أحكام القرآن للشافعي - جمع البيهقي

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)

«مَا نُسِخَ مِنْ الْوَصَايَا «1» »
(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ- إِنْ تَرَكَ خَيْراً-: الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ: بِالْمَعْرُوفِ، حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ: 2- 180) .»
«قَالَ: فَكَانَ «2» فَرْضًا فِي كِتَابِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) ، عَلَى مَنْ تَرَكَ خَيْرًا- وَالْخَيْرُ: الْمَالُ.-: أَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ.»
«وَزَعَمَ «3» بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ [بِالْقُرْآنِ «4» ] : أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخَةٌ «5» .»
«وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَقْرَبِينَ: غَيْرِ الْوَارِثِينَ فَأَكْثَرُ مَنْ لَقِيتُ-: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ «6» حَفِظْتُ [عَنْهُ «7» ] .- قَالَ: الْوَصَايَا مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهَا: إذَا كَانَتْ إنَّمَا يُورَثُ بِهَا فَلَمَّا قَسَمَ اللَّهُ الْمِيرَاثَ: كَانَتْ تَطَوُّعًا.»
__________
(1) هَذَا الْكَلَام قد ورد فى الأَصْل مُتَأَخِّرًا بعد قَوْله: قَالَ الشَّافِعِي بِلَفْظ: «نسخ مِنْهُ الْوَصَايَا.» والتصحيح والتقديم عَن الْأُم (ج 4 ص 27) . [.....]
(2) فى الْأُم: «وَكَانَ» .
(3) فى الْأُم: «ثمَّ زعم» .
(4) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(5) انْظُر فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 6 ص 226 و263- 265) مَا روى فى ذَلِك، عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره.
(6) فى الْأُم: «مِمَّن» .
(7) الزِّيَادَة عَن الْأُم.

(1/149)


«وَهَذَا- إنْ شَاءَ اللَّهُ- كُلُّهُ: كَمَا قَالُوا.» .
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) [فِي عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ «1» ] :
بِآيَةِ «2» الْمِيرَاثِ، وَبِمَا «3» رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : مِنْ قَوْلِهِ:
«لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ «4» » .
وَاحْتَجَّ «5» فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ «6» ، بِحَدِيثِ عمرَان ابْن لحصين: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ لَهُ: لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَجَزَّأَهُمْ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَأَعْتَقَ «7» اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً.» .
[ثُمَّ قَالَ «8» ] : «وَالْمُعْتِقُ: عَرَبِيٌّ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ: تَمْلِكُ مَنْ
__________
(1) الزِّيَادَة للايضاح.
(2) ذكر فى الْأُم مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ: إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ: فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ: فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ: 4- 11) .
(3) فى الأَصْل: «وَلما» ، وَهُوَ تَحْرِيف.
(4) قَالَ فى الْأُم (ج 4 ص 27) : «وَمَا وصفت-: من أَن الْوَصِيَّة للْوَارِث مَنْسُوخَة بآى الْمَوَارِيث، وَأَن لَا وَصِيَّة لوَارث.-: مِمَّا لم أعرف فِيهِ عَن أحد: مِمَّن لقِيت، خلافًا.» . وَقد تعرض لهَذَا الْمَوْضُوع بتوسع فى الْأُم (ج 4 ص 40) ، فَرَاجعه.
(5) انْظُر كَلَامه قبل ذَلِك، فى الْأُم (ج 4 ص 27) : فَهُوَ مُفِيد.
(6) نقل فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 6 ص 265) عَن الشَّافِعِي: «أَن طاوسا وَقلة لم يجيزوا الوصيه لغير قرَابَة» وَقد ذكر نَحْو ذَلِك فى الْأُم (ج 7 ص 18) وفى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص 381) ،
(7) كَذَا بِالْأُمِّ (ج 4 ص 27 و45 وَج 7 ص 16 و337) وَاخْتِلَاف الحَدِيث (ص 371) وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج 6 ص 265) . وفى الأَصْل: «وَأعْتق» .
(8) الزِّيَادَة للتّنْبِيه والإيضاح. [.....]

(1/150)


وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)

لَا قَرَابَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ. فَلَوْ لَمْ تَجُزْ «1» الْوَصِيَّةُ إلَّا لِذِي قَرَابَةٍ: لَمْ تَجُزْ «2» لِلْمَمْلُوكِينَ وَقَدْ أَجَازَهَا لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» .» .
(أَخْبَرَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ «4» أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْتَوْدَعِ: «إذَا قَالَ: دَفَعْتهَا إلَيْكَ فَالْقَوْلُ: قَوْلُهُ. وَلَوْ قَالَ: أَمَرْتنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ، فَدَفَعْتُهَا فَالْقَوْلُ:
قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ «5» . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً:)
__________
(1) كَذَا بِالْأُمِّ (ج 4 ص 27) ، وفى الأَصْل: «يجز» ، وَمَا فى الْأُم أنسب:
(2) كَذَا بِالْأُمِّ (ج 4 ص 27) ، وفى الأَصْل: «يجز» ، وَمَا فى الْأُم أنسب:
(3) وَقَالَ أَيْضا (كَمَا فى السّنَن الْكُبْرَى: ج 6 ص 266) : «فَكَانَت دلَالَة السّنة- فى حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن- بَيِّنَة: أَن رَسُول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أنزل عتقهم فى الْمَرَض وَصِيَّة وَالَّذِي أعتقهم: رجل من الْعَرَب والعربي إِنَّمَا يملك من لَا قرَابَة بَينه وَبَينه: من الْعَجم. فَأجَاز النَّبِي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لَهُم الْوَصِيَّة» . وراجع الْأُم (ج 7 ص 337- 338) .
(4) فى الأَصْل: «عَن» ، وَهُوَ تَحْرِيف.
(5) قَالَ فى الْأُم (ج 4 ص 61) : «وَإِذا استودع الرجل الرجل الْوَدِيعَة، فاختلفا-:
فَقَالَ الْمُسْتَوْدع: دفعتها إِلَيْك وَقَالَ الْمُسْتَوْدع: لم تدفعها.-: فَالْقَوْل: قَول الْمُسْتَوْدع.
وَلَو كَانَت الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا- غير أَن الْمُسْتَوْدع قَالَ: أمرتنى أَن أدفعها إِلَى فلَان، فدفعتها وَقَالَ الْمُسْتَوْدع: لم آمُرك.-: فَالْقَوْل: قَول الْمُسْتَوْدع وعَلى الْمُسْتَوْدع: الْبَيِّنَة. وَإِنَّمَا فرقنا بَينهمَا: أَن الْمَدْفُوع إِلَيْهِ غير الْمُسْتَوْدع وَقد قَالَ الله: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) . فالاول: إِنَّمَا ادّعى دَفعهَا إِلَى من ائتمنه وَالثَّانِي: إِنَّمَا ادّعى دَفعهَا إِلَى غير الْمُسْتَوْدع بأَمْره. فَلَمَّا أنكر أَنه أمره: أغرم لَهُ لَان الْمَدْفُوع إِلَيْهِ غير الدَّافِع.» . اهـ وَهُوَ كَلَام جيد مُفِيد، ويوضح مَا فى الأَصْل الَّذِي نرجح أَنه مُخْتَصر مِنْهُ.

(1/151)


(فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ: 2- 283) وَقَالَ فِي الْيَتَامَى: «1» (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ: فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ «2» : 4- 6) .»
«وَذَلِكَ: أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ إنَّمَا هُوَ: وَصِيُّ أَبِيهِ، أَوْ [وَصِيٌّ] «3» وَصَّاهُ الْحَاكِمُ: لَيْسَ أَنَّ الْيَتِيمَ اسْتَوْدَعَهُ «4» . وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ: غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ وَكَانَ عَلَيْهِ: أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَبْرَأَ. [وَ «5» ] كَذَلِكَ: الْوَصِيُّ.» .
__________
(1) انْظُر مُخْتَصر الْمُزنِيّ (ج 3 ص 177) وَالأُم (ج 7 ص 105) .
(2) ذكر فى الْأُم قبل ذَلِك، قَوْله تَعَالَى: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً: فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ: 4- 6) .
(3) الزِّيَادَة عَن الْأُم (ج 4 ص 61) .
(4) قَالَ بعد ذَلِك، فى الْأُم (ج 4 ص 61) : «فَلَمَّا بلغ الْيَتِيم: أَن يكون لَهُ أَمر فى نَفسه وَقَالَ: لم أَرض أَمَانَة هَذَا، وَلم أستودعه.-: فَيكون القَوْل قَول الْمُسْتَوْدع.-:
كَانَ على الْمُسْتَوْدع أَن يشْهد» إِلَى آخر مَا فى الأَصْل. وارجع إِلَى مَا ذكر فى الْوكَالَة من كتاب الْمُخْتَصر (ج 3 ص 6- 7) : فَإِنَّهُ مُفِيد فى الْمَوْضُوع.
(5) الزِّيَادَة عَن الْأُم (ج 4 ص 61) .

(1/152)