أحكام القرآن للشافعي - جمع البيهقي

وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)

«مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَالْمُرْتَدِّ «1» »
(وَفِيمَا أَنْبَأَنِي) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (إجَازَةً) : أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ: أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «2» : «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِنْ طائِفَتانِ-: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.- اقْتَتَلُوا: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي، حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ «3» ) الْآيَةُ: (49- 9) .»
«فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى: [اقْتِتَالَ «4» ] الطَّائِفَتَيْنِ وَالطَّائِفَتَانِ الْمُمْتَنِعَتَانِ:
__________
(1) قَالَ فى الْأُم (ج 1 ص 228- 229) : «اخْتلف أَصْحَابنَا فى الْمُرْتَد: فَقَالَ مِنْهُم قَائِل: من ولد على الْفطْرَة، ثمَّ ارْتَدَّ إِلَى دين-: يظهره، أَولا يظهره.-:
لم يستتب، وَقتل. وَقَالَ بَعضهم: سَوَاء من ولد على الْفطْرَة، وَمن أسلم: لم يُولد عَلَيْهَا فَأَيّهمَا ارْتَدَّ-: فَكَانَت ردته إِلَى يَهُودِيَّة، أَو نَصْرَانِيَّة، أَو دين يظهره.-: استتيب فَإِن تَابَ: قبل مِنْهُ وَإِن لم يتب: قتل. وَإِن كَانَت ردته إِلَى دين لَا يظهره-: مثل الزندقة، وَمَا أشبههَا.-: قتل، وَلم ينظر إِلَى تَوْبَته. وَقَالَ بَعضهم: سَوَاء من ولد على الْفطْرَة، وَمن لم يُولد عَلَيْهَا: إِذا أسلم فَأَيّهمَا ارْتَدَّ: استتيب فَإِن تَابَ: قبل مِنْهُ وَإِن لم يتب: قتل. وَبِهَذَا أَقُول» . ثمَّ اسْتدلَّ على ذَلِك فَرَاجعه: فَإِنَّهُ مُفِيد فى بعض الأبحاث الْآتِيَة. وراجع كَلَامه قبل ذَلِك وَبعده (ص 227 و231- 234) . وراجع الْأُم (ج 6 ص 148- 149 و155- 156) . ثمَّ رَاجع كَلَامه عَن أهل الرِّدَّة بعد النَّبِي: فى الْأُم (ج 4 ص 134- 135) ، والمختصر (ج 5 ص 157- 158) . وراجع السّنَن الْكُبْرَى (ج 8 ص 175- 178) .
(2) كَمَا فى الْأُم (ج 4 ص 133- 134) .
(3) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 8 ص 172 و192) مَا روى فى سَبَب نزُول ذَلِك عَن أنس وَمَا روى عَن عَائِشَة وَابْن عمر: فَهُوَ مُفِيد فِيمَا سننقله عَن الشَّافِعِي فى الْقَدِيم.
(4) زِيَادَة متعينة، عَن الْأُم.

(1/289)


الْجَمَاعَتَانِ: كُلُّ وَاحِدَةٍ تَمْتَنِعُ «1» وَسَمَّاهُمْ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) : الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَرَ:
بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ «2» .»
«فَحَقَّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ: دُعَاءُ «3» الْمُؤْمِنِينَ-: إذَا افْتَرَقُوا، وَأَرَادُوا الْقِتَالَ.-: أَنْ لَا يُقَاتِلُوا، حَتَّى يُدْعَوْا إلَى الصُّلْحِ «4» .»
«قَالَ: وَأَمَرَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) : بِقِتَالِ [الْفِئَةِ «5» ] الْبَاغِيَةِ-: وَهِيَ مُسَمَّاةٌ بِاسْمِ: الْإِيمَانِ «6» .- حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ «7» .»
«فَإِذَا «8» فَاءَتْ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ قِتَالُهَا: لِأَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) إنَّمَا أَذِنَ فِي قِتَالِهَا: فِي مُدَّةِ الِامْتِنَاعِ-: بِالْبَغْيِ.- إلَى أَنْ تَفِيءَ.»
«وَالْفَيْءُ: الرَّجْعَةُ عَنْ الْقِتَالِ: بِالْهَزِيمَةِ، [أَ «9» ] والتَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا.
__________
(1) فى الْأُم زِيَادَة: «أَشد الِامْتِنَاع أَو أَضْعَف: إِذْ لَزِمَهَا اسْم الِامْتِنَاع.» . [.....]
(2) انْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج 8 ص 172- و174) ، وصحيح البُخَارِيّ بِهَامِش الْفَتْح (ج 1 ص 65) .
(3) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «من» . وَلَعَلَّه محرف، أَو لَعَلَّ فى الأَصْل سقطا. فَتَأمل.
(4) فى الْأُم زِيَادَة: «وَبِذَلِك قلت: لَا يبيت أهل الْبَغي، قبل دُعَائِهِمْ. لِأَن على الإِمَام الدُّعَاء- كَمَا أَمر الله عز وَجل- قبل الْقِتَال» .
(5) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(6) حكى الشَّافِعِي فى الْقَدِيم: أَن قوما أَنْكَرُوا قتال أهل الْبَغي وَزَعَمُوا: أَنهم أهل الْكفْر، وَلَيْسوا بِأَهْل الْإِسْلَام. ثمَّ ذكر دليلهم، ورد عَلَيْهِم. فراجع كَلَامه، وتعقيب الْبَيْهَقِيّ عَلَيْهِ: فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 8 ص 188) . فَإِنَّهُ جيد وَلَوْلَا طوله لنقلناه.
(7) قَالَ الشَّافِعِي فى الْقَدِيم (كَمَا فى السّنَن الْكُبْرَى: ص 187) : «وَرغب رَسُول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فى قتال أهل الْبَغي» . وَانْظُر فى السّنَن الْكُبْرَى مَا ذكره من السّنة.
(8) فى الْأُم: «فَإِن» .
(9) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.

(1/290)


وَأَيُّ حَالٍ تَرَكَ بِهَا الْقِتَالَ: فَقَدْ فَاءَ «1» . وَالْفَيْءُ-: بِالرُّجُوعِ «2» عَنْ الْقِتَالِ.-: الرُّجُوعُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَى طَاعَتِهِ، وَالْكَفُّ «3» عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) . وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ «4» [الْهُذَلِيُّ]- يُعَيِّرُ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ:
انْهَزَمُوا «5» عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهِ، فِي وَقْعَةٍ، فَقُتِلَ «6» .-:
لَا يَنْسَأُ اللَّهُ مِنَّا، مَعْشَرًا: شَهِدُوا يَوْمَ الْأُمَيْلِحِ، لَا غَابُوا «7» ، وَلَا جَرَحُوا
__________
(1) قَالَ فى الْمُخْتَصر (ج 5 ص 159) - بعد أَن ذكر نَحْو ذَلِك-: «وَحرم قِتَالهمْ:
لِأَنَّهُ أَمر أَن يُقَاتل وَإِنَّمَا يُقَاتل من يُقَاتل. فاذا لم يُقَاتل: حرم بِالْإِسْلَامِ أَن يُقَاتل. فَأَما من لم يُقَاتل فَإِنَّمَا يُقَال: اقْتُلُوهُ لَا: قَاتلُوهُ.» . وَقد ذكر نَحوه فى الام (ج 4 ص 143) .
فَرَاجعه، وراجع كَلَامه عَن الْخَوَارِج وَمن فى حكمهم، وَالْحَال الَّتِي لَا يحل فِيهَا دِمَاء أهل الْبَغي-:
فى الْأُم (ج 4 ص 136- 139، والمختصر (ج 5 ص 159- 162) .
(2) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «الرُّجُوع» . وَهُوَ تَحْرِيف.
(3) فى الْأُم: «فى الْكَفّ» . وَمَا فى الأَصْل أظهر.
(4) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالأُم. وَلم نعثر على الْبَيْتَيْنِ فى ديوانه المطبوع بِأول ديوَان الهذليين. ثمَّ عثرنا على أَولهمَا- فى اللِّسَان وَشرح الْقَامُوس (مَادَّة: ملح) -: مَنْسُوبا إِلَى المتنخل الْهُذلِيّ وعَلى ثَانِيهمَا- فيهمَا (مَادَّة: وضح) -: مَنْسُوبا إِلَى أَبى ذُؤَيْب. وعثرنا عَلَيْهِمَا مَعًا ضمن قصيدة للمتنخل: فى ديوانه المطبوع بالجزء الثَّانِي من ديوَان الهذليين (ص 31) .
فَلذَلِك، ولارتباط الْبَيْتَيْنِ فى الْمَعْنى. ولاضطراب الروَاة فى شعر الهذليين عَامَّة، وَلكَون الشَّافِعِي أحفظ النَّاس لشعرهم، وأصدقهم رِوَايَة لَهُ، وأوسعهم دراية بِهِ- نظن (إِن لم نتيقن) : أَن الْبَيْتَيْنِ مَعَ سَائِر القصيدة، لأبى ذُؤَيْب.
(5) كَذَا بِالْأُمِّ وفى الأَصْل: «المفرجوا» ، وَلَعَلَّه محرف عَن: «انفرجوا» ، بِمَعْنى: انكشفوا.
(6) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «قتل» ، وَلَعَلَّه محرف. [.....]
(7) «قَالَ فى اللِّسَان: «يَقُول: لم يغيبوا-: فنكفى أَن يؤسروا أَو يقتلُوا.-
وَلَا جرحوا، أَي: وَلَا قَاتلُوا إِذْ كَانُوا مَعنا.» . وفى الأَصْل «عابوا» . وَهُوَ تَصْحِيف.

(1/291)


عَقُّوا «1» بِسَهْمٍ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمْ أَحَدٌ ثُمَّ اسْتَفَاءُوا، فَقَالُوا: حَبَّذَا الْوَضَحُ.» «2»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَرَ «3» اللَّهُ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى) -: إِن «4» فاؤا.-:
إنْ «5» يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ «6» بِالْعَدْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَبَاعَةً: فِي دَمٍ، وَلَا مَالٍ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ «7» (عَزَّ وَجَلَّ) الصُّلْحُ آخِرًا «8» ، كَمَا ذَكَرَ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمْ أَوَّلًا: قَبْل الْإِذْنِ بِقِتَالِهِمْ.»
«فَأَشْبَهَ هَذَا (وَاَللَّهُ «9» أَعْلَمُ) : أَنْ تَكُونَ «10» التَّبَاعَاتُ «11» : فِي الْجِرَاحِ وَالدِّمَاءِ، وَمَا فَاتَ «12» -. مِنْ الْأَمْوَالِ.- سَاقِطَةً بَيْنَهُمْ «13» .»
__________
(1) كَذَا بِالْأُمِّ وَغَيرهَا. وَفِي الأَصْل: «عفوا» ، وَهُوَ تَصْحِيف. وراجع- فى هَامِش ديوَان المتنخل- مَا نقل عَن خزانَة الْبَغْدَادِيّ (ج 2 ص 137) : مِمَّا يتَعَلَّق بالتعقبة الَّتِي هى: سهم الِاعْتِذَار.
(2) قَالَ فى اللِّسَان: «أَي قَالُوا: اللَّبن أحب إِلَيْنَا من الْقود، فَأخْبر: أَنهم آثروا إبل الدِّيَة وَأَلْبَانهَا، على دم قَاتل صَاحبهمْ.» . وفى الأَصْل: «حبذا الوضح» وَهُوَ تَحْرِيف مخل بِالْوَزْنِ.
(3) فى الْأُم: «وَأمر» ، وَهُوَ أحسن. وَهَذَا إِلَى قَوْله: سَاقِطَة بَينهم، مَوْجُود بالمختصر (ج 5 ص 156) بِاخْتِصَار يسير.
(4) هَذَا وَمَا يَلِيهِ لَيْسَ بالمختصر.
(5) فى الْمُخْتَصر: «بِأَن» .
(6) فى الْأُم: «بَينهمَا» ، وَلَا فرق من جِهَة الْمَعْنى.
(7) هَذَا وَمَا يَلِيهِ لَيْسَ بالمختصر.
(8) كَذَا بِالْأُمِّ والمختصر. وفى الأَصْل: «آخر» وَالنَّقْص من النَّاسِخ.
(9) هَذَا وَمَا يَلِيهِ لَيْسَ بالمختصر.
(10) كَذَا بِالْأُمِّ والمختصر، وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «يكون» ، وَلَعَلَّه محرف.
(11) فى الْمُخْتَصر: «التَّبعَات» (جمع: تبعة) . وَالْمعْنَى وَاحِد.
(12) فى الْمُخْتَصر: «تلف» ، وَالْمرَاد وَاحِد.
(13) رَاجع السّنَن الْكُبْرَى (ج 8 ص 174- 175) . [.....]

(1/292)


إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)

«وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) : أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ: بِالْحُكْمِ-: إذَا كَانُوا قَدْ فَعَلُوا مَا فِيهِ حُكْمٌ.-:
فَيُعْطَى بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، مَا وَجَبَ لَهُ. لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (بِالْعَدْلِ) وَالْعَدْلُ: أَخْذُ الْحَقِّ لِبَعْضِ النَّاسِ [مِنْ بَعْضٍ «1» ] .» . ثُمَّ اخْتَارَ الْأَوَّلَ، وَذَكَرَ حُجَّتَهُ «2» .
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) ، قَالَ «3» : «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ، قالُوا: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ: إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ: إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) «4» إلَى قَوْلِهِ: (فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ: 63- 1- 3) «5» .»
__________
(1) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(2) أنظر الْأُم (ص 134) . ثمَّ رَاجع الْخلاف فِيهِ وفى قتال أهل الْبَغي المنهزمين:
فى الْأُم (ج 4 ص 142- 144) ، والمختصر (ج 5 ص 162- 165) .
(3) كَمَا فى الْأُم (ج 6 ص 145- 146) .
(4) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 8 ص 198) : مَا روى عَن زيد بن أَرقم، فى سَبَب نزُول ذَلِك.
(5) فى الْأُم بعد ذَلِك: «فَبين: أَن إِظْهَار الْإِيمَان مِمَّن لم يزل مُشْركًا حَتَّى أظهر الْإِيمَان، وَمِمَّنْ أظهر الْإِيمَان، ثمَّ أشرك بعد إِظْهَاره، ثمَّ أظهر الْإِيمَان-: مَانع لدم من أظهره فى أَي هذَيْن الْحَالين كَانَ، وَإِلَى أَي كفر صَار: كفر يسره، أَو كفر يظهره. وَذَلِكَ:
أَنه لم يكن لِلْمُنَافِقين، دين: يظْهر كظهور الدَّين الَّذِي لَهُ أعياد، وإتيان كنائس. إِنَّمَا كَانَ كفر جحد وتعطيل.» .

(1/293)


«فَبَيِّنٌ «1» فِي كِتَابِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) «2» : أَنَّ «3» اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ:
أَنَّهُمْ «4» اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً يَعْنِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : مِنْ الْقَتْلِ.»
«ثُمَّ أَخْبَرَ بِالْوَجْهِ: الَّذِي اتَّخَذُوا بِهِ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَقَالَ: (ذلِكَ: بِأَنَّهُمْ آمَنُوا، ثُمَّ كَفَرُوا) : بَعْدَ الْإِيمَانِ، كُفْرًا: إذَا سُئِلُوا عَنْهُ: أَنْكَرُوهُ، وَأَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَقَرُّوا بِهِ وَأَظْهَرُوا التَّوْبَةَ مِنْهُ: وَهُمْ مُقِيمُونَ- فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى- عَلَى الْكُفْرِ.»
«وَقَالَ «5» جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ: 9- 74) فَأَخْبَرَ: بِكُفْرِهِمْ، وَجَحْدِهِمْ الْكُفْرَ، وَكَذِبِ سَرَائِرِهِمْ: بِجَحْدِهِمْ.»
«وَذَكَرَ كُفْرَهُمْ فِي غَيْرِ آيَةٍ، وَسَمَّاهُمْ: بِالنِّفَاقِ إذْ «6» أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ: وَكَانُوا عَلَى غَيْرِهِ. قَالَ «7» : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ: مِنَ النَّارِ «8» وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً: 4- 145) .»
__________
(1) عبارَة الْأُم: «وَذَلِكَ بَين» ، وهى ملائمة لما قبلهَا مِمَّا نَقَلْنَاهُ.
(2) فى الْأُم زِيَادَة: «ثمَّ فى سنة رَسُول الله» .
(3) فى الْأُم: «بِأَن» ، وَهُوَ- على مَا فى الْأُم- تَعْلِيل لقَوْله: «بَين» . فَتنبه.
(4) فى الْأُم: «بِأَنَّهُم» .
(5) فى الْأُم: «قَالَ الله» . وَالظَّاهِر: أَن زِيَادَة الْوَاو أولى. فَتَأمل.
(6) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «إِذا» ، وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ.
(7) كَذَا بِالْأُمِّ، وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «وَقَالَ» .
(8) رَاجع فى فتح الْبَارِي (ج 8 ص 184) : مَا روى عَن ابْن عَبَّاس فى ذَلِك.

(1/294)


- «فَأَخْبَرَ اللَّهُ «1» (عَزَّ وَجَلَّ) عَنْ الْمُنَافِقِينَ-: بِالْكُفْرِ وَحَكَمَ فِيهِمْ-: بِعِلْمِهِ: مِنْ أَسْرَارِ خَلْقِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ.-: بِأَنَّهُمْ «2» فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ: مِنْ النَّارِ وَأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ: بِأَيْمَانِهِمْ. وَحَكَمَ فِيهِمْ [جَلَّ ثَنَاؤُهُ «3» ]- فِي الدُّنْيَا-: أَنَّ «4» مَا أَظْهَرُوا: مِنْ الْإِيمَانِ-: وَإِنْ كَانُوا [بِهِ «5» ] كَاذِبِينَ.-: لَهُمْ جُنَّةٌ مِنْ الْقَتْلِ: وَهُمْ الْمُسِرُّونَ الْكُفْرَ، الْمُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ.»
«وَبَيَّنَ عَلَى لِسَانِ «6» نَبِيِّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : مِثْلَ مَا أَنْزَلَ «7» اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي كِتَابِهِ.» . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ «8» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ «9» : «وَأَخْبَرَ «10» اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عَنْ قَوْمٍ: مِنْ الْأَعْرَابِ
__________
(1) لفظ الْجَلالَة غير مَوْجُود بِالْأُمِّ. [.....]
(2) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «من» . وَالظَّاهِر أَنه تَحْرِيف من النَّاسِخ: ظنا مِنْهُ أَنه بَيَان لما.
(3) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(4) عبارَة الْأُم: «بِأَن» وهى أحسن.
(5) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(6) فِي الْأُم: «لِسَانه» .
(7) عبارَة الْأُم: «أنزل فى كِتَابه» وهى أحسن
(8) حَيْثُ قَالَ: «من أَن إِظْهَار القَوْل بِالْإِيمَان، جنَّة من الْقَتْل: أقرّ من شهد عَلَيْهِ، بِالْإِيمَان بعد الْكفْر، أَو لم يقر، إِذا اظهر الْإِيمَان: فإظهاره مَانع من الْقَتْل.» . ثمَّ ذكر من السّنة مَا يدل على ذَلِك. فَرَاجعه (ص 146- 147) . وراجع كَلَامه فى الْأُم (ج 1 ص 229 وَج 4 ص 41 وَج 5 ص 114 وَج 7 ص 74) . وراجع السّنَن الْكُبْرَى (ج 8 ص 196- 198) .
(9) كَمَا فى الْأُم (ج 6 ص 157) .
(10) قَالَ فى الْأُم (ج 7 ص 268) : «ثمَّ أطلع الله رَسُوله، على قوم: يظهرون الْإِسْلَام، ويسرون غَيره. وَلم يَجْعَل لَهُ: أَن يحكم عَلَيْهِم بِخِلَاف حكم الْإِسْلَام وَلم يَجْعَل لَهُ:
أَن يقْضى عَلَيْهِم فى الدُّنْيَا، بِخِلَاف مَا أظهرُوا. فَقَالَ لنَبيه ... » وَذكر الْآيَة الْآتِيَة، ثمَّ قَالَ- بِدُونِ عزو-: « (أسلمنَا) يعْنى: أسلمنَا بالْقَوْل بِالْإِيمَان، مَخَافَة الْقَتْل والسباء.» .

(1/295)


لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)

فَقَالَ: (قالَتِ الْأَعْرابُ: آمَنَّا قُلْ: لَمْ تُؤْمِنُوا، وَلكِنْ قُولُوا: أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ: 49- 14) . فَأَعْلَمَ: أَنْ «1» لَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَنَّهُمْ أَظْهَرُوهُ «2» ، وَحَقَنَ بِهِ دِمَاءَهُمْ.» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ «3» : «قَالَ مُجَاهِدٌ- فِي قَوْلِهِ: (أَسْلَمْنَا) .-: أَسْلَمْنَا «4» :
مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ «5» .»
قَالَ الشَّافِعِيُّ «6» : «ثُمَّ أَخْبَرَ: أَنَّهُ يَجْزِيهِمْ: إنْ أَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَعْنِي: إنْ أَحْدَثُوا «7» طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ «8» : «وَالْأَعْرَابُ لَا يَدِينُونَ دِينًا: يَظْهَرُ بَلْ:
يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ، وَيَسْتَخْفُونَ: الشِّرْكَ وَالتَّعْطِيلَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ، وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ: وَهُوَ مَعَهُمْ: إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ: 4- 106)
«9» .» .
وَقَالَ «10» - فِي قَوْله تَعَالَى: (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ، أَبَداً)
__________
(1) فى الْأُم: «أَنه» .
(2) كَذَا بِالْأُمِّ، وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «أظهرُوا» وَلَعَلَّه محرف.
(3) كَمَا فِي الْأُم (ج 6 ص 157) .
(4) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «استسلمنا وَهُوَ من التحريف الخطير الَّذِي امْتَلَأَ بِهِ الأَصْل.
(5) فى الْأُم: «السباء» . وَالْمعْنَى وَاحِد، وَهُوَ: الْأسر. [.....]
(6) كَمَا فى الْأُم (ج 7 ص 268) : عقب الْكَلَام الَّذِي نَقَلْنَاهُ.
(7) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «أحد نوى» وَهُوَ تَحْرِيف خطير.
(8) كَمَا فِي الْأُم (ج 6 ص 157) .
(9) رَاجع مَا قَالَه بعد ذَلِك (ص 157- 158) : لفائدته.
(10) كَمَا فى الْأُم (ج 6 ص 158) . وَقد ورد الْكَلَام فِيهَا على صُورَة سُؤال وَجَوَاب.
وَقد ذكر فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 8 ص 199) . وراجع فِيهَا مَا ورد فى سَبَب نزُول الْآيَة: فَهُوَ مُفِيد فى الْبَحْث.

(1/296)


إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)

(وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ»
: 9- 84) .-: « [فَأَمَّا أَمْرُهُ: أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ] «2» : فَإِنَّ صَلَاتَهُ- بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مُخَالِفَةٌ صَلَاةَ غَيْرِهِ وَأَرْجُو: أَنْ يَكُونَ قَضَى-: إذْ أَمَرَهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ.-: أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا غَفَرَ لَهُ وَقَضَى: أَنْ لَا يَغْفِرَ لِمُقِيمٍ «3» عَلَى شِرْكٍ «4» . فَنَهَاهُ: عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ لَا يَغْفِرَ لَهُ.» .
«قَالَ الشَّافِعِيُّ «5» : «وَلَمْ يَمْنَعْ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ-: مُسْلِمًا وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ- بَعْدَ هَذَا- أَحَدًا «6» .» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ «7» - فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ-: « [وَقَدْ قِيلَ- فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ «8» ] : (وَاللَّهُ يَشْهَدُ «9» : إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ: 63- 1) .-:
مَا هُمْ بِمُخْلِصِينَ.» .
__________
(1) فى الْأُم بعد ذَلِك: «إِنَّهُم كفرُوا بِاللَّه، إِلَى قَوْله: وهم كافرون.» .
(2) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى.
(3) فى الْأُم: «للمقيم» .
(4) حَيْثُ قَالَ سُبْحَانَهُ: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً: فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ: 9- 80) . انْظُر الْأُم (ج 1 ص 229- 230) . وراجع مَا يتَعَلَّق بِهَذَا: فى السّنَن الْكُبْرَى، وَالْفَتْح (ج 8 ص 231- 235) .
(5) كَمَا فى الْأُم (ج 6 ص 158) .
(6) رَاجع مَا ذكره بعد ذَلِك، وَمَا نَقله عَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَغَيرهم: من أَنهم لم يمنعوا أحدا من الصَّلَاة عَلَيْهِم، وَلم يقتلُوا أحدا مِنْهُم. وراجع الْأُم (ج 1 ص 230) . وَالسّنَن الْكُبْرَى
(7) كَمَا فى الْأُم (ج 1 ص 229) .
(8) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(9) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «يعلم» وَهُوَ من عَبث النَّاسِخ. [.....]

(1/297)


مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)

(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «1» «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ، إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ «2» : وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ: مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً: [فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ «3» ] : 16- 106) .»
«فَلَوْ «4» أَنَّ رَجُلًا أَسَرَهُ الْعَدُوُّ، فَأُكْرِهَ «5» عَلَى الْكُفْرِ-: لَمْ تَبِنْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ: مِنْ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ «6» » «قَدْ «7» أُكْرِهَ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ «8» - فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
عَلَى الْكُفْرِ، فَقَالَهُ ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَذَكَرَ لَهُ مَا عُذِّبَ بِهِ: فَنَزَلَتْ «9» هَذِهِ الْآيَةُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِاجْتِنَابِ زَوْجَتِهِ، وَلَا بِشَيْءٍ: مِمَّا عَلَى الْمُرْتَدِّ «10» .» .
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ،
__________
(1) كَمَا فى الْأُم (ج 6 ص 152) .
(2) رَاجع فى الْفَتْح (ج 12 ص 254- 255) : كَلَام ابْن حجر عَن حَقِيقَة الْإِكْرَاه مُطلقًا، وشروطه، وَالْخلاف فى الْمُكْره. فَهُوَ نَفِيس مُفِيد. ثمَّ رَاجع الْأُم (ج 2 ص 210 وَج 7 ص 69) .
(3) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(4) فى الْأُم: «وَلَو» . وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(5) فى الْأُم: «فأكرهه» .
وَلَا فرق فى الْمَعْنى.
(6) انْظُر الْأُم (ج 3 ص 209) ، وَمَا سبق (ص 224) : فَهُوَ مُفِيد أَيْضا فِيمَا سيأتى قَرِيبا.
(7) هَذَا تَعْلِيل لما تقدم وَلَو قرن بِالْفَاءِ لَكَانَ أظهر.
(8) كعمار بن يَاسر. انْظُر حَدِيثه فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 8 ص 208- 209) ، وَالْفَتْح (ج 12 ص 255) .
(9) عبارَة الْأُم «فَنزل فِيهِ هَذَا» .
(10) رَاجع كَلَامه بعد ذَلِك لفائدته.

(1/298)


إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)

قَالَ «1» : «وَأَبَانَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لِخَلْقِهِ: أَنَّهُ تَوَلَّى الْحُكْمَ-: فِيمَا أَثَابَهُمْ، وَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهِ.-: عَلَى مَا عَلِمَ: مِنْ سَرَائِرِهِمْ: وَافَقَتْ سَرَائِرُهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ، أَوْ خَالَفَتْهَا. فَإِنَّمَا «2» جَزَاهُمْ بِالسَّرَائِرِ: فَأَحْبَطَ عَمَلَ [كُلِّ «3» ] مَنْ كَفَرَ بِهِ.»
«ثُمَّ قَالَ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى) فِيمَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ: وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) فَطَرَحَ عَنْهُمْ حُبُوطَ أَعْمَالِهِمْ، وَالْمَأْثَمَ «4» بِالْكُفْرِ:
إذَا كَانُوا مُكْرَهِينَ وَقُلُوبُهُمْ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ «5» : بِالْإِيمَانٍ وَخِلَافِ الْكُفْرِ «6» .»
«وَأَمَرَ بِقِتَالِ الْكَافِرِينَ: حَتَّى يُؤْمِنُوا وَأَبَانَ ذَلِكَ [جَلَّ وَعَزَّ «7» :] حَتَّى «8» يُظْهِرُوا الْإِيمَانَ. ثُمَّ أَوْجَبَ لِلْمُنَافِقَيْنِ-: إذَا أَسَرُّوا الْكُفْرَ. «9» -: نَارَ جَهَنَّمَ فَقَالَ: (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ: 4- 145) .»
«وَقَالَ تَعَالَى: (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ، قالُوا: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) إلَى قَوْله تَعَالَى: (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً: 63- 1- 2) يَعْنِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) :
مِنْ الْقَتْلِ «10» .»
__________
(1) كَمَا فى كتاب: (إبِْطَال الِاسْتِحْسَان) ، الملحق بِالْأُمِّ (ج 7 ص 267- 268) .
وَهُوَ من الْكتب الجديرة بالعناية والنشر.
(2) فى الْأُم «إِنَّمَا» .
(3) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(4) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «والمآثم» . [.....]
(5) كَذَا بِالْأُمِّ وَفِي الأَصْل «الاطمانينة» ، وَهُوَ تَحْرِيف.
(6) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 8 ص 209) : مَا روى عَن ابْن عَبَّاس فى ذَلِك.
وراجع كَلَام ابْن حجر فى الْفَتْح (ج 12 ص 255) .
(7) زِيَادَة حَسَنَة عَن الْأُم.
(8) هَذَا بَيَان للمعنى المُرَاد من قَوْله: «حَتَّى يؤمنو» .
(9) فى الْأُم «إِذا» . وَمَا فى الأَصْل هُوَ الظَّاهِر.
(10) رَاجع مَا تقدم (ص 295- 296) .

(1/299)


«فَمَنَعَهُمْ مِنْ الْقَتْلِ، وَلَمْ يُزِلْ عَنْهُمْ- فِي الدُّنْيَا- أَحْكَامَ الْإِيمَانِ: بِمَا أَظْهَرُوا مِنْهُ. وَأَوْجَبَ لَهُمْ الدَّرْكَ الْأَسْفَلَ: مِنْ النَّارِ بِعِلْمِهِ: بِسَرَائِرِهِمْ، وَخِلَافِهَا: لِعَلَانِيَتِهِمْ بِالْإِيمَانِ.»
«وَأَعْلَمَ «1» عِبَادَهُ- مَعَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ: [مِنْ «2» ] الْحُجَّةِ: بِأَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ أَحَدٌ فِي شَيْءٍ.-: أَنَّ عِلْمَهُ: بِالسَّرَائِرِ «3» وَالْعَلَانِيَةِ وَاحِدٌ. فَقَالَ:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ: وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ: 50- 16) وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ، وَما تُخْفِي الصُّدُورُ: 40- 19) مَعَ آيَاتٍ أُخَرَ: مِنْ الْكِتَابِ.»
«قَالَ: وَعَرَّفَ «4» جَمِيعَ خَلْقِهِ- فِي كِتَابِهِ-: أَنْ لَا عِلْمَ لَهُمْ «5» ، لَا مَا عَلَّمَهُمْ. فَقَالَ: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ: لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً: 16- 78) .» وَقَالَ: (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ-: مِنْ عِلْمِهِ.- إِلَّا بِما شاءَ: 24- 255) .»
«ثُمَّ عَلَّمَهُمْ بِمَا آتَاهُمْ: مِنْ الْعِلْمِ وَأَمَرَهُمْ: بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ، [وَأَنْ إلَّا يَتَوَلَّوْا غَيْرَهُ إلَّا: بِمَا عَلَّمَهُمْ «6» ] فَقَالَ «7» لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا: مَا كُنْتَ تَدْرِي: مَا الْكِتابُ؟)
__________
(1) فى الْأُم. «فَأعْلم» : وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(2) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(3) فِي الْأُم «بالسر» .
(4) فى الْأُم «فَعرف» . وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(5) هَذَا غير مَوْجُود بِالْأُمِّ.
(6) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(7) فى الْأُم: «وَقَالَ» . وَمَا فِي الأَصْل أظهر.

(1/300)


(وَلَا الْإِيمانُ؟) الْآيَةُ «1» : (42- 52) وَقَالَ تَعَالَى «2» : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ: إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً «3» إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ: 18- 23- 24) «4» وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ «5» : (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ: 17- 36) .» .
وَذَكَرَ سَائِرَ الْآيَاتِ: الَّتِي وَرَدَتْ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ «6» وَأَنَّهُ «حَجَبَ «7» عَنْ نَبِيِّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عِلْمَ السَّاعَةِ» . [ثُمَّ قَالَ «8» ] :
«فَكَانَ «9» مَنْ جَاوَزَ «10» مَلَائِكَةَ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنْبِيَاءَهُ «11» الْمُصْطَفَيْنَ-: مِنْ عِبَادِ اللَّهِ.-: أَقْصَرَ عِلْمًا «12» ، وَأَوْلَى: أَنْ لَا يَتَعَاطَوْا حُكْمًا
__________
(1) فى الْأُم زِيَادَة: «لنَبيه» . [.....]
(2) انْظُر مَا تقدم (ص 37) .
(3) فى الْأُم زِيَادَة: «وَقَالَ لنَبيه: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ... 46- 9) ثمَّ أنزل على نبيه: أَن قد غفر لَهُ ... فَعلم مَا يفعل بِهِ» إِلَى آخر مَا تقدم (ص 37- 38) مَعَ اخْتِلَاف أَو خطأ فِيهِ بِسَبَب عدم تمكننا.- بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَإِلَى كثير غَيره- من بَحثه وتأمله، وَالرُّجُوع إِلَى مصدره.
(4) وهى قَوْله تَعَالَى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ، إِلَّا اللَّهُ: 27- 65) وَقَوله: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحامِ) الْآيَة: (31- 34) . وَقَوله: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) إِلَى (مُنْتَهاها: 79- 42- 44) .
(5) فى الْأُم: «فحجب» . وَقد ذكر عقب الْآيَات السَّابِقَة.
(6) وهى قَوْله تَعَالَى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ، إِلَّا اللَّهُ: 27- 65) وَقَوله: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحامِ) الْآيَة: (31- 34) . وَقَوله: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) إِلَى (مُنْتَهاها: 79- 42- 44) .
(7) زِيَادَة لَا بَأْس بهَا.
(8) فى الْأُم: «فحجب» . وَقد ذكر عقب الْآيَات السَّابِقَة.
(9) فى الْأُم: «وَكَانَ» . وَهُوَ مُنَاسِب لقَوْله: «فحجب» .
(10) فى الْأُم: «جاور» . وَهُوَ تَصْحِيف من النَّاسِخ أَو الطابع.
(11) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «وأنبيائه» . وَهُوَ خطأ وتصحيف.
(12) فى الْأُم زِيَادَة: «من مَلَائكَته وأنبيائه: لِأَن الله (عز وَجل) فرض على خلقه طَاعَة نبيه وَلم يَجْعَل لَهُم بعد من الْأَمر شَيْئا.» .

(1/301)


عَلَى غَيْبِ أَحَدٍ-: [لَا «1» ] بِدَلَالَةٍ، وَلَا ظَنٍّ.-: لِتَقْصِيرِ «2» عِلْمِهِمْ عَنْ عِلْمِ أَنْبِيَائِهِ: الَّذِينَ فَرَضَ «3» عَلَيْهِمْ الْوَقْفَ عَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُهُ «4» .» . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا «5» .
__________
(1) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(2) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «لِيقصرَ» وَهُوَ تَحْرِيف.
(3) فى الْأُم زِيَادَة: «الله تَعَالَى» . [.....]
(4) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «أَمر» وَالنَّقْص من النَّاسِخ.
(5) فَرَاجعه (ص 268) : فبعضه قد تقدم ذكره، وَبَعضه لَا يُوجد فى غَيره ويفيد فى بعض الأبحاث الْآتِيَة. ثمَّ رَاجع كَلَامه: فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص 306- 307) وَالأُم (ج 1 ص 230 وَج 4 ص 41 وَج 5 ص 114 وَج 7 ص 9 ر 74) .

(1/302)