أحكام القرآن للشافعي - جمع البيهقي «كلمة الختام»
بِسم الله الرّحمن الرّحيم أما بعد الْحَمد والتعظيم لله،
وَالصَّلَاة وَالتَّسْلِيم على رَسُول الله وعَلى آله
الْأَطْهَار، وَأَصْحَابه الْأَبْرَار، وَسَائِر الْأَئِمَّة
الأخيار-: فبفضل الله (تَعَالَى) ومعونته، وتوفيقه
(سُبْحَانَهُ) وهدايته قد انتهبنا من التَّصْحِيح
وَالتَّعْلِيق على كتاب: «أَحْكَام الْقُرْآن «1» » أحد
الْآثَار الجليلة-: الَّتِي تَركهَا لمن بعده: نبراسا يهتدى
بنوره المتعلمون، وقانونا يحتكم إِلَى حكمه المختلفون إِمَام
الْأَئِمَّة، وعالم قُرَيْش وَالْأمة، الإِمَام المطلبي:
مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ، ونفعنا
بِعِلْمِهِ.-: الَّذِي جمعه وصنفه، وبوبه ورتبه شيخ
الْمُحدثين، وكبير المصنفين الْحَافِظ: أَبُو بكر أَحْمد بن
الْحُسَيْن الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله، وَأكْرم مثواه.
وَكُنَّا قد ابتدأنا ذَلِك: فى يَوْم الْجُمُعَة الْمُبَارك،
الْحَادِي عشر من الْمحرم سنة 1371 هـ (12 من أكتوبر 1951 م) .
إِلَّا أننا لم نتمكن من مُرَاجعَة أَصله كُله: قبل تَقْدِيمه
لطبعه بل: راجعنا من أول الملزمة الرَّابِعَة من الْجُزْء
الأول.
أما مَا قبل ذَلِك: فالملزمة الثَّانِيَة لم ننظرها إِلَّا
قبيل طبعها بساعات مَعْدُودَة: وَلَا مصدر يرجع إِلَيْهِ، أَو
يعول عَلَيْهِ. والملزمة الثَّالِثَة قد تمَكنا من نظر تجارب
طبعها، وَالرُّجُوع إِلَى مَا أعَان على تَصْحِيح الْكثير
مِنْهَا. وَقد أَصْلحنَا بعض الأخطاء الَّتِي وَقعت فِيهَا
وَفِيمَا قبلهَا.
وَلم نَكُون- قبل الشُّرُوع فى ذَلِك الْعَمَل الخطير-: فكرة
مركزة خَاصَّة وَلم نرسم لتحقيقه: خطة محددة وَاضِحَة. بل سرنا
فِيهِ- بعد وَجل شَدِيد، وَتردد مديد-:
حسب مَا سمحت بِهِ ظروفنا الحرجة ومكنت مِنْهُ شواغلنا الجمة،
مستلهمين الله: التَّوْفِيق والسداد. ومستمدين مِنْهُ: العون
والإرشاد.
__________
(1) يجب أَن يكون مَعْلُوما: أَن الشَّافِعِي قد وضع كتابا آخر
بِهَذَا الِاسْم: كثيرا مَا نقل عَنهُ أَبُو إِبْرَاهِيم
الْمُزنِيّ فى مُخْتَصره، وَأَبُو الْعَبَّاس الْأَصَم فى
سنَنه
(2/198)
وَإِنَّا لنَرْجُو أَن نَكُون- بعملنا
هَذَا-: قد أدينا وَاجِبا، وأرضينا رَبًّا، وَخَدَمنَا دينا.
وَأَن نَكُون: قد محونا خطأ، وأثبتنا صَوَابا، وملأنا فراغا،
وأزلنا اضطرابا، وأبنا خفِيا، وكشفنا غامضا، ومنعنا نَقْدا،
وقطعنا لوما.
وَأَن نَكُون: قد أحلنا الْقَارئ: على مَا أوجد وثوقا، وأكد
ثبوتا، وَزَاد بَيَانا، وقوى برهانا وعَلى مَا فصل مُجملا،
وَبسط مُخْتَصرا وَتعرض لما لَيْسَ من غَرَض الْكتاب،
التَّعَرُّض لَهُ، أَو الاهتمام بِهِ: مِمَّا يتَّصل بالموضوع
عَن قرب أَو بعد. وعَلى مَا أورد: من الِاعْتِرَاض والنقد مَا
أظهر فضلا جَدِيدا، وَأوجب تَقْديرا مزيدا: «فالضد يظْهر حسنه
الضِّدّ» .
بيد أَن ذَلِك مَعَ الأسف-: لاعتبارات خَاصَّة، وَأَسْبَاب
قاهرة: لَا نرى ضَرُورَة لشرحها، أَو الْإِشَارَة إِلَى
نوعها.- لم يتَحَقَّق إِلَّا: فى دَائِرَة ضيقَة محدودة،
وبصورة متعبة غَرِيبَة.
ثمَّ نرجو أَن نَكُون: قد عرضنَا نَصه عرضا بَينا جميلا،
ونسقناه- فى جملَته- تنسيقا فنيا بديعا: يقر النَّاظر، وَيسر
الخاطر، وَيبين مواقع جمله، وارتباط كَلمه.
وَكُنَّا قد التزمنا: أَن نكمل بالهامش، الْآيَات القرآنية
الْكَرِيمَة: الَّتِي اقتصرت الرِّوَايَة على ذكر بَعْضهَا،
وأشارت إِلَى إِرَادَة بقيتها. ثمَّ اكتفينا- من أول مبَاحث
الْجراح-:
بالتنبيه على رقم الْآيَة وسورتها. وَلم تمَكنا صحتنا إِلَّا
من وضع فهرس إجمالي مُخْتَصر:
لموضوعات الْكتاب ومحتوياته. وَنحن لَا نؤمن: بِأَن الفهارس
هى: كل مَا يدل على الْمسَائِل الْمَطْلُوبَة، ويوصل إِلَى
المباحث المرغوبة. بل نؤمن- عَن خبْرَة صَادِقَة، وتجربة
وَاسِعَة-: بِأَن الِاعْتِمَاد الْكُلِّي عَلَيْهَا، فى
الْبَحْث عَن شَيْء من ذَلِك، كثيرا مَا فَوت حقائق ثَابِتَة،
وفوائد هَامة، أَو سَبَب أحكاما خاطئة، وآراء شَاذَّة.
على أَن الناشر الْفَاضِل أَبُو أُسَامَة السَّيِّد عزت
الْعَطَّار الْحُسَيْنِي (أعزه الله) قد قَامَ بِوَضْع فهرسين
(أَحدهمَا) : للآيات الشَّرِيفَة (وَالْآخر) : للاعلام
والأماكن الَّتِي وَردت فِيهِ.
وَنحن- مَعَ شكرنا إِيَّاه على وضعهما- قد رجوناه: أَن
يقْتَصر، مَا أمكن، فِي ثَانِيهمَا.
وَقد يُؤْخَذ علينا: أننا قد أثبتنا- فى بعض الْمَوَاضِع-
عبارَة غير الأَصْل وزدنا- كَذَلِك- مَا لَا تتحتم زِيَادَته،
وَلَا تتَعَيَّن إِضَافَته. وأننا لم نلتزم تَخْرِيج
أَحَادِيثه، وَلَا التَّعْرِيف بأعلامه.
(2/199)
فَنَقُول: إِن هَذَا لَا ضَرُورَة لَهُ
وَذَاكَ مِمَّا يتَسَامَح فِيهِ. على أَن لنا فى زِيَادَة مَا
زِدْنَا، وَترك مَا تركنَا-: من الْأَعْذَار الْبَيِّنَة
العديدة، والأسناد القوية السديدة.- مَا سندلى بِهِ ونشرحه:
عِنْد الْحَاجة الملحة، والضرورة الملجئة إِن شَاءَ الله.
ويكفى الْآن، أَن نقُول- فى صَرَاحَة تَامَّة-: إِن هَذَا أول
عمل، من نَوعه، قمنا بِهِ فَلم يسْبق لنا تَصْحِيح كتاب غَيره.
ولسنا (وَللَّه الْحَمد) من الْجَهْل والغرور: بِحَيْثُ نتوهم:
أَنه عمل كَامِل من كل نَاحيَة، أَو خَال عَن الأخطاء العلمية.
فالكمال: لله وَحده، وَمن طلبه: فقد طلب أمرا: بَعيدا تنَاوله
بل: مستحيلا تحَققه.
وَلَكنَّا (وَللَّه الْفضل) نقُول- فى وثوق واطمئنان-: إِنَّه
لَيْسَ فى الْإِمْكَان، أبدع مِمَّا كَانَ، وَإِن أحدا- مهما
قويت عقليته، واتسعت ثقافته- لَا يَسْتَطِيع فى تِلْكَ
الْمدَّة الوجيزة، (دع: الْأَحْوَال الدقيقة، والأعمال
الْأُخْرَى الْكَثِيرَة) : أَن يتَحَقَّق خيرا مِنْهُ فى
جملَته وَأَن يقوم بِأَكْثَرَ مِمَّا قمنا بِهِ: من مُرَاجعَة
نَصه مُرَاجعَة دقيقة، والبحث عَن مَكَانَهُ فى المظان الضخمة
الْمُخْتَلفَة، ثمَّ بَيَان أوجه الِاخْتِلَاف فِيهِ،
وَتَصْحِيح أخطائه، وتكميل النَّاقِص مِنْهُ، ثمَّ النّظر فى
أهم المراجع الْمُعْتَمدَة: الَّتِي انتفعت بِعلم الشَّافِعِي
وتأثرت بِهِ، أَو اهتمت بالبحث عَنهُ، وتعرضت لنقده، ثمَّ
الإحالة على الْمَوَاضِع: الَّتِي تعين على فهم عباراته،
وَإِدْرَاك إشاراته ثمَّ إعداد صُورَة لطبعه، وَالنَّظَر فى
تجاربه، ثمَّ عمل مُلْحق بَين بعض الأخطاء الَّتِي وَقعت،
والتنبيهات الَّتِي فَاتَت.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَهُوَ عمل لَا يقدر خطورته، وَلَا يدْرك
صعوبته إِلَّا امْرُؤ: قدر لَهُ أَن يزاول مثله، وَيقدم- فى
رَغْبَة واخلاص- على تأديته.
وَإِنَّا نسْأَل الله «الَّذِي ألهم بإنشائه، وأعان على
إنهائه» : أَن يكْتب الْقبُول لَهُ، ويحقق النَّفْع بِهِ.
إِنَّه مُجيب الدُّعَاء، ومحقق الرَّجَاء؟
الْقَاهِرَة- ميدان السيدة نفيسة رضى الله عَنْهَا عبد الْغنى
عبد الْخَالِق فى يَوْم الْأَرْبَعَاء غرَّة ذى الْقعدَة سنة
1371 هـ 23 من يولية سنة 1952 م
(2/200)
|