تفسير مقاتل بن
سليمان القسم الثاني منهج
مقاتل فى تفسير القرآن الكريم
تميز منهجه بخصائص واضحة فى الأمور الآتية:
1- اسباب النزول.
2- النسخ.
3- المحكم والمتشابه.
4- فواتح السور.
5- الاسرائيليات.
6- التشيع.
7- المكي والمدني.
8- كيفية إنزال القرآن.
(5/121)
الباب الاول اسباب
النزول
1- اسباب النزول فى تفسير مقاتل.
2- اسباب النزول وشئون الاسرة.
3- اهداف القرآن ومقاصده السامية.
4- نماذج تطبيقية من هدى القرآن.
5- القرآن والحرب.
6- العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
7- مثال بحركة النفاق فى المدينة.
8- وصف المنافقين فى سورة التوبة.
9- التعبير عن سبب النزول.
10- تعدد الأسباب والمنزل واحد.
11- تعدد النازل والسبب واحد.
12- فوائد معرفة اسباب النزول.
(5/123)
- 1- اسباب النزول فى تفسير مقاتل
تفسير مقاتل تفسير بالمأثور، اى انه يعتمد على ما اثر عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحابته
والتابعين، ولذلك اعتنى مقاتل فيه بأسباب نزول القرآن، ومن
نزلت فيهم الآية.
وقد كان الرأي السائد ضعف الأحاديث والآثار التي اعتمد عليها
مقاتل فى اسباب نزول القرآن، وفى تفسير القرآن. ولكن بمقارنة
هذه الأحاديث والآثار بكتب السنن، ظهر ان أكثرها غير ضعيف،
فضلا عن ان فيها عددا وافرا من الأحاديث الصحيحة.
وتوجد أحاديث ضعيفة فى تفسير مقاتل، وبعضها ضعيف الاسناد، لكن
المتن فيه صحيح، واسناده مؤيد بطرق أخرى تقويه «1» .
ولا نستطيع ان نبرئ مقاتلا من تهمة اعتماده على الآثار الضعيفة
والموضوعة وخصوصا فى الاسرائيليات، واخطر من ذلك حذفه للإسناد،
فقد اختلط بسببه الصحيح بالعليل فى تفسيره، حتى قال فيه ابن
المبارك: (يا له من تفسير لو كان له اسناد) .
على انه ليس لكل آية سبب نزول، فان من آيات القرآن ما نزل
ابتداء بشرح الدعوة، ويدعو الى الايمان بالله وملائكته وكتبه
ورسله واليوم الآخر، وهذا النوع من
__________
(1) ففي أوائل سورة البقرة يقول الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ
مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما
هُمْ بِمُؤْمِنِينَ، ... ) : 8- 14.
قال مقاتل: «نزلت هذه الآيات فى عبد الله بن ابى المنافق ... »
انظر تفسير مقاتل: 1/ 6 ا، وانظر تحقيقنا له: 1/ 89- 91.
وأورد الأثر بدون اسناد- وترك الاسناد من اخطر الأشياء التي
أدت الى ضعف التفسير بالمأثور.
وقد اخرج هذا الأثر الواحدي والثعلبي من طريق محمد بن مروان
السدى الصغير عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ
عباس.
وعلق عليه السيوطي- فى اسباب النزول: 7- بقوله: هذا الاسناد
واه جدا، فان السدى الصغير كذاب، وكذا الكلبي، وابو صالح ضعيف.
وقد أورد ابن جرير الطبري تسعة آثار فى تفسير الآية تلتقى فى
مجموعها على معنى ما ذكره مقاتل، وهو ان المنافقين كانوا
يظهرون الخير ويسرون الشر، وفى تفسير ابن كثير: 1/ 47- 52.
صحح ابن كثير بعض الآثار التي أوردها ابن جرير. وشرح سبب وجود
النفاق فى المدينة دون مكة، وعرف النفاق بانه اظهار الخير
واسرار الشر اهـ. فالأثر الذي أورده مقاتل ضعيف السند الا انه
صحيح المتن ومؤيد بروايات اخرى. [.....]
(5/125)
الآيات ليس له سبب نزول سوى الأسباب العامة
التي تنزلت من أجلها الشرائع، وهي الشرائع، وهي هداية البشر
وتنظيم حياتهم، وإرشادهم الى ما فيه خيرهم، واغلب هذا القسم
يشتمل على آيات العقائد والوقائع الماضية، وقصص الأنبياء
ومشاهد القيامة.
ومن آيات القرآن آيات نزلت بأسباب دعت إليها، شان كثير من آيات
احكام العبادات والمعاملات، والحلال والحرام، والغزو والجهاد،
والأحوال الشخصية، والحقوق المدنية والمعاهدات الدولية. فان
الغالب على أمثال هذه الآيات ان تكون لها اسباب دعت الى
نزولها، ومعرفتنا بهذه الأسباب تعين كثيرا على فهم الآيات التي
نزلت فيها.
وقد لقى هذا القسم عناية سلف الامة وخلفها، وأفرده جماعة
بالتأليف، منهم على بن المديني شيخ البخاري، ومنهم الواحدي،
والجعبري، وابن حجر، والسيوطي.
وأشهر كتب اسباب النزول وأيسرها الآن كتابان هما:
اسباب النزول للواحدي المتوفى سنة 468 هـ.
ولباب النقول فى اسباب النزول للسيوطي المتوفى سنة 911 هـ.
وهما مطبوعان متداولان فى أيدي الناس.
ويكاد تفسير مقاتل ان يكون تفسيرا خاصا بأسباب النزول ومن نزلت
فيهم آيات القرآن.
ان معرفة سبب النزول يجعلك تعيش فى زمن الوحى تستطلع الحياة
وأسبابها، ويعطيك تاريخ الآيات، وما نزلت متحدثة عنه او مبينة
لحكمه ايام وقوعه.
فإذا وقعت حادثة فى زمن الرسول (ص) نزل الوحى من السماء يبين
الحكم ويشرع للناس ما يرشدهم الى ما فيه صلاحهم فى معاشهم
ومعادهم. سواء أكانت تلك الحادثة خصومة دبت، كالخلاف الذي شجر
بين جماعة من الأوس وجماعة من الخزرج، بدسيسة من اعداء الله
اليهود حتى تنادوا: السلاح السلاح، ونزل بسببه تلك الآيات
الحكيمة فى سورة آل عمران من أول قوله سبحانه: يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ
... «2»
الى آيات اخرى بعدها هي من أروع ما ينفر من الانقسام والشقاق
ويرغب فى المحبة والوحدة والاتفاق.
ام كانت تلك الحادثة خطا ارتكب كخطا ذلك الأنصاري الذي سكر
فضرب وجه سعد بن ابى وقاص بلحى بعير فشجه، فانطلق سعد مستعديا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل تحريم الخمر فى قوله
سبحانه فى سورة المائدة:
__________
(2) سورة آل عمران: 100- 105.
(5/126)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ
مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ- 90- إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ
بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ
الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ- 91 «3» .
وما اكثر الاخطاء التي تحدث فى المجتمع، لكن القرآن يضع العلاج
الحاسم لكل خطا، حتى يحفظ المجتمع من استمرار الخطا او تكرار
الجريمة.
فهذا عَيَّاش بن أَبِي رَبِيعَة بن المغيرة الْمَخْزُومِيّ،
يقتل مؤمنا خطا، والقتيل هو الْحَارِث بن يزيد بن أَبِي أنيسة
من بنى عامر بن لؤي، فينزل الوحى علاجا للمشكلة الحادثة،
ونظاما متبعا فى أمثالها الى يوم الدين، يقول تعالى: وَما كانَ
لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ
قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا
«4» .
وحينما قتل مقيس بن ضبابة الكناني ثم الليثي رجلا من قريش يقال
له عمرو الفهري عامدا متعمدا- انزل الله الآية الكريمة التي
يقول فيها: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ
جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ
وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً «5» .
- 2- اسباب النزول وشئون الاسرة
وقد تكون الحادثة سببا فى بيان حكم فى شان من شئون الاسرة او
المجتمع:
فمن امثلة ذلك ان اهل الجاهلية كانوا لا يورثون البنات والصغار
من الذكور ولكن القرآن كرم المراة فجعل لها نصيبا من الميراث،
وكرم انسانية الإنسان فجعل نصيب الصغير والكبير سواء.
وحدث هذا التشريع اثر حادثة معينة، حتى تتشوف له النفوس
وتستجيب له القلوب، فقد جاء فى تفسير مقاتل لقوله تعالى
(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ
وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ
الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ
نَصِيباً مَفْرُوضاً)
__________
(3) ورد ذلك فى تفسير مقاتل: مخطوطة احمد الثالث ج 1 ورقة 107
ا، وانظر تحقيقي له:
1/ 500. كما ورد فى اسباب النزول للواحدي: 118 وقد ساق الواحدي
ما رواه مقاتل ثم ساق روآية اخرى طويلة فى سبب نزول الآية. كما
أورد السيوطي عدة روآيات فى اسباب نزول هذه الآية وما بعدها.
(4) سورة النساء: 92. وقد ورد سبب نزول الآية فى تفسير مقاتل
مخطوطة احمد الثالث ج 1 ورقة 82 ا. وانظر تحقيقي له: 1/ 396-
397.
(5) سورة النساء: 93، وقد أورد مقاتل القصة بطولها فى تفسيره ج
1 ورقة 82 ب مخطوطة احمد الثالث، وانظر تحقيقي له: 1/ 397-
398.
(5/127)
قال المفسرون «6» : ان أوس بن ثابت
الأنصاري توفى وترك امراة يقال لها ام كحة وثلاث بنات له منها،
فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه، يقال لهما سويد وعرفطة
فأخذا ماله، ولم يعطيا امرأته شيئا ولا بناته، وكانوا فى
الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وان كان ذكرا، انما
يورثون الرجال الكبار وكانوا يقولون: لا يعطى الا من قاتل على
ظهور الخيل وحاز الغنيمة، فجاءت ام كحة إلى رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله ان
أوس بن ثابت مات وترك على بنات: وانا امراة، وليس عندي ما أنفق
عليهن، وقد ترك أبوهن مالا حسنا، وهو عند سويد وعرفطة لم
يعطيانى ولا بناته من المال شيئا، وهن فى حجري، ولا يطعمانى
ولا يسقياني ولا يرفعان لهن رأسا، فدعاهما رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالا: يا رَسُول الله ولدها لا
يركب فرسا، ولا يحمل كلا، ولا ينكى عدوا، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: انصرفوا حتى انظر ما يحدث الله لي فيهن،
فانصرفوا، فانزل الله تعالى هذه الآية: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ
مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ
نَصِيبٌ ... الآية «7» .
وطبيعي ان تكثر الآيات التي تتحدث عن شئون الاسرة فانها قوام
المجتمع ومرتبطة بأحوال الناس فى غدوهم ورواحهم وصباحهم
ومسائهم.
وما اكثر المشاكل التي تنشأ فى احوال الزواج، والعشرة الزوجية،
والطلاق وما الى ذلك من النفقات، والظهار، والإيلاء، والخلع،
واللعان، وغيرها.
وقد حفلت كتب التفسير ببيان هذه الأحكام وذكرت اسباب نزولها
كما عنى بها مقاتل فى تفسيره، وهي بالطبع تناولت شخصا او
اشخاصا فيجب ان يعرفهم المفسر ليكشف الإبهام فى الآية، ويحيط
بالواقع الذي نزلت فيه الآية او الآيات.
وسيظل سياق الآيات مع هذا عاما يشمل الاحياء فى كل زمان ومكان
كما قال علماء الأصول، فان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
لقد قال سبحانه: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها
نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا
بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ «8» .
«فلا بد للمفسر من معرفة سبب نزول هذه الآية توضيحا لمبهماتها،
حتى نعرف اسم المراة واسم البعل» «9» .
__________
(6) تفسير مقاتل بن سليمان، مخطوطة احمد الثالث، ج 1 ورقة 70
ب، وانظر تحقيقي له:
1/ 358. 359. كما ورد ذلك فى اسباب النزول للواحدي: 82، وفى
لباب النقول فى اسباب النزول للسيوطي: 58.
(7) سورة النساء: 7.
(8) سورة النساء: 128.
(9) تفسير القرآن الكريم التحرير والتنوير: محمد الطاهر بن
عاشور: 43.
(5/128)
قال المفسرون ومقاتل «9» : نزلت فِي رافع
بن خَدِيج الْأَنْصَارِيّ وَفِي امرأته خويلة بِنْت محمد بن
مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيّ، وكان رافع قد كره منها امرا اما
كبرا او غيره فأراد طلاقها، فقالت لا تطلقني واقسم لي ما بدا
لك، فانزل الله: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها
نُشُوزاً.. الآية) .
وغنى عن البيان ان هذا الحكم وان نزل بسبب رافع وخويلة، هو حكم
عام فى كل الأزواج الى يوم القيامة.
كذلك آيات الميراث، فقد يحدث ان يموت بعض الأشخاص فتنزل الآية
تجيب على اسئلة ورثته، حلا لمشكلتهم، ولتكون دستورا لمن جاء
بعدهم.
وفى تفسير قوله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ
يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ... «10» .
قال المفسرون ومقاتل «11» : «نزلت فِي جَابِر بن عَبْد اللَّه
الْأَنْصَارِيّ من بني سَلَمَة بن جشم بن سعد بْن عَلِيّ بن
شاردة «12» بن يَزِيد بن جشم بن الخزرج فى أخواته.
والكلالة: هو الميت الَّذِي يموت وليس لَهُ وَلَد وَلا والد
فهو الكلالة.
وذلك
أن جَابِر بن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ- رحِمَه اللَّه- مرض
بالمدينة فعاده رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: يا رَسُول اللَّهِ إني كلالة لا أب لي وَلا
وَلَد، فكيف أصنع فِي مالي؟ فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلّ: (إِنِ
امْرُؤٌ هَلَكَ) يعني مات (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ
فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) الميت من الميراث (وَهُوَ يَرِثُها
إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) إذا ماتت قبله (فَإِنْ كانَتَا
اثْنَتَيْنِ) يعني أختين (فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ
وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ
حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ
تَضِلُّوا) يَقُولُ لئلا تخطئوا قسمة المواريث (وَاللَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ) من قسمة المواريث (عَلِيمٌ) » .
- 3- اهداف القرآن ومقاصده السامية
وقد انزل الله القرآن هدى ونورا لتصحيح الاعتقاد، وتهذيب
الأخلاق، وتشريع الأحكام، وتعليم المسلمين.
فمن آياته ما أبطل بعض عادات الجاهلية، مثل قوله: مَا جَعَلَ
اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا
حامٍ، وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ
__________
(9) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث ج 1 ورقة 86 ب وانظر
تحقيقي له: 1/ 412. كما ورد ذلك فى اسباب النزول للواحدي: 106
وذكر ان سبب نزول الآية رواه البخاري عن محمد ابن مقاتل عن ابن
المبارك. ورواه مسلم عن ابى كريب وابى اسامة، كليهما عن هشام،
كما ورد ايضا فى لباب النقول فى اسباب النزول للسيوطي: 81.
(10) سورة النساء: 176.
(11) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث ج 1 ورقة 91 ا. وانظر
تحقيقي له: 1/ 426.
كما ورد ذلك فى اسباب النزول للواحدي: 107. وفى لباب النقول فى
اسباب النزول للسيوطي: 82.
(12) فى احمد الثالث: ساردة.
(5/129)
سورة المائدة: 103 «13» .
ومن آياته ما نزل ردا على افتراء بعض اليهود مثل افتراء مَالِك
بن الضيف اليهودي حين خاصمه عُمَر بن الخَطَّاب فِي النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وذكر عمر أَنَّهُ مكتوب فِي
التوراة، فغضب مَالِك فَقَالَ ما انزل الله على احد كتابا،
وكان ربانيا فِي اليهود فعزلته اليهود عن الربانية «14» ،
فانزل الله عز وجل قوله: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
إِذْ قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ
سورة الانعام: 91.
ومنه ما فند دعوى الكافرين ورد على مسيلمة بن حبيب الكذاب
الحنفي حين زعم ان الله اوحى اليه بالنبوة، فقال تعالى: وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ
أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ «15» .
__________
(13) جاء فى تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث ج 1 ورقة 109 ا،
وانظر تحقيقنا:
1/ 509- 510.
(ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ) نزلت فِي مشركي العرب منهم
قريش وكنانة وعامر بن صَعْصَعَة وبنو مدلج والحارث وعامر ابنا
عَبْد مناة وخزاعة وثقيف، أمرهم بِذَلِك فِي الجاهلية عمر بن
ربيعة بن لحى (106 ب) بن قمعة بن خندف الخزاعي.
و (البحيرة) الناقة إذا ولدت خمسة ابطن، فإذا كان الخامس سقبا
وَهُوَ الذكر ذبحوه للآلهة، فكان لحمه للرجال دون النّساء وإن
كان الخامس ربعة يعني أنثى شقوا أذنيها فهي البحيرة- وكذلك من
البقر- ولا يجز لها وبر وَلا يذكر اسم اللَّه عَلَيْهَا إن
ركبت أَوْ حمل عَلَيْهَا ولبنها للرجال دون النّساء.
وأما (السائبة) فهي الأنثى من الانعام كلها، كان الرجل يسيب
للآلهة ما شاء من ابله وبقره وغنمه- ولا يسيب الا الأنثى-
وظهورها وأولادها وأصوافها وأوبارها واشعارها وألبانها للآلهة،
ومنافعها للرجال دون النساء.
- واما (الوصيلة) فهي «الشاة» من الغنم إذا ولدت سبعة أبطن
عمدوا الى السابع، فان كان جديا ذبحوه للآلهة وكان لحمه للرجال
دون النساء، وان كانت عناقا استحيوها فكانت من عرض الغنم.
- واما (الحام) فهو الفحل من الإبل إذا ركب أولاد أولاده، فبلغ
ذلك عشرة او اقل من ذلك، قالوا قد حمى هذا ظهره فاحرز نفسه،
فيهمل للآلهة ولا يحمل عليه، ولا يركب، ولا يمنع من مرعى، ولا
ماء، ولا حمى، ولا ينحر ابدا حتى ينفق. فانزل الله عز وجل (ما
جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ
وَلا حامٍ) . (وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى
اللَّهِ الْكَذِبَ) لقولهم ان الله أمرنا بتحريمه
(وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ان الله عز وجل لم يحرمه.
(14) ورد ذلك فى تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث ج 1 ورقة 120
ب، وانظر تحقيقنا له:
1/ 574.
كما ورد فى اسباب النزول للواحدي: 126، وفى لباب النقول فى
اسباب النزول للسيوطي:
101. [.....]
(15) سورة الانعام: 93 ورد ذلك فى تفسير مقاتل مخطوطة احمد
الثالث ج 1 ورقة رقم 121 ا، وانظر تحقيقنا له: 1/ 575، كما ورد
فى كتاب لباب النقول فى اسباب النزول للسيوطي: 101.
وفى كتاب اسباب النزول للواحدي: 126.
(5/130)
ومن آياته ما بين سماحة الإسلام ويسر
تعاليمه وموافقته للفطرة السمحة، كقوله سبحانه يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ
اللَّهُ لَكُمْ «16» .
قال المفسرون ومقاتل «17» : نزلت فِي عشر نفر منهم عَلِيّ بْن
أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وعمر وابن مَسْعُود وعمار
بن ياسر وعثمان بن مَظْعُون والمقداد بن الأسود وأَبُو ذر
الغفاري وسلمان الفارسي وحُذَيْفة بن اليمان وسالم مَوْلَى
أَبِي حُذَيْفة ورجل آخر، اجتمعوا فِي بيت عُثْمَان بن مظعون
وذلك ان بعض الصحابة اتفقوا على ان يصوموا النهار ويقوموا
الليل ولا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم، ويترهبنوا
ويجبوا المذاكير، فانزل الله الآية.
ومنه ما بين احكام العبادات كالصلاة والصيام والطهارة مثل قوله
تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ
وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى
«18» أَوْ عَلى سَفَرٍ ... الآية) «19» .
قال وقد نزلت فِي عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا حين أسقطت
قلادتها وهي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي غزاة بني أنمار، وهم حي من قَيْس عيلان «20» .
وهناك حوادث فردية نادرة الحدوث كانت سببا فى نزول آيات من
القرآن الكريم، حلالها وبيانا لامثالها. مثل قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا
حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا
عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ... سورة
المائدة: 106.
قال مقاتل «21» : نزلت فِي بديل بن أَبِي مارية مَوْلَى العاص
بن وائل السهمي كان خرج مسافرا فِي البحر إلى أرض النجاشي ومعه
رجلان نصرانيان أَحَدهمَا يسمى تميم بن أَوْس الداري وكان من
لحم وعدي بن بندا، فمات بديل وَهُمْ فِي البحر فرمى
__________
(16) سورة المائدة: 87.
(17) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث ج 1 ورقة 106 ب، وانظر
تحقيقنا له: 1/ 498.
كما ورد فى اسباب النزول للواحدي: 117، وفى لباب النقول فى
اسباب النزول للسيوطي.
(18) قال مقاتل نزلت (وان كنتم رضى) فى عبد الرحمن بن عوف،
انظر تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث ج 1 ورقة 93 ب وانظر
تحقيقنا له: 1/ 455. كما ورد ذلك فى اسباب النزول للواحدي، وفى
لباب النقول للسيوطي.
(19) سورة المائدة: 6 وتمامها: ( ... أَوْ جاءَ أَحَدٌ
مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ
تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا
بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ
لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ
لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .
(20) ورد ذلك فى حديث طويل فى صحيح البخاري ايضا. وهو موافق
لما ذكره مقاتل فى اسباب نزول الآية، انظر تفسير مقاتل مخطوطة
احمد الثالث الجزء الثاني ورقة 35 ا، 35 ب، وانظر تحقيقنا له
3/ 187- 190.
(21) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث ج 1، ورقة رقم 110 ب. 111
ا. وانظر تحقيقنا له:
1/ 511- 523، كما وردت قصة هذه الآية فى اسباب النزول للواحدي:
121، وفى لباب النقول فى اسباب النزول للسيوطي: 97.
(5/131)
به فى البحر. وكان بديل قد كتب وصيته ثُمّ
جعلها فِي متاعه ثُمّ دفعه إلى تميم وصاحبه وقَالَ لهما أبلغا
هَذَا المتاع إلى أهلي فجاءا ببعض المتاع وحبسا جاما من فضة
مموها بالذهب، فنزلت الآية «22» .
- 4- نماذج تطبيقية من هدى القرآن
وكثيرا ما تنزل آيات لتهذيب النفوس وتأديب المسلمين بأدب
الإسلام فتكون الحادثة سببا فى إبراز أخلاق الإسلام العالية
ودعوة المسلمين إليها بلا محاباة ولا مجاملة فى الحق.
كان لأحد المسلمين شهادة على أبيه «23» فنزل قوله تعالى: يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ
شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ
وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً
فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ
تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ
كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً سورة النساء: 135.
ان الأخلاق السامية التي دعا إليها القرآن كانت نموذجا رائعا
للخلق الكريم المتسامى على النفعية والانانية.
«هذا «24» يهودي يسمى زيد بن السمين يستودع طعمة بن أبيرق
الأنصاري من الأوس درعا من حديد، ثم يطلب اليهودي درعه من طعمة
فيجحده طعمة، ويذهب قوم طعمة الى النبي صلى الله عليه وسلم
فيبرئوا صاحبهم ويجادلوا عنه بالباطل، وقد صدقهم النبي صلى
الله عليه وسلم وهو يرى انهم صدقوا. ولكن القرآن نزل يدافع عن
اليهودي ويتهم الأنصاري» رغم حرب اليهود للمسلمين وحملتهم
المضلة على الإسلام، وذلك فى قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ
بِما أَراكَ اللَّهُ، وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً.
وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.
وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ، إِنَّ
اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً.
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ
وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضى مِنَ
الْقَوْلِ، وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً. ها
أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ
مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا، وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً
أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ
اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً. وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما
يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ
بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً.
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ
طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ، وَما يُضِلُّونَ إِلَّا
أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ
اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا
لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
«25» .
__________
(22) أكمل مقاتل قصة نزول هذه الآية وتفسيرها باسهاب فى الورقة
110، 111 من المخطوطة ج 1، وانظر تحقيقي له: 1/ 511- 513.
(23) ورد ذلك فى تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث ج 1 ورقة 78
ب، وانظر تحقيقنا له:
1/ 413- 414. كما ورد فى اسباب النزول للواحدي: 106، وفى لباب
النقول للسيوطي: 81.
(24) ورد ذلك فى تفسير مقاتل مخطوطة، احمد الثالث ج 1 ورقة 84
ا، 84 ب. وانظر تحقيقنا له: 1/ 404- 406، كما ورد فى اسباب
النزول للسيوطي: 78- 79، وفى الواحدي:
103.
(25) سورة النساء: 105- 113.
(5/132)
- 5- القرآن والحرب
وإذا كانت الدعوة الاسلامية قد اضطرت الى الحرب تامينا للدعاة،
وحماية للحق، وتحطيما لطواغيت الكفر، فان القرآن ينظم هذه
الحرب، ويدعو المسلمين الى اعداد العدة للقاء أعدائهم، والى
الجهاد فى سبيل الله نصرا لدينه، وطلبا لمرضاته، وابتغاء
للثواب من عنده.
وفى أول معركة بين المسلمين والكفار انتصر المسلمون، وغنموا،
وبدا ان كل فئة ترى انها أحق بالغنائم من الاخرى، فينزل الوحى
مجيبا على سؤالهم ومؤدبا لهم.
يقول تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ
لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ
بَيْنِكُمْ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ. قال مقاتل «26» : لما هزم العدو يوم بدر،
واتبعتهم طائفة يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله عليه الصلاة
والسلام، واستولت طائفة على العسكر والنهب- قالت كل طائفة نحن
أحق بالانفال، فانزل الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْأَنْفالِ ... الآية. فقسمه رسول الله عليه الصلاة والسلام
بالسوية.
وقد انزل الله ملائكة السماء تؤيد المؤمنين وتلقى الرعب فى
قلوب الكافرين.
ويذهب مقاتل «27» الى ان الملائكة قاتلت يوم بدر مع المؤمنين
ولم يقاتلوا يوم الأحزاب ولا يوم خيبر، فى تفسير قوله تعالى:
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي
مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ.
قال مقاتل «28» وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نظر الى المشركين وهم
__________
(26) تفسير مقاتل. مخطوطة احمد الثالث ج 1 ورقة رقم 141 ب.
وانظر تحقيقنا له:
2/ 99- 100، كما ورد ذلك فى كتب السنة، وفى اسباب النزول
للواحدي: 132، وفى لباب النقول فى اسباب النزول للسيوطي.
(27) تفسير مقاتل، مخطوطة احمد الثالث ج 1 ورقة 142 ب، وانظر
تحقيقنا له: 104- 105.
2/ 102.
(28) تفسير مقاتل، مخطوطة احمد الثالث ج 1 ورقة 142 ا. وانظر
تحقيقنا له: 100- 102.
وقد ورد ذلك فى لباب النقول فى اسباب النزول للسيوطي. [.....]
(5/133)
الف وأصحابه ثلثمائة واربعة عشر رجلا.
استقبل القبلة ثم مد يديه وجعل يهتف بربه اللهم أنجز ما وعدتني
اللهم ان تهلك هذه العصابة من اهل الإسلام لا نعبد فى الأرض..
فأمدهم الله بالملائكة، ونزل جبريل عليه السلام في ألف من
الملائكة، فقام جبريل فى خمسمائة ملك عن ميمنة الناس معهم أبو
بكر، ونزل ميكائيل عليه السلام فى خمسمائة على ميسرة الناس
معهم عمر، في صور الرجال عليهم البياض، وعمائم بيض قد ارخوا
أطرافها بين أكتافهم. والظاهرة الملاحظة هنا هي إسراف مقاتل فى
التجسيم، سواء فى حديثه عن صفات الله او عن اعمال الملائكة.
وقد ذهب استاذنا الدكتور مصطفى زيد فى تفسيره لسورة الأنفال
الى ان نزول الملائكة فى غزوة بدر كان لتثبيت المؤمنين،
واستبعد ان يكونوا قد اشتركوا مع المؤمنين فى قتال المشركين
«29» .
وفى تأييد الله للمؤمنين بانزال المطر لهم وتغشية النعاس إياهم
يقول مقاتل تفسيرا للآية 11 «30» فى السورة:
القى الشيطان الرعب فى قلوب المؤمنين، فألقى الله عليهم النعاس
أمنة من الله ليذهب همهم، وأرسل السماء عليهم ليلا فمطرت مطرا
جوادا حتى سالت الأودية، وملئوا الأسقية، وسقوا الإبل، واتخذوا
الحياض، واشتدت الرملة، وكانت تأخذ الى كعبي الرجال «31» ..
فانزل الله الآية.
- 6- العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
اولع مقاتل ببيان اسباب نزول وقد أعاب قوم عليه العناية بأسباب
النزول «32» ، لأنها توهم ان لكل آية فى القرآن سبب نزول
ولأنها تقطع الآية الواحدة الى اجزاء متناثرة لكل جزء سبب نزول
خاص.
ونحن لا نوافقهم على ذلك فالعناية بأسباب النزول ضرورية لمن
أراد تفسير القرآن حتى قال الواحدي:
لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان سبب
نزولها.
وقال ابن دقيق العيد:
__________
(29) سورة الأنفال: عرض وتفسير: 65- 68- ط 3 سنة 1957.
(30) من قوله تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً
مِنْهُ، وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً
لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ،
وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ»
.
(31) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث ج 1 ورقة 143 ب، وانظر
تحقيقنا له: 2/ 104.
والعبارة مختصرة من التفسير وليست بنصها.
(32) منهم الشيخ محمد عبده فى تفسير المنار: 2/ 57، 225.
والشيخ محمد الطاهر بن عاشور فى تفسير القرآن- المقدمة الخامسة
فى اسباب النزول: 41.
(5/134)
بيان سبب النزول طريق قوى فى فهم معاني
القرآن، وقال ابن تيمية:
معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فان العلم بالسبب يورث
العلم بالمسبب.
وقال السيوطي: لمعرفة اسباب النزول فوائد. وأخطأ من قال لا
فائدة له لجريانه مجرى التاريخ.
على ان العناية بأسباب النزول لا تعنى قصر الحكم على من نزل
بشأنه فقد انزل الله الكتاب هدى ونورا وتبيانا لكل شيء وتكفل
الله بحفظه، ومن حفظ الكتاب حفظ علومه وتاريخ نزوله واسباب
نزوله ومعرفة «ان ورود العام على سبب خاص لا يسقط عمومه» «33»
.
ان القول بتعدية الآيات الى غير أسبابها جعل جمهور الأصوليين
يذهبون الى ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب» «34» .
فالنص القرآنى العام الذي نزل بسبب خاص معين يشمل بنفسه افراد
السبب وغير افراد السبب، لان عموميات القرآن لا يعقل ان توجه
الى شخص معين.
قال ابن تيمية: «والناس وان تنازعوا فى اللفظ العام الوارد على
سبب: هل يختص بسببه؟ فلم يقل احد ان عمومات الكتاب والسنة تختص
بالشخص المعين، وانما غاية ما يقال: انها تختص بنوع ذلك الشخص
فتعم ما يشبهه، ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ «35» والآية
التي لها سبب معين ان كانت امرا او نهيا فهي متناولة لذلك
الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته. وان كانت خبرا بمدح او ذم فهي
متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته ايضا فان العلم بالسبب
يورث العلم بالمسبب ولهذا كان أصح قولي الفقهاء: انه إذا لم
يعرف ما نواه الحالف رجع الى سبب يمينه وما هيجها وأثارها «36»
.
- 7- مثال بحركة النفاق المدينة
هذه مثلا حركة النفاق التي تفاقم أمرها بالمدينة، وكان لزاما
ان يثير القرآن فى كثير من سوره وآياته حملة عنيفة عليها، وعلى
دسائس المنافقين واراجيفهم،
__________
(33) قاله الغزالي فى المستصفى: 2/ 60.
(34) الإتقان للسيوطي المسالة الثانية فى اسباب النزول: 30.
(35) فان اللفظ بعد قصره على بسببه يصير خاصا فيكون العموم
باعتبار علة الحكم لا باعتبار مدلول اللفظ.
(36) الإتقان: 1/ 51، وانظر التحرير لابن الهمام وشرحه: 1/
235، فقد صرح بهذا المعنى، ومقدمة فى اصول التفسير لابن تيمية:
12.
(5/135)
حتى نزلت فيهم سورة تخمل اسمهم الخاص،
وترسم لهم اخزى صورة، ثم ترميهم بالبلادة والجمود، حتى لتشبههم
بالتماثيل الصامتة والخشب المسندة، وتصفهم بالتوجس والجبن
والفزع كلما هجس صوت، او علت صيحة، او تحرك شيء، بالرغم من
ظاهرهم الخداع، وأجسامهم الطوال العراض، التي تسر الناظرين.
قال تعالى:
وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ، وَإِنْ
يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ
مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ
الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ، قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى
يُؤْفَكُونَ «37» .
وقد قال مقاتل فى بيان سبب نزولها «38» : نزلت فى عبد الله بن
ابى ابن سلول، وكان رجلا جسيما صبيحا فصيحا زلق اللسان، فإذا
قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم لقوله (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ
مُسَنَّدَةٌ) يقول كان أجسامهم خشب لا تسمع ولا تعقل، لأنها
خشب ليست فيها أرواح، فكذلك المنافقون لا يسمعون الايمان ولا
يعقلون «إذ» ليس فى أجوافهم ايمان فشبه أجسامهم بالخشب.
يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ يقول إذا نادى مناد في
العسكر او أفلتت دابة او أنشدت ضالة ظنوا أنما يرادون بذلك مما
في قلوبهم من الرعب.
فهل يعقل ان يكون المقصود بهذا الوصف نفرا من منافقي الأوس
والخزرج كانوا فى عصر التنزيل ثم لم يلبثوا ان انقرضوا؟ «39» .
وإذا تناول القرآن أولئك النفر تناولا اوليا ووصف أخلاقهم وصفا
مطابقا، فهل من مانع عقلي يحجر هذه الآيات ونظائرها عن ان تكون
عبرة عامة شاملة، ونموذجا خالدا، شاخصا لمن مضى ولمن يجيء من
هذا الصنف الى يوم القيامة، فى كل طائفة تدعى انها على دين
«40» .
- 8- وصف المنافقين فى سورة التوبة
ولعل أوضح وادل منال على عموم الآيات النازلة فى المنافقين ما
ورد من صفاتهم فى سورة التوبة.
فقد وصفتهم السورة ابلغ وصف وأظهرت خيانتهم وكشفت نفاقهم
وكذبهم حتى
__________
(37) سورة المنافقون: 4.
(38) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث 2/ 197. ب، وانظر تحقيقنا
له: 4/ 337- 338. وقد ورد ذلك فى كتب التفسير، وصحيح البخاري،
واسباب النزول للواحدي: 244 ولباب النقول للسيوطي: 219.
(39) قارن بتفسير المنار: 1/ 148- 149 فى تاويل قوله تعالى
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ الآيات من سورة البقرة. وقد
ذهب الى ان الآية عامة فى كل منافق فى الماضي والحاضر الى يوم
القيامة.
(40) قارن بتفسير ابن كثير: 1/ 47 فى تاويل الآيات المصورة
للمنافقين، فى سورة البقرة ايضا.
(5/136)
يتقى المسلمون شرهم وغدرهم وحتى يظلوا عبرة
للاجيال القادمة فى كل زمان ومكان، فنحذرهم أينما وجدوا ونتقي
شرهم أينما حلوا.
وهناك هدف آخر من وصف المنافقين وهو تحذير الناس ان يأمنوا
جانبهم ويركنوا إليهم او ينخرطوا فى جماعتهم بسبب الغرور او
الغفلة.
فمن كذبهم وسوء قصدهم اتخاذ المساجد مكانا للخيانة والغدر ومكر
السوء بالمسلمين. وقد عناهم الله بقوله: وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ
الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ سورة التوبة: 107.
قال مقاتل «41» : نزلت في اثني عشر رجلا من المنافقين وكلهم من
الأنصار، قالوا نبنى مسجدا نتحدث فيه ونخلوا فيه فإذا رجع ابو
عامر الراهب من الشام قلنا بنيناه لتكون امامنا فيه.
فلما فرغوا من بنائه أتوا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فقالوا انا قد بنينا مسجدا وما أردنا الا الحسنى،
ونحب ان تصلى فيه فانزل الله الآية.
ومن اسلحة المنافقين السخرية والاستهزاء وتوهين العزائم وعيب
المجاهدين كما وصفهم الله بقوله: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ
الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ
وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ
مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
قال مقاتل «42» : نزلت فى مصعب بن قيس وحكيم بن زيد، كانوا
يطعنون المتصدقين. فجاء عبد الرحمن بن عوف بشيء كثير فقالوا
مراء وجاء عاصم بن عدى الأنصاري بسبعين وسقا من تمر وهو حمل
بعير فنثره فى الصدقة، وجاء ابو عقيل ابن قيس الأنصاري بصاع،
ونفر من المنافقين جلوس فمن تصدق بشيء كثير قالوا مراء ومن جاء
بقليل قالوا كان هذا أفقر إلى ماله. وقالوا لعبد الرحمن بن عوف
ما أنفقت الا رياء وقالوا لأبي عقيل لقد كان الله ورسوله غنيين
عن صاع أبي عقيل فسخروا وضحكوا منهم فانزل الله الآية.
وقد حاول المنافقون قتل النبي وبيتوا أمرهم على الكيد للإسلام
والمسلمين فلما كشف الله أمرهم واخبر نبيه بمكرهم اقسموا بالله
كذبا كعادتهم قال تعالى:
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ
الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ
يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً
لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً
أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي
الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ
__________
(41) تفسير مقاتل [1/ 160 ب] مخطوطة احمد الثالث، وانظر
تحقيقنا له: 2/ 195- 196، كما ورد فى الواحدي: 139 وفى
السيوطي: 125.
(42) فى تفسيره [1/ 158] وانظر تحقيقنا له: 2/ 186، وقد ورد فى
الواحدي: 146- 147، وفى السيوطي: 131، كما روى ذلك الشيخان.
[.....]
(5/137)
سورة التوبة: 74.
وقد تعددت الأقوال فى اسباب نزول هذه الآية. فذهب مقاتل «43»
الى انها نزلت فى الجلاس بن سويد الصامت وكان ممن تخلف عن غزوة
تبوك. فلما سمع ما أنزله الله فى المنافقين قال لئن كان ما
يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير فرفع عامر بن قيس ذلك إلى
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحلف الجلاس
بالله ما قلت فانزل الله الآية.
واخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم جالسا فى ظل شجرة فقال انه سيأتيكم انسان ينظر بعيني
شيطان، فطلع رجل أزرق فدعاه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فانطلق الرجل
فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم فانزل
الله تعالى «يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا ... » الآية «44»
.
واخرج الحاكم هذا الحديث بهذا اللفظ وقال: فانزل الله يَوْمَ
يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما
يَحْلِفُونَ لَكُمْ.. الآيتين «45» .
وتعدد الأقوال فى اسباب نزول الآية الواحدة يدعونا الى توضيح
لهذا الموضوع.
- 9- التعبير عن سبب النزول
تختلف عبارات الرواة فى التعبير عن سبب النزول. فتارة يصرح
فيها بلفظ السبب فيقال: (سبب نزول الآية كذا) وهذه العبارة نص
فى السببية لا تحتمل غيرها، وتارة لا يصرح بلفظ السبب، ولكن
يؤتى بفاء داخلة على مادة نزول الآية عقب سرد حادثة، او ذكر
سؤال طرح على رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل (حدث كذا فنزلت
آية كذا- او سئل عليه السلام عن كذا فنزلت آية كذا) .
وهذا نص واضح فى السببية ايضا، كرواية ابن مسعود عند ما سئل
النبي عن الروح فانزل الله (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ...
) الآية.
ومرة اخرى لا يصرح بلفظ السبب، ولا يؤتى بتلك الفاء، ولا بذلك
الجواب المبنى على السؤال. بل يقال: نزلت هذه الآية فى كذا
(مثلا) . وهذه العبارة ليست نصا
__________
(43) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث [1/ 157 ا] ، وانظر
تحقيقنا له: 2/ 184، كما ورد ذلك فى الواحدي: 144، وفى
السيوطي: 119. قال السيوطي: أخرجه ابن ابى حاتم عن ابن عباس،
وبرواية اخرى: أخرجه ابن ابى حاتم عن انس بن مالك.
(44) لباب النقول فى اسباب النزول للسيوطي: 120.
(45) سورة المجادلة: 18- 19.
(5/138)
فى السببية بل نحتملها ونحتمل امرا آخر هو
بيان ما تضمنته الآية من الأحكام.
والقرائن وحدها هي التي تعين احد هذين الاحتمالين او ترجحه.
قال ابن تيمية «46» : قولهم (نزلت هذه الآية فى كذا) يراد به
تارة سبب النزول، ويراد به تارة ان ذلك داخل فى الآية وان لم
يكن السبب كما تقول عنى بهذه الآية كذا.
وقال الزركشي فى «البرهان» قد عرف من عادة الصحابة والتابعين
ان أحدهم إذا قال: (نزلت هذه الآية فى كذا) فانه يريد بذلك ان
هذه الآية تتضمن هذا الحكم لا ان هذا كان السبب فى نزولها.
«وكثيرا ما نجد المفسرين وغيرهم يقولون نزلت فى كذا وكذا، وهم
يريدون ان من الأحوال التي تشير إليها تلك الآية تلك الحالة
الخاصة، فكأنهم يريدون التمثيل» «47» .
ففي كتاب الايمان من صحيح البخاري فى باب قوله تعالى: إِنَّ
الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ
ثَمَناً قَلِيلًا،
ان عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله من حلف على يمين صبر
يقتطع بها مال امرئ مسلم لقى الله وهو عليه غضبان.
فانزل الله تصديق ذلك إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ
اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا الآية «48» .
فدخل الأشعث بن قيس فقال ما حدثكم ابو عبد الرحمن قالوا كذا
وكذا قال فى أنزلت، كانت لي بئر فى ارض ابن عم لي ... إلخ.
فابن مسعود جعل الآية عامة لأنه جعلها تصديقا لحديث عام
والأشعث جعلها خاصة بحادثة معينة هي نص فى سبب نزول الآية.
فالمعتمد فى سبب نزول هذه الآية رواية الأشعث بن قيس لأنها نص
فى سبب النزول. اما رواية ابن مسعود فاستنباط منه وتفسير لا
ذكر لسبب النزول.
ومن هنا نعلم انه إذا وردت عبارتان فى موضوع واحد: أحدهما نص
فى السببية لنزول آية او آيات، والثانية ليست نصا فى السببية
لنزول تلك الآية او الآيات.
هنالك نأخذ فى السببية بما هو نص ونحمل الاخرى على انها بيان
لمدلول الآية، لان النص أقوى فى الدلالة من المحتمل.
__________
(46) مقدمة فى اصول التفسير، لابن تيمية: 13.
(47) تفسير القرآن الكريم، محمد الطاهر بن عاشور: 43.
(48) سورة آل عمران: 77.
(5/139)
مثال ذلك: ما أورده مقاتل «49» - وهو موافق
لما أخرجه مسلم عن جابر- فى سبب نزول قوله تعالى نِساؤُكُمْ
حَرْثٌ ... سورة البقرة: 223.
قال مقاتل: وذلك أن حيي بن أخطب ونفرا من اليهود قَالُوا
للمسلمين إنَّه لا يحل لَكُمْ جماع النّساء إِلَّا مستلقيات
وإنا نجد فِي كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلّ أن جماع المرأة غير
مستلقية ذنب عند الله، فقال المسلمون «لرسول الله» إنا كُنَّا
فِي الْجَاهِلِيَّة وَفِي الْإِسْلام نأتي النّساء عَلَى كُلّ
حال فزعمت اليهود أَنَّهُ ذنب عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلّ
إِلَّا مستلقيات. فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلّ (نِساؤُكُمْ
حَرْثٌ لَكُمْ) يعني مزرعة للولد (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى
شِئْتُمْ) فى الفروج.
وما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال: أنزلت «نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ» فى إتيان النساء فى أدبارهن يقصد انها رخصة فى إتيان
الدبر، فالمعول عليه ما أورده مقاتل وهو الموافق لما أخرجه
مسلم عن جابر «لأنه صريح فى الدلالة على السبب، وقول ابن عمر
استنباط منه وقد وهمه فيه ابن عباس وذكر مثل حديث جابر كما
أخرجه ابو داود والحاكم» «50» .
نحن اذن امام روايتين فى اسباب نزول آية نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ، الرواية الاولى تذكر ان سبب نزولها ان العرب كانوا
يجامعون المراة مقبلة ومدبرة وعلى جنبها وعلى قفاها. فلما
هاجروا الى المدينة وجدوا ان اليهود يحرمون إتيان المراة غير
مستلقية وان الأنصار تقتدى بهم فى ذلك. فتزوج رجل من قريش
امراة من الأنصار فذهب يصنع بها ما يشاء فأنكرته وقالت انما
كنا نؤتى على حرف فسرى أمرهما فبلغ ذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم فانزل الله نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ اى مقبلات ومدبرات ومستلقيات ما
دام فى صمام واحد.
وهذه الرواية هي التي ذكر مضمونها مقاتل فى تفسيره.
وقد رواها الشيخان وابو داود والترمذي واحمد والحاكم «51» .
__________
(49) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث 1/ 37 ا، وانظر تحقيقنا
له: 1/ 192. وقد أورده الواحدي برواية البخاري عن جابر،
وبرواية اخرى للحاكم عن ابن عباس، وبرواية مسلم عن هارون بن
معروف عن وهب بن جرير، قال الشيخ ابو حامد بن الشرفى: هذا حديث
جليل يساوى مائة حديث لم يروه عن الزهري الا النعمان بن راشد.
كما ورد فى كتاب لباب النقول فى اسباب النزول للسيوطي قوله
تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ... الآية روى الشيخان وابو
داود والترمذي عن جابر قال: كانت اليهود تقول إذا جامعها من
ورائها فى قبلها جاء الولد أحول فنزلت- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.
واخرج احمد والترمذي عن ابن عباس قال: (جاء عمر إلى رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول
الله هلكت؟ قال: وما أهلكك؟ حولت رحلي الليلة، قال: فلم يرد
عليه شيئا، فأوحى إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هذه الآية نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ
يقول اقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة) .
(50) الإتقان للسيوطي: 1/ 31.
(51) يعلم ذلك من: اسباب النزول للواحدي: 41. ولباب النقول
للسيوطي: 36، والإتقان للسيوطي: 1/ 22.
(5/140)
والرواية الثانية. رواية البخاري عن ابن
عمر ان الآية نزلت فى إتيان المراة فى دبرها.
الرواية الاولى هي التي نعتمد عليها فى اسباب النزول لما يأتي:
1- لأنها صرحت بذكر السبب، اما الثانية فلم تصرح بل قال ابن
عمر أنزلت (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ... ) فى إتيان النساء فى
أدبارهن.
2- الاولى اتفق عليها البخاري ومسلم وابو داود والترمذي واحمد
والحاكم والثانية تفرد بها البخاري والطبراني فى الأوسط «52» .
وقد ذكر علماء الحديث ان أعلى درجات الحديث ما اتفق عليه
البخاري ومسلم، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم،
فالاولى اولى لاتفاق البخاري ومسلم على روايتها، بينما الثانية
تفرد بها البخاري.
3- الرواية الاولى موافقة لسياق الآية ولضمونها وفحواها، فان
معنى قوله تعالى نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ترشيح لان المراد
إتيان المراة فى مكان الحرث، وقوله بعد ذلك وَقَدِّمُوا
لِأَنْفُسِكُمْ قيل هو تقديم الولد الصغير يموت قبل أبيه. وهذا
ايضا تقوية، لان المراد بقوله فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى
شِئْتُمْ اى كيف شئتم وعلى اى حالة رغبتم ما دام فى مكان
الحرث.
4- يبدو ان ابن عمر لم يبلغه حديث جابر الذي صرح بان سبب نزول
الآية ادعاء اليهود تحريم جماع الزوجة الا مستلقية، ولهذا
استنبط ان الآية تبيح إتيان المراة فى دبرها وقد وهم ابن عمر
فى ذلك.
اخرج ابو داود والحاكم عن ابن عباس قال: ان ابن عمر- والله
يغفر له- وهم.
انما كان اهل هذا الحي من الأنصار وهم اهل وثن مع هذا الحي من
يهود، وهم اهل كتاب كانوا يرون لهم فضلا عليهم فى العلم،
فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم. وكان من امر اهل الكتاب انهم لا
يأتون النساء الا على حرف، وذلك استر ما تكون المراة، وكان هذا
الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك.
وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا ويتلذذون منهن
مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج
رجل منهم امراة من الأنصار. فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه،
وقالت انما كنا نؤتى على حرف، فسرى أمرهما، فبلغ ذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فانزل الله نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ
فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ اى مقبلات ومدبرات
ومستلقيات، يعنى بذلك موضع الولد.
وإزاء ما تقدم نعتمد فى اسباب النزول هنا على رواية الشيخين،
دون رواية البخاري وحده.
__________
(52) لباب النقول، للسيوطي: 36.
(5/141)
- 10- تعدد الأسباب والمنزل واحد
قد ترد روايات متعددة فى اسباب نزول الآية وتذكر كل رواية سببا
صريحا غير ما تذكره الاخرى.
فللمحققين «53» مقاييس دقيقة فى تعدد اسباب النزول تتلخص فيما
يأتي:
1- إذا كانت احدى الروايتين صحيحة والاخرى غير صحيحة- اعتمدنا
على الصحيحة، وردت غير الصحيحة.
2- إذا كانت كلتاهما صحيحتين ولإحداهما مرجح- اعتمدنا فى بيان
السبب على الراجحة دون المرجوحة.
3- إذا استوت الروايتان فى الصحة، ولا مرجح لإحداهما على
الاخرى، وأمكن الأخذ بهما معا لتقارب زمنيهما- أخذنا بهما معا،
وحكمنا بنزول الآية عقب حصول السببين كليهما.
4- إذا استوت الروايتان فى الصحة ولا مرجح، ولا يمكن الأخذ
بهما معا حكمنا بنزول الآية عقب كل سبب منهما. اى بتكرار
نزولها.
وإليك امثلة ذلك:
اما الصورة الاولى، فمثالها ما أورده مقاتل «54» فى سبب نزول
وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما
قَلى سورة الضحى/ 1- 3.
قال: وذلك أن جبريل عليه السلام لم ينزل على محمد صلى الله
عليه وسلم أربعين يوما، ويقال ثلاثة ايام، فقال مشركو العرب من
أهل مكة لو كان من الله لتتابع الوحى- كما كان يفعل «مع» من
كان قبله من الأنبياء. فقد ودعه الله وتركه صاحبه فيما يأتيه،
فانزل الله قوله: وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، مَا
وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى سورة الضحى/ 1- 3.
وما
أورده مقاتل موافق فى المعنى لما أخرجه الشيخان وغيرهما عن
جندب قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقم ليلة او
ليلتين، فاتته امراة فقالت:
يا محمد ما ارى شيطانك الا قد تركك، فانزل الله: وَالضُّحى،
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى.
وهناك رواية اخرى فى سبب نزول الآيات من أول سورة الضحى: هي ما
أخرجه الطبراني وابن ابى شيبة عن حفص بن ميسرة عن امه عن أمها
وكانت خادم
__________
(53) انظر البرهان للزركشى: 1/ 29. 30. 31. والإتقان للسيوطي:
1/ 32.
(54) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث: 2/ 234، وانظر تحقيقي
له: 4/ 731- 732.
(5/142)
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إن جروا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل
تحت السرير فمات، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم اربعة ايام لا
ينزل عليه الوحى فقال: يا خولة ما حدث فى بيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم؟ جبريل لا يأتيني. فقلت فى نفسي: لو هيأت البيت
وكنسته. فأهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو، فجاء النبي
صلى الله عليه وسلم ترعد «55» لحيته، وكان إذا نزل عليه أخذته
الرعدة» فانزل الله: والضحى الى قوله «فترضى» .
فنحن بين هاتين الروايتين تقدم الرواية الاولى فى بيان السبب
لصحتها. دون الثانية. لان فى اسنادها من لا يعرف، ورائحة الوضع
ظاهرة فيها.
قال ابن حجر فى شرح البخاري: (قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو
مشهورة لكن كونها سبب نزول الآية غريب، وفى اسناده من لا يعرف،
فالمعتمد ما فى الصحيح) «56» .
واما الصورة الثانية، وهي صحة الروايتين كلتيهما- ولإحداهما
مرجح- فحكمها ان نأخذ فى بيان السبب بالراجحة دون المرجوحة.
والمرجح ان تكون إحداهما أصح من الاخرى، او ان يكون راوي
إحداهما مشاهدا للقصة دون راوي الاخرى. مثال ذلك، ما أخرجه
البخاري عن ابن مسعود قال: «كنت امشى مع النبي صلى الله عليه
وسلم بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب، فمر بنفر من اليهود، فقال
بعضهم: لو سألتموه. فقالوا: حدثنا عن الروح فقام ورفع رأسه
فعرفت انه يوحى اليه حتى صعد الوحى، ثم قال: قُلِ الرُّوحُ
مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا
قَلِيلًا سورة الاسراء/ 85.
وما أورده مقاتل «57» من انها نزلت فى ابى جهل وأصحابه وهو
موافق لما أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: «قالت قريش
لليهود، أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل عنه فقالوا اسالوه عن
الروح فسألوه فانزل الله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ الآية»
«58» .
فهذا الخبر الثاني يدل على انها نزلت بمكة، وان سبب نزولها
سؤال قريش إياه.
اما الاول فصريح فى انها نزلت بالمدينة بسبب سؤال اليهود إياه
وهو أرجح من وجهين: أحدهما انه رواية البخاري. اما الثاني فانه
رواية الترمذي، ومن المقرر
__________
(55) قال فى القاموس: «وقد رعد كنصر ومنع، وقال هامش القاموس
استعمل رعد ثلاثيا ايضا مجهولا دائما كجن. قالوا رعد اى اصابته
رعدة قاله الخفاجي فى شرح الشفاء» اهـ.
(56) الإتقان: 1/ 33. [.....]
(57) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث [319 ب] وانظر تحقيقي له:
2/ 547.
(58) سورة الاسراء: 85.
(5/143)
ان ما رواه البخاري أصح مما رواه غيره.
ثانيهما ان راوي الخبر الاول وهو ابن مسعود كان مشاهد القصة من
أولها الى آخرها كما تدل على ذلك الرواية الاولى، بخلاف الخبر
الثاني فان راوية لم يشهد نزول الوحى وما راء كمن سمع «59» .
واما الصورة الثالثة- وهي ما استوت فيه الروايتان فى الصحة ولا
مرجح لإحداهما، لكن يمكن الجمع بينهما، بان كلا من السببين حصل
ونزلت الآية عقب حصولهما معا لتقارب زمنيهما.
فحكم هذه الصورة ان نحمل الأمر على تعدد السبب لأنه الظاهر ولا
مانع يمنعه. قال ابن حجر: «لا مانع من تعدد الأسباب» .
مثال ذلك: ما
أخرجه البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس ان هلال ابن امية قذف
امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: «البينة او حد فى ظهرك» ، فقال يا
رسول الله، إذا وجد أحدنا مع امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة.
وفى رواية انه قال: والذي بعثك بالحق انى لصادق، ولينزلن الله
تعالى ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل عليه السلام وانزل
عليه: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ
لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ حتى بلغ إِنْ كانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ
ةا هـ. سورة النور: 6- 9.
وقال مقاتل «60» - وهو موافق لما أخرجه الشيخان عن سهل بن سعد-
لما انزل الله تعالى، وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ
ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ
ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً..
وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ
بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هاتين الآيتين في خطبة يوم
الجمعة، فقال عاصم ابن عدى الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم:
جعلني الله فداك، لو أن رجلا منا وجد على بطن امرأته رجلا
فتكلم- جلد ثمانين جلدة، ولا تقبل له شهادة في المسلمين أبدا،
ويسميه المسلمون فاسقا، فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة شهداء؟ إلى
أن يلتمس أحدنا أربعة شهداء فقد فرغ الرجل من حاجته، فأنزل
الله عز وجل فى قوله:
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ بالزنا وَلَمْ يَكُنْ
لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ
يعني الزوج أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ
الصَّادِقِينَ الى ثلاث آيات.
__________
(59) وفى هذا يقول السيوطي: «وقد رجح بان ما رواه البخاري أصح
من غيره وبان ابن مسعود كان حاضر القصة» الإتقان: 1/ 55.
بينما ذهب الزركشي الى ان آية وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ
نزلت بمكة ثم تكرر نزولها فى المدينة، فهي مما نزل مكررا،
البرهان: 1/ 30، كما ذهب ابن كثير الى انها مما تكرر نزوله
بمكة والمدينة، تفسير ابن كثير وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ
والإتقان: 1/ 34.
(60) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث 2/ 34 ب. 35 ا. وانظر
تحقيقي له:
3/ 183- 186.
(5/144)
فابتلى الله عز وجل عاصما بذلك في يوم
الجمعة الأخرى، فأتاه ابن عمه عويمر الأنصاري من بني العجلان
بن عمرو بن عوف، وتحته ابنة عمه أخي أبيه، فرماها بابن عمه
شريك بن السحماء «58» والخليل والزوج والمرأة كلهم من بني عمرو
بن عوف وكلهم بنو عم عاصم. فقال «عويمر» يا عاصم لقد رأيت
شريكا على بطن امرأتي فاسترجع عاصم فأتى النبي صلى الله عليه
وسلم، فقال: أرأيت سؤالي عن هذه وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
أَزْواجَهُمْ؟ فقد ابتليت بها في أهل بيتي. فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: وما ذاك يا عاصم؟ فقال: أتاني ابن عمي فأخبرني
أنه وجد ابن عم لنا على بطن امرأته، فأرسل النبي صلى الله عليه
وسلم إلى الزوج والخليل والمراة، فاتوه فقضى بينهم «59» .
فهاتان الروايتان صحيحتان، ولا مرجح لإحداهما على الاخرى. ومن
السهل ان نأخذ بكلتيهما لقرب زمانيهما، على اعتبار ان أول من
سال هو هلال بن امية، ثم قفاه عويمر قبل اجابته، فسال بواسطة
عاصم مرة، وبنفسه مرة اخرى «60» .
فانزل الله الآية اجابة للحادثين معا. ولا ريب ان اعمال
الروايتين بهذا الجمع، اولى من اعمال إحداهما وإهمال الاخرى،
إذ لا مانع يمنع الأخذ بهما على ذلك الوجه.
ثم لا جائز ان نردهما معا لأنهما صحيحتان ولا تعارض بينهما،
ولا جائز ايضا ان نأخذ بواحدة ونرد الاخرى لان ذلك ترجيح بلا
مرجح. فتعين المصير الى ان نأخذ بهما معا. واليه جنح النووي
وسبقه اليه الخطيب فقال: (لعلهما اتفق لهما ذلك فى وقت واحد
«61» اهـ.
واما الصورة الرابعة- وهي استواء الروايتين او الروايات فى
الصحة دون مرجح لإحداهما، ودون إمكان الأخذ بهما معا او بها
جميعا، لبعد الزمان بين الأسباب- فحكمها هو تكرار نزول الآية
بعدد اسباب النزول التي تحدثت عنها الروايتان، لأنه اعمال لكل
رواية ولا مانع منه.
__________
(58) فى رواية مقاتل ادراج. فقد لاحظنا ان رواية البخاري
الاولى عن ابن عباس ان هلال بن امية قذف امرأته عند النبي (ص)
بشريك بن سحماء.
والحديث الثاني برواية الشيخين عن سهل بن سعد، ان عويمرا قذف
امرأته برجل (مبهم غير مذكور الاسم) . غير ان مقاتلا وضح هذا
المبهم بانه شريك بن السحماء، مع انه هو المتهم فى الرواية
الاولى، عن ابن عباس. فلعل هذا: زيادة من مقاتل. او وهم منه.
(59) الحديث طويل فى تفسير مقاتل: 2/ 34 ب. 35 ا (انظر تحقيقي
له: 3/ 183- 186 وفيه تفصيل لشهادة الزوج على زوجته والزوجة
على زوجها. ولقضاء النبي بينهما.
(60) يستفاد ذلك من رواية الشيخين للحديث وهي عن سهل بن سعد
(ان عويمرا أتى عاصم ابن عدى.
وكان سيد بنى عجلان فقال: ما نقولون فى رجل وجد مع امرأته رجلا
أيقتله فتقتلونه ام ما يصنع؟ سل لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن ذلك. فسال عاصم النبي صلى الله عليه وسلم، فكره
المسائل وعابها، فأخبر عاصم عويمرا. فأتاه فقال «النبي» انه قد
نزل فيك وفى صاحبتك قرآن) . الحديث.
(61) الإتقان 1/ 34.
(5/145)
قال الزركشي فى البرهان: «وقد ينزل الشيء
مرتين تعظيما لشأنه، وتذكيرا به عند حدوث سببه خوف نسيانه»
«65» .
مثال ذلك ما أورده مقاتل فى سبب نزول قوله تعالى: وَإِنْ
عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ... الى
آخر سورة النحل: 126- 128.
قال مقاتل: «وذلك أن كفار مكة قتلوا يوم أحد طائفة من المؤمنين
ومثلوا بهم، منهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله
عليه وسلم، بقروا بطنه، وقطعوا مذاكيره، وأدخلوها في فيه.
وحنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة. فحلف المسلمون للنبي صلى
الله عليه وسلم لئن دالنا الله عز وجل «منهم» لنمثلن بهم
أحياء، فأنزل الله عز وجل الآيات» «66» .
وما أورده مقاتل قريب مما
أخرجه البيهقي والبزار عن ابى هريرة، أن النبي صلى الله عليه
وسلم وقف على قبر حمزة حين استشهد وقد مثل به، فقال: لأمثلن
بسبعين منهم مكانك، فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف
بخواتيم سورة النحل، وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ
مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ الى آخر السورة.
وقد اخرج الترمذي والحاكم عن ابى بن كعب قال: (لما كان يوم احد
أصيب من الأنصار اربعة وستون، ومن المهاجرين ستة، منهم حمزة
فمثلوا به، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين
(اى لنزيدن) عليهم، فلما كان يوم فتح مكة انزل الله (وان
عاقبتم) الآية..
فالرواية الاولى تفيد ان الآية نزلت فى غزوة احد، والثانية
تفيد انها نزلت يوم فتح مكة، على حين ان بين غزوة احد وغزوة
الفتح الأعظم بضع سنين، فبعد ان يكون نزول الآية مرة واحدة
عقبيهما معا.
فلا بد لنا من القول بتعدد نزول الآيات. أول الأمر فى غزوة
احد، وبعد ذلك عقب فتح مكة.
أقول. وقد لاحظنا ان مقاتلا كان يورد روايات صحيحة فى اسباب
نزول الآية فى الصور الأربع التي ذكرها السيوطي فى الإتقان.
ففي الصورة الاولى- وهي الاعتماد على الرواية الصحيحة ورفض غير
الصحيحة- كانت رواية مقاتل لسبب نزول وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ
إِذا سَجى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى موافقة لما فى
الصحيح.
وفى الصورة الثانية- كانت رواية مقاتل مرجوحة لا راجحة عند
السيوطي.
فى حين ذهب الزركشي فى البرهان، الى ان وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الرُّوحِ مما تكرر نزوله،
__________
(65) البرهان: 1/ 29.
(66) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث ج 1 ورقة 210 ا. وانظر
تحقيقي له: 2/ 494- 495.
(5/146)
وكذلك قال عنها ابن كثير فى تفسيره. وبذلك
صار ما ذهب اليه مقاتل راجحا فى نظرهما، وهما أوثق من السيوطي.
وفى الصورة الثالثة- وهي الحكم بتعدد الأسباب والنازل واحد-
كان ما رواه مقاتل موافقا لما رواه الشيخان البخاري ومسلم فى
سبب نزول آية وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ فروايته هنا
صحيحة كذلك.
وفى الصورة الرابعة- وهي تكرر نزول الآية او الآيات- كما فى
خواتيم سورة النحل- كان ما رواه مقاتل موافقا لما أخرجه
البيهقي والبزار عن ابى هريرة انها نزلت فى استشهاد حمزة، وقد
اجتمعت الروايات على هذه الحقيقة.
وهذا يؤيد ما ذكرته فى صدر الموضوع. من ان الرأي السائد بضعف
الأحاديث التي اعتمد عليها مقاتل فى اسباب النزول او كذبها،
تكذبه مقارنة هذه الأحاديث والآثار بما فى كتب السنن، فهذه
المقارنة تظهر ان أكثرها غير ضعيف. وان فيها عددا وافرا موافقا
لما فى الصحيح، لكن هذا لا يمنع من ان فى تفسير مقاتل آثارا
ضعيفة، لكن ضعف بعضها انما هو فى الاسناد، اما المتن فصحيح
مؤيد بطرق اخرى تقويه. وضعف بعضها الآخر- بل وضعه- ظاهر ليس فى
حاجة الى بيان..
- 11- تعدد النازل والسبب واحد
ذكر مقاتل انه قد يكون امر واحد سببا لنزول آيتين او آيات
متعددة من القرآن. مثال ذلك ما رواه مقاتل «67» - وهو موافق
لما أخرجه الحاكم والترمذي ان أم سَلَمَة أم الْمُؤْمِنِين
رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: ما لنا مَعْشَر النساء عِنْد
اللَّه خبر، وما يذكرنا فى الهجرة بشيء، فانزل الله تعالى:
فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ
مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى، بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ،
فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا
فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ
سَيِّئاتِهِمْ، وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ
عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ
«68» .
وانزل ايضا فى قول ام سلمة: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ فى الأحزاب،
الى آخر الآية «69» . قال مقاتل. فأشرك الله النساء مع الرجال
فِي الثواب، كَمَا شاركن الرجال فِي الأعمال الصالحة فى الدنيا
«70» .
__________
(67) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث جزء 1 ورقة 68 ا، ب وانظر
تحقيقي له:
1/ 322- 323.
(68) سورة آل عمران: 195.
(69) سورة الأحزاب: 35 وتمامها: وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ
وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ
وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ
وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ
وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ
وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ
اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً.
(70) تفسير مقاتل جزء 1 ورقة 68 ب، وانظر تحقيقي له: 1/ 222-
223. [.....]
(5/147)
واخرج الحاكم ايضا ان ام سلمة رضى الله
عنها قالت: تغزو الرجال ولا تغزو النساء وانما لنا نصف
الميراث. فانزل الله: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ
بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ... «71» وانزل: إِنَّ
الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ... «72» .
فظهر لنا ان كلام ام سلمة كان سببا فى نزول آيات ثلاث:
1- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ... سورة الأحزاب:
35.
2- فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ
عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ...
سورة آل عمران: 195.
3- وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ
عَلى بَعْضٍ ... سورة النساء: 32.
وهذا هو ما يعبر عنه بتعدد النازل والسبب واحد «73» .
- 12- فوائد معرفة اسباب النزول
معرفة اسباب النزول تعين على فهم الآية. وتوضح ما خفى منها.
وقد زعم بعض الناس انه لا فائدة للإلمام بأسباب النزول، فانها
لا تعدو ان تكون تاريخا او جارية مجرى التاريخ «74» .
__________
(71) سورة النساء: 32 وتمامها: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ
اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ
مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ
وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيماً) . وذكر مقاتل انه لما نزلت للذكر مثل حظ
الأنثيين قالت النساء ثم هَذَا؟ نَحْنُ أحق أن يَكُون لنا
سهمان ولهم سهم، لأنا ضعاف الكسب، والرجال أقوى عَلَى التجارة
والطلب والمعيشة مِنَّا، فإذا لَمْ يفعل اللَّه ذَلِكَ بنا
فإنا نرجو أن يَكُون الوزر عَلَى نحو ذَلِكَ علينا وعليهم.
فأنزل اللَّه فِي قولهم كنا نَحْنُ أحوج إلى سهمين قوله
سُبْحَانَهُ: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ
بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ.
(72) سورة الأحزاب: 35. وتمامها قد تقدم.
(73) انظر تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث جزء 2 ورقة ... ،
تحقيقي له: 3/ 489- 490.
حيث ذكر مقاتل ان ام سلمة ام المؤمنين ونسيبة بنت كعب الأنصاري
قلن ما شان ربنا يذكر ولا يذكر النساء فى شيء من كتابه ...
فانزل الله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ..
الآية 35 من سورة الأحزاب، والآية 195 من سورة آل عمران،
والآية 40 من سورة غافر وفيها: وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ
ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ.
(74) قاله السيوطي فى الإتقان، وتعقبه بانه خطا وقال بل لمعرفة
اسباب النزول فوائد منها معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع
الحكم، ومنها تخصيص الحكم به عند من يرى العبرة بخصوص السبب،
ومنها الوقوف على المعنى وازالة الاشكال فمن ذلك قوله تعالى فى
سورة الطلاق: 4 وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ
نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ
فقد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الائمة حتى قال الظاهرية بان
الآيسة لا عدة عليها إذا لم ترتب. وقد بين ذلك سبب النزول وهو
انه لما نزلت الآية التي فى سورة البقرة فى عدد النساء قالوا
قد بقي عدد من النساء لم يذكرن: الصغار، والكبار، فنزلت. أخرجه
الحاكم.
(5/148)
واستهان الشيخ محمد عبده بأسباب النزول
«75» ، ولم يعول عليها كثيرا، بسبب اشتمالها على الصحيح
والعليل، واختراع بعض الناس أسبابا لنزول الآيات.
والحق انه لا طريق لمعرفة اسباب النزول الا النقل عن الصحابة
الذين عاصروا الوحى والنزول ووقفوا على الأحوال والملابسات
التي أحاطت بنزول الآيات، وسمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم
ما لم يسمعه غيرهم، فعنهم وحدهم يؤخذ هذا العلم.
والى هذا أشار الواحدي بقوله: (ولا يحل القول فى اسباب نزول
الكتاب الا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على
الأسباب، وبحثوا عن علمها، وجدوا فى الطلاب) «76» .
ان اسباب النزول آثار واردة وأحاديث مأثورة ينطبق عليها ما
ذكره علماء الحديث ونقدته.
فلا تقبل جملة ولا ترفض جملة، فما كان صحيحا قبلناه، وما كان
موضوعا رفضناه.
ويقول الواحدي ايضا: (لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف
على قصتها وبيان نزولها) .
(وان التعبير عن سبب النزول بالقصة ليوحى بالحكمة البالغة فى
معرفة الأسباب التي دعت الى تنزيل الوحى، ويجعل آيات القرآن
تتلى فى كل زمان ومكان بشغف وولوع، وتطرد السآمة عن جميع
القارئين بما توالى عرضه من حكايات أمثالهم، وأقاصيص أسلافهم،
كأنها حكاياتهم هم إذ يرتلون آيات الله، او أقاصيصهم هم ساعة
يطربون لوحى السماء) «77» .
من اجل هذا كان جهل الناس بأسباب النزول كثيرا مما يوقعهم فى
اللبس والإبهام فيفهمون الآيات على غير وجهها ولا يصيبون
الحكمة الالهية من تنزيلها، كما حدث لمروان بن الحكم حين توهم
ان قوله تعالى: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما
أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا
فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ «78» ينطبق
عليه، فقال لبوابه: اذهب يا رافع الى ابن عباس فقل له: لئن كان
كل امرئ فرج بما اوتى وأحب ان يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن
أجمعون!
__________
فمعنى ان ارتبتم ان أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتددن فهذا
حكمهن. اهـ الإتقان:
1/ 30. ومثل ذلك قد ورد فى تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث جزء
2 ورقة 200 اوانظر تحقيقي له: 4/ 364- 365.
(75) تفسير المنار: 2/ 57- 58، 225- 226.
(76) اسباب النزول للواحدي: 4.
(77) مباحث فى علوم القرآن، دكتور صبحى الصالح: 130.
(78) سورة آل عمران: 188.
(5/149)
فقال ابن عباس: وما لكم ولهذه! انما دعا
النبي صلى الله عليه وسلم يهود، فسألهم عن شيء فكتموه إياه،
واخبروه بغيره، فاروه ان قد استحمدوا اليه بما اخبروه عنه فيما
سألهم، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم، ثم قرا ابن عباس: وَإِذْ
أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
لَتُبَيِّنُنَّهُ «79» حتى قوله: (يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا
وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) «80» فلم
يزل الاشكال الا بمعرفة سبب النزول.
ولولا بيان اسباب النزول لأباح الناس لأنفسهم التوجه فى الصلاة
الى الناحية التي يرغبون فيها، عملا بالمتبادر من قوله تعالى:
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ «81» .
فإذا قرانا تفسير مقاتل «82» رأينا انها نزلت فى ناس من
الْمُؤْمِنِين كانوا فِي سفر، فحضرت الصَّلاة فى يوم غيم،
فتحيروا، فمنهم من صلى قبل المشرق، ومنهم من صلى قبل المغرب،
وذلك قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة، فَلَمَّا طلعت الشمس
عرفوا أنهم قَدْ صلوا لغير القبلة، فقدموا المدينة، فأخبروا
النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِك، فأنزل
اللَّه عَزَّ وَجَلّ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ
فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
واسِعٌ عَلِيمٌ.
قال مقاتل: وأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلّ: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ
تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ...
الى آخر الآية «83» .
ولولا بيان اسباب النزول لظل الناس الى يومنا هذا يبيحون تناول
المسكرات وشرب الخمور، أخذا بظاهر قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما
طَعِمُوا «84» .. فقد «حكى عن عثمان بن مطعون وعمرو بن معد
يكرب انهما كانا يقولان: الخمر مباحة، ويحتجان بهذه الآية.
وخفى عليهما سبب نزولها فانه يمنع من ذلك، وهو ما ذكره مقاتل
«85» وغيره: من انه لما نزل تحريم الخمر
__________
(79) سورة آل عمران: 187- 188 وهما: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ
مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ
لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ
وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ،
لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا
وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا
تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ.
(80) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث: جزء 1 ورقة 68 ا، وانظر
تحقيقي له: 1/ 320- 321.
وقد ورد فى هذا صحيح البخاري كتاب التفسير: 6/ 40، وفى تفسير
ابن كثير: 1/ 436، والبرهان:
1/ 27، والإتقان: 1/ 48.
(81) سورة البقرة: 115.
(82) تفسير مقاتل، مخطوطة احمد الثالث: جزء 1 ورقة 21 ا، وانظر
تحقيقي له: 1/ 133.
(83) سورة البقرة: 177. [.....]
(84) سورة المائدة: 93 وتمامها: ... إِذا مَا اتَّقَوْا
وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا
ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ.
(85) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث جزء ورقة 107 ب، وانظر
تحقيقي له: 1/ 503. وقد ورد ذلك ايضا فى البرهان: 1/ 28،
واسباب النزول للواحدي: 196، وتفسير ابن كثير: 1/ 97،
والإتقان: 1/ 53.
(5/150)
قال المسلمون: إن إخواننا ماتوا وقتلوا
وَقَدْ كانوا يشربونها، فانزل الله تعالى:
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
جُناحٌ ... الآية.
فنزلت الآية عذرا للماضين وحجة على الباقين.
نخلص من كل ما تقدم الى ان لاسباب النزول فوائد عديدة أهمها:
1- دفع الاشكال عن الآية:
كما روى ان عروة بن الزبير أشكل عليه ان يفهم فرضية السعى بين
الصفا والمروة من قوله سبحانه: (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ
مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ
فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) . واشكاله نشا
من ان الآية الكريمة نفت الجناح، ونفى الجناح لا يتفق والفرضية
فى رأيه. وبقي فى اشكاله حتى سال خالته عائشة ام المؤمنين رضى
الله عنها، فأفهمته ان نفى الجناح هنا ليس نفيا للفرضية، انما
هو نفى لما وقر فى أذهان المسلمين يومئذ من ان السعى بين الصفا
والمروة من عمل الجاهلية، نظرا الى ان الصفا كان عليه صنم يقال
له (إساف) ، وكان على المروة صنم يقال له (نائلة) ، وكان
المشركون إذا سعوا بينهما تمسحوا بهما، فلما ظهر الإسلام وكسر
الأصنام تحرج المسلمون ان يطوفوا بينهما لذلك، فنزلت الآية.
كما رواه مقاتل «86» .
2- دفع توهم الحصر، عما يفيد بظاهر الحصر:
نحو قوله سبحانه فى سورة الأنعام: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا
أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا
أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ
خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ، أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ
اللَّهِ بِهِ «87» ..
قال مقاتل «88» : ان الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما
حرم الله قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: من اين أتيتم بهذا
التحريم؟ فسكتوا فلم يجيبوه إِلَّا أنهم قَالُوا حرمه آباؤنا،
فقال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمنْ
أَيْنَ حرمه آباؤكم؟
قَالُوا: اللَّه أمرهم بتحريمه ... فأنزل الله الآية: قُلْ لا
أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ
يَطْعَمُهُ ... إلخ الآية.
وقد ذهب الشافعي الى ان الحصر فى هذه الآية غير مقصود، وقال
انها نزلت بسبب أولئك الكفار الذين أبوا الا ان يحرموا ما أحل
الله ويحلوا ما حرم الله، فنزلت الآية بهذا الحصر الصوري مشادة
لهم، لا قصدا الى حقيقة الحصر. يؤيد هذا ما نقله عنه
__________
(86) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث جزء 1 ورقة 26 ا، وانظر
تحقيقي له: 1/ 152.
(87) سورة الانعام: 145، وتمامها (.. فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ
باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
(88) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث: جزء 1 ورقة 125 ب، وانظر
تحقيقنا له:
1/ 594- 595.
(5/151)
السبكى من قوله: (ان الكفار لما حرموا ما
أحل الله وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة والمحادة،
جاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال الا ما حرمتموه،
ولا حرام الا ما أحللتموه. نازلا منزلة من يقول لك: لا تأكل
اليوم حلاوة فتقول لا آكل اليوم الا حلاوة والغرض المضادة لا
النفي والإثبات على الحقيقة. فكأنه تعالى قال: لا حرام الا ما
أحللتموه من الميتة، والدم، ولحم الخنزير وما أهل لغير الله
به، ولم يقصد حل ما وراءه، إذ القصد اثبات التحريم لا اثبات
الحل. قال امام الحرمين: وهذا فى غاية الحسن، ولولا سبق
الشافعي الى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك فى حصر المحرمات
فيما ذكرته الآية «89» .
3- معرفة من نزلت فيهم الآية على التعيين حتى لا يشتبه بغيره
فيتهم البريء ويبرأ المريب: ولهذا ردت عائشة على مروان حين
اتهم أخاها عبد الرحمن بن ابى بكر بانه الذي نزلت فيه آية
وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما سورة الأحقاف/ 16
«90» وقالت: والله ما هو به. ولو شئت ان أسميه لسميته «91» .
وقد ذهب مقاتل الى ان هذه الآية نزلت فى عبد الرحمن بن أبي بكر
وأمه رومان بنت عمرو بن عامر الكندي، دعاه أبواه إلى الإسلام
وأخبراه بالبعث بعد الموت، فقال لوالديه (أف لكما) «92» . وما
رواه مقاتل موافق لما أخرجه ابن جرير من طريق العوفى عن ابن
عباس، ولما أخرجه ابن ابى حاتم عن السدى. لكن الرواية الاولى-
وهي رد عائشة على مروان- وردت فى البخاري من طريق يوسف بن
ماهان.
كما اخرج عبد الرزاق من طريق مكي انه سمع عائشة تنكر ان تكون
الآية نزلت فى عبد الرحمن بن ابى بكر، وقالت انما نزلت فى فلان
سمت رجلا.
والمقاييس الدقيقة التي ذكرت فى اسباب النزول- وهي التي تقضى
بقبول الصحيح ورفض ما عداه- تلزمنا هنا بقبول رواية البخاري
ورفض ما رآه مقاتل.
قال الحافظ ابن حجر: ونفى عائشة أصح اسنادا واولى بالقبول «93»
.
4- وأخيرا فان من فوائد معرفة اسباب النزول تيسير حفظ القرآن،
وتسهيل فهمه، وتثبيت الوحى فى ذهن كل من يسمع الآية إذا عرف
سببها. وذلك لان ربط الأسباب بالمسببات، والأحكام بالحوادث،
والحوادث بالاشخاص والازمنة والامكنة-
__________
(89) الإتقان: 1/ 20.
(90) سورة الأحقاف: 17.
(91) الإتقان: 1/ 30.
(92) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث: جزء 3 ورقة 153 ا، وانظر
تحقيقي له: 214.
(93) لباب النقول فى اسباب النزول للسيوطي: 196- 197.
(5/152)
كل أولئك من دواعي تقرير الأشياء ورسوخها
فى الذهن، وسهولة استذكارها عند استذكار مقارناتها فى الفكر،
بسبب تداعى المعاني كما ذكر فى علم النفس.
وأخيرا لقد ترك لنا مقاتل فى تفسيره ذخيرة كبيرة من اسباب نزول
الآيات، وقد كانت هذه الذخيرة فى حاجة الى دراسة فاحصة لتمييز
الصحيح من العليل، فبذلت جهدي فى ذلك أثناء تحقيقي لهذا
التفسير، وانى لأرجو ان يكون الله قد وفقني فيما قمت به،
واساله ان يعينني على تدارك ما فاتنى، انه ولى التوفيق؟
(5/153)
|