أحكام القرآن للشافعي - جمع البيهقي

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)

«مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ» «وَفِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ»
قَرَأْتُ فِي كِتَابِ: (السُّنَنِ) - رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ الشَّافِعِيِّ-:
قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تبَارك وَتَعَالَى: (يَسْئَلُونَكَ: مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ؟. قُلْ: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ، وَما عَلَّمْتُمْ: مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ: 5- 4) «1» .»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ مَعْقُولًا عَنْ اللَّهِ (عز وَجل) -: إِذْ أَذِنَ فِي أَكْلِ مَا أَمْسَكَ الْجَوَارِحُ.-: أَنَّهُمْ إنَّمَا اتَّخَذُوا الْجَوَارِحَ، لِمَا لَمْ يَنَالُوهُ إلَّا بِالْجَوَارِحِ-: وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ ذَلِكَ نَصًّا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.-:
فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ: مِنَ الصَّيْدِ، تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ: 5- 94) «2» وَقَالَ تَعَالَى: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ: وَأَنْتُمْ حُرُمٌ: 5- 95) وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذا حَلَلْتُمْ: فَاصْطادُوا: 5- 2) .»
«قَالَ «3» : وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) أَمْرَهُ: بِالذَّبْحِ وَقَالَ: (إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ «4» : 5- 3) -: كَانَ مَعْقُولًا عَنْ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) : أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهِ: فِيمَا يُمكن فِيهِ الذَّبْحُ وَالذَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ.»
__________
(1) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 235) : سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة وَحَدِيث عدى بن حَاتِم، وأثرى ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة الْمُتَعَلّقَة بهَا.
(2) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 5 ص 202 وَج 9 ص 235) ، تَفْسِير مُجَاهِد لهَذِهِ الْآيَة.
(3) فى الأَصْل: «وَقَالَ» . وَلَعَلَّ الْوَاو زَائِدَة من النَّاسِخ.
(4) قد ورد فى الأَصْل مُصحفا: بالزاي. وَكَذَلِكَ فِيمَا سيأتى. وَانْظُر فى أَوَاخِر الْكتاب، مَا نَقله يُونُس عَن الشَّافِعِي فى ذَلِك.

(2/80)


«فَلَمَّا كَانَ مَعْقُولًا فِي حُكْمِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) ، مَا وَصَفْتُ-:
انْبَغَى «1» لِأَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي، أَنْ يَعْلَمُوا: أَنَّ مَا حَلَّ-: مِنْ الْحَيَوَانِ.-:
فَذَكَاةُ «2» الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ [مِنْهُ «3» ] : مِثْلُ «4» الذَّبْحِ، أَوْ النَّحْرِ وَذَكَاةُ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْهُ: مَا يُقْتَلُ «5» بِهِ: جَارِحٌ، أَوْ سِلَاحٌ.» .
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبى عَمْرو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ «6» : «الْكَلْبُ المعلّم: الَّذِي إِذْ أُشْلِيَ: اسْتَشْلَى «7» وَإِذَا أَخَذَ: حَبَسَ، وَلَمْ يَأْكُلْ. فَإِذَا فَعَلَ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ: كَانَ مُعَلَّمًا، يَأْكُلُ صَاحِبُهُ مِمَّا حَبَسَ عَلَيْهِ-: وَإِنْ قَتَلَ.-: مَا لَمْ يَأْكُلْ «8» .» .
__________
(1) عبارَة الأَصْل هَكَذَا: «اسعى» . وَالظَّاهِر أَنَّهَا مصحفة عَمَّا ذكرنَا.
(2) فى الأَصْل: «بِزَكَاة» . وَهُوَ خطأ وتصحيف.
(3) زِيَادَة حَسَنَة.
(4) لَعَلَّه إِنَّمَا عبر بذلك: لِئَلَّا تخرج ذَكَاة الْجَنِين الَّتِي هى: ذَكَاة أمه.
(5) فى الأَصْل: «ينل» . وَهُوَ إِمَّا محرف عَمَّا ذكرنَا، أَو عَن: «ينَال» .
وراجع فى هَذَا الْمقَام: الْأُم (ج 2 ص 197- 203) ، والمختصر (ج 5 ص 207- 210) ، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 245- 249) ، وَالْفَتْح (ج 9 ص 475- 482) ، وَالْمَجْمُوع (ج 9 ص 80- 92) .
(6) كَمَا فى الْأُم (ج 2 ص 191) . وَانْظُر الْمُخْتَصر (ج 5 ص 205) . [.....]
(7) ورد فى الأَصْل: بِالْألف وَهُوَ تَصْحِيف. أَي: إِذا دعى أجَاب. والإشلاء:
يسْتَعْمل أَيْضا: فى الإغراء على الفريسة خلافًا لِابْنِ السّكيت. وَحمله على الْمَعْنى الأول هُنَا وَأولى وَأحسن. وَانْظُر الْمَجْمُوع (ج 9 ص 97- 98) .
(8) انْظُر مَا ذكره بعد ذَلِك (ص 192) : من الحكم فِيمَا إِذا أكل. وراجع فى الْمقَام كُله: السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 235- 238 و241- 245) ، وَالْفَتْح (ج 9 ص 482- 483) ، وَالْمَجْمُوع (ج 9 ص 98- 108) ، وَشرح الْعُمْدَة (ج 4 ص 197- 199) .

(2/81)


ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)

قَالَ الشَّافِعِيُّ «1» : «وَقَدْ تُسَمَّى جَوَارِحَ: لِأَنَّهَا تَجْرَحُ فَيَكُونُ اسْمًا:
لَازِمًا. وَأُحِلَّ «2» مَا أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا «3» .» .
(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «4» (رَحِمَهُ اللَّهُ) : «وَإِذَا «5» كَانَتْ الضَّحَايَا، إنَّمَا هُوَ «6» : دَمٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ «7» فَخَيْرُ الدِّمَاءِ: أَحَبُّ إلَيَّ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ «8» : 22- 32) -: اسْتِسْمَانُ الْهَدْيِ «9» وَاسْتِحْسَانُهُ «10» . وَسُئِلَ «11» رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَيُّ الرِّقَابِ
__________
(1) كَمَا فى الْأُم (ج 2 ص 201) .
(2) فى الْأُم: «وَأكل» .
(3) لكى تفهم ذَلِك حق الْفَهم، رَاجع كَلَامه السَّابِق واللاحق (ص 201- 202) .
(4) كَمَا فى الْأُم (ج 2 ص 188 و189) . وَقد ذكر بعضه فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 272) ، والمختصر (ج 5 ص 211) .
(5) فى الْأُم (ص 189) : بِالْفَاءِ. وفى السّنَن الْكُبْرَى: «إِذا» .
(6) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى. وَكَانَ الْمُنَاسب تَأْنِيث الضَّمِير وَلَعَلَّه ذكره:
مُرَاعَاة للْخَبَر.
(7) فى الْأُم زِيَادَة: «إِلَى الله تَعَالَى» .
(8) فى الْأُم (ص 188) زِيَادَة: (فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب) .
(9) رَاجع كَلَام النَّوَوِيّ فى الْمَجْمُوع (ج 8 ص 356) عَن معنى الْهدى، وَالْمرَاد مِنْهُ.
(10) أخرج هَذَا التَّفْسِير البُخَارِيّ، عَن مُجَاهِد وَأخرجه ابْن أَبى شيبَة والشيرازي، عَن ابْن عَبَّاس. انْظُر الْفَتْح (ج 3 ص 348) ، وَالْمَجْمُوع (ج 8 ص 356 و395) .
(11) السَّائِل: أبوذر. رَاجع حَدِيثه فى السّنَن الْكُبْرَى.

(2/82)


أَفْضَلُ؟ فَقَالَ «1» : أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا.»
«قَالَ: وَالْعَقْلُ مُضْطَرٌّ إلَى أَنْ يَعْلَمَ: أَنَّ كُلَّ مَا تُقُرِّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) : إذَا كَانَ نَفِيسًا، فَكُلَّمَا «2» عَظُمَتْ رَزِيَّتُهُ عَلَى الْمُتَقَرِّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) : كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِهِ «3» .»
«وَقَدْ قَالَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي الْمُتَمَتِّعِ: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: 2- 196) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا «4» اسْتَيْسَرَ-: مِنْ الْهَدْيِ.-:
شَاةٌ «5» . وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَصْحَابَهُ-: الَّذِينَ تَمَتَّعُوا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ.-: أَنْ يَذْبَحُوا شَاةً شَاةً. وَكَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ مَا يُجْزِيهِمْ.
لِأَنَّهُ «6» إذَا أَجْزَاهُ «7» أَدْنَى الدَّمِ: فَأَعْلَاهُ خَيْرٌ مِنْهُ «8» .» .
__________
(1) فى الْأُم بِدُونِ الْفَاء. وَمَا فى الأَصْل أحسن. [.....]
(2) فى الْأُم بِدُونِ الْفَاء. وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(3) ذكر إِلَى هُنَا، فى الْأُم (ص 188) . وَقَوله: وَالْعقل إِلَى آخر الْكَلَام لَيْسَ بالسنن الْكُبْرَى، وَلَا بالمختصر.
(4) فى الْأُم بِدُونِ الْفَاء. وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(5) وَقد وَافق ابْن عَبَّاس فى ذَلِك: على، وَالْجُمْهُور. وَخَالفهُ ابْن عمر وَعَائِشَة، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد، وَطَائِفَة. انْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج 5 ص 24 و228) ، وَالْفَتْح (ج 3 ص 346- 347) ، وَمَا تقدم (ج 1 ص 116) .
(6) هَذَا مُرْتَبِط بِأَصْل الدَّعْوَى فَتنبه.
(7) ذكر فى الْأُم: مهموزا.
(8) ثمَّ شرع يسْتَدلّ: على أَن الضَّحَايَا لَيست وَاجِبَة فراجع كَلَامه (ص 189- 190) . وراجع فى هَذَا الْمَوْضُوع: السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 262- 266) ، وَالْفَتْح (ج 10 ص 2- 3 و12- 13) ، وَالْمَجْمُوع (ج 8 ص 382- 386) .

(2/83)


وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ «1» : «أَحَلَّ اللَّهُ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) : طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَانَ «2» طَعَامُهُمْ- عِنْدَ بَعْضِ مَنْ حَفِظْتُ «3» عَنْهُ: مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ.-: ذَبَائِحَهُمْ وَكَانَتْ الْآثَارُ تَدُلُّ: عَلَى إحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ.»
«فَإِنْ كَانَتْ ذَبَائِحُهُمْ: يُسَمُّونَهَا لِلَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فَهِيَ: حَلَالٌ. وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَبْحٌ آخَرُ: يُسَمُّونَ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) مِثْلَ: اسْمِ الْمَسِيحِ «4» أَوْ: يَذْبَحُونَهُ «5» بِاسْمٍ دُونَ اللَّهِ-: لَمْ يَحِلَّ هَذَا: مِنْ ذَبَائِحِهِمْ. [وَلَا أُثْبِتُ: أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ هَكَذَا «6» .] »
«قَالَ الشَّافِعِيُّ «7» : قَدْ يُبَاحُ الشَّيْءُ مُطْلَقًا: وَإِنَّمَا يُرَادُ بَعْضُهُ، دُونَ بَعْضٍ. فَإِذا زعم زاعم: أَنَّ الْمُسْلِمَ: إنْ نَسِيَ اسْمَ اللَّهِ: أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا: لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ-: وَهُوَ لَا يَدَعُهُ لِشِرْكٍ «8» .-:
__________
(1) كَمَا فى الْأُم (ج 2 ص 196) .
(2) هَذَا إِلَى قَوْله: إحلال ذَبَائِحهم ذكره فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 282) .
وَقد أخرج فِيهَا التَّفْسِير الْآتِي، عَن ابْن عَبَّاس، وَمُجاهد، وَمَكْحُول. وَانْظُر الْفَتْح (ج 9 ص 504) . وراجع الْمَجْمُوع (ج 9 ص 78- 80) : فَهُوَ مُفِيد فِيمَا سبق أَيْضا (ص 57 و59)
(3) فى السّنَن الْكُبْرَى: «حفظنا» .
(4) نقل فى الْفَتْح (ج 9 ص 503) نَحْو هَذَا بِزِيَادَة: «وَإِن ذكر الْمَسِيح على معنى:
الصَّلَاة عَلَيْهِ لم يحرم» . ثمَّ نقل عَن الْحَلِيمِيّ- من طَرِيق الْبَيْهَقِيّ- كلَاما جيدا مرتبطا بِهَذَا فَرَاجعه.
(5) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «أَو يذبحون» وَلَعَلَّ الْحَذف من النَّاسِخ.
(6) زِيَادَة مفيدة، عَن الْأُم.
(7) مُبينًا: أَن كَون ذَبَائِحهم صنفين، لَا يُعَارض إباحتها مُطلقَة. انْظُر الْأُم. [.....]
(8) فى الْأُم: «للشرك» .

(2/84)


وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)

كَانَ مَنْ يَدَعُهُ: عَلَى الشِّرْكِ أَوْلَى: أَنْ يُتْرَكَ ذَبِيحَتُهُ «1» .»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) لُحُومَ الْبُدْنِ: مُطْلَقَةً فَقَالَ تَعَالَى: (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها «2» : فَكُلُوا مِنْها: 22- 36) وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ، يَذْهَبُ: إلَى أَنْ لَا يُؤْكَلَ مِنْ الْبَدَنَةِ الَّتِي هِيَ: نَذْرٌ، وَلَا: «3» جَزَاءُ صَيْدٍ، وَلَا: فِدْيَةٌ. فَلَمَّا احْتَمَلَتْ هَذِهِ «4» الْآيَةُ: ذَهَبْنَا إلَيْهِ، وَتَرَكْنَا الْجُمْلَةَ لَا: أَنَّهَا بِخِلَافِ «5» الْقُرْآن وَلَكِنَّهَا: مُحْتَمِلَةٌ وَمَعْقُولٌ: أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ «6» شَيْئًا. فَهَكَذَا: ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ-: بِالدَّلَالَةِ.- مُشْبِهَةٌ لِمَا «7» قُلْنَا.» .
__________
(1) لكى تلم بأطراف هَذَا الْبَحْث، ومذاهبه، وأدلته- رَاجع السّنَن الْكُبْرَى والجوهر النقي (ج 9 ص 238- 241) ، وَالْمَجْمُوع (ج 8 ص 408- 412) ، وَالْفَتْح (ج 9 ص 492- 493 و498 و502- 503) ، وَشرح الْعُمْدَة (ج 4 ص 195) .
(2) أَي: سَقَطت إِلَى الأَرْض كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَمُجاهد. انْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج 5 ص 237) ، وَالْفَتْح (ج 3 ص 348) .
(3) أَي: وَلَا من الْبَدنَة الَّتِي هى جَزَاء صيد. وَكَذَا التَّقْدِير فِيمَا بعد. وَلَو عبر فيهمَا:
بِأَو لَكَانَ أظهر، وراجع معنى الْبَدنَة: فى الْمَجْمُوع (ج 8 ص 470) .
(4) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالأُم. وعَلى كَونه صَحِيحا وَغير محرف عَن: «هَذَا» يكون الْمَفْعُول محذوفا تَقْدِيره: هَذَا الْمَعْنى وَهَذَا التَّقْيِيد.
(5) فى الْأُم: «خلاف» .
(6) أَي: من الشَّيْء الْوَاجِب كَالزَّكَاةِ. ثمَّ علل ذَلِك فى الْأُم، بقوله: «لأَنا إِذا جعلنَا لَهُ: أَن يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا فَلم نجْعَل عَلَيْهِ الْكل: إِنَّمَا جعلنَا عَلَيْهِ الْبَعْض الَّذِي أعْطى.» .
(7) فى الأَصْل: «بِمَا» وَالْبَاء إِمَّا أَن تكون مصحفة عَن اللَّام، أَو زَائِدَة من النَّاسِخ.
ويؤكد ذَلِك عبارَة الْأُم، وهى: «على شَبيه مَا قُلْنَا» . أَي: أَنَّهَا أطلقت، ثمَّ قيدت.

(2/85)


لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)

(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «1» :
«وَاجِبُ «2» مَنْ أَهْدَى نَافِلَةً: أَنْ يُطْعِمَ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ «3» لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
(فَكُلُوا مِنْها، وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ: 22- 28) وَلِقَوْلِهِ «4» عَزَّ وَجَلَّ:
(فَكُلُوا مِنْها «5» ، وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ: 22- 36) . وَالْقَانِعُ «6» هُوَ: السَّائِلُ وَالْمُعْتَرُّ هُوَ «7» : الزَّائِرُ، وَالْمَارُّ بِلَا وَقْتٍ.»
__________
(1) كَمَا فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص 248) . وَقد ذكر بِهَامِش الرسَالَة (ص 240) .
(2) كَذَا بِالْأَصْلِ وَهُوَ صَحِيح قطعا. وفى اخْتِلَاف الحَدِيث: «أحب لمن» فَهَل هُوَ تَحْرِيف، أم قَول آخر للشافعى؟: الَّذِي نعرفه: أَن الْأَصْحَاب قد اخْتلفُوا فى نَافِلَة الْهدى وَالْأُضْحِيَّة (كَمَا فى الْمُهَذّب) : على وَجْهَيْن (ذكرهمَا صَاحب الْمِنْهَاج فى الْأُضْحِية خَاصَّة) .
فَذهب ابْن سُرَيج وَابْن الْقَاص والإصطخرى وَابْن الْوَكِيل: إِلَى أَنه لَا يجب التَّصَدُّق بشىء بل: يجوز أكل الْجَمِيع. (وَنَقله ابْن الْقَاص عَن نَص الشَّافِعِي) : لِأَن الْمَقْصُود: إِرَاقَة الدَّم. وَذهب جُمْهُور الْأَصْحَاب: الى أَنه يجب التَّصَدُّق بشىء فَيحرم أكل الْجَمِيع: لِأَن الْمَقْصُود: إرفاق الْمَسَاكِين. وَلَعَلَّ نقل ابْن الْقَاص: لم يثبت عِنْد الْجُمْهُور أَو ثَبت: وَلَكنهُمْ رجحوا القَوْل الآخر، من جِهَة الدَّلِيل. هَذَا وصنيع بعض الْكَاتِبين-: كالجلال الْمحلى.-
شعر: أَنه لَا خلاف فى وجوب التَّصَدُّق بشىء: من الْهدى. انْظُر الْمَجْمُوع (ج 8 ص 413 و416) وَشرح الْمِنْهَاج للمحلى (ج 2 ص 146 وَج 4 ص 254) .
(3) كَذَا باخْتلَاف الحَدِيث وَهُوَ الْمُنَاسب. وفى الأَصْل: «وَالْفَقِير» وَلَعَلَّ الزِّيَادَة من النَّاسِخ.
(4) فى اخْتِلَاف الحَدِيث: «وَقَوله» .
(5) هَذِه الْجُمْلَة لَيست فى اخْتِلَاف الحَدِيث.
(6) فى اخْتِلَاف الحَدِيث: «القانع» . وَهَذَا التَّفْسِير، وَمَا سَيَأْتِي عَن مُخْتَصر البويطى- ذكر فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 293) . [.....]
(7) هَذَا لَيْسَ فى اخْتِلَاف الحَدِيث.

(2/86)


«فَإِذَا أَطْعَمَ: مِنْ هَؤُلَاءِ، وَاحِدًا «1» -: كَانَ مِنْ الْمُطْعِمِينَ. وَأَحَبُّ «2» إلَيَّ مَا أَكْثَرَ: أَنْ «3» يُطْعِمَ ثُلُثًا، وَأَنْ «4» يُهْدِيَ ثُلُثًا، وَيَدَّخِرَ ثُلُثًا:
يَهْبِطُ «5» بِهِ حَيْثُ شَاءَ «6» .»
«قَالَ: وَالضَّحَايَا: فِي هَذِهِ السَّبِيلِ «7» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.» .
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ: «وَالْقَانِعُ: الْفَقِيرُ وَالْمُعْتَرُّ: الزَّائِرُ وَقَدْ قِيلَ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلْعَطِيَّةِ: مِنْهُمَا «8» .» .
__________
(1) فى الأَصْل: «وَاحِد» وَهُوَ خطأ وتحريف. والتصحيح من عبارَة اخْتِلَاف الحَدِيث، وهى: «وَاحِدًا أَو أَكثر، فَهُوَ» .
(2) فى اخْتِلَاف الحَدِيث: «فَأحب» . وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(3) كَذَا باخْتلَاف الحَدِيث وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «وَأَن» وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ.
(4) فى اخْتِلَاف الحَدِيث: «ويهدى» وَهُوَ أحسن.
(5) فى اخْتِلَاف الحَدِيث: «ويهبط» . وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(6) هَذَا: مذْهبه الْجَدِيد وَدَلِيله: ظَاهر الْآيَة الثَّانِيَة. وَالْمذهب الْقَدِيم: أَن يتَصَدَّق بِالنِّصْفِ، وَيَأْكُل النّصْف. وَدَلِيله: ظَاهر الْآيَة الأولى. انْظُر الْمَجْمُوع (ج 8 ص 413 و415) .
(7) فى الأَصْل: «السبل» وَهُوَ تَحْرِيف. والتصحيح من عبارَة اخْتِلَاف الحَدِيث، وهى: «من هَذِه السَّبِيل» . ولكى تفهم أصل الْكَلَام، وتتم الْفَائِدَة- يحسن: أَن تراجع الْكَلَام عَن ادخار لحم الْأُضْحِية فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص 136- 137 و246- 247) ، والرسالة وهامشها (ص 235- 242) ، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج 5 ص 240 وَج 9 ص 290- 293) ، وَالْفَتْح (ج 10 ص 18- 22) ، وَالْمَجْمُوع (ج 8 ص 418) ، وَشرح مُسلم (ج 13 ص 128- 134) ، وَشرح الْمُوَطَّأ (ج 3 ص 75- 76) .
(8) فى السّنَن الْكُبْرَى: «مِنْهَا» وَهُوَ تَحْرِيف. وفى بعض نسخهَا: «يتَعَرَّض الْعَطِيَّة» .
ولبعض أَئِمَّة الْفِقْه واللغة-: كَابْن عَبَّاس، وَعَطَاء، وَالْحسن، وَمُجاهد، وَابْن جُبَير.
وَالنَّخَعِيّ والخليل.- أَقْوَال فى ذَلِك كَثِيرَة مُخْتَلفَة بيد أَنَّهَا متفقة فى التَّفْرِقَة بَينهمَا.
فَرَاجعهَا: فى السّنَن الْكُبْرَى (ص 293- 294) ، وَالْفَتْح (ج 3 ص 348) ، وَالْمَجْمُوع (ص 413) .

(2/87)


قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)

(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ «1» : «وَأَهْلُ «2» التَّفْسِيرِ، أَوْ مَنْ سَمِعْتُ [مِنْهُ «3» ] : مِنْهُمْ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (قُلْ: لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ، مُحَرَّماً: 6- 145) .-:
يَعْنِي: مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ «4» . فَإِنَّ الْعَرَبَ: قَدْ «5» كَانَتْ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ:
__________
(1) كَمَا فى الْأُم (ج 2 ص 207) : دافعا الِاعْتِرَاض بِالْآيَةِ الْآتِيَة بعد أَن ذكر:
أَن أصل مَا يحل أكله-: من الْبَهَائِم وَالدَّوَاب وَالطير- شَيْئَانِ ثمَّ يتفرقان: فَيكون مِنْهَا شىء محرم نصا فى السّنة، وشىء محرم فى جملَة الْكتاب: خَارج من الطَّيِّبَات وَمن بَهِيمَة الْأَنْعَام. وَاسْتدلَّ على ذَلِك: بِآيَة: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ: 5- 1) وَآيَة:
(أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ: 5- 4 وَ 5) . وَقد ذكر بعض مَا سيأتى- باخْتلَاف وَزِيَادَة-:
فى الْأُم (ج 2 ص 217) ، والمختصر (ج 5 ص 214) ، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 314) .
وراجع فى الْأُم (ج 4 ص 75- 76) مَا روى عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَعبيد بن عُمَيْر-:
مِمَّا يتَعَلَّق بِهَذَا الْمقَام.- وَمَا عقب بِهِ الشَّافِعِي عَلَيْهِ. وَانْظُر حَدِيث جَابر بن زيد، وَالْكَلَام عَلَيْهِ: فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 330) ، وَالْفَتْح (ج 9 ص 518) ، وَالْمَجْمُوع (ج 9 ص 7)
(2) فى الْأُم: بِالْفَاءِ. وعبارتها (ص 217) هى وَالسّنَن الْكُبْرَى والمختصر: «وَسمعت بعض أهل الْعلم (أَو أهل الْعلم) يَقُولُونَ- ... محرما على طاعم بطعمه» . زَاد فى الْأُم والمختصر لفظ: «الْآيَة» .
(3) زِيَادَة حَسَنَة عَن الْأُم.
(4) فى السّنَن الْكُبْرَى زِيَادَة: « (إِلَّا أَن يكون ميتَة) وَمَا ذكر بعْدهَا. قَالَ الشَّافِعِي:
وَهَذَا أولى مَعَانِيه اسْتِدْلَالا بِالسنةِ.» . وَهَذَا القَوْل من كَلَامه الْجيد عَن هَذِه الْآيَة، فى الرسَالَة. وَقد اشْتَمَل على مزِيد من التَّوْضِيح والفائدة. فَرَاجعه (ص 206- 208 و231) . وراجع فِيهَا وفى السّنَن الْكُبْرَى، وَالأُم (ج 2 ص 219) ، وَالْفَتْح (ج 9 ص 519) - مَا اسْتدلَّ بِهِ: من حديثى أَبى ثَعْلَبَة وأبى هُرَيْرَة. وَيحسن. أَن تراجع كَلَامه فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص 46- 47 و49) .
(5) هَذَا لَيْسَ بِالْأُمِّ. [.....]

(2/88)


أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)

عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ وَتُحِلُّ أَشْيَاءَ: عَلَى أَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ. فَأُحِلَّتْ لَهُمْ الطَّيِّبَاتُ عِنْدَهُمْ- إلَّا: مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا.- وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثُ عِنْدَهُمْ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ: 7- 157) «1» .» . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ «2» .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «3» : «قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ: مَا دُمْتُمْ حُرُماً: 5- 96) .»
«فَكَانَ شَيْئَانِ حَلَالَانِ «4» فَأَثْبَتَ تَحْلِيلَ أَحَدِهِمَا- وَهُوَ: صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ: مَالِحُهُ «5» وَكُلُّ مَا قَذَفَهُ: [وَهُوَ] حَيٌّ «6» مَتَاعًا لَهُمْ: يَسْتَمْتِعُونَ
__________
(1) قَالَ- كَمَا فى الْمُخْتَصر-: «وَإِنَّمَا خُوطِبَ بذلك الْعَرَب: الَّذين يسْأَلُون عَن هَذَا، وَنزلت فيهم الْأَحْكَام وَكَانُوا يتركون-: من خَبِيث المآكل.- مَا لَا يتْرك غَيرهم.» . وَقد ذكر نَحوه فى الْأُم (ص 217) ، وَالسّنَن الْكُبْرَى.
(2) فَرَاجعه (ص 207- 209) .
(3) كَمَا فى الْأُم (ج 2 ص 218) : مُبينًا: أَن هُنَاكَ أَشْيَاء مُحرمَة-: كالدود والغراب والفأر.-: وَإِن لم ينص على تَحْرِيمهَا بخصوصها.
(4) أَي: عِنْد الْعَرَب. وفى الْأُم: «حلالين» . وَمَا فى الأَصْل أحسن فَتَأمل.
(5) هَذَا بدل وَتَفْسِير للطعام. وَعبارَة الْأُم: فِيهَا زِيَادَة قبل ذَلِك، وهى: «وَطَعَامه مالحه وكل مَا فِيهِ مَتَاع» . ولعلها محرفة كَمَا سنبين. وفى بعض نسخ الْأُم: «وَطَعَامه يَأْكُلهُ» إِلَخ.
وَهُوَ تَحْرِيف. وَقد فسر عمر طَعَام الْبَحْر: بِمَا رمى بِهِ. وَفَسرهُ ابْن عَبَّاس: بِنَحْوِ ذَلِك وبالميتة.
رَاجع ذَلِك، وَمَا يتَعَلَّق بِهِ: فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 5 ص 208 وح 9 ص 251، 256) ، وَالْفَتْح (ج 9 ص 485- 490) ، وَالْمَجْمُوع (ج 9 ص 30- 35) .
(6) فى الأَصْل: «فِيهِ» والتصحيح وَالزِّيَادَة من عبارَة ابْن قُتَيْبَة الَّتِي فى القرطين (ج 1 ص 145) . وَمُرَاد الشَّافِعِي: بَيَان معنى الْآيَة من حَيْثُ هى. واباحته أكل ميتَة الْبَحْر، ثبتَتْ عِنْده: بِالسنةِ الَّتِي خصصت مَفْهُوم الْآيَة، ومنطوق غَيرهَا.

(2/89)


وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)

بِأَكْلِهِ.- وَحَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ-: أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِأَكْلِهِ.-: فِي كِتَابِهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.» يَعْنِي «1» : فِي حَالِ الْإِحْرَامِ» .
«قَالَ: وَهُوَ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ-: مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فِي الْإِحْرَامِ.-
إلَّا: مَا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. «2» » .
(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «3» :
«قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ [فِيمَا حُرِّمَ، وَلَمْ يَحِلَّ بِالذَّكَاةِ «4» ] : (وَما لَكُمْ: أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ، إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ؟!: 6- 119) وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) الْآيَة «5» ! (2- 173 و16- 115) وَقَالَ فِي ذِكْرِ مَا حُرِّمَ: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ «6» : غَيْرَ مُتَجانِفٍ «7» لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ: 5- 3) .»
__________
(1) هَذَا من كَلَام الْبَيْهَقِيّ.
(2) ثمَّ اسْتدلَّ على ذَلِك: بِأَمْر النَّبِي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : بقتل الْغُرَاب وَمَا إِلَيْهِ. فَرَاجعه وراجع الْمُخْتَصر (ج 5 ص 215) ، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 315- 318) ، وَالْفَتْح (ج 4 ص 24- 28) ، وَمَا تقدم (ج 1 ص 125- 127) ، وَالْمَجْمُوع (ج 9 ص 16- 23) .
(3) كَمَا فى الْأُم (ج 2 ص 225) .
(4) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(5) فى الْأُم: «إِلَى قَوْله: (غَفُور رَحِيم) .» . وراجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 355- 356) : أثر مُجَاهِد فى ذَلِك فَهُوَ مُفِيد فِيمَا سيأتى آخر الْبَحْث. وَانْظُر الْفَتْح (ج 9 ص 533)
(6) أَي: مجاعَة. كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَأَبُو عُبَيْدَة. انْظُر الْفَتْح (ج 8 ص 186 و187) .
(7) أَي: مائل.

(2/90)


«قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَيَحِلُّ مَا حُرِّمَ: مِنْ «1» الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَكُلُّ مَا حُرِّمَ-: مِمَّا لَا «2» يُغَيِّرُ الْعَقْلَ: مِنْ الْخَمْرِ.-: لِلْمُضْطَرِّ.»
«وَالْمُضْطَرُّ: الرَّجُلُ «3» يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ: لَا طَعَامَ مَعَهُ «4» فِيهِ، وَلَا شَيْءَ يَسُدُّ فَوْرَةَ جُوعِهِ-: مِنْ لبن، وَمَا أشبهه.- وَيُبَلِّغُهُ «5» الْجُوعُ:
مَا يَخَافُ مِنْهُ الْمَوْتَ، أَوْ الْمَرَضَ: وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْمَوْتَ أَوْ يُضْعِفُهُ، أَوْ يَضُرُّهُ «6» أَوْ يَعْتَلُّ «7» أَوْ يَكُونُ مَاشِيًا: فَيَضْعُفُ عَنْ بُلُوغِ حَيْثُ يُرِيدُ أَوْ رَاكِبًا: فَيَضْعُفُ عَنْ رُكُوبِ دَابَّتِهِ أَوْ مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى: مِنْ الضَّرَرِ «8» الْبَيِّنِ.»
«فَأَيُّ هَذَا نَالَهُ: فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَكَذَلِكَ: يَشْرَبُ مِنْ الْمُحَرَّمِ: غَيْرِ الْمُسْكِرِ مِثْلِ: الْمَاءِ: [تَقَعُ «9» ] فِيهِ الْميتَة وَمَا أشبهه «10» .»
__________
(1) عبارَة الْأُم: «من ميتَة وَدم وَلحم خِنْزِير» . وراجع الْمَجْمُوع (ج 9 ص 39- 42) . [.....]
(2) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «لم» ، وَلَعَلَّه مصحف.
(3) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «يكون الرجل» وَلَعَلَّه من عَبث النَّاسِخ.
(4) فى الْأُم تَأْخِير وَتَقْدِيم.
(5) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الْمُنَاسب. وَعبارَة الأَصْل: «وبلغه» وَالظَّاهِر: أَنَّهَا محرفة عَمَّا ذكرنَا، أَو سقط مِنْهَا كلمة: «قد» .
(6) فى الْأُم: «ويضره» . وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(7) كَذَا بِالْأُمِّ. وَعبارَة الأَصْل: «أَو يعْتَمد أَن يكون» . وهى مصحفة.
(8) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «الضَّرْب» وَهُوَ تَصْحِيف.
(9) زِيَادَة جَيِّدَة، عَن الْأُم.
(10) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 9 ص 357- 358) : مَا روى فى ذَلِك، عَن مَسْرُوق وَقَتَادَة وَمعمر. لفائدته.

(2/91)


«وَأُحِبُّ «1» : أَنْ يَكُونَ آكِلُهُ: إنْ أَكَلَ وَشَارِبُهُ: إنْ شَرِبَ أَوْ جَمَعَهُمَا-: فَعَلَى مَا يَقْطَعُ عَنْهُ الْخَوْفَ، وَيَبْلُغُ [بِهِ «2» ] بَعْضَ الْقُوَّةِ.
وَلَا يَبِينُ: أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ: أَنْ يَشْبَعَ وَيَرْوَى وَإِنْ أَجْزَأَهُ دُونَهُ-: لِأَنَّ التَّحْرِيمَ قَدْ زَالَ عَنْهُ بِالضَّرُورَةِ. وَإِذَا بَلَغَ الشِّبَعَ وَالرِّيَّ: فَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ لِأَنَّ مُجَاوَزَتَهُ-: حِينَئِذٍ.- إلَى الضَّرَرِ، أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى النَّفْعِ «3» .» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ «4» : «فَمَنْ «5» خَرَجَ سَفَرًا «6» : عَاصِيًا لِلَّهِ «7» لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ-: مِمَّا حُرِّمَ «8» عَلَيْهِ.- بِحَالٍ «9» : لِأَنَّ اللَّهَ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) إنَّمَا «10» أَحَلَّ مَا حَرَّمَ، بِالضَّرُورَةِ- عَلَى شَرْطِ: أَنْ يَكُونَ الْمُضْطَرُّ: غَيْرَ بَاغٍ، وَلَا عَادٍ، وَلَا مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ.»
«وَلَوْ خَرَجَ: عَاصِيًا ثُمَّ تَابَ، فَأَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ بَعْدَ التَّوْبَةِ-:
رَجَوْتُ: أَنْ يَسَعَهُ «11» أَكْلُ الْمُحَرَّمِ وَشُرْبُهُ.»
__________
(1) فى الأَصْل: «وَاجِب» وَهُوَ خطأ وتصحيف. والتصحيح من عبارَة الْأُم:
«وَأحب إِلَى» .
(2) زِيَادَة جَيِّدَة عَن الْأُم
(3) رَاجع مَا ذكره بعد ذَلِك والمختصر (ج 5 ص 216- 217) : فَهُوَ جليل الْفَائِدَة، وراجع الْمَجْمُوع (ج 9 ص 42- 43 و52- 53) .
(4) كَمَا فى الْأُم (ج 2 ص 226) .
(5) فى الْأُم: «وَمن» . [.....]
(6) هَذَا لَيْسَ بِالْأُمِّ.
(7) فى الْأُم زِيَادَة: «الله عز وَجل» .
(8) هَذَا: مَذْهَب الْجُمْهُور. وَجوز بَعضهم: التَّنَاوُل مُطلقًا. انْظُر الْفَتْح (ج 9 ص 533) .
(9) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الصَّوَاب، وفى الأَصْل: «لما» وَهُوَ تَحْرِيف.
(10) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الصَّوَاب، وفى الأَصْل: «لما» وَهُوَ تَحْرِيف.
(11) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «أَن ليسعه» وَزِيَادَة اللَّام من النَّاسِخ.

(2/92)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)

«وَلَوْ خَرَجَ: غَيْرَ عَاصٍ ثُمَّ نَوَى الْمَعْصِيَةَ ثُمَّ أَصَابَتْهُ ضَرُورَةٌ-:
وَنِيَّتُهُ الْمَعْصِيَةُ.-: خَشِيتُ أَنْ لَا يَسَعَهُ الْمُحَرَّمُ لِأَنِّي أَنْظُرُ إلَى نِيَّتِهِ: فِي حَالِ الضَّرُورَةِ لَا: فِي حَالٍ تَقَدَّمَتْهَا، وَلَا تَأَخَّرَتْ عَنْهَا.» .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «1» (رَحِمَهُ اللَّهُ) : «وَالْحُجَّةُ:
فِي أَنَّ «2» مَا كَانَ مُبَاحَ الْأَصْلِ، يَحْرُمُ: بِمَالِكِهِ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهِ مَالِكُهُ.
(يَعْنِي «3» : وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ.) : أَنَّ «4» اللَّهَ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) قَالَ:
(لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ: بِالْباطِلِ إِلَّا: أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ: 4- 29) وَقَالَ: (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ «5» : 4- 2) وَقَالَ: (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ، نِحْلَةً) الْآيَةَ: (4- 4) . مَعَ آيٍ كَثِيرَةٍ «6» - فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ-: قَدْ حُظِرَ فِيهَا أَمْوَالُ النَّاسِ، إلَّا:
بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا: بِمَا فَرَضَ «7» اللَّهُ: فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ سَنَّهُ نَبِيُّهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَجَاءَتْ بِهِ حُجَّةٌ «8» .» .
__________
(1) كَمَا فى الْأُم (ج 2 ص 214) . وَالْكَلَام فِيهَا ورد على شكل سُؤال وَجَوَاب.
(2) فى الْأُم زِيَادَة: «كل» .
(3) هَذَا من كَلَام الْبَيْهَقِيّ.
(4) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ خبر المبتدإ. وفى الأَصْل: «لِأَن» وَهُوَ خطأ وتحريف.
(5) فى الْأُم زِيَادَة: «الْآيَة» .
(6) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «كثير» وَهُوَ تَحْرِيف.
(7) عبارَة الْأُم: «فرض فى كتاب الله» إِلَخ. وهى أنسب.
(8) أَي: غير نَص كالإجماع وَالْقِيَاس. وراجع مَا ذكره بعد ذَلِك (ص 215- 216) :
من السّنة وَغَيرهَا فَهُوَ مُفِيد هُنَا وفى بعض مسَائِل الصَدَاق وَالْإِرْث. وراجع كَذَلِك:
السّنَن الْكُبْرَى (ج 6 ص 91- 97) وَانْظُر مَا تقدم (ج 1 ص 216) . [.....]

(2/93)


قَالَ «1» : «وَلَوْ اُضْطُرَّ رَجُلٌ، فَخَافَ الْمَوْتَ ثُمَّ مَرَّ بِطَعَامٍ لِرَجُلٍ-:
لَمْ أَرَ بَأْسًا: أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَا يَرُدُّ مِنْ جُوعِهِ وَيَغْرَمُ لَهُ ثَمَنَهُ.» . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ «2» .
قَالَ «3» : «وَقَدْ قِيلَ: إنَّ مِنْ الضَّرُورَةِ «4» : أَنْ يَمْرَضَ الرَّجُلُ، الْمَرَضَ:
يَقُولُ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ- أَوْ يَكُونُ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعلم بِهِ-: فَلَمَّا يَبْرَأُ مَنْ «5» كَانَ بِهِ مِثْلُ هَذَا، إلَّا: أَنْ يَأْكُلَ كَذَا، أَوْ يَشْرَبَهُ «6» . أَوْ: يُقَالُ [لَهُ «7» ] :
إنَّ أَعْجَلَ مَا يُبْرِيكَ «8» : أَكْلُ كَذَا، أَوْ شُرْبُ كَذَا. فَيَكُونُ لَهُ أَكْلُ ذَلِكَ وَشُرْبُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ خَمْرًا-: إِذا بلغ ذَلِك مِنْهَا «9» : أَسْكَرَتْهُ.- أَوْ شَيْئًا: يُذْهِبُ الْعَقْلَ: مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّ إذْهَابَ الْعَقْلِ مُحَرَّمٌ.» .
__________
(1) كَمَا فى الْأُم (ج 2 ص 216) .
(2) حَيْثُ قَالَ: «وَلم أر للرجل: أَن يمنعهُ- فى تِلْكَ الْحَال- فضلا: من طَعَام عِنْده.
وَخفت: أَن يضيق ذَلِك عَلَيْهِ، وَيكون: أعَان على قَتله، إِذا خَافَ عَلَيْهِ: بِالْمَنْعِ، الْقَتْل.» .
وَقد ذكر نَحوه فى الْمُخْتَصر (ج 5 ص 217) . وراجع الْمَجْمُوع (ج 9 ص 43 و45- 47) .
(3) كَمَا فى الْأُم (ج 2 ص 226) .
(4) فى الْأُم زِيَادَة: «وَجها ثَانِيًا» . فراجع كَلَامه قبل ذَلِك وَقد تقدم بعضه (ص 90- 93) .
(5) كَذَا بِالْأُمِّ. وَعبارَة الأَصْل: «قل من بَرى من» وهى إِمَّا محرفة عَمَّا ذكرنَا، أَو عَن:
«قل من يبرى مِمَّن» .
(6) فى الْأُم: «أَو يشرب كَذَا» .
(7) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(8) ذكر فى الْأُم مهموزا وَهُوَ الْمَشْهُور.
(9) كَذَا بِالْأُمِّ. أَي: إِذا تنَاوله مِنْهَا. وفى الأَصْل: «مَا» . وَهُوَ إِمَّا محرف عَمَّا أثبتا أَو يكون أصل الْعبارَة: «مَا يسكر» . فَتَأمل. وراجع الْمَجْمُوع (ج 9 ص 50- 53) .

(2/94)


كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)

وَذَكَرَ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ «1» : فِي بَوْلِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا، وَإِذْنَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فِي شُرْبِهَا، لِإِصْلَاحِهِ لِأَبْدَانِهِمْ «2»
(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «3» :
«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ، إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) «4» الْآيَةَ: (3- 93) وَقَالَ: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا، حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ: 4- 160) «5» يَعْنِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) :
طَيِّبَاتٍ: كَانَتْ أُحِلَّتْ لَهُمْ. وَقَالَ تَعَالَى: (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا، حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ «6» الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا: مَا حَمَلَتْ
__________
(1) نِسْبَة إِلَى: «عرينة» . انْظُر الْكَلَام عَنْهَا فى الْمِصْبَاح (مَادَّة: عرن) . وَمَا تقدم بالهامش (ج 1 ص 154) .
(2) رَاجع هَذَا الحَدِيث، وَالْكَلَام عَنهُ-: فى الْأُم، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج 8 ص 282 وَج 10 ص 4) ، وَالْفَتْح (ج 1 ص 233- 237 وَج 7 ص 321- 322 وَج 8 ص 190 وَج 12 ص 90- 91) ، وَشرح مُسلم (ج 11 ص 154) ، وَشرح الْعُمْدَة (ج 11 ص 154) . فَهُوَ مُفِيد فى مبَاحث كَثِيرَة، وفى قتال الْبُغَاة وقطاع الطَّرِيق خَاصَّة.
(3) كَمَا فى الْأُم (ج 2 ص 209- 211) . وَقد ذكر أَكْثَره: فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 10 ص 8- 9) مُتَفَرقًا. وَقد نَقله عَنْهَا فى الْمَجْمُوع (ج 9 ص 70- 71) بِتَصَرُّف.
(4) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى، مَا روى عَن ابْن عَبَّاس: فى سَبَب نزُول ذَلِك. وراجع أَسبَاب النُّزُول للواحدى (ص 84) .
(5) عبارَة السّنَن الْكُبْرَى: «وَهن يعْنى» إِلَخ. [.....]
(6) فى الْأُم: «إِلَى: (وَإِنَّا لصادقون) .» . وَذكر فى السّنَن الْكُبْرَى إِلَى: (بِعظم) .
وراجع فِيهَا: أثر ابْن عَبَّاس، وَحَدِيث عمر: فى ذَلِك.

(2/95)


قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)

(ظُهُورُهُما، أَوِ الْحَوايا، أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ: جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ: 6- 146) .
قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) : الْحَوَايَا: مَا حَوَى «1» الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، فِي الْبَطْنِ» .
«فَلَمْ يَزَلْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَى بَنِي إسْرَائِيلٍ-: الْيَهُودِ خَاصَّةً، وَغَيْرِهِمْ عَامَّةً.- مُحَرَّمًا: مِنْ حِينَ حَرَّمَهُ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى) مُحَمَّدًا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فَفَرَضَ الْإِيمَانَ بِهِ، وَأَمَرَ «2» : بِاتِّبَاعِ نَبِيِّ «3» اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَطَاعَةِ أَمْرِهِ: وَأَعْلَمَ خَلْقَهُ: أَنَّ «4» طَاعَتَهُ: طَاعَتُهُ وَأَنَّ دِينَهُ: الْإِسْلَامُ الَّذِي نَسَخَ بِهِ كُلَّ دِينٍ كَانَ قَبْلَهُ وَجَعَلَ «5» مَنْ أَدْرَكَهُ وَعَلِمَ دِينَهُ-: فَلَمْ يَتْبَعْهُ.-: كَافِرًا بِهِ. فَقَالَ: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ: الْإِسْلامُ: 3- 19 «6» ) .»
«وَأَنْزَلَ «7» فِي أَهْلِ الْكِتَابِ-: مِنْ الْمُشْرِكِينَ.-: (قُلْ: يَا أَهْلَ)
__________
(1) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى. أَي: من الأمعاء. وفى الأَصْل وَالْمَجْمُوع: «حول» وَهُوَ تَصْحِيف على مَا يظْهر. والحوايا جمع: «حوية» . وراجع فِي الْفَتْح (ج 8 ص 205) تَفْسِير ابْن عَبَّاس لذَلِك وَغَيره: مِمَّا يتَعَلَّق بالْمقَام.
(2) هَذَا إِلَى: أمره لَيْسَ بالسنن الْكُبْرَى.
(3) فى الْأُم: «رَسُوله» .
(4) عبارَة السّنَن الْكُبْرَى هى: «أَن دينه: الْإِسْلَام الَّذِي نسخ بِهِ كل دين قبله فَقَالَ» إِلَخ.
(5) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «وجمل» وَهُوَ تَصْحِيف.
(6) فى الْأُم زِيَادَة: «فَكَانَ هَذَا فى الْقُرْآن» .
(7) فى الْأُم زِيَادَة: «عز وَجل» .

(2/96)


(الْكِتابِ، تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) الْآيَةَ، إلَى: (مُسْلِمُونَ: 3- 64) وَأَمَرَ»
:
بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ «2» : إنْ لَمْ يُسْلِمُوا وَأَنْزَلَ فِيهِمْ: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ: الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ: فِي التَّوْراةِ، وَالْإِنْجِيلِ) الْآيَةَ «3» : (7- 157) . فَقِيلَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : أَوْزَارَهُمْ «4» ، وَمَا مُنِعُوا-: بِمَا أَحْدَثُوا.- قَبْلَ مَا شُرِعَ: مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» .»
«فَلَمْ يَبْقَ خَلْقٌ يَعْقِلُ-: مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.-:
كِتَابِيٌّ «6» ، وَلَا وَثَنِيٌّ، وَلَا حَيٌّ بِرُوحٍ «7» -: مِنْ جِنٍّ، وَلَا إنْسٍ.-:
بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إلَّا قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللَّهِ: بِاتِّبَاعِ دِينِهِ وَكَانَ «8» مُؤْمِنًا: بِاتِّبَاعِهِ وَكَافِرًا: بِتَرْكِ اتِّبَاعِهِ.»
__________
(1) فى الْأُم: «وأمرنا» .
(2) فى الْأُم زِيَادَة: «عَن يَد وهم صاغرون» وَهُوَ اقتباس من آيَة التَّوْبَة: (29) .
(3) فى الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى: «إِلَى قَوْله: (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) .» .
(4) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى. وفى الأَصْل: «أَو زادهم» وَهُوَ تَصْحِيف.
(5) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى، أثر ابْن عَبَّاس: فى ذَلِك.
(6) عبارَة السّنَن الْكُبْرَى: «من جن وَلَا إنس بلغته دَعوته» . [.....]
(7) فى الْأُم: «ذُو روح» .
(8) عبارَة السّنَن الْكُبْرَى: «وَلزِمَ كل امْرِئ مِنْهُم تَحْرِيم» إِلَخ.

(2/97)


«وَلَزِمَ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ-: آمَنَ بِهِ، أَوْ كَفَرَ.- تَحْرِيمُ «1» مَا حَرَّمَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَانَ «2» مُبَاحًا قَبْلَهُ فِي شَيْءٍ:
مِنْ الْمِلَلِ أَوْ «3» غَيْرَ مُبَاحٍ.- وَإِحْلَالُ مَا أَحَلَّ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : كَانَ «4» حَرَامًا فِي شَيْءٍ: مِنْ الْمِلَلِ [أَوْ غَيْرَ حَرَامٍ «5» ] » «وَأَحَلَّ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) : طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ «6» وَصَفَ ذَبَائِحَهُمْ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئًا.»
«فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَحْرُمَ «7» ذَبِيحَةُ كِتَابِيٍّ وَفِي الذَّبِيحَةِ حَرَامٌ- عَلَى «8» كُلِّ مُسْلِمٍ-: مِمَّا «9» كَانَ حَرُمَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، قَبْلَ مُحَمَّدٍ
__________
(1) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «يحرم» وَهُوَ تَحْرِيف.
(2) هَذَا إِلَى قَوْله: «مُبَاح» لَيْسَ بالسنن الْكُبْرَى.
(3) هَذَا إِلَى قَوْله: الْملَل غير مَوْجُود بِالْأُمِّ. ونرجح أَنه سقط من النَّاسِخ أَو الطابع.
(4) هَذَا إِلَى قَوْله: الْملَل لَيْسَ بالسنن الْكُبْرَى. وراجع فِيهَا: حديثى جَابر وَمَعْقِل ابْن يسَار.
(5) هَذِه زِيَادَة حَسَنَة ملائمة للْكَلَام السَّابِق فَرَأَيْنَا إِثْبَاتهَا: وان كَانَت غير مَوْجُودَة بِالْأُمِّ وَلَا غَيرهَا.
(6) عبارَة السّنَن الْكُبْرَى: «فَكَانَ ذَلِك- عِنْد أهل التَّفْسِير-: ذَبَائِحهم، لم يسْتَثْن» إِلَخ.
(7) كَذَا بِالْأُمِّ بِزِيَادَة: «مِنْهَا» . وَهُوَ صَحِيح ظَاهر فى التَّفْرِيع، وملائم لما بعده.
وَعبارَة الأَصْل وَالسّنَن الْكُبْرَى: «فَلَا يجوز أَن تحل» . وَالظَّاهِر: أَنَّهَا محرفة. وَقد يُقَال:
«إِن مُرَاده- فى هَذِه الرِّوَايَة- أَن يَقُول: إِذا حدثت ذَبِيحَة كتابى قبل الْإِسْلَام، وادخر مِنْهَا شىء محرم، وَبَقِي إِلَى مَا بعد الْإِسْلَام-: فَلَا يجوز للْمُسلمِ أَن يتَنَاوَلهُ لِأَن الذّبْح حدث: وَالْحُرْمَة لم تنسخ بعد.» . وَهُوَ بعيد، وَيحْتَاج الى بحث وَتثبت من صِحَّته.
(8) هَذَا مُتَعَلق بقوله: تحرم. وَلَو قدم على مَا قبله: لَكَانَ أحسن وَأظْهر.
(9) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى وَهُوَ بَيَان لقَوْله: حرَام. وفى الأَصْل: بِمَا» وَهُوَ خطأ وتصحيف

(2/98)


(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . وَلَا «1» يَجُوزُ: أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ «2» : مِنْ شَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَكَذَلِكَ: لَوْ ذَبَحَهَا كِتَابِيٌّ لِنَفْسِهِ، وَأَبَاحَهَا لِمُسْلِمٍ «3» -: لَمْ يَحْرُمْ عَلَى مُسْلِمٍ: مِنْ شَحْمِ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ مِنْهَا، شَيْءٌ «4» » .
«وَلَا يَجُوزُ: أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ حَلَالًا-: مِنْ جِهَةِ الذَّكَاةِ «5» .-
لِأَحَدٍ، حَرَامًا عَلَى غَيْرِهِ. لِأَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) أَبَاحَ مَا ذُكِرَ: عَامَّةً «6» لَا: خاصّة.»
«و «7» هَل يَحْرُمُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ [قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «8» ]-: مِنْ هَذِهِ الشُّحُومِ وَغَيْرِهَا.-: إذَا لَمْ يَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.؟»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ «9» قِيلَ: ذَلِكَ كُلُّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يُؤْمِنُوا.»
__________
(1) هَذَا إِلَى آخر الْكَلَام، لَيْسَ بالسنن الْكُبْرَى.
(2) أَي: على الْحُرْمَة. وَقَوله: شىء لَيْسَ بِالْأُمِّ.
(3) أَي: أعطَاهُ إِيَّاهَا، أَو لم يمنعهُ من الِانْتِفَاع بهَا. [.....]
(4) هَذَا: مَذْهَب الْجُمْهُور وروى عَن مَالك وَأحمد: التَّحْرِيم. رَاجع فِي الْفَتْح (ج 9 ص 503) : دَلِيل عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم على ذَلِك، وَالرَّدّ عَلَيْهِ. وراجع فى السّنَن الْكُبْرَى: حَدِيث عبد الله بن الْمُغَفَّل الَّذِي يدل على الْإِبَاحَة.
(5) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «الزَّكَاة لآخر» وَهُوَ تَصْحِيف.
(6) أَي: إِبَاحَة عَامَّة، لَا إِبَاحَة خَاصَّة. وفى الْأُم: «عَاما لَا خَاصّا» وَهُوَ حَال من «مَا» .
(7) عبارَة الْأُم: «فَإِن قَالَ قَائِل: هَل» .
(8) زِيَادَة جَيِّدَة، عَن الْأُم.
(9) فى الْأُم: «فقد» .

(2/99)


مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103)

«وَلَا يَنْبَغِي «1» : أَنْ يَكُونَ مُحَرِّمًا عَلَيْهِمْ: وَقَدْ نُسِخَ مَا خَالَفَ دِينَ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : بِدِينِهِ. كَمَا لَا يَجُوزُ-: إذَا «2» كَانَتْ الْخَمْرُ حَلَالًا لَهُمْ.- إلَّا: أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِمْ-: إذْ حُرِّمَتْ على لِسَان بيّنا «3» مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.-: وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِهِ.» .
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «4» (رَحِمَهُ اللَّهُ) : «حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ-: مِنْ أَمْوَالِهِمْ- أَشْيَاءَ: أَبَانَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) : أَنَّهَا لَيْسَتْ حَرَامًا بِتَحْرِيمِهِمْ «5» - وَذَلِكَ مِثْلُ: الْبَحِيرَةِ، وَالسَّائِبَةِ، وَالْوَصِيلَةِ، وَالْحَامِ. كَانُوا: يَتْرُكُونَهَا «6» فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ: كَالْعِتْقِ فَيُحَرِّمُونَ: أَلْبَانَهَا، وَلُحُومَهَا، وَمِلْكَهَا. وَقَدْ فَسَّرْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ «7» .-: فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (مَا جَعَلَ اللَّهُ: مِنْ)
__________
(1) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل كلمة غير وَاضِحَة، وهى: «نبين» . وهى محرفة عَمَّا ذكرنَا، أَو عَن: «يبين» أَو «يتَبَيَّن» .
(2) فى الْأُم: «إِن» وَهُوَ أحسن.
(3) هَذَا لَيْسَ بِالْأُمِّ.
(4) كَمَا فى الْأُم (ج 2 ص 211) . وَقد ذكر فِي السّنَن الْكُبْرَى (ج 10 ص 9) إِلَى قَوْله: وملكها. وَانْظُر الْمَجْمُوع (ج 9 ص 71) .
(5) فى الْأُم زِيَادَة: «وَقد ذكرت بعض مَا ذكر الله تَعَالَى مِنْهَا» .
(6) فى بعض نسخ السّنَن الْكُبْرَى: «ينزلونها» وَهُوَ صَحِيح الْمَعْنى أَيْضا.
(7) انْظُر مَا تقدم (ج 1 ص 142- 145) . وراجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ص 9- 10) : حَدِيث ابْن الْمسيب، وَكَلَامه فى تَفْسِير ذَلِك وَحَدِيث الْجُشَمِي، وَأثر ابْن عَبَّاس الْمُتَعَلّق بذلك وبآية: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ: مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً: 6- 136) . ثمَّ رَاجع الْكَلَام عَن حَدِيث سعيد: فى الْفَتْح (ج 6 ص 353- 354 وَج 8 ص 196- 198) فَهُوَ جليل الْفَائِدَة.

(2/100)


وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138)

(بَحِيرَةٍ، وَلا سائِبَةٍ، وَلا وَصِيلَةٍ، وَلا حامٍ: 5- 103) وَقَالَ تَعَالَى:
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ: سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ: افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ: 6- 140) وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ-:
وَهُوَ يَذْكُرُ مَا حَرَّمُوا-: (وَقالُوا: هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ: حِجْرٌ «1» ، لَا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ «2» : حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ: لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ، عَلَيْهَا: افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ: بِما كانُوا يَفْتَرُونَ وَقالُوا: مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ: خالِصَةٌ لِذُكُورِنا، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً: فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ: 6- 138- 139) وَقَالَ: (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) إلَى «3» قَوْلِهِ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وَالْآيَةَ «4» بَعْدَهَا: (6- 143- 145) . [فَأَعْلَمَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ «5» ] : أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ: بِمَا «6» حَرَّمُوا.»
__________
(1) أَي: حرَام كَمَا قَالَ البُخَارِيّ وَأَبُو عُبَيْدَة. انْظُر الْفَتْح (ج 6 ص 238 وَج 8 ص 206) . [.....]
(2) فى الْأُم: «الى قَوْله: (حَكِيم عليم) .» وَهُوَ تَحْرِيف. وَالصَّوَاب: «إِلَى قَوْله: (يفترون) .» . لِأَنَّهُ ذكر فِيهَا الْآيَة التالية، إِلَى قَوْله: (أَزوَاجنَا) ثمَّ قَالَ:
«الْآيَة» .
(3) فى الْأُم: «الْآيَة والآيتين بعْدهَا» .
(4) فى الأَصْل: «والآيتين» ، وَهُوَ تَحْرِيف: لِأَن آيَة: (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) لَا دخل لَهَا فى هَذَا الْبَحْث بِخُصُوصِهِ، وَقد تقدم الْكَلَام عَنْهَا. ويؤكد ذَلِك عبارَة الْأُم السالفة.
(5) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(6) أَي: بِسَبَب تحريمهم، وَالْمَفْعُول مَحْذُوف. وَعبارَة الْأُم: «مَا حرمُوا» . والمآل وَاحِد.

(2/101)


قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)

«قَالَ: وَيُقَالُ «1» : نَزَلَ «2» فِيهِمْ: (قُلْ: هَلُمَّ «3» شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ: أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا: فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ: 6- 150) .
فَرَدَّ إلَيْهِمْ «4» مَا أَخْرَجُوا-: مِنْ الْبَحِيرَةِ، وَالسَّائِبَةِ، وَالْوَصِيلَةِ، وَالْحَامِ- وَأَعْلَمَهُمْ: أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ مَا حَرَّمُوا: بِتَحْرِيمِهِمْ.»
«وَقَالَ تَعَالَى: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ، إِلَّا: مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ: 5- 1) [يَعْنِي «5» ] (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : مِنْ الْمَيْتَةِ.»
«وَيُقَالُ: أُنْزِلَتْ «6» فِي ذَلِكَ: (قُلْ: لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ، مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ، إِلَّا: أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً، أَوْ دَماً مَسْفُوحاً، أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ-: فَإِنَّهُ رِجْسٌ.- أَوْ فِسْقاً: أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ: 6- 145)

«وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قِيلَ يَعْنِي: قُلْ: لَا أجد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ-: مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ.- مُحَرَّمًا «7» ، إلَّا: مَيْتَةً، أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا مِنْهَا «8» : وَهِيَ
__________
(1) هَذَا الى قَوْله: بتحريمهم ذكر فى السّنَن الْكُبْرَى (ص 10) .
(2) فى الْأُم: «نزلت» .
(3) قَالَ البُخَارِيّ: «لُغَة أهل الْحجاز: (هَلُمَّ) : للْوَاحِد والاثنين وَالْجمع.»
وَذكر نَحوه أَبُو عُبَيْدَة، بِزِيَادَة: «وَالذكر وَالْأُنْثَى سَوَاء» . وَأهل نجد فرقوا: بِمَا يحسن مُرَاجعَته فِي الْفَتْح (ج 8 ص 206) . وَانْظُر القرطين (ج 1 ص 174) .
(4) عبارَة السّنَن الْكُبْرَى: «فَرد عَلَيْهِم مَا أخرجُوا، وأعلمهم» إِلَخ، ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: «وَذكر سَائِر الْآيَات الَّتِي وَردت فى ذَلِك» .
(5) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(6) فى الْأُم: «أنزل» .
(7) عبارَة الْأُم: «محرما، أَي: من بَهِيمَة الْأَنْعَام.» .
(8) أَي: من بَهِيمَة الْأَنْعَام.

(2/102)


قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)

حَيَّةٌ أَوْ «1» ذَبِيحَةَ [كَافِرٍ «2» ] وَذَكَرَ تَحْرِيمَ الْخِنْزِيرِ مَعَهَا «3» وَقَدْ قِيلَ:
مِمَّا «4» كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إلَّا كَذَا.»
«وَقَالَ تَعَالَى: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ: حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ: إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ: الْمَيْتَةَ، وَالدَّمَ، وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ: 16- 115) . وَهَذِهِ الْآيَةُ: فِي مِثْلِ مَعْنَى الْآيَةِ قَبْلَهَا «5» » .
قَالَ الشَّافِعِيُّ- فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ-: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
(وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، حِلٌّ لَكُمْ: 5- 5) . فَاحْتَمَلَ ذَلِكَ:
الذَّبَائِحَ، وَمَا سِوَاهَا: مِنْ طَعَامِهِمْ الَّذِي لَمْ نَعْتَقِدْهُ «6» : مُحَرَّمًا عَلَيْنَا. فَآنِيَتُهُمْ أَوْلَى: أَنْ لَا يَكُونَ فِي النَّفْسِ مِنْهَا، شَيْءٌ: إذَا غُسِلَتْ.» .
ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ: فِي إبَاحَةِ طَعَامِهِمْ الَّذِي يَغِيبُونَ عَلَى صَنْعَتِهِ: إذَا لَمْ
__________
(1) هَذَا بَيَان لقَوْله: (أَو فسقا) . [.....]
(2) زِيَادَة متعينة، عَن الْأُم
(3) أَي: بَهِيمَة الْأَنْعَام.
(4) فى الْأُم: «مَا» . وَعبارَة الأَصْل أولى: لِأَن عبارَة الْأُم توهم: أَن الْمَفْعُول مَا بعد «إِلَّا» مَعَ أَنه ضمير مَحْذُوف عَائِد إِلَى «مَا» وَالتَّقْدِير: «تأكلونه» .
وَهَذَا القَوْل هُوَ مَا ذكره عَن بعض أهل الْعلم وَالتَّفْسِير، فِيمَا سبق (ص 88) .
(5) يحسن فى هَذَا الْمقَام: أَن تراجع فى الْفَتْح (ج 8 ص 191) ، مَا روى عَن ابْن عَبَّاس: فى سَبَب نزُول قَوْله تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ: 5- 87) .
(6) فى الأَصْل كلمة غير بَيِّنَة وهى: «معصب» وَالظَّاهِر أَنَّهَا محرفة عَمَّا ذكرنَا، أَو عَن: «نظنه» .

(2/103)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)

نَعْلَمْ فِيهِ حَرَامًا وَكَذَلِكَ الْآنِيَةُ: إذَا لَمْ نَعْلَمْ نَجَاسَةً «1» ثُمَّ قَالَ- فِي هَذَا وَفِي «2» مُبَايَعَةِ الْمُسْلِمِ: يَكْتَسِبُ الْحَرَامَ وَالْحَلَالَ وَالْأَسْوَاقِ: يَدْخُلُهَا ثَمَنُ الْحَرَامِ.-: «وَلَوْ تَنَزَّهَ امْرُؤٌ «3» عَنْ هَذَا، وَتَوَقَّاهُ-: مَا لَمْ يَتْرُكْهُ: عَلَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ.-: كَانَ حَسَنًا «4» . لِأَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ لَهُ: تَرْكُ مَا لَا يَشُكُّ فِي حَلَالِهِ. وَلَكِنِّي أَكْرَهُ: أَنْ يَتْرُكَهُ: عَلَى تَحْرِيمه فَيكون. حهلا بِالسُّنَّةِ، أَوْ رَغْبَةً عَنْهَا.» .
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ (يَعْنِي: ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ) أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى، يَقُولُ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) - فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ «5» : 4- 29) .- قَالَ:
__________
(1) يحسن أَن تراجع فى هَذَا الْبَحْث، الْمُخْتَصر وَالأُم (ج 1 ص 4 و7) ، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج 1 ص 32- 33) ، وَالْفَتْح (ج 9 ص 492) ، وَشرح مُسلم للنووى (ج 13 ص 79- 80) ، وَالْمَجْمُوع (ج 1 ص 261- 265) .
(2) فى الأَصْل: «أَو» وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ.
(3) عبارَة الأَصْل: «وَلَو تنزو امْر» . وَهُوَ تَصْحِيف.
(4) للشافعى فى الْأُم (ج 2 ص 195) : كَلَام جيد يتَّصل بِهَذَا الْمقَام فَرَاجعه.
وَانْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج 5 ص 334- 335) .
(5) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 5 ص 163) : أثر قَتَادَة فى ذَلِك وَغَيره. مِمَّا يتَعَلَّق بالْمقَام.

(2/104)


«لَا يَكُونُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، إلَّا: هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَحْكَامُ «1» وَمَا عَداهَا فَهُوَ: أَلا كل بِالْبَاطِلِ عَلَى الْمَرْءِ فِي مَالِهِ: فَرْضٌ مِنْ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) : لَا يَنْبَغِي لَهُ [التَّصَرُّفُ «2» ] فِيهِ وَشَيْءٌ يُعْطِيهِ: يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِهِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ، أَن يَقُول: احزر «3» مَا فِي يَدِي وَهُوَ لَكَ.» .
وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ (إجَازَةً) : أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ، حَدَّثَهُمْ: أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «4» (رَحِمَهُ اللَّهُ) : «جِمَاعُ مَا يَحِلُّ: أَنْ يَأْخُذَهُ «5» الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ: (أَحَدُهَا) :
مَا وَجَبَ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ-: مِمَّا لَيْسَ لَهُمْ دَفْعُهُ: مِنْ جِنَايَاتِهِمْ، وَجِنَايَاتِ مَنْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ.- وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ: بِالزَّكَاةِ، وَالنُّذُورِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ» «وَ [ثَانِيهَا «6» ] : مَا أَوْجَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ: مِمَّا أَخَذُوا بِهِ الْعِوَضَ:
مِنْ الْبُيُوعِ، وَالْإِجَارَاتِ، وَالْهِبَاتِ: لِلثَّوَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا «7» .»
«وَ [ثَالِثُهَا «8» ] : مَا أَعْطَوْا: مُتَطَوِّعِينَ-. مِنْ أَمْوَالِهِمْ.-:
الْتِمَاسَ وَاحِدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) : طَلَبُ ثَوَابِ اللَّهِ. (وَالْآخَرُ) :
__________
(1) يقْصد: الْوُجُوه الثَّلَاثَة الْآتِيَة فى رِوَايَة الرّبيع. فَتَأمل.
(2) زِيَادَة حَسَنَة: للايضاح.
(3) أَي: قدر. وفى الأَصْل: «احرز» وَهُوَ خطأ وتصحيف
(4) كَمَا فى الْأُم (ج 4 ص 147- 148) . [.....]
(5) فى الْأُم: «يَأْخُذهُ» وَهُوَ أحسن.
(6) هَذِه الزِّيَادَة: للايضاح وَلَيْسَت بِالْأُمِّ أَيْضا.
(7) فى الْأُم: «مَعْنَاهُ» ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح كَمَا لَا يخفى.
(8) هَذِه الزِّيَادَة: للايضاح وَلَيْسَت بِالْأُمِّ أَيْضا.

(2/105)


طَلَبُ الِاسْتِحْمَادِ «1» إلَى «2» مَنْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ. وَكِلَاهُمَا: مَعْرُوفٌ حَسَنٌ وَنَحْنُ نَرْجُو عَلَيْهِ: الثَّوَابَ إنْ شَاءَ اللَّهُ.» .
«ثُمَّ: مَا أَعْطَى النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ-: مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا.-: وَاحِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) : حَقٌّ (وَالْآخَرُ) : بَاطِلٌ فَمَا أَعْطَوْهُ «3» -: مِنْ الْبَاطِلِ.-: غَيْرُ جَائِزٍ لَهُمْ، وَلَا لِمَنْ أَعْطَوْهُ وَذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عز وَجل: (وَ «4» لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ، بِالْباطِلِ: 2- 188) .»
«فَالْحَقُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ-: الَّذِي هُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي وَصَفْتُ.- يَدُلُّ: عَلَى الْحَقِّ: فِي نَفْسِهِ وَعَلَى الْبَاطِلِ: فِيمَا خَالَفَهُ.»
«وَأَصْلُ ذِكْرِهِ: فِي الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْآثَارِ. قَالَ «5» اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ- فِيمَا نَدَبَ بِهِ «6» أَهْلَ دِينِهِ-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ: مِنْ قُوَّةٍ، وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ «7» تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ: 8- 60) فَزَعَمَ
__________
(1) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الْمَقْصُود. وَقد ورد فى الأَصْل مَضْرُوبا على الدَّال بمداد آخر، ومثبتا بدلهَا همزَة. وَهُوَ خطأ وتصحيف.
(2) فى الْأُم: «مِمَّن» وَكِلَاهُمَا صَحِيح على مَا أَظن.
(3) فى الْأُم: «أعْطوا» وَالضَّمِير الْعَائِد على: «مَا» مُقَدّر فى عبارتها.
(4) كَذَا بِالْأُمِّ. وَقد ورد فى الأَصْل: مَضْرُوبا على الْوَاو بمداد آخر. وَهُوَ خطأ ناشىء عَن الِاشْتِبَاه بِآيَة النِّسَاء السَّابِقَة. وَيحسن: أَن تراجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج 6 ص 91- 95) ، بعض مَا ورد: فى أَخذ أَمْوَال النَّاس بِغَيْر حق.
(5) هَذَا إِلَى قَوْله: الرَّمْي ذكر فِي السّنَن الْكُبْرَى (ج 10 ص 13) .
(6) أَي: كلف بِهِ. وفى الْأُم: «إِلَيْهِ» أَي: دَعَا إِلَيْهِ.
(7) ذكر فى الْأُم إِلَى هُنَا.

(2/106)


أَهْلُ الْعِلْمِ [بِالتَّفْسِيرِ «1» ] : أَنَّ الْقُوَّةَ هِيَ: الرَّمْيُ. وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
(وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ، مِنْهُمْ-: فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ، وَلا رِكابٍ: 59- 6) .» .
ثُمَّ ذَكَرَ: حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ «2» ، ثُمَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: فِي السَّبْقِ «3» .
وَذَكَرَ: مَا يَحِلُّ مِنْهُ، وَمَا يَحْرُمُ «4» .
__________
(1) زِيَادَة جَيِّدَة، عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى. وراجع فِيهَا حَدِيث عقبَة بن عَامر الْمُوَافق لذَلِك وراجع الْكَلَام عَلَيْهِ: فى شرح مُسلم للنووى (ج 13 ص 64- 65) ، وَالْفَتْح (ج 6 ص 58- 59) .
(2) وَلَفظه: «لَا سبق إِلَّا: فى نصل، أَو حافر، أَو حف. أَو: إِلَّا فى حافر، أَو حف.» .
(3) وَلَفظه: «سَابق بَين الْخَيل الَّتِي قد أضمرت» . وَذكر قَول ابْن شهَاب:
«مَضَت السّنة: [بِأَن السَّبق] فى النصل وَالْإِبِل، وَالْخَيْل، وَالدَّوَاب- حَلَال.» .
وَانْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ص 16- 17) ثمَّ رَاجع الْكَلَام على حَدِيث ابْن عمر: فى شرح مُسلم (ج 12 ص 14- 16) ، وَالْفَتْح (ج 6 ص 46- 48) وطره التثريب (ج 7 ص 207- 242) . [.....]
(4) رَاجع كَلَامه عَن ذَلِك، وَعَن النضال-: فى الْأُم (ص 148- 155) ، والمختصر (ج 5 ص 217- 223) : فقد لَا تظفر بِمثلِهِ فى كتاب آخر.

(2/107)