تفسير مقاتل بن سليمان

سورة البلد

(4/695)


[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (2) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (4)
أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالا لُبَداً (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (9)
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)
يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (19)
عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)

(4/697)


[سورة البلد «1» ] سورة البلد مكية عددها عشرون آية كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
تشريف مكة بحكم القسم بها، وشدة حال المكذب، والخبر عن سره وعلانيته، والمنة عليه بالنعم المختلفة، وتهويل عقبة الصراط، وبيان النجاة منها، ومدح المؤمنين، وصبرهم على البلاء، ورحمة بعضهم بعضا، وخلود الكفار فى النار، فى قوله: «عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ» سورة البلد: 20.
(2) فى المصحف: (90) سورة البلد مكية وآياتها (20) نزلت بعد سورة ق.

(4/699)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ- 1- يعني مكة وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ- 2- يعني لم أحلها لأحد من قبلك «ولا من بعدك «1» » وإنما أحللتها لك ساعة من النهار، وذلك أن الله- عز وجل- لم يفتح مكة على أحد غيره، ولم يحل بها القتل لأحد، غير ما قتل النبي- صلى الله عليه وسلم- مقيس بن ضبابة الكناني وغيره، حين فتح مكة، قال الله- تبارك وتعالى-: وَوالِدٍ وَما وَلَدَ- 3- يعني آدم وذريته- عليه السلام- إلى أن تقوم الساعة، فأقسم الله- عز وجل- بمكة وبآدم وذريته [240 ب] لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ- 4- منتصبا قائما، وذلك أن الله- تبارك وتعالى- خلق كل شيء على أربع قوائم- غير ابن آدم يمشي على رجلين-
نزلت هذه الآية في الحارث بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف القرشي، وذلك أنه أصاب ذنبا وهو بالمدينة، فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: ما كفارته؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: اذهب فاعتق رقبة، أو أطعم ستين مسكينا. قال: ليس غير هذا؟ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو الذي أخبرتك. فرجع من عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو مهموم مغموم حتى «أتى «2» » أصحابه فقال: والله، ما أعلم إلا أني لئن دخلت فى دين
__________
(1) فى أ: «ولا بعدك» .
(2) «أتى» : من ف، وليست فى أ.

(4/701)


محمد إن مالي «لفي «1» » نقصان من الكفارات والنفقة في سبيل «الله «2» » ، ما يظن محمد إلا أنا وجدنا هذا المال في الطريق لقد أنفقت مالا لبدا يعني مالا كثيرا فأنزل الله- عز وجل- «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ»
أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ- 5- يعني بالأحد: الله- عز وجل، يعني نفسه، أيحسب هذا الإنسان أن لن يقدر الله- عز وجل- على أن يذهب بماله، «وإن أحرزه «3» » «يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً» «4» - 6- ثم قال الله- تعالى- وهو يعده الخير: أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ- 7- أو يحسب هذا الإنسان أن الله- تعالى- ليس يرى ما ينفق وليس «يحصيه «5» » ؟ وهو يخلفه «عليه «6» » ثم ذكر النعم فقال: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ- 8- وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ- 9- وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ- 10- يقول بينا له سبيل الخير والشر، ثم حرفه على الكفارة فقال: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ- 11- وهو مثل ضربه الله- عز وجل- له يقول إن الذنوب بين يديك مثل الجبل، فإذا أعتقت رقبة اقتحم ذلك الذنوب حتى تذوب وتذهب، كمثل رجل بين يديه عقبة فيقحتم فيستوي بين يديه «7» ، وكذلك من أصاب ذنبا واستغفر ربه وكفره بصدقة تتقحم ذنوبه حتى تحطمها «تحطيما «8» » مثل الجبل إذا خر فيستوى مع الأرض،
__________
(1) فى أ: فى. [.....]
(2) فى أ: «الله- عز وجل-» .
(3) فى أ: «أحرزه» .
(4) «يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً» ساقطة مع تفسيرها من أ، ف، وقد ذكرت فى بداية السورة ضمن تفسير الآية الرابعة.
(5) فى أ، ف: «يحصيها» .
(6) فى أ: «عليها» .
(7) كذا فى أ، ف، والمعنى فيستوى الطريق بين يديه.
(8) فى أ، ف: «حطما» ، والأنسب: «تحطيما» .

(4/702)


فذلك قوله: «فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ» ، قال: وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ- 12- تعظيما لها، قال: فَكُّ رَقَبَةٍ- 13- أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ- 14- يعنى مجاعة يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ- 15- يعني ذا قرابة أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ- 16- يعني فقيرا قد «التصق «1» » ظهره بالتراب من العري، وشدة الحاجة، فيستحي أن يخرج فيسأل الناس، وذلك كله
لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعتق رقبة، أو أطعم ستين مسكينا «2»
، يقول الله- عز وجل- أعجز أن يفعل من هذين الأمرين واحدا، وكان يظن أن الله- تعالى- لم يكن يراه إذا أنفق فيخلف عليه تلك النفقة، فذلك قوله: «أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ «3» » يعني الله- عز وجل- ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بالله- تعالى- وملائكته [241 أ] وكتبه ورسله وجنته وناره وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ يعني على فرائض الله- تعالى- ما افترض عليهم في القرآن، فإنهم «إن «4» » لم يؤمنوا بالله، ولم يعملوا الصالحات، ولم يصبروا على الفرائض، لم أقبل منهم كفاراتهم وصدقاتهم «5» ، ثم ذكر لرحم فقال: وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ- 17- يعنى «بالمرحمة «6» » يعني بالرحم فلا يقطعونها، ثم قال: أُولئِكَ
__________
(1) فى أ، ف: «التزق» .
(2) كذا فى أ، ف. وقد نزل ذلك كله فى قول الحارث بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف القرشي، إن دخلت في دين محمد إن مالي لفي نقصان مستكثرا أن يعتق رقبة أو يطعم سنين مسكينا.
(3) سورة البلد: 7
(4) «إن» : زيادة اقتضاها السياق.
(5) التفسير من ف، وهو ناقص فى أ.
(6) فى أ، ف: «بالرحمة» .

(4/703)


يعني الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالصبر، وتواصوا بالمرحمة هم أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ- 18- الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم يوم القيامة، قال:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا يعنى بالقرآن هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ- 19- يعني الذين يعطون كتبهم بشمائلهم «والمشأمة» بلغة «بني غطيف»
» حي من مراد- وكل ذلك يخوف الحارث بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ- 20- يعنى مطبقة وهي جهنم.
__________
(1) فى أ: «غطيف» ، ف: «بنى غطيف» . [.....]

(4/704)


سورة الشّمس
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 45

(4/705)


[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (2) وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4)
وَالسَّماءِ وَما بَناها (5) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (6) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9)
وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (12) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (14)
وَلا يَخافُ عُقْباها (15)

(4/707)


[سورة الشمس «1» ] سورة الشمس مكية عددها «خمس «2» » عشرة آية كوفى «3»
__________
(1) مقصود السورة:
أنواع القسم المترادفة، على إلهام الخلق فى الطاعة والمعصية، والفلاح والخيبة، والخبر عن إهلاك ثمود، وتخويف لأهل مكة فى قوله: «وَلا يَخافُ عُقْباها» سورة الشمس: 15
(2) فى أ: «خمسة» ، والصواب ما أثبت.
(3) فى المصحف: (91) سورة الشمس مكية وآياتها (15) نزلت بعد سورة القدر.

(4/709)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: وَالشَّمْسِ وَضُحاها- 1- يعني وحرها وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها- 2- يعني إذا تبعها يسير من خلفها، وله خفيف فى السماء وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها- 3- يعني جلاها الرب- تبارك وتعالى- من ظلمة الليل وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها- 4- يعني تغشى ظلمته ضوء النهار «1» وَالسَّماءِ وَما بَناها- 5- يعني وبالذي بناها، ثم قال: وَالْأَرْضِ وَما طَحاها- 6- يعني أقسم بالأرض، وبالذي بسطها يعني الرب- تعالى- نفسه، ثم قال: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها- 7- يعني آدم، «وَما سَوَّاها» يعني وبالذي خلقها، يعني نفسه فسوى اليدين والرجلين والعينين والأذنين فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها- 8- يعني وعلمها الضلالة والهدى، ثم عظم الرب نفسه فقال:
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها- 9- يعني قد أسعدها الله يعني أصلحها الله- تعالى-، فإنه من أصلحه الله فقد أفلح وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها- 10- يعني وقد هلك من أشقاه الله- عز وجل-، ثم ذكر ثمود فقال:
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها- 11- يعني الطغيان والشقاء حملها على التكذيب لأنه طغى عليهم الشقاء مرتين، مرة بما كذبوا الله- عز وجل- وعموا عن الإيمان به، والأخرى حين عقروا الناقة فذلك قوله: «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها»
__________
(1) من أ، وفى ف زيادة: «وهذا قسم» .

(4/711)


إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها- 12-، وأما قوله: فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها- 13- يعني بالرسول صالح- صلى الله عليه وسلم-، وهو بين لهم أمر الناقة وشربها وما يفعل الله- عز وجل- بهم إن كذبوا وعقروا الناقة، فذلك قوله: «فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها» فَكَذَّبُوهُ بما جاء به فَعَقَرُوها يعني قتلوا الناقة فحل [241 ب] بهم العذاب، قال: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ، ثم قال: بِذَنْبِهِمْ يقول إنما كان بذنبهم، بذلك أنهم لما عقروا الناقة «ابتعد «1» » الفصيل حتى صعد على جبل فصاح ثلاث مرات: يا صالح، قتلت أيم «وفزع «2» » أهل المدينة كلهم إلى صالح، فقالوا: ما حيلتنا؟ قال: حيلتكم أن تأخذوا الفصيل فعسى الله أن يكف عنكم العذاب في شأن الفصيل، فلما صعدوا الجبل ليأخذوه فر من بين أيديهم وتوارى فلم ير، وغاب، قالوا: يا صالح، ما يفعل الله بنا؟ قال:
«كم من «3» صيحة» صاح الفصيل؟ قالوا: ثلاث مرات، قال: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك «الوعد «4» » الذي صاح الفصيل « ... غَيْرُ مَكْذُوبٍ «5» » يقول إنه لا يكذب فيه، قالوا: وما علامة ذلك يا صالح؟ قال: إنكم «تصفر «6» » وجوهكم
__________
(1) فى أ: «اشتد» ، وفى ف: كلمة مطموسة قريبة من: «ابتعد» .
(2) فى أ: «وفزعوا» .
(3) كذا فى أ، ف، والأنسب: «كم صيحة» .
(4) فى أ: «وعد» ، وفى ف: «الوعد» .
(5) ورد ذلك فى سورة هود آية 65، والقصة كلها وردت فى الآيات 61- 68 من سورة هود.
(6) فى أ، ف: «تصفار» .

(4/712)


يوم الثاني وتسود وجوهكم يوم الثالث، «قال «1» : ثم» يأتيكم العذاب يوم الرابع، فلما أن كان «اليوم الأول «2» » «اصفرت «3» » وجوه القوم «فلم «4» » يصدقوا وقالوا: إنما هذه الصفرة من الخوف والفرق، فلما كان اليوم الثاني «احمرت «5» » وجوههم واستيقنوا بالعذاب، ثم إنهم عمدوا فحفروا لأنفسهم قبورا «وتحنطوا «6» » بالمر والصبر وتكفتوا بالأنطاع، فلما أن كان اليوم الثالث اسودت وجوههم حتى لم يعرف بعضهم بعضا من شدة السواد، والتغير، فلما أن كان اليوم الرابع أصبحوا «فدخلوا «7» » حفرهم، فلما أشرقت الشمس، وارتفع النهار لم يأتهم العذاب، «فظنوا «8» » أن الله يرحمهم، وخرجوا من قبورهم، ودعوا بعضهم بعضا، إذ نزل جبريل- عليه السلام- فسد ضوء الشمس حتى دخلوا في قبورهم، فصاح بهم جبريل عليه السلام- فلما عاينوا جبريل- عليه السلام- ونظروا إلى «ضوء الشمس «9» » شدوا حتى دخلوا في قبورهم فناموا فصاح بهم جبريل صيحة «أن «10» » قوموا عليكم لعنة الله، فسالت أرواحهم من أجسادهم وزلزلت بيوتهم
__________
(1) فى أ: «ثم قال» .
(2) فى أ، ف: «واصفارت» .
(3) فى أ: «يوم الأول» ، وفى ف: «اليوم الأول» .
(4) فى أ: «ولم» . [.....]
(5) فى أ، ف: «احمارت» .
(6) فى أ: «وتكفنوا» ، وفى حاشية أ: «لعله وتحنطوا» .
(7) فى أ: «دخلوا» .
(8) فى أ: «فظنوا» ، وفى ف: «ظنوا» .
(9) فى أ: «ضوءها» ، وفى ف: «ضوء الشمس» .
(10) «أن» : زيادة اقتضاها السياق.

(4/713)


حتى وقعت على قبورهم إلى يوم القيامة، فأصبحوا كأن لم يكن بمدينتهم شيء، فذلك قوله: «كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها ... «1» » ، وذلك قوله: «فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ» فَسَوَّاها- 14- يعني فسوى بيوتهم على قبورهم، قوله:
وَلا يَخافُ عُقْباها- 15-.
قال فى التقديم: «إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها» ، «وَلا يَخافُ عُقْباها» عاقر الناقة من الله- عز وجل-.
وإنما كان أصحاب الشراب تسعة نفر منهم قدار بن قديرة «2» وهو عاقر الناقة وسالف، وجدع، وقيل، وحريل، وهذيل وجمال بن مالك، «وحبابة «3» » ابن «أذاذ «4» » ، «وجميل بن جواد «5» » .
فذلك قوله- تعالى-: «وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ «6» » .
قال أبو صالح [242 أ] بعض هؤلاء «المسمين «7» » يوافق تسمية عاقري الناقة فى سورة النمل «8» وهذا قول قوم وأولئك قول قوم آخرين والله أعلم.
__________
(1) سورة هود: 68 وتمامها «كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ» .
(2) فى أ: «قذار بن قذيرة» بإعجام الذال، وفى ف. «قدار بن قديرة» ، بإهمال الدال، وهو أصح.
(3) فى أ: «وضبابة» ، وفى ف: «وصبابة» .
(4) فى أ: «رذاذ» ، وفى ف: «أذاذ» .
(5) فى أ: «وجهبل بن قرارة» ، وفى ف: «وجميل بن جواد» .
(6) سورة النمل: 48.
(7) فى أ: «المسمين» ، وفى ف: «المسلمين» .
(8) يشير إلى ما ورد فى الآية 48 من سورة النمل أن عددهم تسعة، فقوم يذهبون إلى أن هذه أسماءهم، وقوم يذهبون إلى أن بعض هذه الأسماء يوافق أسماءهم، والله أعلم. [.....]

(4/714)


سورة اللّيل

(4/715)


[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (1) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (2) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14)
لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19)
إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضى (21)

(4/717)


[سورة الليل «1» ] سورة الليل مكية عددها «إحدى «2» » وعشرون آية «3» .
__________
(1) مقصود السورة:
القسم على تفاوت حال الخلق فى الإساءة والإحسان، وهدايتهم إلى شأن القرآن، وترهيب بعض بالنار، وترغيب بعض بالجنان، والأمر بالمبادرة إلى الصدقة تكفيرا للذنوب، وطلبا لمرضاة الرحمن، فى قوله: «وَلَسَوْفَ يَرْضى» سورة الليل: 21.
(2) فى أ: «أحد» .
(3) فى المصحف: (92) سورة الليل مكية وآياتها (21) نزلت بعد سورة الأعلى.

(4/719)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى - 1- وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى- 2- أقسم الله- عز وجل بالليل إذا غشى ظلمته ضوء النهار، والنهار إذا تجلى عن ظلمة الليل، فقال: «إِنَّ سَعْيَكُمْ» إن أعمالكم «لَشَتَّى «1» » يا أهل مكة، قوله: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى - 3- يعنى آدم وحواء وما هاهنا صلة، فأقسم الله- عز وجل- بنفسه وبهؤلاء الآيات فقال: «والذي خلق الذكر والأنثى» نظيرها فى «والشمس وضحاها «2» » إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى- 4- يا أهل مكة، يقول إن أعمالكم مختلفة في الخير والشر «3» ، ثم قال: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى المال في حق الله- عز وجل- وَاتَّقى - 5- نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق- رحمة الله عليه- وذلك أنه مر على أبي سفيان، وهو صخر ابن حرب، وإذا هو يعذب بلالا على إسلامه، وقد وضع حجرا على صدره فهو يعذبه عذابا شديدا، فقال له أبو بكر الصديق- رحمة الله عليه-: أتعذب عبدا على معرفة ربه؟ قال أبو سفيان: أما والله، إنه لم يفسد هذا العبد الأسود غيركم، أنت وصاحبك، يعني رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. قال له أبو بكر- رضي الله عنه-: هل لك أن أشتريه منك؟ قال: نعم. قال أبو بكر:
والله ما أجد لهذا العبد ثمنا. قال له صخر بن حرب: والله إن جبلا من شعر أحب
__________
(1) سورة الليل: 4.
(2) سورة الشمس 1، ويشير إلى قوله: «وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها» : 7.
(3) فى أزيادة: «لشتى» .
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 46

(4/721)


إلي منه، فقال له الصديق أبو بكر: والله إنه خير من ملء الأرض ذهبا. قال له أبو سفيان: اشتره مني! قال له أبو بكر: قد اشتريت هذا العبد الذي على ديني، بعبد مثله على دينك، فرضي أبو سفيان، فاشترى أبو بكر بلالا- رضي الله عنه- فأعتقه. قال أبو سفيان لأبي بكر- رضي الله عنه-: أفسدت مالك ومال أبي قحافة. قال: أرجو بذلك المغفرة من ربي. قال: متى هذا؟ قال أبو بكر- رضي الله عنه-: يوم تدخل سقر تعذب. قال: أليس تعدني هذا بعد الموت؟ قال: نعم. قال: فضحك الكافر واستلقى. وقال: يا عتيق أتعدنى البعث بعد الموت؟ وتأمرني أن «أرفض «1» » مالي إلى ذلك اليوم؟ لقد خسرت واللات والعزى إن مالك قد ضاع، وإنك لا تصيب مثله أبدا. قال له أبو بكر- رضى الله عنه-[242 ب] : والله، لأذكرنك هذا اليوم يا أبا سفيان.
فأنزل الله- عز وجل- «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى» وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى - 6- يقول بعدة الله- عز وجل- أن يخلفه في الآخرة خيرا، إذا أعطى في حق الله- عز وجل- فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى - 7- يعني نيسره للعودة إلى أن يعطي فسنيسره للخير وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى - 8- عن الله- تعالى- في نفسه وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى - 9- يعني بعدة الله بأن يخلفه خيرا منه فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى - 10- يقول نعسر عليه أن يعطى خيرا وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ الذي بخل به في الدنيا إِذا تَرَدَّى- 11- يعنى إذا مات، وتريد في النار، يعني أبا سفيان، يقول الله- تعالى-: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى - 12- يعني بيان الهدى وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى - 13- يعنى الدنيا والآخرة
__________
(1) «أرفض» : كذا فى أ، ولعل أصلها: «أفرض» .

(4/722)


فَأَنْذَرْتُكُمْ يا أهل مكة نَارًا تَلَظَّى- 14- يعني تتوقد وتشتعل لا يَصْلاها يعني النار إِلَّا الْأَشْقَى- 15- «يعني هؤلاء النفر من أهل مكة «1» » «الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى» «2» - 16- الذين كذبوا بالقرآن «وتولى» يعني وأعرض عن الإيمان. وَسَيُجَنَّبُهَا يعني النار، يقول يجنب الله النار الْأَتْقَى- 17- يعني أبا بكر الصديق الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى- 18- يعني «يتصلح «3» » وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى - 19- وأيضا، «وذلك «4» » أن أبا بكر- رضي الله عنه- وأرضاه مر على بلال المؤذن، وسيده أمية بن خلف الجمحي يعذبه على الإسلام، ويقول لا أدعك حتى تترك دين محمد، فيقول بلال: أحد أحد. فقال أبو بكر- رحمة الله عليه-: أتعذب عبد الله، على الإيمان بالله- عز وجل-؟ فقال سيده أمية: أما إنه لم يفسده علي إلا أنت وصاحبك. يعني النبي- صلى الله عليه وسلم-، فاشتره مني.
قال: نعم. قال سيده أمية: بماذا؟ قال أبو بكر: بعبد مثله على دينك. فرضي فعمد أبو بكر- رضي الله عنه- إلى عبد فاشتراه، وقبض أبو بكر بلالا- رحمة الله عليهما- وأعتقه، فقال أمية لأبي بكر- رضي الله عنه-:
لو أبيت إلا أن تشتريه بأوقية من ذهب «لأعطيتكها «5» » قال أبو بكر- رضي الله عنه-: وأنت لو أبيت إلا أربعين أوقية من ذهب لأعطيتكها،
__________
(1) «يعنى هؤلاء النفر من أهل مكة» : من ف، والجملة مطموسة فى أ.
(2) «الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى» : ساقطة فى أ، ومحرفة فى ف.
(3) فى أ: «يصلح» ، وفى ف: «يتصلح» .
(4) «وذلك» : كذا فى أ، ف.
(5) فى أ: «لبعتك» ، وفى ف: «لأعطيتكها» .

(4/723)


فكره أبو قحافة عتقه، فقال لأبي بكر: أما علمت أن مولى القوم من أنفسهم، فإذا أعتقت فأعشق من له منظر «وقوة «1» » وكان «بلال «2» » أسود الوجه، فأنزل الله- عز وجل- في أبي بكر- رضي الله عنه- «وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى» يقول يجزيه لذلك، ولكن إنما يعطي ماله «إِلَّا «3» » ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى - 20- الرفيع فوق خلقه وَلَسَوْفَ يَرْضى - 21- هذا العبد يعني أبا بكر الصديق- رضي الله عنه-، وأن أبا بكر- رضي الله عنه- اشترى تسعة نفر يعذبون على الإسلام، منهم بلال المؤذن، وعامر بن فهيرة وأخته، «وزنيرة «4» » وابنتها، «وحارثة «5» » بن عمر، وأم كياس والنهدية «6» وابنتها، كانت لامرأة من بني عبد الدار تضربها على الإسلام، فأعتقهم أبو بكر الصديق- عليه السّلام-.
__________
(1) فى أ: «وفقه» ، وفى ف: «وقوه» .
(2) فى أ: «بلالا» ، وفى ف: «بلال» . [.....]
(3) «إلا» ، ساقطة من أ.
(4) فى أ: «ووئيدة» ، وفى ف: «وزنيره» .
(5) فى أ: «وجارية» ، وفى ف: «وحارثة» .
(6) فى أ: «والنهرية» ، وفى ف: «والنهدية» .

(4/724)


سورة الضّحى

(4/725)


[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (7) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)

(4/727)


[سورة الضحى «1» ] سورة الضحى مكية عددها إحدى عشرة آية كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان ما الرسول- صلّى الله عليه وسلم- من الشرف والمنقبة، ووعده فى القيامة بالشفاعة، وذكر أنواع الكرامة له، والمنة وصيانة الفقر واليتم من بين الحرمان والمذلة، والأمر بشكر النعمة فى قوله: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» سورة الضحى: 11.
(2) فى المصحف: (93) سورة الضحى مكية وآياتها (11) نزلت بعد سورة الفجر.

(4/729)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: وَالضُّحى - 1- وَاللَّيْلِ إِذا سَجى - 2- أقسم الله- عز وجل- فقال: «والضحى» يعني حر الشمس وهي أول ساعة من النهار حين تطلع الشمس، وبالليل إذا سجى، يعني إذا غطى بهيمه ضوء النهار، فأقسم الله- عز وجل- ببدو الليل والنهار فقال: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ يا محمد وَما قَلى - 3- يعني وما مقتك، وذلك
أن جبريل- عليه السلام- لم ينزل على محمد- صلى الله عليه وسلم- أربعين يوما، ويقال ثلاثة أيام، فقال مشركو العرب من أهل مكة: لو كان من الله «لتتابع عليه الوحي، كما كان يفعل بمن كان قبله من الأنبياء «1» » ، فقد ودعه الله وتركه صاحبه، فما يأتيه.
فقال المسلمون: يا رسول الله، فما نزل عليك الوحي؟ قال: كيف ينزل على الوحي، وأنتم لا تنقون براجمكم «2» ، ولا تقلمون أظفاركم، قال: أقسم الله بهما، يعني بالليل والنهار، فقال: «ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ» يا محمد فتركك «وَما قَلى» يقول وما مقتك، لقولهم قد ودعه ربه وقلاه، فلما نزل عليه جبريل- عليه السلام- قال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: يا جبريل، ما جئت حتى اشتقت إليك. فقال جبريل- عليه السلام-: أنا كنت إليك أشد شوقا لكرامتك على الله- عز وجل- ولكني عبد مأمور،
«وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينا»
__________
(1) من ف، وفى أ: «لتتابع الوحى كما كان يفعل من كان قبله من الأنبياء» .
(2) تنقية البراجم: هي تنظيف الأوساخ التي بين الأظافر وأطراف الأصابع.

(4/731)


من الدنيا «وَما خَلْفَنا» من الآخرة «وَما بَيْنَ ذلِكَ» يعنى بين الدنيا والآخرة بين النفختين، وهي «أربعون «1» » سنة، ثم قال: «وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا «2» » يقول لم ينسك ربك يا محمد. وَلَلْآخِرَةُ يعنى الجنة خَيْرٌ لَكَ مِنَ «الْأُولى» «3» - 4- يعني من الدنيا، يعني أنه قد دنت القيامة والآخرة خير لك من الدنيا «4» وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ في الآخرة «وهو الخير «5» » «فَتَرْضى» «6» - 5- يعني حتى ترضى، ثم ترضى، بما يعطيك، ثم أخبره الله- عز وجل- عن حاله التي كان عليها، «وذكره «7» » ، النعم فقال له جبريل- عليه السّلام-:
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى - 6- يقول
فضمك إلى عمك أبي طالب، «فكفاك المؤنة «8» » فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- من علي ربي وهو أهل المن،
فقال جبريل- عليه السّلام-: وَوَجَدَكَ ضَالًّا عن الدلالة فَهَدى - 7- فهداك لدينه،
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- من علي ربي وهو أهل المن،
فقال جبريل- عليه السلام-: وَوَجَدَكَ عائِلًا يعني فقيرا فَأَغْنى - 8-
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- من علي ربي وهو أهل [243 ب] المن،
ثم وصاه الله- عز وجل- فقال:
__________
(1) فى أ: «أربعين» ، وفى ف: «أربعين» .
(2) سورة مريم: 64.
(3) فى أ: «الدنيا» .
(4) تفسير الآية: من ف، وهو ساقط من أ.
(5) فى أ، ف: «وهو الخير» ، والأنسب «من الخير» .
(6) فى ف: «حتى ترضى» ، وفى أ: «فَتَرْضى» . [.....]
(7) فى أف: «ويذكره» .
(8) فى أ: «يكسال التوبة» ، وفى ف: «فكفاك المؤنة» .

(4/732)


فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ- 9- يقول لا تنهره، ولا تعبس في وجهه، فقد كنت يتيما وَأَمَّا السَّائِلَ يعني الفقير المسكين فَلا تَنْهَرْ- 10- لا تنهره إذا سألك فقد كنت فقيرا وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ- 11- يعني اشكر الله «على «1» » ما ذكر في هذه السورة، وما صنع الله- عز وجل- بك من الخير، إذ قال:
ألم تكن كذا ففعلت بك كذا أنزلت هاتين السورتين جميعا بمكة: «والضحى «2» » ، «والليل «3» » ، و «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ «4» » فجعل النبي- صلى الله عليه وسلم- يحدث بهما سرا إلى من يطمئن إليه، ثم أتاه جبريل- عليه السلام»
- بأعلى مكة فدفع الأرض بيديه فانفجرت «عين ماء «6» » فتوضأ جبريل- عليه السلام- ليرى النبي- صلى الله عليه وسلم- وضوء الصلاة، ثم توضأ النبي- صلى الله عليه وسلم- فصلى به جبريل- عليه السلام-، فلما انصرف أخبر خديجة ثم صلت مع النبي- صلى الله عليه وسلم «7» .
__________
(1) «على» : زيادة اقتضاها السباق، ليست فى أ، ف.
(2) سورة الضحى: 1.
(3) سورة الليل: 1.
(4) سورة الشرح: 1.
(5) فى أ: «عليهما» ، وفى ف: «عليه» .
(6) فى أ: «عينا من ماء» ، وفى ف: «عين ماء» .
(7) من ف، وفى أنقص.

(4/733)


سورة الشّرح

(4/735)


[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4)
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 47

(4/737)


[سورة الشرح «1» ] سورة ألم نشرح عددها «ثماني «2» » آيات كوفى «3» :
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان شرح صدر المصطفى- صلّى الله عليه وسلم- ورفع قدره وذكره، وتبديل العسر من أمره باليسر أمره؟؟؟؟ فى انتظار أمره والرغبة إلى الله- تعالى- والإقبال على ذكره فى قوله:
«وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ سورة الشرح: 8.
(2) فى أ، ف: «ثمان» .
(3) فى المصحف: (94) سورة الشرح مكية وآياتها (8) نزلت بعد سورة الضحى.

(4/739)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ- 1- يقول ألم نوسع لك صدرك بعد ما كان ضيقا لا يلج فيه الإيمان حتى هداه الله- عز وجل- وذلك «قوله «1» » :
«وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى «2» » ، وقوله: «مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ «3» » ، وذلك أن أربعمائة رَجُل «من أصحاب النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- من أصحاب الصفة «4» » كانوا قوما مسلمين «فإذا تصدقوا «5» عليهم شيئا أكلوه» وتصدقوا ببعضه على المساكين وكانوا يأوون في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ولم يكن لهم بالمدينة قبيلة، ولا عشيرة، ثم إنهم خرجوا «محتسبين «6» » يجاهدون المشركين وهم بنو سليم كان بينهم وبين المسلمين حرب فخرجوا يجاهدونهم، فقتل منهم سبعون رجلا، فشق ذلك على النبي- صلى الله عليه وسلم- وعلى المسلمين، ثُمّ إن رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- كان يدعو «عليهم «7» » في دبر كل صلاة الغداة «8» «يقنت فيها «9» » ويدعو عليهم «أن يهلكهم «10» » الله.
__________
(1) «قوله» : من ف، وليست فى أ.
(2) سورة الضحى: 7. [.....]
(3) سورة الشورى: 52.
(4) من ف، وفى أ: «من أصحاب الصفة من أصحاب النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-» .
(5) فى أ: «صدقوا» ، وفى ف: «تصدقوا» ، والأنسب «فإذا تصدق المسلمون عليهم بشيء» .
(6) فى أ: «مجيشين» ، وفى ف: «محتسبين» .
(7) فى أزيادة: «أى على بنى سليم، الذين قتلوا أصحابه» .
(8) كذا فى أ، ف: والمراد صلاة الصبح، كان يدعو عليهم فى نهاية صلاة الصبح كل يوم.
(9) فى ف: «قنت فيها» .
(10) فى أ: «يديهم» ، وهو مخالف لما ثبت فى الصحيح، والصواب ما ورد فى ف: «أن يهلكهم» .

(4/741)


فقال اللَّه- تَعَالَى-: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ «1» » ثم عظم الرب- تعالى- نفسه فقال: «وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «2» » في تأخير العذاب عنهم، لعلم قد سبق فيهم أن يسلموا، «وأنزل «3» » الله- عز وجل- «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ» يعنى ألم نوسع لك صدرك، يعني بالإيمان يقول بالتوحيد حتى تقولها، قول: «لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ» ، وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ- 2- يقول وحططنا عنك ذنبك [244 أ] الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ- 3- يقول للنبي- صلى الله عليه وسلم- كان أثقل ظهرك فوضعناه عنك، لقوله:
«إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً «4» » يا محمد وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ- 4- في الناس علما، كلما ذكر الله- تعالى- ذكر معه رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى في خطبة النساء فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً- 5- إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً- 6- يقول إن مع الشدة الرخاء،
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْد ذلك لن يغلب- إن شاء الله- عسر واحد يسرين أبدا،
ثم قال: فَإِذا فَرَغْتَ يا محمد من الصلاة المكتوبة بعد التشهد والقراءة والركوع والسجود، وأبت جالس قبل أن تسلم فَانْصَبْ- 7- وَإِلى رَبِّكَ بالدعاء فَارْغَبْ- 8- إليه في المسألة فنهاه عن القنوت فى صلاة الغداة «5» .
__________
(1) سورة آل عمران: 128.
(2) سورة آل عمران: 129.
(3) فى أ، ف: «فأنزل» .
(4) سورة الفتح: 1- 2.
(5) إلى هذا يذهب مقاتل، ومن الفقهاء من ذهب إلى أن الله لم ينهه عن ذلك، وذكر أن القنوت فى الصبح مشروع خصوصا فى الشدائد والنوازل.

(4/742)


حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُقَاتِلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَارَقَنِي خَلِيلِي عَلَى أَرْبَعِ خِصَالٍ، كَانَ يُؤَذِّنُ مَرَّتَيْنِ، وَيُقِيمُ مَرَّتَيْنِ، وَيُسَلِّمُ مَرَّتَيْنِ، حَتَّى يَسْتَبِينَ بَيَاضُ خَدِّهِ الأَيْمَنِ وَالأَيْسَرِ، وَكَانَ لا يَقْنُتُ فِي صَلاةِ الْغَدَاةِ «1» ، وَكَانَ يُسْفِرُ جِدًّا «2» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
__________
(1) ذهب الحنفية إلى أن القنوت فى صلاة الغداة لا يكون إلا فى النازلة. [.....]
(2) يسفر جدا، أى يؤخر صلاة الصبح حتى يسفر النهار ويتضح قال: «وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ» سورة المدثر: 34.

(4/743)