إعراب القرآن للأصبهاني

وَمِنْ سُورَةِ (الْحُجُرَاتِ)
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4))
جاء في التفسير: أنّ أعراباً جفاةً جاءوا، فجعلوا ينادون من وراء الحجرات: يا محمد، اُخرج إلينا، وهو قول قتادة ومجاهد وكانوا من بني تميم.
قال الفراء: أتاه وفد بني تميم، وهو نائم في الظهيرة، فجعلوا ينادون: اخرج إلينا يا محمد، فاستيقظ، فخرج إليهم، ونزل: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ)، ثم أذن لهم بعد ذلك، وقام شاعرهم وشاعر المسلمين وخطيبهم وخطيب المسلمين فَعَلت أصواتهم بالتفاخر، فنزلت: (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ).
وقيل: نزلت في قومٍ كانوا يسبقون النبي صلى الله عليه وسلم بالقول إذا سُئل عن شيء.
والحجرات: جمع حجرة، وفيها ثلاث لغات: حُجُرات - بضمتين - وحُجَرات - بفتح الجيم - وحُجْرات - بإسكانها، والأولى أفصح، قال الشاعر:
أمَا كَانَ عَبَّاد كفيًّا لدارهم ... بَلى ولأبياتٍ بِهَا الحُجُراتُ
* * *
قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ (7))
يسأل عن قوله (لَوْ يُطِيعُكُمْ) في صفة النبي صلى الله عليه وسلم؟
والجواب: أنّه على طريق المجاز. لأنّ حقيقة الطاعة: موافقة الداعي الأجلِّ فيما دعا إليه من الأدون، ولا يجوز أن يقال: إن الله تعالى يطيع العبد، كما لا يجوز أن يقال: إنّ العبد أمر ربه ونهاه، ولكن

(1/385)


دعاه فأجابه، فكأنّ الطاعة هاهنا: الإجابة لما سألوا منه.
والعنت: المعاندة.
ويُسأل عن خبر (أنَّ)؟
والجواب: أنَّ النحويين يجعلونه في الظرف الذي هو (فيكم)، وهذا القول فيه نظر؛ لأنَّ حق الخبر أن يكون مفيداً، ولا يجوز: النار حارة؛ لأنَّه لا فائدة في الكلام، ومجاز هذا القول أنّه على طريق التنبيه
لهم على مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما يقول القائل للرجل يريد أن ينبهه على شيء: فلانٌ حاضر، والمخاطب يعلم ذلك، فهذا وجه.
والوجه عندي: أن يكون الخبر في قوله (لعنتم)؛ لأنّ الفائدة واقعة به، والمعنى: واعلموا أنّ رسول الله لو يطيعكم لعنتنم، كما تقول: إنّ زيدًا لو أكرمته لقصدك، وما أشبه ذلك.
* * *

(1/386)