إعراب القرآن للأصبهاني

وَمِنْ سُورَةِ (الْفُرْقَانِ)
قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ... (27))
هذه الآية نزلت في أُبيّ بن خلف وعقبة بن أبي معيط، قال ابن عباس: صنع عقبة طعاماً ودعا أشراف مكة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، فامتنع أن يطعم أو يشهد عقبة بشهادة الحق. ففعل ذلك، فأتاه أبي بن خلف وكان خليله فقال: أصبوت؟ - فقال: لا، ولكن دخل عليَّ رجلٌ من قريش فاستحييت أن يخرج من منزلي ولم يطعم، فقال: ما كنت لأرضى حتى تبصق في وجهه،. وتفعل به كذا، ففعل ذلك. فأنزل الله عز وجل هذه الآية فيهما.
والظالم هاهنا: عقبة، والمكنى عنه: أُبيّ، ولم يسميا؛ لتكون الآية عامة في كل من فعل فعلهما، ثم إن أُبي بن خلف قُتِل يوم أحد قتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده كذا روى قتادة، وقُتِل عقبة يوم بدر صبراً.
* * *

قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59))
قال بعض النحويون (الباء) في قوله (فَاسْأَلْ بِهِ) بمعنى: عن، والمعنى: فاسأل عنه خبيراً، و (الباء) تبدل من (عن) مع (سل) و (سألت)، قال علقمة:
فإنْ تَسْأَلوني بالنِّساءِ فإِنَّني ... بَصِيرٌ بأَدْواءِ النِّساءِ طَبيبُ
والخبير هاهنا: الله تعالى، هذا قول ابن جريج.

(1/276)


وقال بعضهم: (الباء) على أصلها، والمعنى: فاسأل بسؤالك خبيراً أيها الإنسان يخبرك بالحق في صفته، ودل (فاسأل) على السؤال، كما قالت العرب: من كذب كان شراً له. أي: كان الكذب، ودل عليه كذب، وكما قال الشاعر:
إذا نُهي السَّفيهُ جَرَى إليهِ ... وخَالفَ والسَّفيهُ إلى خلافِ
* * *

قوله تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63))
نصب (سلاماً) لأنّه ليس بحكاية، ولو كان حكاية لرفع، كما قال في آيةٍ أخرى: (قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ)، أي: سلام عليكم، وإنما المعنى أنّهم قالوا قولًا يسلمون به.
قال سيبويه المعنى: قالوا سداداً من القول، أي: سلمنا منكم، قال سيبويه: ولم يؤمر المسلمون ذلك الوقت بالقتال، فأنزل، وهي منسوخة بآية القتال، ولم يتكلم سيبويه في شيء من الناسخ والمنسوخ إلا في هذه الآية.
* * *

قوله عز وجل: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ)
قيل معناه: يلقى جزاء الآثام، كما قال تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا).
أي: جزاء السيئة سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، وكذلك (وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)، أي: عقاب ما كانوا به يستهزئون؛ لأنَّ ما كانوا به يستهزئون لا يحيق بهم يوم القيامة.

(1/277)


قرأ عاصم من طريقة أبي بكر (يُضاعَفُ) و (يخلدُ) بالرفع على الاستئناف والقطع، و " يلقَ " جواب الشرط الذي هو (ومن يفعل ذلك).
وقرأ الباقون بالجزم، إلا أنّ ابن عامر يقرأ (يُضاعَفُ) بالرفع على الاستنئاف. وابن كثير (يُضَعَّفْ) بالتشديد والجزم.
ووجه الجزم أنّه بدل من (يلقَ). ومثله قول الشاعر:
متى تأتِنا تُلْمِمْ بنا في ديارِنا ... تَجِدْ حَطَباً جَزْلًا وناراً تَأَجَّجا
فأبدل " تلمم " من " تأتنا "، وبدل الفعل من الفعل لا يكاد يوجد إلا في الشرط والجزاء.
* * *

قوله تعالى: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74))
يسأل عن توحيد (إمام) هاهنا، وهو يرجع إلى جماعة؟
وفيه خلاف:
قال بعضهم: وحِّد لأنّه مصدر من: أمَّ فلان فلانا إماماً، كما تقول: قام قياما وصام صياماً، ومن جمعه فقال (أئمة) فلأنه قد كثر في معنى الصفة.
وقيل: جاء على الجواب، كقول القائل: من أميركم؟ فيقول المجيب: هَؤُلَاءِ أميرنا، قال الشاعر:
يا عاذلِاتي لا تُرِدنَ مَلامتي ... إن العَواذلِ ليسَ لي بأميرِ
وقيل المعنى واجعل كل واحد منا إماماً، فأجمل والمعنى معنى التفصيل.
* * *

(1/278)


وَمِنْ سُورَةِ (الشُّعَرَاءُ)
قوله تعالى: (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16))
يسأل عن قوله تعالى (رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) لم أفرد وهما اثنان؟
وفيه خلاف:
قال بعضهم المعنى: كل واحد منا رسول رب العالمين.
وقيل: الرسول في معنى الرسالة، فالتقدير على هذا: ذوا رسول رب العالمين، وهذا كقولهم: رجل عدل، ورضا. ورجلان عدل ورضا، ورجال عدل ورضا، قال كثير:
كَذَبَ الواشُون ما بحتُ عِندَهمْ ... بِسِرٍّ ولا أَرْسَلْتُهُمْ برسولِ
أي: برسالة.
وقيل: الرسول يقع على الاثنين والجميع، كما يقع على الواحد، قال الهذلي:
أَلِكْني إِليها وخَيْرُ الرَّسُو ... لِ أَعْلَمهُم بِنَوَاحِي الخَبَر
* * *

قوله تعالى: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22))
قيل: في قوله تعالى: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ) ثلاثة أقوال:

(1/279)


أحدها: أنّ المعنى: اتخاذك بني إسرائيل عبيداً أحبط ذلك.
والثاني: أنّ المعنى أنك لما ظلمت بني إسرائيل ولم تظلمني اعتدت بها نعمة عليَّ.
والثالث: أنّ المعنى: لا يوثق بهذه النعمة منك مع ظلمك بني إسرائيل في تعبيدك إياهم.
وكل ذلك حجة على فرعون وتقريع له.
ويجوز في موضع (أنْ) وجهان:
أحدهما: أن تكون في موضع نصب مفعولًا له، أي: لأنّ عَبَّدتَ.
والثانى: أن تكون في موضع رفعٍ على البدل من نعمة.
* * *

قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197))
(أَنْ يَعْلَمَهُ) في موضع نصب، لأنّه خبر (أَوَلَمْ يَكُنْ)، ويجوز أن تنصب (آيَةً) وتجعلها الخبر، وتجعل (أَنْ يَعْلَمَهُ) الاسم، ويجوز أن يكون قوله (أَنْ يَعْلَمَهُ)، مبتدأ والخبر (آيَةً) والجملة خبر (أَوَلَمْ يَكُنْ) واسمها مضمر فيها، كأنّه في التقدير: أولم تكن القصة لهم أن يعلمه علماء بني إسرائيل آية.
هذا على قراءة من قرأ بالتاء وأما من قرأ بالياء فإنه يضمر الأمر أو الشأن، ونحو من ذلك قول الشاعر:
إذا مِتُّ كَانَ الناسُ صِنْفَانِ شامتٌ ... وآخرُ مُثْنٍ بالذي كُنتُ أصنَعُ

(1/280)


أي: كان الأمر، وأنشد سيبويه لهشام أخي ذي الرمة:
هِيَ الشِّفَاء لدائي لَو ظفرتُ بهَا ... ولَيْسَ مِنْهَا شفاءُ الداءِ مَبْذُولُ
أي: ليس الأمر.
وعلماء بني إسرائيل يعني بهم: عبد الله بن سلام، هذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة.
* * *

قوله تعالى: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224))
الشعراء هاهنا: الذين تعاطوا معارضة القرآن. والغاوون: أتباعهم كانوا يتبعونهم ليسمعوا ما يقولون ليشيعوه.
وقوله: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) يعني به: حسان بن ثابت. وقيل يعني به: شعراء النبي عليه السلام كلهم، وقيل يعني به: شعراء المسلمين.
وعلى القول الأول جمهور العلماء.
وارتفع قوله: (وَالشُّعَرَاءُ) بالابتداء، و (يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) الخبر، ويجوز النصب على إضمار فعل، كأنّه في التقدير: و (يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) الشعراء (يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ)، ثم يحذف الأول لدلالة الثاني عليه، ومثله قولك: زيدٌ ضربته. زيدًا ضربته، إلا أنّ الرفع أجود، ومن هنالك أجمع عليه القراء المشهورون.

(1/281)


وانتصب قوله: (أَيَّ مُنْقَلَبٍ)؛ لأنَّه نعت مصدر محذوف تقديره: وسيعلم الذين ظلموا منقلبا أي منقلب ينقلبون.

والعامل في " أَيَّ " " مُنْقَلَبٍ "، ولا يجوز أن يعمل فيها " سيعلم "، لأنّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، وإنما يعمل فيه ما بعده، والعلة في ذلك: أنّ الاستخبار قبل الخبر، ورتبة الاستخبار التقديم. فلم يجز أن يعمل فيه الخبر، لأنَّ الخبر بعده، وذلك أنّه موضوع على أنّه جواب مستخبر.
* * *

(1/282)


وَمِنْ سُورَةِ (النَّمْلِ)
قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6))
الإيناس: الإبصار. والقبس: قطعة من النار، قال الشاعر:
فِي كَفهِ صعدة مُثقفةٌ ... فيها سِنَانٌ كشُعلةِ القبس
والاصطلاء: التسخن إلى النار.
وفي (لَدُنْ) أربع لغات: لَدُنْ، ولَدْنُ، ولدَى، ولَدُ، والعرب مجمعة على جر ما بعدها إلا مع " غدوة " فإنهم قد ينصبونها بعد " لدن "، وإنما نصبت بها لأنّ هذه النون شُبِّهت بالنون في " عشرين " فنصب ما بعدها على التشبيه بالتمييز، هذا قول سيبويه.
* * *
فصل:
ومما يسأل عنه أن يقال: ما معنى قوله: (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ)؟
وعنه جوابان:
أحدهما: أنّه يعني به "الملائكة".

(1/283)


والثاني: أنّه يعني بـ " القديم تعالى " وحسُن ذلك لكلامه لموسى عليه السلام من النار، وإظهاره الآيات، وهو قول ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة.
ومما يسأل عنه أن يقال: لم قال لامرأته (سَآتِيكُمْ) وهي واحدة؟
وعن هذا جوابان:
أحدهما: أنّه أقامها مقام الجماعة في الأنس بها والسكون إليها في الأمكنة الموحشة.
والثاني: أنّه على طريق الكناية، والعرب قد تستعمل مثل ذلك.
والبركة: ثبوت الخير، قال الفراء يقال: بارك الله لك وباركك وبارك فيك وبورك في زيد وبورك عليه.
قرأ الكسائي وعاصم وحمزة (بِشِهَابٍ قَبَسٍ) على البدل من (شِهَابٍ)، وقرأ الباقون (بِشِهَابِ قَبَسٍ) على الإضافة.
قال الفراء: هو بمنزلة قوله (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ)، مما يضاف إلى نفسه إذا اختلف اسماه ولفظاه.
وهذا عند البصريين غلط، لأنّ الشيء لا يضاف إلى نفسه، وإنما يضاف إلى غيره ليخصصه أو
يعرفه، فأما قوله تعالى (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ) فتقديره عندهم: ولدار الساعة الآخرة، ثم حذف الموصوف
وأقيمت صفته مقامه. ومثله قوله تعالى: (حَبَّ الْحَصِيدِ)، إنما معناه: حبّ النبت الحصيد،

(1/284)


ومن كلام العرب: صلاة الأولى ومسجد الجامع، والتقدير فيهما: صلاة الفريضة الأولى، ومسجد اليوم الجامع، وكذا قراءة من قرأ (بِشِهَابِ قَبَسٍ) إنما معناه: بِشِهَابِ نارٍ، لأنّ الشهاب قد يقع على غير النار. فصار هذا من باب: ثوب خزّ، وخاتم فضةٍ، والمعنى: من خزّ، ومن فضةٍ، ومن قبسٍ.
* * *
فصل:
ومما يسأل عنه أن يقال: ما موضع (إذ)؟
والجواب: أنّ موضعها نصب بإضمار فعل، كأنّه قال: اذكر إذ قال، وهذا قول الزجاج، وقال غيره: هو منصوب بـ (عليم) أي: عليم إذ قال.
ويسأل عن موضع قوله: (أَنْ بُورِكَ)؟
قال الفراء: (أنّ) في موضع نصبٍ إذا أضمرت اسم " موسى " في " نودي "، وإن لم تضمر اسمه في نودي " فهي في موضع رفع، أي: نودي ذلك. قال. وفي حرف أبي بن كعب (أنْ بُورِكت النار).
وتلخيص الوجه الأول: أن يكون المعنى: ونودي موسى بأن بورك، ثم حذف " الباء " فوصل الفعل إلى " أنّ ".
وتلخيص الوجه الثاني: أن يكون المعنى: ونودي البركة و (مَنْ حَوْلَهَا) في موضع رفع؛ لأنّه معطوف على موضع " مَن " الأولى.

(1/285)


قوله تعالى: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ... (24))
الخبأ: أصله من خبأت الشيء أي سترته وأخفيته، وخبء السماوات: الأمطار والرياح، وخبء الأرض: الأشجار والنبات.
ومما يسأل عنه أن يقال: ما موضع (أنْ) من (أَلَّا يَسْجُدُواا)؟
والجواب أنّ التقدير مختلف:
أما من خفف (أَلَا يَسْجُدُوا) فإن المعنى عنده: ألا يا قوم اسجدوا، فاسجدوا على هذه القراءة مبني؛ لأنّه أمر، والعرب تحذف المنادى وتدع حرف النداء ليدل عليه، قال الشاعر:
يا لعنةَ اللهِ والأقوامِ كلِّهمُ ... والصالحينَ على سَمْعانَ مِنْ جارِ
والمعنى: يا قوم لعنة الله، وقيل: " يا " هاهنا للتنبيه، وليس بحرف نداء، قال ذو الرّمة:
أَلا يَا اسْلَمي يَا دارَمَيَّ عَلَى البِلا ... وَلازالَ مُنهلاً بجرعَائِك القَطرُ
روى الفراء عن الكسائي عن عيسى الهمداني قال:
لم أسمع المشيخة يقرؤنها إلا بالتخفيف على نية الأمر، قال: وهي في حرف عبد الله بن مسعود (هَلا تَسجُدُون) بالتاء، فهذا تقولة لقوله (ألا يا)؛ لأنّ قولك (ألا) تقوم بمنزلة قولك: قم، وفي حرف أُبي (ألا تسجدون)، قال: وهو وجه الكلام، لأنها سجدة.

(1/286)


ومن قرأ (ألا يسجدوا) فشدد، فلا ينبغي لها أن تكون سجدة؛ لأنَّ المعنى: وزين لهم الشيطان ألَّا يسجدوا. فعلى هذا القول يكون موضع " أنّ " نصباً على البدل من (أعمالهم).
وقال علي بن عيسى المعنى: وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا.
وقيل موضع (أنّ) جر على البدل من (السبيل)، كأنّه قال: فصدَّهم عن أن يسجدوا، و (لا) على هذا الوجه زائدة.
* * *

قوله تعالى: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29))
يسأل عن معنى قوله: (كَرِيمٌ)؟
وفيه أجوبة:
أحدها: أنّه مختوم وذلك لكرمه.
والثاني: أنّه جعلته كريماً لكرم صاحبه، فإنه من عند ملك.
والثالث: أنّه حقيق بأن يؤمل الخير العظيم من جهته.
والرابع: أنّ الطير حملته وذلك لكرمه.
والخامس: أنّه جعلته كريماً من قبل أنّ صاحبه يطيعه الجن والإنس.
وقيل: أنها قالت كريم قبل أن تعلم أنّه من سليمان، قال الفراء: ولا يعجبني ذلك، لأنهم زعموا أنها كانت قارئة قد قرأت الكتاب قبل أن تخرج إلى ملئها.
والملأ: الأشراف لأنهم ملاء بما يراد منهم.

(1/287)


فصل:
ومما يسأل عنه أن يقال: كيف قال (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ولم تكن تلك اللغة عربية، وقال علي بن عيسى: هو حكاية للمعنى، وقيل: بل كان بالعربية؛ لأنَّ المكتوب إليها كانت من العرب. وهي بلقيس بنت شراحيل، وقيل: هي بنت الهدهاد الحميري.
ومما يسأل عنه أن يقال: لم قدم (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ) على قوله (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)؟
وفيه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنً قوله (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ) كان عنوانا.
والثاني: أنّ (الواو) لا ترتب. فالكلام على التقديم والتأخير، قال حسان (2):
بَهاليل منُهم جعفرٌ وابنُ أمةِ ... عَليٌّ ومنهُم أحمدُ المتَخيّرُ
والثالث: أنّ الكتاب إلى كافرة فخشي سليمان أن يكون منها مكروه في اسم الله تعالى فقدم اسمه قبله.
والقراءة (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ) بالكسر، قال الفراء: ولو فتحت (إنّ) والتي قبلها لكان جائزاً على قولك: ألقي إليَّ أنّه من سليمان وأنه اسم الله، وقع التكرير على الكتاب، فعلى هذا يكون موضعها رفعاً على البدل من الكتاب، قال: ويجوز نصبها على سقوط الجار منهما، قال: وهي في قراءة أبي: (وَأن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، وفي ذلك حجة لمن فتحهما؛ لأنََّّ (أنّ) إذا كانت مخففة مفتوحة مع الفعل، أو ما يحكى لم تكن إلا مخففة النون.

قوله تعالى: (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ)

(1/288)


يسأل عن موضع (أنّ) من قوله (أَلَّا تَعْلُوا)؟
والجواب: أنها تحتمل أن تكون في موضع رفع على البدل من كتاب، كأنّه قال: أُلْقِيَ إِلَيَّ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ.
ويجوز أن تكون في موضع نصب على تقدير: بأن لا تعلو علي.
قال الزجاج: كان الكتاب (بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله سليمان إلى بلقيس بنت شراحيل: لا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ).
* * *

قوله تعالى: (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ)
قال الزجاج: يروى أنّه كان معها ألف " قَيل "، مع كل " قَيل " مائة ألف رجل، ولذلك قالوا: (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ)، قال: وقيل كان مع كل " قَيل " ألف رجل. وهذا أشبه.
وجاء أنّهم عرضوا عليها القتال بقولهم: نحن أولو قوة، عن ابن زيد.
ومعنى قوله: (أفسدوها) خربوها.
وقوله: (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً) استعبدوهم، قال ابن عباس: وذلك إذا دخلوا عنوة.
وقيل في قوله (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) أنّه من قول الله تعالى، وأن كلامها ينقضي عند قوله (أَذِلَّةً)، فقال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ).

(1/289)


وقيل: هو من كلامها.
قال الزجاج: أنفذت إليه لبنة من الذهب مع امرأة في حريرة، فأمر سليمان أن يطرح لبن من ذهب ولبن من فضة تحت أرجل الدواب، ليريها هوان ما بُعثت به.
قال الفراء: ذكروا أنّ رسولها مع الهدية كانت امرأة واحدة.
قال علي بن عيسى: قيل أرسلت إليه بوصائف وغلماناً على زيٍّ واحد، وقالت: إن ميَّز بينهما وردَّ الهدية، وأبى إلا المتابعة على دينه فهو نبي. وإن قبل الهدية فإنما هو من الملوك، وعندنا ما نرضيه به، وهو قول ابن عباس.
قال الفراء: (فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ) إنما يريد: فلما جاء الرسول سليمان، قال: وهى في قراءة
عبد الله (فَلَمَّا جَاءَوا سُلَيْمَانَ) على الجمع، لما قال المرسلون صلح جاءوا، وصلح (جاء) لأنّ
المرسل كان واحداً يدلُّ على ذلك قول سليمان: (ارجعْ إليهم)، فعلى هذا القول يكون الضمير في (جاء) عائداً إلى الرسول.
قال غير الفراء: الضمير يعود على المال أي: فلما جاء المال سليمان، لأنّ قوله: (أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ) يدل على ذلك.
وقيل: يعود على الرسل؛ لأنَّ قولها (إني مُرسلة) يدل عليه.
وقيل: يعود على المهدى، لأنّ المهدى والهدية سواء.
وقيل في قوله: (فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)، إنه جمع في موضع الواحد. وقد تقدم شرح هذا فيما مضى من الكتاب.

(1/290)


قوله تعالى: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ... (82))
قال ابن عمر: إذا لم يأمر الناس بمعروف ولم ينهوا عن منكر خرجت الدابة.
وجاء في خبر مرفوع أنها تخرج من شعب بني مخزوم.
واختلف في معنى قوله (تُكَلِّمُهُمْ):
فيه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنّ المعنى تكلمهم بما يسوؤهم من أنّهم صائرون إلى النار، وأنها تكلمهم كلاما صحيحاً يفهومونه.
وقيل: إنها تكتب على جبين الكافر " كافر " وعلى جبين المؤمن " مؤمن ".
والثاني: أنّ معنى " تُكَلِّمُهُمْ " تجرحهم من الكلم، وشدد لتوكيد الفعل والمبالغة فيه.
والثالث: أنّ كلامها: (أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ).
وقيل: أنها تخرج من بين الصفا والمروة.
وموضع (أنّ) في مذهب من فتحها نصب. والمعنى: بأنّ الناس.
قال الفراء: وفي قراءة عبد الله (بأنَّ الناس)، وهذا يؤكد النصب، وفي قراءة أُبي (تُبينهم أنّ الناسَ)، وهذا حجة لمن فتح (أنّ) إلا أنّ أهل المدينة يكسرونها على الاستئناف.
* * *

(1/291)


وَمِنْ سُورَةِ (الْقَصَصِ)
قوله تعالى: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا)
اللام في (لِيَكُونَ) لام كي، أي: لكي يكون لهم، إلا أنّه أخبر بعاقبة الأمر، ولهذا يسميها بعض النحويين " لام العاقبة ". ويسميها قوم " لام الصيرورة "، أي: فصار لهم عدوًّا، ومثل هذه اللام قولهم: تلد للموت، ويبني للخراب، أي: هذا عاقبة ما تلد وما يبني، وهذه اللام " لام الجر " دخلت على الفعل فأضمر بعدها (أنّ) ليكون (أنّ مع الفعل) بتأويل المصدر، والمصدر اسم، وتكون اللام داخله على اسم؛ لأنها من عوامل الأسماء، ويجوز إظهار (أنّ) مع هذه اللام، تقول: جئتك لأنّ تكرمني وما أشبه ذلك.
قال ابن إسحاق: التقطوه ليكون لهم ولداً فكان عاقبة أمره أنّ كان لهم عَدُوًّا وَحَزَنًا.
قال قتادة في قوله (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) أنّ المعنى فيه: أنّهم لا يشعرون أنّ هلاكهم على يديه.
* * *

قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33))
جاء في التفسير أنّ موسى عليه السلام أخذ بلحية فرعون وهو صغير. فقال فرعون لامرأته: هذا الذي نخافه أن يذهب بملكنا، ألا تري ما فعل؟ فقالت: إنه صغير لا يعقل ما يفعل، ولكن ألقِ بين يديه

(1/292)


ذهباً وجمرةً من النار، فإن أخذ الذهب كان كما قلت، وإن أخذ الجمرة علمت أنّه يفعل ما يفعله بغير عقل. ففعل فرعون ذلك، فأراد موسى أن يأخذ الذهب فصرفه عنه جبريل عليه السلام، فأخذ الجمرة فأحرقت يده فجعلها في فيه فلذلك صار لا يفصح. وهو معنى قوله تعالى (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي)، لأنّ تلك العقدة حدثت من الجمرة.
وقرأ حمزة وعاصم (رِدْءًا يُصَدِّقُنِي) بضم القاف على النعت، وقرأ الباقون بالجزم على أنّه جواب الدعاء. ومثله قوله تعالى (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)، قرئ رفعاً وجزماً.
وأهل المدينة يخففون الهمزة فيقولون (رِدًا يُصَدِّقُنِي).
* * *

قوله تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)
جاء في التفسير أنّ المعنى: ويختار للنبوة من شاء.
(مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أن يتخيروا غير ما اختار الله تعالى، لأنهم لا يعلمون وجه المصلحة.
قال الحسن: ما كان لهم أن يختاروا الأنبياء فيبعثوهم.

(1/293)


قال الفراء: يقال " الْخِيْرَةُ والْخِيَرَةُ " و"الطِيْرَة والطِيَرَة".
و" ما " في قوله (مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) نفي، والوقف المختار: قوله (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) ويبتدأ (مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ). فلا يجوز أن تكون (ما) غير نافية، فقد ذهب إليه بعض القدرية؛ لأنَّ من أصل مذهبهم أنّ الخير من الله دون الشر، والأوّل هو المذهب.
* * *

قوله تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ)
قال ابن جريج: كان قارون ابن عم موسى لأبيه وأمّه. وقال ابن إسحاق: كان ابن خالته، وقال قتادة: إنما بغى عليه بكثرة ماله.
قال علي بن عيسى: " الكنز " جمع المال بعضه إلى بعض، إلا أنّه قد كثر لما يُخبأ تحت الأرض، ولا يطلق اسم " كنز " في أسماء الشريعة إلا على ما لا تخرج زكاته، والوعيد الذي جاء فيه.
والمفاتح: جمع مفتح جاء على حذف الزيادة، وقيل: يقال، "مفتح ومفتاح" فمن قال " مفتح " قال في الجمع " مفاتح "، ومن قال " مفتاح " قال في الجمع " مفاتيح ".
ومعنى " تنوء " تثقل، يقال: ناء بحمله ينوء إذا نهض نهوضاً يثقل، ومنه أخذت (الأنواء) لأنّ الطالع إذا غاب الغارب ينوء، وقيل: لأنّ الغارب إذا غاب ناء الطالع، أي: نهض متثاقلًا.

(1/294)


وقيل: لأنّ النجوم تنهض من الشرق نهوضاً بثقلٍ.
قال قتادة: (العُصبة) ما بين العشرة إلى الأربعين، قال ابن عباس: يجوز أن يكون ثلاثة، وقيل: مفاتحه خزائنه، وقيل: المفاتح على بابها، وكان يحملها سبعون بغلًا، وكانت من جلود قدر كل مفتاح منها إصبع، وقيل: كان يحملها أربعون بغلًا، وقيل: مفاتحه أمواله، وقيل: كان أربع مائة ألف، وقيل: إنه قال إذا كان لموسى النبوة، وكان الذبح والقربان الذي يقرَّب في يد هارون، فما في يدي، أو مالي؟ فهذا كان بغيه.
* * *
فصل:
ويُسأَل عن قوله: (لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ)، وإنما العصبة هي التي تنوء بها؟
والجواب: أنّه يقال: نؤت بالحمل، وأنأت غيري، ونؤت بغيري، كما تقول ذهبت وأذهبت غيري وذهبت به فالباء والهمزة تتعاقبان في تعدي الفعل، ولهذا لا يجوز أن يجمع بينهما لا تقول: أدخل بزيد الدار، ولكن: أدخل زيداً الدار. ودخل بزيد الدار و (دُخِلَتْ) إن شئت، ومثل ذلك قوله تعالى (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ)، وإنما معناه: فجاء بها، وقيل: إنما جاز ذلك لأنّه

(1/295)


(دخل) فيها معنى (تميل)، أي: تميل بالعصبة. فأما قول أبي عبيدة: أنّه مقلوب وأنّ المعنى لتنوء العصبة بها، كما قال:
إِنَّ سِراجاً لَكَرِيمٌ مَفْخَرُهْ ... تَحلا بهِ العَيْنُ إِذَا مَا تَجْهَرُهْ
أي: يحلا بالعين، فقلب. وقال آخر:
كَانتْ عُقُوبةُ ما جَنَيتُ كما ... كانَ الزِّناءُ عقوبةَ الرجمِ
وقال امرؤ القيس:
يُضيء الظَّلامَ وجهُها لضجيعِها ... كمِصْبَاح زَيتٍ في قناديلِ ذُبَّالِ
أي: في ذُبَّالِ قناديل، والذبال في القناديل.
وهذا ليس بشيء، ولا يجب أن يحمل القرآن عليه؛ لأنَّ هذه تجري مجرى الغلط من العرب، ومثل هذا
في شعرهم كثير، قال الآخر:
مِثْل القَنافِذِ هَدَّاجُونَ قَدْ بَلَغَتْ ... نَجْرَانَ أَو بَلَغَتْ سَوآتِهِم هَجَرُ
وكان حقه أن يقول (هجر سوءاتهم) لأنّ السوءات هي التي تبلغ هجر، وقال:
غَداةَ أحلَّتْ لابنِ أَصْرَمَ طَعْنَةٌ ... حُصينٌ عَبيطاتُ السَّدائِفِ والخمرُ
والعبيطات: مفعولة، والطعنة: فاعلة فقلب، ومن أغلاطهم. قول الراجز:
برية لم تعرف المرَقَّقا ... ولم تذُق من البُقُولِ الفُستَقا.

(1/296)


ظن " الفستق " من البقول، فأما قول خداش بن زهير:
وتركبُ خيلا لا هوادةَ بينَها ... وتشقَى الرماحُ بالضياطِرةِ الحمرِ
فذهب جمهور العلماء إلى أنّ المعنى: وتشقى الضياطرة الحمر بالرماح. فقلب، وليس الأمر عندي كذلك، وإنما يريد أنّ رماحهم تشرف عن هَؤُلَاءِ الضياطرة، فإذا طعنوا بها فقد شقيت الرماح؛ لأنَّ منزلتها أرفع من أن يطعنوا بها، وكذا قول زهير:
فَتُنْتَجْ لَكُمْ غِلمانَ أَشأَم كلُّهُمْ ... كأَحْمَرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ
قالوا: إنما هو أحمر ثمود فغلط فنسبه إلى عاد، وليس هذا عندي غلطا؛ لأنّ ثمودا تسمى عاد الآخرة، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى).
وإنما سُمُّوا ثمود لأنّ الله تعالى لما أهلك عاد، بقيت منهم بقية تناسلوا فهم ثمود، فاشتق لهم من الثمد وهو الماء القليل؛ لأنَّهم قلوا عن عدد عاد الأولى، وهذا كثير في الشعر يجري مجرى الغلط ولا يجب أن يحمل القرآن عليه.
* * *
قوله تعالى: (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ)
أختلف العلماء في (وَيْكَأَنَّهُ):
فذهب الفراء إلى أنّ أصلها (ويلك) فحذفت اللام وجعلت (أنّ) مفتوحة في موضع نصب بفعلٍ مضمر، كأنّه قال: ويلك اعلم أنّه، وأنشد لعنترة:
ولقد شَفَى نفسِي وأَبْرَأَ سُقْمَها ... قيلُ الفوارسِ وَيْكَ عنترَة أَقْدمِ
قال: وحدثني شيخ من أهل البصرة قال سمعت أعرابية تقول لزوجها: أين ابنك ويلك؟ - فقال

(1/297)


لها: ويكأنه وراء البيت، قال معناه: أما ترينه وراء البيت، قال الشاعر:
سَألتَاني الطلاقَ أنّ رأتَا مَا ... لي قَليلا قد جئتُماني بِنُكرِ
ويكأنّ من يكن له نشبٌ يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضرِّ
وقال البصريون: (وي) كلمة ينبه بها على أمرٍ من الأمور. وهي حرف مفصول من كأن، وذلك أنّهم لما رأوا الخسف نبهوا من تكلم على قدر علمه.
وقيل: هي كلمة يستعملها الرجل إذا فاجأه أمر مفظع.
وقيل: معناها: ألا كأنّه، وأما كأنّه.
وقيل: المعنى: وي بأن الله تعالى، كأنّه قال: تنبيهك بهذا، إلا أنّه حذف.
وقيل: المعنى: ألم ترى أنّ الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، لا لكرامة " قارون " بسط الرزق له.
فعلى مذهب البصريين تكتب (وي كأنّه) منفصلة.
وعلى مذهب الفراء تكتب (ويكأنه) متصلة، وقد حكى الفراء الوجه الأول، ولم ينكره إلا أنّه قال: لم تكتبها العرب متصلة، ثم قال: ويجوز أن يكون كثر بها الكلام فوصلت بما ليس منها، كما اجتمعت العرب على كتابة (يابنم) فوصلوها لكثرتها، فأجاز ما ذهب إليه البصريون. ولم يجز البصريون قوله، فصار قول البصريين إجماعاً.

(1/298)


وقرأ الفراء (لَخُسِفَ بِنَا) بضم الخاء على ما لم يسمّ فاعله.
وقرأ الحسين (لَخَسَفَ بِنَا) أضمر في خسف اسم الله تعالى، ويسوغ هذه القراءة قراءة عبد الله (لا تخسف بنا).
* * *

(1/299)