إعراب القرآن للأصبهاني

وَمِنْ سُورَةِ (الْعَنْكَبُوتِ)
قوله تعالى: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ)
يسأل عن قوله: (وَلَا فِي السَّمَاءِ) كيف وصفهم بذلك، وليسوا من أهل السماء؟
وعن هذا جوابان:
الأول: أنّ المعنى: لستم بمعجزين هرباً في الأرض ولا في السماء.
والثاني: أنّ المعنى: ولا من في السماء معجز، فحذف (مَن) لدلالة (مَنْ) الأولى، قال حسان:
أُمَن يَهجو رسُولَ الله منكُم ... ويَمدحُه وينصُره سَواءُ
كأنّه قال: ومن يمدحه وينصره.
قال الفراء ومثله: إضرب من أتاك وأتى أباك، وأكرم من أتاك ولم يأت زيدًا، أي: ومنْ أتى أباك، ومن لم يأتِ زيداً.
* * *

قوله تعالى: (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)
قرئ (مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ) بالرفع والإضافة. وقرئ (مَوَدَّةً بَيْنَكُمْ) منونا رفعا و (بَيْنَكُمْ) نصبا.

(1/300)


وقرئ (مَوَدَّةً بَيْنَكُمْ) بالنصب والتنوين وقرئ (مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) بالنصب والإضافة.
فأما من قرأ (مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ) بالرفع. فيجوز فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: هي مودةُ بينكم. وكذا من رفع ونوّن.
والوجه الثاني: أن يكون خبر (إنَّ) وتكون (ما) بمعنى الذي، والمعنى: إن الذي اتخذتم بينكم أوثانا مودة.
وقال الفراء: (مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ) رفع بالصفة، وينقطع الكلام عند قوله: (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا) ثم قال: ليس مودتكم تلك الأوثان، ولا عبادتكم إياها بشيء إنما مودة ما بينكم في الحياة الدنيا، ثم ينقطع الكلام.
فـ (ما) على هذا الوجه صلة في (إنما) كافة، وتفسير هذا أنّه يجعل (مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ) مبتدأ، و (في الحياة الدنبا) الخبر.
وأما من نصب فيجوز في قراءته وجهان:
أحدهما: أن يكون مفعولًا له. أي: للمودة بينكم.
والثاني: أن يكون بدلًا من الأوثان.
ويجوز في (الأوثان) الرفع على أن تكون (ما) بمعنى (الذي) كأنّه قال: إنّ الذي اتخذتم بينكم أوثان، أي: ليست آلهة.
* * *

(1/301)


وَمِنْ سُورَةِ (الرُّومِ)
قوله تعالى: (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3))
البضع: ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل: ما بين الثلاثة إلى نصف العقد، وقيل: ما بين الثلاثة إلى السبعة، وقيل: ما بين الثلاثة إلى التسعة، والقول الأول جاء في خبرٍ مرفوع، وما سوى ذلك أقوال أهل اللغة.
أجمع القراء على ضم " الغين " من (غُلبت الروم)، وروي عن أبي عمر أنّه قرأ (الم *غَلبت الروم) جعلهم فاعلين، فقيل له: علامَ غلبوا؟ - فقال: على أدنى ريف الشام.
وجاء في التفسير: أنّ فارس ظفرت بالروم، فحزن لذلك المسلمون، وفرح به مشركو أهل مكة؛ لأنّ أهل فارس ليسوا أهل كتاب، وكانوا يعبدون الأوثان، ففرح المشركون بغلبتهم. ومال المسلمون إلى الروم؛ لأنهم أهل كتاب، وكان لهم نبي، قالوا: ويدل على ذلك قوله: (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) ثم قال (وَيَوْمَئِذٍ) أي: يوم يغلبون، يعني: الروم (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) إذا غلبوا، وقد كان ذلك كله، ويروى أنّ فارس غلبت على أطراف الشام من بلاد الروم، ثم بعد سنتين وأشهُر غلبت الروم فارس، واستنقذت ما أخذت فارس من بلاد الشام، ففرح المسلمون بذلك لأمرين:
أحدهما: ميلهم إلى الروم.
والثاني: ظهور ما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنّه يقع في ذلك الوقت.
ومما يسأل عنه أن يقال: لم بنيت (قَبْلُ، بَعْدُ)؟

(1/302)


والجواب: أنهما قطعتا من الإضافة. وتضمنتا معناها، فصارتا كبعض الاسم وبعض الاسم لا يعرب، فوجب البناء لأنّه ليس بعد الإعراب إلا البناء، وحُركتا لالتقاء الساكنين.
فأما الضم ففيه أربعة أقوال:
أحدها: أنهما لما قطعتا من الإضافة جعلتا غايتين فأعطيتا غاية الحركات وهي الضمة.
والثاني: أنّه لما كان لهما. في الأصل تمكن بُنيا على الضم إشعارًا بذلك، كما فعلوا بالمنادى.
ألا ترى أنهما يعرسان إذا أضيفتا أو نكرتا كما يُفعل بالمنادى.
والثالث: أنّ الضم لا يدخلهما في حال الإعراب، وإنما يدخلهما الفتح والكسر في النصب والجر، فلما بنوهما أعطوهما حركة لا تكون لهما في حال تمكنهما.
والرابع: أنهما لما قُطِعتا من الإضافة ضعفتا فقويتا بالضمة.
فهذه أربعة أقوال للبصريين. فأما الكوفيون فلهم قولان:
أحدهما: أنهما لما تضمنتا معناهما في أنفسهما ومعنى المضاف إليه قويتا بالضمة، وهذا قول الفراء، وقد طرده في أشياء: من ذلك أنّه قال ضم أول فعل ما لم يسم فاعله، لأنّه يدل على نفسه وعلى الفاعل، وضم (منذُ) لأنّه يدل على معنى " من وإلى " لأنك إذا قلت: ما رأيته منذ يومين. فمعناه: ما رأيته من أول اليومين إلى آخرها. وكذلك (نحن) ضم لأنّه يقع على التثنية والجمع.
والقول الثاني: أنهما لو فتحتا لأشبهتا حالهما متمكنتين، ولو كسرتا لأشبهت المضاف إلى المتكلم، فأما السكون فلا سبيل إليه؛ لأنّ ما قبلهما ساكن. فلم يبقَ إلا الضم فأعطيتاه، وهذا قول هشام.

(1/303)


وأجاز الفراء تنوينهما والمراد بهما مع ذلك الإضافة، وأنشد:
كأَنَّ مِحَطّاً فِي يَدَيْ حارِثِيّةٍ ... صَناعٍ عَلَتْ مِني بِهِ الجِلْدَ مِن عَلُ
وأنشد:
وَنَحنُ قتلنا الأزدَ أُزدَ شَنُوءةٍ ... فَما شَربُوا بَعدُ على لذَّةٍ خَمرَا
قال ولو نصب ونوّن كان وجها، وكان كما قال:
فَسَاغَ لي الشرابُ وكنتُ قبلًا ... أكادُ أغَصُّ بالماءِ المعينِ
وأجاز أيضا: جئت من قبلٍ ومن بعدٍ بالجر والتنوين.
وهذا يجوز إذا كانتا نكرتين. فأما ما أنشد من الضم والتنوين والنصب فهو من ضرورات الشعر.
وللبصريين فيه مذهبان:
أحدهما: أن يترك على ضمِّه وينون ويقدر أنّ التنوين لحقه بعد البناء وهذا مذهب الخليل.
والثاني: أنّه إذا لحقه التنوين ضرورة رُد إلى النصب؛ لأنَّه الأصل، كما يُرد ما لا ينصرف إلى أصله إذا نون، ومثل ذلك " المنادى المفرد " إذا نوّن يبقى على ضمه عند الخليل، ويُرد إلى النصب عند أبي عمرو، قال الشاعر:
سلامُ اللَّهِ يا مطرٌ عليها ... وَلَيسَ عليك يا مَطرُ السَّلامُ
هذا قول الخليل وأصحابه، وأبو عمرو ينشد:
ضَربت صدرَها إليَّ وقالتْ ... يا عَدِيَّاً لقد وَقَتْكَ الأوَاقي
بالنصب.

(1/304)


وأجاز الفراء (من قبلِ ومن بعدِ) بلا تنوين على نية الإضافة، وأنشد:
إِلَّا عُلالَة أَو بُداهة ... سابِحٍ نَهْدِ الجُزَارَه
ومثله:
يَا مَن رَأَى عارِضاً أُكَفْكِفُهُ ... بَيْنَ ذِراعَيْ وجَبْهَةِ الأَسَدِ
قال: وسمعت أبا ثروان العلكي يقول: قطع الله الغداة يد ورجل من قاله.
قال المبرد: إنما تحذف هذا وما أشبهه إكتفاءً بالثاني من الأول، لأنّ المعنى مفهوم وليس في (قبل وبعد) ما يدل على المضاف إليه، وفي هذين البيتين ما يدل على الإضافة.
وقيل: المعنى إلا علالة سانح وبداهته، ثم حذف، ومثله قوله تعالى: (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ)، يريد والحافظاتها فحذف. وأجاز هشام: جئت قبلَ وبعدَ، بالنصب على نية الإضافة، وكل هذا ينكره البصريون.
* * *

قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا)

(1/305)


قيل:: خوفاً من المطر في السفر. وطمعاً فيه في الحضر.
وفي قوله (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا) ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّه حذف (أنّ) والتقدير: ومن آياته أن يريكم. فلما حذف (أنّ) ارتفع الفعل، قال طرفة:
أَلا أَيُّهَذا الزاجِرِي أَحْضُرُ الوغَى ... وأَن أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أَنتَ مُخْلدي
يريد: أن أحضر. فحذف ألا تراه أظهرها في قوله (وأن أشهد).
والثاني: أنّ المعنى ومن آياته آية يريكم، ثم حذف لدلالة (من) عليها، قال الشاعر:
وَمَا الدَّهرُ إِلا تَارَتانِ فَمِنْهُمَا ... أَموتُ وأُخْرى أَبْتَغي العَيْشَ أَكْدَحُ
يريد: فمنهما تارة أموت فيها وأخرى أبتغي العيش فيها، فحذف لدلالة (من) على المعنى.
والثالث: أنّه على التقديم والتأخير، والمعنى: ويريكم البرق من آياته، فهذا على غير حذف.
* * *

قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)
يقال ما معنى: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)، وهل يهون عليه شيء دون شيء؟
وفي هذا ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنّ المعنى: وهو أهون عليه عندكم، ثم حذف، وهذا قول المفسرين.

(1/306)


والثاني: أنّ (أهون) بمعنى (هين). كما قال:
لعمرُكَ مَا أدرِي وإني لأوجَلُ ... على أيِّنا تَعدُو المنيةُ أوّلُ
وقال آخر:
تَمنى رجالٌ أنّ أموتَ وإنْ أمت ... فَتِلك سبيلٌ لستُ فيها بأوحَدِ
أي: بواحدٍ، وهذا قول أهل اللغة.
والقول الثالث: أنّ الهاء في عليه تعود على (الخلق)، أي: والإعادة على الخلق أهون من النشأة الأولى؛ لأنَّه إنما يقال له كن فيكون، وفي النشأة الأولى: كان نطفةً ثم علقةً ثم مضغةً، ثم عظاماً ثم كسيت العظام لحماً ثم نفخ فيه الروح، فهذا على المخلوق صعب والإنشاء يكون أهون عليه، وهذا قول النحويين، ويروى مثله عن ابن عباس.
قال الفراء: حدثني حَبَّان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) يقول على المخلوق، لأنّه يقول له يوم القيامة " كن فيكون ".
فأما ما يروى عن مجاهد من أنّه قال: الإنشاء عليه أهون من الابتداء. فقول مرغوب عنه، لأنّه لا يهون عليه شيء دون شيء تبارك وتعالى.
* * *
قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ (41))
قيل: البر: أهل البادية، والبحر: القرى التي على الأنهار العظيمة، هذا قول قتادة.
قال مجاهد: البر: ظهر الأرض، والبحر: البحر المعروف " تؤخذ كل سفينةٍ غصبا ".
وقيل: البر: الأرض القفر. والبحر: المجرى الواسع للماء عذباً كان أو مالحاً.

(1/307)


وقيل: الْبَرّ: البرية. والبحر: الريف، والمواضع الخصبة.
وأصل (الْبَرِّ) من البِرّ، لأنّه يبر بصلاح المقام فيه، وأصل (البحر) الشق، ومنه " البحيرة ". ومنه قيل " بحر " لأنّه شق في الأرض. ثم كثر فسمي الماء الملح بحراً، وأنشد ثعلب:
وقَد عادَ ماءُ الأرضِ بحراً فَزادني ... إلى مَرضِي أنّ أبْحَرَ المشربُ العَذْبُ
والفساد: ضد الصلاح، وقيل الفساد هاهنا: المعاصي، وقيل: هو على الحذف، والتقدير: ظهر عقاب الفساد في البر والبحر.
قال الفراء: أجدب البر، وانقطعت مادة البحر بذنوبهم، كان ذلك ليُذاقوا الشدة في العاجل.
* * *
قوله تعالى: (وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا (51))
قال الخليل: الفعل الماضي هاهنا في موضع المستقبل، والمعنى: ليظلّن.
ومما يسأل عنه أن يقال: أين جواب الشرط في قوله: (وَلَئِنْ)؟
والجواب: [ ... ]. بجواب القسم وكان [ ... ] (1). لتقدمه على الشرط، ولو تقدم الشرط لكان الجواب لها كقولك: إن أرسلنا ريحاً لظلوا والله يكفرون.
__________
(1) يوجد سقط يعادل كلمة أو كلمتين.
قال الشوكاني ما نصه:
وَجَوَابُ الْقَسَمِ:
لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ وَهُوَ يَسُدُّ مَسَدَّ جَوَابِ الشَّرْطِ، وَالْمَعْنَى: وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا حَارَّةً، أَوْ بَارِدَةً، فَضَرَبَتْ زَرْعَهُمْ بِالصُّفَارِ لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ، وَيَجْحَدُونَ نِعَمَهُ. اهـ (فتح القدير. 4/ 266).

(1/308)


وهذه (اللام) يسميها البصريون لام التوطئة، ويسميها الكوفيون لام إنذار القسم.
ويسأل عن (الهاء) في قوله (فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا)؟
وفيها ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنها تعود على السحاب، والمعنى: ولئن رأوا السحاب مصفراً؛ لأنّه إذا كان كذلك لم يكن فيه مطر.
والثاني: أنها تعود على الزرع؛ لأنَّ قوله (إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ) يدل عليه، فأما من قرأ (إِلَى أَثَرِ) على الإفراد، فيجوز أن تعود الهاء على (أثر)؛ لأنَّه يدل على الزرع.
والثالث: أنها تعود على الريح، أي: فرأوا الريح مصفراً، وهو قول الحسن، ومجازه: أنّ الريح تأنيثها غير حقيقي، والمؤنث الحقيقي إنما يكون في الحيوان، فذكر الوصف، كما قال تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ)، والموعظة مؤنثة.
* * *

(1/309)


وَمِنْ سُورَةِ (لُقْمَان)
قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
يقال: مدّ النهر ومدّه نهر آخر، قال الفراء: تقول العرب: دجلة تمد بنارنا وأنهارنا، والله يمدنا بها، ونقول: قد أمددتك بألفٍ فمدوك.
قرأ أبو عمرو (وَالْبَحْرَ يَمُدُّهُ) بالنصب، ورفع الباقون، فالنصب: على العطف على (ما) من قوله: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ ... وَالْبَحْرَ)، والرفع: على القطع مما قبله، ويكون رفعاً بالابتداء، و (يَمُدُّهُ) في موضع نصبٍ على الحال، والخبر محذوف، كأنّه قال: والبحر يمده من بعده سبعة أبحر مدادٌ، ثم حذف، لأنّ المعنى مفهوم، أو يضمر (يكون مدادا) وإلى هذا ذهب الفراء، ولا يجوز أن تعطفه على المضمر في قوله: (في الأرض) كأنّه في التقدير: ولو أنّ ما استقر في الأرض من شجرة أقلام هو والبحر، لأنّ البحر لا يكون أقلاماً.
وموضع (أنّ) رفع بإضمار فعل، كأنّه في التقدير: ولو وقع أنّ ما في الأرض؛ لأنّ (لو) بالفعل أولى، لما فيها من معنى الشرط، ولا يجوز أن تعطف البحر على موضعها؛ لأنَّها مفتوحة، وقد ذهب عنها معنى الابتداء.
* * *

(1/310)