أحكام القرآن للشافعي - جمع البيهقي ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ
مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)
الْجُزْء الثَّانِي
«مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي السِّيَرِ وَالْجِهَادِ «1» ،
وَغَيْرِ ذَلِكَ»
(أَنَا) سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، [قَالَ «2» ] : «قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ: 51- 56) .»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) : خَلَقَ اللَّهُ
الْخَلْقَ: لِعِبَادَتِهِ «3» ثُمَّ أَبَانَ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ)
: أَنَّ خِيرَتَهُ من خلقه: أنبياؤه «4» فَقَالَ تَعَالَى:
(كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ «5» : مُبَشِّرِينَ، وَمُنْذِرِينَ: 2- 214)
فَجَعَلَ النَّبِيِّينَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ «6»
وَسَلَّمَ) مِنْ أَصْفِيَائِهِ- دُونَ عِبَادِهِ-:
بِالْأَمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ، وَالْقِيَامِ بِحُجَّتِهِ
فِيهِمْ.»
__________
(1) رَاجع مَا ذكره فى الْفَتْح (ج 6 ص 2) عَن معنى ذَلِك:
فَهُوَ مُفِيد.
(2) كَمَا فى أول كتاب الْجِزْيَة من الْأُم (ج 4 ص 82- 83) .
وَالزِّيَادَة عَن الْأُم.
وَقد ذكر أَكثر مَا سيأتى، فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 3- 5)
: مُتَفَرقًا ضمن بعض الْأَحَادِيث والْآثَار الَّتِي تدل على
مَعْنَاهُ وتؤيده، أَو تتصل بِهِ وتناسبه.
(3) قَالَ الْبَيْهَقِيّ فى السّنَن- بعد أَن ذكر ذَلِك-:
«يعْنى: مَا شَاءَ من عباده أَو:
ليأمر من شَاءَ مِنْهُم بِعِبَادَتِهِ، ويهدى من يَشَاء إِلَى
صِرَاط مُسْتَقِيم.» .
(4) يحسن أَن تراجع كتاب (أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء) من فتح
الْبَارِي (ج 6 ص 227) : فَهُوَ مُفِيد فى هَذَا الْبَحْث.
(5) سَأَلَ أبوذر، النَّبِي: كم النَّبِيُّونَ؟ فَقَالَ:
«مائَة ألف نبى، وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف نَبِي» ثمَّ
سَأَلَهُ: كم المُرْسَلُونَ مِنْهُم؟ فَقَالَ: «ثَلَاثمِائَة
وَعِشْرُونَ» . انْظُر السّنَن الْكُبْرَى
(6) كَذَا فى الْأُم. وَهُوَ الظَّاهِر الَّذِي يمْنَع مَا
يشبه التّكْرَار. وفى الأَصْل وَالسّنَن الْكُبْرَى: «نَبينَا
... عَلَيْهِ» . وَهُوَ صَحِيح على أَن يكون قَوْله: دون عباده
مُتَعَلقا بأصفيائه، لَا يَجْعَل. فَتنبه.
(2/3)
«ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ خَاصَّةِ صَفْوَتِهِ،
فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً، وَآلَ
إِبْراهِيمَ، وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ: 3- 33)
فَخَصَّ «1» آدَمَ وَنُوحًا:
بِإِعَادَةِ ذِكْرِ اصْطِفَائِهِمَا. وَذَكَرَ إبْرَاهِيمَ
(عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، فَقَالَ:
(وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا: 4- 125) . وَذَكَرَ
إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: (وَاذْكُرْ فِي
الْكِتابِ إِسْماعِيلَ: إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ، وَكانَ
رَسُولًا نَبِيًّا: 19- 54) .»
«ثُمَّ أَنْعَمَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَى آلِ
إبْرَاهِيمَ، وَآلِ عِمْرَانَ فِي الْأُمَمِ فَقَالَ: (إِنَّ
اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً، وَآلَ إِبْراهِيمَ، وَآلَ
عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) .»
«ثُمَّ اصْطَفَى «2» مُحَمَّدًا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) مِنْ خَيْرِ آلِ إبْرَاهِيمَ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ-
قَبْلَ إنْزَالِ «3» الْقُرْآنِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بِصِفَةِ فَضِيلَتِهِ «4» ، وَفَضِيلَةِ
مَنْ اتَّبَعَهُ «5» فَقَالَ: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ،
وَالَّذِينَ)
__________
(1) هَذَا إِلَى قَوْله: (عليم) غير مَوْجُود بالسنن
الْكُبْرَى.
(2) فى الْأُم زِيَادَة: «الله عز وَجل، سيدنَا» . وراجع نسبه
الشريف، فى الْفَتْح (ج 7 ص 112- 113) .
(3) فى الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى: «إنزاله الْفرْقَان» .
وَلَا فرق فى الْمَعْنى. [.....]
(4) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى السّنَن الْكُبْرَى: «بِصفتِهِ» .
وفى الأَصْل. «ثمَّ بضعه فضيله» وَالزِّيَادَة والتصحيف من
النَّاسِخ.
(5) فى السّنَن الْكُبْرَى: «تبعه» . وفى الْأُم زِيَادَة:
«بِهِ» أَي: بِسَبَبِهِ.
(2/4)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ
مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ
وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)
(مَعَهُ: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ،
رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً «1» :
يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي
وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ. ذلِكَ: مَثَلُهُمْ فِي
التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ
شَطْأَهُ، فَآزَرَهُ، فَاسْتَغْلَظَ) «2» الْآيَةَ: (48- 29) .
وَقَالَ لِأُمَّتِهِ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ) الْآيَةَ «3» : (3- 110) فَفَضَّلَهُمْ:
بِكَيْنُونَتِهِمْ «4» مِنْ أُمَّتِهِ، دُونَ أُمَمِ
الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ.»
«ثُمَّ أَخْبَرَ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) : [أَنَّهُ «5» ] جَعَلَهُ
فَاتِحَ رَحْمَتِهِ، عِنْدَ فَتْرَةِ رُسُلِهِ فَقَالَ: (يَا
أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا: يُبَيِّنُ لَكُمْ،
عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا: مَا جاءَنا مِنْ
بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ: 5-
19) وَقَالَ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي
الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ: يَتْلُوا عَلَيْهِمْ
آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ
وَالْحِكْمَةَ: 62- 2) . وَكَانَ فِي ذَلِكَ، مَا دَلَّ: عَلَى
أَنَّهُ بَعَثَهُ إلَى خَلْقِهِ-:
__________
(1) فى الْأُم بعد ذَلِك: «الْآيَة» .
(2) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى، أثر ابْن مَسْعُود
الْمُتَعَلّق بذلك.
(3) هَذَا غير مَوْجُود فى الْأُم.
(4) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى. وَهُوَ الصَّحِيح.
وفى الأَصْل: «بكونيتهم» وَهُوَ محرف عَمَّا أثبتنا، أَو عَن:
«بكونهم» .
(5) الزِّيَادَة عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى.
(2/5)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)
لِأَنَّهُمْ «1» كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ
«2» وَأُمِّيِّينَ «3» .- وَأَنَّهُ فَتَحَ [بِهِ] «4»
رَحْمَتَهُ.»
«وَخَتَمَ «5» [بِهِ «6» ] نُبُوَّتَهُ: قَالَ «7» عَزَّ
وَجَلَّ: (مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ
وَلكِنْ: رَسُولَ اللَّهِ، وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ: 33- 40)
«8» .»
«وَقَضَى: أَنْ أَظْهَرَ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ فَقَالَ:
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ)
__________
(1) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى. وَمرَاده
بذلك: أَن يبين وَجه دلَالَة مَا تقدم على أَن نَبينَا بعث
إِلَى جَمِيع الْخلق وَذَلِكَ: لأَنهم لَا يخرجُون عَن كَونهم
أهل كتاب، أَو أُمِّيين. فَلَيْسَ قَوْله هَذَا تعليلا لبعثه-
كَمَا قد يرد على الذِّهْن-: لِأَنَّهُ لَا وَجه لَهُ.
وَلَيْسَ مُرَاده أَن يَقُول: إِن مَا تقدم دلّ على بعثته
إِلَى الْخلق، وَبَين أصنافهم. وَإِلَّا لقَالَ:
وَأَنَّهُمْ كَانُوا أهل كتاب وأميين. وَلَيْسَ مُرَاده
كَذَلِك أَن يَقُول: إِن مَا تقدم دلّ على إرْسَاله إِلَى
النَّاس كَافَّة (بِدُونِ أَن يكون قَاصِدا تَبْيِين كَيْفيَّة
دلَالَته) . إِذْ كَانَ الملائم حِينَئِذٍ لما ذكره- إِن لم
يقْتَصر عَلَيْهِ- أَن يَقُول: سَوَاء كَانُوا، أَو من كَانُوا
إِلَخ.
فَتَأمل.
(2) فى السّنَن الْكُبْرَى: «الْكتاب» .
(3) فى بعض نسخ السّنَن: «والأميين» . وفى الْأُم: «أَو
أُمِّيين» وَهُوَ أحسن.
(4) الزِّيَادَة عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى.
(5) هَذَا مَعْطُوف على قَوْله: جعله فاتح رَحمته. فَتنبه.
(6) الزِّيَادَة عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى.
(7) فى الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى: «فَقَالَ» وَهُوَ أظهر.
[.....]
(8) أخرج مُسلم، وَالْبَيْهَقِيّ فى السّنَن عَن أَبى
هُرَيْرَة: أَن النَّبِي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
قَالَ: «فضلت على الْأَنْبِيَاء، بست: أَعْطَيْت جَوَامِع
الْكَلم، ونصرت بِالرُّعْبِ، وَأحلت لى الْغَنَائِم، وَجعلت لى
الأَرْض طهُورا ومسجدا، وَأرْسلت إِلَى الْخلق كَافَّة، وَختم
بِي النَّبِيُّونَ.» .
(2/6)
|