تفسير مقاتل بن سليمان

سورة البروج

(4/641)


[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4)
النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14)
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (16) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)
وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)

(4/643)


[سورة البروج «1» ] سورة البروج مكية عددها «اثنتان «2» » وعشرون آية كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
القسم على أصحاب الأخدود، وكمال ملك الله، وبيان ثواب المؤمنين وعذاب الكافرين، وما أعده الله للمطيع والعاصي، والإشارة إلى هلاك فرعون وثمود.
(2) فى أ: «اثنان» .
(3) فى المصحف: (85) سورة البروج مكية وآياتها (22) نزلت بعد سورة الشمس.

(4/645)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ- 1- يقول والسماء ذات النجوم، نظيرها في «تَبارَكَ «1» الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً» يقول جعل في السماء نجوما، «وَجَعَلَ فِيها سِراجاً» وهي الشمس «وَقَمَراً مُنِيراً «2» » .
وقوله- تعالى-: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ- 2- يقول هو يوم القيامة الذي وعد الله- عز وجل- أولياءه الجنة، وأعداءه النار، فذلك قوله: «وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ «3» » .
وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ- 3- يقول يوم النحر، «والفطر «4» » ، ويوم الجمعة، فهذا قسم «إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ «5» » ، قوله: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ- 4- وذلك أن يوسف بن «ذي «6» » نواس من أهل نجران كان حفر «خدا «7» » وأوقد فيه النار فمن تكلم منهم بالتوحيد أحرقه بالنار، وذلك «أنه «8» » كان قد آمن من قومه ثمانون رجلا وتسع نسوة فأمرهم أن يرتدوا عن الإسلام فأبوا فأخبرهم أنه سيعذبهم بالنار فرضوا
__________
(1) كذا فى أ، ف وكان الأنسب نظيرها فى «تبارك» (الفرقان) ، «تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً» .
(2) سورة الفرقان: 61.
(3) فى أ: (قوله: «واليوم والموعود» ) ، وفى ف: (فذلك قوله: «وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ» ) .
(4) «الفطر» : ساقطة من أ: وهي من ف.
(5) سورة البروج: 12.
(6) فى أ، ف: «ذا» .
(7) فى أ: «جرفا» ، وفى ف: «خدا» .
(8) فى أ: «أنه» ، وفى ف: «أنهم» .

(4/647)


لأمر الله- عز وجل- فأحرقهم كلهم، فلم يزل ياقى واحدا بعد واحد فى النار حتى مرت امرأة ومعها صبي لها صغير يرضع فلما نظرت المرأة إلى ولدها أشفقت عليه، فرجعت «فعرضوا «1» » عليها أن تكفر فأبت فضربوها حتى رجعت فلم تزل ترجع مرة، وتشفق مرة، حتى تكلم الصبي فقال لها: يا أماه [235 ب] إن بين يديك نارا لا تطفأ أبدا، فلما سمعت قول الطفل «أحضرت «2» » حتى ألقت نفسها في النار، فجعل الله- عز وجل- أرواحهم في الجنة، وأوحى الله- تبارك وتعالى- إلى نبيه «محمد «3» » - صلى الله عليه وسلم- «قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ» يوسف بن «ذي «4» » نواس وأصحابه، ثم ذكر مساوئهم فقال: النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ- 5- إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ- 6- يعني أصحابه قعود على «شفة «5» » الخد وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ- 7- قال كانوا يعرفون أن يوسف بن ذي نواس ليس يعذب «إلا بالإيمان «6» » . ثم قال يتعجب من سوء صنيعهم، فقال: وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ يقول وأي ريبة رأوا منهم؟ «ما عذبهم «7» » إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ فى نقمته «الْحَمِيدِ» «8» - 8- «الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «9» » وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من السر والعلانية شَهِيدٌ- 9-، ثم قال: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ
__________
(1) فى أ: «فأعرضوا» .
(2) كذا فى أ، ف، والمعنى جاءت أو أحضرت نفسها. [.....]
(3) فى أ، وف: «محمدا» .
(4) فى أ، ف: «ذا» .
(5) فى أ: «شبه» ، وفى ف: «شفة» .
(6) كذا فى أ، ف، والأنسب «إلا على الإيمان» : أى لا يعذب إلا المؤمنين حتى يتركوا إيمانهم.
(7) كذا فى أ، ف، والأنسب: «ما عذبوهم» .
(8) فى أ، ف: ( «الحميد» فى السموات) .
(9) «الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» : ساقط من أ، ف.

(4/648)


نظيرها فى سورة «وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا «1» » يقول: «يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ «2» » يعني يحرقون، ثم قال: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا من ذلك فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ- 10-، ثم قال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وشهدوا أن لا إله إلا الله فهو الصالحات، نظيرها حين قال الله- عز وجل- « ... إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ... «3» » فهو الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يقول يصعد ذلك إليه كله بشهادة أن لا إله إلا الله، ولولا هذا ما ارتفع لابن آدم عمل أبدا، ثم قال: لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يقول البساتين تجري من تحتها الأنهار وهي العيون خالدين فيها ما دامت الجنة فهم دائمون أبدا، ثم قال: ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ- 11- يقول هذا النجاء الكبير، يقول من زحزح عن النار، وأدخل الجنة فقد نجا نجاء عظيما، ثم رجع إلى قسمه الذي كان أقسم فى أول السورة فقال: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ- 12- يقول إن عذاب ربك لشديد يقول إذا غضب بطش، وإذا بطش أهلك، ثم عظم الرب- عز وجل- نفسه فقال:
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ- 13- يقول بدأ خلق النفس من نطفة ميتة ويحيه، ثم يعيده يوم القيامة من ذلك التراب، ثم قال: وَهُوَ الْغَفُورُ للذنوب الكبائر لمن تاب منها الْوَدُودُ- 14- يقول الشكور للعمل الصالح القليل إذا رضوه، يقول اشكر العمل اليسير حتى «أضاعفه «4» » للواحد «عشرة «5» » فصاعدا، ثم عظم الرب- تبارك وتعالى- نفسه فقال: ذُو الْعَرْشِ فإنه ما خلق الله- عز وجل- خلقا أعظم من العرش لأن السموات «والأرض «6» » قد «غابتا «7» » تحت العرش [236 أ]
__________
(1) سورة الذاريات: 1.
(2) الذاريات: 13.
(3) سورة فاطر: 10.
(4) فى أ، ف: «أضعفه» .
(5) كذا فى أ، فى والأنسب: «عشرا» ولعله لاحظ معنى: «الحسنة عشرة» .
(6) من ف، وليست فى أ.
(7) فى أ: «قد غابا» ، وفى ف: «قد غابتا» . [.....]

(4/649)


كالحلقة في الأرض الفلاة، ثم قال: الْمَجِيدُ- 15- الجواد الكريم فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ- 16- يقول ليس يريد شيئا إلا فعله، يقول إن العبد يفرق من سيده أن يفعل ما يشاء، والسيد يفرق من أميره الذي هو عليه، والأمير يفرق من الملك، والملك يفرق من الله- عز وجل-، والله- عز وجل- لا يفرق من أحد أن يفعل «1» . فذلك قوله- تعالى-: «فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» هَلْ يعنى قد أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ- 17- في القرآن فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ- 18- قد عرفت ما فعل الله- عز وجل- بقوم فرعون، حيث ساروا في طلب موسى- عليه السلام- وبني إسرائيل وكانوا ألف ألف وخمسمائة ألف، فساقهم الله- تعالى- بآجالهم إلى البحر، فغرقهم الله أجمعين فمن الذي جاء يخاصمني فيهم، قال: «وَثَمُودَ» وهم قوم صالح حيث عقروا الناقة وكذبوا صالحا، «ثم «2» » تمتعوا في دارهم ثلاثة أيام، فجاءهم العذاب يوم السبت غدوة حين نهضت الشمس، « ... فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ «3» (بِذَنْبِهِمْ «4» ) » وجبريل- عليه السلام- الذي كان دمدم، لأنه صرخ صرخة فوقع بيوتهم عليهم فسواها، يقول فسوى البيوت على قبورهم، لأنهم لما استيقنوا بالهلكة عمدوا فحفروا قبورا في منازلهم، وتحنطوا بالمر والصبر، قال: «فَسَوَّاها «5» » يقول استوت على قبورهم، قال فهل جاء أحد يخاصمني فيهم، فذلك قوله: «وَلا يَخافُ عُقْباها «6» » قال فاحذروا يا أهل مكة فأنا المجيد الحق الذي ليس فوقي أحد، ثم
__________
(1) كذا فى أ، ف، والمعنى، أن يفعل ما يشاء.
(2) «ثم» : زيادة اقتضاها السياق.
(3) أى رسول ربهم.
(4) (بِذَنْبِهِمْ) : ساقطة من أ، ف.
(5) سورة الشمس: 14.
(6) سورة الشمس: 15.

(4/650)


استأنف فقال: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ- 19- يقول لكن يا محمد الذين كفروا لا يؤمنون، فلما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك، وقرأ عليهم سأله رجل من جلسائه عن علم الله- عز وجل- في عباده: «شيء «1» » بدا له من بعد ما خلقهم، أو كان قبل أن يخلقوا؟ فأنزل الله- عز وجل- «وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ» «2» - 20- بَلْ هُوَ يعنى لكن هو قُرْآنٌ مَجِيدٌ- 21- يقول هو قرآن مجيد، «يقول هو كتاب مجيد «3» » فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ- 22- قبل أن يخلقوا، وأن الله- عز وجل- قد فرغ من علم عباده، وعلم ما يعملون قبل أن يخلقهم ولم يجبرهم على المعصية.
__________
(1) فى أ: «سائرا» ، وفى ف: «شيء» ، والأنسب: «هل هو شيء» .
(2) الآية (20) ساقطة من أ، ف مع تفسيرها، وفى الجلالين: ( «محيط» لا عاصم لهم منه) ، وفى القرطبي: ( «محيط» لا يفوته كما لا يفوت المحاط المحيط) .
(3) «يقول هو كتاب مجيد» : من ف، وفى أ: «يقول كان محكم» ، أقول وهي مصحفة.

(4/651)


سورة الطّارق

(4/653)


[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (1) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (4)
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (7) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (9)
فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (10) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (14)
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً (16) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17)

(4/655)


[سورة الطارق «1» ] سورة الطارق مكية عددها «سبع عشرة «2» » آية كوفى «3» .
__________
(1) مقصود السورة:
القسم على حفظ أحوال الإنسان، والحبر عن حاله فى الابتداء والانتهاء، وكشف الأسرار فى يوم الجزاء» والقسم على أن كلمات القرآن جزل، غير هزل. من غير امتراء، والأمر بإمهال الكافرين، فى قوله: « ... أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً» سورة الطارق: 17.
(2) فى أ: «تسعة عشر» .
(3) فى المصحف: (86) سورة الطارق مكية وآياتها (17) نزلت بعد سورة البلد.
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 42

(4/657)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ- 1- وَما أَدْراكَ يا محمد مَا الطَّارِقُ- 2- فسرها له؟ فقال: النَّجْمُ الثَّاقِبُ- 3- يعنى المضيء إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ- 4- وذلك أن الله- عز وجل- خلق [236 ب] النجوم ثلاثة «نجوم «1» » يهتدى بها، ونجوم رجوم للشياطين، ونجوم مصابيح الأرض، فأقسم الله- عز وجل- بها، فقال: «إِنْ كُلُّ نَفْسٍ» ما من نفس «لَمَّا «2» عَلَيْها حافِظٌ» من الملائكة يكتبون حسناته وسيئاته، قال: فإن «لا «3» » يصدق هذا الإنسان بالبعث فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ- 5- قال: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ- 6- ثم فسر الماء الدافق، فقال: إنه خلق من ماء الرجل، والمرأة «والتصق «4» » بعضه على بعض فخلق منه يَخْرُجُ ذلك الماء مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ- 7- يقول من بين صلب الرجل وترائب المرأة، والترائب موضع القلادة فأما ماء الرجل فإنه أبيض غليظ منه العصب والعظم، «وأما «5» » ماء المرأة فإنه أصفر رقيق منه اللحم والدم والشعر إِنَّهُ الرب- تبارك وتعالى- الذي خلقه من ماء دافق «عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ» «6» - 8- قادر على أن يبعثه يوم القيامة يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ
__________
(1) فى أ: «نجوما» ، وفى ف: «نجم» ، وتكرر ذلك فى الاثنين الآخرين.
(2) فى أ، ف: «إلا» ، وفى الآية: «لما» . [.....]
(3) «لا» : ساقطة من أ، وهي من ف.
(4) فى أ، ف: «التزق» .
(5) «وأما» : ساقط من أ، ف.
(6) «عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ» : ساقطة من أ، ف.

(4/659)


- 9- يوم تختبر السرائر كل سريرة من الذنوب عملها ابن آدم، فلم يطلع عليها أحد إلا الله من الصوم، والصلاة، والاغتسال من الجنابة، والري سرا فيخبره فيفتضح يومئذ صاحبه فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ: يمتنع من الله بقوته وَلا له ناصِرٍ- 10- ينصره من الله- تعالى-، ثم أقسم الله- تعالى- فقال: وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ- 11- ذات المطر وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ- 12- بالنبات إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ- 13- يقول إن الذي وصفته فى هذه السورة لقول فصل، يقول لهو قول الحق، ثم قال: وَما هُوَ بِالْهَزْلِ- 14- يقول وما هو باللعب، ثم انقطع الكلام، وأما قوله: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً- 15- وَأَكِيدُ كَيْداً- 16- فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً- 17-
فإنهم لما رأوا النبي- صلى الله عليه وسلم- قد أظهر الإيمان، وآمن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، فلما آمن عمر، قال بعضهم لبعض: ما نرى أمر محمد إلا يزداد يوما بيوم، ونحن في نقصان لا شك، لأنه والله يفوق جمعنا وجماعتنا، ويكثر ونقل ولا شك، إلا أنه سيغلبنا فيخرجنا من أرضنا، ولكن قوموا بنا حتى نستشير فى أمره فدخلوا دار الندوة منهم عتبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، وأبو البختري بن هشام، وعمرو بن عمير بن مسعود الثقفي، فلما دخلوا دخل معهم إبليس في صورة رجل شيخ فنظروا إليه فقالوا: يا شيخ من أدخلك علينا؟
ومن أنت؟ قد علمت أنا قد دخلنا هاهنا في أمر ما نريد أن يعلم به أحد. قال إبليس: إني والله، لست من أرض تهامة، وإني رجل من الأزد، ويقال من نجد قدمت من اليمن، وأنا أريد العراق، في طلب حاجة، ولكني رأيتكم حسنة وجوهكم، طيبة رائحتكم فأحببت أن أستريح وأسمع من أحاديثكم [237 أ] .
فقال بعضهم لبعض: لا بأس علينا منه إنه والله، ليس من أرض تهامة. قالوا:

(4/660)


يا شيخ، أغلق الباب واجلس.
فقال أبو جهل بن هشام، ما تقولون في هذا الرجل الذي قد خالف ديننا وسب آلهتنا، ويدعو إلى غير ديننا وليس يزداد أمره إلا كثرة ونحن في قلة وينبغي لنا أن نحتال؟
ثم قال: يا عمرو بن عمير ما تقول فيه؟
قال عمرو: رأيي فيه أن نردفه على بعير فنشد وثاقه فنخرجه من الحرم فيكون شره على غيرنا.
قال إبليس: عند ذلك بئس الرأي رأيت يا شيخ، تعمد إلى رجل قد ارتكب منكم ما قد ارتكب وهو أمر عظيم فتطردونه فلا شك أنه يذهب فيجمع جموعا فيخرجكم من أرضكم.
قالوا: ما تقول يا أبا البختري؟ قال: أما والله، إن رأيي فيه ثابت.
قالوا: ما هو؟. قال: ندخله في بيت فنسد بابه عليه، ونترك له ثلمة قدر ما يتناول «منه «1» » طعامه وشرابه ونتربص به إلى أن يموت.
«قال «2» » إبليس عند ذلك: بئس والله، الرأي رأيت يا شيخ تعمدون إلى رجل هو عدو لكم فتربونه «3» فلا شك أن يغضب له قومه فيقاتلونكم حتى يخرجوه من أيديكم فما لكم وللشر؟ قالوا: صدق والله فما تقول يا أبا جهل؟ قال:
تعمدون إلى كل بطن من قريش فنختار منهم رجالا فنمكنها من السيوف ويمشون
__________
(1) فى أ، ف: «منه» ، أى من المتروك، والأنسب: «منها» .
(2) من «قال إبليس» السابقة، إلى هذه ساقط من ف، وهو من أ.
(3) أى فتشتغلون بإطعامه وتربيته.

(4/661)


كلهم بجماعتهم فيضربونه حتى يقتلوه «فلا يستطيع «1» » بنو هاشم أن «تعادي «2» » قريشا كلهم، وتؤدون ديته. قال إبليس: صدق والله، الشاب فخرجوا على ذلك القول راضين بقتله. وسمع عمه أبو طالب واسمه عبد العزى بن عبد المطلب فلم يخبر محمدا لعله أن يجزع من القتل فيهرب فيكون مسبة عليهم، فأنزل الله- عز وجل- «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ «3» » يقول أم أجمعوا أمرا على قتل محمد- صلى الله عليه وسلم- فإنا مجمعون أمرا على قتلهم ببدر، وقال: «أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ «4» » وقال: «إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً، وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً» .
قال فسمع أبو طالب ما سمع، قال: يا بن أخى ما هذه الهينمة؟ قال:
أما نعلم يا عم ما أرادت قريش؟ قال: قد سمعت ما سمعته يا بن أخي. قال:
نعم. قال: ومن أخبرك بذلك؟ قال: ربى. قال: أما والله، يا بن أخي إن ربك بك لحفيظ فامض لما أمرت يا بن أخى، فليس عليك غضاضة «5» .
__________
(1) فى أ: «فلا يستطيعون» .
(2) فى أ: «يعادوا» .
(3) سورة الزخرف: 79.
(4) سورة الطور: 42.
(5) انتهى تفسير السورة فى أ، وفى ف زيادة: «فلا والله لا تصل إليك قريش بجماعتهم حتى أوسد فى التراب دفينا» .

(4/662)


سورة الأعلى

(4/663)


[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (4)
فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (9)
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (12) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (18) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (19)

(4/665)


[سورة الأعلى «1» ] سورة الأعلى مكية عددها «تسع عشرة «2» » آية كوفى «3» .
__________
(1) مقصود السورة:
بيان علو الذات، والصفات، وذكر الخلقة، والإشادة بالثمار والنبات، والأمن من نسخ الآيات، بيان سهولة الطاعات، وذل الكفر فى قعر الدركات، والتحضيض على الصلاة والزكاة، وبيان رفعة الآخرة وبقائها فى قوله: «وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى» سورة الأعلى: 17.
(2) فى أ: «تسعة عشر» ، والصواب ما أثبت. [.....]
(3) فى المصحف (87) سورة الأعلى مكية وآياتها (19) نزلت بعد سورة التكوير.

(4/667)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى- 1- يقول- سبحانه- نزه اسم ربك الأعلى، يقول نزهه من الشرك بشهادة أن لا إله إلا الله، فذلك قوله: «الأَعْلَى» ، قال: الَّذِي خَلَقَ الإنسان في بطن أمه مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِنْ مضغة، قال: فَسَوَّى- 2- يقول فسوى خلقه وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى - 3- يقول الذي قدر الولد في بطن أمه تسعة أشهر، فلما بلغ الوقت هداه للخروج من بطن أمه، وأيضا قوله: «قَدَّرَ فَهَدى» يعني قدر الذكر والأنثى فعلمه، كيف يأتيها؟ وكيف تأتيه؟ وأما قوله: وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى - 4- فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى - 5- بصنعه يقول الذي أخرج الحشيش والكلأ في الشتاء، فتراه رطبا فيجعله بعد الرطوبة والخضرة إلى اليبوسة «1» ، قوله: سَنُقْرِئُكَ القرآن يا محمد نجمعه في قلبك فَلا تَنْسى - 6- فلا تنساه أبدا، ثُمّ استثنى فَقَالَ: إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ يعني إلا ما شاء الله فينسخها، ويأت بخير منها، ثم قال: «إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى» »
- 7- «يَعْلَمُ الْجَهْرَ» من القول والفعل «وَما يَخْفى» منهما.
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى - 8- يقول ونبدلك مكان آية بأيسر منها، ثم قال:
فَذَكِّرْ يا محمد يقول اذكر بشهادة أن لا إله إلا الله إِنْ يعني قد نَفَعَتِ الذِّكْرى - 9- شهادة أن لا أن لا إله إلا الله، الذين من قبلك قال: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى
__________
(1) فى الجلالين: (غثاء) جافا هشيما، (أحوى) أسود يابسا.
(2) «إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى» : ساقط من أ، وتفسيره من الجلالين.

(4/669)


- 10- يقول سيوحد الله من يخشاه، يقول من يخشاه غفر له ولم يؤاخذه يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى
- 11- يقول ويتهاون بها يعني بالتوحيد الأشقى الَّذِي قد سبق علم الله «فيه «1» » بالشقاء الذي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى - 12- وهي نار جهنم، قال: ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى - 13- يقول لا يموت في النار فيستريح، ولا يحيا حياة طيبة، ولكنه في بلاء «ما دام في النار «2» » يأتيه الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ «ويحترق «3» » كل يوم سبع مرات، ثم يعاد إلى العذاب «ليس له طعام «4» » إلا من لحمه، فذلك قوله: «وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ
«5» » يأكل النار وتأكله وهو في النار، لباسه النار، وعلى رأسه نار، وفي عنقه نار، وفي كل مفصل منه سبعة ألوان من ألوان العذاب، لا يرحم أبدا، ولا يشبع أبدا، ولا يموت أبدا، ولا يعيش معيشة طيبة أبدا، الله عليه غضبان، والملائكة غضاب، وجهنم غضبانة، قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى- 14- وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى- 15- يقول قد أفلح من أدى الزكاة، وشهد أن لا إله إلا الله، وصلى الصلوات الخمس، قوله:
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا- 16- يقول بل تختارون الحياة الدنيا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى - 17- إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى - 18- يقول الكتب الأولى «صُحُفِ «6» » إِبْراهِيمَ: كتب إبراهيم وَكتاب مُوسى - 19- وهي التوراة. فأما صحف إبراهيم فقد رفعت.
__________
(1) فى أ: «فيهم» .
(2) من ف، وفى أ: «أدامه فى النار» .
(3) فى أ: «ويحيه» ، ف: «ويحترق» .
(4) فى أ: «لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ» ، وفى ف: «وَلا طَعامٌ» ، وهو الصواب.
(5) سورة الحاقة: 36.
(6) فى أ: «كتب» وفى حاشية الآية: «صحف» .

(4/670)


سورة الغاشية

(4/671)


[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (2) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3) تَصْلى نَارًا حامِيَةً (4)
تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9)
فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (10) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (11) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (12) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (14)
وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19)
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (24)
إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (26)

(4/673)


[سورة الغاشية «1» ] سورة الغاشية مكية عددها «ست «2» » وعشرون آية «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
التخويف بظهور القيامة، وبيان حال المستوجبين للعقوبة، وذكر حال المستحقين للمثوبة، وإقامة الحجة على وجود الحق. ووعظ الرسول- صلّى الله عليه وسلم- للأمة على سبيل الشفقة، وأن المرجع إلى الله- تعالى- فى العاقبة فى قوله- تعالى-: «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ» سورة الغاشية: 26.
(2) فى أ: سنة.
(3) فى المصحف: (88) سورة الغاشية مكية وآياتها (26) نزلت بعد سورة الذاريات.

(4/675)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ «1» - 1- يعني قد أتاك حديث أهل «النار «2» » من قوله: «تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ «3» » وكل شيء في القرآن «هَلْ أَتاكَ» يقول: قد أتاك، ثم أخبر عن حالهم فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ- 2- يعني ذليلة عامِلَةٌ ناصِبَةٌ- 3- يعني عاملة في النار، النار تأكله ويأكل من النار، يعني ناصبة للعذاب صاغرة تَصْلى نَارًا حامِيَةً- 4- تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ- 5- يعني من عين قد انتهى حرها، وذلك أن جهنم تسعر عليهم منذ يوم خلقت إلى يوم يدخلونها، وهي عين تخرج من أصل جبل طولها مسيرة «سبعين عاما «4» » ، «ماؤها «5» » أسود كدردي الزيت، كدر غليظ كثير الدعاميص، تسقيه «الملائكة «6» » بإناء من حديد من نار «فيشربه «7» » فإذا قرب الإناء من فيه أحرق شدقيه، وتناثرت أنيابه وأضراسه، فإذا بلغ صدره «نضج «8» » قلبه فإذا بلغ بطنه «غلى «9» »
__________
(1) «الغاشية» : الداهية التي تغشى الناس بشدائدها، يعنى يوم القيامة، أو النار (القرطبي) .
(2) «النار» : ساقطة من أ، ف، وهي من ل. [.....]
(3) سورة المؤمنون: 104، وفى أ: «تغشى» بدل «تلفح» ، قد وصوبت الخطأ.
(4) فى أ: «تسعون عاما» ، وفى ف، ل: «سبعون عاما» .
(5) «ماؤها» : زيادة اقتضاها السباق، ساقطة من أ، ف، ل.
(6) فى أ، ل: «الملائكة» ، وفى ف: «الملك» .
(7) «فيشربه» : كذا فى أ، ف، ل والأنسب: «فيشربه الشقي» .
(8) فى أ: «شج» ، وفى ف، ل: «نضج» .
(9) فى أ، ف، ل: «يغلى» ، والأنسب ما أثبت.

(4/677)


كما يغلي الحميم من شدة الحر حتى يذوب كما يذوب الرصاص إذا أصابه النار، «فيدعو «1» » الشقي بالويل، فذلك قوله: «تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ» ، ثم أخبر عن طعام الشقي، فقال:
لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ- 6- وهي شجرة تكون بمكة كثيرة الشوك لا تقربها دابة في الأرض من شوكها، ولا يستطيع أحد أن يمسها من كثرة شوكها، وتسميها قريش وهي رطبة في الربيع «الشبرق «2» » وتصيب الإبل من ورقها في الربيع ما دامت رطبة، فإذا يبست لم تقربها الإبل، وما من دابة في الأرض من الهوام والسباع وما يؤذي بني آدم إلا مثلها في النار سلطها الله- عز وجل- على أهلها، لكنها من نار وما خلق الله شيئا في النار إلا من النار، ثم قال: لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ- 7- «فإنهم لا يطعمون من أجل الجوع، وإنما من أجل العذاب «3» » . ثم ذكر أولياء من أهل طاعته، فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ- 8- يعني فرحة شبه الله- عز وجل- وجوههم بوجوه قوم فرحين، إذا أصابوا الشراب طابت أنفسهم، فاجتمع الدم في وجوههم، فاجتمع فرح القلوب وفرح الشراب، فهو ضاحك الوجه «مبتسم «4» » طيب النفس، ثم قال: لِسَعْيِها راضِيَةٌ- 9- يعني قد رضي الله- عمله فأثابه الله- عز وجل- ذلك بعمله، قال: فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ- 10- وإنما سماها عالية لأن جهنم أسفل منها وهي دركات، والجنة درجات، ثم قال: «لا تَسْمَعُ «5» » فِيها لاغِيَةً- 11- يقول لا يسمع
__________
(1) فى أ: «فيشربه» ، وفى ف، ل: «فيدعو» .
(2) فى أ: «اليسبر» ، وفى ف: «الشبرق» .
(3) فى أ، ف، ل: «فإنهم ليس يطعمون من الجوع، إلا من أجل العذاب أن يعذبون» وبها أخطاء كما ترى.
(4) فى أ: «مبتسما» .
(5) فى أ: «لا يسمع» ، وقراءة حفص (لا تسمع) .

(4/678)


بعضهم من بعض غيبة، ولا كذب، لا شتم، قوله: فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ- 12- يعني في الجنة لأنها فيها تجري الأنهار فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ- 13- منسوجة بقضبان الدر والذهب عليها سبعون فراشا، كل فراش قدر غرفة من غرف الدنيا، فذلك قوله: «سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ» وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ- 14- يعني مصفوفة وهي أكواب من فضة، وهي فى الصفاء مثل القوارير مدورة «الرءوس «1» » ليس لها عرى «ولا خراطيم «2» » ، وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ- 15- يعني الوسائد الكبار العظام مصفوفة على الطنافس، وهي بلغة قريش خاصة «3» » ثم قال: وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ- 16- يعني طنافس مبسوطة بعضها على بعض، يذكرهم الله- عز وجل- صنعه ليعتبر عباده فيحرصوا عليها، ويرغبوا فيها، ويحذروا النار فإن عقوبته على قدر سلطانه وكرامته قدر سلطانه، ثم ذكر عجائبه، فقال: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ لأن العرب لم يكونوا رأوا الفيل، وإنما ذكر لهم ما أبصروا، ولو أنه قال أفلا ينظرون إلى الفيلة كَيْفَ خُلِقَتْ- 17- لم يتعجبوا لها لأنهم لم يروها وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ- 18- من فوقهم خمسمائة عام «وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ» «4» - 19- على الأرض أوتادا لئلا تزول بأهلها. ثم قال: وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ- 20- يعني كيف بسطت من تحت الكعبة مسيرة خمسمائة عام، ثم قال: فَذَكِّرْ أهل مكة يا محمد إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ- 21- كالذين من قبلك لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ- 22- يقول لست عليهم بملك، ثم نسختها آية السيف
__________
(1) فى أ: «الرأس» ، وفى ف: «الرءوس» .
(2) «ولا خراطيم» : من ف، وليس فى أ. [.....]
(3) من ف، ل، وفى أ: وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ يعنى الطنافس وهي بلغة قريش خاصة» .
(4) الآية 19 مع تفسيرها كلاهما ساقط من أ، ومثبت من ف.

(4/679)


في براءة «1» ، ثم قال: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى يعني أعرض وَكَفَرَ- 23- بالإيمان «فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ في الآخرة «2» الْعَذابَ الْأَكْبَرَ- 24- وإنما سماه الله الأكبر لأن الله كان أوعدهم القتل والجوع في الدنيا، فقال الأكبر لأنه أكبر من الجوع والقتل، وهو عذاب جهنم، ثم قال: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ- 25- يعنى مصيرهم ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ- 26- يعنى جزاءهم على الله هين.
__________
(1) سورة التوبة: «وهي قوله- تعالى-: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .
(2) « (فَيُعَذِّبُهُ) فى الآخرة» : ساقط من أو هو من ف.

(4/680)


سورة الفجر

(4/681)


[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 30]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (4)
هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (6) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (9)
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14)
فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (19)
وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (24)
فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (26) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29)
وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)

(4/683)


[سورة الفجر «1» ] سورة الفجر مكية عددها ثلاثون آية كوفى «2»
__________
(1) معظم مقصود السورة:
تشريف العيد وعرفة، وعشر المحرم، والإشارة إلى هلاك عاد، وثمود، وأضرابهم، وتفاوت حال الإنسان فى النعمة، وحرصه على جمع الدنيا، والمال الكثير، وبيان حال الأرض فى القيامة، ومجيء الملائكة وتأسف الإنسان يومئذ على التقصير، والعصيان، وأن مرجع المؤمن عند الموت إلى الرحمة، والرضوان، ونعيم الجنان فى قوله: «وَادْخُلِي جَنَّتِي» سورة الفجر: 30.
(2) فى المصحف: (89) سورة الفجر مكية وآياتها (30) نزلت بعد سورة الليل.

(4/685)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْفَجْرِ- 1- يعني غداة جمع يوم النحر «1» وَلَيالٍ عَشْرٍ- 2- فهي عشر ليال قبل الأضحى، وأما سماها الله- عز وجل- ليال عشر لأنها تسعة أيام وعشر ليال وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ- 3- أما الشفع: فهو آدم وحواء- عليهما السلام-، وأما الوتر فهو الله- عز وجل- وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ- 4- يعني إذا أقبل، وهي ليلة الأضحى، فأقسم الله بيوم النحر، والعشر، وبآدم وحواء، وأقسم بنفسه، فلما فرغ منها قال: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ- 5- يعني إن في ذلك القسم كفاية لذي اللب، يعنى ذا عقل، فيعرف عظم هذا القسم، فأقسم الله «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ «2» » .
وأما قوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ- 6- يعني بقوم هود، وإنما سماهم قوم هود، لأن أباهم كان اسمه ابن «سمل «3» » بن لملك بن سام بن نوح مثل ما تقول العرب ربيعة ومضر وخزاعة وسليم [239 أ] وكذلك عاد وثمود، ثم ذكر قبيلة من قوم عاد، فقال: إِرَمَ وهي قبيلة من قبائلهم اسمها إرم، ثم قال: ذاتِ الْعِمادِ- 7- يعني ذات الأساطين وهي أساطين «الرهبانيين «4» » التي تكون في الفيافي والرمال، فشبه الله- عز وجل- طولهم
__________
(1) فسر الفجر بفجر عرفة، أو النحر (البيضاوي) ، ومعنى غداة جمع أى صبيحة اليوم التالي ليوم عرفات، وهو يوم النحر، وسمى يوم عرفات: جمع لاجتماع الناس فيه على جبل عرفات.
(2) سورة الفجر: 14.
(3) فى أ: «سمك» ، وفى ف: «سمك» ، أقول: وقد سماهم الله قوم هود لأن هودا أرسل إليهم.
(4) فى أ: «الرهبانيين» ، وفى ف: «الرهابين» .

(4/687)


إذ كانوا قياما في البرية «بأنه «1» » مثل العماد، وكان طول أحدهم ثمانية عشر ذراعا ويقال اثني «عشر «2» » ذراعا في السماء مثل أعظم أسطوانة تكون، قال: الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ- 8- يقول ما خلق الله- عز وجل- مثل قوم عاد في الآدميين، ولا مثل «إرم «3» » في قوم عاد، ثم ذكر ثمود فقال: وَثَمُودَ وهو أبوهم، وبذلك سماهم، وهم قوم صالح، فقال: الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ- 9- يقول الذين نقبوا الصخر «بالوادي «4» » وذلك أنهم كانوا يعمدون إلى أعظم جبل «فيثقبونه «5» » فيجعلونه بيتا، ويجعلون بابه منها، وغلقه منها «6» ، فذلك قوله: «وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ «7» » ثم ذكر فرعون واسمه مصعب بن جبر، ويقال الوليد بن مصعب فقال: وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ- 10- وذلك أنه أوثق الماشطة على أربع قوائم مستلقية، ثم سرح عليها الحيات والعقارب، فلم يزلن يلسعنها ويلدغنها «8» ، ويدخلون من «قبلها «9» » ويخرجون من فيها حتى ذابت كما يذوب الرصاص لأنها تكلمت بالتوحيد، وذلك أنها كانت تمشط هيجل بنت فرعون، فوقع المشط من يدها فقالت: باسم الله «وخيبة «10» » لمن كفر بالله فقالت «ابنة «11» » فرعون. وأي إله هذا الذي
__________
(1) «بأنه» : ليست فى أ.
(2) فى أ: «عشرة» .
(3) فى أ: «الإرم» ، وفى ف: «أرم» .
(4) فى أ، ف: «بالواد» . [.....]
(5) فى أ: «فيثقبونها» .
(6) كذا فى أ، ف: أعاد، الضمير مؤنثا على الجبل.
(7) سورة الشعراء: 149.
(8) فى أ، ف: زيادة: «العقارب» .
(9) فى أ: «فيها» ، وفى ف: «قبلها» .
(10) فى أ: «رحصة» ، وفى ف: وخينة.
(11) فى أ، ف: «ابنت» .

(4/688)


تذكرين؟ قالت: إله موسى. فذهبت، فأخبرت أباها، فكان من أمرها ما كان، فذلك قوله: «وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ» يقول إنه أوثق امرأة على أربع قوائم من أجل أنها عرفتني، ثم جمع «عادا «1» » وثمود وفرعون، فقال الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ- 11- يعني الذين عملوا فيها بالمعاصي فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ- 12- يقول فأكثروا فيها المعاصي، فلما كثرت معصيتهم «فَصَبَّ «2» » عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ- 13- يعني نقمته «وكانت «3» » نقمته عذابا، ثم رجع إلى قسمه الأول، فقال: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ- 14- يعني بالصراط، وذلك أن جهنم عليها سبع قناطر، كل قنطرة مسيرة سبعين عاما، على كل قنطرة ملائكة قيام، وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق، «بأيديهم «4» » «المحاسر «5» » «والمحاجن «6» » والكلاليب يسألون في أول قنطرة عن الإيمان، وفي الثانية، يسألون عن الصلوات الحمس، وفي الثالثة، يسألون عن الزكاة، وفي الرابعة، يسألون عن صوم رمضان، وفي الخامسة، يسألون عن حج البيت، وفي السادسة، يسألون عن العمرة، وفي السابعة، يسألون عن مظالم الناس، فذلك قوله: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ» ، وأما قوله: فَأَمَّا الْإِنْسانُ [239 ب] إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ- 15- نزلت الآية في أمية بن خلف الجمحي، وعبد الله بن نفيل، أتاه يأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر، ويذكره
__________
(1) فى أ: «عاد» ، وفى ف: «عادا» .
(2) فى أ: «فصب» ، وفى ف: «صب» .
(3) فى أ: «وكان» .
(4) فى أ: «بأوائلهم» ، وفى حاشية أ: «لعله بأيديهم» ، وفى ف: «بأيديهم» .
(5) فى أ: «المحاسر» ، وفى ف: «المحاسك» .
(6) فى أ: «المحاجر» ، وفى ف: «المحاجن» .
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 44.

(4/689)


ذلك، فقال له أمية بن خلف: ويحك أليس الله يقول: « (ذَلِكَ «1» ) بِأَنَّ اللَّهَ (مَوْلَى «2» ) الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ «3» » قال عبد الله بن نفيل: نعم. قال: فماله أغناني وأفقرك؟ قال: كذلك أراد الله. قال أمية: بل أغناني الله لكرامتي عليه، وأفقرك لهوانك عليه. قال عبد الله بن خطل عند ذلك: لخليق أن يكون الله «فعل «4» » ذلك، فأنزل الله- تعالى- «فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ، فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ» وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ- 16- قال «5» : يقول كلا ما أغنيت هذا الغني لكرامته، ولا أفقرت هذا الفقير لهوانه علي، ولكن كذلك أردت أن أحسن إلى هذا الغني في الدنيا، وأهون على هذا الفقير حسابه يوم القيامة، ثم قال فى سورة أخرى: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً «6» » يقول ليس من شدة إلا بعدها رخاء، ولا رخاء إلا بعده شدة، ثم انقطع الكلام، ثم ذكر أمية بن خلف الجمحي، وذكر مساوئه فقال: كَلَّا ما الأمر كما قال أمية بن خلف بَلْ يعني لكن لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ- 17- وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ- 18- لأنهم لا يرجون بها الآخرة وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا- 19- يعني تأكلون الميراث أكلا شديدا وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا- 20- ويجمعون المال جمعا كثيرا، وهي بلغة مالك بن كنانة، ثم قال:
كَلَّا ما يؤمنون بالآخرة وهو وعيد، وأما قوله: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا- 21- يعني إذا تركت فاستوت الجبال مع الأرض الممدودة، ثم قال:
__________
(1) (ذلك) : ساقطة من ف، أ. [.....]
(2) فى أ: (ولى) ، ف: (مولى) .
(3) سورة محمد: 11.
(4) فى أ: «يقل» ، وفى ف: «فعل» .
(5) (قال) المفسر أو قال مقاتل، (يقول) أى يقول الله.
(6) سورة الشرح: 5- 6.

(4/690)


وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا- 22- وذلك أنه تنشق السموات والأرض، فتنزل ملائكة كل سماء، وتقوم ملائكة كل سماء على حدة، فيجيء الله- تبارك وتعالى- كما قال: «هَلْ (يَنْظُرُونَ «1» ) إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ... «2» » ، وكما قال:
«هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ «3» ... » «قياما صفوفا «4» » ، قال:
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يجاء بها «من «5» » مسيرة خمسمائة عام، عليها «سبعون ألف زمام «6» » على كل زمام سبعون ألف ملك، متعلقون بها يحبسونها عن الخلائق، وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق، فإذا تكلم أحدهم «تناثرت «7» » من فيه النار بيد كل ملك منهم مرزبة، عليها ألفان وسبعون رأسا كأمثال الجبال، «وهي «8» » أخف في «يده «9» » من الريش، ولها «سبعة «10» » رءوس كرءوس الأفاعي، وأعينهم زرق، «تنظر «11» » إلى الخلائق من شدة الغضب تريد أن تنفلت على الخلائق من غضب الله- عز وجل-، ويجاء بها حتى تقام على ساق العرش، ثم قال: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ يعني أمية بن خلف الجمحي إذا عاين الغار والملائكة، ثم قال: وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى
__________
(1) «ينظرون» : ساقطة من أ، وهي من ف.
(2) سورة الأنعام: 158.
(3) سورة البقرة: 210.
(4) فى أ: «قيام صفوف» ، وفى ف: «قياما صفوفا» .
(5) «من» : ليست فى إ، ف.
(6) «عليها سبعون ألف زمام» : من ف، وليست فى أ.
(7) فى أ: «تناثر» ، وفى ف: «تناثرت» .
(8) فى أ: «هي» ، وفى ف: «وهي» .
(9) فى أ: «يده» ، وفى ف «أيديهم» . [.....]
(10) فى أ، ف: «سبع» .
(11) فى أ: وفى ف: «نظرت تنظر» ، وأقول والضمير راجع إلى جهنم.

(4/691)


- 23- يعني ومن أين [240] له التذكرة في الآخرة؟ وقد كفر بها في الدنيا، ثم قال يخبر عن حالهم، وما يقولون في الآخرة إذا عاينوا النار، فقال: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي- 24- في الدنيا لآخرتي يقول الله- تعالى-: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أي لا يعذب كعذاب الله أَحَدٌ- 25- يعني ليس أعظم من الله- تعالى- سلطانه على قدر عظمته، وعذابه مثل سلطانه، ثم قال: وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ- 26- يعني ولا يوثق كوثاق الله- عز وجل- أحد، قوله: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ- 27- يعني المطمئنة بالإيمان ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً لعملك مَرْضِيَّةً- 28- بما أعطاك الله- عز وجل- من الخير والجزاء فَادْخُلِي فِي عِبادِي- 29- يعني في رحمتي وَادْخُلِي من رحمتي في جَنَّتِي- 30- نظيرها في «طس «1» » النمل قول سليمان بن داود- عليهما السلام- « ... وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ «2» » نزلت هذه الآية في حبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة، وجعلوا وجهه نحو المدينة، فقال: اللهم إن كان لي عندك «خير «3» » فحول وجهي نحو «قبلتها «4» » فحول الله- عز وجل- وجهه نحو هذه القبلة من غير أن يحوله أحد، «فلم يستطع أن يحوله عنها أحد «5» » .
__________
(1) سورة النمل: 3.
(2) سورة النمل: 19.
(3) فى أ، ف: «خيرا» .
(4) فى أ: «قبلتك» ، وفى ف: «قبلتها» ، والمعنى نحو قبلة المدينة.
(5) من ف، وفى أ: «فلم يستطع أحد أن يحوله عنها أحد» .

(4/692)


حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُقَاتِلٍ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ السماء الدنيا من «ماء حرج مَكْفُوفٍ «1» » ، وَالثَّانِيَةَ مِنْ حَدِيدٍ، وَالثَّالِثَةَ مِنْ فِضَّةٍ، والرابعة من شبه، وَالْخَامِسَةَ مِنْ ذَهَبٍ، وَالسَّادِسَةَ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، وَالسَّابِعَةَ مِنْ نُورٍ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ مِنْ نُورٍ قِيَامٌ صَفًّا صَفًّا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: «وَالصَّافَّاتِ صَفًّا «2» » فهم أهل السماء السابعة.
__________
(1) فى أ: «من موج مكفوف» ، وفى ف: «من ماء حرج مكفوف» .
(2) سورة الصافات: 1.

(4/693)