تفسير مقاتل بن سليمان

سورة التّين

(4/745)


[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8)

(4/747)


[سورة التين «1» ] سورة التين مكية عددها «ثماني «2» » آيات كوفى «3»
__________
(1) مقصود السورة:
القسم على حسن خلقة الإنسان، ورجوع الكافر إلى النيران، وإكرام المؤمنين بأعظم المثوبات الحسان، وبيان أن الله حكيم وأحكم، فى قوله: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ» سورة التين: 8.
(2) فى أ، ف: «ثمان» .
(3) فى المصحف: (95) سورة التين مكية وآياتها (8) نزلت بعد سورة البروج.

(4/749)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ- 1- أقسم الله- عز وجل- بالتين الذي يؤكل، والزيتون الذي يخرج منه الزيت وَطُورِ سِينِينَ- 2- يعني الجبل الحسن وهو بالنبطية، وهو الجبل الذي كلم الله- تعالى- عليه موسى- عليه السلام- يوم أخذ التوراة، وكل جبل لا يحمل الثمر لا يقال له سيناء وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ- 3- يعني مكة يأمن فيه كل خائف، وكل أحد فى الجاهلية والإسلام ولا تقام فيه الحدود فأقسم الله- عز وجل- بهؤلاء الآيات الأربع، فقال: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ- 4- يعني يمشي على رجلين وغيره يمشي على أربع، وأحسن التقويم الشباب وحسن الصورة، ثُمَّ رَدَدْناهُ بعد الشباب والصورة الحسنة أَسْفَلَ سافِلِينَ- 5- يعني من الصورة لأنه يسقط حاجباه، ويذهب شبابه، وعقله، وقوته، وصوته، وصورته، فلا يكون «شيئا «1» » أقبح منه، وما خلق الله شيئا أحسن من الشباب، ثم استثنى فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ- 6-[244 ب] يعني غير منقوص، لا يمن به عليهم، يقول ليس الأجر في «الهرم «2» » إلا للمؤمنين، وذلك أن المؤمن إذا كبر ومرض كتب له حسناته في كبره وما كان يعمل فى شبابه وصحته لا ينقصه، ولا يمن به عليه، وأما الكافر
__________
(1) فى أ: «شيء» ، وفى ف: «شيئا» .
(2) فى أ: «القوم» ، وفى ف: «الهرم» .

(4/751)


فإنه إذا شاخ وكبر ختم له بالشرك، ووجبت له النار فيموت والله- تبارك وتعالى- عليه غضبان والملائكة والسموات والأرض «1» .
قوله: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ يقول ما يكذبك، أيها الإنسان، يعني عدي ابن ربيعة بالدين، يعني بالبعث بعد الصورة الحسنة والشباب، وبعد الهرم، وفيه نزلت هذه الآية، يقول: يكذبك بالقيامة، فيقول «الله «2» » : الذي فعل ذلك به قادر على أن يبعثه فيحاسبه، ثم قال: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ- 8- على أن يحكم بينك وبين أهل مكة، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين يا أحكم الحاكمين. يعني يا أفصل الفاصلين، يقول يفصل بينك يا محمد وبين أهل التكذيب، وكل شيء في القرآن «أَلَيْسَ اللَّهُ» يقول «أَنَا اللَّهُ» .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ، حَدَّثَنَا مُقَاتِلٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَنْ شَابَ رَأْسُهُ فِي الإِسْلامِ، وَلِحْيَتُهُ كَانَتْ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ، «وَصَارَتْ «3» » كُلُّ شَعْرَةٍ «فِيهِ «4» » نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ، عَنْ خَالِدٍ الزَّيَّاتِ، عَنْ مَنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: الْمَوْلُودُ حَتَّى يَبْلُغَ الْحِنْثَ، مَا عَمِلَ مِنْ حَسَنَةٍ كُتِبَتْ لِوَالِدَيْهِ، وَمَا عَمِلَ مِنْ سَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، وَلا عَلَى وَالِدَيْهِ، فَإِذَا بَلَغَ الْحِنْثَ وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ أَمَرَ الْمَلَكَانِ
__________
(1) من أ، وليست فى ف.
(2) «الله» : زياد اقتضاها السياق.
(3) فى أ: «وكانت» ، وفى ف: «وصارت» .
(4) فى أ: «فيه» ، وفى ف: «منه» .

(4/752)


اللَّذَانِ مَعَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَا وَأَنْ «يُسَدِّدَا «1» » فَإِذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الإِسْلامِ أَمَّنَهُ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الْبَلايَا الثَّلاثَ مِنَ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصَ، فَإِذَا بَلَغَ الْخَمْسِينَ خَفَّفَ عَنْهُ حِسَابَهُ، فَإِذَا بَلَغَ السِّتِّينَ رَزَقَهُ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- الإِنَابَةَ إِلَيْهِ فَإِذَا بَلَغَ السَّبْعِينَ «أَحَبَّهُ «2» » أَهْلُ السَّمَاءِ فَإِذَا بَلَغَ الثَّمَانِينَ كَتَبَ لَهُ حَسَنَاتِهِ، وَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِه، فَإِذَا بَلَغَ التِّسْعِينَ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَا تأخر، وشفع فى أهل بيته، وسمى عند اللَّهِ: أَسِيرَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، فَإِذَا بَلَغَ أَرْذَلِ الْعُمُرِ « ... لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً «3» ... » كُتِبَ لَهُ «مِثْلُ «4» » مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي صِحَّتِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَإِنْ عَمِلَ سَيِّئَةً لَمْ تكتب عليه.
__________
(1) فى أ: «يسددا» ، وفى ف: «يتشددا» .
(2) فى أ: «حبه» ، وفى ف: «أحبه» .
(3) سورة الحج: 5.
(4) «مثل» : من أوليست فى ف.
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 48 [.....]

(4/753)


سورة العلق

(4/755)


[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)
عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (7) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9)
عَبْداً إِذا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (14)
كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (15) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)

(4/757)


[سورة العلق «1» ] سورة العلق مكية عددها «تسع عشرة «2» » آية كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
ابتداء فى جميع الأمور باسم الخالق الرب- تعالى- جلت عظمته، والمنة على الخلق بتعليم الكتابة، والحكمة، والشكاية من أهل الضلالة، وتهديد أهل الكفر والمعصية، وتخويف الكفار بالعقوبة، وبشارة الساجدين بالقربة فى قوله: « ... وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ» سورة العلق: 19.
(2) فى أ: «تسعة عشر» والصواب ما أثبت.
(3) فى المصحف: (96) سورة العلق مكية وآياتها (19) وهي أول ما نزل من القرآن.

(4/759)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ يعنى الواحد الَّذِي خَلَقَ- 1- يعني الإنسان، وكان أول شيء نزل من القرآن خمس آيات «أول «1» » هذه السورة خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ- 2- وهي النطفة التي تكون عشرين ليلة، ثم تصير ماء ودما، فذلك العلق، قوله: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ- 3- الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ- 4- وذلك
أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد الحرام، فإذا أبو جهل يقلد إلهه الذي يعبده طوقا من ذهب، وقد طيبه بالمسك، وهو يقول: يا هبل لكل شيء سكن، ولكل خير جزاء، أما وعزتك لأسرنك القابل. وذلك أنه كان ولد له في تلك السنة ألف من الإبل، وجاءه عير من الشام فربح «عشرة آلاف مثقال «2» » «من الذهب «3» » فجعل ذلك «الشكر «4» » لهبل وهو صنم كان في جوف الكعبة طوله ثمانية عشر ذراعا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ويحك، أعطاك إلهك وشكرت غيره، أما والله إن لله فيك نقمة، فانظر متى تكون؟ ويحك، «يا عم «5» » أدعوك إلى الله وحده، فإنه ربك ورب آبائك الأولين، وهو خلقك ورزقك فإن اتبعتنى
__________
(1) فى أ: «دون» ، وفى ف: «أول» .
(2) فى أ: «عشر ألف مثقال» ، وفى ف: «عشرة آلاف مثقالا» .
(3) فى أ: «من الذهب» ، وفى ف: «من ذهب» .
(4) فى أ: «السكن» ، وفى ف: «الشكر» .
(5) فى أ: «يا عمرو» ، وفى ف: «يا عم» .

(4/761)


أصبت الدنيا والآخرة. قال له: واللات والعزى «ورب هذه البنية «1» » لئن لم تنته عن مقالتك هذه، فإن وجدتك ها هنا، وأنت تعبد غير آلهتنا لأسفعنك على ناصيتك يقول لأخرجنك «2» على وجهك، أليس هؤلاء بناته؟ قال: وأنى يكون له ولد؟ فأنزل الله- عز وجل- عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
- 5- والنبي- صلى الله عليه وسلم- يومئذ بالأراك ضحى «ثم «3» » بين فقال: «خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ» يعني من دم حتى تحولت النطفة دما، «اقرأ» يا محمد، ثم استأنف فقال: «وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ» الكتابة «بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ» من القرآن «ما لَمْ يَعْلَمْ» ، ثم قال: كَلَّا لا يعلم إن علمته، ثم استأنف فقال: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى - 6- في نعم الله- عز وجل- يعني أبا جهل بن هشام، وكان إذا أصاب مالا أشر يعني بطر في ثيابه، وفي مراكبه، وفي طعامه وشرابه، فذلك طغيانه، إذا رأى نفسه استغنى، وكان موسرا طغى، فخوفه الله الرجعة إليه فقال: أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى - 7- إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى
- 8- خوفه في القيامة في التقديم «بعد أن قال «4» » : «وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ» ، ثم هدده فيما بعد بقوله، «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ «5» » ثم ذكر الناصية فقال. «ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ «6» «7» .
__________
(1) من أ، وفى حاشية أ: «البنية بفتح الموحدة، وكسر النون بعدها، وبالياء المشددة، هي الكعبة شرفها الله» . وفى ف: «ورب البنية» .
(2) فى ف زيادة: «فانظر ماذا ترى؟ قال نبى الله- صلى الله عليه وسلم-: أما إن الله سيريك آية» ، وليست فى أ.
(3) فى أزيادة: «ثم» ، وليست فى ف.
(4) فى أ، ف: «ثم قال» .
(5) سورة العلق: 15.
(6) سورة العلق: 16. [.....]
(7) فى أ، ف: ( «أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى، إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى» خوفه فى القيامة فى التقديم فقال:
«وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ» «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ» فى النار، ثم ذكر الناصية فقال: «ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ» أقول وفيه أخطاء ظاهرة وقد حاولت تصحيحه فى أضيق الحدود.

(4/762)


ثم قال: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى - 9- عَبْداً إِذا صَلَّى- 10- وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- فرضت عليه الصلاة بمكة، فقال أبو جهل:
لئن رأيت محمدا يصلي لأضربن عنقه فقال الله- عز وجل-: «أرأيت» [245 ب] «الَّذِي يَنْهى، عَبْداً إِذا صَلَّى» - يعني النبي- صلى الله عليه وسلم-، يقول الله- تعالى-: أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ يعني محمدا عَلَى الْهُدى - 11- أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى - 12- يعنى بالإخلاص أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ أبو جهل بالقرآن وَتَوَلَّى- 13- يعني وأعرض أَلَمْ يَعْلَمْ أبو جهل بِأَنَّ اللَّهَ يَرى - 14- النبي- صلى الله عليه وسلم- وحده، ويرى جمع أبي جهل، ثم قال: كَلَّا لا يعلم أن الله- عز وجل- يرى ذلك كله، ثم خوفه فقال لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ يعني أبا جهل عن محمد، بالتكذيب والتولي لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ- 15- يقول لنأخذن بالناصية أخذا شديدا، ثم أخبر عنه أنه فاجر فقال: ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ- 16- يقول إنما يجره الملك على وجهه في النار من خطيئته، ثم قال: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ- 17- يعني بني مخزوم، يعني ناصره «سَنَدْعُ «1» » الزَّبانِيَةَ- 18- فهم أشد غضبا عليه من بني مخزوم على محمد- صلى الله عليه وسلم-، لأنه
قال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- لئن لم تنته ورأيتك هاهنا لأجرنك على وجهك، فأراد بذلك «أن «2» » يذل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فأنزل فيه «يذله «3» » فقال: لئن لم ينته عنك، وعن مقالته الشرك «لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ» ، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: رأيت أبا جهل فى
__________
(1) فى أ: «سندعوا» .
(2) «أن» : «من ف» ، وليست فى أ.
(3) فى أ: «أن يذله» ، وفى ف: «يذله» .

(4/763)


«طمطام «1» » من نار يجر على وجهه في نار جهنم على جبال من جمر فيطرح في أوديتها، فيقول: بأبي محمد وأمي لقد كان ناصحا لي، وأراد بي خيرا، ولكني كنت مسيئا إلى نفسي، وأردت به شرا، رب ردني إلى قومي، فأؤمن به، وآمر بني مخزوم أن يؤمنوا به «2» .
قال: كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ- 19- لأنهم كانوا يبدؤون بالسجود، ثم بعد السجود بالركوع، ثم بعد الركوع بالقيام، فكانوا يقومون، ويطلبون المسألة من آلهتهم فأمر الله- تعالى- أن يسجدوا ويقتربوا، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسجد، ثم يركع، ثم يقوم، فيدعو الله- تعالى- ويحمده فخالف الله- تعالى- على المشركين بعد ذلك، فأمر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبدأ بالقيام، ثم بالركوع، ثم بالسجود.
قال: «فَلْيَدْعُ نادِيَهُ» يعني ناصره «سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ» يعني خزنة جهنم أرجلهم في الأرضين السفلى ورءوسهم فى السماء «كَلَّا لا تُطِعْهُ» يقول للنبي- صلى الله عليه وسلم- لا تطع أبا جهل في أن تترك الصلاة، «وَاسْجُدْ» يقول:
وصل لله- عز وجل- «وَاقْتَرِبْ» إليه بالطاعة، فلما سمع أبو جهل ذكر الزبانية قال قد جاء وعد الله وانصرف عن النبي- صلى الله عليه وسلم-، وقد كان هم به، فلما رجع قالوا له: يا أبا الحكم خفته؟ قال: لا، ولكني خفت الزبانية.
__________
(1) فى أ: «طيطام» ، وفى ف: «طمطام» .
(2) الحديث النبوي الشريف، من ف، وبه نفس وتصحيف فى أ.

(4/764)


سورة القدر

(4/765)


[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)
سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)

(4/767)


[سورة القدر «1» ] سورة القدر مدنية عددها خمس آيات كوفى «2»
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان شرف ليلة القدر فى نص القرآن، ونزول الملائكة المقربين من عند الرحمن، واتصال سلامهم طوال الليل على أهل الإيمان، فى قوله: « ... حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» سورة القدر: 5.
(2) فى المصحف: (97) سورة القدر مكية وآياتها (5) نزلت بعد سورة عبس.
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 49

(4/769)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ يعني القرآن أنزله الله- عز وجل- من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى السفرة وهم الكتبة من الملائكة، وكان ينزل تلك الليلة من الوحي على قدر ما ينزل به جبريل- عليه السلام- على النبي- صلى الله عليه وسلم- في السنة كلها إلى مثلها من قابل حتى نزل القرآن كله فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ- 1- من شهر رمضان من السماء، ثم قال: وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ- 2- تعظيما لها، ثم أخبر عنها، فقال: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ- 3- يقول العمل فيها خير من العمل في ألف شهر فيما سواها ليس فيها ليلة القدر «1» تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها في تلك الليلة عند غروب الشمس بِإِذْنِ رَبِّهِمْ يعني بأمر ربهم مِنْ كُلِّ أَمْرٍ- 4- ينزلون فيها بالرحمة، وبكل أمر قدره الله وقضاه في تلك السنة، ينزلون فيها ما يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل، ثم أخبر عن تلك الليلة فقال: «سَلامٌ هِيَ» «2» هي سلام وبركة كلها وخير حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ- 5-.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنْ أنس بن مالك، عن مقاتل
__________
(1) فى تفسير الآية (3) نقص فى أ، ف، والمثبت مختار منهما معا.
(2) فى أ، ف: «هي سلام» ، وفى حاشية أ: «الاية «سَلامٌ هِيَ» .

(4/771)


ابن سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الرُّوحُ عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ عَظِيمِ الْخِلْقَةِ، وَهُوَ الذي قال الله- عز وجل-: «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ... «1» »
وَهُوَ الْمَلِكُ، وَهُوَ يَقُومُ مَعَ الْمَلائِكَةِ صَفًّا «2» .
__________
(1) سورة الإسراء: 85.
(2) يشير إلى الآية 22 من سورة الفجر، وهي: «وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا» .

(4/772)


سورة البيّنة

(4/773)


[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)

(4/775)


[سورة البينة»
] سورة «لم يكن «2» ... » مدنية عددها «ثماني «3» » آيات كوفى «4» .
__________
(1) معظم مقصود السورة بيان تمرد أهل الكتاب، والخبر عن صحة أحكام القرآن، وذكر وظيفة الخلق فى خدمة الرحمن والإشادة بخير البرية من الإنسان، وجزاء كل واحد منهم بحسب الطاعة والعصيان، وبيان أن موعود الخائفين من الله الرضا والرضوان فى قوله: « ... ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ» سورة البينة: 8.
(2) سورة البينة: 1. [.....]
(3) فى أ، ف: «ثمان» .
(4) فى المصحف: (98) سورة البينة مدنية وآياتها (8) نزلت بعد سورة الطلاق.

(4/777)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعني اليهود والنصارى وَالْمُشْرِكِينَ يعني مشركي العرب مُنْفَكِّينَ يعني منتهين عن الكفر والشرك، وذلك أن أهل الكتاب «قالوا «1» » : «متي يبعث الذي نجده في كتابنا «2» » ، «وقالت «3» » العرب: «لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ «4» » فنزلت: «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ» يعني اليهود والنصارى وَالْمُشْرِكِينَ يعني مشركي العرب مُنْفَكِّينَ يعني منتهين عن الكفر والشرك، حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ- 1- محمد- صلى الله عليه وسلم- فبين لهم ضلالتهم وشركهم، ثم أخبر الله- عز وجل- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً [246 ب] مُطَهَّرَةً- 2- يعني يقرأ صحفا مطهرة، يعني كتابا لأنها جماعة فيها «خصال «5» » كثيرة، من كل نحو، مطهرة
__________
(1) فى أ، ف: «أنه قال أهل الكتاب» .
(2) من ف، وفى أ: «متى يبعث الله نجده فى كتابنا» .
أقول: «والمراد متى يبعث الله النبي الذي نجده فى كتابنا؟» .
(3) فى أ، ف: «ونقول» .
(4) سورة الصافات: 168- 169.
(5) فى ف: «خيال» ، وفى ل: «خصال» ، وهي ساقطة من أ.

(4/779)


من الكفر والشرك يقول يقرأ كتابا ليس فيه كفر ولا شرك، وكل شيء فيه كتاب «فإنه يسمى «1» » صحفا «2» .
ثم قال: فِيها «3» يعني في صحف محمد- صلى الله عليه وسلم- كُتُبٌ قَيِّمَةٌ- 3- يعني كتابا مستقيما على الحق ليس فيه عوج ولا اختلاف، وإنما سميت «كتب «4» » لأن فيها أمورا شتى كثيرة مما ذكر الله- عز وجل- في القرآن، ثم قال: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني اليهود والنصارى فِي أمر محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ- 4- يعني البيان يقول الله- تعالى- لم يزل الذين كفروا مجتمعين على تصديق محمد- صلى الله عليه وسلم- حتى بعث لأن نعته معهم فى كتبهم فلما بعث الله- عز وجل- من غير ولد إسحاق اختلفوا فيه فآمن بعضهم: عبد الله بن سلام وأصحابه من أهل التوراة، ومن أهل الإنجيل أربعون رجلا منهم بحيري، وكذب به سائر أهل الكتاب، يقول الله- عز وجل-: وَما أُمِرُوا يقول ما أمرهم محمد- صلى الله عليه وسلم- إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يعني به التوحيد حُنَفاءَ يعني مسلمين غير مشركين وَأمرهم أن يُقِيمُوا الصَّلاةَ الخمس المكتوبة وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ المفروضة وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ- 5- يعني الملة المستقيمة، ثم ذكر الله- عز وجل- المشركين يوم القيامة، فقال:
__________
(1) فى ل: «فإنها تسمى» ، وفى ف: «أنه يسمى» .
(2) تفسير الآية (2) من ف، ل، وقد سقط أكثره من أ.
(3) الآية (3) ساقطة من أ.
(4) فى أ: «كتب» ، وفى ف: «كتابا» ، وفى ل: «كتب» .

(4/780)


إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها يقول: يقيمون فيها لا يموتون، ثم قال: أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ- 6- يعني شر الخليقة من أهل الأرض، ثم ذكر مستقر من صدق بالنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ- 7- يعني خير الخليقة من أهل الأرض جَزاؤُهُمْ يعني ثوابهم عِنْدَ رَبِّهِمْ في الآخرة جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يموتون رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بالطاعة وَرَضُوا عَنْهُ بالثواب ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ- 8- في الدنيا وكل شيء خلق من التراب فإنه يسمى البرية.

(4/781)


سورة الزّلزلة

(4/783)


[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (2) وَقالَ الْإِنْسانُ مَا لَها (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (4)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
تفسير مقاتل بن سليمان ج 4- م 50.

(4/785)


[سورة الزلزلة «1» ] سورة الزلزلة مكية عددها «ثماني «2» » آيات كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان أحوال القيامة وأهوالها، وذكر جزاء الطاعة، وعقوبة المعصية، وذكر وزن الأعمال فى ميزان العدل فى قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ سورة الزلزلة: 7- 8.
(2) فى أ، ف: «ثمان» .
(3) فى المصحف: (99) سورة الزلزلة مدنية وآياتها (8) نزلت بعد سورة النساء. [.....]

(4/787)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها- 1- يقول تزلزلت يوم القيامة من شدة صوت إسرافيل- عليه السلام- يعني تحركت، فتفطرت حتى تكسر كل شيء عليها بزلزالها من شدة الزلزلة، ولا تسكن حتى تلقي ما على ظهرها من جبل، أو بناء، أو شجر، فيدخل فيها كل شيء خرج منها، «وزلزلت «1» » الدنيا فلا تلبث حتى تسكن «2» ، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها- 2- يقول «تحركت «3» » فاضطربت، وأخرجت ما في جوفها من الناس، والدواب، والجن، وما عليها من الشياطين، فصارت خالية ليس فيها شيء، وتبسط الأرض جديدة بيضاء «4» [247 أ] كأنها الفضة، أو كأنها خامة ولها شعاع كشعاع الشمس، لم يعمل عليها ذنب، ولم «يهرق «5» » فيها الدماء وذلك «أنه «6» » إذا جاءت النفخة الأولى، «يموت «7» » الخلق كلهم، «ثم تجيء النفخة الثانية «8» » .
__________
(1) فى ف: «وزلزلة» ، وفى أ: «وزلزلت» .
(2) كذا فى ف: والجملة ناقصة من (أ) .
(3) فى أ، ف: «تحركة» .
(4) السورة بها أخطاء كثيرة فى (أ) ومعظم اعتمادي على (ف) ، فى هذه السورة.
(5) فى أ: «يهرق» ، وفى ف: «يهراق» .
(6) فى أ، ف: «أنها» .
(7) فى أ، ف: «قيمون» .
(8) فى أ: «ثم النفخة الثانية تجيء» ، وفى ف: «ثم تجيء النفخة الثانية» .

(4/789)


فأما الأولى فينادي من تحت العرش من فوق السماء السابعة، وأما الأخرى فمن بيت المقدس، «يقعد إسرافيل على صخرة بيت المقدس «1» » فيقول: أيتها العظام البالية، والعروق المتقطعة، واللحوم المتمزقة اخرجوا إلى فصل القضاء، لتجازوا بأعمالكم، قال: فيخرجون من قبورهم إلى الأرض الجديدة، وتسمى الساهرة، فذلك قوله- تعالى-: «فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ «2» » ، وأيضا «وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها» أخرجت ما فيها من الموتى والأموال.
وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها «3» - 3- قال الكافر جزعا ما لها تنطق بما عمل عليها، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها- 4- يقول تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شر، تقول الأرض وحد الله على ظهري، وصلى علي، وصام، وحج، واعتمر، وجاهد، وأطاع ربه، فيفرح المؤمن. بذلك وتقول للكافر أشرك على ظهري، وزنى، وسرق، وشرب الخمر، وفعل، وفعل، فتوبخه في وجهه، وتشهد عليه أيضا الجوارح، والحفظة من الملائكة، مع علم الله- عز وجل- فيه، وذلك اخزى العظيم، فلما سمع الإنسان المكذب عمله قال جزعا: «مَا لَها» يعني للأرض تحدث بما عمل عليها، فذلك قوله: «وَقالَ الْإِنْسانُ مَا لَها» في التقديم، يقول له: «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها» يقول تشهد على أهلها بما عملوا عليها من خير أو شر، فلما سمع الكافر «يومئذ» . قال: ما لها تنطق؟ قال الملك الذي كان موكلا به في الدنيا يكتب حسناته وسيئاته، قال: هذا
__________
(1) «يقعد إسرائيل على صخرة بيت المقدس» : من ف، وليست فى أ.
(2) سورة النازعات: 14.
(3) فى أ، ف، ل، ذكرت الآية (3) فى غير موضعها ولم يذكر تفسيرها، وقد تصديته من كلام فى سياق تفسير الآية (4) .

(4/790)


الكلام الذي تسمع «إنما «1» » شهدت على أهلها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها- 5- «وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها» يعني الكافر، يقول: يوحي الله إليها بأن تحدث أخبارها، وأيضا أن ربك أوحى لها بالكلام، فذلك قوله: «أَوْحى لَها» ، يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ «2» » أَشْتاتاً يعني يرجع الناس من بعد العرض والحساب إلى منازلهم من الجنة والنار متفرقين، كقوله: « ... يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ «3» » يعني يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير.
(وذكر فيما تقدم «وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها» ثم ذكر هنا أن الناس أخرجوا «4» ) لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ- 6- الخير والشر، يعني لكي يعاينوا أعمالهم، وأيضا «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً» يقول «انتصف «5» » الناس فريقين والأشتات الذين لا يلتقون أبدا، قال ليروا أعمالهم، ثم قال: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ- 7- يقول من يعمل في الدنيا مثقال ذرة، يعني وزن نملة أصغر النمل الأحمر التي لا تكاد نراها من صغرها، خيرا في التقديم [247 ب] يره يومئذ:
يوم القيامة في كتابه أيضا «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ» وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ- 8- في صحيفته، وذلك أن العرب كانوا لا يتصدقون
__________
(1) فى أ: «أنها» ، ل: «أنما» ، وعموما فهناك اضطراب فى جميع الفسخ وأنا أتخير الصواب تخيرا.
(2) «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ» ساقطة من أ، ل، وهي من ف.
(3) سورة الروم: 43. [.....]
(4) فى أ، ف، ل: «ثم قال فى التقديم وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها يقول أخرجوا» ، والعبارة بها خطأ معنوى، صوابه ما أثبت.
(5) فى ف: «تتصرف» ، وفى ل: «تتصدر» ، وفى أ: «انتصف» .

(4/791)


بالشيء القليل، وكانوا لا يرون بالذنب الصغير بأسا، فزهدهم الله- عز وجل- في الذنب الحقير، ورغبهم في الصدقة «القليلة «1» » ، فقال: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» في كتابه والذرة أصغر النمل وهي النملة الصغيرة، وأيضا فمن يعمل في الدنيا مثقال ذرة- قدر نملة شرا يره يوم القيامة في كتابه، نزلت في رجلين بالمدينة، كان أحدهما إذا أتاه السائل «يستقل «2» » أن يعطيه الكسرة أو التمرة، ويقول ما هذا بشيء إنما نؤجر على «ما نعطي ونحن نحبه «3» » .
وقد قال الله- عز وجل-: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ ... «4» » فيقول ليس هذا مما يحب، فيستقل ذلك ويرى أنه لا يؤجر عليه، فيرد المسكين صفرا، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير: الكذبة، والنظرة، والغيبة، وأشباه ذلك، ويقول ليس على من فعل هذا شيء إنما وعد الله النار أهل الكبائر. فأنزل الله- عز وجل- يرغبهم فى القليل من الخير أن يعطوه لله فإنه يوشك أن «يكثر ويحذرهم اليسير من الشر فإنه يوشك أن يكثر «5» » فالذنب الصغير في عين صاحبه يوم القيامة أعظم من الجبال الرواسي، ولجميع محاسنه التي عملها في دار الدنيا أصغر في عينه من حسنة واحدة.
__________
(1) فى أ: «القليل» ، وفى ف: «القليلة» .
(2) فى أ: «فيستقل» .
(3) فى أ: «على ما نظر ونخرجه» ، وفى ف: «على ما نعطى ونحن نحبه» .
(4) سورة الإنسان: 8.
(5) من «يكثر» إلى «يكثر» : ساقط من أ، وهو من ف.

(4/792)


حدثنا عبد اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حدثنا الْهُذَيْلُ عن أبي روق فى قوله: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا ... «1» » قال لمن جاء بشرائع الإسلام فله الجنة «وعدلا» على أهل التكذيب فلهم النار.
أسماء من دفن بالبصرة «2» من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ورحمة الله عليهم، عمران بن حصين، وطلحة، والزبير، وزيد بن صوحان، وأنس بن مالك.
أسماء من حفظ القرآن من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، أبو الدرداء، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
قال مُقَاتِلُ- رحمه الله-: شعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم، أيوب بن تارح بن عيصو داود بن أشي بن عويذ بن قارص بن يهوذا بن يعقوب، إسحاق بن إبراهيم، هود وهو عابر صالح بن أرفحشد بن سام بن نوح إبراهيم اسمه إبرخيم، وفي الإنجيل أبو الأمم، لوط بن حران بن آزر وهو ابن أخي إبراهيم، وسميت حران به
__________
(1) سورة الأنعام: 115.
(2) فى أ، وليست فى ف، ولا فى ل هنا، وإن كانت فى ل فى مكان آخر.

(4/793)


سارة أخت لوط بنت حران أخي إبراهيم وهي امرأته، قال مُقَاتِلُ: الحسن عشرة أجزاء خمسة لحواء، وثلاثة لسارة، وواحد ليوسف، وواحد لسائر الناس.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال:
حَدَّثَنِي الْمُسَيَّبُ بْنُ شَرِيكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الله ابن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: «قَالَتِ «1» » الْمَلائِكَةُ، نَحْنُ الْمُقَرَّبُونَ مِنَّا حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَمِنَّا الْحَفَظَةُ الْكِرَامُ «الْكَاتِبُونَ «2» » .
جَعَلْتَ الدُّنْيَا لِبَنِي آدَمَ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيَفْرَحُونَ فَاجْعَلْ لَنَا الْجَنَّةَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ لا أَجْعَلُ صَالِحَ ذُرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْتُهُ بِيَدِي، كَمَنْ قُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ، قَالَ الْمُسَيَّبُ: ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- «أُولَئِكَ «3» هم خير البرية «4» » يَعْنِي الْخَلِيقَةَ.
«حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ «5» » ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قال الهذيل: حدثني خالد الحذاء عن شيبان، عن بشر بن سعاف، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ- لَمْ يَخْلُقْ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ آدَمَ- عَلَيْهِ السَّلامُ-. قَالَ:
فَقُلْتُ: وَلا مِنْ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، - عَلَيْهِمَا السَّلامُ-. فَقَالَ: نَعَمْ، إِنَّمَا هُمْ قَوْمٌ مَحْمُولُونَ عَلَى شَيْءٍ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَحَدِيثٌ آخَرُ أَنَّ الْمَسْجُودَ لَهُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ السَّاجِدِ.
__________
(1) «قالت» : من أ، ف.
(2) فى أ: «الكاتبين» ، وفى ف: «الكاتبون» .
(3) القصة فى أ، ف.
(4) سورة البينة: 7.
(5) «حدثنا عبد الله» : من أ، وليست فى ف. [.....]

(4/794)