إعراب القرآن للأصبهاني

وَمِنْ سُورَةِ (الْمَائِدَةِ)
قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25))
يسأل عن موضع (أخي) من الإعراب؟
وفيه أربعة أوجه:
أحدها: الرفع على موضع (إني).
والثاني: العطف على المضمر في (لا أملك) وحسُن العطف عليه وإن كان غير مؤكد؛ لأنّ الحشو الذي هو (إلا نفسي) قام مقام التوكيد.
والثالث: أنّ يكون موضعه نصباً بالعطف على الياء في (إني).
والرابع: أنّ يكون معطوفا على (نفسي).
* * *

قوله تعالى: (فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ)
يسأل عن انتصاب (أَرْبَعِينَ سَنَةً)؟
وفيه جوابان:
أحدهما: أنّ ينتصب بـ (مُحَرَّمَةٌ). وهو معنى قول الربيع، وهذا القول يجوز دخولهم إياها.
والثاني: أنّه منتصب بـ (يَتِيهُونَ)، وهو معنى قول الحسن وقتادة؛ لأنَّهما ذكرا أنّه ما دخلها أحد منهم، وقيل إن يوشع بن نون وكالب بن يوقنا دخلاها.

(1/100)


وجاء عن الربيع أنّ مقدار التيه كان مقدار ستة فراسخ، وقال مجاهد: كانوا يصبحون حيث أمسوا، ويمسون حيث أصبحوا: روي عن ابن عباس أنّ موسى عليه السلام مات في التيه بخلافٍ عنه. وكان الحسن يقول لم يمت فيه. وكذا في دخول مدينة الجبارين خلاف عنه وعن ابن عباس أيضا.
* * *

قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ)
يسأل عن معنى (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ)؟
وفيه جوابان:
أحدهما: أنّهم دخلوا به على النبي صلى الله عليه وسلم وخرجوا به إلى أحوال أخر، كقولك: هو يتقلب في الكفر ويتصرف فيه.
و (قد) تدخل في الكلام على وجهين:
إذا كانت مع الماضي قربته من الحال، وإذا كانت مع المستقبل دلت على التقليل.
وموضع (الباء) من قوله: (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) نصب على الحال؛ لأنّ المعنى: دخلوا كافرين وخرجوا كافرين، لأنّه لا يريد أنّهم دخلوا يحملون شيئًا، وهو كقولك: خرج بثيابه، يريد: خرج لابساً ثيابه، ومثله قول الشاعر:
ومُسْتَنَّةٍ كاسْتِنانِ الخَرُو ... ف قَدْ قَطَّعَ الحَبْلَ بالمِرْوَدِ
أي: وفيه المرود، يعني هذه صفته.

(1/101)


قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69))
يسأل عن قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) ثم قال (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ)؟
وفيه جوابان:
أحدهما: أنّ المعنى آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وهم المنافقون، وهذا قول الزجاج والثاني: أنّ المعنى من دام على الإيمان والإخلاص، ولم يرتد عن الإسلام
ويُسأَل عن قوله (الصَّابِئُونَ)؟
وفيه أجوية:
أحدها: أنّه ارتفع لضعف عمل (إنَّ). وهذا قول الكسائي، وقال أيضاً يجوز أنّه ارتفع لأنّه معطوف على المضمر في (هادوا)، كأنّه قال: هادوا هم والصَّابِئُونَ.
وفي هذا بعد، لأنّ الصابئ وهو الخارج عن كل دين عليه أمة عظيمة من الناس إلى ما عليه فرقة قليلة لا يشارك اليهودي في اليهودية، ومع ذلك فالعطف على المضمر المرفوع من غير توكيد قبيح، وإنما يأتي في ضرورة الشعر كما قال عمر بن أبي ربيعة:
قُلْتُ إذا أقبلَتْ وزهرٌ تَهادَى ... كنِعاجِ الفَلا تَعَسَّفْنَ رَمْلاً
والثاني: أنّه عطف على ما لا يتبين معه فيه الإعراب مع ضعف (إنّ)، وهذا قول الفراء.
والثالث: أنّه على التقديم والتأخير، كأنّه قال: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون كذلك، وهذا قول سيبويه.

(1/102)


: قال الشاعر:
وإلا فاعلموا أنَّا وأنتمْ ... بُغاةٌ ما بَقِينا في شقاقٍ
* * *

وقوله تعالى: (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا)
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (أَلَّا تَكُونُ فِتْنَةٌ)، وقرأ الباقون (أَلَّا تَكُونَ) بالنصب.
ولم يختلفوا في رفع (فتنة) ويجوز نصبها.
فمن قرأ (أَلَّا تَكُونُ فِتْنَةٌ) بالرفع جعل (أنْ) مخففة من الثقيلة، وأضمر الهاء، وجعل (حسبوا) بمعنى " علموا ". وعلى هذا تثبت النون في الخط.
وأما النصب: فعلى أنّه جعل (أنّ) الناصبة للفعل، ولم يجعل (حسبوا) بمعنى لا (العلم)، وعلى هذا الوجه تسقط النون من الخط.
وأما رفع (فِتْنَةٌ) فعلى أنّ تكون (تكونُ) بمعنى الحضور والوقوع، فلا تحتاج إلى خبر.
ويجوز أنّ تكون ناقصة، فتنتصب (فِتْنَةً) على الخبر، ويضمر الاسم.
وأما قوله (كَثِيرٌ مِنْهُمْ)، فيرتفع من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنّ يكون بدلا من الواو في (صموا).
والثاني: أي يكون خبر مبتدأ محذوف، كأنّه قال: هم كثير منهم

(1/103)


والثالث: أنّ يكون على لغة من قال (أكلوني البراغيث)، وعليه قول الشاعر:
يَلُوْمونني في اشتراء النَّخيـ ... لِ أهلي فكلُّهُمُ يَعذُلُ
وقال الفرزدق:
ألفيَتا عيناكَ عِند القَفَا ... أولى فَأُولى لكَ ذا واقِيَهْ
ويجوز في الكلام النصب على الحال من المضمر في (صموا)، إلا أنّه لا يجوز أنّ يقرأ به إلا أنّ تثبت رواية بذلك.

قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)
قيل في قوله تعالى (وأنتُم حُرمُ) قولان:
أحدهما: وأنتم محرمون بالحج.
وقيل: وأنتم قد دخلتم الحرم.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ) بالرفع وترك الإضافة، وقرأ الباقون بالإضافة فمن قرأ (فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ) بالرفع، فجزاءٌ: مبتدأ. ومثلُ ما قَتَلَ: الخبر، ويكون المعنى على هذا: أنّه يلزمه أشبه الأشياء بالمقتول من النعم، مَن قتل نعامة فعليه بدنه. وقد حكم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، عن الحسن: إن قتل أروى فعليه بقرة، وإن قتل غزالًا أو أرنباً فعليه شاة، وهذا قول ابن عباس والسُّدِّي ومجاهد وعطاء والضحاك.

(1/104)


وأما من قرأ بالإضافة فإن بعض النحويين أنكر عليه ذلك؛ لأنَّه من إضافة الشيء إلى نفسه. وليس كذلك؛ لأنَّ (الجزاء) هاهنا مصدر، وهو غير (المثل) وإنما هو فصل المجازي. و (مثل) هاهنا بمعنى ذات الشىء كما تقول: مثلك لا يفعل كذا، وأنت تريد: أنت لا تفعل كذا، وكذلك (مثل) نحو قوله تعالى: (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ). إنما يريد كمن هو في الظلمات.
وعلى هذا حمل محمد بن جرير قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، أي: ليس كذاته شيء. والواجب على القائل على هذه القراءة أن يقوم الصيد بقيمة عادلة ثم يشتري بثمنه مثله من النعم يهدي إلى الكعبة.
* * *

قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)
قال ابن عباس وأنس وأبو هريرة والحسن وطاووس وقتادة والسُّدِّي: نزلت في رجل يقال له " عبد الله " وكان يطعن في نسبه، فقال: يا رسول الله من أبي؟ - فقال: حذافة، وهو غير الذي ينسب إليه، فساءه ذلك، فنزلت هذه الآية.
وقيل: نزلت لأنهم سألوا عن أمر الحج لما نزل (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)، فقالوا: أفي كل عام؟ قال: لا، ولو قلت نعم لوجبت.
ويروى عن مجاهد وأبي أمامة وعن ابن عباس وأبي هريرة بخلاف، ويذكر أنّ السؤال الأول والثاني كانا في مجلس واحد.
* * *
فصل:

(1/105)


ويُسأل عن قوله (أَشْيَاءَ) لِمَ لم ينصرف؟
وفيه بين العلماء خلاف:
قال الخليل وسيبويه: أصله (شَيئَاء) على وزن (طرفَاء)، ثم قدمت الهمزة التي هي لام الفعل إلى موضع الفاء وأسكنت الشين، فقيل (أشياء) والهمزة في آخره للتأنيث فلم ينصرف لذلك.
وقال الأخفش والفراء: أصله (أشيئاء) على وزن (أفعِلاء)، ثم خفف وشبهاه بـ (هيّن وأهوِنَاء) و (صديق وأصدقاء)، واختلفا في الواحد: فجعله أحدهما كهين وجعله الآخر كصديق.
قال المازني: قلت للأخفش كيف تصغر (أَشْيَاءَ)؟ - فقال: أشيّئاء، فقلت: خالفت أصلك، وإنما يجب أنّ تصغر الواحد ثم تجمعه بالألف والتاء. فانقطع.
وقال الكسائي: هو (أفعال) إلا أنّه لم ينصرف، لأنهم شبهوه بحمراء؛ لأنَّهم يقولون: أشياوات كما يقولون حمروات. فألزمه الزجاج أنّ لا ينصرف " أبناء " و " أسماء "؛ لأنَّهم يقولون: أبناوات وأسماوات. وقال أبو حاتم هو أفعال كبيت وأبيات إلا أنّه شذ فجاء غير مصروف. وقال محمد بن الحسن الزبيدي: توهمت العرب أنّ همزته للتأنيث فلم تصرفه.
* * *

قوله تعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ)

(1/106)


يُسأل كيف معنى هذا السؤال؟
والجواب: أنّ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّ المعنى: هل يقدر، وكان هذا في ابتداء أمرهم، قبل أنّ تستحكم معرفتهم بالله تعالى، وبما يجوز عليه من الصفات، ولذلك أنكر عليهم عيسى عليه السلام بقوله (اتقوا الله).
والثاني: أنّ المعنى: هل يفعل، وهو قول الحسن، وهو على طريق المجاز، كما تقول: هل تستطيع أن تقوم معنا، أي: هل تفعل.
والثالث: أنّ المعنى: هل يستجيب لك ربُّك. قال السُّدِّي: هل يطيعك ربُّك إن سألته؟ - فهذا على أنّ " استطاع " بمعنى، (أطاع) كما تقول استجاب بمعنى أجاب، وأنشد الأخفش:
وَداعٍ دَعا: يَا مَنْ يُجيبُ إِلَى النَّدَى، ... فَلَمْ يَسْتَجِبْه عِنْدَ ذاكَ مُجِيبُ
وإنما حكى سيبويه (أسطاع) في معنى (أطاع) بقطع الهمزة وزيادة السين.
وقرأ الكسائي (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ) بالتاء ونصب (رَبَّكَ) والمعنى في هذه القراءة: هل تستدعي إجابة ربِّك، وأصله: هل تستدعي طاعته فيما تسأل من هذا، وهذا قول الزجاج.
وقيل معناه: هل تقدر أنّ تسأل ربَّك.
وموضع (إذ) من الإعراب نصب. والعامل فيها (أوحيت) ويجوز أن يكون العامل: اذكر إذ قال الحواريون.

(1/107)


قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ)
يسأل عن معنى سؤاله تعالى لعيسى عليه السلام؟
وفيه جوابان:
أحدهما: التوبيخ لمن أدعى ذلك عليه. كما يُقَرر الرجلُ البريء بحضرة المدعَى عليه ليبكت المدعي بذلك، وهذا قول الزجاج.
والثاني: أنّ الله تعالى أراد أن يُعرفه أنّ قومه آل أمرهم إلى هذا الأمر العجيب المنكر، وهذا على تأويل قول السُّدِّي: أنّه قيل له هذا في الدنيا.
* * *
فصل:
ويُسأل: هل قيل له هذا في الدنيا. أو سيقال له؟
وفي هذا جوابان:
أحدهما: أنّه سيقال له يوم القيامة، وهو قول ابن جريج وقتادة والزجاج لقوله (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ).
والثاني: أنّه قيل له ذلك حين رفعه الله تعالى إليه في الدنيا، وهو قول السُّدِّي، لأنّ الفعل بلفظ الماضي، ولا ينكر أن يأتي الفعل الماضي ومعناه الاستقبال في مثل هذا، وقد جاء في القرآن منه مواضع كثيرة، نحو قوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) وقال (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) وقال (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ) وقال (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ)، وهذا

(1/108)


إنما يأتي لصدق المخبِر فيما يخبر؛ لأنَّه يصير في الثبات والصحة بمنزلة ما قد وقع.
قال أبو النجم:
ثُم جزاه اللهُ عنَّا إذْ جَزَى ... جناتِ عَدْنٍ في العَلالِيِّ العُلَى
يريد: إذا جزى.
* * *
فصل:
ويُسأَل عن قوله تعالى: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) قال الزجاج المعنى: تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك.
قال غيره: تعلم حقيقتي ولا أعلم حقيقتك مشاهدة.
وقيل: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك التي هي نفسي. يعني التي تملكها، وحقيقة ذلك: تعلم ما أخفي ولا أعلم ما تُخفي، إلا أنّه ذكر النفس على مزاوجة الكلام؛ لأنّ ما تُخفيه كأنّه إخفاء في النفس. وموضع (إذ) نصب؛ لأنها معطوفة على (إذ) الأولى، فالعامل فيهما واحد، ويجوز أنّ يكون عطف جملة على جملة.
والألف في (أأنت) تسمى ألف التوييخ، وجوز فيها ثلاثة أوجه:
التحقيق في الهمزتين، وتحقيق الأولى وتليين الثانية، وتحقيقهما جميعاً وإدخال ألف بينهما، وقد شرحنا ذلك في سورة البقرة.

قوله تعالى: (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)

(1/109)


الرقيب: الحفيظ. هذا قول السُّدِّي وابن جريج وقتادة. والمراقبة: في الأصل المراعاة. والشهيد هاهنا العليم وقيل الشاهد.
وسأل عن موضع (أنْ) من الإعراب؟
وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون موضعها جراً على البدل من المضمر في (به).
والثاني: أن يكون موضعها نصباً على البدل من (ما).
والثالث: أنّ لا يكون لها موضع من الإعراب، ولكن تكون مفسرة بمنزلة " أي " كالتي في قوله تعالى (أنّ امشُوا).
ويُسأل على الوجهين الأولين: كيف جاز أنّ تُوصل (أنّ) بفعل الأمر، ولم يجز أن يوصل (الذي) به والجواب: أنّ (الذي) اسمٌ ناقص يقتضي أنّ تكون صلته مبنية عنه كإبانة الصفة للموصوف، وفعل الأمر لا يصح فيه هذا؛ لأنَّه إنما يتبين بما علمه عند المخاطب.
فأما (أنّ) فحرف لا يجب فيه ذلك كما لا يجب أن يكون في صلته عائد.
* * *
فصل:
وسأل عن قوله تعالى: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي)؟
وفيه جوابان:

(1/110)


أحدهما: أنّه أراد وفاة الرفع إلى السماء: هذا قول الحسن.
وقال غيره: يعني وفاة الموت.
والأوّل أولى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لينزلن ابن مريم حَكماً عدلًا، فليقتلنَّ الدجال).
ونصب (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ)؛ لأنَّه خبر " كان " و " أنت " فصل، وقرأ الأعمش: (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبُ) بالرفع. جعل " أنت " مبتدأ و " الرقيب " الخبر والجملة خبر " كان ". ومثله قول قيس بن ذريح:
تُبكِي عَلَى لُبْنى وأَنْتَ تَرَكْتَها ... وكُنْتَ عَلَيْها بالمَلا أَنْتَ أَقْدَرُ
فإنْ تكن الدُنيا بلبُنى تغَيرتْ ... فللدهرِ والدنيا بُطونٌ وأظهرُ
ولا يدخل الفصل إلا بين معرفتين، أو بين معرفة ونكرة تقارب المعرفة، نحو: كنت أنت القائم، وكنت أنت خيراً منه.
* * *

(1/111)