معاني القرآن
وإعرابه للزجاج وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ
طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)
سُورَةُ الْفِيلِ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ
بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)
(كَيْفَ) في موضع نصب ب (فَعَلَ رَبُّكَ) لا بِقَوْله: (أَلَمْ
تَرَ)، لأن كيف
من حروف الاستفهام.
ومعنى (أَلَمْ تَرَ) ألم تعلم، فأَعلم اللَّه - عزَّ وجلَّ -
رسوله
ما كان مما سَلَفَ من الأقاصيص وما فيه دَالٌّ على توحيد
اللَّه وتعظيمه أمر
كعبته، وكان من قصة أصحاب الفيل أنَّ قوماً من العرب - وكانوا
ببلاد
النجاشي - وكانوا بحضرة بيت هو مصَلَّى للنَّصَارَى وأصحاب
النجاشي.
فأججوا ناراً استعملوها لبعض ما احتاجوا إليه، ثم رحلوا ولم
يطفئوها فحملتها الريح حتى أَحْرَقَتِ البَيْتَ الذي كان
مصلاهم وَمَثَابة للنجاشي وَأَصْحَابِه، فقصد مكة مقَدِّراً
أَن يَحرقَ بيت الحَرَامَ ويستبيح أهل مكة.
فلما قربوا من الحرم لَمْ تَسِرْ بهم دَوَابهم نحو البيتِ فإذا
عطفوها راجعين سَارَتْ.
فوعظهم اللَّهُ بأَبْلَغ مَوْعظةٍ، فأقاموا على قصد البيت وعلى
أن يحرقوه، فأرسل الله عليهم طَيراً أَبابيل، فجعل كيدهم في
تضليل، أي في ذهاب وهلاك، وكان مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجر في
منقاره وحَجران في رجليه، يقع الحجر منها على رأس الرجل فيخرج
من دبره على كل حجر اسم الرجل الذي وقع عليه، فقال اللَّه جل
ثناؤه:
(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)
جماعات من ههنا وجماعات من ههنا
والمعنى أرسل اللَّه عليهم هذا الطير بهذه الحجارة من كل جانب.
(5/363)
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ
مَأْكُولٍ (5)
ومعنى (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ
سِجِّيلٍ (4)
وصف اللَّه في كل من عَذَبه بالحجارة أَنَها مِنْ سِجِّيلٍ،
فقال في قوم
لُوطٍ: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ
مَنْضُودٍ).
فالمعنى وأرْسَل عليهم ما يرميهم بحجارة مِنْ سِجِّيلٍ، أي من
شديد
عَذَابه، والعرب إذا وصفت المكروه بسِجِيلٍ كأنها تعني به
الشدَّةَ ولا يوصف
بهء غير المكروه.
قال الشاعر.
وَرَجْلَةً يَضْرِبُونَ البَيْضَ عَنْ عُرُضٍ. . . ضرباً
تواصَتْ به الأبطالُ سِجِّيلَا
أَيْ ضَرْباً. شَدِيداً.
وأما (أبابيل) قال أبو عُبَيدَةَ: لا واحد لها، وقال غيره:
إبَّالةُ وَأَبابيل.
و (إبَّالَة) كأنَّها جماعة، وقَالَ بَعْضُهم واحدها " إبَّوْل
" وأبابيل، مثل عجول
وعجاجيل.
* * *
(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
أي جعلهم كَوَرَقِ الزَّرْعِ الذي جَفَّ وأُكل: أي: وقع فيه
الأُكال.
وجاء في التفسير أن الله تعالى أرسل عليهم سيلًا فحملهم إلى
البحر.
(5/364)
إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ
الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)
سُورَةُ قُرَيْشٍ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)
فيه ثلاثة أوجه: (لإِلافِ قُرَيْشٍ)، و (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ)،
ووجه ثالث " لِإِلْفِ
قُرَيْش).
وقد قرئ بالوجهين الأولين (1).
* * *
وقوله: (إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)
يجوز فيه ما جاز في " لِايلَافِ " إلا أَنه قد قرئ في هذها
إلْفِهِمْ "
و" إيلافهم " ويجوز إلَافِهم. وهذه اللام قال النحويون فيها
ثلاثة أوجه، قيل هي موصولة بما قبلها، المعنى فجعلهم كعصف
مأكول لإلف قريش.
أي أهلك اللَّه أصحاب الفيل لتبقى قريش وما قَد ألفُوا من رحلة
الشتاء والصيف.
وقال قوم: هذه لام التعجب فكان المعنى اعجبوا لإيلاف قريش.
وقال النحويون الذين ترتضى عربيتهم: هذه اللام معناها متصل بما
بعد
فليعبدوا، والمعنى فليعبد هؤلاء ربَّ هذا البيت لِإِلْفِهِمْ
رحلة الشتاء
والصيف.
والتأويل أن قريشاً كانوا يرحلون في الشتاء إلى الشام وفي
الصيف إلى
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ}: في متعلَّقِ هذه اللامِ، أوجهٌ،
أحدُها: أنه ما في السورةِ قبلَها مِنْ قولِه {فَجَعَلَهُمْ
كَعَصْفٍ} [قريش: 5]. قال الزمخشري: «وهذا بمنزلةِ التَّضْمينِ
في الشِّعْرِ» وهو أَنْ يتعلَّقَ معنى البيتِ بالذي قبلَه
تَعَلُّقاً لا يَصِحُ إلاَّ به، وهما في مصحفِ أُبَي سورةٌ
واحدٍ بلا فَصْلٍ. وعن عُمَرَ أنه قرأهما في الثانية من صلاة
المغرب وفي الأولى بسورةِ «والتين» انتهى. وإلى هذا ذهبَ أبو
الحسنِ الأخفشُ إلاَّ أنَّ الحوفيَّ قال: «ورَدَّ هذا القولَ
جماعةٌ: بأنَّه لو كان كذا لكان» لإِيلافِ «بعضَ سورةِ» ألم
تَرَ «وفي إجماعِ الجميعِ على الفَصْلِ بينهما ما يدلُّ على
عَدَمِ ذلك»
الثاني: أنَّه مضمرٌ تقديرُه: فَعَلْنا ذلك، أي: إهلاكَ أصحابِ
الفيل لإِيلافِ قريش. وقيل: تقديرُه اعْجَبوا. الثالث: أنه
قولُه «فَلْيَعْبُدوا».
وإنما دَخَلَتْ الفاءُ لِما في الكلامِ مِنْ معنى الشرطِ، أي:
فإنْ لم يَعْبُدوه لسائرِ نِعَمِه فَلْيَعْبدوه لإِيلافِهم
فإنَّها أَظْهَرُ نعمِهِ عليهم، قاله الزمخشري وهو قولُ
الخليلِ قبلَه.
وقرأ ابن عامر «لإِلافِ» دونَ ياءٍ قبل اللامِ الثانيةِ،
والباقون «لإِيلافِ» بياءٍ قبلَها، وأَجْمَعَ الكلُّ على إثبات
الياءِ في الثاني، وهو «إيلافِهِمْ» ومِنْ غريبِ ما اتَّفَق في
هذَيْن الحرفَيْنِ أنَّ القرَّاءَ اختلفوا في سقوطِ الياءِ
وثبوتِها في الأولِ، مع اتفاقِ المصاحفِ على إثباتِها خَطَّاً،
واتفقوا على إثباتِ الياءِ في الثاني مع اتفاقِ المصاحفِ على
سقوطِها فيه خَطَّاً، فهو أَدَلُّ دليلٍ على أنَّ القُرَّاءَ
مُتَّبِعون الأثَر والروايةَ لا مجرَّدَ الخطِّ.
فأمَّا قراءةُ ابنِ عامرٍ ففيها وجهان، أحدُهما: أنه مصدرٌ ل
أَلِف ثلاثياً يُقال: أَلِفْتُه إلافاً، نحو: كتبتُه كِتاباً،
يُقال: أَلِفْتُه إلْفاً وإلافاً. وقد جَمَعَ الشاعرُ بينَهما
في قولِه:
4647 زَعَمْتُمْ أنَّ إخْوَتَكُمْ قُرَيْشٌ. . . لهم إلْفٌ
وليس لكُمْ إلافُ
والثاني: أنَّه مصدرُ آلَفَ رباعياً نحو: قاتَلَ قِتالاً. وقال
الزمخشري: «أي: لمُؤالَفَةِ قريشٍ».
وأمَّا قراءةُ الباقين فمصدرُ آلَفَ رباعياً بزنةِ أَكْرَم
يقال: آلَفْتُه أُوْلِفُه إيْلافاً. قال الشاعر:
4648 مِنَ المُؤْلِفاتِ الرَّمْلِ أَدْماءُ حُرَّةٍ. . . شعاعُ
الضُّحى في مَتْنِها يَتَوضَّحُ
وقرأ عاصمٌ في روايةٍ «إإْلافِهم» بمهزتين: الأولى مسكورةٌ
والثانية ساكنةٌ، وهي شاذَّةٌ، لأنه يجب في مثلِه إبدالُ
الثانية حرفاً مجانساً كإِيمان. ورُويَ عنه أيضاً بِهَمْزَتين
مَكْسورَتَيِن بعدهما ياءٌ ساكنةٌ. وخُرِّجَتْ على أنه
أَشْبَعَ كسرةً الهمزةِ الثانية فتولَّد منها ياءٌ، وهذه
أَشَذُ مِنْ الأولى ونَقَلَ أبو البقاء أشَذَّ منها فقال:
«بهمزةٍ مكسورةٍ بعدها ياءٌ ساكنةٌ، بعدها همزةٌ مسكورةٌ، وهو
بعيدٌ. ووَجْهُها أنه أشبعَ الكسرةَ فنشَأَتْ الياءُ، وقَصَد
بذلك الفصلَ بين الهمزتَيْن كالألفِ في {أَأَنذَرْتَهُمْ}
[البقرة: 6].
وقرأ أبو جعفر «لإِلْفِ قُرَيْشٍ» بزنة قِرْد. وقد تقدَم أنه
مصدرٌ لأَلِفَ كقوله:
4649. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لهم إلْفٌ وليس
لكم إلافُ
وعنه أيضاً وعن ابن كثير «إلْفِهم» وعنه أيضاً وعن ابن عامر
«إلا فِهِمْ» مثل: كِتابهم. وعنه أيضاً «لِيْلافِ» بياءٍ
ساكنةٍ بعد اللامِ؛ وذلك أنه لَمَّا أبدل الثانيةَ حَذَفَ
الأولى على غير قياسٍ. وقرأ عكرمةُ «لِتَأْلَفْ قُرَيْش» فعلاً
مضارعاً وعنه «لِيَأْلَفْ على الأمر، واللامُ مكسورةٌ، وعنه
فَتْحُها مع الأمرِ وهي لُغَيَّةٌ.
وقُرَيْش اسمٌ لقبيلةٍ. قيل: هم وَلَدُ النَّضْرِ بنِ
كِنانَةَ، وكلُّ مَنْ وَلَدُه النَّضْرُ فهو قُرَشِيٌّ دونَ
كِنانةَ، وهو الصحيحُ وقيل: هم وَلَدُ فِهْرِ بن مالك ابن
النَّضْر بنِ كِنانةَ. فَمَنْ لم يَلِدْه فِهْرٌ فليس
بقُرَشيٍّ، فوقع الوِفاقُ على أنَّ بني فِهْرٍ قرشيُّون. وعلى
أنًَّ كنانةَ ليسوا بقرشيين. ووقع الخلافُ في النَّضْر ومالكٍ.
واخْتُلِفَ في اشتقاقِه على أوجه، أحدها: أنه من التَّقَرُّشِ
وهو التجمُّعُ سُمُّوا بذلك لاجتماعِهم بعد افتراقِهم. قال
الشاعر:
4650 أبونا قُصَيُّ كان يدعى مُجَمِّعاً. . . به جَمَّعَ
اللَّهُ القبائلَ مِنْ فِهْرِ
والثاني: أنه من القَرْشِ وهو الكَسْبُ. وكانت قريشٌ
تُجَّاراً. يقال: قَرَشَ يَقْرِشُ أي: اكتسب. والثالث: أنه
مِنْ التفتيش. يقال قَرَّشَ يُقَرِّشُ عني، أي: فَتَّش. وكانت
قريشٌ يُفَتِّشون على ذوي الخُلاَّنِ ليَسُدُّوا خُلَّتَهم.
قال الشاعر:
4651 أيُّها الشامِتُ المُقَرِّشُ عنا. . . عند عمروٍ فهَلْ له
إبْقاءُ
وقد سأل معاويةُ ابنَ عباس. فقال: سُمِّيَتْ بدابةٍ في البحرِ
يقال لها: القِرْش، تأكلُ ولا تُؤكَل، وتَعْلو ولا تعلى وأنشد
قولَ تُبَّعٍ:
4652 وَقُرَيْشٌ هي التي تَسْكُنُ البَحْ. . . رَ سُمِّيَتْ
قُرَيْشٌ قُرَيْشَا
تأكلُ الغَثَّ والسَّمينَ ولا تَتْ. . . رُكُ فيها لذي
جناحَيْنِ رِيشا
هكذا في البلادِ حَيُّ قُرَيْشٍ. . . يأكلونَ البلادَ أكْلاً
كَميشا
ولهم آخِرَ الزمان نَبيٌّ. . . يُكْثِرُ القَتْلَ فيهمُ
والخُموشا
ثم قريشٌ: إمَّا أَنْ يكونَ مصغراً مِنْ مزيدٍ على الثلاثةِ،
فيكونَ تصغيرُه تصغيرَ ترخيمٍ. فقيل: الأصلُ: مُقْرِش. وقيل:
قارِش، وإمَّا أَنْ يكونَ مُصَغَّراً مِنْ ثلاثيٍّ نحوَ
القَرْشِ. وأجمعوا على صَرْفِه هنا مُراداً به الحيُّ ولو
أُريد به القبيلةُ لا متنعَتْ مِنْ الصرفِ كقولِ الشاعر:
4653 - غَلَبَ المَساميحَ الوليدُ سَماحةً. . . وكفى قُرَيْشَ
المُعْضِلاتِ وسادَها
قال سيبويه في مَعَدّ وقُرَيْش وثَقِيْف وكِنانةَ:» هذه
للأحياءِ «وإنْ جعلَتها اسماً للقبائلِ فهو جائزٌ حَسَنٌ».
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(5/365)
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ
مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
اليمن فيمتارون، وكانوا في الرحلتين آمنين
والناس يتخطفون، وكانوا إذا
عرض لهم عارض قالوا نحن أهل حرم الله فلا يتعرض لهم.
فأعلم اللَّه سبحانه أن من الدلالة على وحدانيته ما فعل بهؤلاء
لأنهم ببلد لا زرع فيه وأنهم فيه آمنون.
قال اللَّه - جل ثناؤه - (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا
حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ
أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ
يَكْفُرُونَ (67).
أي يؤمنون بالأصنام ويكفرون باللَّه - عزَّ وجلَّ - الذي أنعم
عليهم بهذه النِّعْمَةِ، فأمرهم بعبادته وحده لأِنْ آلَفَهُم
هاتين الرحلتين.
* * *
(الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
وكانوا قد أصابتهم شدة حتى أكلوا الميتة والجيف.
(وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).
آمنهم من أن يخافوا في الحرم، ومِن أَنْ يخافوا في رحلتهم
يقال:
أَلِفْت المكان آلفه إلفاً، وآلفت المكان بمعنى ألفت، أولفهُ
إيلافاً.
(5/366)
الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
سُورَةُ الْمَاعُون (الدِّين)
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)
وقرئت " أَرَيْتَ "
والاختيارُ أرأيت بإثبات الهمزة الثانية لأن الهمزة إنَّمَا
طرحت للمستقبل في ترى ويرى وأرى.
والأصل ترأى وَيرأى.
فأمَّا رأيت فليس يصح عن العرب فيها ريت.
ولكن ألف الاستفهام لما كانت في أول
الكلام سَهَّلَت إلقاء الهمزة، والاختيار إثباتها.
* * *
وقوله: (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)
معنى يدُع في اللغة يدفع، وكذلك قوله: (يَوْمَ يُدَعُّونَ
إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا).
أي يدفعون إليها دفعاً بعنف، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ
الْيَتِيمَ عن حَقِه.
ويقرأ (فَذَلِكَ الَّذِي يَدَعُ الْيَتِيمَ).
تأويله فذلك الذي لا يعبأ باليتيم ويتركه مهملاً
* * *
وقوله: (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)
أي لا يطعم المسكين ولا يأمر بإطْعَامِه.
* * *
وقوله: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6).
يُعْنَى بهذا المنافقون، لأنهم كانوا إنما يراءون بالصلاة إذَا
هُمْ رآهم
المؤمنون صلوا معهم، وإذا لم يروهم لم يصلوا، وقيل هم عن
صلاتهم
(5/367)
وَيَمْنَعُونَ
الْمَاعُونَ (7)
ساهون يؤخرونها عن وقتها، ومن تعمَّد
تأخيرها عن وقتها حتى يدخل وقت
غيرها فالويل له أيضاً كما قال اللَّه عزَّ وجلَّ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
أي يمنعون ما فيه منفعة.
والماعون في الجاهلية ما فيه منفعة حتى الفأس والدلو والقدر
والقَدُّاحَة
وكل ما انتفع به من قليل أو كثير.
قال الأعشى:
بأَجْوَدَ منه بماعُونِه. . . إذا ما سَمَاؤهم لم تَغِمْ
والماعون في الإسلام قيل هو الزكاة والطاعة.
قال الراعي.
قَوْمي على الإِسْلام لمَّا يَمْنَعُوا. . . ماعُونَهُمْ
ويُضَيِّعُوا التَّهْلِيلا
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {الماعون}: أوجهٌ، أحدُها: أنه فاعُول من المَعْنِ وهو
الشيءُ القليل. يُقال: «مالُه مَعْنَةٌ» أي: قليلٌ، قاله قطرب.
الثاني: أنَّه اسمُ مفعولٍ مِنْ أعانه يُعينه. والأصلُ:
مَعْوُوْن. وكان مِنْ حَقِّه على هذا أَنْ يقال: مَعُوْن
كمَقُوْل ومَصُون اسمَيْ مفعول مِنْ قال وصان، ولكنه قُلِبَتِ
الكلمةُ: بأنْ قُدِّمَتْ عينُها قبل فائِها فصار مَوْعُوْن، ثم
قُلِبَتِ الواوُ الأولى ألفاً كقولِهم «تابَةٌ» و «صامَةٌ» في
تَوْبة وصَوْمَة، فوزنُه الآن مَعْفُوْل. وفي هذا الوجه شذوذٌ
من ثلاثةِ أوجهٍ، أوَّلُها: كَوْنُ مَفْعول جاء من أَفْعَل
وحقُّه أَنْ يكونَ على مُفْعَل كمُكْرَم فيقال: مُعان كمُقام.
وإمَّا مَفْعول فاسمُ مفعولِ الثلاثي. الثاني: القَلْبُ وهو
خلافُ الأصلِ: الثالث: قَلْبُ حرفِ العلةِ ألفاً، وإنْ لم
يتحرَّكْ، وقياسُه على تابة وصامة بعيدٌ لشذوذِ المَقيسِ عليه.
وقد يُجاب عن الثالث: بأنَّ الواوَ متحركةٌ في الأصل قبل
القلبِ فإنه بزنةِ مَعْوُوْن.
الثالث: من الأوجه الأُوَل: أنَّ أصله مَعُوْنَة والألفُ عوضٌ
من الهاء، ووزنُه مَفُعْل كمَلُوْم ووزنُه بعد الزيادة: ما
فُعْل. واختلفَتْ عباراتُ أهلِ التفسير فيه، وأحسنُها: أنَّه
كلُّ ما يُستعان به ويُنتفع به كالفَأْس والدَّلْوِ والمِقْدحة
وأُنْشِد قولُ الأعشى:
4657 بأَجْوَدَ مِنْه بماعُوْنِه. . . إذا ما سماؤُهمُ لم
تَغِمّْ
ولم يَذْكُرِ المفعولَ الأولَ للمَنْع: إمَّا للعِلْمِ به، أي:
يَمْنعون الناسَ أو الطالبين، وإمَّا لأنَّ الغَرَضَ ذِكْرُ ما
يمنعونه لا مَنْ يمنعون، تنبيهاً على خساسَتِهم وضَنِّهم
بالأشياءِ التافهةِ المُسْتَقْبَحِ مَنْعُها عند كلِّ أحدٍ.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(5/368)
فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ (2)
سُورَةُ الْكَوْثَر
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)
جاء في التفسير أن الكوثر نهر في الجنة أشد بياضاً من اللبن
وأحلى من
العسل، حافَّتَاه قباب الدر، مجوف، وجاء في التفسير أيضاً أن
الكوثر الإسلام والنبوةُ.
وقال أهل اللغة: الكوثر فوعل من الكثرة، ومعناه الخير الكثير.
وجميع ما جاء في تفسير هذا قد أعطيه النبي عليه السلام.
قد أعطي الإسلام والنبوة وإظهار الدين الذي أتى به على كل دين
والنصر على عدوه والشفاعة.
وما لا يحصى مما أعطيه، وقد أعطي من الجنة على قدر فضله على
أهل
الجنة.
* * *
ومعنى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
أي وانحر أيضاً لربك، وقيل يعنى به صلاة الغداة في يوم النحر،
أي
وانحر بعد صلاة الفجر، والأكثر فيما جاء " فَصَلِّ لِرَبك
وانْحَرْ "
صلاة يوم الأضْحَى ثم النحر بعد الصلاة.
وقيل (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) أي اجعل يمينك على
شمالك إذا وقفت في الصلاة وضمهما إلى صدرك.
(5/369)
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ
الْأَبْتَرُ (3)
وقوله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ
الْأَبْتَرُ (3)
(شَانِئَكَ) مبغضك وهذا هو العاص بن وائل دخل النبي عليه
السلام وهو
جالس فقال: هذا الأبتر، أي هذا الذي لا عقب له، فقال اللَّه
تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ) يا محمد (هُوَ الْأَبْتَرُ).
فجائز أن يكون هو المنقطع العقب.
وجائز أن يكون هو المنقطع عنه كل خير.
والبتر استئصال القطع.
(5/370)
لَكُمْ دِينُكُمْ
وَلِيَ دِينِ (6)
سُورَةُ الْكَافِرُونَ
(مَكِّيَّة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا
أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا
أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا
أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)
أي لست في حالي هذه عابداً ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد
ولَا أَنَا
عَابِدٌ مَا عَبَدْتُم.
أي ولا أعبد فيما أستَقْبِل ما عبدتم، ولا أنتم فيما تستقبلون
عابدون ما
أعبد - فهذا نفي الحال، وأن يكون أيضاً فيما يستقبل، ينتقل عن
الحال.
وكذلك نفى عنهم العبادة في الحال للَّهِ عزَّ وجلَّ وفي
الاستقبال.
وهذا - واللَّه أعلم - في قومه.
أعلمه الله أنهم لا يؤمنونَ كما قال عزَّ وجلَّ في قصة نوح:
(لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ).
* * *
(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
قيل هذا قبل أن يؤمر - صلى الله عليه وسلم - بالقتال.
(5/371)
|