معاني القرآن
وإعرابه للزجاج فَوَسَطْنَ بِهِ
جَمْعًا (5)
سُورَةُ وَالْعَادِيَاتِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)
يعنى بالعاديات ههنا الخيل، وهذَا قسم جوابه: (إِنَّ
الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ).
وقوله: (ضَبْحًا).
معناه والعاديات تضبح ضبحاً، وضبحها صوت أجوافها إذا عَدَتْ.
* * *
(فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2)
إذا عدت الخيل بالليل وأصابت حوافرها الحجارة انقدح منها
النيران.
* * *
(فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3)
يعنى الخيل.
وجاء في التفسير أنها سَريَّة كانت لرسول الله - صلى الله عليه
وسلم - إلى
كندة.
* * *
(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)
النقع الغبارُ، فقال " بِهِ " ولم يتقدم ذكر المكان، ولكن في
الكلام دَليلٌ
عليه، المعنى فَأَثَرْنَ بمكان عَدْوِهَا نَقْعًا أَيْ غباراً.
* * *
(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)
القراءة (فَوَسَّطْنَ) أي فتوسطْنَ المكان.
ولو قال (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) لجازَتْ، إلا أنِّي لَا
أعْلَمُ أحَداً قَرأ بها (1).
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {فَوَسَطْنَ}: العامَّةُ على تخفيفِ السينِ، أي:
تَوَسَّطْنَ. وفي الهاءِ في «به» أوجهٌ، أحدُها: أنها للصبح،
كما تقدَّم. والثاني: أنها للنَّقْعِ، أي: وَسَطْنَ بالنَّقْعِ
الجَمْعَ، أي: جَعَلْنَ الغبارَ وَسْطَ الجمع، فالباءُ
للتعدية، وعلى الأولِ هي ظرفيةٌ، الثالث: أنَّ الباءَ
للحاليةِ، أي: فتوَسَّطْن مُلْتبساتٍ بالنقع، أي: بالغبار
جمعاً من جموع الأعداء. وقيل: الباءُ مزيدةٌ، نقله أبو البقاء
و «جَمْعاً» على هذه الأوجهِ مفعولٌ به. الرابع: أنَّ المرادَ
ب جَمْع المزدلفةُ وهي تُسَمَّى جَمْعاً. والمرادُ أنَّ
الإِبلَ تتوسَّطُ جَمْعاً الذي هو المزدلفةُ، كما مرَّ عن
أميرِ المؤمنين رضي الله عنه، فالمرادُ بالجَمْعِ مكانٌ لا
جماعةُ الناسِ، كقولِ صفية:
4626. . . . . . . . . . . والعادياتِ غَداةَ جَمْعٍ. . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . .
وقولِ بشرِ بنِ أبي خازم:
4627 فَوَسَطْنَ جَمْعَهُمُ وأَفْلَتَ حاجبٌ. . . تحت
العَجابةِ في الغُبارِ الأَقْتَمِ
و «جَمْعاً» على هذا منصوبٌ على الظرف، وعلى هذا فيكونُ
الضميرُ في «به»: «إمَّا للوقتِ، أي: في وقت الصبح، وإمَّا
للنَّقْع، وتكونُ الباءُ للحال، أي: مُلْتبساتٍ بالنَّقْع.
إلاَّ أنه يُشْكِلُ نَصْبُ الظرفِ المختصِّ إذ كان حَقُّه أَنْ
يتعدى إليه ب» في «وقال أبو البقاء:» إنَّ جَمْعاً حالٌ «وسبقه
إليه مكي. وفيه بُعْدٌ؛ إذ المعنى: على أنَّ الخيلَ توسَّطَتْ
جَمْعٌ الناسِ.
وقرأ علي وزيد بن علي وقتادة وابن أبي ليلى بتشديد السين، وهما
لغتان بمعنىً واحدٍ أعني التثقيلَ والتخفيفَ. وقال الزمخشري:»
التشديدُ للتعديةِ والباءُ مزيدةٌ للتأكيدِ كقوله: {وَأُتُواْ
بِهِ مُتَشَابِهاً} [البقرة: 25] وهي مبالَغَةٌ في «وَسَطْن»
انتهى. وقولُه: «وهي مبالَغَةٌ» يناقِضُ قولَه أولاً
«للتعدية»؛ لأن التشديدَ للمبالغة لا يُكْسِبُ الفعلَ مفعولاً
آخر تقول: «ذَبَحْتُ الغنم» مخففاً ثم تبالِغُ فتقول:
«ذَبَّحْتها» مثقلاً، وهذا على رأيِه قد جَعَله متعدياً بنفسِه
بدليلِ جَعْلِه الباءِ مزيدةً فلا يكون للمبالغة.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(5/353)
إِنَّ رَبَّهُمْ
بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)
وقوله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الْإِنْسَانَ
لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
معناه لكفورٌ، يعنى بذلك الكافِرُ.
* * *
(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)
معنى (لَشَدِيدٌ) لَبخيل، أي وإنه من أَجْل حُبِّ المال لبخيل.
قال طرفة:
أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَام ويَصْطَفي. . . عَقِيلَةَ
مَالِ البَاخِلِ المُتَشدِّدِ
* * *
وقوله: (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ
(9)
بعثر وبحثر بمعنى وَاحِدٍ، والمعنى أفلا يعلم إذا بعث الموتى.
* * *
وقوله: (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)
الله عزَّ وجلَّ خبير بَهَم في ذلك اليوم وَفي غيره، ولكن
المعنى إن اللَّه
يجازيهم على كفرهم في ذلك اليوم، وليس يجازيهم إلا بِعِلْمِهِ
أعمالهم.
ومثله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي
قُلُوِبهِمْ) @ فمعناه أولئك الذين لايتركُ مجازاتِهُمْ.
(5/354)
فَأَمَّا مَنْ
ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)
سُورَةُ الْقَارِعَةِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)
القارعة والواقعة والحاقَّة مِن صفات ساعة القيامَةِ.
والقارعة التي تقرع بالأهوال.
وقد فسرنا إعراب (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) ومِثلها
(الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ).
* * *
وقوله: (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ
(4)
(يَوْمَ) منصوب على الظرف، المعنى يكون يوم يكون الناس كالفراش
المبثوث، والفراش ما تراه كصغار البق يتهافت في النار، وشبه
الناس في
وقت البعث بالجراد المنتشر، والفراش المبثوث لأنهم إذا بعثوا
يموج بعضهم
في بعض كالجراد الذي يموج بعضه في بعض.
* * *
وقوله: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
(العِهْن) الصوف، واحدته عِهنة، يقالُ عِهْنة وعِهْن، مثل صوفة
وصوف.
* * *
وقوله: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي
عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)
ذات رِضًى، معناه من ثقلت موازينه بالحسنات، كما تقول: لفلان
عندي وزن ثقيلٌ، تأويله له وزن في الخير ثقيل.
ومعنى (فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) ذات رضى يرضاها من يعيش فيها.
وقال قوم: معناه مرْضِيةٍ، وهو يعود إلى هذا المعنى في
التفسير.
(5/355)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا
هِيَهْ (10)
وقوله: (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ
مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا
هِيَهْ (10)
أي فَمَسْكَنَه النار.
وقيل (أُمُّهُ) لَمَسْكِنِه لأن الأصل في السكونِ إلى
الأُمَّهاتِ فَأُبْدَلَ فِيمَا يَسْكُنُ إلَيْه (نَارٌ
حَامِيَةٌ).
* * *
وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10)
الوقف " هِيَه "، والوصل هي نار حَامِيةٌ إلا أن الهاء دخلت في
الوقف
تبين فتحة الياء، والذي يجب اتباع المصحف فيوقف عليها ولا
توصل.
فيقرأ (وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ
(11)).
لأن السنة اتباع المصحف، والهاء ثابتة فيه.
(5/356)
لَتَرَوُنَّ
الْجَحِيمَ (6)
سُورَةُ التَّكَاثُر
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)
أي شَغَلكم التكَاثُر بالأموال والأولاد عن طاعة اللَّهِ.
* * *
(حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)
أي حتى أَدْرَككم الموت على تلك الحال.
وجاء في التفسير أن حَيينِ من العرب، وهم بنو عبد مناف وبنو
سهم تَفاخروا وتكاثروا، ففخرت بنو عبد مناف على بني سهم بأن
عدوا الأحياء، فقالت بنو سهم: فاذكروا الموتى.
وَكَثرَتْهُم بَنُو سهم بعد أن كان بنو عبد مناف قد كَثرُوا
بني سَهْمٍ.
* * *
وقوله: (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)
(كَلَّا) ردع وتنبيه، المعنى ليس الأمر الذي ينبغي أن يكونوا
عليه
التكَاثُرَ، والذي ينبغي أن يكونوا عليه طاعة اللَّه والإيمانُ
بنبيه - صلى الله عليه وسلم -.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ
(5)
المعنى لو علمتم الشيء حق علمه، وصرفتُم التفهم إليه،
لارْتَدَعْتُم.
ثم قال:
* * *
(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)
(5/357)
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ
يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
كما قال: (وَإِنْ مِنْكُمْ إلا
وَارِدُهَا).
والقراءة لتروُن - بضم الواو غير مهموزة - فضمت الواو لسكونها
وسكون النون - وقد همزها بعضهم - لَتَرؤن -
والنحويونْ يكرهون همزة الواو، لأن ضمتها غير لازمة لأنها حركت
لالتقاء
السَّاكنين، ويهمزون الواو التي ضمتها لازمة نحو أَدْؤرٍ جمع
دار، فيجوز أدؤر بالهمز وادور بغير الهمز، وأنت مخير فيهما،
فأمَّا " لَتَرؤنَّ " ثم لَتَرَوُنَها فلا يختار النحويون إلا
ترك الهمزة، وقرئت: " لتُرَؤُنَّ " الجحيم، على ما لم يُسَم
فاعِلُه.
* * *
(ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
أي يوم القيامة، عن كل ما يتنعَم به في الدنيا، وجاء في الحديث
أن
النبي عليه السلام أكل هو وجماعة من أصحابه تمراً - وروي
بُسْراً - وشربوا
عليه ماء فقال: الحمد للَّهِ الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا
مسلمين.
وجاء أن مما لا يسأل العبد عنه لباساً يواري سوْأَتَه وطعاماً
يقيم به صلبه، ومكاناً يكنه مِنَ الحَرِّ والبَرْدِ.
(5/358)
إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
سُورَةُ والْعَصْرِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
(2)
الإنسان ههنا في معنى الناس، كما تقول: قد كثر الدرهم والدينار
في
أيدي الناس، تريد قد كثر الدراهم.
وقوله: (لَفِي خُسْرٍ)
الخسرُ والخسْرانُ في معنى وَاحِدٍ.
المعنى إن الناس الكفارَ والعاملين بغير طاعة الله لفي خُسرٍ.
* * *
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
تواصوا بالِإقامة على تَوْحِيدِ اللَّه والإيمان بنبيه عليه
السلام.
(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
على طاعة اللَّه والجهاد في سبيله والقيام بشرائع نبيه.
والعصر هو الدهر، والعصران اليوم، والعصرُ الليلة.
قال الشاعر:
ولن يَلْبَثَ العَصْرَانِ يومٌ وليلة. . . إِذا طَلَبَا أَن
يُدْرِكا ما تَيَمَّما
(5/359)
(وَالعَصْرِ) قسم وجوابه (إِنَّ
الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ).
وقال بعضهم: معناه ورَبِّ العَصْرِ كما قال جل ثناؤه:
(فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ). (1)
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {والعصر}: العامَّةُ على سكونِ الصادِ. وسلام
«والعَصِرْ» والصَّبِرْ «بكسرِ الصادِ والباء. قال ابنُ عطية:
ولا يجوزُ إلاَّ في الوقفِ على نَقْلِ الحركةِ. ورُوِيَ عن أبي
عمروٍ» بالصَّبِر «بكسرِ الباء إشماماً. وهذا أيضاً لا يجوزُ
إلاَّ في الوقفِ» انتهى. ونَقَل هذه القراءةَ جماعةٌ
كالهُذَليِّ وأبي الفضل الرازيِّ وابنِ خالويه. قال
الهُذَليُّ: «والعَصِرْ والصَّبِرْ، والفَجِرْ، والوَتِرْ،
بكسرِ ما قبل الساكنِ في هذه كلِّها هارونُ وابنُ موسى عن أبي
عمروٍ والباقون بالإِسكانِ كالجماعةِ» انتهى. فهذا إطْلاقٌ منه
لهذه القراءةِ في حالتي الوقفِ والوصلِ. وقال ابن خالويه:
«والصَّبِرْ» بنَقْل الحركةِ عن أبي عمرو «فأطْلَقَ ايضاً.
وقال أبو الفضل:» عيسى البصرة بالصَّبِرْ «بنَقْلِ حركةِ
الراءِ إلى الباءِ يُحتاجَ إلى أَنْ يأتيَ ببعضِ الحركةِ في
الوقفِ، ولا إلى أَنْ يُسَكَّنَ فيُجْمَعَ بين ساكنَيْن، وذلك
لغةٌ شائعةٌ وليسَتْ بشاذةٍ، بل مُسْتفيضةٌ، وذلك دَلالةٌ على
الإِعرابِ، وانفصالٌ من التقاءِ الساكنَيْن، وتأديةُ حقِّ
الموقوفِ عليه من السكونِ» انتهى. فهذا يُؤْذِنُ بما ذَكَرَ
ابنُ عطيةَ أنه كان ينبغي. وأنشدوا على ذلك:
4636. . . . . . واصْطِفاقاً بالرِّجِلْ. . . يريد بالرِّجْلِ.
وقال آخر:
4637 أنا جريرٌ كُنْيتي أبو عَمِرْ. . . أَضْرِبُ بالسَّيْفِ
وسَعْدٌ في القَصِرْ
والنقلُ جائزٌ في الضمة أيضاً كقوله:
4638. . . . . . . . . . . . . إذْ جَدَّ النُّقُرْ. . .
والعَصْرُ: الليلةُ واليومُ قال:
4639 ولن يَلْبَثَ العَصْرانِ يَوْمٌ وليلةٌ. . . إذا طلبا أن
يُدْرِكا ما تَيَمَّما
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(5/360)
الَّذِي جَمَعَ مَالًا
وَعَدَّدَهُ (2)
سُورَةُ الهُمَزَة
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
(وَيْلٌ) مرفوع بالابتداء والخبر (لِكُلِّ هُمَزَةٍ)
ولو كان في غير القرآن جاز النصب، ولا يجوز في القرآن لمخالفة
المصحف. فمن قال: وْيلاً للكافرين.
فالمعنى جعل الله له ويلاً، ومن قال: (وَيْلٌ) فهو أجود فى
العربية
لأنه قد ثبت له الويل، والويل كلمة تقال لكل من وقع في هلكة.
والهُمَزَةُ اللُمَزَةُ الذي يغتاب النَّاسَ ويَغُضُّهم
قال الشاعر:
إذا لَقِيتُكَ عَنْ كُرْهٍ تُكَاشِرُني. . . وإن تَغَيَّبْتُ
كُنْتَ الهَامِزَ اللُّمَزَهْ
* * *
(الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)
وقرئت: (الذي جَمَّعَ مَالًا)، وقرئت (جَمَعَ مَالًا)،
بالتخفيف.
وقرئت (وَعَدَّدَهُ) بالتشديد، وقرئت (وَعَدَدَهُ) - بالتخفيف.
فمن قرأ (وَعَدَّدَهُ) فمعناه، وَعَدَّدَهُ للدهُور.
ومن قرأ (وَعَدَدَهُ) فمعناه جمع مالاً وَعَدَداً، أي وقوماً
أعَدَّهم نُصَّاراً (1).
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {الذى جَمَعَ}: يجوزُ جرُّه بدلاً، ونصبُه ورفعُه على
القطع. ولا يجوزُ جَرُّه نعتاً ولا بياناً لتغايُرِهما تعريفاً
وتنكيراً. وقولُه: «جَمَعَ» قرأ الأخَوان وابن عامر بتشديدِ
الميم على المبالغةِ والتكثيرِ، ولأنَّه يوافِقُ «عَدَّدَه»
والباقون «جمَعَ» مخففاً وهي محتمِلَةٌ للتكثيرِ وعدمِه.
قوله: «وعَدَّدَه» العامَّةُ على تثقيل الدالِ الأول، وهو
أيضاً للمبالغةِ. وقرأ الحسن والكلبُّي بتخفيفِها. وفيه أوجهٌ،
أحدُها: أنَّ المعنى: جَمَعَ مالاً وعَدَدَ ذلك المالَ، أي:
وجَمَعَ عَدَدَه، أي: أحصاه. والثاني: أنَّ المعنى: وجَمَعَ
عَدَدَ نفسِه مِنْ عَشِيرَتِهِ وأقاربِه، و «عَدَدَه» على
هَذَيْنِ التأويلَيْنِ اسمٌ معطوفٌ على «مالاً» أي: وجَمَعَ
عَدَدَ المالِ أو عَدَدَ نفسِه. الثالث: أنَّ «عَدَدَه» فعلٌ
ماضٍ بمعنى عَدَّه، إلاَّ أنَّه شَذَّ في إظهارِه كما شَذَّ في
قولِه:
4641. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إني أَجُوْدُ
لأَِقْوامٍ وإنْ ضَنِنُوا
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(5/361)
فِي عَمَدٍ
مُمَدَّدَةٍ (9)
وقوله: (يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ
(3)
أي يعمل عمل من لا يظن مع يساره أنه يَمُوتَ.
* * *
وقوله: (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
أي يرمى به في النار.
والحُطَمَةُ اسم من أسماء النار.
وقرئت (لَيُنْبَذَانِّ فِي الْحُطَمَةِ).
ورويت - عن الحسن، على أن المعنى لينبذنَّ هو وماله في
الحُطَمَةِ.
وقرئت (لَتَنْبُذُنَ) فِي الْحُطَمَةِ، فمعناه أنه لينبذ هو
وجمعُه في
الحطمة. والقراءة المعروفة (لَيُنْبَذَنَّ).
* * *
قوله: (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ
عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
هذه نار معدة لهؤلاء الكفار ومن كان مثلهم.
ومعنى (تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ)
يبلغ ألمها وإحْرَاقُها إلى الأفئدة.
* * *
وقوله: (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)
قرئت بالِهمز وبغير همز.
وقرئت مُوصَدَة، والعرب تقول أَوْصَدْتُه فعلى هذا مُوصَدَة.
وتقول آصَدْتُه فعلى هذا مؤصَدَة. بالهمزة.
ومعنى " مُوصَدَةٌ " مطبقة، أي العَذَابُ مطبَق عليهم.
* * *
وقوله: (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
وقرئت (فِي عُمُدٍ) وهو جمع عمَادٍ وَعُمَد وَعُمُد، كما
قالوا: إِهابٌ وأَهَبٌ وَأُهُبٌ. ومعناه أنها في عُمَد مِنَ
النَّارِ (1).
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {فِي عَمَدٍ}: قرأ الأخَوان وأبو بكر بضمتين جمعَ
«عَمُود» نحو: «رَسُول ورُسُل». وقيل: جمعُ عِماد نحو: كِتاب
وكُتُب. ورُوي عن أبي عمروٍ الضمُّ والسكونُ، وهو تخفيفٌ لهذهِ
القراءةِ. والباقون «عَمَد» بفتحتَيْن. فقيل: اسمُ جَمْعٍ
لعَمود. وقيل: بل هو جمعٌ له، قال الفراء: كأَدِيْم وأَدَم
«وقال ابو عبيدة:» هو جمعُ عِماد «و» في عَمَدٍ «يجوزُ أَنْ
يكونَ حالاً مِنْ الضميرِ في» عليهم «، أي: مُوْثَقِين، وأَنْ
يكونَ خبراً لمبتدأ مُضمرٍ، أي: هم في عَمَدٍ، وأَنْ يكونَ
صفةٌ لمُؤْصَدَة، قال أبو البقاء» يعني: فتكون النارُ داخلَ
العَمَدِ «.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(5/362)
|