زاد المسير في علم التفسير

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)

سورة العاديات
وفيها قولان: أحدهما: أنها مكية، قاله ابن مسعود، وعطاء، وعكرمة، وجابر. والثاني: مدنيّة، قاله ابن عباس، وقتادة، ومقاتل.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (1) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (2) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4)
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (5) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (9)
وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)
قوله عزّ وجلّ: وَالْعادِياتِ فيه قولان:
أحدهما: أنها الإبل في الحج، قاله علي، وابن مسعود، وعبيد بن عمير، والقرظي، والسدي.
وروي عن علي أنه قال: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى. وروي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال هذا في صفة وقعة بدر. قال: وما كان معنا يومئذ إلا فرس. وفي بعض الحديث أنه كان معهم فرسان.
والثاني: أنها الخيل في سبيل الله، قاله ابن عباس، والحسن، وعطاء، ومجاهد، وأبو العالية، وعكرمة، وقتادة، وعطية، والربيع، واللغويون. وكان ابن عباس يذهب إلى أن هذا كان في سريَّة، (1562) فروى عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعث خيلاً، فلم يأته خبرها شهراً، فنزلت وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ضبحت بمناخرها فَالْمُورِياتِ قَدْحاً قدحت بحوافرها الحجارة فأورت ناراً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً صبحت القوم بغارة فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً أثارت بحوافرها التراب فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قال: صبحت الحي جميعا.
(1563) وقال مقاتل: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم سريّة إلى حيّين من كنانة واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري، فأبطأ عنه خبرها، فجعل اليهود والمنافقون إذا رأوا رجلاً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم تناجَوْا، فيظن الرجل أنه قد قُتِلَ أخوه أو أبوه، أو عمه، فيجد من ذلك، فنزلت: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً
__________
أخرجه ابن مردويه كما في «الدر» 6/ 651 عن ابن عباس به، ولم أقف على إسناد، وتفرد ابن مردويه به دليل وهنه.
عزاه المصنف لمقاتل، وهو ممن يضع الحديث، فخبره هذا لا شيء.

(4/480)


فأخبر الله عزّ وجلّ كيف فعل بهم. قال الفراء: الضبح: أصوات أنفاس الخيل إذا عَدَوْنَ. وقال ابن قتيبة: الضبح: صوت حلوقها إذا عَدَتْ. وقال الزجاج: ضبحها: صوت أجوافها إذا عدت.
قوله عزّ وجلّ: فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فيه خمس أقوال «1» : أحدها: أنها الخيل تُوري النار بحوافرها إذا جرت، وهذا قول الجمهور. قال الزجاج: إذا عدت الخيل بالليل، فأصابت بحوافرها الحجارة، انقدحت منها النيران. والثاني: أنها نيران المجاهدين إذا أُوقدت، روي عن ابن عباس. والثالث: مَكْرُ الرجال في الحرب، قاله مجاهد، وزيد بن أسلم. والرابع: نيران الحجيج بالمزدلفة، قاله القرظي.
والخامس: أنها الألسنة إذا ظهرت بها الحجج وأُقيمت بها الدلائل على الحق وفضح بها الباطل، قاله عكرمة.
قوله عزّ وجلّ: فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً هي التي تغير على العَدُوِّ عند الصباح، هذا قول الأكثرين. وقال ابن مسعود: فالمغيرات صبحاً حين يُفيضون من جمع.
قوله عزّ وجلّ: فَأَثَرْنَ بِهِ قال الفرّاء: يريد به الوادي ولم يذكر قبل ذلك، وهذا جائز، لأن الغبار لا يثار إلا من موضع. والنقع: الغبار، ويقال: التراب. وقال الزجاج: المعنى: فأثرن بمكان عَدْوِهِنَّ، ولم يتقدم ذكر المكان، ولكن في الكلام دليل عليه، قوله: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قال المفسرون: المعنى: توسطن جمعاً من العدو، فأغارت عليهم. وقال ابن مسعود: فوسطن به جمعاً، يعني مزدلفة.
قوله عزّ وجلّ: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ هذا جواب القسم. والإنسان هاهنا: الكافر. قال الضحاك: نزلت في الوليد بن المغيرة، وقال مقاتل: نزلت في قرط بن عبد الله بن عمرو بن نوفل القرشي وفي «الكَنُود» ثلاثة أقوال:
(1564) أحدها: أنه الذي يأكل وحده، ويمنع رِفْده، ويضرب عبده، رواه أبو أُمامة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
والثاني: أنه الكفور، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك. والثالث: لَوَّام لِرَبِّهِ يَعُدُّ المصيبات، وينسى النِّعَم، قاله الحسن. قال ابن قتيبة: والأرض الكنود: التي لا تُنْبِتُ شيئاً.
قوله عزّ وجلّ: وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ في هاء الكناية قولان: أحدهما: أنها ترجع إلى الله عزّ
__________
ضعيف جدا. أخرجه الطبري 37840 وكذا الطبراني 7778 و 7958 من حديث أبي أمامة، وإسناده ضعيف جدا لضعف جعفر بن الزبير، بل هو متروك، وكذبه شعبة.
__________
(1) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» 4/ 645: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها يعني: ألقت ما فيها من الموتى، قاله غير واحد من السلف، وهذه كقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ وكقوله: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ، وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيء» اه.

(4/481)


وجلّ، تقديره: وإن الله على كفره لشهيد. والثاني: أنها ترجع إلى الإنسان، تقديره: إن الإنسان شاهد على نفسه أنه كنود، روي القولان عن ابن عباس «1» .
قوله عزّ وجلّ: وَإِنَّهُ يعني: الإنسان لِحُبِّ الْخَيْرِ يعني: المال لَشَدِيدٌ.
وفي معنى الآية قولان: أحدهما: وإنه من أجل حُبِّ المال لبخيلٌ، هذا قول الحسن، وابن قتيبة، والزجاج. قال أبو عبيدة: ويقال للبخيل: شديد، ومُتَشَدِّدٌ قال طرفة.
أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَام ويَصْطَفي ... عَقِيلَةَ مَالِ البَاخِلِ المُتَشدِّدِ
والثاني: وإنه للخير لشديد الحبِّ، وهذا اختيار الفراء. قال: فكأن الكلمة لمَّا تقدم فيها الحب، وكان موضعه أن يضاف إليه «شديد» ، حذف الحبّ من آخره لما جرى ذكره في أوّله، ولرؤوس الآيات. ومثله: اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ «2» فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره.
قوله عزّ وجلّ: أَفَلا يَعْلَمُ يعني: الإنسان المذكور إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ أي: أُثير وأُخرج وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ أي: مُيِّز واستُخرج. والتحصيل: تمييز ما يحصل. وقال ابن عباس: أُبرز ما فيها، وقال ابن قتيبة: مُيِّزَ ما فيها من الخير والشر. وقال أبو سليمان الدمشقي: المعنى: لو علم الإنسان الكافر ما له في ذلك اليوم لزهد في الكفر، وبادر إلى الإسلام. ثم ابتدأ فقال عزّ وجلّ: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ وقال غيره: إنّما قرئت «إن» بالكسر لأجل اللام، ولو لاها كانت مفتوحة بوقوع العلم عليها.
فإن قيل: أليس الله خبيراً بهم في كل حال، فلم خص ذلك اليوم؟
فالجواب أن المعنى: أنه يجازيهم على أفعالهم يومئذ، ومثله: أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ «3» ، معناه: يجازيهم على ذلك، ومثله: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ «4» .
__________
(1) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» 12/ 669: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالموريات التي توري النيران قدحا، فالخيل توري بحوافرها، والناس يورونها بالزند، واللسان مثلا يوري بالمنطق، والرجال يورون بالمكر مثلا، وكذلك الخيل تهيج الحرب بين أهلها إذا التقت في الحرب، ولم يضع الله دلالة على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فكل ما أورت النار قدحا، فداخلة فيما أقسم به لعموم ذلك بالظاهر.
(2) إبراهيم: 18. [.....]
(3) النساء: 63.
(4) غافر: 16.

(4/482)


الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)

سورة القارعة
وهي مكّيّة بإجماعهم وقد ذكرنا تفسير فاتحتها في أول «الحاقّة» .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4)
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9)
وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (10) نارٌ حامِيَةٌ (11)
قوله عزّ وجلّ: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ قال الزّجّاج اليوم منصوب على الظرف. المعنى: يكون يوم يكون الناس كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه غوغاء الجراد، قاله الفراء. قال ابن قتيبة: غوغاء الجراد: صغاره، ومنه قيل لعامة الناس: غوغاء. والثاني: أنه طير ليس ببعوض ولا ذِبَّان، قاله أبو عبيدة. والثالث: أنه ما تهافت في النار من البعوض، قاله ابن قتيبة. وكذلك قال الزّجّاج:
الفراش ما يُرى كصغار البَقِّ يتهافت في النار. وشَبَّه الناس في وقت البعث به وبالجراد المنتشر، لأنهم إذا بعثوا ماج بعضهم في بعض. وذكر الماوردي: أن هذا التشبيه للكفار، فهم يتهافتون في النار يوم القيامة تَهَافُتَ الفراش.
فأمّا «المبثوث» فهو المنتشر المتفرّق.
قوله عزّ وجلّ: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ وقد شرحناه في (سأل سائل) «1» ، و «المنفوش» الذي قد ندف. قال مقاتل: وتصير الجبال كالصوف المندوف. فإذا رأيت الجبل قلت: هذا جبل: فإذا مسسته لم تر شيئاً، وذلك من شِدَّة الهَوْل.
قوله عزّ وجلّ: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ، أي: رجحت بالحسنات، وقد بَّينَّا هذه الآية في أول الأعراف «2» وبيَّنَّا معنى «عيشة راضية» في الحاقة «3» .
قوله عزّ وجلّ: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ، قرأ ابن مسعود، وطلحة بن مصرّف، والجحدري «فإمه»
__________
(1) المعارج: 9.
(2) الأعراف: 8.
(3) الحاقة: 21.

(4/483)


بكسر الهمزة. فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أُمُّ رأسه هاوية، يعني: أنه يهوي في النار على رأسه، هذا قول عكرمة، وأبي صالح. والثاني: أنها كلمة عربية، كان الرجل إذا وقع في أمر شديد قالوا: هَوَتْ أُمُّه، قاله قتادة. والثالث: أن المعنى، فمسكنُه النار. وإنما قيل لمسكنه: أمّه، لأنّ الأصل السّكون إلى الأمّهات. فالنّار لهذا كالأُمِّ، إذ لا مأوى له غيرها، هذا قول ابن زيد، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج، ويدل على صحة هذا.
(1565) ما روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: إذا مات العبد تلقى رُوحُه أرواحَ المؤمنين، فتقول له: ما فعل فلان؟ فإذا قال: مات، قالوا: ذُهِبَ به إلى أُمِّه الهاوية، فَبَئِسَتِ الأُمُّ، وبِئستِ المربَّيَة.
قوله عزّ وجلّ: وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ يعني: الهاوية. قرأ حمزة، ويعقوب «ما هي» بحذف الهاء الأخيرة في الوصل، وإثباتها في الوقف. وقرأ الباقون بإثباتها في الحالين. قال الزّجّاج: الهاء في «هيه» دخلت في الوقف، لتبيين فتحة الياء، فالوقف «هيه» والوصل هي نار. والذي يجب اتباعُ المصحف.
والهاء فيه ثابتة فيوقف عليها، ولا توصل، قوله: نارٌ حامِيَةٌ أي: حارَّة قد انتهى حرها.
__________
تفرد ابن مردويه برفعه، كما في «الدر» 6/ 656 وهو غير حجة فيما ينفرد به. وأخرجه الحاكم 2/ 533 عن الحسن مرسلا، ومراسيل الحسن واهية. وورد من كلام أبي أيوب موقوفا عليه كما في «الدر» 6/ 656، وهو أصح، والله أعلم. وانظر «تفسير الشوكاني» 2802 بتخريجنا.

(4/484)


أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)

سورة التّكاثر
وهي مكّيّة بإجماعهم وفي سبب نزولها قولان:
(1566) أحدهما: أنّ اليهود قالوا: نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان، فألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلّالا، فنزلت هذه فيهم، قاله قتادة.
(1567) والثاني: أنّ حيين من قريش: بني عبد مناف، وبني سهم كان بينهما لحاء، فقال هؤلاء: نحن أكثر سيّدا، وأعزّ نفرا. وقال أولئك مثل هذا، فتعادّوا السّادة والأشراف أيّهم أكثر، فكثّرهم بنو عبد مناف، ثم قالوا: نعدّ موتانا، فزاروا القبور، فعدّوا موتاهم، فكثّرهم بنو سهم، لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية، فنزلت هذه فيهم قاله ابن السّائب، ومقاتل.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)
كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
قوله تعالى: أَلْهاكُمُ وقرأ أبو بكر الصِّدِّيق، وابن عباس، والشّعبي، وأبو العالية، وابن عمران، وابن أبي عبلة: «أَأَلهاكم» بهمزتين مقصورتين على الاستفهام. وقرأ معاوية، وعائشة «آلهاكم» بهمزة واحدة ممدودة استفهاماً أيضاً. ومعنى ألهاكم: شغلكم عن طاعة الله وعبادته.
وفي المراد بالتكاثر ثلاثة أقوال: أحدها: التكاثر بالأموال والأولاد، قاله الحسن. والثاني:
التفاخر بالقبائل والعشائر، قاله قتادة. والثالث: التشاغل بالمعاش والتجارة، قاله الضحاك.
وفي قوله عزّ وجلّ: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ قولان: أحدهما: حتى أدرككم الموت على تلك الحال، فصرتم في المقابر زُوَّاراً ترجعون منها إلى منازلكم من الجنة أو النار، كرجوع الزائر إلى منزله.
والثاني: حتى زرتم المقابر فَعَدَدْتم من فيها من موتاكم.
__________
ضعيف. أخرجه الطبري 37869، 37870 عن قتادة، وليس فيه ذكر اليهود، والخبر ضعيف لإرساله، وذكر اليهود يبطل الخبر لأن المصنف نقل الإجماع على أن السورة مكية، وأخبار يهود مدنية.
عزاه المصنف لابن السائب الكلبي ومقاتل، وكلاهما ممن يضع الحديث، فهذا خبر لا شيء.

(4/485)


قوله عزّ وجلّ: كَلَّا قال الزّجّاج، هي ردع وتنبيه. والمعنى: ليس الأمر الذي ينبغي أن يكونوا عليه التّكاثر.
قوله عزّ وجلّ: سَوْفَ تَعْلَمُونَ هذا وعيد والمعنى سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إذا نزل بكم الموت. وقيل: العلم الأول: يقع عند نزول الموت. والثاني: عند نزول القبر.
قوله عزّ وجلّ: كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ المعنى: لو تعلمون الأمر علماً يقيناً لَشَغَلَكم ما تعلمون عن التكاثر، والتفاخر. وجواب «لو» محذوف وهو ما ذكرنا. ثم أوعدهم وعيداً آخر فقال عزّ وجلّ. لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة «لتَرون» «ثم لتَرونها» بفتح التاء. فيها وقرأ ابن عامر والكسائيّ (لترون الجحيم) بضمّ التاء (ثم لتَرونها) بفتح التاء، وقرأ مجاهد، وعكرمة، وحميد، وابن أبي عبلة «لترون» ثم «لتُرونها» بضم التاء فيهما من غير همز، ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ أي: مشاهدة، فكان المراد ب «عين اليقين» نفسه، لأن عين الشيء: ذاته.
قوله عزّ وجلّ: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ اختلفوا، هل هذا السؤال عام، أم لا؟ على قولين: أحدهما: أنه خاص للكفار، قاله الحسن. والثاني: عام، قاله قتادة. وللمفسرين في المراد بالنعيم عشرة أقوال:
(1568) أحدها: أنه الأمن والصحة، رواه ابن مسعود عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وتارة يأتي موقوفاً عليه، وبه قال مجاهد والشعبي.
(1569) والثاني: أنه الماء البارد، رواه أبو هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم.
والثالث: أنه خبز البُرّ والماءُ العَذْبُ، قاله أبو أُمامة. والرابع: أنه ملاذ المأكول والمشروب، قاله جابر بن عبد الله. والخامس: أنه صحة الأبدان، والأسماع، والأبصار، قاله ابن عباس. وقال قتادة:
هو العافية. والسادس: أنه الغداء، والعشاء، قاله الحسن. والسابع: الصحة والفراغ، قاله عكرمة.
والثامن: كل شيء من لذة الدنيا، قاله مجاهد. والتاسع: أنه إنعام الله على الخلق بإرسال محمد صلّى الله عليه وسلم، قاله القرظي. والعاشر: أنه صنوف النعم، قاله مقاتل.
والصحيح أنه عام في كل نعيم، وعام في جميع الخلق، فالكافر يسأل توبيخاً إذا لم يشكر المنعم، ولم يوحِّده. والمؤمن يسأل عن شكرها.
(1570) وفي الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: «ثلاث لا أسأل عبدي عن شكرهن وأسأله عما سوى ذلك، بيت يُكنُّه، وما يقيم به صلبه من الطعام، وما يواري به عورته من اللباس» .
__________
لا يصح مرفوعا، إنما هو من كلام ابن مسعود، كذا أخرجه الطبري 37884. وورد من قول مجاهد برقم 37881 و 37883 عن الشعبي من قوله، وهو الصواب والمرفوع فيه انقطاع وضعف. وانظر «تفسير الشوكاني» 2809.
جيد. أخرجه الترمذي 3358 والحاكم 4/ 138 والطبري 37899 والبيهقي 4607 من طرق عن عبد الله بن العلاء بن زبر عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعا، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ورجاله رجال البخاري سوى الضحاك بن عبد الرحمن، وهو ثقة. وانظر «تفسير الشوكاني» 2714.
أخرجه البيهقي 10368 بسند قوي عن الحسن مرسلا. وله شاهد من حديث عثمان، أخرجه الترمذي 2444 والحاكم 4/ 412 والطبراني 1/ 91، وإسناده حسن، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

(4/486)


وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

سورة العصر
وفيها قولان: أحدهما: أنها مكية، قاله ابن عباس، وابن الزّبير، والجمهور. والثاني: مدنيّة، قاله مجاهد، وقتادة، ومقاتل.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
قوله عزّ وجلّ: وَالْعَصْرِ فيه ثلاثة أقوال «1» :
أحدها: أنه الدَّهر، قاله ابن عباس، وزيد بن أسلم، والفراء، وابن قتيبة. وإنما أقسم بالدهر لأن فيه عبرة للناظر من مرور الليل والنهار على تقدير لا ينخرم. والثاني: أنه العشي، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها، قاله الحسن وقتادة. والثالث: صلاة العصر، قاله مقاتل.
قوله عزّ وجلّ: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ قال الزجاج: هو جواب القسم. والإنسان هاهنا بمعنى الناس، كما تقول: كثر الدرهم في أيدي الناس تريد الدراهم. والخسر والخسران في معنى واحد. قال أهل المعاني: الخسر: هلاك رأس المال أو نقصه. والإنسان إذا لم يستعمل نفسه وعمره فيما يوجب له الربح الدائم، فهو في خسران، لأنه عمل في إهلاك نفسه وعمره، وهما أكبر رأس ماله، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا أي: صدَّقوا الله ورسوله، وعملوا بالطاعة وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ أي: بالتوحيد، والقرآن، واتباع الرسول وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ على طاعة الله، والقيام بشريعته. وقال إبراهيم في تفسير هذه السورة: إن الإنسان إذا عُمِّر في الدنيا لفي نقص وضعف، إلا المؤمنين، فإنهم يكتب لهم أجور أعمالهم التي كانوا يعملون في شبابهم وصحّتهم.
__________
(1) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» 4/ 657: العصر: الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم، من خير وشر، وقال مالك، عن زيد بن أسلم: هو العشي، والمشهور الأول. وقال الشافعي رحمه الله: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم. وقال الزمخشري في «الكشاف» 4/ 800: أقسم بصلاة العصر لفضلها، بدليل قوله تعالى وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وقوله عليه الصلاة والسلام: «من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله» متفق عليه، ولأن التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس على تجارتهم ومكاسبهم آخر النهار، واشتغالهم بمعايشهم.

(4/487)


وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)

سورة الهمزة
وهي مكّيّة بإجماعهم قال هبة الله المفسّر: وقد قيل: إنها مدنيّة. واختلف المفسّرون هل نزلت في حقّ شخص بعينه، أم نزلت عامّة؟ على قولين: أحدهما: نزلت في حقّ شخص بعينه.
ثم فيه ستة أقوال «1» : أحدها: الأخنس بن شريق، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال السّدّيّ، وابن السّائب. والثاني: العاص بن وائل السّهمي، قاله عروة. والثالث: جميل بن عامر، قاله ابن أبي نجيح. والرابع: الوليد بن المغيرة، قاله ابن جريج، ومقاتل. والخامس: أميّة بن خلف، قاله ابن إسحاق. والسادس: أبيّ بن خلف، حكاه الماوردي.
والقول الثاني: أنها نزلت عامّة لا في شخص بعينه، قاله مجاهد.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
قوله عزّ وجلّ: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ اختلفوا في الهُمَزَة واللُّمَزَة هل هما [بمعنى واحد، أم مختلفان؟] على قولين: أحدهما: أنهما مختلفان.
ثم فيهما سبعة أقوال: أحدها: أن الهُمَزَة: المُغْتَاب، واللُّمَزَة: العيَّاب، قاله ابن عباس. والثاني:
أن الهُمَزَة: الذي يهمز الإنسان في وجهه. واللُّمَزَة: يَِلْمِزُه إذا أدبر عنه، قاله الحسن، وعطاء، وأبو العالية. والثالث: أن الهُمَزَة: الطعَّان في الناس، واللُّمَزَة: الطعَّان في أنساب الناس، قاله مجاهد.
والرابع: أن الهُمَزَة: بالعين، واللُّمَزَة: باللسان، قاله قتادة. والخامس: أن الهُمَزَة: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللُّمَزَة: الذي يَلْمِزهم بلسانه، قاله ابن زيد. والسادس: أن الهُمَزَة: الذي يهمز بلسانه، واللُّمَزَة: الذي يلمز بعينه، قاله سفيان الثوري. والسابع: أن الهُمَزَة: المغتاب، واللُّمَزَة:
الطاعن على الإنسان في وجهه، قاله مقاتل.
__________
(1) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» 12/ 688: والصواب من القول في ذلك، أن يقال: إن الله عم بالقول كل همزة لمزة، كل من كان بالصفة التي وصف هذا الموصوف بها.

(4/488)


والقول الثاني: أن الهُمَزَة: العَيَّاب الطعان، واللُّمَزَة مثله. وأصل الهمز واللمز: الدفع، قاله ابن قتيبة، وكذلك قال الزجاج: الهُمَزَة اللُّمَزَة: الذي يغتاب الناس ويعضهم، قال ابن فارس: والعضيهة الكذب والبهتان قال الشاعر:
إذا لَقِيتُكَ عَنْ كُرْهٍ تُكَاشِرُني ... وإن تغيّبت كنت الهامز اللّمزة
قوله عزّ وجلّ: الَّذِي جَمَعَ مالاً قرأ أبو جعفر، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف، وروح: «جَمَّع» بالتشديد. والباقون بالتخفيف.
قوله عزّ وجلّ: وَعَدَّدَهُ قرأ الجمهور بتشديد الدال. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وابن يعمر بتخفيفها. وللمفسرين في معنى الكلام قولان: أحدهما: أحصى عَدَدَه، قاله السدي.
والثاني: أَعَدَّه لما يكفيه في السِّنين، قاله عكرمة. قال الزجاج: من قرأ «عدَّده» بالتشديد، فمعناه: عدَّده للدهور. ومن قرأ «عدده» بالتخفيف، فمعناه: جمع مالا وعدّده. أي: وقوما اتّخذهم أنصارا.
قوله عزّ وجلّ: يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ أخلده بمعنى يخلده، والمعنى: يظن ماله مانعاً له من الموت، فهو يعمل عمل من لا يظن أنه يموت كَلَّا أي: لا يخلده ماله ولا يبقى له لَيُنْبَذَنَّ أي:
ليُطْرَحَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وهو اسم من أسماء جهنم. سميت بذلك لأنها تحطم ما يُلقى فيها، أي:
تكسره، فهي تكسر العظم بعد أكلها اللحم. ويقال للرجل الأكول: إنه لَحُطَمة. وقرأ أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأبو عبد الرحمن، والحسن، وابن أبي عبلة، وابن محيصن: «لينبذانِّ» بألف ممدودة، وبكسر النون، وتشديدها، أي: هو وماله.
قوله عزّ وجلّ: الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ أي: تأكل اللحم والجلود حتى تقع على الأفئدة فتحرقها.
وقال الفرّاء: يبلغ ألمها للأفئدة. والاطِّلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى واحد، والعرب تقول: متى طلعَت أرضنا؟ أي: بلغتَ. وقال ابن قتيبة: تطّلع على الأفئدة، أي: تقوى عليها وتشرف. وخص الأفئدة، لأن الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه، فأخبر أنهم في حال من يموت، وهم لا يموتون. وقد ذكرنا تفسير «المؤصدة» في سورة البلد «1» .
قوله عزّ وجلّ: فِي عَمَدٍ قرأ حمزة والكسائيّ، وخلف، وعاصم إلا حفصاً بضم العين، وإسكان الميم. وقرأ الباقون بفتحهما. قال الفرّاء وهما حيطان للعمود، وقرأ هارون عن ابن عمرو بضم العين وإسكان الميم. قال المفسرون: وهي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار. و «في» بمعنى الباء. والمعنى: مطبَقة بعُمُدٍ. قال قتادة: وكذلك هو في قراءة عبد الله. وقال مقاتل: أُطبقت الأبواب عليهم، ثم شُدَّت بأوتادٍ من حديد، حتى يرجع عليهم غَمُّها وحَرُّها. و «ممدَّدة» صفة العُمُد، أي: أنها ممدودة مطوّلة، وهي أرسخ من القصيرة. وقال قتادة: هي عُمُدٌ يعذَّبون بها في النار. وقال أبو صالح:
«عمد ممددة» قال: القيود الطّوال.
__________
(1) البلد: 20.

(4/489)