تفسير مقاتل بن سليمان

سورة التكوير

(4/595)


[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 29]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (4)
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (14)
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)
وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (27) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (29)

(4/597)


[سورة التكوير «1» ] سورة التكوير مكية عددها تسع وعشرون آية كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان أحوال القيامة، وأهوالها، وذكر القسم على أن جبريل أمين على الوحى، مكين عند ربه أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- لا منهم، ولا بخيل، يقول الحق، وبيان حقيقة المشيئة والإرادة فى قوله: « ... إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ» سورة التكوير: 29.
(2) فى المصحف: (81) سورة التكوير مكية وآياتها 29 نزلت بعد سورة المسد.

(4/599)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ- 1- فذهب ضؤها وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ- 2- يعنى اكدارت الكواكب وتناثرت وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ- 3- من أما كنها واستوت بالأرض كما كانت أول مرة وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ- 4- يعني وإذا النوق الحوامل أهملت، يعني الناقة الحاملة نسيها أربابها، وذلك أنه ليس شيء أحب إلى الأعراب من الناقة الحاملة، يقول أهملها أربابها للأمر الذي عاينوه وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ- 5- يعنى جمعت وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ- 6- يعني فجرت بعضها في جوف بعض العذب والمالح ملئت في البحر المسجور يعني الممتلئ فصارت البحور كلها بحرا واحدا مثل طشت فيه ماء، وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ- 7- أزوجت «أنفس «1» » المؤمنين مع الحور العين، وأزوجت أنفس الكافرين مع الشياطين يعني ابن آدم وشيطانه مقرونا في السلسلة الواحدة زوجان، نظيرها فى سورة الصافات قوله- عز وجل-:
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ ... «2» يعنى قرناءهم وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ- 8- يعني دفن البنات، وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا ولدت «له «3» » الابنة دفنها في التراب وهي حية فذلك قوله: «وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ» ،
__________
(1) «أنفس» : ساقطة من أ.
(2) سورة الصافات: 22.
(3) فى أ: «لهم» .

(4/601)


بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ- 9- سئل قاتلها بأي ذنب قتلها وهي حية لم تذنب قط وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ- 10- وذلك أن المرء إذا مات طويت صحيفته، فإذا كان يوم القيامة نشرت للجن والإنس فيعطون كتبهم، فتعطيهم الحفظة منشورا بأيمانهم وشمائلهم وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ- 11- عن من فيها لنزول الرب- تبارك وتعالى- والملائكة، ثم طويت وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ- 12- يعنى أوقدت لأعدائه وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ- 13- يعني قربت لأوليائه عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ- 14- يعني علمت ما عملت فاستيقنت من خير أو شر تجزى به كل هذا يوم القيامة، ثم أقسم الرب- تعالى- فقال: فَلا أُقْسِمُ يعني أقسم بِالْخُنَّسِ- 15- وهي خمس من الكواكب، بهرام، والزهرة، وزحل، والبرجهس يعني المشترى، وعطارد، والخنس التي خنست بالنهار فلا ترى، وظهرت بالليل فترى، قال: «الْجَوارِ «1» » الْكُنَّسِ- 16- لأنهن يجرين في السماء الكنس يعني تتوارى كما تتوارى الظباء في كناسهن، وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ- 17- يعنى إذا أظلم وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ- 18- يعني إذا أضاء لونه فأقسم الله- تعالى- بهؤلاء الآيات أن هذا القرآن، «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ» «2» - 19- على الله يعني جبريل- عليه السلام-، هو علم محمدا- صلى الله عليه وسلم- ذِي قُوَّةٍ يعنى ذا بطش، وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- حين بعث، قال إبليس:
من لهذا النبي الذي خرج من أرض تهامة؟ فقال شيطان- واسمه الأبيض- هو صاحب الأنبياء: أنا له، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فوجده فى
__________
(1) فى أ: «الجواري» .
(2) «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ» : ساقطة من أ.

(4/602)


بيت الصفا فلما انصرف قام الأبيض في صورة جبريل- صلى الله عليه وسلم- ليوحي إليه، فنزل جبريل- عليه السلام- فقام بينه وبين النبي- صلى الله عليه وسلم- فدفعه جبريل- صلى الله عليه وسلم- بيده دفعة هينة فوقع من مكة بأقصى الهند من فرقه، ثم قال: عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ
- 20- جبريل- عليه السلام- يقول وهو وجيه عند الله- عز وجل- ثم قال:
مُطاعٍ ثَمَّ يعنى هنالك فى السموات، كقوله: « ... وَأَزْلَفْنا» يعني قربنا «ثم ... «1» » يعني هنالك، وكقوله: «وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ «2» ... » «3» يعني هنالك، وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- ليلة عرج به إلى السموات رأى إبراهيم- صلى الله عليه وسلم- وموسى- «عليهما «4» » السلام- فصافحوه «وأداره جبريل على الملائكة في السموات فاستبشروا به» «5» وصافحوه «ورأى مالكا «6» » خازن النار، فلم يكلمه ولم يسلم عليه فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لجبريل- عليه السلام-: من هذا؟ قال: هذا مالك خازن جهنم لم يتكلم قط، وهؤلاء النفر معه، فخزنة جهنم نزعت منهم الرأفة والرحمة، وألقي عليهم العبوس والغضب على أهل جهنم أما إنهم لو كلموا أحدا منذ خلقوا لكلموك لكرامتك على الله- عز وجل- فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُلْ له
__________
(1) «ثم» : ساقطة من الأصل، والآية من سورة الشعراء: 64.
(2) فى أ، ف: «فى» .
(3) سورة الإنسان: 25.
(4) فى أ، ف: «عليهم» .
(5) فى ف: «وإذا رأوا الملائكة فى السماوات فاستبشروا به» ، وفى أ: «وأداره فى الملائكة فى السموات فاستبشروا به» . [.....]
(6) فى ف: «فرأى مالك» ، وفى أ: «ورأى مالك» .

(4/603)


فليكشف عن باب منها، فكشف عن مثل منخر الثور منها، فتخلخلت فجاءت بأمر عظيم، حسبت أنها الساعة حتى أهيل منها النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لجبريل: «مره فليردها «1» » فأمره جبريل- صلى الله عليه- فأطاعه مالك- عليه السلام- فردها،
فذلك قوله: «مُطاعٍ ثَمَّ» أَمِينٍ- 21- يسمى أمينا لما استودعه- عز وجل- من أمره فى خلقه وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ- 22- يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وذلك أن كفار مكة قالوا: إن محمدا مجنون، وإنما «تقوله «2» » من تلقاء نفسه، وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ- 23- يعني من قبل المطلع، وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- رأى جبريل- عليه السلام- في صورته من قبل المشرق بجبال مكة قد ملأ الأفق رجلاه في الأرض، ورأسه في السماء، وجناح له من قبل المشرق، وجناح له من قبل المغرب، فغشى على النبي- صلى الله عليه وسلم- فتحول جبريل- عليه السلام- في صورة البشر، فقال:
أنا جبريل، وجعل يمسح عن وجهه «3» ، ويقول: أنا أخوك أنا جبريل، حتى أفاق فقال المؤمنون: ما رأيناك منذ بعثت أحسن منك اليوم وفقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أتاني جبريل- عليه السلام- في صورته.
فعلقني هذا من حسنه، وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ «بِضَنِينٍ» «4» - 24- «بظنين «5» »
__________
(1) «مره فليردها» : من ف، وليست فى أ.
(2) فى أ: «يقوله» .
(3) أى عن وجه النبي- صلى الله عليه وسلم-.
(4) فى أ: «بظنين» ، وقراءة حفص «بضنين» .
(5) «بظنين» : زيادة اقتضاها السياق.

(4/604)


يعني وما محمد- صلى الله عليه وسلم- على القرآن بمتهم، ومن قرأ «بضنين» ، يعني ببخيل، [231 أ] وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ- 25- يعني ملعون، وذلك أن كفار مكة قالوا إنما يجيء به الري، وهو الشيطان واسمه الري فيلقيه على لسان محمد- صلى الله عليه وسلم-، فيها تقديم، يقول لكفار مكة فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ- 26- يعني أين تعجلون عن كتابي وأمري لقولهم إن محمدا مجنون إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ- 27- يعني ما في القرآن إلا تذكرة وتفكر للعالمين لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ يا أهل مكة أَنْ يَسْتَقِيمَ- 28- على الحق، ثم رد المشيئة إلى نفسه فقال: وَما تَشاؤُنَ «الاستقامة «1» » إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ- 29-.
قوله: «وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ» أظلم عن كل دابة، الخنافس، والحيات، والعقارب، والسباع، «والوحوش «2» » .
__________
(1) فى أ: «الإقامة»
(2) فى أ: «والوحش» ، وفى ف: «والوحوش» ، والجملة مضطر فى أ، وهي من ف.

(4/605)


سورة الانفطار

(4/607)


[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 19]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10) كِراماً كاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)
يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (15) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (16) وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 39

(4/609)


[سورة الانفطار «1» ] سورة الانفطار مكية عددها «تسع «2» عشرة آية كوفى» .
__________
(1) معظم مقصود السورة الخبر عن حال السماء ونجومها فى آخر الزمان وبيان غفلة الإنسان، وذكر الملائكة الموكلين بما يصدر من اللسان والأركان، وبيان إيجاد الحق- تعالى- الحكم يعم يحشر الإنس والجان.
(2) فى أ: «سبعة عشر آية كوفى» .
وفى المصحف: (82) سورة الانفطار مكية وآياتها (19) نزلت بعد سورة النازعات.
وفى بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي وآياتها تسع عشرة.

(4/611)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ- 1- يعني انشقت يعني انفرجت من الخوف لنزول الرب- عز وجل- والملائكة، ثم طويت وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ- 2- يعني تساقطت وَإِذَا الْبِحارُ يعني العذب والمالح فُجِّرَتْ- 3- بعضها في جوف بعض، فصارت البحار بحرا واحدا، فامتلأت وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ- 4- يعني بحثت عن من فيها من الموتى عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ من خير وَأَخَّرَتْ- 5- من سيئة يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ- 6- نزلت في أبي الأشدين، اسمه أسيد بن كلدة، وكان أعور شديد البطش، فقال: لئن أخذت بحلقة من باب الجنة ليدخلنها بشر كثير، ثم قتل يوم فتح مكة، يعني غره الشيطان. ثم قال: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ- 7- يعني فقومك فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شاءَ رَكَّبَكَ- 8- يعني لو شاء ركبك في غير صورة الإنسان كَلَّا لا يؤمن هذا الإنسان بمن خلقه وصوره، ثم قال: بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ- 9- يعنى بالحساب وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ- 10- من الملائكة يحفظون أعمالكم، ثم نعتهم فقال: [231 ب] : كِراماً يعني مسلمين كاتِبِينَ- 11- يكتبون أعمال بني آدم بالسريانية، فبأي لسان تكلم ابن آدم؟ فإنه إنما يكتبونه بالسريانية والحساب بالسريانية، وإذا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية على لسان محمد- صلى الله عليه وسلم- يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ- 12- من الخير والشر

(4/613)


فيكتبون إِنَّ الْأَبْرارَ يعني المطيعين لله في الدنيا لَفِي نَعِيمٍ- 13- يعني نعيم الآخرة وَإِنَّ الْفُجَّارَ يعني الظلمة في الدنيا لَفِي جَحِيمٍ- 14- يعنى النار: يعنى ما عظم منها يَصْلَوْنَها يصلون الجحيم يَوْمَ الدِّينِ- 15- يعني يوم الحساب يوم يدان بين العباد بأعمالهم وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ- 16- يعني الفجار محضرون الجحيم لا يغيبون عنها، ثم قال: وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ- 17- تعظيما له، كرره فقال: ثُمَّ مَا أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ- 18- يعنى يوم يوم الحساب، ثُمّ أخبر نبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن يوم الدين فقال يَوْمَ لا تَمْلِكُ يعنى لا تقدر نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً يعني من المنفعة، ثم قال: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ- 19- يعني يوم الدين كله لله وحده، يعني لا يملك الأمر يومئذ أحد غيره، وحده.

(4/614)


سورة المطفّفين

(4/615)


[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 36]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4)
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (6) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَما أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتابٌ مَرْقُومٌ (9)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ (14)
كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَما أَدْراكَ مَا عِلِّيُّونَ (19)
كِتابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24)
يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (26) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29)
وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (32) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)
عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ (36)

(4/617)


[سورة المطففين «1» ] سورة المطففين مدنية عددها «ست «2» » وثلاثون آية كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
تمام الكيل والميزان، والاحتراز عن البخس والنقصان، وذكر السجين لأهل العصيان وذكر العليين لأهل الإيمان، ودلال المؤمنين والمطيعين فى نعيم الجنان، وذل العصاة فى عذاب النيران، ومكافأتهم على وفق الجرم والكفران، فى قوله تعالى: هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ سورة المطففين: 36.
(2) فى أ: «ستة» .
(3) فى المصحف: (83) سورة المطففين مكية وآياتها (36) نزلت بعد سورة العنكبوت وهي آخر سورة نزلت بمكة.

(4/619)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ- 1- الويل واد في جهنم بعده مسيرة سبعين سنة، فيه تسعون ألف شعب، في كل شعب سبعون ألف شق، في كل شق سبعون ألف مغار، في كل مغار سبعون ألف قصر، في كل قصر سبعون ألف تابوت من حديد، وفي التابوت سبعون ألف شجرة، فى كل شجرة سبعون ألف غصن من نار، في كل غصن سبعون ألف ثمرة، في كل ثمرة دودة طولها سبعون ذراعا، تحت كل شجرة سبعون ألف ثعبان «وسبعون ألف عقرب، فأما الثعابين «1» » فطولهن مسيرة شهر في الغلظ مثل الجبال، وأنيابها مثل النخل، وعقاربها مثل البغال الدهم لها ثلاثمائة وستون فقار، في كل فقار قلة سم، وذلك
أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين خرج إلى المدينة، وكان بسوق الجاهلية لهم كيلين وميزانين «معلومة «2» » لا يعاب عليهم فيها فكان الرجل إذا اشترى اشترى بالكيل الزائد، وإذا باعه باعه بالناقص، وكانوا يريحون بين الكيلين وبين الميزانين، «فلما قدم النبي- صلى الله عليه وسلم «3» » المدينة قال لهم: ويل لكم مما تصنعون. فأنزل الله- تعالى- التصديق على لسانه
__________
(1) ما بين القوسين « ... » من ف، وهي ساقطة من أ. [.....]
(2) «معلومة» : كذا فى أ، ف، والأنسب: «معلومين» .
(3) فى أ: «فلما خرج قدم المدينة النبي- صلّى الله عليه وسلم-» ، والمثبت من ف.

(4/621)


فقال: «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ»
ثم ذكر مساوئهم فقال: الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ- 2- وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ- 3- يعني ينقصون، ثم خوفهم فقال: أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ الذين يفعلون هذا [232] أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ- 4- لِيَوْمٍ عَظِيمٍ- 5- يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ- 6- فهو مقدار ثلاثمائة عام إذا أخرجوا من قبورهم فهم يجولون بعضهم إلى بعض قياما ينظرون، ثم خوفهم أيضا فقال: كَلَّا وهي وعيد مثل ما يقول الإنسان: والله، يحلف بربه والله- عز وجل- لا يقول والله، ولكنه يقول: «كلا» إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ- 7- يعني أعمال المشركين مكتوبة مختومة بالشر، موضوعة تحت الأرض السفلى، تحت خد إبليس، لأنه أطاعه، وعصى ربه، فذلك قوله: وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ- 8- تعظيما لها، قال: كِتابٌ مَرْقُومٌ- 9-، ووعدهم أيضا فقال وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ- 10- بالبعث الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ- 11- يعني بيوم الحساب الذي فيه جزاء الأعمال، قال: وَما يُكَذِّبُ بِهِ بالحساب إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ- 12- يقول معتد بربه «حيث»
» شك في نعمته، وتعبد غيره «فهو «2» » المعتدى «أثيم» قلبه إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا يعنى القرآن قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ- 13- يعني به كتاب الأولين، مثل كتاب رستم واسفندباز، نزلت هذه الآية فى النضر ابن الحارث «بن علقمة قدم الحيرة «3» » فكتب حديث رستم واسفندباز فلما
__________
(1) فى أ: «خبيث» ، وفى ف: «حبث» .
(2) فى أ: «فهذا» ، وفى ف: «فهو» .
(3) «ابن علقمة قدم الحيرة» : ساقط من أ، وهو من ف.

(4/622)


قدم «1» قال: ما يحدثكم محمد؟ قالوا: حدثنا عن القرون الأولى. قال:
وأنا أحدثكم بمثل ما يحدثكم به محمد أيضا. فأنزل الله- عز وجل- وفيه «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً «2» ... » ، فذلك قوله: «إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» ، ثم وعدهم فقال: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ- 14- يقول طبعنا على قلوبهم، «فهم لا يبصرون إلى مساوتهم «3» » «فيقلعون «4» » عنها، ثم أوعدهم فقال: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ- 15- لأن أهل الجنة يرونه عيانا لا يحجبهم عنه، ويكلمهم، وأما الكافر فإنه يقام خلف الحجاب «فلا يكلمهم «5» » الله- تعالى- ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم حتى يأمر بهم إلى النار ثُمَّ إِنَّهُمْ يعني إذا حجبوا عن ربهم لَصالُوا الْجَحِيمِ- 16- ثُمَّ يُقالُ لهم هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ- 17- وذلك أن أهل النار «يقول «6» » لهم مالك خازن النار هَذِهِ: « ... النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ «7» » ، «أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ، اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «8» » ، فذلك قوله: «ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ» ، ثم أوعدهم فقال: كَلَّا ثم انقطع الكلام، ثم رجع إلى قوله فى:
__________
(1) كذا فى أ، ف: والمعنى «فلما قدم من الحيرة إلى مكة» .
(2) سورة لقمان: 6.
(3) كذا فى أ، ف، وكان الأنسب: «فهم لا يبصرون مساوئهم» .
(4) فى أ: «فيقطعون» ، وفى ف: «فيقلعون» .
(5) كذا فى أ، ف: والأنسب: «فلا يكلمه» . لأن الحديث عن المفرد، ولكنه ضمن الكافر معنى الجنس فأرجع ضمير الجمع عليه.
(6) فى أ: «قال» .
(7) سورة سبأ: 42.
(8) سورة الطور: 15- 16.

(4/623)


«وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ» فقال إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ- 18- لفي ساق العرش يعني أعمال المؤمنين وحسناتهم وَما أَدْراكَ [232 ب] ما عِلِّيُّونَ- 19- تعظيما لها فقال: كِتابٌ مَرْقُومٌ- 20- يعني كتاب من كتب الخير مختوم ختم بالرحمة مكتوب عند الله- عز وجل- يَشْهَدُهُ يشهد ذلك الْمُقَرَّبُونَ- 21- وهم الملائكة من كل سماء سبعة أملاك من مقربي أهل كل سماء يشيعون ذلك العمل الذي يرضاه الله حتى ثبوته عند الله- جل وعز- ثم يرجع كل ملك إلى مكانه، «ثم ذكر «1» » الأبرار فقال: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ- 22- يعني نعيم الجنة، ثم بين ذلك النعيم فقال: عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ- 23- إلى ذلك النعيم وهي السرر والحجال فإذا كان «سريرا «2» » ولم يكن عليه حجلة فهو السرير حينئذ، وإذا كانت الحجلة ولم يكن فيها سرير فهي الحجلة، فإذا اجتمع السرير والحجلة فهي الأرائك يعني هؤلاء جلوس ينظرون إلى ذلك النعيم، يقول: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ- 24- لأنه يعلق في وجهه النور من الفرح والنعيم فلا يخفى عليك إذا نظرت إليهم فرحون، ثم قال: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ- 25- وهو الخمر الأبيض إذا انتهى طيبه خِتامُهُ مِسْكٌ إذا شرب وفرغ ونزع الإناء من فيه وجد طعم المسك وَفِي ذلِكَ يعني وفى ذلك الطيب وفى الجنة فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ- 26- يعني فليتنازع المتنازعون، وفيه فليرغب الراغبون، ثم قال: وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ- 27- عَيْناً من جنة عدن فتنصب عليهم انصبابا فذلك قوله
__________
(1) فى أ: «ثم أيضا» . [.....]
(2) فى أ: «سرير» ، وفى، ف: «سريرا» .

(4/624)


يَشْرَبُ «1» «بِهَا» الْمُقَرَّبُونَ- 28- يقول يشربون به الخمر من ذلك الماء وهم أهل جنة عدن، وهي أربعة جنان وهي قصبة الجنة، ماء تسنيم يخرج من جنة عدن، والكوثر، والسلسبيل، ثم انقطع الكلام، قوله إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ- 29- نزلت هذه الآية في- علي بن أبي طالب- وأصحابه وذلك أنهم كانوا يمرون كل يوم على المنافقين واليهود وهم ذاهبون إلى رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإذا رأوهم سخروا منهم وتغامزوا في أمرهم، «وضحكوا «2» » منهم وإذا رجعوا إلى أصحابهم، ضحكوا منهم، وذلك أن عبد الله بن نتيل لقي بدعة بن الأقرع فقال: أشعرت أنا رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه؟ قال: كيف؟ قال لأنه يمشي بين أيديهم، وهم خلفه لا يجاوزونه، كأنه هو الذي يدلهم على الطريق، فسمع بذلك أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- فشق عليه وعلى أصحابه فتركوا ذلك الطريق وأخذوا طريقا آخر، فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فيهم «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ» وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ
- 30- وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا «فَكِهِينَ» «3» - 31- يعنى عبد الله بن نتيل، يعنى [233 أ] إذا رجعوا إلى قومهم رجعوا معجبين بما هم عليه من الضلالة بما فعلوا بعلي وأصحابه- رحمهم الله.
«وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ- 32- وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ «4» » - 33-.
__________
(1) «بها» : ساقطة من أ.
(2) فى أ: «ويضحكون» .
(3) فى أ: «فاكهين» .
(4) الآية 32، 33 ساقطتان من أ، ف مع تفسيرهما.
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 40.

(4/625)


ثم أخبر بجزائهم على الله فقال: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ- 34- عَلَى الْأَرائِكِ والأرائك السرير في الحجلة، يقول جلوس في الحجلة يضحكون من أعدائهم، وذلك أن لكل رجل من أهل الجنة ثلمة، ينظرون إلى أعداء الله كيف يعذبون؟ فإذا نظروا إلى أهل النار وما يلقون هم من رحمة الله- عز وجل- وعرفوا أن الله قد أكرمهم، فهم ضاحكون من أهل النار، ويكلمونهم حتى يطبق على أهل النار أبوابها في «عمد «1» » من حديد من نار كأمثال الجبال فإذا أطبقت عليهم «انسدت «2» » تلك الكوى فيمحو الله أسماءهم «ويخرجهم «3» » من قلوب المؤمنين، فذلك قوله: يَنْظُرُونَ- 35- هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ- 36- «يعنى ينظرون من الكوى «4» » فإذا رأوهم يعذبون قالوا والله قد ثوب الكفار ما كانوا يفعلون «5» .
__________
(1) فى أ: «عمد» ، وفى ف: «عماد» .
(2) فى أ: «أسندت» ، وفى ف: «انسدت» .
(3) فى أ، ف: «وأخرجهم» .
(4) فى ف: «هل» .
(5) فى ف: زيادة: «يعنى ينظرون، فى الكوى» .

(4/626)


سورة الانشقاق

(4/627)


[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 25]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (4)
وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (5) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11) وَيَصْلى سَعِيراً (12) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)
بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (15) فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (19)
فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24)
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)

(4/629)


[سورة الانشقاق «1» ] سورة الانشقاق مكية عددها «خمس وعشرون «2» » آية كوفى «3» .
__________
(1) مقصود السورة:
بيان حال الأرض والسماء فى طاعة الخالق- تعالى- وإخراج الأموات للبعث، والاشتغال بالبر والإحسان وبيان سهولة الحساب للمطيعين والإخبار عن قرحهم بنعيم الجنان، وبكاء العاصين والكافرين، وويلهم بالثبوت فى دركات النيران، والقسم بتشقق القمر، واطلاع الحق على الإصرار والإعلان وجزاء المطيعين من غير امتنان، فى قوله: « ... فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ» سورة الانشقاق: 25.
(2) فى أ: «خمس وأربعون» .
(3) فى المصحف: (84) سورة الانشقاق مكية وآياتها (25) ، نزلت بعد سورة الانفطار.

(4/631)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ- 1- يقول انشقت لنزول رب العزة والملائكة فإنها تنشق حتى يرى «طرفاها «1» » ، ثم ترى خلقا باليا، وذلك أن أخوين من بني أمية «أحدهما اسمه عبد الله بن عبد الأسد، والآخر اسمه الأسود «2» ابن عبد الأسد» .
أحدهما مؤمن بالله واسمه عبد الله، وأما الآخر فاسمه الأسود وهو الكافر، فقال لأخيه عبد الله: آمنت بمحمد؟ قال: نعم. قال: ويحك إن محمدًا يزعم، إذا متنا وكنا ترابا، فإنا لمبعوثون في الآخرة، ويزعم أن الدنيا تنقطع، فأخبرني ما حال الأرض يومئذ فأنزل الله- عز وجل- «إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ» ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ- 2- يقول انشقت وسمعت لربها وأطاعت، وكان بحق لها ذلك وَ «3» إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ- 3- مثل الأديم الممدود وَأَلْقَتْ ما فِيها من الحيوان وَتَخَلَّتْ- 4- وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ- 5-
__________
(1) فى أ: «طرفيها» ، وفى ف: «طرفاها» . [.....]
(2) من ف، وفى أ: «أحدهما اسمه عبد الله بن عبد الأسود، والآخر اسمه الأسود ابن عبد الأسود» .
(3) الآيات 3، 4، 5 ساقطة من أ.
والسورة بها أخطاء فى أ، وكذلك تصويرها مهتز فى (أ) أيضا، وقد اعتمدت على ف (فيض الله) ، ح، (حميدية) ، م (أمانة) ، ل (كوبريلى) فى تحقيقها.

(4/633)


يقول سمعت لربها وأطاعت وكان بحق لها ذلك، ثم قال: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ يعني بالإنسان الأسود بن عبد الأسد إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً إنك ساع إلى ربك سعيا فَمُلاقِيهِ- 6- بعملك، ثم قال: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ- 7- وهو عبد الله بن عبد الأسد ويكنى أبا سلمة فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً- 8- يقول باليسير، بأن الله «لا يغير «1» » حسناته ولا يفضحه، وذلك أن الله- عز وجل- إذا جمع الخلائق يوم القيامة، فإنهم يموج بعضهم فى بعض، مقدار ثلاثمائة سنة، حتى إذا استوى الرب- جل وعز- على كرسيه ليحاسب خلقه، فإذا جاء الرب- تبارك وتعالى- والملائكة صفا صفا، فينظرون إلى الجنة «وإلى النار «2» » «ويجاء بالنار «3» » من مسيرة خمسمائة عام، عليها تسعون ألف زمام، في كل زمام سبعون ألف ملك، متعلق يحبسونها عن الخلائق، طول عنق أحدهم مسيرة سنة، وغلظها مسيرة سنة، ما بين منكبي أحدهم مسيرة خمسين سنة، وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق، إذا تكلم أحدهم، تناثرت من فيه النار، بيد كل واحد منهم مرزبة، عليها ثلاثمائة وستون رأسا، كأمثال الجبال، هي أخف بيده من الريشة، فيجيئون بها فيسوقونها حتى تقام عن يسار العرش، ويجاء بالجنة يزفونها كما تزف العروس إلى زوجها حتى تقام عن يمين العرش فإذا ما عاين الخلائق النار وما أعد الله لأهلها، ونظروا إلى ربهم وسكتوا، فانقطعت عند ذلك أصواتهم فلا يتكلم
__________
(1) كذا فى ف، والمعنى لا يضيع.
(2) كذا فى ف، ح، والأولى: «فينطلقون إلى النار» .
(3) فى ف: «حتى يجيئون بها» .

(4/634)


أحد منهم من «فرق «1» » الله وعظمته ولما يرون من العجائب من الملائكة ومن حملة العرش، ومن أهل السموات ومن جهنم ومن خزنتها، فانقطعت أصواتهم عند ذلك، «وترتعد «2» » مفاصلهم فإذا علم الله ما أصاب أولياءه من الخوف، وبلغت القلوب الحناجر، فيقوم مناد عن يمين العرش، فينادي: «يَا عِبادِ، لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ «3» » فيرفع عند ذلك الإنس والجن كلهم رءوسهم والمؤمنون والكفار لأنهم عباده كلهم، ثم ينادي في الثانية: «الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ «4» » فيرفع المؤمنون رءوسهم، وينكس أهل الأديان كلهم رءوسهم، والناس سكوت مقدار أربعين عاما فذلك قوله: «هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ «5» » .
وقوله: « ... لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً «6» » وقال لا إله إلا الله: فذلك الصواب، وقوله: « ... وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً «7» » فلا يجيبهم الله ولا يكلمهم ولا يتكلمون هم مقدار أربعين سنة، يقول بعد ذلك لملك من الملائكة وهو جبريل- عليه السلام- ناد الرسل وابدأ «بالأمي «8» » قال فيقوم الملك فينادي عند ذلك، أين «النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ» ؟ «9» فنقول
__________
(1) فرق: خوف، والمعنى من خوف الله.
(2) فى ف: «وترعد» .
(3) سورة الزخرف: 68.
(4) سورة الزخرف: 69.
(5) سورة المرسلات: 35- 46.
(6) سورة النبأ: 38.
(7) سورة طه: 108.
(8) فى ف: «بالعربي» ، وفى ح: «بالأمى» .
(9) فى ف: «النبيون» ، وفى ح: «النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ» . [.....]

(4/635)


الأنبياء عند ذلك كلنا نبيون وأميون فبين بين، فيقول النبي العربي الأمي الحرمي، فيقوم عند ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيرفع صوته بالدعاء، فيقول: كم من ذنب قد عملتموه ونسيتموه وقد أحصاه الله، رب لا تفضح أمتي. قال: فلا يزال يدنو من الله- تعالى- حتى يقوم بين يديه، أقرب خلقه إليه، فيحمد الله ويثني عليه، ويذكر من الثناء على الله- تعالى- والحمد، حتى تعجب الملائكة منه والخلائق، فيقول الله- عز وجل-:
قد «رضيت «1» » عنك يا محمد، اذهب فناد أمتك، فينادي، وأول ما يدعو يدعو من أمته عبد الله بن عبد الأسود «أبا سلمة «2» » ، فلا يزال يدنو فيقربه الله- عز وجل- منه فيحاسبه حسابا يسيرا، واليسير الذي لا يأخذه بالذنب الذي عمله ولا يغضب الله- عز وجل- عليه، فيجعل سيئاته داخل صحيفته وحسناته ظاهر صحيفته، فيوضع على رأسه التاج من ذهب عليه تسعون ألف ذؤابة، كل ذؤابة درة تساوي مال المشرق والمغرب ويلبس سبعين حلة من الاستبرق والسندس فالذي يلي جسده حريرة بيضاء، فذلك قوله: « ... وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ «3» » ويسور «بثلاث «4» » أسورة، سوار من فضة، وسوار من ذهب، وسوار من لؤلؤ، ويوضع إكليل مكلل بالدر والياقوت وقد تلألأ في وجهه، من نور ذلك، فيرجع إلى إخوانه من المؤمنين، فينظرون إليه وهو «جاء «5» »
__________
(1) فى ف: «ماضيت» ، وفى ح: «رضيت» .
(2) فى أ، ف: «أبو سلمة» .
(3) سورة الحج: 23.
(4) فى أ، ف: «بثلاثة» .
(5) فى أ: «جائي» ، وفى ف: «جاء» .

(4/636)


من عند الله فتقول الملائكة «والناس «1» » والجن والله لقد أكرم الله هذا، لقد أعطى الله لهذا، فينظرون إلى كتابه فإذا سيئاته باطن صحيفته، وإذا حسناته ظاهر كتابه، فتقول عند ذلك الملائكة ما كان أذنب هذا الآدمي ذنبا قط! والله، لقد اتقى الله هذا العبد، فحق أن يكرم مثل هذا العبد، وهم لا يشعرون أن سيئاته باطن كتابه، وذلك لمن أراد الله- تعالى- أن يكرمه ولا يفضحه، قال فيأتي إخوانه من المسلمين فلا يعرفونه، فيقول: أتعرفوني؟ فيقولون كلهم:
لا، والله. فيقول: إنما برحت الساعة، وقد نسيتموني فيقول: أنا أبو سلمة، أبشروا بمثله يا معشر الإخوان، لقد حاسبني ربي حسابا يسيرا، وأكرمني، فذلك قوله: «فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً» وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ يقول إلى قومه مَسْرُوراً- 9-، فيعطى كتابه بيمينه « ... فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ، إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ «2» » إلى آخر القصة، ثم ينادي مناد «بالأسود ابن عبد الأسد «3» » «أخي «4» » عبد الله المؤمن فيريد الشقي أن يدنو، فينتهرونه، ويشق صدره حتى يخرج قلبه من وراء ظهره من بين كتفيه، «ويعطى «5» » كتابه، ويجعل كل حسنة عملها في دهره في باطن صحيفته، لأنه لم يؤمن بالإيمان، وتجعل سيئاته ظاهر صحيفته، ويحجب عن الله- عز وجل- فلا يراه، ولكن ينادي مناد من عند العرش يذكره مساوئه، فكلما ذكر مساوئه
__________
(1) فى أ، ف: «الناس» ، أقول قال- تعالى-: «مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ» سورة الناس: 6.
(2) سورة الحاقة: 19- 20.
(3) فى أ: «بالأسود بن عبد الأسود» ، وفى ف: «بالأسود بن عبد الله بن الأسد» .
(4) فى أ: «أخو» ، وفى ف: «أخى» .
(5) فى أ: «فيعطيه» .

(4/637)


قال: أنا أعرف هذا، لعنه الله، فتجيء اللعنة من عند الله- عز وجل-، حتى تقع عليه، فيلطخ باللعنة، فيصير جسده مسيرة شهر في طول مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن، ورأسه مثل الأقرع، وهو جبل عظيم بالشام وأنيابه مثل أحد، وحدقتاه مثل جبل [234 ب] حراء، الذي بمكة، ومنخره مثل «الووقين «1» » وهما جبلان، وشعره في الكثرة مثل الأجمة، وفي الطول مثل القصب، وفي الغلظ مثل الرماح، «ويوضع «2» » على رأسه تاج من نار، ويلبس جبة من نحاس ذائب، ويقلد «حجرا «3» » من كبريت، مثل الجبل «تشتعل «4» » فيه النار، وتغل يداه إلى عنقه، ويسود وجهه، وهو أشد سوادا من القبر، فى ليلة مظلمة، وتزرق عيناه: فيرجع إلى إخوانه، فأول ما يرونه يفزع منه الخلائق حتى «يمسكوا «5» » على آنافهم من شدة نتنه، فيقولون: لقد أهان الله هذا العبد، لقد أخزى الله هذا العبد، فينظرون إلى كتابه، فإذا سيئاته ظاهرة وليس له من الحسنات شيء. يقولون: أما كان لهذا العبد في الله- عز وجل- حاجة، «ولا خافه «6» » يوما قط، ولا ساعة، فحق «لهذا «7» » العبد، إذ «أخزاه «8» » الله وعذبه، «فتلعنه الملائكة أجمعون «9» » ، «فإذا رجع إلى الموقف لم يعرفه أصحابه «10» ،
__________
(1) الورقين: مثنية ورق وهو اسم لجبل.
وفى أ: «مثل الورقان وهما جبلان» ، وفيه خطأ نحوي فإن الورقين مثنى مضاف إليه مجرور بالباء
(2) فى أ: «فيوضع» .
(3) فى أ: «حجر» .
(4) فى أ: «تشعل» . [.....]
(5) فى أ: «يمسكون» .
(6) فى أ: «لا حاجة» ، وفى ف: «ولا خافه» .
(7) فى أ: «هذا» ، وفى ف: «لهذا» .
(8) فى أ: «أخزاه» ، وفى ف: «جزاء» .
(9) «فتلعنه الملائكة أجمعون» : من ف، وليست فى أ.
(10) «فإذا رجع إلى الموقف لم يعرفه أصحابه» : من ف، وليست فى أ.

(4/638)


فيقول: أما تعرفوني؟ قالوا: لا والله، فيقول: أنا الأسود بن عبد «الأسد «1» » ، فينادي بأعلى صوته فيقول: « ... يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسابِيَهْ، يَا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ، ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ «2» » .
يقول يا ليت كان الموت أن أموت فأستريح من هذا البلاء، هلك عنى حجتي اليوم، ثم يقول الويل، فيبشر أخوه المؤمنين، ويبشر هذا الكفار، فذلك قوله- تعالى-: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ- 10- فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً- 11- وَيَصْلى سَعِيراً- 12- يقول يدعو بالويل ويدخل النار، يقول: إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً- 13- يقول في قومه كريما، قال فيذله الله- عز وجل- يوم القيامة، قال: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ- 14- يقول أن لن يبعث، الله- تعالى-: بَلى «إِنَّ «3» » رَبَّهُ كانَ يقول الذي خلقه بِهِ بَصِيراً- 15- إنه شهيد لعمله، ثم أقسم الرب- عز وجل- فقال: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ- 16- فأما الشفق فهو الضوء الذي يكون بعد غروب الشمس إلى أن تغيب، قال: وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ- 17- يقول «ما ساق»
» من الظلمة وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ- 18- في ليلة «ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة «5» » ، فهن البيض، فهو يستوي في الشهر ثلاث ليال يشتد ضوءه، ويجتمع من «ثلاث عشرة «6» » ، فأقسم الله
__________
(1) فى أ: «الأسود» ، وفى ف: «الأسد» .
(2) سورة الحاقة: 25- 28.
(3) فى أ: «أنه» .
(4) فى أ، ف: «ساق» .
(5) فى أ: «ليلة ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر» .
(6) فى أ، ف: «ثلاثة عشر» .

(4/639)


- عز وجل- بالشفق، والليل وما وسق، والقمر إذا اتسق لَتَرْكَبُنَّ:
هذا العبد طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ- 19- يقول حالا بعد حال يقول خلقا من نطفة، ثم صارت النطفة علقة، ثم صارت العلقة مضغة، ثم صارت إنسانا ميتا، في بطن أمه، حتى نفخ فيه الروح، ثم صار إنسانا حيا، ثم أخرجه الله- تعالى- من بطن أمه، فكان طفلا، ثم يبلغ أشده، ثم شاخ وكبر، ثم مات ولبث فى قبره [235 أ] حتى صار ترابا، ثم أنشأه الله- عز وجل- بعد ذلك يوم القيامة، قال: فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ- 20- بالبعث. «وقد كانوا من قبل هذا الذي وصفته «1» » وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ- 21- وذلك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ ذات يوم « ... وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ «2» » فسجد وسجد المؤمنون معه، وكانت قريش يصفقون فوق رؤوسهم ويصفرون وكان الذي يصفر قريب القرابة من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فذلك قوله «وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً «3» » فلما سجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يسجدوا وسخروا منه، وكان إذا قرأ آذوه بالصفير والتصفيق، فأنزل الله- عز وجل- «فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ» ثم قال: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يقول لكن الذين كفروا يُكَذِّبُونَ- 22- وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ- 23- يقول بما يجمعون عليه من الإثم والفسوق فَبَشِّرْهُمْ يا محمد بِعَذابٍ أَلِيمٍ- 24- يقول عذاب وجيع لأهل مكة كلهم، ثم استثنى لعلم قد سبق فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ- 25-.
__________
(1) فى أ: وكانوا من قبل هذا الذي وصفته، والمثبت من ف.
(2) سورة العلق: 35. [.....]
(3) سورة الأنفال: 35.

(4/640)