تفسير مقاتل بن سليمان

الباب الثاني النسخ عند مقاتل
1- النسخ عند مقاتل.
2- الآيات المنسوخة عند مقاتل.
جدول لجميع الآيات المنسوخة عند مقاتل.
3- مناقشة نسخ هذه الآيات.
4- مناقشة المنسوخ بآية السيف.
5- راى أستاذي الدكتور مصطفى زيد فى المراد بآية السيف.
6- تعقيب على المناقشة.
7- تقسيم الآيات المنسوخة عند مقاتل الى ستة اقسام.
8- جدول بالآيات المنسوخة بآية السيف.
بيان تفصيلي بالآيات المنسوخة بآية السيف.
9- جدول بآيات ليس فيها الا التخصيص.
بيان تفصيلي بهذه الآيات والآيات الناسخة لها.
10- جدول بآيات ليس فيها الا تفسير المبهم.
بيان تفصيلي بهذه الآيات.
11- جدول بآيات لا تعارض فيها بين الناسخ والمنسوخ.
بيان تفصيلي بهذه الآيات.
12- جدول بآيات منسوخة عند مقاتل وهي اخبار لا تقبل النسخ.
بيان تفصيلي بهذه الآيات.
13- جدول بآيات منسوخة عند مقاتل وفيها حقيقة النسخ.
بيان تفصيلي بهذه الآيات.
14- آيات ينطبق عليها النسخ ولم يعتبرها مقاتل منسوخة.

(5/155)


- 1- النسخ عند مقاتل

تمهيد:
كان الصحابة والتابعون وتابعوهم يستعملون النسخ بإزاء المعنى اللغوي- الذي هو ازالة شيء بشيء- لا بإزاء مصطلح الأصوليين «1» .
«فيطلقون النسخ على تقييد المطلق وعلى تخصيص العام وعلى بيان المبهم والمجمل، كما يطلقونه على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه» «2» .
فلما جاء الامام الشافعي (150- 305 هـ) حرر معنى النسخ وميزه عن تقييد المطلق وتخصيص العام واعتبرهما من انواع البيان «3» .
ومضى الاصوليون والمؤلفون فى الناسخ والمنسوخ على نهج الشافعي، فعنى معظمهم ببيان الفروق بين النسخ وكل من التخصيص والتقييد والتفسير والتفصيل.
هذا ابو جعفر محمد بن جرير الطبري (224- 310 هـ) يشير فى تفسيره «4» (الى انه لا ناسخ من آي القرآن واخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ما نفى حكما ثابتا الزم العباد فرضه، غير محتمل بظاهره وباطنه غير ذلك. فاما إذا احتمل غير ذلك- من ان يكون بمعنى الاستثناء او الخصوص والعموم، او المجمل والمفسر- فمن الناسخ والمنسوخ بمعزل ... ولا منسوخ الا الحكم الذي قد كان ثبت حكمه وفرضه) .
وقد ظل بعض المؤلفين فى النسخ يتبعون الإطلاق الاول له فيطلقونه على التخصيص والتقييد والتفسير، مما ادى الى الاضطراب فى الموضوع. وكان من فضل الله توفيق استاذنا الدكتور مصطفى زيد الى إخراج كتابه «النسخ فى القرآن» .
ففي هذا الكتاب عالج المشكلة علاجا حاسما، مما حملني على اعتباره مرجعي الاول فى الموضوع لأنه آخر انتاج استفاد مما سبقه، ويسر الطريق لمن جاء بعده.
__________
(1) النسخ فى القرآن: د. مصطفى زيد: 1/ 110 فقرة 162.
(2) المرجع السابق، وقد نقله عن الموافقات للشاطبي: 3/ 75.
(3) د. مصطفى زيد: 1/ 74 نقلا عن كتاب الشافعي لمحمد ابو زهرة: 249- 250.
(4) . 2/ 435 بتحقيق محمود محمد شاكر. وقد نقله د. مصطفى زيد فى كتابه النسخ فى القرآن 1/ 79 بعد ان صوب النص. [.....]

(5/157)


- 2- الآيات المنسوخة عند مقاتل
عدد الآيات المنسوخة عند مقاتل اربع وأربعون آية، منها ست عشرة آية منسوخة بآية السيف- او فى حكمها- وثمان وعشرون آية منسوخة بآيات اخرى.
وعند تفسير هذه الآيات يتضح ان تعريف النسخ لا ينطبق الا على ثلاث آيات منها، اما الباقي فليس فيه الا تخصيص العام «5» او تفسير المبهم، وما إليهما ومنه آيات هي فى حقيقتها اخبار، والاخبار لا تقبل النسخ، ومنه آيات لا تعارض بينها وبين ناسخها.
__________
(5) التخصيص هو قصر العام على بعض افراده (او آحاده او مسمياته) والتخصيص يكون بمخصصات لفظية هي بدل البعض، والاستثناء، والصفة، والشرط، والغاية. كما يكون بالعقل والحس الواقعي والعادة والعرف.
(النسخ فى القرآن الكريم: 1/ 113 فقرة 168- 169، واصول التشريع الإسلامي، على حسب الله:
188- 195) .
والفرق بين التخصيص والنسخ:
1- ان النسخ ازالة لحكم المنسوخ، اما التخصيص فهو قصر الحكم على بعض افراده كقصر إيجاب الحج على المستطيع.
2- ان النسخ لا يكون الا بدليل متراخ عن المنسوخ اما التخصيص فيكون بالسابق واللاحق والمقارن.
3- ان النسخ لا يقع فى الاخبار، بخلاف التخصيص فانه يكون فى الاخبار وفى غيرها.
(النسخ فى القرآن الكريم: 1/ 125) ، وقد ساق عشرة فروق بين النسخ والتخصيص. وانظر (مناهل العرفان: 2/ 82) .

(5/158)


السورة/ رقم الآية/ جزء من الآية/ رقم الورقة فى تفسير مقاتل/ رقم المجلد والصفحة فى النسخة المحققة/ رقم الفقرة التي عالجتها فى كتاب النسخ فى القرآن الأنفال 2/ 61 75/ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ والذين آمنوا من بعد وهاجروا/ 1/ 148 ا 1/ 149 ب/ 2/ 123 2/ 131/ 785- 789 التوبة 1/ 80/ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً/ 1/ 158 ا/ 2/ 186- 187/ 1094- 1097 يونس/ 99 108/ وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ وما انا عليكم بوكيل/ 1/ 169 ب 1/ 169 ب/ 2/ 250 2/ 252/ 586- 587 586- 587 الاسراء/ 2/ 24 34/ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما ولا تقربوا مال اليتيم/ 1/ 214 ب 1/ 215 ا/ 2/؟ / 2/؟ / 843 1104- 1105 الحج 1/ 69/ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ/ 1/ 28 ا/ 3/ 137/ 627 العنكبوت 1/ 46/ وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ/ 2/ 74 ا/ 3/ 385/ 767- 768 السجدة 1/ 30/ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ/ 2/ 86 ا/ 3/ 454/ 738- 739 الأحزاب 1/ 6/ وَأُولُوا الْأَرْحامِ/ 2/ 88 ا/ 3/ 474- 475 الشورى 3/ 5 15 20/ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ لنا اعمالنا ولكم اعمالكم ومن كان يريد حرث الدنيا/ 2/ 137 ب 2/ 138 ب 2/ 139 ا/ 3/ 763- 764 3/ 767 3/ 768/ 634 635- 636 637

(5/159)


جدول لجميع الآيات المنسوخة عند مقاتل
السورة/ ارقام الآيات المنسوخة/ جزء من الآية/ رقم الورقة فى تفسير مقاتل/ رقم المجلد والصفحة فى النسخة المحققة/ رقم الصفحة التي عالجتها فى كتاب النسخ فى القرآن البقرة 8/ 178/ الْحُرُّ بِالْحُرِّ/ 1/ 27 ب/ 1/ 158/ 869- 872 180/ الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ/ 1/ 28 ا/ 1/ 159/ 820- 824 184/ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ/ 1/ 28 ب/ 1601- 161/ 883- 888 191 وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ/ 1/ 30 ب/ 1/ 168/ 889- 895 215/ يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ/ 1/ 34 ب 1/ 183/ 912- 919 228/ وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ/ 1/ 37 ب/ 1/ 194/ 834- 835 240/ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ/ 1/ 40 ا/ 1/ 201/ 1155- 1165 284/ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ/ 1/ 49 ا/ 1/ 231/ 836- 839 آل عمران 1/ 102 اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ/ 1/ 59 ا/ 1/ 292- 293/ 847 النساء 5/ 10/ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى / ا 70 ا/ 1/ 360/ 849 15/ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ/ 1/ 72 ا/ 1/ 362- 363- 1250/ 1262 16/ وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ/ 1/ 72 ا/ 1/ 363/ 1250/ 1262 63/ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ/ 1/ 78 ا/ 1/ 385- 386/ 731 91/ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ/ 1/ 82 ا/ 1/ 396/ 1166/ 1172 المائدة 3/ 2/ لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ/ 1/ 92 ب/ 1/ 448- 451/ 1173/ 1184 13/ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ/ 1/ 95 ب/ 1/ 462/ 745- 749 42/ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ/ 1/ 100 ب/ 1/ 478/ 1019/ 1026 الانعام 5/ 15/ قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي/ 1/ 114 ب/ 1/ 552- 553/ 599- 600 66/ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ/ 1/ 118 ب/ 566/ 584- 587 69/ وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ/ 1/ 118 ب/ 1- 567/ 601- 602 107/ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ/ 1/ 122 ب/ 1/ 583/ 584- 587 159/ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ/ 1/ 127 ا/ 1/ 599/ 603- 605 الأعراف 1/ 199/ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ/ 1/ 141 ا/ 2/ 81/ 1057/ 1064

(5/160)


السورة/ رقم الآية/ جزء من الآية/ رقم الورقة فى تفسير مقاتل/ رقم المجلد والصفحة فى النسخة المحققة/ رقم الفقرة التي عالجتها فى كتاب النسخ فى القرآن الزخرف 1/ 89/ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ/ 2/ 146 ب/ 3/ 807/ 752 الجاثية 1/ 14/ قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا/ 2/ 149 ب/ 3/ 837/ 772- 775 الأحقاف 1/ 9/ قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ/ 2/ 152 ا/ 4/ 17 الذاريات 1/ 19/ وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ/ 2/ 170 ا/ 4/ 129/ 646 المجادلة 1/ 12/ إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ/ 2/ 188 ا/ 4/ 264/ «6» 1231- 1235 الممتحنة 1/ 11/ وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ/ 2/ 194 ب/ 4/ 305- 306/ 1197- 1203 المزمل 1/ 10/ وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ/ 2/ 213 ب/ 4/ 476/ 715 المجموع/ 44 آية
__________
(6) هذه النجمة () تميز الآيات الثلاث التي انطبق عليها النسخ عند مقاتل وعند الدكتور مصطفى زيد فى كتابه (النسخ فى القرآن) .

(5/161)


- 3- مناقشة نسخ هذه الآيات
وإذا امعنا النظر فى الآيات التي ادعى مقاتل انها منسوخة وجدنا كثيرا منها لا ينطبق عليه تعريف النسخ عند الأصوليين، وعذر مقاتل واضح فى ذلك، فقد جاء فى عصر مبكر «7» كان النسخ يطلق فيه على التخصيص والتقييد وبيان المبهم وتفصيل المجمل.
(فقد كان الصحابة والتابعون يرون ان النسخ هو مطلق التغيير الذي يطرأ على بعض الأحكام فيرفعها ليحل غيرها محلها او يخصص ما فيها من عموم او يقيد ما فيها من اطلاق) «8» .

- 4- مناقشة المنسوخ بآية السيف
ويكفى ان تعرف ان ست عشرة آية منسوخة عنده بآية السيف وليس فى هذه الآيات نسخ. بل هي مما امر به لسبب ثم زال سببه.
فالله امر المسلمين بالصبر وعدم القتال، فى ايام ضعفهم وقلة عددهم، لعلة الضعف والقلة، ثم أمرهم بالجهاد فى ايام قوتهم وكثرتهم، لعلة القوة والكثرة.
وأنت خبير بان الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وان انتفاء الحكم لانتفاء علته لا يعد نسخا، بدليل ان وجوب الصبر والتحمل عند الضعف والقلة لا يزال قائما الى اليوم، وان وجوب الجهاد والدفاع عند القوة والكثرة لا يزال قائما كذلك الى اليوم.
وما احكم الزركشي فى تعليقه على هذا الموضوع بقوله: (وبهذا التحقيق تبين ضعف ما لهج به كثير من المفسرين فى الآيات الآمرة بالتخفيف انها منسوخة بآية السيف، وليست كذلك بل هي من المنسأ، بمعنى ان كل امر ورد يجب امتثاله فى وقت ما، لعلة توجب ذلك الحكم، ثم ينتقل بانتقال تلك العلة الى حكم آخر، وليس بنسخ انما النسخ الازالة حتى لا يجوز امتثاله ابدا) «9» .

- 5- راى أستاذي الدكتور مصطفى زيد فى المراد بآية السيف
وقد جاء فى كتاب (النسخ فى القرآن) ان آية السيف تامر بقتل المشركين
__________
(7) توفى مقاتل سنة 150 هـ، وفى السنة التي ولد فيها الامام الشافعي الذي حرر معنى النسخ وقصره على رفع الشارع حكما شرعيا بدليل شرعي متأخر.
(8) النسخ فى القرآن الكريم: 1/ 73.
(9) البرهان: 2/ 42.

(5/162)


حيث وجدوا، وباسر من لم يقتل منهم، وبحصارهم وتضييق الخناق عليهم. لكن من هم هؤلاء المشركون؟.
(ان الآية السابقة واللاحقة تحدد انهم فريق خاص من المشركين. كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوه، وظاهروا عليه أعداءه. وقد برىء الله ورسوله منهم، وآذنهم بالحرب ان لم يتوبوا عن كفرهم، ويؤمنوا بالله ربا واحدا، وبمحمد نبيا ورسولا.
(وهؤلاء المشركون اعداء الإسلام ونبيه ليسوا هم كل المشركين، بدليل قوله جل ثناؤه قبل آية السيف: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً، فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ «10» .
(فليس قتال المشركين غاية فى ذاته، بل هو وسيلة لتأديب أئمة الكفر الذين طعنوا فى دين الله، وصدوا الناس عن سبيله، ونقضوا عهودهم مع رسول الله، وظاهروا عليه أعداءه، ونكثوا ايمانهم، وهموا بإخراج الرسول، وبداوا المؤمنين بالقتال فى بدر) «11» .
فقتالهم مقصود به كسر شوكتهم، وازالة جبروتهم وطغيانهم من طريق الدعوة الاسلامية، حتى تستطيع ان تصل الى آذان العرب جميعا.
(وانما شرع القتال فى الإسلام لتأمين الدعاة اليه، ولضمان الحرية التي تكفل لهم إبلاغ دعوته، ودرء الشبه عن عقيدته، بالمنطق السليم والحجة المقنعة. ومن اجل هذا خص أئمة الكفر بالأمر بقتالهم، لأنهم يحولون بالقوة بين الدعاة والشعوب التي يجب ان تدعى.
فإذا ما هيئت للدعاة وسائل الدعوة فى امن وحرية فلا حرب ولا قتال) «12» ؟

- 6- تعقيب على المناقشة
وهكذا يتضح ان الآيات التي ادعى مقاتل انها منسوخة بآية السيف ليست من النسخ فى شيء، بل هي من (المنسأ) «13» الذي دار مع سببه وجودا وعدما.
__________
(10) سورة التوبة: 4.
(11) النسخ فى القرآن الكريم، للدكتور مصطفى زيد: 2/ 504- 506.
(12) النسخ فى القرآن، للدكتور مصطفى زيد: 2/ 507. بتصرف.
(13) الإنساء فى التأخير والتاجيل. قال تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها سورة البقرة: 106.
وانظر: اصول التشريع الإسلامي- على حسب الله: 316 ط 3.
ومعنى الإنساء تأخير الأمر بالقتال الى وقت الحاجة. وانظر الزركشي فى البرهان: 2/ 42، والسيوطي فى الإتقان: 2/ 21.

(5/163)


ويلحق بهذا القسم كل ما أمر به لسبب، ثم زال حكمه لزوال علته. كالامر بالمغفرة للذين لا يرجون لقاء الله. ثم نسخه بإيجاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر «14» . وكالنهى عن ادخار لحوم الأضاحي من اجل الدافة «15» ، ثم ورود «16» الاذن فيه فلم يعد منسوخا، بل من باب زوال الحكم لزوال علته. حتى لو فجا اهل ناحية جماعة مضرورون تعلق باهلها النهى) «17» .

- 7- تقسيم الآيات المنسوخة عند مقاتل الى ستة اقسام
لقد قلنا ان عدد الآيات المنسوخة عند مقاتل اربع وأربعون آية. ويمكننا الآن ان نقسم هذه الآيات الى ستة اقسام:
1- القسم الاول آيات منسوخة بآية السيف «18» وعددها ست عشرة آية.
2- القسم الثاني ليس فيها الا تخصيص العام وعددها خمس آيات.
3- القسم الثالث آيات ليس فيها الا تفسير المبهم وعددها آيتان.
4- القسم الرابع آيات لا تعارض بينها وبين ناسخها وعددها ثلاث عشرة آية.
5- القسم الخامس آيات هي فى حقيقتها اخبار وعددها خمس آيات.
6- القسم السادس آيات هي المنسوخ حقيقة وعددها ثلاث آيات.
وسنخصص جدولا لآيات كل قسم، مع الاشارة الى جزء من الآية، ثم نورد كل آية منسوخة على حدة. ونتبعها بالآية الناسخة لها عند مقاتل، وتعقيبنا على دعوى النسخ. وجل هذا التعقيب مستخرج من كتاب (النسخ فى القرآن الكريم) لاستاذى الدكتور مصطفى زيد.
__________
(14) البرهان: 2/ 42.
(15) وردت فى كتاب الاختيار شرح المختار باب الاضحية (من اجل الدافة) اى المجاعة. وانظر ايضا النسخ فى القرآن: 11/ 129 فقرة 198، فقد وردت بلفظ الدافة.
(16) فى البرهان ثم ورد. وهي عطف على المصدر فالأنسب الإتيان بها بصيغة المصدر.
(17) البرهان للزركشى: 21- 42. وقد حرفت فيه كلمة «الدافة» الى «الرافة» مع انها «الدافة» فى نص الحديث الصحيح.
(18) الحقنا بهذا القسم ما فى حكمه مما امر به لسبب ثم زال حكمه لزوال سببه، كالتوراث على الهجرة ثم التوارث على مطلق القرابة- كما فى الآية (6) من سورة الأحزاب المنسوخة عند مقاتل بآخر آية فى سورة الأنفال. [.....]

(5/164)


- 8- جدول بالآيات المنسوخة بآية السيف عند مقاتل
اسم السورة/ الآيات التي فيها/ رقم الآية/ من نص الآية/ رقم الجزء والورقة فى تفسير مقاتل/ رقم المجلد والصفحة فى تحقيقي له النساء/ 2/ 63/ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ/ 1/ 78 ا/ 1/ 385- 386 91/ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ/ 1/ 82 ا/ 1/ 396 المائدة/ 1/ 13/ فَاعْفُ عَنْهُمْ/ 1/ 95 ب/ 1/ 462 الانعام/ 2/ 66/ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ/ 1/ 118 ب/ 1/ 566 107/ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ
/ 1/ 122 ب/ 1/ 583 الأعراف/ 1/ 109/ خُذِ الْعَفْوَ/ 1/ 141 ا/ 1/ 81 الأنفال/ 1/ 75/ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ/ 1/ 149 ب/ 3/ 131 يونس/ 2/ 99/ وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ/ 1/ 169 ب/ 2/ 250 108/ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ/ 1/ 169 ب/ 2/ 252 الحج/ 1/ 69/ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ/ 2/ 28 ا/ 3/ 137 العنكبوت/ 1/ 46/ وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ/ 2/ 47 ا/ 3/ 385 الم السجدة/ 1/ 30/ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ/ 2/ 86 ا/ 3/ 454 الأحزاب/ 1/ 6/ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ/ 2/ 88 ا/ 3/ 474- 475 الزخرف/ 1/ 89/ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ/ 2/ 146 ب/ 3/ 807 الجاثية/ 1/ 14/ قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا/ 2/ 149 ب/ 3/ 837 المزمل/ 1/ 10/ وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ/ 2/ 213 ب/ 4/ 476 المجموع/ 16 آية

(5/165)


وهذا هو نص الآيات:
1- الآية 63 من سورة النساء هي قوله تعالى:
أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً.
والحديث فيها عن المنافقين، والمنافق لا يقتل وانما يوعظ ويخوف.
2- والآية 91 من سورة النساء هي قوله تعالى:
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها، فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً.
والآية نزلت فى قوم مخصوصين اسلموا قبل ان تنزل آية السيف، كما ان آية السيف نزلت- هي ايضا- فى قوم مخصوصين «19» .
3- والآية 13 من سورة المائدة هي قوله تعالى:
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
والآية تتحدث عن بنى إسرائيل: او عن بنى النضير الذين هموا بقتل رسول الله وأصحابه حين أتاهم يستعين بهم فى دية العامريين- كما قال الطبري-، فلا وجه لنسخها بآية السيف التي نزلت فى فئة من المشركين «20» .
4- والآية 66 من سورة الانعام هي:
وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ.
وهي توضيح ان وظيفة الرسول هي التبليغ عن الله، وانه ليس وكيلا على الكفار ولا حفيظا عليهم، ما دام قد بلغهم دعوة الله. فلا منافاة بينها وبين قتالهم، إذا تعين هذا القتال وسيلة للدعوة «21» .
ومن جهة اخرى سبق ان ذكرنا ان هذا من المنسأ لا من المنسوخ.
5- والآية 107 من سورة الانعام هي:
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ.
وهي كسابقتها.
__________
(19) النسخ فى القرآن: 2/ 786 فقرة 1172.
(20) النسخ فى القرآن: 2/ 535 فقرة 749.
(21) النسخ فى القرآن: 1/ 429 فاقرة 587.

(5/166)


6- والآية 199 من سورة الأعراف هي.
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. وهي كسابقتيها.
7- والآية 75 من سورة الأنفال هي:
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ.
قال مقاتل فَأُولئِكَ مِنْكُمْ فى الميراث، وهي منسوخة بالجزء الأخير منها وهو:
وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
قال مقاتل بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في الميراث. فورث المسلمون بعضهم بعضا من هاجر ومن لم يهاجر في الرحم والقرابة «22» .
وليس هذا من المنسوخ، ولكنه مما امر به لسبب ثم زال الحكم لزوال علته، فقد كان الميراث على الهجرة عند الحاجة إليها. ثم صار الى القرابة حين أعز الله الإسلام، وأغناه عن الهجرة.
8- والآية 99 من سورة يونس هي:
وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ.
وفيها ما تقدم.
9- والآية 108 من سورة يونس هي:
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ.
وفيها ما تقدم ايضا.
10- والآية 69 من سورة الحج هي:
اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.
وهي ايضا خبرية، والاخبار لا تقبل النسخ، بل ان ادعاء النسخ فيها إساءة ادب مع الله فهو سبحانه الحكم العدل يوم القيامة.
1- والآية 46 من سورة العنكبوت هي:
وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
والآية فى مجادلة اهل الكتاب، وآية السيف فى قتال فئة من المشركين، فلا تعارض ولا نسخ.
وقد ذهب الطبري وابو جعفر النحاس الى انها محكمة «23» .
__________
(22) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث: جزء 1 ورقة 149 ب، وانظر تحقيقي له: 2/ 131.
(23) النسخ فى القرآن الكريم: 2/ 549، فقرة 768.

(5/167)


12- والآية 30 من سورة السجدة هي:
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ.
وفيها ما تقدم.
13- والآية 6 من سورة الأحزاب هي:
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً.
وقال مقاتل نسختها الآية فى آخر الأنفال. يقصد الجزء الأخير منها وهو وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وقد سبق بيان ان هذا من باب المنسأ، وليس بنسخ.
14- والآية 89 من سورة الزخرف هي:
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.
وقد سبق بيان انها ليست منسوخة.
15- والآية 14 من سورة الجاثية هي:
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
16- والآية 10 من سورة المزمل هي:
وَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا.
وسبق بيان ان المسلمين أمروا عند قلتهم وضعفهم بالصبر والتحمل، ثم أمروا عند قوتهم بالقتال وصد العدوان، فليس فى الأمر بالقتال نسخ للأمر بالصفح والعفو، بل هو من باب تغيير الحكم لتغيير العلة. فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
وبهذا يظهر لنا خطا مقاتل فى دعوى النسخ بآية السيف على الآيات السابقة.
كما يظهر خطا من نقل عنه بدون تمحيص، كهبة الله بن سلامة المتوفى سنة 410 هـ فى كتابه الناسخ والمنسوخ حيث يقول:
«كل ما فى القرآن من مثل فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، وَتَوَلَّ عَنْهُمْ، وخلوا سبيلهم، وما شاكل ذلك- فناسخه آية السيف.
«وكل ما فى القرآن من مثل إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ فناسخه لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ.
«وكل ما فى القرآن من خبر الذين أوتوا الكتاب، والأمر بالعفو والصفح عنهم- نسخه قوله: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ... الآية.
ثم يصرح بانه نقل هذه الجمل واستخرجها من كتب المحدثين وشيوخ المفسرين

(5/168)


وعلمائهم: من كتاب ابى صالح مما رواه الكلبي. ومن كتاب مقاتل بن سليمان أنبأ به عبد الخالق بن الحسين السقطي أنبأ عبد الله بن ثابت عن أبيه عن الهذيل ابن حبيب عن مقاتل) «24» .

- 9- جدول بآيات ليس فيها الا التخصيص
اسم السورة/ رقم الآية/ جزء منها/ رقم الجزء والورقة فى تفسير مقاتل/ رقم المجلد والصفحة فى النسخة المحققة البقرة/ 180/ الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ/ 1/ 28 ا/ 1/ 159 البقرة/ 228/ وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ/ 1/ 137 ا/ 1/ 194 البقرة/ 284/ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ/ 1/ 49 ا/ 1/ 231 الاسراء/ 24/ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما/ 1/ 213 ب/ 2/ 528 الشورى/ 5/ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ/ 3/ 137 ب/ 3/ 763- 764 المجموع/ 5 آيات

وهذا هو نص هذه الآيات:
1- الآية 180 من سورة البقرة:
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ.
ذكر مقاتل انها نسخت بآيات المواريث، والآية لم تنسخ، وانما خصص وجوب الوصية بغير الورثة، فالوصية واجبة فى حد ذاتها، اعتمادا على ما أخرجه البخاري فى كتاب الوصايا: باب الوصية وقول النبي صلى الله عليه وسلم وصية الرجل مكتوبة عنده «25» .
__________
(24) النسخ فى القرآن الكريم: 1/ 365 الفقرة 496، نقلا عن الورقة الاخيرة من المخطوطة: 248 تفسير بدار الكتب المصرية.
ونلاحظ ان الاسناد الذي ذكره ابن سلامة الى، مقاتل هو نفس الاسناد الذي روى لنا تفسيره الكامل للقرآن الكريم.
(25) فتح الباري: 5/ 263- 267، ومسلم فى كتاب الوصايا، والنسائي، والدارقطني والنسخ فى القرآن د. مصطفى زيد: 2/ 592- 596 فقرة 820- 824.

(5/169)


4- والآية 228 من سورة البقرة هي:
وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
ذكر مقاتل انها منسوخة بالآية بعدها، وهي الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ سورة البقرة: 229.
والاولى تتحدث عن عدة المطلقة ذوات الأقراء. والثانية تبين انواع الطلاق ومتى يكون رجعيا ومتى يكون بائنا، فليس فيها الا تقييد المطلق، وقد الحقه السابقون بالتخصيص.
3- والآية 284 من سورة البقرة هي:
لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
نسختها الآية 286 من سورة البقرة وهي:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها.. الآية وهي انما خصصت العموم الذي فى الاولى ولم تنسخه «26» .
4- والآية 24 من سورة الاسراء هي:
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً.
نسختها الآية 113 من سورة براءة وهي:
مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ.
وهذه الآية مخصصة للآية السابقة وليست ناسخة لها.
5- والآية 5 من سورة الشورى هي:
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
نسختها الآية 7 من سورة غافر وهي:
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ... الآية.
وقد أسند ابن الجوزي زعم النسخ هنا الى وهب بن منبه والسدى ومقاتل
__________
(26) النسخ فى القرآن الكريم: 2/ 607 فقرة 837.

(5/170)


ابن سليمان، ثم عقب بقوله: (وهذا قبيح، لان الآيتين خبر والخبر لا ينسخ ثم ليس بينهما تضاد) . فالآية الثانية مخصصة للاستغفار بالمؤمنين. وليست ناسخة «27» .

- 10- جدول بآيات ليس فيها الا تفسير المبهم
اسم السورة/ رقم الآية/ جزء من الآية/ رقم الجزء والورقة فى تفسير مقاتل/ رقم المجلد والصفحة فى النسخة المحققة آل عمران/ 102/ ااتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ/ 1/ 59 ا/ 1/ 292- 293 النساء/ 10/ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً/ 1/ 70 ا/ 1/ 360 المجموع/ آيتان الاولى هي قوله تعالى فى سورة آل عمران: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ نسختها: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ سورة التغابن: 16. وهذا من تفسير المبهم وليس نسخا «28» . ولان ما استطعتم هو حق تقاته لم يطلب منهم غير ذلك «29» .
والآية الثانية هي قوله تعالى فى سورة النساء: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً. نسختها الآية 220 فى سورة البقرة وهي: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
قال ابن الجوزي: والآية لا يجوز فيها ناسخ ولا منسوخ، لأنها خبر ووعيد ونهى عن الظلم والتعدي، ومحال نسخ هذا. اهـ.
ثم انه لا تنافى بين الآيتين، لان الثانية بينت لنا طريقة النجاة من الوعيد الذي فى الاولى- وذلك برعاية اليتيم ومخالطته بالإصلاح، فهي تفسير للمبهم وليست نسخا «30» .
__________
(27) النسخ فى القرآن الكريم: 1/ 464 فقرة 634.
(28) النسخ فى القرآن: 2/ 614.
(29) اصول الفقه للخضري: 279.
(30) النسخ فى القرآن الكريم: 2/ 616- 617، الفقرة 849.

(5/171)


- 11- جدول بآيات لا تعارض فيها بين الناسخ والمنسوخ
اسم السورة/ رقم الآية/ جزء من الآية/ رقم الجزء والورقة فى تفسير مقاتل/ رقم المجلد والصفحة فى تحقيقي له البقرة/ 178/ الْحُرُّ بِالْحُرِّ/ 1/ 27 ب/ 1/ 158 البقرة/ 184/ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ/ 1/ 28 ب/ 1/ 160- 161 البقرة/ 191/ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ/ 1/ 30 ب/ 1/ 168 البقرة/ 215/ يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ/ 1/ 34 ب/ 1/ 183 البقرة/ 240/ وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ/ 1/ 40 ا/ 1/ 201 المائدة/ 2/ لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ/ 1/ 92 ب/ 1/ 448- 451 المائدة/ 42/ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ/ 1/ 100 ب/ 1/ 478 الانعام/ 15/ قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي/ 1/ 114 ب/ 1/ 552- 553 الأنفال/ 61/ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ/ 1/ 148 ا/ 2/ 123 الاسراء/ 34/ وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ/ 1/ 215 ا/ 2/ 530 الأحقاف/ 9/ قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ/ 2/ 152 ا/ 4/ 17 الذاريات/ 19/ وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ/ 2/ 170 ا/ 4/ 129 الممتحنة/ 11/ وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ/ 2/ 194 ب/ 4/ 305- 306 المجموع/ 13 آية

(5/172)


وإليك هذه الآيات والآيات الناسخة لها عند مقاتل:
1- الآية 178 من سورة البقرة هي:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ، ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ، فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ.
وناسخها عند مقاتل هو قوله تعالى فى سورة المائدة: 45 وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ.
ولا نسخ هنا، لان آية المائدة تحكى ما كتبه الله عز وجل فى التوراة، وآية البقرة تقرر حكم القصاص فى شريعة الإسلام، واما قصاص الرجل بالمراة فمستفاد مما ورد فى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: بان نفس الرجل الحر قود، قصاصا بنفس المراة الحرة. وقد ذكر الطبري اربعة مذاهب فى تاويل الآية الاولى:
يقوم الاول منها على تحديد المسموح به من القصاص بانه هو الذي لا يتعدى القاتل فيه الى غيره «31» .
وقد اجمع العلماء على ان الله لم يقض فى حكم القصاص قضاء ثم نسخه «32» .
2- والآية 184 من سورة البقرة هي قوله تعالى:
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ. وناسخها عند مقاتل فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ سورة البقرة: 185.
ولا نسخ هنا، لان الآية الاولى خاصة بالشيخ الكبير والعجوز وأمثالهما ممن يعجزون عن الصوم. او يقدرون عليه بمشقة بالغة. قال الامام محمد عبده ان الاطاقة ادنى درجات المكنة والقدرة على الشيء. فلا تقول العرب أطاق الشيء الا إذا كانت قدرته عليه فى نهاية الضعف، فالمراد بالذين يطيقونه هنا الشيوخ والضعفاء، والزمنى الذين لا يرجى برؤهم، ونحوهم: كالفعلة الذين جعل الله معاشهم الدائم بالاشغال الشاقة، كاستخراج الفحم الحجري من مناجمه. ومنهم المجرمون الذين يحكم عليهم بالاشغال الشاقة المؤبدة إذا كان الصوم يشق عليهم بالفعل وكانوا يملكون الفدية «33» .
__________
(31) الطبري: 3/ 363- 364.
(32) النسخ فى القرآن الكريم: 2/ 632 فقرة 866- 872. [.....]
(33) تفسير المنار: 2/ 156، والنسخ فى القرآن الكريم: 2/ 643 فقرة 883- 887.
وانظر: اصول الفقه للخضري: 278.

(5/173)


3- والآية 191 من سورة البقرة هي:
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ. وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ.
زعم مقاتل ان النصف الأخير من الآية منسوخ بالنصف الاول منها، اى ان:
وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ منسوخ بقوله فى أول الآية: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ..
وهذا عجيب، لان المنسوخ يجب ان يتقدم على الناسخ ولا يتأخر عنه فى النزول. ثم ان الموضوعين مختلفان، فالنصف الاول يتعلق بما عدا المسجد الحرام، والأخير يتعلق بالقتال عند المسجد الحرام، فهو مخصص للنصف الاول وليس منسوخا به.
4- والآية 215 من سورة البقرة هي:
يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ، وهي منسوخة عند مقاتل بآية الزكاة. ولا نسخ هنا، لان الاولى فى الصدقة او النفقة، والثانية فى الزكاة، وفرضية الزكاة لا تمنع الإنفاق تطوعا «34» .
5- والآية 240 من سورة البقرة هي:
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ، فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
وهي عند مقاتل منسوخة بالآية 234 من سورة البقرة وهي التي يقول الله فيها: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً، فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.
والناظر فى الآيتين يراهما مختلفي الموضوع، فالاولى تبين حقا للمتوفى عنهن هو حق السكنى والنفقة، ولذلك قال: وصية لأزواجهم متاعا الى الحول. والثانية تبين واجبا عليهن هو ان يتربصن بأنفسهن اربعة أشهر وعشرا لا يتزوجن فى أثنائها، فلا تناقض بين الحكمين. ولا مجال للنسخ.
__________
(34) النسخ فى القرآن: 2/ 657 فقرة، 912- 919.

(5/174)


6- والآية 3 من سورة المائدة هي:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ....
وقد ادعى مقاتل انها منسوخة بآية السيف فى سورة التوبة: 5 وهذا عجيب ايضا لاختلاف الموضوعين، فالاولى تتعلق بافراد معينين قصدوا البيت الحرام فى زمن معين طلبا للثواب. والثانية تتعلق بالمشركين الذين نقضوا العهد.
7- والآية 42 من سورة المائدة هي قوله عز وجل:
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ، فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ... الآية. وقد زعم مقاتل انها منسوخة بالآية 49 من السورة نفسها وهي:
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ ... الآية.
ولا معنى للنسخ، لان الثانية متممة للأولى، فهو مخير ان يحكم او يعرض، وإذا اختار الحكم حكم بما انزل الله، فالطلب منصب على القيد «35» .
8- والآية 15 من سورة الانعام هي:
قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، وهي فى زعم مقاتل منسوخة بالآيات الاولى من سورة الفتح وهي: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ... ، والمراد بالمعصية فى الآية الاولى الإشراك بالله وما يؤدى الى هذا الإشراك من تبديل القرآن. والمغفرة فى سورة الفتح ليست للشرك، كيف وقد قال تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ. فلا تعارض ولا نسخ.
9- والآية 61 من سورة الأنفال هي:
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، نسختها عند مقاتل الآية التي فى محمد: 35 فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ..، والحقيقة انه لا نسخ هناك، لان الاولى انما عنى بها بنو قريظة، والثانية قصد بها مشركو العرب. ومن ثم كان القول بالنسخ هنا لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة ولا عقل كما يقول الطبري «36» .
__________
(35) اصول الفقه للخضري: 280.
(36) تفسير الطبري: 14/ 42- 43. والنسخ فى القرآن: 2/ 565- 566 فقرة 785 وما بعدها

(5/175)


10- والآية 34 من سورة الاسراء هي:
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... ، وناسخها فى راى مقاتل هو الآية 220 فى سورة البقرة وهي: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ، ولا تعارض بين الآيتين، لان الاولى تبيح المخالطة بالتي هي احسن، والثانية كذلك، وبذلك تلتقى الآيتان عند المحافظة على مال اليتيم والاحتياط لمصلحته.
11- والآية 9 من سورة الأحقاف هي:
قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ، وهي عند مقاتل منسوخة بقوله تعالى فى سورة الفتح:
الآية الثانية لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ... والاولى تقول: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ فى الدنيا، والثانية تثبت ان جزاءه المغفرة والجنة فى الآخرة، وقد روى ذلك عن الحسن البصري، ورجحه الطبري، فلا تعارض بينهما «37» .
12- والآية 19 من سورة الذاريات هي:
وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ، ومقاتل يزعم انها منسوخة بآية الزكاة. والواقع ان الآية خبر، والاخبار لا تنسخ، ثم انه لا تعارض بين الصدقة والزكاة، فالصدقة تطوع ومعونة، والزكاة فريضة.
13- والآية 11 من سورة الممتحنة هي:
وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ، ومعناها: ان ارتدت امراة ولم يرد الكفار صداقها الى زوجها كما أمروا- فردوا أنتم الى زوجها مثل ما أنفق. ومعنى فعاقبتم: فأصبتم من الكفار عقبى: هي الغنيمة.
وقد نسب ابن كثير هذا التفسير الى مسروق وابراهيم وقتادة، ومقاتل والضحاك، وسفيان بن حسين، والزهري «38» .
وذكر مقاتل انها منسوخة بآية السيف، ولا ارى تعارضا بينهما «39» .
__________
(37) تفسير الطبري: 26/ 6، وانظر النسخ فى القرآن الكريم: 1/ 742 فقرة 645.
(38) تفسير ابن كثير: 4/ 352.
(39) النسخ فى القرآن الكريم: 2/ 800 فقرة 1197- 1202.

(5/176)


- 12- جدول بآيات منسوخة عند مقاتل وهي اخبار لا تقبل النسخ
اسم السورة/ رقم الآية/ جزء من الآية/ رقم الجزء والورقة فى تفسير مقاتل/ رقم المجلد والصفحة فى النسخة المحققة الانعام/ 69/ وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ/ 1/ 118 ب/ 1/ 567 الانعام/ 159/ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً/ 1/ 127 ا/ 1/ 599 التوبة/ 80/ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً/ 1/ 158 ا/ 2/ 186- 187 الشورى/ 15/ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ/ 2/ 138 ب/ 3/ 767 الشورى/ 20/ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها/ 2/ 139 ا/ 3/ 768 المجموع/ 5 آيات

وإليك بيان هذه الآيات:
1- الآية 69 من سورة الانعام هي قوله تعالى:
وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، وقد ذكر مقاتل انها منسوخة بالآية 140 فى سورة النساء وهي: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ، إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً، والآية الاولى خبر، والاخبار لا تقبل النسخ. وقد ذهب الى ذلك الطبري، وابو جعفر النحاس، وابن الجوزي «40» .
__________
(40) النسخ فى القرآن الكريم: 1/ 441 الفقرة 602.

(5/177)


2- والآية 159 من سورة الانعام هي:
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ، ناسخها عند مقاتل الآية 29 من سورة التوبة وهي: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ.
والمراد بالذين فرقوا دينهم: اليهود، او من سيخالفون امر الدين من المسلمين.
وعلى كل فالآية خبر لا امر، والنسخ انما يكون فى الأمر والنهى «41» .
3- والآية 80 من سورة التوبة هي:
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ.
ذكر مقاتل انها منسوخة بالآية 6 من سورة المنافقين، ونصها: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ والأمر والنهى فى آية التوبة ليس على ظاهره، بل مراد به الخبر، ومعناه:
ان استغفرت لهم يا محمد او لم تستغفر لهم فلن يغفر الله لهم. والاخبار لا يدخلها النسخ «42» .
4- والآية 15 من سورة الشورى هي:
فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ، وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ، اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ، لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ، اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ.
قال مقاتل: نسختها آية القتال فى براءة- وآية القتال غير آية السيف عند مقاتل.
فآية السيف هي 5 من سورة التوبة: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.. الآية. اما آية القتال فهي الآية 29 من سورة التوبة وهي: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ... الآية.
ونلاحظ ان الآية 15 من سورة الشورى خبر فلا تقبل النسخ، كما انها تقرر مبدا لا يقبله. وهو ان كل انسان مسئول عن عمله ومحاسب عليه «43» .
__________
(41) تفسير الطبري: 12/ 272- والنسخ فى القرآن الكريم: 1/ 441 فقرة 602.
(42) النسخ فى القرآن الكريم: 2/ 749 فقرة 1096.
(43) النسخ فى القرآن الكريم: 1/ 464 الفقرة 635.

(5/178)


5- والآية 20 من سورة الشورى هي:
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ.
ذكر مقاتل انها منسوخة بالآية 14 من سورة الاسراء وهي: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً.
والآية 20 من سورة الشورى خبر، والاخبار لا تقبل النسخ.
ثم ان الآية الناسخة لا تختلف عن الآية الاولى فى شيء الا انها قيدت المطلق، وتقييد المطلق ليس من النسخ فى شيء حتى فى الآيات التشريعية. ثم ان الأشياء كلها بارادة الله ومشيئته، وهذا بديهي «44» .

- 13- جدول بآيات منسوخة عند مقاتل وفيها حقيقة النسخ
اسم السورة/ رقم الآية/ جزء من الآية/ رقم الجزء والورقة فى تفسير مقاتل/ رقم المجلد والصفحة فى النسخة المحققة النساء/ 15/ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ/ 1/ 72 ا/ 1/ 362- 363 النساء/ 16/ وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ/ 2/ 72 ا/ 1/ 363 المجادلة/ 12/ إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ/ 2/ 188 ا/ 4/ 264 المجموع/ 3 آيات

وإليك بيان هذه الآيات:
1- الآية 15 من سورة النساء هي:
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ، فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا.
__________
(44) النسخ فى القرآن الكريم: 1/ 466 فقرة 637.

(5/179)


يرى مقاتل انها تتعلق بالمراة الثيب تزنى ولها زوج، فيأخذ المهر منها من غَيْر طلاق وَلا حد ولا جماع، - اى لا يجامعها- وتحبس فى السجن حتى تموت. ثم نسخ الحد فى سورة النور الحبس فى البيوت.
2- والآية 16 من سورة النساء هي:
وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً.
يرى مقاتل انها تتعلق بالبكرين اللذين لم يحصنا، فيعيران ليندما ويتوبا.
ثم نسختها آية 3 فى سورة النور: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
فلما امر الله بالجلد قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّه أكبر جاء اللَّه بالسبيل، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة.
فاخرجوا من البيوت لاقامة الحد، ولم يحبسوا، فذلك قوله عَزَّ وَجَلّ:
أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا يعنى مخرجا من الحبس باقامة الحد.
هذا هو راى مقاتل فى تفسير الآيتين وقد نقلت عبارته بنصها.
ولأبي مسلم راى فى تفسير الآيتين، ان الاولى فى السحاقات والثانية فى اهل اللواط.
وآية النور فى الزنا بين الرجل والمراة، فلا نسخ «45» .
والحق ان تفسير مقاتل للآيتين تفسير مقبول عقلا ونقلا، اهـ.
3- والآية 12 من سورة المجادلة هي:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وهي على التحقيق منسوخة بالآية: 13 بعدها، لأنها تقول: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ؟ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ...
ويرى مقاتل ان الزكاة نسخت تقديم الصدقة بين يدي المناجاة. ويعلل مقاتل نزول الآية الاولى بان الأغنياء كانوا يكثرون مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويغلبون الفقراء على مجالس النبي صلى الله عليه وسلم. وكان النبي صلى الله عليه
__________
(45) انظر الرد عليه فى كتاب النسخ فى القرآن: 2/ 833 فقرة 1259.

(5/180)


وسلم يكره طول مجالستهم وكثرة نجواهم، فلما أمرهم بالصدقة عند المناجاة انتهوا عند ذلك، وقدرت الفقراء على كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومجالسته.
ولم يقدم أحد من اهل الميسرة صدقة غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قدم دينارا وكلم النبي صلى الله عليه وسلم عشر كلمات.
فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى انزل الله تعالى: ء أشفقتم يقول أشق عليكم؟
أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ.. الآية.

- 14- آيات ينطبق عليها النسخ ولم يعتبرها مقاتل منسوخة
قد اعتبر ما فى الآيات الناسخة لها تخفيفا وتيسيرا او رخصة بعد الهزيمة:
1- كما فى نسخ الآية 65 بالآية 66 من سورة الأنفال حيث يقول سبحانه:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ.
قال مقاتل: فجعل الرجل من المؤمنين يقاتل عشرا من المشركين، ولم يكن «ذلك فرضا» فرضه الله لا بد منه، ولكنه تحريض من الله ليقاتل الواحد عشرة، فلم يطق المؤمنون ذلك، فخفف الله عنهم بعد قتال بدر، فانزل الآية: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ «46» .
وفى كتاب النسخ فى القرآن الكريم يرى الدكتور مصطفى زيد: (ان آية الأنفال المذكورة منسوخة بالآية التي تليها) ونقل ذلك عن الشافعي والبخاري والطبري وشيوخ اهل التأويل وجمهور المفسرين من بعدهم «47» .
ويقول الأستاذ الخضرى «48» : (والظاهر هو ان تعريف النسخ ينطبق على هذه الآية، لان الاولى كانت توجب عليهم الصبر لعشرة أمثالهم، والثانية رفعت هذا الوجوب عنهم وأوجبت شيئا آخر، وهو صبرهم لضعفهم) .
والخلاف بين مقاتل وغيره أساسه ما يأتي:
هل لقاء المسلمين لعشرة أمثالهم كان فرضا او ندبا؟.
__________
(46) قارن بأصول التشريع الإسلامي، على حسب الله: 307 ط 3، ورواية فى الآية شبيه براى مقاتل فيها. [.....]
(47) النسخ فى القرآن الكريم: 2/ 821 الفقرة 1231.
(48) اصول الفقه: محمد الخضرى: 281.

(5/181)


لمقاتل يرى- ان الآية 65 من الأنفال- لم تكن فرضا لا بد منه، بل كانت تحريضا للمسلمين على لقاء أعدائهم ولو كانوا عشرة أمثالهم، ثم خفف الله عنهم ذلك الى قتال مثليهم.
(فهي كقول المعلم لتلميذه يحثه على المذاكرة، ويعده لتقبل ما سيكلفه إياه:
انك- بما اعهد فيك من ذكاء وحب للعلم- تستطيع ان تذاكر من هذا الكتاب كل يوم مائة صفحة. ثم يتبع هذا بقوله: وانا الآن أخفف عنك فلا أكلفك هذا الذي تقدر عليه، لأني اعلم ان عليك من العلوم الاخرى ما يحتاج الى مذاكرة، فذاكر فى كل يوم عشرين صحيفة) «49» .
اما الذين يقولون بالنسخ- فى الآية 65 من سورة الأنفال- فهم يرون ان الآية فرضت على المسلمين الا يفروا من عشرة أمثالهم، ثم نسخ الله ذلك بعدم الفرار من مثليهم فى الآية التالية، وقد ورد ذلك فى الصحيح، واثر عن السلف.
ولمقاتل ان يقول: ان ما روى عن السلف من نسخ هنا لا ينقض ما ذهبنا اليه، فقد كانوا يطلقون النسخ على التخفيف وعلى كل تغيير يطرأ على الحكم «50» .
2- وفى نسخ صدر سورة المزمل بالآية الاخيرة منها «51» ، ذكر مقاتل ان
__________
(49) على حسب الله، اصول التشريع الإسلامي: 307.
(50) لكن للقائلين بالنسخ ان يقولوا: ان الأمر للوجوب أصلا، ولا صارف له هنا عن حقيقته، وان الآية الثانية بدأت بقوله عز وجل (الآن خفف الله عنكم) وهذا يشعر بان الحكم قد تغير، إذ لا معنى للتخفيف برفع ندب شيء كان مندوبا، لأنه بطبيعة كونه ليس ملزما، فلا يحتاج الى التخفيف ما داموا لا يؤاخذون على تركه. ويقول الأستاذ الخضرى (اصول الفقه: 281) معلقا على القول بنسخ الآية المذكورة: (وربما يقال ان الرخص مع العزائم كذلك، ولم يقل احد ان الرخصة تنسخ العزيمة، فآية التيمم لم تنسخ آية الوضوء. مع ان آية الوضوء توجبه على كل حال، وآية التيمم توجب رفع الاول وإيجاب شيء آخر، فكذلك هنا) .
بينما ينقض ذلك الدكتور مصطفى زيد بقوله: (النسخ فى القرآن الكريم: 2/ 924 فقرة 1242) : والحكم الذي شرع بالآية الثانية هنا- وهو التخفيف بإيجاب الثبات على كل مسلم امام اثنين بدلا من عشرة- لم يشرع على انه رخصة لا يجوز العمل بها الا عند تعذر العمل بالعزيمة، التي هي الحكم الاول، وانما شرع ليحل محل الحكم الاول فى كل حال. فلا يقال ان المسلمين فى حال القوة يجب عليهم الثبات لعشرة أمثالهم من الكفار، لان هذا الحكم قد نسخ فلم يعد محل تكليف. ولا يعتبر المؤمنون مخالفين إذا فروا فى حال قوتهم امام ثلاثة أمثال او اكثر، لأنه لم يعد الثبات واجبا عليهم- بعد النسخ- امام اكثر من مثليهم) ا. هـ.
(51) قال تعالى فى أول السورة: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا سورة المزمل: 1- 3.
ويذكر مقاتل: ان الله فرض على الرسول والمسلمين قيام مقدار من الليل- نصفه او انقص من النصف او اكثر- وذلك قبل ان تفرض الصلوات الخمس. فكانوا لا يصلون الا بالليل، ومكنوا على ذلك سنة، فشق عليهم القيام. فانزل الله الرخصة فى قوله سبحانه: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى

(5/182)


الآيات الاولى من السورة كانت عزيمة، والآية الاخيرة رخصة من الله بعد التشديد.
ثم عاد فقال: ان الآية الاخيرة نسخت قيام الليل عن المؤمنين، وثبت قيام الليل على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ويلاحظ ان مقاتلا سوى بين الرخصة والنسخ فى إطلاقهما هنا، مع ان هناك فارقا بينهما: فالرخصة لا يجوز العمل بها الا عند تعذر العمل بالعزيمة. اما النسخ فان الحكم الثاني حل محل الاول فى كل حال «52» .
وعذر مقاتل فى ذلك ان النسخ لم يكن تميز عما سواه فى ذلك الوقت، كما يلاحظ ان مقاتلا يرى: ان الآية الاخيرة لم تنسخ قيام الليل فى حق الرسول صلى الله عليه وسلم بل نسخته فى حق المسلمين فقط وبقي قيام الليل فرضا على رسول الله.
وفى تفسيره للآية 26 من سورة الإنسان وهي: وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا. يذكر ان قيام الليل كان فريضة على رسول الله صلى الله عليه وسلم «53» .
ويذكر الدكتور مصطفى زيد: (ان قيام الليل كان قد فرض أولا على جميع الامة، ثم نسخ بعد اثنى عشر شهرا فأصبح تطوعا بعد ان كان فريضة، - كما قالت عائشة رضى الله عنها- وان التهجد قد فرض على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بمقتضى آية الاسراء [79] وبقي فرضا عليه حتى انتقل الى الرفيق الأعلى، فلم ينسخ) «54» .
__________
مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ... سورة المزمل: 20. قال مقاتل: فهذه رخصة من الله بعد التشديد، فنسخ قيام الليل على المؤمنين وثبت قيام الليل على النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان بين أول هذه السورة وآخرها سنة. حتى فرضت الصلوات الخمس والزكاة، فهما واجبتان.
(52) النسخ فى القرآن الكريم: 2/ 816 فقرة 1242 وقد نقلتها لك قبل قليل.
(53) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث جزء 2 ورقة 222 ب، وانظر تحقيقي له: 4/ 534. وفى تفسيره للآية 79 من سورة الاسراء وهي وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً، يقول (نافلة) لك بعد المغفرة لان الله قد غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تأخر، فما كان من عمل «له» فهو نافلة، مثل قوله سبحانه (ووهبنا له إسحاق) حين سال الولد (ويعقوب نافلة) يعنى فضلا على مسألته.
تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث جزء 1 ورقة 219 ا. وانظر تحقيقي له: 2/ 564.
(54) النسخ فى القرآن الكريم: 2/ 816 الفقرة 1225. وقارن بأصول التشريع الإسلامي: على حسب الله: 203 ط 3.

(5/183)


فمقاتل يرى ان قيام الليل لم ينسخ فى حق الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويذهب غيره الى انه نسخ ثم عاد ففرض عليه، وقد استعرض الدكتور مصطفى زيد الآراء والآثار التي اثرت عن السلف فى هذا الموضوع، وقارن بينها فى دراسة محررة جامعة، لا نرى بعدها زيادة لمستزيد، ثم انتهى الى رأيه المذكور سابقا «55» ، فجزاه الله احسن الجزاء.
__________
(55) النسخ فى القرآن الكريم: 2/ 808- 816 الفقرة 1212- 1215.

(5/184)