معاني القرآن
وإعرابه للزجاج ثُمَّ رَدَدْنَاهُ
أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)
سُورَةُ التِّينِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)
قيل التين دمشق والزيتون بيت المقدس.
وقيل: التين جبل عليه دمشق، والزيتون جبل عليه بيت المقدس.
وقيل والتين والزيتون جَبَلانِ.
وقيل التين والزيتون هذا التين الذي نعرفه، وهذا الزيتون الذي
نعرفُه.
* * *
(وَطُورِ سِينِينَ (2)
جبل، وقرأ بعضهم و " طورِ سيناء "، وهذا القول - والله
أعلم - أشبه لقوله: (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ
تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ).
* * *
(وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)
يعني مكة.
* * *
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
أي في أَحْسَنِ صُورَةٍ.
* * *
(ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)
إلى أرذل العُمُر، وقيل إلى الضلال كما قال عزَّ وجلَّ: (إِنَّ
الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ).
وهو - واللَّه أعلم - أنْ خلق الخلق على الفطرة فمن كفر وضل
فهو المردود إلَى أَسْفَلِ السَّافِلِين.
(5/343)
إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ
مَمْنُونٍ (6)
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
أي إلَّا هُؤلَاءِ فَلم يردوا إلى أسفل سافلين.
* * *
وقوله: (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ).
أي لا يُمَنَّ عَلَيْهِمْ، وقيل غير ممنون غير مقطوع.
وجواب القسم في قوله: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) قوله:
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).
(5/344)
فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ
(17)
سُورَةُ العَلَقِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
جاء في التفسير أن أول آية نزلت من القرآن (اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).
* * *
وقوله: (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)
أي الذي علم الكتابة.
* * *
وقوله: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ
اسْتَغْنَى (7)
هذه نزلت في أَبي جَهْلٍ بنِ هِشَام، وكذلك: (أَرَأَيْتَ
الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10).
لأن أبا جهل قال: إنْ رَأَيْتُ مُحمداً يُصَلِّي تَوَطَّأْتُ
عنقه.
* * *
وقوله: (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا
بِالنَّاصِيَةِ (15)
أي لنُجَرنَّ ناصيته إلى النار، يقال: سَفَعْتُ بالشيء إذَا
اقْبَضْتُ عليه
وجذبته جَذْباً شديداً (1).
* * *
وقوله: (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)
وتأويله بناصيةٍ صَاحِبُها كاذبٌ خاطئ، كما يقال فلان نهارُه
صائم وليلُه
قائم، المعنى هو صائم فِي نهاره وقائم في ليله.
* * *
(فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17)
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {لَنَسْفَعاً}: الوقفُ على هذه النونِ بالألفِ، تشبيهاً
لها بالتنوين، وكذلك يُحْذَفُ بعد الضمة والكسرة وقفاً. وتكتب
ههنا ألفاً إتباعاً للوقف. ورُوِي عن أبي عمروٍ
«لَنَسْفَعَنَّ» بالنونِ الثقيلةِ. والسَّفْعُ: الأَخْذُ
والقَبْضُ على الشيءِ بشدةٍ وجَذْبه. وقال عمرو بن معد يكرب:
4607 قومٌ إذا سَمِعُوا الصَّريخَ رَأَيْتَهُمْ. . . ما بين
مُلْجمِ مُهْرِه أو سافعِ
وقيل: هو الأَخْذُ بلغةِ قريشٍ. وقال الراغب: «السَّفْعُ:
الأخْذُ بسُفْعِه الفَرَس، أي: بسَوادِ ناصيتِه، وباعتبار
السوادِ قيل للأثافيّ:» سُفْعٌ «وبه سُفْعَةُ غَضَبٍ، اعتباراً
بما يَعْلُو من اللون الدُّخاني وَجْهَ مَنْ اشتدَّ به الغضبُ،
وقيل: للصَّقْر:» أسْفَعُ «لِما فيه مِنْ لَمْعِ السَّوادِ،
وامرأةٌ سَفْعاءُ اللونِ» انتهى. وفي الحديث: «فقامَتِ امرأةٌ
سَفْعاءُ الخَدَّيْن».
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(5/345)
كَلَّا لَا تُطِعْهُ
وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
معناه فليدع أهل ناديه، وهم أهل مجلسه،
وَكَانُوا عَشِيرَتَه أي فليستنصر بهم.
* * *
(سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)
الزبانية الغلاظ الشداد، وَاحِدُهم زِبْنية، وهم ههنا
الملائكة، قال اللَّه
عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ)
وَهُمُ الزَبَانِيَةُ.
* * *
(كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
(كَلَّا)
أي ليس الأمر على ما عليه أبوجهل.
(لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)
أي وتقرَّب إلى ربِّك بالطاعة.
(5/346)
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى
مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
سُورَةُ الْقَدْرِ
مدنية وقيل الصحيح (مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
الهاء ضمير القرآن ولم يجر له ذكَر في أول السورة ولكنه جرى
ذكره
فيما قبلها، وهو قوله؛ (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)، وهي لَيْلة
القَدْرِ.
ومعنى ليلَة القدر ليلة الحكم قال الله تعالى: (فِيهَا
يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ).
نزل القرآن كله إلى السماء الدنيا في ليلة القَدْرِ، ثم نزل به
جبريل عليه
السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - في عشرين سنة.
* * *
وقوله: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
من ألف شهر ليس فيه لَيلة القَدْرِ.
* * *
وقوله: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)
تنزل الملائكة بما يقضي الله عزَّ وَجَل في ليلَة القدرَ للسنة
إلَى أن تأتيَ
ليلةُ القَدْرِ.
وقُرِئَتْ (مِنْ كُلِّ امْرِئٍ) (1)، وهذه القراءة تخالف
المصحف، إلا أنها
قد رويت عن ابن عباس.
* * *
وقوله: (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
__________
(1) قال السَّمين:
«امْرِئٍ» مُذكَّرُ امرأة، أي: مِنْ أجلِ كلِّ إنسانٍ. وقيل:
مِنْ أجل كلِّ مَلَكٍ، وهو بعيدٌ. اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(5/347)
أي لا داء فيها، ولا يستطيع الشيطانُ أن
يصنع فيها سَيِّئاً، والروح
جبريل عليه السلابم.
وقرئت (مَطْلَعَ الفَجْرِ)، وَمَطْلِعَ الفَجْرِ - بفتح اللام
والكسر -
فمن فتح فَهوَ المصدَرُ بمعنى الطلع. تَقُول: طلع الفجر طلوعاً
وَمَطْلَعاً.
ومن قال مَطْلِع فهو اسم لوقت الطلوع وكذلك لمكان الطلوع،
الاسم مَطْلِع بكسر اللام.
(5/348)
فِيهَا كُتُبٌ
قَيِّمَةٌ (3)
سُورَةُ القَيِّمَة
(مَدَنية) وقيل الصحيح (مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ
الْبَيِّنَةُ (1)
(المشركين) في موضع جر عطف على أهل الكتاب، المعنى لم يكن
الذين كفروا من أهل الكتاب ومن المشركين.
وقوله: (مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ).
أي لم يكونوا منفكين من كفرهم، ومعنى منفكين منتهين عن كفرهم.
* * *
وقوله (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2)
(رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو)
يرتفع على ضربين:
أَحَدهُما على البَدَلَ مِنَ (الْبَيِّنَةُ).
المعنى حتى يأتيهم رسول من اللَّه.
والضرب الثاني على تفسير (الْبَيِّنَةُ)، و (الْبَيِّنَةُ)
(رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً).
أي مطهرة من الأدناس والباطل، قال الله عزَّ وجلَّ: (فِي
صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14).
* * *
وقوله: (فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)
(5/349)
جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ
رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)
أي كتب غير ذات عوج مستقيمة تُبَيِّنُ
الحقَّ من الباطل على الاستواء
والبرهان.
* * *
قوله.: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا
مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
أي ما تفرقوا في ملكهم وكفرهم بالنبي عليه السلام إلا من بعد
أن تبينُوا
أنه الذي وعدوا به في التوراة والإنجيل.
* * *
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا
الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
أي يعبدونه مُوحِّدين له لا يعبدون معه غيره
(حُنَفَاءَ) على دين إبراهيم ودين محمد عليه السلام.
(وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ).
أي يؤمنوا مع التوحيد بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويقيموا
شرائعه.
(وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ).
أي وذلِكَ دين الأمة الْقَيِّمَةِ بالحق فيكون ذلك دين
الملَّةِ المستقيمة.
* * *
وقوله: (أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)
القراءة (الْبَرِيَّةِ) بترك الهمزة.
وقد قرأ نافع (البريئة) بالهمز، والقُرَّاء غيرُهُ مجمعُونَ
على ترك الهمز، كما أجمعوا في النبي، والأصل البريئة، إلا أن
الهمزة خففت لكثرة الاستعمال. يقولون: هذا خيرُ البريِّةِ
وشرُّ البريَّةِ وما في البريَّة مِثْلُه، واشتقاقهُ من برأ
اللَّه الخلق.
وقال بعضهم: جائز أن يكون اشتقاقها من البَرَا وهو التراب، ولو
كان كذلك لما قرأوا البريئة بالهمز.
والكلام برأ اللَّه الخلق يبرؤهم، ولم يحك أحد براهم يبريهم،
فيكون اشتقاقه
من البَرَا وهو التراب (1).
* * *
وقوله: (جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ
رَبَّهُ (8)
(جَنَّاتُ عَدْنٍ)
أي جَنَّاتُ إقامة.
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {البرية}: قرأ نافعٌ وابن ذَكْوان «البَريئة» بالهمزِ في
الحرفَيْن، والباقون بياءٍ مشدَّدةٍ. واخْتُلِف في ذلك الهمز،
فقيل: هو الأصلُ، مِنْ بَرَأ اللَّهُ الخَلْقَ ابتدأه واخترعَه
فيه فعليةٌ بمعنى مَفْعولةٌ، وإنما خُفِّفَتْ، والتُزِمَ
تحفيفُها عند عامَّةِ العربِ. وقد ذَكَرْتُ أنَّ العربَ
التزمَتْ غالباً تخفيفَ ألفاظٍ منها: النبيُّ والخابِيةَ
والذُّرِّيَّة والبَرِيَّة. وقيل: بل البَرِيَّةُ دونَ همزةِ
مشتقةٌ مِنْ البَرا، وهو الترابُ، فهي أصلٌ بنفسِها،
فالقراءتان مختلفتا الأصلِ متفقتا المعنى. إلاَّ أنَّ ابنَ
عطيةَ غَضَّ مِنْ هذا فقال: «وهذا الاشتقاقُ يَجْعَلُ الهمزةَ
خطأً وهو اشتقاقٌ غيرُ مَرْضِيّ» انتهى. يعني أنَّه إذا قيل
بأنَّها مشتقةٌ من البَرا وهو الترابُ فمَنْ أين يجيْءُ في
القراءةِ الأخرى؟ وهذا غيرُ لازم لأنهما قراءتان مُسْتقلَّتان،
لكلٍ منهما أصلٌ مستقلٌ، فقيل: مِنْ بَرَأَ، أي: خَلَق، وهذه
مِنْ البَرا؛ لأنَّهم خُلِقوا مِنْه، والمعنى بالقراءتين شيءٌ
واحدٌ، وهو جميعُ الخَلْقِ. ولا يُلْتَفَتُ إلى مَنْ ضَعَّف
الهمزَ من النحاةِ والقُرَّاءِ لثبوتِه متواتِراً.
وقرأ العامَّةُ «خيرُ البَرِيَّة» مقابلاً لشَرّ. وعامر بن عبد
الواحد «خِيارُ» وهو جمع خَيِّر نحو: جِياد وطِياب في جمع
جَيِّد وطَيِّب، قاله الزمخشري.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(5/350)
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ
النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ
مدنية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا
(1)
إذا حركت حركة شديدة، والقراءة (زِلْزَالَها) بكسر الزاي،
ويجوز في
الكلام زَلْزَالَها، وقرئت (زَلْزَالَها)، وليس في الكلام
فَعْلَال بفتح الفَاء إلا في
المضاعف نحو الزلزال والصلْصَال.
والاختيارُ كَسرِ الزاي، والفتح جائز.
* * *
(وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)
أخرجت كُنوزها وموتاها
* * *
(وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)
هذا قول الكافِرِ لأنه لم يكن يؤمن بالبعث، فقال: مَا لَها، أي
لأي شيء
زلزالها.
* * *
(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)
(يَوْمَئِذٍ) منصوب بقوله: (إِذَا زُلْزِلَت)، وأخرجت، في ذلك
اليوم
ومعنى (تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)، [تخبرُ] بما عُمِلَ عَليها.
* * *
(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا
أَعْمَالَهُمْ (6)
أي يَصْدُرون متفرقينَ منهم من عمْل صالحاً ومنهم من عمل
شَرًّا
(5/351)
فَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
والقراءة (لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ)
وُيرْوَى (لِيَرَوْا أَعْمَالَهُمْ)، ولا أعلم أَحَداً قرأ
بها.
ولا يجوز أن يقرأ بما يجوز في العربية إذا لم يقرأ به من
أُخِذَت عَنْهُ القراءة.
* * *
ومعنى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
تأويله أن اللَّه جلَّ وعزَّ قد أحصى أعمال العباد من خَيرٍ،
وكل يرى عمله، فمن أَحَبَّ اللَّه أن يغفر له غَفَر له.
ومن أحب أَنْ يُجَازِيَه جَازَاهُ.
وقيل مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ في
الدنيا.
وكذلك شَرُّا يره في الدنيا (1). واللَّه أعلم.
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {خَيْراً}، {شَرّاً}: في نصبِهما وجهان، أظهرهما: أنهما
تمييز للمِثْقال فإنه مقدارٌ. والثاني: أنهما بدلان مِنْ
«مثقالَ»
قوله: {يَرَهُ} جوابُ الشرط في الموضعين. وقرأ هشام بسكونِ هاء
«يَرَهْ» وَصْلاً في الحرفَيْن. وباقي السبعةِ بضمِّها موصولةً
بواوٍ وَصْلاً، وساكنةً وَقْفاً كسائرِ هاءِ الكنايةِ، هذا ما
قرَأْتُ به. ونَقَل الشيخُ عن هشام وأبي بكر سكونَها، وعن أبي
عمرو ضمُّها مُشْبعة، وباقي السبعةِ بإشباعِ الأولى وسكونِ
الثانية. انتهى. وكان ذلك لأجلِ الوقفِ على آخرِ السورةِ
غالباً. أمَّا لو وَصَلوا آخرَها بأولِ «العادِيات» كان الحكمُ
الإِشباعَ هذا مقتضى أصولِهم كما قَدَّمْتُه وهو المنقولُ.
وقرأ العامَّةُ «يَرَهُ» مبنياً للفاعلِ. وقرأ ابن عباس
والحسين بن علي وزيد بن علي وأبو حيوة وعاصم والكسائي في رواية
«يُرَه» مبنياً للمفعول. وعكرمة «يَراه» بالألفِ: إمَّا على
تقديرِ الجزمِ بحَذْفِ الحركةِ المقدرة، وإمَّا على تَوَهُّمِ
أنَّ «مَنْ» موصولةٌ، وتحقيق هذا مذكورٌ في أواخِر يوسف. وحكى
الزمخشري أن أعرابياً أَخَّر «خيراً يَرَهُ» فقيل له:
قَدَّمْتُ وأَخَّرْتَ، فأنشد:
4615 خذا بَطْنَ هرشى أوقَفاها فإنَّه. . . كِلا جانِبَيْ هرشى
لَهُنَّ طريقُ
انتهى. يريدُ أنَّ التقديمَ والتأخيرَ سواءٌ، وهذا لا يجوزُ
ألبتَّةََ فإنه خطأٌ لا يُعْتَقَدُ به قراءةً.
والذَّرَّة قيل: النملةُ الصغيرةُ. وأصغرُ ما تكونُ قضى عليها
حَوْلٌ قال امرؤ القيس:
4616 من القاصراتِ الطَرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ. . . من
الذَّرِّ فوق الإِتْبِ منها لأَثَّرا
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(5/352)
|