام، ثم ينفخ في القرن فتطير الأرواح حتى
تطبق ما بين السماء والأرض، فتذهب كل روح فتقع في جسد صاحبها،
فيخرج الناس من قبورهم فوجا فوجا، فذلك [225 ب] قوله:
«فَتَأْتُونَ أَفْواجاً» يعني زمرا زمرا، وفرقا فرقا، وأمما
أمما، وَفُتِحَتِ السَّماءُ يعني وفرجت السماء، يعني وفتقت
السماء فتقطعت فَكانَتْ أَبْواباً- 19- يعني خللا خللا فشبهها
الله بالغيم إذا «انكشف «4» » بعد المطر، ثم تهيج «به «5» »
الريح الشمال الباردة فينقطع فيصير كالأبواب وَسُيِّرَتِ
الْجِبالُ يعني وانقلعت الجبال من أماكنها، فطارت بين السماء
والأرض من خشية الله، فضرب الله لها مثلا. فقال:
«فَكانَتْ سَراباً» «6» - 20- يعني مثل السراب الذي يكون
بالقاع يحسبه الظمآن ماء، فإذا أتاه لم يجده شيئا، فذلك قوله «
... تَحْسَبُها جامِدَةً «7» ... » يعنى
__________
(1) «برهوت» : من أ، وفى ف زيادة: «وهو شر واد فى الأرض» .
(2) كذا فى أ، ف.
(3) «والمؤمنين» : من ف، وليست فى أ.
(4) فى أ: «انقشع» ، وفى ف: «انكشف» .
(5) فى أ: «به» ، وفى ف: «له» .
(6) تفسير هذه الجملة مضطرب فى أ، ف، وبه نقص وأخطأ وقد تصيدت
تفسيرها تصيدا وصوبت الأخطأ.
(7) سورة النمل: 88 وهي «وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها
جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ
الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما
تَفْعَلُونَ» .
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 36.
(4/561)
من بعيد يحسبها جبلا قائما، فإذا انتهى
إليه ومسه لم يجده شيئا، فتصير الجبال أول مرة كالمهل، ثم تصير
الثانية كالعهن المنفوش، ثم تذهب فتصير لا شيء فتراها تحسبها
جبالا، فإذا مسستها لم تجدها شيئا، فذلك قوله: «وَسُيِّرَتِ
الْجِبالُ» يعني انقطعت الجبال من خشية الله- عز وجل- يوم
القيامة «فَكانَتْ سَراباً» فما حالك يا بن آدم؟
إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً- 21- لِلطَّاغِينَ يعنى
للكافرين مَآباً- 22- يعنى للمشركين مرجعا «إليها «1» » نزلت
في الوليد بن المغيرة لابِثِينَ فِيها، ثم ذكركم يلبثون في
النار فلم يوقت لهم فقال: «لابثين فيها» يعنى فى جهنم
أَحْقاباً- 23- يعني في جهنم أحقابا وهي سبعة عشر حقبا، يعني
الأزمنة والأحقاب لا يدري عددها، ولا يعلم «منتهاها «2» » إلا
الله- عز وجل- الحقب الواحد ثمانون سنة «3» ، السنة فيها
ثلاثمائة وستون يوما، كل يوم فيها مقدار ألف سنة، وكان هذا
بمكة، وأنزل الله- عز وجل- لا يَذُوقُونَ «فِيها» «4» في تلك
الأحقاب بَرْداً يعني برد الكافور وَلا شَراباً- 24- يعني
الخمر كفعل أهل الجنة، ثم استثنى فقال: إِلَّا حَمِيماً
وَغَسَّاقاً «5» - 25- إِلَّا حَمِيماً يعنى حارا، وأيضا
__________
(1) فى أ: «إليها» ، وفى ف: «إليه» . [.....]
(2) «منتهاها» : من أ، وليست فى ف.
(3) فى أزيادة: «السنة منها مقدار ثمانية عشر ألف سنة» ،
وصوابها «ثماني عشرة ألف سنة»
(4) فى أ: «فى» .
(5) تفسير هذه الآية من ف، وهو مضطرب فى أ.
(4/562)
لا يذوقون في جهنم «بَرْداً وَلا شَراباً»
يعني لا يذوقون فيها روحا طيبا، ولا شرابا باردا ينفعهم «من
هذه «1» » النار.
قال أبو محمد: قال أبو العباس أحمد بن يحيى: ويقال البرد:
النوم، «إِلَّا حَمِيماً» يعنى بالحميم الصفر المذاب الذي قد
انتهى حره «وَغَسَّاقًا» الذي قد انتهى برده، وهو الزمهرير
الذي انتهى برده جَزاءً وِفاقاً- 26- كما أنه ليس في الأعمال
أخبث من الشرك بالله- عز وجل- وكذلك ليس من العذاب «شيء «2» »
أخبث من النار، «فوافقت «3» » النار الشرك، ثم قال: إِنَّهُمْ
كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً- 27- يعني أنهم كانوا لا يخافون
من العذاب أن يحاسبوا بأعمالهم الخبيثة إذا عملوها، قال:
وَكَذَّبُوا بِآياتِنا يعني القرآن كِذَّاباً- 28- يعني تكذيبا
بما فيه من الأمر والنهي، ثم رجع إلى أعمالهم الخبيثة فقال:
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ من الأعمال كِتاباً- 29- يعني
ثبتناه مكتوبا عندنا فى كتاب حفيظ يعنى اللوح [226 أ] المحفوظ
«كتابا» يعني ما عملوا من السيئات، أثبتناه في اللوح المحفوظ
مثلها، في يس « ... وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ
مُبِينٍ «4» » ثم «5» رجع إلى أهل النار الذين قال فيهم:
«لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً «6» » فذكر «أن الخزنة تقول لهم
«7» » : فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً- 30-.
__________
(1) فى ف: «من ذلك» .
(2) «شيء» : من ف وليست فى أ.
(3) فى أ: «وفاق» ، وفى ف: «فوافق» .
(4) سورة يس: 12.
(5) فى أ: زيادة: «فلم يوقف شيئا» ، وليست فى ف.
(6) سورة النبأ: 23.
(7) فى أ، ف: «فقالت لهم الخزنة» .
(4/563)
قَالَ مُقَاتِلٍ «1» عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم-: أنه قَالَ: الزِّيَادَةُ خَمْسَةُ أَنْهَارٍ
مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ على رءوس أهل النار ثلاثة أنهار على
مِقْدَارِ اللَّيْلِ، وَنَهْرَانِ عَلَى مِقْدَارِ النَّهَارِ،
كَقَوْلِهِ فِي النَّحْلِ: « ... زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ
الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ «2» » .
قال: «فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً» بعد هذه
السنين، فأما الزيادة فالأنهار، «أما الآن «3» » الذي ذكره
الله- عز وجل- في الرحمن- فليس له منتهى.
ثم ذكر المؤمنين فقال: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً- 31- يعني
النجاة من ذلك العذاب الذي سماه للطاغين قال: حَدائِقَ يعني
البساتين قد حدقت حواليها الحيطان وَأَعْناباً- 32- يعني
الفواكه وَكَواعِبَ يعني النساء الكاعبة يعني عذارى يسكن في
الجنة للرجال وقسموا لهن أَتْراباً- 33- يعني مستويات على
ميلاد واحد بنات ثلاث وثلاثين سنة، وذلك أن أهل الجنة إذا
دخلوا الجنة قام. لك على قصر من ياقوت «شرفه «4» » كاللؤلؤ
المكنون فينادي بصوت رفيع يسمع أهل الجنة أولهم وآخرهم وأسفلهم
وأعلاهم، فيقول أبن الذين كانوا نزهوا أسماعهم عن قينات الدنيا
ومعازفها قال ويأمر الله
__________
(1) من أ، وفى ف: «حدثني عبد الله- حدثني إلى حدثنا الهذيل عن
مقاتل» .
(2) سورة النحل: 88.
(3) فى أ: «والأمر» ، وفى ف: «وأما الآن» .
وهو بشير إلى قوله- تعالى- فى سورة الرحمن: 43، 44 «هذِهِ
جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ
بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ» . [.....]
(4) فى أ، ف: «شرقها» .
(4/564)
- عز وجل- جواري فيرفعن أصواتهن جميعا، ثم
قال: وَكَأْساً دِهاقاً- 34- يعني وشرابا كثيرا لا يَسْمَعُونَ
فِيها إذا شربوا لَغْواً يعني حلف الباطل وَلا كِذَّاباً- 35-
يقول ولا يكذبون على شرابهم كما يكذب أهل الدنيا إذا شربوا، ثم
جمع أهل النار، وأهل الجنة، فقال:
جَزاءً يعني ثوابا مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً- 36- يعني
يحاسب «المسيئين «1» » فيجازيهم بالنار، ويحاسب المؤمنين
فيجازيهم بالجنة، فأعطى هؤلاء وهؤلاء جزاءهم ولم يظلم هؤلاء
«المعذبين «2» » ، شيئا فذلك قوله: «عَطاءً حِساباً» ، نظيرها
في الشعراء «إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي ... «3» »
يقول إن جزاؤهم إلا على ربي، ثم عظم الرب- تعالى- نفسه ودل على
صنعه «4» ، فقال رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما
بَيْنَهُمَا يعني الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب، والرياح،
قال: هو الرَّحْمنِ الرحيم، وهم لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ
خِطاباً- 37- يعني المناجاة، إذا استوى «للحساب «5» » ثم
أخبرهم متى يكون ذلك؟ فقال: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وهو الملك
الذي قال الله- عز وجل- عنه: «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ
«6» ... » وجهه وجه آدم- عليه السلام- ونصفه من [226 ب] نار،
ونصفه من ثلج، فيسبح بحمد
__________
(1) من ف، وفى أ: «المسيء» .
(2) فى أ: «المعذبين» ، وفى ف: «المعذبون» .
(3) سورة الشعراء: 113.
(4) فى أ: «ودل عليه» ، وفى ف: «ودل على صنعه» .
(5) «للحساب» : من ف، وفى أ: «المحاسبين للحساب» .
(6) سورة الإسراء: 85.
(4/565)
ربه ويقول رب كما ألفت بين هذه النار وهذا
الثلج، تذيب «هذه «1» » النار هذا الثلج، ولا يطفئ هذا الثلج
هذه النار. فكذلك ألف بين عبادك المؤمنين، فاختصه الله- تعالى-
من بين الخلق من عظمه، فقال: «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ» ثم
انقطع الكلام، فقال: وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ
من الخوف أربعين عاما، إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ
بالكلام وَقالَ صَواباً- 38- يعني شهادة ألا إله إلا الله،
فذلك الصواب ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ لأن العرب قالوا إن
القيامة باطل، فذلك قوله: «الْيَوْمُ الْحَقُّ» فَمَنْ شاءَ
اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً- 39- يعني منزلة يعني الأعمال
الصالحة، ثم خوفهم أيضا العذاب فى الدنيا فقال: نَّا
أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً
يعني في الدنيا القتل ببدر، وهلاك الأمم الخالية، وإنما قال
قريبا لأنها أقرب من الآخرة، ثم رجع إلى القول الأول حين قال:
«يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا» فقال: وْمَ
يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ
يعني الإنسان الخاطئ يرى عمله أسود مثل الجبل يَقُولُ
الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
- 40- وذلك أن الله- عز وجل- «يجمع الوحوش والسباع «2» » يوم
القيامة فيقتص لبعضهم من بعض حقوقهم، حتى ليأخذ للجماعة من
القرناء بحقها ثم يقول لهم كونوا ترابا، فيتمنى للكافر «لو كان
خنزيرا في الدنيا «3» » ثم صار «ترابا «4» » ، كما كانت الوحوش
والسباع ثم صارت ترابا.
__________
(1) فى أ: «هذا» .
(2) من ف، وفى أ: «الوحش من السباع» .
(3) فى أ: «لو كان يومئذ ترابا فى الدنيا» ، وفى ف: «لو كان
خنزيرا فى الدنيا» .
(4) فى أ: «منزلها» ، وفى ف: «ترابا» .
(4/566)
سورة النّازعات
(4/567)
[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 46]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (1) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (2)
وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (3) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (4)
فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ
(6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ
(8) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (9)
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (10)
أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (11) قالُوا تِلْكَ إِذاً
كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (12) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (13)
فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (15) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ
الْمُقَدَّسِ طُوىً (16) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى
(17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ
إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19)
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20) فَكَذَّبَ وَعَصى (21) ثُمَّ
أَدْبَرَ يَسْعى (22) فَحَشَرَ فَنادى (23) فَقالَ أَنَا
رَبُّكُمُ الْأَعْلى (24)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25) إِنَّ
فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (26) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ
خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (27) رَفَعَ سَمْكَها
فَسَوَّاها (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (29)
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها
وَمَرْعاها (31) وَالْجِبالَ أَرْساها (32) مَتاعاً لَكُمْ
وَلِأَنْعامِكُمْ (33) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى
(34)
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ مَا سَعى (35) وَبُرِّزَتِ
الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ
الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى
(39)
وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ
الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41)
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) فِيمَ
أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44)
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45) كَأَنَّهُمْ
يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ
ضُحاها (46)
(4/569)
[سورة النازعات «1» ] سورة النازعات مكية،
عددها «ست «2» » وأربعون آية كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
القسم على مجيء البعث والنفخ فى الصور وكيفية البعث والنشور،
وإرسال موسى إلى فرعون، والمنة بخلق السماء والأرض، وتحقيق هول
القيامة، وبيان حال من آثر الدنيا، والخبر عن حال أهل الخوف،
واستعجال الكافرين بالقيامة وتعجبهم منها فى حال البعث فى
قوله: «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا
عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها» سورة النازعات: 46.
(2) فى أ، «سنة» ، والصواب: «ست» .
(3) فى المصحف: (79) سورة النازعات مكية وآياتها 46 نزلت بعد
سورة النبأ. [.....]
(4/571)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله: وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً- 1- فهو ملك الموت وحده، ينزع
روح الكافر حتى إذا بلغ ترقوته غرقه في حلقه، فيعذبه في حياته
قبل أن يميته، ثم ينشطها من حلقه كما ينشط السفود الكثير الشعث
من الصوف فينشط روح الكافر من قدمه إلى حلقه مثل الصوف
المبلول، فذلك قوله: وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً- 2- فهو ملك الموت
فيخرج نفسه من حلقه ومعها العروق «كالغريق «1» » من الماء،
وأما قوله: وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً- 3- وهو- ملك الموت- وحده،
وهي روح المؤمن ولكن قال فى التقديم: «فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً»
ثم «السَّابِحاتِ سَبْحاً «2» » تقبض روح المؤمن كالسابح في
الماء لا يهوله الماء يقول «تستبق «3» » الملائكة أرواحهم في
حريرة بيضاء من حرير الجنة. يسبقون بها ملائكة الرحمة، ووجوههم
مثل الشمس عليهم تاج من نور ضاحكين مستبشرين طيبين، فذلك قوله:
« ... (تَتَوَفَّاهُمُ «4» ) الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ «5» ...
» [227 أ] ، قال:
«وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً» يقول تسبح الملائكة في السموات لا
تحجب روحه
__________
(1) فى أ: «كالعروق» ، وفى ف: «كالغريق» .
(2) كذا فى أ، ف: ولعل المعنى فيما تقدم من السور ذكر
«فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً» ، ثم «السَّابِحاتِ سَبْحاً» .
(3) فى أ: «تسبق» ، وفى ف: «تستبق» .
(4) (تَتَوَفَّاهُمُ) : زيادة فى أ: وليست فى ف.
(5) سورة النحل: 32.
(4/573)
في السماء حتى يبلغ به الملك عند سدرة
المنتهى عندها مأوى أرواح المؤمنين، فأما الكافر فإنه أول ما
ينزل الملك الروح من جسده، «فتستبق «1» » ملائكة الغضب وجوههم
مثل «الجمر «2» » ، وأعينهم مثل البرق غضاب، حرهم أشد من حر
النار فتوضع روحه على جمر مثل الكبريت، فيضعون روحه عليه،
وتقلب روحه عليه، مثل السمك «على الطابق «3» » ، ولا تفتح له
أبواب السماء فيهبط به الملك حتى يضعه في سجين وهي الأرض
السفلى تحت «خد «4» » إبليس.
هذا معنى فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً- 4-، وأما قوله- تعالى-:
فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً- 5- فهم الملائكة منهم الخزان الذين
يكونون مع الرياح، ومع المطر، ومع الكواكب، ومع الشمس والقمر،
ومع الإنس والجن، فكذلك هم، ويقال جبريل، وميكائيل، وملك
الموت- عليهم السلام- الذين يدبرون أمر الله- تعالى- فى عباده
وبلاده، وبأمره.
وأما قوله- تعالى-: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ- 6- وهي
النفخة الأولى وإنما سميت الراجفة لأنها تميت الخلق كلهم،
كقوله: «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ «5» ... »
يعني الموت، من فوق سبع سموات من عند العرش فيموت الخلق كلهم.
__________
(1) فى أ: «فيستبقون» ، وفى ف: «فتستبق» .
(2) فى أ: «الجمر» ، وفى ف: «الحمير» .
(3) كذا فى أ، ف، «على الطابق» ، والمراد كما يشوى السمك على
النار.
(4) فى أ: «جد» ، وفى ف: «خد» .
(5) سورة الأعراف: 78 وفيها «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ
فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ» ، كما وردت فى سورة
الأعراف: 91، وتمامها «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ
فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ» ، وفى سورة العنكبوت:
37، وتمامها: «فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ
فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ» .
(4/574)
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ- 7- وهي النفخة
الثانية أردفت النفخة الأولى بينهما أربعون سنة، أسمعت الخلائق
وهي عند صخرة بيت المقدس، وذلك أنه ينزل إسرافيل، وترتفع أروح
الكفار من تحت الأرض السفلى إلى واد يقال له برهوت وهو بحضرموت
وهو كأشر واد في الأرض، وتنزل أرواح المؤمنين من فوق سبع سموات
إلى واد يقال له الجابية وهو بالشام، وهو خير واد في الأرض
فيأخذ هؤلاء وهؤلاء جميعها إسرافيل فيجعلهم في القرن وهو الصور
فينفخ فيه، فيقول أيتها العظام البالية، وأيتها العروق
المنقطعة، وأيتها اللحوم المتمزقة، اخرجوا من قبوركم لتجازوا
بأعمالكم. ثم قال: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ- 8- يعني خائفة
أَبْصارُها خاشِعَةٌ- 9- يعني ذليلة مما رأت عند معاينة النار،
فخضعت، كقوله: « ... خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ ... «1» » مما
ترى من العجائب ومما ترى من أمر الآخرة.
ثم أخبر الله- عز وجل- عن كفار مكة فقال: يَقُولُونَ أَإِنَّا
لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ- 10- تعجبا منها، فيها تقديم.
يقولون أإنا لراجعون على أقدامنا «إلى الحياة «2» » بعد الموت،
وهذا قول كفار مكة أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً- 11- يعني
بالية، أي: أنا لا نبعث خلقا كما كنا، قالُوا تِلْكَ إِذاً
كَرَّةٌ خاسِرَةٌ- 12- قالوا إن بعثنا بعد الموت إنا إذا
لخاسرون يعني هالكون، ثم قال الله- تبارك وتعالى- لمحمد- صلى
الله عليه وسلم-:
فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ- 13- يقول [227 ب] فإنما هي
صيحة
__________
(1) سورة الشورى: 45.
(2) فى أ: «إلى هذه الدنيا» ، وفى ف: «إلى الحياة» .
(4/575)
واحدة من إسرافيل- عليه السلام- فيسمعونها
وهم فى بطن الأرض أمواتا «لا يثنيها «1» » فَإِذا هُمْ
بِالسَّاهِرَةِ- 14- يعني الأرض الجديدة التي تبسط على هذه
الأرض، فيسلها الله- عز وجل- من تحتها كما يسل الثوب الخلق
البالي، فذلك قوله: «فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ» يقول بالأرض
الأخرى واسمها الساهرة.
قوله: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى - 15- قبل هذا إِذْ ناداهُ
رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ يقول بالوادي المطهر اسمه
طُوىً- 16- لأن الله- عز وجل- طوى عليه القدس، وكان نداؤه إياه
أنه قال: يا موسى فناداه من الشجرة، وهي «الشمران «2» » ،
فقال: يا موسى إني أنا ربك، يا موسى اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ
إِنَّهُ طَغى - 17- يقول إنه قد بلغ من طغيانه أنه عبد، «وفي
قراءة ابن مسعود «3» » «طغى» لأنه لم يعبد صنما قط ولكنه دعا
الناس إلى عبادته، فذلك قوله: «إِنَّهُ طَغى» «4» فَقُلْ هَلْ
لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى- 18- يقول هل لك أن تصلح ما قد أفسدت،
يقول وأدعوك لتوحيد الله وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ إلى عظمته
فَتَخْشى - 19- يخبر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- محمدا- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- بخبره، قال له فرعون: وما هي؟ قال:
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى - 20- وهي اليد والعصا أخرج يده
بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس يغشي البصر، فكانت اليد أعظم وأعجب
من العصا من غير سوء يعنى
__________
(1) «لا يثنيها» : من ف، وليست فى أ.
(2) فى أ: «السمران» . وفى ف: «الشمران» . [.....]
(3) «وفى قراءة ابن مسعود» : من ف، وفى أ: «وفى قوله» .
(4) فى حاشية أ: «اختلفوا هل عبد فرعون صنما، أو شيئا كان فى
عنقه، أو غير ذلك، أو لم يعبد شيئا» .
(4/576)
من غير برص، قال: فَكَذَّبَ وَعَصى - 21-
وزعم أنه ليس من الله- عز وجل- «وَعَصَى» فقال: إنه سحر،
«وعصى» أيضا يعني استعصى عن الإيمان، قال: ثُمَّ أَدْبَرَ عن
الحق يَسْعى - 22- يعني في جمع السحرة فهو قوله: « ...
فَجَمَعَ كَيْدَهُ «1» ... » ثم أتى بهم فَحَشَرَ فَنادى - 23-
يقول حشر القبط فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى - 24- وذلك
أن موسى- صلى الله عليه وسلم- قال لفرعون: لك ملكك فلا يزول،
ولك شبابك فلا تهرم، ولك الجنة إذا مت، على أن يقول ربى الله
وأنا أعبده. فقال فرعون:
إنك لعاجز، «بينا «2» » يكون الرجل ربا يعبد حتى يكون له رب،
فقال- فرعون-: «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى» يقول ليس لي رب
فوقى، فذلك الأعلى فَأَخَذَهُ اللَّهُ بعقوبة قوله: نَكالَ
الْآخِرَةِ وَالْأُولى - 25- وكان بينهما أربعين سنة، الأولى
قوله: « ... مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي «3» ... »
،
والآخرة قوله «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى» ثم قال: إِنَّ فِي
ذلِكَ يقول إن في هلاك فرعون وقومه لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى -
26- يعني لمن يذكر الله- تعالى- يقول لمن يخشى عقوبة الله-
تعالى-، مثل ما فعل بآل فرعون فلا يشرك، يخوف كفار مكة لئلا
يكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- فيجازيهم مثل ما حل بقوم
فرعون من العذاب، ثم قال: يا معشر العرب، أَأَنْتُمْ أَشَدُّ
خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها- 27- يقول أنتم أشد قوة من
السماء [28 أ] لأنه قال:
__________
(1) سورة طه: 60.
(2) فى أ: «بين» .
(3) سورة القصص: 38.
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 37.
(4/577)
«إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ «1» » ،
«إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ «2» » يقول فما حالكم أنتم، يا
بني آدم، «وأنتم أضعف «3» » من السماء؟ ثم قال: «بَنَاهَا»
رَفَعَ سَمْكَها يعنى طولها مسيرة خمسمائة عام فَسَوَّاها- 28-
ليس فيها خلل، قوله:
وَأَغْطَشَ يقول وأظلم لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها- 29- يعني
وأبرز يقول، وأخرج شمسها، وإنما «صارت مؤنثة «4» » لأن ظلمة
الليل في السموات، وظلمة الليل من السماء تجيء، قال:
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها- 30- يقول بعد بناء السماء،
بسطها من تحت الكعبة مسيرة خمسمائة عام، ثم قال:
أَخْرَجَ مِنْها ماءَها «وَمَرْعاها» «5» - 31- يقول بحورها
ونباتها لأن النبات والماء يكونان من الأرض وَالْجِبالَ
أَرْساها- 32- يقول أوتدها في الأرض لئلا تزول، فاستقرت
بأهلها، ثم رجع إلى «مرعاها «6» » فقال، فيها، مَتاعاً لَكُمْ
وَلِأَنْعامِكُمْ- 33- يقول معيشة لكم ولمواشيكم فَإِذا جاءَتِ
الطَّامَّةُ الْكُبْرى - 34- يعني العظمى، وهي النفخة الآخرة
من بيت المقدس، فذلك الطامة الكبرى وهي يوم القيامة.
قال الْهُذَيْلُ: «أَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها» إنما
صارت مؤنثة لأن ظلمة الليل والشمس في السماء «مؤنثة «7» » قال
وقال شاعر همذان يوم اليرموك:
__________
(1) سورة الانفطار: 1.
(2) سورة الانشقاق: 1.
(3) «وأنتم أضعف» : ليست فى أ، وهي من ف.
(4) فى أ، «صارت مؤنثة» ، وفى ف: «فى السموات» .
(5) «وَمَرْعاها» : ساقطة من الأصل.
(6) سقط تفسير الآية (31) من (أ) ، وكذلك الآية (32) مع
تفسيرها ساقط من (أ) أى من كلمة (مرعاها) فى الآية (31) إلى
كلمة «مرعاها» التالية ساقط من (أ) وهو من ف.
(7) «مؤنثة» : زيادة للتوضيح.
(4/578)
أقدم «أبادهم «1» » على الأساوره ... ولا
تغرنك أكف بادره
وإنما «قصرك «2» » «ترب «3» » الساهره ... ثم ترد بعدها في
الحافره
من بعد ما كنت عظاما ناخره
قال: وفي قوله: «وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ» يعني في
الخلق الأول من غير أب، «وَيَوْمَ أَمُوتُ» من ضغطة القبر،
«وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا «4» » بالحجة على من قال أني رب.
ثم نعت الطامة فقال: «يَوْمَ «5» » يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ
مَا سَعى - 35- يعني يتذكر ما عمل في الدنيا من الشر، يجزى به
في ذلك اليوم وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى - 36- لأن
الخلق يومئذ يبصرونها فمن كان منها أعمى في الدنيا؟ فهو يومئذ
يبصر قال: فَأَمَّا مَنْ طَغى - 37- وَآثَرَ الْحَياةَ
الدُّنْيا- 38- نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث بن علقمة
ابن كلدة، وفي حبيب بن عبد ياليل، وأمية بن خلف الجمحي، «عتبة
«6» » «وعتيبة «7» » ابني أبي لهب، فهؤلاء كفار ومنهم مصعب
«وأبو الدوم «8» » ابنا عمير، وذلك أنهم وجدوا جزورا فى
البرية، ضلت من الأعراب فنحروها
__________
(1) فى أ: «أحاميهم» ، وفى ف: «أبادهم» .
(2) فى أ: «قصرت» ، وفى ف: «قصرك» . [.....]
(3) فى أ: «ترب» ، وفى ف: «ترك» .
(4) سورة مريم: 33.
(5) فى أ: «يومئذ» .
(6) فى أ: «وعقبة» ، وفى ف: «وعقبة» .
(7) فى أ، ف: «وعيينة» .
(8) فى أ: «وأبى الدوم» ، وفى ف: «وأبا الدوم» .
(4/579)
وجعلوا يقتسمونها بينهم «فأصاب مصعب وأبو
الدوم سهمين «1» » ، ثم إن مصعب ذكر مقامه بين يدي رب
العالمين، فخاف أن يحاسبه الله- تعالى- يوم القيامة، فقال: إن
سهمي وسهم أخي هو لكم، فقال له عند ذلك أمية بن خلف:
ولم؟ قال: إني أخاف أن يحاسبني الله به. فقال له أمية بن خلف:
هاته وأنا أحمل عنك هذا الوزر عند إلهك في الآخرة «وفشت تلك
«2» » المقالة في قريش فى أمر مصعب [228 ب] فأنزل- الله
تعالى-: «فَأَمَّا مَنْ طَغى» الثابت على الشرك، وآثر الحياة
الدنيا على الآخرة، ولم يخف الله ولا حسابه فأكل الحرام،
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى - 39- ثم ذكر مصعب- قتل يوم
أحد «3» - وأبا الدوم ابني عمير بن هشام بن عبد مناف بن عبد
الدار بن قصي، فقال: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ يقول
مقام ذلك اليوم بين يدي ربه وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى -
40- يقول قدر على معصيته فانتهى عنها مخافة حساب ذلك اليوم
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى - 41- نظيرها فى النجم «4»
فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند ذلك فقرأها عليهم،
فقالوا:
متى هذا اليوم يا محمد؟ فأنزل الله- عز وجل- يَسْئَلُونَكَ
يعني كفار مكة عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها- 42- فأجاب
الله- عز وجل- النبي- صلى الله عليه وسلم- في النمل فقال:
«قُلْ لا يعلم من فى السموات
__________
(1) فى ف: «فأصاب مصعب وأبا الدوم سهمان» .
وفى أ: «صار لمصعب وأبى الدوم سهمان» ، وفيه خطأ نحوي.
(2) فى أ: «وفشا ذلك» ، وفى ف: «وفشا تلك» .
(3) جملة اعتراضية تفيد أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد.
(4) سورة النجم: 15، وقد وردت فى الأصول الرحمن.
(4/580)
والأرض الغيب إلا الله «1» » يقول يسألونك
عن القيامة متى قيامها، فقال:
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها- 43- أي من أين تعلم ذلك إِلى
رَبِّكَ مُنْتَهاها- 44- يقول منتهى علم ذلك إلى الله- عز وجل-
نظيرها في الأعراف، ثم قال: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ
يَخْشاها- 45- يقول إنما أنت رسول تنذر بالساعة من يخشى ذلك
اليوم، ثم نعت ذلك اليوم فقال: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها
الساعة يظنون أنهم لَمْ يَلْبَثُوا في الدنيا ونعيمها إِلَّا
عَشِيَّةً وهي ما بين صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس أَوْ
ضُحاها- 46- يقول أو ما بين طلوع الشمس إلى أن ترتفع الشمس على
قدر عشية الدنيا أو ضحا الدنيا.
__________
(1) سورة النمل: 65.
(4/581)
سورة عبس
(4/583)
[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 42]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما
يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ
فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما
عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى
(8) وَهُوَ يَخْشى (9)
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11)
فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13)
مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (16) قُتِلَ
الْإِنْسانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ
(18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19)
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ
(21) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما
أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (24)
أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا
الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (27)
وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29)
وَحَدائِقَ غُلْباً (30) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتاعاً
لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (32) فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ
امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُها
قَتَرَةٌ (41) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)
(4/585)
[سورة عبس «1» ] سورة الأعمى مكية عددها
«اثنتان «2» » وأربعون آية كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة.
بيان حال الأعمى، وذكر شرف القرآن، والشكاية من أبى جهل،
وإنكاره البعث والقيامة، وإقامة البرهان من حال الثبات على
البعث، وإحياء الموتى، وشغل الخلق فى العرصات، وتفاوت حال أهل
الدرجات والدركات فى قوله: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ،
ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها
غَبَرَةٌ، تَرْهَقُها قَتَرَةٌ، أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ
الْفَجَرَةُ» سورة عبس: 38- 42.
(2) فى أ: «اثنان» ، والصواب: «اثنتان» ، أو «ثنتان» .
(3) فى المصحف: (80) سورة عبس مكية وآياتها 43 نزلت بعد سورة
النجم. [.....]
(4/587)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله: عَبَسَ وَتَوَلَّى- 1- يقول عبس بوجهه وأعرض إلى غيره
نزلت في عبد الله بن أبى سرح الأعمى، وأمه أم مكتوم، اسمه عمرو
بن قبس بن زائدة بن رواحة بن الأصم بن حجر بن عبدود بن بغيض بن
عامر بن لؤي بن غالب.
وأما أم مكتوم: اسمها عاتكة بنت عامر بن عتكة بن عامر بن مخزوم
بن «يقظة «1» » بن مرة بن كعب بن لؤي، وذلك أنه ذات يوم كان
جالسا في المسجد الحرام وحده ليس معه «ثان «2» » ، وكان «رجلا
«3» » مكفوف البصر، إذ نزل ملكان من السماء ليصليا في المسجد
الحرام، فقالا: من هذا الأعمى الذي لا يبصر في الدنيا ولا في
الآخرة؟ قال أحدهما: ولكن أعجب من أبي طالب يدعو الناس إلى
الإسلام! وهو لا يبصرهما، ويسمع ذلك، فقام عبد الله حتى أتى
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإذا معه أمية بن خلف [229 أ]
، والعباس بن عبد المطلب وهما قيام بين يديه يعرض عليهما
الإسلام، فقال عبد الله:
يا محمد، قد جئتك تائبا فهل لي من توبة؟ فأعرض النبي- صلى الله
عليه وسلم- وجهه عنه، وأقبل بوجهه إلى العباس وأمية بن خلف،
«فكرر
__________
(1) فى أ: «لعطه» بدون إعجام، وفى ف: «يقظة» مع الإعجام.
(2) فى أ: «ثانى» .
(3) فى أ: «رجل» .
(4/589)
عبد الله كلامه «1» » فأعرض النبي- صلى
الله عليه وسلم- «بوجهه «2» » وكلح، فاستحيى عبد الله وظن أنه
ليس له توبة فرجع إلى منزله، فأنزل الله- عز وجل- فيه «عَبَسَ
وَتَوَلَّى» يعني كلح النبي- صلى الله عليه وسلم- وتولى أَنْ
جاءَهُ الْأَعْمى - 2- ثم قال: وَما يُدْرِيكَ يا محمد
لَعَلَّهُ يَزَّكَّى- 3- يقول لعله أن يؤمن فيصلي فيتذكر في
القرآن بما قد أفسد «أَوْ يَذَّكَّرُ» «3» في القرآن
فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى - 4- يعني الموعظة يقول أن تعرض عليه
الإسلام فيؤمن فتنفعه تلك الذكرى ف أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى - 5-
عن الله فى نفسه يعنى أمية ابن خلف فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى- 6-
يعني تدعو وتقبل بوجهك وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى- 7-
يقول وما عليك ألا يؤمن ولا يصلح ما قد أفسد، هؤلاء النفر
وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى - 8- في الحر وَهُوَ يَخْشى - 9-
الله يعني ابن أم مكتوم فَأَنْتَ عَنْهُ يا محمد تَلَهَّى- 10-
يعني تعرض بوجهك عنه، ثم وعظ الله- عز وجل- النبي- صلى الله
عليه وسلم- أن «لا يقبل «4» » على من استغنى عنه فقال: لا تقبل
عليه ولا تعرض عن من جاءك يسعى، ولا تقبل على من استغنى وتعرض
عن من يخشى ربه، فلما نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم، أكرمه
النبي- صلى الله عليه وسلم- واستخلفه بعد ذلك على المدينة
مرتين في غزواته «5» ، ثم انقطع الكلام، ثم استأنف فقال:
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق، وهي من القرطبي، وليست فى أ، ولا ف،
ولا فى جميع النسخ.
(2) فى أ: «وجهه» .
(3) «أو يذكر» : ساقطة من أ، ف.
(4) فى الأصل: «يقبل» .
(5) كذا فى القرطبي وغيره، وفى أ، ف واستخلفه بعد ذلك فى غزاته
على المدينة، فى غزاة بنى كنانة مرتين.
(4/590)
كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ- 11- يعنى آيات
القرآن فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ- 12- يعني الرب- تعالى- نفسه،
يقول من شاء الله- تعالى- فهمه يعني القرآن، يقول من شاء ذكر:
أن يفوض الأمر إلى عباده، ثم قال: إن هذا القرآن فِي صُحُفٍ
مُكَرَّمَةٍ- 13- يعني في كتب مكرمة مَرْفُوعَةٍ يعني به اللوح
المحفوظ، مرفوعة فوق السماء الرابعة، نظيرها في الواقعة «1»
عند الله مُطَهَّرَةٍ- 14- من الشرك والكفر بِأَيْدِي
سَفَرَةٍ- 15- يعني تلك الصحف بأيدي كتبة كرام مسلمين، ثم أثنى
على الملائكة الكتبة فقال: كِرامٍ يعني مسلمين، وهم الملائكة
بَرَرَةٍ- 16- يعني مطيعين لله- تعالى- أنقياء أبرار من
الذنوب، وكان ينزل إليهم من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في
ليلة القدر، إلى الكتبة من الملائكة، ثم ينزل به جبريل إلى
النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم انقطع الكلام، فذلك قوله:
قُتِلَ الْإِنْسانُ يعنى لعن الإنسان ما أَكْفَرَهُ- 17- يقول
ما الذي أكفره، نزلت هذه الآية في عتبة بن أبى لهب بن عبد
المطلب [299 ب] وذلك أنه كان غضب على أبيه فأتى محمدا- صلى
الله عليه وسلم- فآمن به، «فلما رضي أبوه عنه وصالحه «2» »
وجهزه وسرحه إلى الشام بالتجارات «فقال «3» » : بلغوا محمدا عن
عتبة أنه قد كفر بالنجم،
فلما سمع بذلك النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:
اللهم سلط عليه كلبك يأكله فنزل ليلا في بعض الطريق فجاء الأسد
فأكله، ثم قال وهو يعلم: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ
- 18- فأعلمه كيف خلقه ليعتبر في خلقه فقال: مِنْ نُطْفَةٍ
خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ- 19- فى
__________
(1) بشير إلى قوله- تعالى-: «وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ» سورة
الواقعة: 34.
(2) فى أ: «فلما رضى عنه فصالحه» ، وفى ف: «فلما رضى أبوه عنه
وصالحه» .
(3) «فقال» : كذا فى أ، ف، والأنسب، «قال» .
(4/591)
بطن أمه مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ
عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِنْ مضغة، ثم عظما، ثم روحا، فقدر هذا الخلق
في بطن أمه ثم أخرج من بطن أمه ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ-
20- يعني هون طريقه في الخروج من بطن أمه يقول يسره للخروج
أقلا يعتبر فيوحد الله في حسن خلقه فيشكر الله في نعمه ثُمَّ
أَماتَهُ عند أجله فَأَقْبَرَهُ- 21- ثُمَّ إِذا شاءَ
أَنْشَرَهُ- 22- في الآخرة يعني إذا شاء بعثه من بعد موته
كَلَّا لا يؤمن الإنسان بالنشور، ثم استأنف فقال: لَمَّا
يَقْضِ مَا أَمَرَهُ- 23- يعني ما عهد الله إليه أمر الميثاق
الأول، يعنى التوحيد، يعنى به آدم- عليه السلام- ثم استأنف ذكر
ما خلق عليه، «فذكر «1» » رزقه ليعتبر، فقال: فَلْيَنْظُرِ
الْإِنْسانُ يعني عتبة بن أبي لهب إِلى طَعامِهِ- 24- يعني
رزقه أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا- 25- على الأرض يعني
المطر ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا- 26- يعني عن النبت
والشجر فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا- 27- يعني الحبوب كلها
وَعِنَباً وَقَضْباً- 28- يعني به الرطاب وَزَيْتُوناً يعني
الرطبة التي يعصر منها الزيت وَنَخْلًا- 29- وَحَدائِقَ
غُلْباً- 30- يعني الشجر الملتف الشجرة التي يدخل بعضها في جوف
بعض وَفاكِهَةً وَأَبًّا- 31- يعني المرعى مَتاعاً لَكُمْ يقول
في هذا كله متاعا لكم وَلِأَنْعامِكُمْ- 32- ففي هذا معتبر،
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- خلقتم من سبع، ورزقتم من سبع،
وخرجتم على سبع، فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ- 33- يعني الصيحة
«صاخت «2» » أسماع الخلق بالصيحة من «الصائح «3» » ، يسمعها
الخلق، ثم عظم الرب
__________
(1) فى أ: «ذكر» .
(2) فى أ: «ساخت» ، وفى ف: «صاخت» .
(3) فى أ: «للصائح» ، وفى ف: من «الصائح» . [.....]
(4/592)
- عز وجل- ذلك فقال: يَوْمَ يَفِرُّ
الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ- 34- يعني لا يلتفت إليه وَأُمِّهِ
وَأَبِيهِ- 35- وَصاحِبَتِهِ يعني وامرأته وَبَنِيهِ- 36-
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ- 37-
«يعني إذا وكل بكل إنسان ما يشغله «1» » عن هؤلاء الأقرباء
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ- 38- يعني فرحة بهجة، ثم نعتها
فقال: ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ- 39- لما أعطيت من الخير
والكرامة، قال: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ- 40-
يعنى السواد كقوله: «سَنَسِمُهُ» بالسواد «عَلَى الْخُرْطُومِ
«2» » تَرْهَقُها قَتَرَةٌ- 41- يعني يغشاها الكسوف وهي
الظلمة، ثم أخبر الله- عز وجل- عنهم، فقال: أُولئِكَ الذين كتب
الله هذا لهم الشر في الآخرة هُمُ الْكَفَرَةُ يعني الجحدة
والظلمة وهم الْفَجَرَةُ- 42- يعني الكذبة.
قال النبي- صلى الله عليه وسلم- نزل القرآن في ليلة القدر
جميعا كله من اللوح المحفوظ إلى السفرة من الملائكة في السماء
الدنيا، ثم أخبر به جبريل- صلى الله عليه وسلم- في عشرين شهرا،
ثم أخبر به جبريل النبي- صلى الله عليهما- فى عشرين سنة.
__________
(1) فى أ، ف: «يعنى إذا وكل بكل إنسان شغله أمره عن هؤلاء
الأقرباء» .
(2) سورة القلم: 16.
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 38
(4/593)
|