إعراب القرآن للأصبهاني

وَمِنْ سُورَةِ (الْوَاقِعَةِ)
قوله تعالى: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5))
الواقعة هاهنا: اسمٌ من أسماء القيامة.
ويُسأَل عن معنى: (لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ)؟
والجواب أنّ المعنى: ليس لوقعتها قضية كاذبة فيها، لإخبار الله تعالى بها، ودلالة العقل عليها. وقيل: ليس لها نفس كاذبة في الخبر بها، وقيل: الكاذبة هاهنا: مصدر مثل العاقبة والعافية.
وقيل: (خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ) تخفض قوماً بالمعصية، وترفع قوماً بالطاعة؛ لأنَّها إنما وقعت للمجازاة، فالله تعالى يرفع أهل الثواب ويخفض أهل العقاب، وأضاف ذلك إلى الواقعة؛ لأنّه فيها يكون، وقيل: إن القيامة تقع بصيحة عند النفخة الثانية وهو قول الضحاك.
وقوله: (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا)، أي: زلزلت زلزالًا شديداً، هذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة، ومنه يقال: ارتجَّ السهم، عند خروجه عن القوس.

(1/418)


(وَبُسَّتِ الْجِبَالُ): فتت فتاً، هكذا قال ابن عباس ومجاهد وابن صالح والسُّدِّي، والعرب تقول: بُسَّ السويق، أي: لتَّه، والبسيسة: السويق أو الدقيق يُلتُّ ويُتخذ زاداً قال بعض لصوص غطفان:
ْلا تخبزا خبزاً وبُسَّا بَسَّا
ورفع قوله: (خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ) على الاستئناف، أي: هي خافضة رافعة، وأجاز الفراء النصب، والنصب على الحال، وهذه حال مؤكدة؛ لأنّ القيامة إذا قعت فلابد أن تكون خافضة رافعة.
ويُسأَل عن موضع قوله: (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا)؟
والجواب: أنّه بدل من قوله: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ). وهذا كما تقول: سآتيك إذا قام زيد إذا خرج، والمعنى: سآتيك إذا خرج زيد، وهكذا المعنى: إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا عند وقوع الواقعة.
* * *

قوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76))
المواقع: جمع موقع، وأصله: من وقع يقع. والأصل في يقع: يوقع؛ لأنّ كل (فعلٍ) على (فَعَل) وفاؤه " واو " فإنّه يلزم (يفعل) نحو: وعد يعد ووزن يزن، والأصل: يوعد ويوزن، فسقطت " الواو "

(1/419)


لوقوعها بين " ياء " و " كسرة "، والعرب تستثقل ذلك إلا أن تقع فتحة حرف الحلق وهو " العين "، و (مفعل) يلزم هذا القبيل في المصدر. والمكان نحو قولك: وعدته موعداً، وهذا موعد القوم، قال سعيد بن جبير المعنى: أقسم، فـ (لا) على هذا القول صلة، وقال الفراء: هي نفي، أي: ليس الأمر كما يقولون، ثم استؤنف: أقسم، وقيل: في (مواقع النجوم) قولان:
أحدهما: أنّه يعني بها القرآن؛ لأنّه نزل نجوماً على النبي صلى الله عليه، وهذا قول ابن عباس ومجاهد.
والثاني: أنّه يراد بها مساقط نجوم السماء ومطالعها، وهو قول قتادة وروي مثله عن مجاهدٍ في بعض الروايات عنه، وقال الحسن: مواقعها: انكدارها وانتشارها يوم القيامة.
* * *

قوله تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79))
يقال: مسست الشيء أمسُّه مسًّا، ويقال: لا مَساس ولا مِساس.
واختلف في قوله (إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ):
فقال: ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وجابر بن زيد وأبو نهيك ومجاهد: المعنى: لا يمسُّ الكتاب الذي في السماء إلا المطهرون من الذنوب وهم الملائكة، وقيل: إلا المطهرون في حكم الله عز وجل،

(1/420)


وقيل: لا يمسُّ القرآن إلا المطهرون، أي: من كان على وضوء، وهو قول مالك.
واختلف في (لا):
فقيل: هي نافية، و (يمسُّ) فعلٌ مستقبل، والمعنى: ليس يمسه، على طريق الخبر، وليس بنهي.
وقيل: هو نهي، وجاء على لغة من يقول: مُدَّ يا فتى، ومُسَّ يا فتى؛ لأنّ في هذا الفعل لغات:
منها - أن تفتح آخره فتقول: مُسَّ ومُدَّ. وهذا أفصح اللغات.
ومنها - أن تضمه فتقول: مُسَّ ومُدَّ.
ومنها - أن تكسره فتقول: مُسٍّ ومُدٍّ، قال الراجز:
قَالَ أُبُو ليلى لحبلٍ مُدّه ... حَتى إذا مَددتَهُ فَشدّه
إنّ أبَا ليلى نَسيجُ وحِدِهِ
ومنها - أن يفتح ما كان على (فَعِل) (يَفعَل) نحو: مَسَّ وسَفَّ؛ لأنّه من مَسست وسَففت، ويضم ما كان على (فَعَل) (يفعُل) نحو: مُدّ وعُدّ. ويكسر ما كان على (فَعْل) (يفعَل) نحو: مِرّ وفِرّ، وهذه لغات أهل نجد، فأما أهل الحجاز فإنهم يظهرون التضعيف، فيقولون: امسس وامدد وافرر، وعليه قوله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ)، فإذا ثنوا أو جمعوا لم يجز إظهار التضعيف، ورجعوا إلى اللغة الأولى كراهةً لاجتماع المثلين.
وقال الفراء في قوله: (لَا يَمَسُّهُ) أي: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به، يعني: القرآن

(1/421)


قوله تعالى: (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82))
المدهن: المظهر خلاف ما يبطن. ومنه قوله تعالى: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) ويعني به هاهنا: المنافقون، وقال الفراء: يعني به: الكافرون، يقال: أدهن، أي: كفر، وأصله: من الدُهن، كأنّه يذهب في خلاف ما يظهر، كالدهن في سهولة ذلك عليه وإسراعه إليه.
وقوله (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) فيه قولان:
أحدهما: أنّ المعنى: وتجعلون حظكم من الخير الذي هو كالرزق لكم أنكم تكذبون به.
والثاني: أنَّ المعنى: وتجعلون شكر رزقكم أنكم تكذبون.
قال الفراء: جاء في الأثر أنّ معنى (رزقكم) شكركم، قال: وهو حسن في العربية، لأنك تقول: جعلت زيارتي إياك أنك استخففت بي، فيكون المعنى: جعلت ثواب الزيارة ذلك، ومثله: قوله قعالى: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) أي: ما يقوم لهم مقام البشارة عذاب أليم؛ لأنَّ البشارة لا تكون إلا في معنى الخير.
* * *

قوله تعالى: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91))

(1/422)


قال علي بن عيسى: دخل كاف الخطاب كما دخل في: ناهيك به شرفاً وحسبك به كرماً، أي: لا تطلب زيادة على حلالة حاله، فكذلك سلام لك منهم، أي: لا تطلب زيادة على سلامتهم جلالة وعظم منزلة.
ومما يسأل عنه أن يقال: لم كان التبرك باليمين؟
والجواب: أنّ العمل يتيسر بها؛ لأنّ الشمال يتعسّر العمل بها من نحو: الكتابة والتجارة والأعمال الدقيقة.
قال الفراء: المعنى في قوله (فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ):
فسلام لك أنك من أصحاب اليمين. فألقيت (أنّ) وهو معناها، كما تقول: أنت مصدق ومسافرٌ عن قليل، إذا كان قد قال: إني مسافر عن قليل. وكذلك تجده في قولك: إنك مسافر عن قليل، قال: والمعنى: فسلام لك أنت من أصحاب اليمين، ويكون كالدعاء له، كقولك: سقياً لك من الرجال، وإن رفعت (السلام) فهو دعاء. وقال قتادة المعنى: فسلامٌ لك أيُّها الإنسان الذي هو لك من أصحاب اليمين من عذاب الله. وسلمت عليه الملائكة، وقيل المعنى: سلمت مما تكره لأنك من أصحاب اليمين.
قال أبو الفتح بن جني: في الكلام تقديم وتأخير والتقدير: مهما يكن من شيء فسلام لك إن كان من أصحاب اليمين، ولا ينبغي أن يكون موضع (إن كان) إلا هذا الموضع؛ لأنَّه لو كان موضعه بعد (الفاء) يليها لكان قوله: (فَسَلَامٌ لَكَ) جواباً له في اللفظ لا في المعنى، ولو كان جوابا له في اللفظ لوجب إدخال (الفاء) عليه لأنّه لا يجوز في سعة الكلام: إن كان من أصحاب اليمين سلامٌ له. فلمَّا وجد (الفاء) فيه ثبت أنّه ليس بجواب لقوله (إن كان) في اللفظ، وإذا ثبت أنّه ليس

(1/423)


بجوابٍ له في اللفظ ثبت أنّ موقع (إن كان) بعده لا قبله. قال: فإن قيل: إنما يدل (الفاء) التي تكون جواباً لقوله (إن كان) لأجل الفاء التي تدخل جوابا لـ (أما) لأنّه لا يدخل حرف معنى على مثله، قيل: إنما يدخل (الفاء) التي لـ (أما) عليه؛ لأنّه ليس بجواب لقوله (إن كان)، فلو كان جواباً له لما دخلت هذه (الفاء) في قوله: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ) على أنّ (فاء) (أما) قد تكون موقعة بعد (الفاء) لا تليها، فأما ما استدل به أبو علي على قوله: أنّ ما بعد (أما) لا يكون موقعه إلا بعد (الفاء) تليها، فإنه غير دال على صحة قوله؛ لأنّه قال: امتناع (أما زيداً فإنك تضرب)، يدل على أنّ ما بعد (أما) لا يجوز أن يقع إلا بعد (الفاء) يليها، قال: ولأنه لو جاز أن يقع بعد (أما) بعد (الفاء) لا يليها، لما امتنع: (أما زيداً فإنك تضرب)؛ لأنّه كان يكون التقدير: مهما يكن من شيء فإنك تضرب زيداً، قال: فلما امتنع هذا علمت أنّه إنما امتنع؛ لأنَّ التقدير: مهما يكن من شيء فزيداً أنك تضرب، ولما لم يجز هذا لم يجز: أما زيد، فإنك تضرب؛ لأنّ التقدير به هذا، ولو كان التقدير به: فإنك تضرب زيداً، لجاز كما يجوز: مهما يكن من شيء فإنك تضرب زيداً، فيقال: هذا لا يدل؛ لأنَّ قولك: مهما يكن من شىء زيداً فإنك تضرب، لم يجز؛ لأنَّ (إنّ) لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، ولذلك لم يجز: أما زيد، فأنك تضرب؛ لأنََّّ (إنّ) لا يعمل ما بعدها فيما قبلها؛ لأنّ زيداً الآن مقدم في اللفظ على (أنّ). ولم يمتنع لأنّ التقدير به يكون مقدما على (إنَّ) لأنّه إن قدر به أن يكون موضعه قبل (إنّ) أو بعد (إنّ) لم يجز؛ لأنَّه مقدم في اللفظ على (إنّ) وإنما كان يكون ذلك دليلا لو كان ما بعد (إنّ) يعمل فيما قبلها إذا وصل بها، ولا يعمل فيها، فأما إذا كان ما بعد (إنّ) لا يعمل فيما قبلها أوليه أو لم يله فإن هذا لا يدل؛ لأنّه إنما امتنع أن تنصب (زيداً) إذا ولي (إنّ) بما بعد (إنّ) لأنّ ما بعدها لا يعمل فيما قبلها، وهذه العلة موجودة فيما تقدم (إن) ولم يلها.
و (أما) لها في الكلام موضعان:
أحدهما: أن تكون لتفصيل الجمل، نحو قولك: جاءني القوم فأما زيد فأكرمته وأما عمرو فأهنته، ومن هذا الباب قوله: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) الآية.
والثاني: أن تكون مركبة من (أن) و (ما) وتكون (ما) عوضا من (كان) وذلك قوله: أما أنت منطلقاً انطلقت معك، والمعنى: إن كنت منطلقاً انطلقت، فموضع (أنّ) نصب؛ لأنّه مفعول له،

(1/424)


وأنشد سيبويه:
أَبا خُراشَةَ أَمَّا أنتَ ذَا نَفَرٍ ... فإِنَّ قوميَ لَمْ تأْكُلْهمُ الضَّبُعُ
أي: إن كنت، والضَّبُعُ: السنة الشديدة.
* * *

(1/425)


وَمِنْ سُورَةِ (الْحَدِيدِ)
قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ (11))
القرض: أخذ الشيء من ماله بإذن مالكه على أنّه يضمن رده له.
والمضاعفة: الزيادة على مقدار مثله أو أمثاله، وقد وعد الله سبحانه على الحسنة عشر أمثالها، قال الحسن: القرض هنا: التطوع من جميع الدين.
وقرأ ابن كثير (فَيُضَعِّفُهُ) بغير ألف مشدداً و (الفاء) مضمومة، وقرأ مثله ابن عامر إلا أنّه فتح (الفاء)، وقراءة الباقون (فَيُضَاعِفُهُ) بألف وضمّ، إلا عاصمًا فإنّه فتح.
فالضم على القطع، أي: فهو يُضاعفه له. كما قال:
أَلم تَسْأَلِ الرَّبْعَ القَواءَ فَيَنْطِقُ ... وهَلْ تُخْبِرَنْكَ اليَوْمَ بَيْداءُ سَمْلَقُ
وقال الفراء: هو معطوف على (يُقْرِضُ) وليست بجواب. كقولك: من ذا الذي يحسن ويجملُ؟
ومن نصب فبإضمار (أنْ)، كأنّه قال: فأنْ يضاعفَه له، وقال الفراء: هو جواب الاستفهام، ومنع

(1/426)


ذلك البصريون؛ لأنَّ الاستفهام لم يتناول القرض وإنما يتناول المقرض. وأجازه بعضهم؛ لأنّ المعنى يؤول إلى القرض؛ لأنّ الاستفهام عن المقرض استفهام عن قرضه وقيل في (مَنْ ذَا) قولان: أحدهما: أنّه صلة لـ (مَنْ)، وهو قول الفراء، قال: ورأيتها في مصحف عبد الله (منذا الذي) والنون موصولة بالذال.
والقول الثاني: أنّ المعنى من هذا الذي. و (مَن) في موضع رفع بالابتداء، و (الذي) خبره، على القول الأول، وعلى القول الثاني يكون (ذا) مبتدأ و (الذي) خبره والجملة خبر (مَنْ).
* * *
قوله تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)
العرض: انبساط الشيء في الجهة المقابلة لجهة الطول، وضدُّ العرض الطول، وإذا اختلف مقدار العرض والطول فمقدار الطول أعظم.
ويقال: لم ذكر العرض دون الطول؟
الجواب: أنّ العرض أقل من الطول، وإذا كان العرض كعرض السماء والأرض كان الطول في النهاية

(1/427)


التي لا يحيط بها إلا الله تعالى، وقد قال في آية أخرى: (عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)، المعنى: كعرض السماوات. فحذف (الكاف)؛ لأنّ المعنى مفهوم. والدليل على أنّ (الكاف) مرادة وجودها في قوله (كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
* * *

قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا)
الرهبانية: أصلها من الرهبة، وهو الخوف، إلا أنّها عبادة مختصة بالنصارى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا رهبانية في الإسلام).
والابتداع: ابتداء أمرٍ لم يحتذ على مثل، ومنه قول: البدعة خلاف السنة.
ويُسأَل عن قوله: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ)؟
والجواب: أنّ قتادة قال: ابتدعوا رفض النساء واتخاذ الصوامع.
وقيل: ما كتبناها عليهم إلا أنّهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، فما رعوها حق رعايتها، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد، قال ابن عباس: ابتدعوا لحاقهم بالبراري والجبال، فما رعاها الذين بعدهم حق رعايتها. وذلك لتكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: ما كتبناها عليهم: ما فرضناها عليهم، وقيل: ما كتبناها عليهم ألبتة.

(1/428)


ونصب (رَهْبَانِيَّةً) على هذا الوجه بإضمار فعلٍ تقديره: ابتدعوا رهبانية ابتدعوها، ونصب (رِضْوَانِ اللَّهِ) على البدل من (الهاء) في (مَا كَتَبْنَاهَا)، وهو قول الزجاج، وعلى القول الآخر يكون معطوفاً على ما قبله.
* * *

(1/429)