إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب الحادي والعشرون
هذا باب ما جاء في التنزيل من الظروف التي يرتفع ما بعدهن بهن على الخلاف، وما يرتفع [ما] بعدهن بهن على الاتفاق، وهو باب يغفل عنه كثير من الناس فأما الذي اختلفوا فيه فكقوله: (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) «1» ، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) «2» ، (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) «3» .
ف «عذاب» في هذا ونحوه، يرتفع بالابتداء عند سيبويه، والظرف قبله خبر عنه، وهو «لهم» .
وعند أبي الحسن والكسائي: يرتفع «عذاب» بقوله: «لهم» ، لأن «لهم» ناب عن الفعل.
ألا ترى أن التقدير: وثبت لهم، فحذف «ثبت» وفام «لهم» مقامه، والعمل للظرف لا للفعل.
ومثله: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) «4» وهو على هذا الخلاف، وغلط أبو إسحاق
__________
(1) البقرة: 7.
(2) البقرة: 8.
(3) البقرة: 10.
(4) البقرة: 78.

(2/511)


في هذا، فقال: ارتفع «أميون» بفعل، كأن المعنى: واستقر منهم أميون.
قال أبو علي: ليس يرتفع «أميون» عند الأخفش بفعل، إنما يرتفع بالظرف الذي هو «منهم» . ومذهب سيبويه أنه يرتفع بالابتداء، ففي «منهم» عنده ضمير، لقوله «أميون» ، وموضع «منهم» ، على مذهبه، رفع، لوقوعه موقع خبر الابتداء.
وأما على مذهب الأخفش، فلا ضمير لقوله: «أميون» في «منهم ولا موضع له عنده، كما أنه لا موضع ل «ذهب» من قولك: ذهب فلان.
وإنما رفع الأخفش الاسم بالظرف في نحو هذا، لأنه نظر إلى هذه الظروف فوجدها تجري مجرى الفعل في مواضع، وهي أنها تحتمل الضمير كما يحتمله الفعل، وما قام مقامه من أسماء الفاعلين، وما شبه به.
ويؤكد ما فيها كما يؤكد ما في الفعل، وما قام مقامه في نحو قولك: مررت بقوم لك أجمعون.
وتنتصب عنها الحال كما تنتصب عن الفعل، وتوصل بها الأسماء الموصولة، كما توصل بالفعل والفاعل، فيصير فيها ضمير الموصول كما يصير ضميره في الفعل، وتوصف به النكرة كما توصف بالفعل والفاعل.
فلما رآها في هذه المواضع تقوم مقام الفعل أجراها أيضاً مبتدأ مجرى الفعل، فرفع بها الاسم، كما رفع بالفعل، إذا قامت هذه الظروف مقام الفعل في هذه المواضع، فقال في: عندك زيد، و: فى الدار عمرو،

(2/512)


(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) «1» ، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ) «2» ، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ) «3» ، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي) «4» ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) «5» ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ) «6» ، (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ) «7» ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) «8» ، (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ) «9» ، (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ) «10» ، وقوله تعالى: (لَهُمْ دارُ السَّلامِ) «11» ، ونحو ذلك: إنه مرتفع بالظرف قد أقيم مقام الفعل، في غير هذه المواضع.
ومثل ذلك قال في أسماء الفاعلين، نحو «ضارب» وما أشبهها لما رآها تجري مجرى الأفعال، يرتفع الاسم بها إذا جرت خبراً أو وصفاً أو حالاً على شيء، أجراها مبتدأة أيضاً، غير معتمدة على شيء، نحو حروف الاستفهام، يكون اسم الفاعل في الاعتماد عليه مثلها إذا جرى حالاً، أو خبراً، أو وصفاً.
وأجاز في نحو قوله: (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) «12» ، وقوله:
(وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) «13» ، وقوله: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ) «14»
__________
(1) البقرة: 78.
(2) البقرة: 204. [.....]
(3) البقرة: 165.
(4) لقمان: 6.
(5) الأنعام: 25- محمد: 56.
(6) التوبة: 58.
(7) التوبة: 61.
(8) التوبة: 49.
(9) التوبة: 75.
(10) التوبة: 101.
(11) الأنعام: 127.
(12) هود: 76.
(13) هود: 12.
(14) الحشر: 2.

(2/513)


ارتفاع الاسم بما قبله، يجريه مجرى الفعل غير متقدم، كما أجرى الظرف متقدماً مجراه غير متقدم، فرفع الاسم/ بالظرف واسم الفاعل، وهما متقدمان غير جاريين على شيء، كما رفعه وهما جاريان على ما قبلهما.
وقد قال سيبويه هذا القول في قوله تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) «1» ، (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) «2» ، وقوله تعالى: (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) «3» ، وقوله تعالى: (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ) «4» ، وقوله: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ) »
، وقوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) «6» ، وقوله تعالى: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) «7» ، وقوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) «8» ، وقوله: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ) «9» .
إن هذه الأسماء ترتفع بالظرف، إذا جرى صلة الموصول، أو حالاً لذي حال، أو صفة لموصوف، أو معتمداً على الهمزة، أو تكون لاسم إن، أو المصدر. قد قال سيبويه والأخفش قولاً واحدا في هذه الأشياء.
__________
(1) فصلت: 39.
(2) الروم: 20. [.....]
(3) هود: 106.
(4) المائدة: 46.
(5) البقرة: 19.
(6) النور: 29.
(7) الرعد: 43.
(8) آل عمران: 7.
(9) إبراهيم: 10.

(2/514)


فإن قيل: ما تنكر أن يكون ارتفاع الاسم في نحو قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) «1» مرتفع في الحقيقة ب «استقر» لا ب «لكم» ؟.
فالجواب: أن المعروف المشهور من قول الأخفش في نحو قوله تعالى:
َهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)
«2» أنه مرتفع بالظرف.
والمعلوم من قول سيبويه والأخفش وغيرهما «3» ، أنهم إذا قالوا: زيد في الدار فالضمير في الظرف لا في الفعل المحذوف، لأن ذلك مطّرح مختزل.
والدليل على أن قولهم: زيد في الدار، في الظرف ضمير، والظرف هو العامل في ذلك الضمير، امتناع تقديم الحال عليه، في قولك: زيد قائماً في الدار، لأن العامل غير متصرف، وهو الظرف دون الفعل ولا عبرة بالفعل، لأنه لا يجوز: قائماً في الدار زيد، كما يجوز: قائماً استقر زيد، فعلم أنه لا عبرة بالفعل ولأنه قال: (إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) «4» ، و (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) «5» ، و (لَهُمُ الْحُسْنى) «6» ، فأدخل «إن» على الظرف، وهي لا تلي الفعل، فثبت أنه لا عبرة بالفعل.
__________
(1) البقرة: 179.
(2) يونس: 64.
(3) في الأصل: «وغيرهم» .
(4) المائدة: 22.
(5) النور: 44.
(6) النحل: 62.

(2/515)


وهذه الآي دليل سيبويه من أنه لا يرتفع الاسم بالظرف، حيث يقول به الأخفش، لأن الظرف دخل عليه «إن» ، فلو كان يرتفع كما يرتفع الفعل، لم يدخل عليه «إن» كما لا يدخل على الفعل.
وقد قال: (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ) «1» فنصب الاسم ب «أن» .
فثبت أن الظرف لا يرتفع في الابتداء، وإنما يرتفع في المواضع التي/ ذكرنا، وهو: إذا جرى خبراً لمبتدأ، أو حالاً لذي حال، أو صفة لموصوف، أو معتمداً على حرف النفي والاستفهام والموصول، لأن شبهها بالفعل في هذه الأحوال قد قوي واستمر، كما قوي الفاعل في هذه الأحوال أن يعمل عمل الفعل دون «ما» إذا ابتدئ به.
فقوله تعالى: (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) «2» ، «ما» يرتفع بالابتداء عند سيبويه، و «مصيبها» خبر، وفيه ضمير.
وعند الأخفش، يرتفع «ما» بقوله «مصيبها» لأنه بمنزلة «يصيبها» ، ولا ضمير في «مصيبها» عنده، فهو كقوله: (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) «3» .
والخلاف في الفاعل والظرف واحد.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) «4» ، «أزوج» يرتفع بالابتداء عند سيبويه. و «لهم» خبره. و «فيها» معمول «لهم» .
فيرتفع «أزواج» بالظرف عند أبي الحسن، وهو «لهم» . وإن رفعته
__________
(1) آل عمران: 87. [.....]
(2) هود: 81.
(3) البقرة: 10.
(4) البقرة: 25.

(2/516)


ب «فيها» جاز. ولو جعلت «فيها» حالاً من المجرور جاز. ولو جعلتها حالاً من «أزواج» على أن يكون في الأصل صفة لها، فلما تقدم انتصب على الحال، جاز.
ومن ذلك قوله تعالى: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) «1» يرتفع بالظرف في القولين، لأن الظرف جرى خبراً للمبتدأ، وهو «من آمن» ، ولا خلاف في هذا.
كما أن قوله: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ) «2» ، تقديره:
أو كأصحاب صيب من السماء ثابت فيه ظلمات، لجريه وصفاً على «الصيب» ، وكذا هاهنا يرتفع «أجر» بالظرف، لأنه جرى خبراً على المبتدأ.
فأما قوله: (عِنْدَ رَبِّهِمْ) «3» فهو حال من «الأجر» ، أي: لهم أجرهم ثابتاً عند ربهم، ولو جعلته معمول الظرف.
ومثله قوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ) «4» .
«لعنة الله» يرتفع بالظرف، لأنه جرى خبراً على «أولئك» .
__________
(1) البقرة: 62.
(2) البقرة: 19.
(3) البقرة: 62.
(4) البقرة: 161.

(2/517)


ومن ذلك قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) «1» . ترتفع «آيات» بالظرف، لأنه جرى حالا ل «الكتاب» ، ولا يكون صفة ل «الكتاب» لأن «الكتاب» معرفة، والظرف نكرة.
ومن ذلك قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) «2» . يرتفع «زيغ» بالظرف، لأنه جرى صلة على «الّذين» .
ومن ذلك قوله: (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي) «3» . يرتفع/ «جنات» بالابتداء، و «للّذين اتقوا» خبر عند سيبويه. ويرتفع «جنات» بالظرف عند الأخفش.
ولا يكون «للذين اتقوا» صفة للمجرور قبله، وهو «خير» ، لأنه لا ذكر فيه يعود إلى الموصوف ألا ترى أن الضمير الذي فيه، على قول سيبويه، ضمير «جنات» ، ولا ضمير فيه على قول الأخفش لارتفاع الظاهر به وينتصب قوله: (خالِدِينَ فِيها) «4» على الحال من «الذين» المجرور باللام. (وَأَزْواجٌ) «5» عطف على «جنّات» . وكذا قوله:
(وَرِضْوانٌ) «6» .
__________
(2- 1) آل عمران: 7.
(6- 5- 4- 3) آل عمران: 15.

(2/518)


وأما قوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ) «1» .
فقوله: لكل واحد منهما، يتعلق بما يتعلق به «لأبويه» على وجه البدل.
كما أن قولك: «رأسه» من قولك: ضربت زيدا رأسه، يتعلق ب «ضربت» على حد البدل. ومن رفع بالظرف ارتفع قوله: «السدس» بقوله:
«لكل واحد منهما» .
فإن قلت: أفيكون فيمن أعمل غير الأول أن يضمر «السدس» في قوله «لأبويه» كما أضمر في قوله:
فهيهات هيهات العقيق «2»
في الأول جعل «السدس» مرتفعاً بالظرف الثاني، فإن ذلك لا يجوز، وليس المعنى عليه.
ألا ترى أن الأبوين ليس لهما السدس، إنما لكل واحد منهما السدس.
فإن قلت: أفيستقيم أن يكون «لأبويه» متعلقاً بقوله «لكل واحد منهما، على حد: أكل يوم لك ثوب؟ فإن ذلك لا يستقيم.
ألا ترى أنه لا يستقيم أن يقدر: لكل واحد منهما لأبويه لأنه ليس ما عليه المعنى.
__________
(1) النساء: 11.
(2) هذا جزء من صدر بيت لجرير، والبيت هو:
فهيهات هيهات العقيق وأهله ... وهيهات خل بالعقيق نحاوله

(2/519)


فأما قوله: (مِمَّا تَرَكَ) «1» فحال من «السدس» ، والعامل فيها قوله:
«لكل واحد منهما» ولا يكون العامل فيه «لأبويه» .
وأما قوله تعالى: (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) «2» . فقوله:
«من طلعها» بدل من قوله «ومن النخل» على حد: ضرب زيد رأسه.
«ومن النخل» بدل التبعيض.
فمن رفع بالظرف، وجب أن يكون في الأول ضمير يبينه ما ارتفع بالثاني، وإن أعمل الأول صار في الثاني ذكر منه.
وقوله: (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ) «3» محمول على معنى الإخراج. يبين ذلك قوله: (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) «4» فقوله: «وأعناب» ، على أحد أمرين: / من نخل وشجر أعناب، أو يكون سمى الشجر باسم ثمرها.
وأما قوله: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ) «5» .
ف «حيران» يكون حالاً من «الهاء» التي في «استهوته» فيكون فى الصلة.
__________
(1) النساء: 11.
(2) الأنعام: 99.
(3) الأنعام: 99. [.....]
(4) المؤمنون: 19.
(5) الأنعام: 71.

(2/520)


ويمكن أن يكون حالاً من «الذكر» ، فيكون العامل فيه «نرد» .
وإن جعلته ظرفاً كان الظرف في موضع الحال، فأما «له أصحاب» فيكون صفة ل «حيران» ، فيكون «أصحاب» مرتفعاً بالظرف دون الابتداء في جميع الأقاويل.
قال أبو علي: فإن جعلته حالاً من الضمير في «حيران» ولم تجعله صفة له، ارتفع «أصحاب» بالابتداء في قول سيبويه، وفيه ذكر يعود إلى المبتدأ.
وعندي في هذا نظر، لأن الحال في جريه على صاحبه، إلا أن يعنى أن هناك «واوا» مضمرة على تقدير: وله أصحاب، وفيه بعد.
لأنهم زعموا أن الضمير يغني عن الواو، والواو يغني عن الضمير، فلا وجه لما قال عندنا.
وقال الله تعالى: (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها) «1» .
ف «الواو» للحال. و «رزقهم» يرتفع بالظرف عند الأخفش، وبالابتداء عند سيبويه.
[وقال تعالى] «2» : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا) «3» . هو على الخلاف أيضاً.
وقال: (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) «4» على الخلاف.
[وقال] «5» : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) «6» . هو أيضا على الخلاف، و «فى القصاص» ظرف للخبر، و «لكم» ظرف ل «فى القصاص» .
__________
(1) مريم: 62.
(5- 2) تكملة يقتضيها السياق.
(3) مريم: 64.
(4) البقرة: 178.
(6) البقرة: 179.

(2/521)


وقوله: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) «1» .
«تربص» مرتفع بالابتداء. وقوله «للذين يؤلون» خبره. والجار في «من نسائهم» متعلق بالظرف، كما تقول: لك مني درهم. ولا يتعلق ب «يؤلون» ، أعنى «من» لأنه يقال: حلف على كذا، وآلى عليه.
وما يقوله الفقهاء: آلى من امرأته، فإنهم نظروا إلى ظاهر هذه الآية.
(فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ) «2» يرتفع «نار» بالظرف على المذهبين، لأنه جرى وصفاً على «الإعصار» .
وأما قوله تعالى: (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها) «3» .
فقوله «باسم الله» يجوز أن يكون حالاً من الشيئين، من الضمير الذي في قوله «اركبوا» . ومن الضمير الذي [في] [فيها] «4» . فإن جعلت قوله «باسم الله مجريها» ، رافعاً ل «مجريها» على المذهبين، لم يكن إلا جملة في موضع الحال من الضمير الذي في «فيها» .
ولا يجوز أن يكون من الضمير في قوله: «اركبوا» لأنه/ لا ذكر فيه يرجع إلى الضمير، لارتفاع الظاهر به، ولم يكن إلا حالاً من الهاء المجرورة، لمكان الهاء المتصل ب «مجريها» .
ويجوز أن يكون من الضمير في «اركبوا» ، وكأن المعنى: اركبوا
__________
(1) البقرة: 226.
(2) البقرة: 266.
(3) هود: 41.
(4) تكملة يقتضيها السياق.

(2/522)


متبركين باسم الله، ومستمسكين بذكر اسم الله، فيكون في «باسم الله» ذكر يعود إلى المأمورين.
فإن قلت: فكيف اتصال المصدر الذي هو «مجريها» بالكلام على هذا؟ فإنه يكون متعلقاً بما في «باسم الله» من معنى الفعل، وجاز تعلقه به لأنه يكون ظرفاً على نحو: مقدم الحاج، وخفوق النجم.
كأنه: متبركين بهذا الاسم، متمسكين في وقت الجري والإجراء، والرسو والإرساء على حسب الخلاف بين القراء فيه. ولا يكون الظرف متعلقا ب «اركبوا» لأن المعنى ليس عليه، ألا ترى أنه لا يراد «اركبوا فيها» في وقت الجري والثبات.
إنما المعنى: اركبوا متبركين باسم الله في الوقتين اللذين لا ينفك الراكبون فيها منهما: من الإرساء والإجراء ليس يراد: اركبوا وقت الجري والرسو، فموضع «مجريها» نصب على هذا الوجه، بأنه ظرف عمل فيه المعنى. وعلى الوجه الأول رفع بالظرف على المذهبين، ولا يكون مرتفعاً بالابتداء، لجري الظرف حالاً على صاحبها.
وسها أبو علي هاهنا أيضاً، فقال فيه ما قال في قوله: (لَهُ أَصْحابٌ) «1» .
وزعم أن سيبويه يرفعه بالابتداء.
فسبحان الله! أنت تنص في عامة كتبك على أن الحال والصفة والصلة والاستفهام بمنزلة واحدة، فمن أين هذا الارتباك «2» ؟
__________
(1) الأنعام: 71.
(2) الأصل: «الارتكاب» .

(2/523)


ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) «1» .
«من علم» في موضع الرفع بالظرف لمكان، «هل» ، أي: هل عندكم علم.
وقال: (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) «2» ، أي: ما لكم أله غيره، فيرتفع بالظرف.
وقال: (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا) «3» ، أي: ما عندكم سلطان، فيرتفع بالظرف.
وقال: (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ) «4» ، فمن قال: «الولاية» مبتدأ، كان «لله» حالاً من الضمير في «هنالك» ، ومن قال: إن «الولاية» رفع بالظرف كان «لله» حالاً من «الولاية» ، وقوله: «لله» حال من الذكر في «هنالك» ، أو من «الولاية» ، على قول سيبويه سهو أيضاً، كما سها فى (بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها) «5» .
وقوله: (لَهُ أَصْحابٌ) «6» . وقال: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) «7» .
و (مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) «8» . (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) «9» . فالأسماء مرتفعة بالظرف، لجري الظرف صلة موصول.
وقال: (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) «10» لا خلاف في رفع «زفير» هنا بالظرف، وهو «لهم» لأنه مثل الرحيل في قولهم: غدا الرّحيل.
__________
(1) الأنعام: 148. [.....]
(2) الأعراف: 59.
(3) يونس: 68.
(4) الكهف: 44.
(5) هود: 41.
(6) الأنعام: 71.
(7) الرعد: 43.
(8) المؤمنون: 88.
(9) القمر: 4.
(10) هود: 106.

(2/524)


وإنما رفع سيبويه «الرحيل» بالظرف في قوله: غداً الرحيل، لأنه مصدر، وقد قامت الدلالة على المصدر بالظرف في نحو: يوم الجمعة إنك ذاهب، وحقاً إنك منطلق.
ولارتفاع «التهدد» فيما أنشده عن يونس:
أحقاً بني أبناء سلمى بن جندل ... تهددكم إياي وسط المجالس «1»
فإذا ثبت ذلك كان ارتفاع «حقا» ، ل «إنك منطلق» من أنه ظرف، وذلك أنه لا يخلو من أن يكون مرتفعاً بالظرف أو بالابتداء، ولا يجوز ارتفاعه بالابتداء. لأن ذلك لو جاز للزم دخول «أن» عليه، فيكون اجتماع حرفين بمعنى، فلما كان يؤدي إلى هذا الذي قد رفضوه وطرحوه ارتفع بالظرف، لقيام الظرف مقام الفعل في غير هذا الموضع.
ويدلك على أنه لهذا المعنى رفض أن يرتفع بالابتداء، أنهم حيث أمنوا دخول الحرف عليه رفع به، وذلك نحو قولك: لولا أن زيداً منطلق لكان كذا.
ألا ترى أن «أن» ارتفع بالابتداء بعد «لولا» ، وإن امتنع أن يبتدأ بها أولاً، كيلا يدخل الحرف الذي بمعناه عليه.
فلما ثبت ارتفاع «أن» بالظرف في قولك: أحقاً أنك منطلق، ثبت ارتفاع المصدر بها أيضاً في نحو: غداً الرحيل. لأن «الرحيل» في أنه مصدر بمنزلة «أن» وصلتها، وأجروه مجرى مثله في الإعراب، كما يجرون المثل مجرى مثله في غير الإعراب، نحو: عطشان «وريّان» وطيّان، ونحو ذلك.
__________
(1) البيت للأسود بن يعفر. (الكتاب 1: 468) .

(2/525)


ألا ترى أنهم أجروه: مجرى عثمان، وسعدان، في مواضع الصرف، وإن كان هذا صفة وذاك علماً.
وكذلك أعربوا «أيا» في الصلة والاستفهام والجزاء «لما» كان بمعنى «بعض» ، ولولا ذلك لوجب بناؤه في هذه المواضع الثلاثة، كما أجروا المثل مجرى مثله.
كذلك حكم «إن» حكم إعراب «الرحيل» بعد «غد» ، وقد يفعل هذا بالخلاف كما يفعل بالمثل.
ألا ترى أنهم قالوا: رب رجل يقوم. فأجروه مجرى خلافه، الذي هو: كم رجل عندك. ولم يجيزوا فيه التأخير كما/ أجازوا: مررت برجل.
ومن ذلك قوله: (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ) «1» .
قال أبو علي: الظرف مع ما بعده في موضع حال، فإذا كان كذلك كان متعلقاً بمحذوف، كأنه: مستقرّا فيه هدى ونور.
ويدلك على أنه حال، وأن الجملة في موضع نصب، لكونها في موضع الحال، قوله بعد: (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) «2» .
ألا ترى أن «هدى» كقولك: هادياً، ومصدقاً، والاسم مرتفع بالظرف على المذهبين.
__________
(2- 1) المائدة: 46.

(2/526)


وأما قوله: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) «1» . فقوله:
«إله» رفع لأنه خبر مبتدأ مضمر، ولا يخلو من أن يكون ارتفاعه على هذا الذي ذكرته من أنه خبر مضمر «راجع» إلى الموصول.
أو يكون ارتفاعه بالابتداء أو بالظرف، على قول من رأى أنه يرتفع بالظرف. وإن كان ارتفاعه بالابتداء وجب أن يكون في الظرف الذي هو قوله: «في السماء» ضمير وذلك الضمير مرفوع، فإن كان الظرف، لم يحتمل ضميراً مرفوعاً لارتفاع الظاهر به وإذا كان كذلك، بقيت الصلة لا ذكر فيها للموصول.
فإذا كان حمله على هذين الوجهين، ويبقى الموصول على ما ذكرنا من خلو ذكره مما يوصل به، وجب أن يقدر في الصلة مبتدأ محذوفاً، كأنه: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) «2» .
وتقدير هذا الحذف من الصلة هنا حسن لطولها، وقد استحسن الخليل ذلك.
فإذا كان التقدير على هذا، ارتفع «هو» المحذوف بالابتداء «وإله» خبره، والظرف الذي هو قوله «في السماء إله» متعلق بقوله «إله» وموضعه نصب مفعول، وإن كان مقدماً عليه، ألا ترى أنهم قد أجازوا: أكل يوم لك ثوب؟ فأعمل فيه المعنى مقدما.
__________
(2- 1) الزخرف: 84.

(2/527)


ولا يصح أن يكون خبر المبتدأ المحذوف قوله: «في السماء» لأنك إن جعلته خبراً للمبتدأ المحذوف صار فيه ضميره، وارتفع، وبقي قوله «له» معلقاً مفرداً.
ومع هذا، فالمعنى إنما هو الإخبار بإلهية عن الكون في السماء.
فإن قلت: لم لا يكون قوله «فى السماء» صلة ل «الذي» ، ويكون في الظرف ضمير الموصول، ويكون «إله» بدلاً «1» من الموصول لصلته، فيكون التقدير، وهو إله.
فقلنا: إنا نستحب التأويل الأول. والتقدير الأول الذي قدمناه/ لدلالة المعنى عليه، ودلالة ما بعده من الكلام على ذلك أيضاً.
ألا ترى أن بعده (وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) «2» فإنما الإخبار عن قصده- تبارك اسمه- بالعبادة في السماء والأرض، وقوله: «في الأرض إله» معطوف على الصلة، ولا يجوز أن يبدل «إله» من الموصول، وقد بقي من صلته شيء.
فإن قلت: أجعله كلاماً منقطعاً غير معطوف على الصلة، كان تعسفاً، وإزالة للكلام عن وجهه.
فإن قلت: فقدر (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) «3» «هو» ، ثم يكون «إله» موضوعاً موضع «هو» ، فإن وضع الظاهر موضع المضمر لم يجزه سيبويه في قوله:
ولا منسئ معن ولا متيسّر «4»
__________
(1) في الأصل: «بدل» .
(3- 2) الزخرف: 84. [.....]
(4) عجز بيت للفرزدق، صدره:
لعمرك ما معن بتارك حقه
ومعن، هو ابن زائدة الشيباني.

(2/528)


ومن أجاز ذلك. لزمه أن يجيز: جاءني الذي هو قائم.
فإن قلت: فاجعله من باب: زيد نعم الرجل، فإن «الرجل» جنس يتضمن «زيداً» وغيره، بخلاف لفظ «إله» .
فثبت أن التقدير: وهو الذي هو إله في السماء إله، أي: هو إله له في السماء، فحذف لطول الكلام، كما قال العرب: ما أنا بالذي قائل لك سوءاً «1» ، أي. هو قائل.
فإن قلت: فلم جاز حذف «هو» مع طول الكلام في «الذي» ، ولم يحسن:
(تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) «2» ، كما حسن هذه الآية.
ولم فارق «الذي» «إياه» في قوله (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) «3» ، و (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) «4» ولم يجر (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) «5» مجرى «أيهم أشد» نص فا «6» ، وهو مشكل.
قال سيبويه في قوله:
وكفى بنا فضلاً على من غيرنا «7»
بالرفع في «غيرنا» .
قال: هو أجود، وفيه ضعف، وهو نحو: مررت بأيهم أفضل، وكما قرأ بعض الناس «تماماً على الّذى أحسن» .
__________
(1) في الأصل: «شيئا» تحريف.
(5- 2) الأنعام: 154.
(3) مريم: 69.
(4) الإسراء: 57.
(6) ولعله يريد: أبا علي الفارسي، فرمز إليه بحرف «فا» وسيأتي هذا في (ص 538) من هذا الجزء.
(7) صدر بيت لحسان، عجزه:
حب النبي محمد إيانا
(الكتاب 1: 269) .

(2/529)


واعلم أنه قبيح أن تقول: هذا من منطلق إن جعلت «المنطلق» وصفا أو حشوا، فإن أطلت الكلام فقلت: خير منك، حسن في الوصف والحشو.
وزعم الخليل أنه سمع من العرب رجلا يقول: ما أنا بالذي قائل لك سوءا، وما أنا بالذي قائل لك قبيحاً، إذا أفردوه فالوصف بمنزلة الحشو، لأنه يحسن ما بعده، كما أن الحشو إنما يتم بما بعده.
فقد رجح في الفصل رفع «غيرنا» ، على إضمار «هو» على الجر، على أن يكون وصفاً.
ولكن يجوز هذا، أعني وضع «إله» موضع الضمير، على قول أبي عثمان، في قولهم: زيد ضربت أخاك/، والأخ زيد.
ومثله: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) «1» .
هذا هو مذهب أبي عثمان لا الذي حرف القصر عليه، فقال هذا على مذهب أبي عثمان في قولهم: أنا الذي قمت. فإن ذلك قول العرب، في نحو:
وأنا الذي قتلت، وأنا الذي شتمني أمي.
قال أبو عثمان: لولا أنه مسموع لرددناه «2» .
وتحريفات القصر على أبي علي كثيرة، لا يقبله إلا الجاهل الخفيف الحاذ «3» .
وفي تقسيم أبي علي نظر، لأنه ليس في القسمة ارتفاع «إله» بالابتداء، لأن الظرف جرى صلة لموصول، فليس إلا أن يقول، إن ارتفاع «إله» لا يخلو من أن يكون بإضمار هو أو بالظرف.
__________
(1) الزمر: 19.
(2) في الأصل: «لردناه» .
(3) الحاذ: الحال.

(2/530)


ومن هذا الباب قوله تعالى: (وَحُورٌ عِينٌ) «1» فيمن رفع.
والتقدير: وهناك حور عين، أو: لهم حور عين، ف «حور» رفع بالظرف المضمر عند الأخفش، وبالابتداء عند سيبويه، وجاز حذف الظرف، لأن ما قبله يدل عليه.
ومن ذلك: قوله تعالى: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) «2» . فيمن أفرد «وآخر» يرتفع «أزواج» بالظرف على المذهبين، لأن قوله: (مِنْ شَكْلِهِ) «3» جرى وصفاً على «آخر» ، فهو كقولك: مررت برجل في داره عمرو.
وسها الفارسي أيضا في هذه الآية فقال: و «من» رفع بالابتداء، ولا يرفع هذا أحد بالابتداء، وهذا كما سها في قوله: (بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها) «4» .
وقوله: (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ) «5» ، هذه ثلاث آيات سها فيها، وتردد كلامه، وسها أيضاً في قوله: (أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ) «6» .
فخذها عن أوراق جمة.
ومثله في ارتفاعه بالظرف قبله قوله: (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) «7» ، ف «الأمن» مرتفع ب «لهم» لجريه خبراً على قوله «أولئك» أي: أولئك ثابت لهم الأمن.
__________
(1) الواقعة: 22.
(3- 2) ص: 58.
(4) هود: 41.
(5) الكهف: 44. [.....]
(6) الأنعام: 71.
(7) الأنعام: 82.

(2/531)


وقد ذكرنا أن اسم الفاعل يرتفع ما بعده، كالظرف، فقوله: (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ) «1» ، «ثياب» مرتفع ب «عاليهم» سواء نصبته على الحال من «الولدان» أو الهاء والميم في «عليهم» من قوله: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ) «2» ، ونصبه على الظرف، لأن الظرف جرى وصفا على «الولدان» .
ومن قال «عاليهم» فأسكن الياء فهو صفة أيضا. ل «ولدان» لأنه لا يتعرف بالإضافة، فيرتفع «ثياب سندس» به. ولا يجوز أن يرتفع «عاليهم» بالابتداء/ و «ثياب سندس» خبره، كما قاله في «الحجة» لكونه جارياً وصفاً على «ولدان» . وإن قال: هو كقوله: (سامِراً تَهْجُرُونَ) «3» فأفرد وأراد الجمع. لم يصح ذلك، لما ذكرنا.
ومن ذلك قوله تعالى: (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) «4» .
إن جعلت «الّذين» وصفا ل «أولئك» كان قوله «لهم في الدنيا خزي» خبر المبتدأ ويرتفع «خزي» بالظرف.
وكذلك إن جعلت «الذين» خبراً كان «خزي» من قوله «لهم في الدنيا خزي» خبراً بعد خبر.
ويرتفع «خزى» أيضا بالظرف.
__________
(1) الإنسان: 21.
(2) الإنسان: 19.
(3) المؤمنون: 17.
(4) المائدة: 41.

(2/532)


ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) «1» .
يكون «بالمعروف» متعلقا ب «لهن» دون «عليهن» ، وإن كنت على هذا التقدير تعمل الأول اعتباراً بقوله: (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) «2» ، وبقوله: (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) «3» ، فما على الموسع والمقتر من ذلك فهو لهن، وإن لم يعتبر هذا جاز أن يتعلق ب «عليهنّ» .
ومن ذلك قوله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) «4» . قوله: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) «5» يحتمل أمرين:
أحدهما- أن يكون خبراً ل (آياتٌ) ، فمن رفع بالظرف، كان الضمير الذي فيه على حد الضمير الذي يكون في الفعل. ومن رفع بالابتداء، ففيه ضمير على حد الضمير الذي يكون في خبر المبتدأ.
والوجه الآخر- من قوله، (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) أن يكون متعلقاً بمحذوف، يدل عليه قوله: (أَفَلا تُبْصِرُونَ) «6» تقديره: ألا تبصرون في أنفسكم أفلا تبصرون.
ويكون هذا بمنزل قوله: (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) «7» (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) «8» .
ألا ترى أن الاستفهام لا يتقدم عليه ما في حيزه، كما أن الموصول كذلك.
__________
(1) البقرة: 228.
(2) البقرة: 241.
(3) البقرة: 236.
(4) الذاريات: 20، 21.
(5) الذاريات: 21.
(6) الذاريات: 21.
(7) يوسف: 20.
(8) الأنبياء: 56. [.....]

(2/533)


فأما دخول (فِي) في قوله: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) «1» فعلى وجهين:
أحدهما- أنه لما كان في معنى. أفلا تنظرون، دخلت (فِي) كما دخلت في قوله: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «2» .
والآخر- أنه يمكن أن يقال: بصير بكذا، وبصير في كذا، قال زيد الخيل:
ويركب يوم الطعن فيها فوارس ... بصيرون في طعن الأباهر والكلى
أي: بصيرون بالطعن.
ومما يرتفع بالظرف: قوله تعالى: (أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ) «3» ، إن جعلت (لهم) خبراً ثانياً ارتفع (شراب) به، كقولك: زيد في الدار أبوه.
ومما يرتفع بالظرف: قوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) «4» فيمن قرأ (قتل) وأسنده إلى ضمير النبي عليه السلام.
والدليل على جواز إسناده إلى هذا الضمير، أن هذه الآية في معنى قوله: (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ) «5» .
وروي عن الحسن أنه قال: ما قتل نبي في حرب قطّ،
__________
(1) الذاريات: 21.
(2) الأعراف: 185.
(3) الأنعام: 70.
(4) آل عمران: 146- وقراءة حفص: «قاتل معه» .
(5) آل عمران: 144.

(2/534)


فيكون (مَعَهُ رِبِّيُّونَ) يحتمل أمرين:
أحدهما- أن يكون صفة ل (نبى) . وإذا قدرته هذا التقدير كان قوله (رِبِّيُّونَ) مرتفعاً بالظرف بلا خلاف.
والآخر- أن تجعله حالاً من الضمير الذي في «قتل» ، وعلى الأول يعود للنبي، عليه السلام.
ومما يرتفع بالظرف: قوله تعالى (كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ) «1» .
ف (تُرابٌ) يرتفع بالظرف على المذهبين، لأنه صفة ل (صَفْوانٍ) .
ومما يمكن أن يكون من هذا:
قوله تعالى: (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) «2» .
فقوله (ثُلَّةٌ) رفع بالظرف، إذا وقفت على (الْمُقَرَّبُونَ) ، في المذهبين جميعاً لأنه جرى خبراً على المبتدأ.
ومثله: (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) «3» إذا وقفت على قوله:
(عُرُباً أَتْراباً) «4» ، فأما إذا وصلت الكلام في الآيتين ارتفع قوله (ثُلَّةٌ) على أنه خبر ابتداء مضمر.
ومنه قوله: (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ فِيها فاكِهَةٌ) «5» إن وقفت على (الأنام) رفعت (فاكِهَةٌ) بقوله «فيها» ، وإن وقفت على (وَضَعَها) رفعت (فاكِهَةٌ) بقوله (لِلْأَنامِ) على مذهب الأخفش، وبالابتداء على مذهب صاحب «الكتاب» .
__________
(1) البقرة: 264.
(2) الواقعة: 11، 12، 13.
(3) الواقعة: 38 و 39.
(4) الواقعة: 37.
(5) الرحمن: 10 و 11.

(2/535)


وأما قوله تعالى: (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) «1» كأنه: لكل باب جزء مقسوم من الداخلين.
ولا يصح تعلقه به في هذا الظاهر لأنه صفة ل «جزء» متعلّقه إذ المعنى كقوله: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى) «2» .
وإن شئت علقته باللام، ولا يكون «منهم» صفة للنكرة لأنه لا شى فيه يعود على الموصوف.
قوله تعالى: (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)
«3» .
قال أبو علي في «التذكرة» : وإن شئت كان: الإنسان هو البصيرة على نفسه.
وإن شئت كان: على نفس الإنسان بصيرة، أي شهيد/، أي: يداه ورجلاه ولسانه إذا جعل «الإنسان» هو البصيرة كان ارتفاعه بأنه خبر المبتدأ الذي هو «الإنسان» ، و «على نفسه» متعلّق ب «بصيرة» والتقدير:
بل الإنسان بصيرة على نفسه، أي: شاهد عليها.
وعلى الوجه الآخر، بمنزلة: زيد في داره غلام، ف «لبصيرة» يرتفع بالظرف بالابتداء، والراجع إلى المبتدأ الأول الهاء فى «نفسه» .
__________
(1) الحجر: 44.
(2) الفرقان: 22.
(3) القيامة: 14.

(2/536)


واعتبر قوله: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ) «1» .
وقال أبو زيد: «البصيرة» هو الشاهد، وليس في قوله دلالة على أحد الوجهين المتقدمين.
قلت: هو رفع بالظرف، لأن الظرف خبر المبتدأ، وليس فيه خلاف.
قال «2» سيبويه: «واعلم أنك إذا نصبته في هذا الباب فقلت: مررت برجل معه صقر صائداً به غداً فالنصب على حاله، لأن هذا ليس بابتداء» .
يعنى «معه صقر» ، لأن «معه» عنده هنا صفة، وهو يرفع هنا بالظرف، ويمتنع منه في غير هذا الموضع وإنما رفع هنا بالظرف، لأنه لا سبيل إلى التقديم، كما رفع في قولك: في الدار إنك منطلق، بالظرف.
وقوله «3» «ولا يشبه: فيها عبد الله قائم غداي-، يعنى أن «معه» لا يشبه «فيها» ، و «صقر» لا يشبه «عبد الله» ، و «صائدا به غداً» لا يشبه «قائم غداً» - «لأن الظروف تلغى حتى يكون المتكلم كأنه لم يذكرها في هذا الموضع» - يعني في قوله: «فيها عبد الله قائم غدا» .
__________
(1) النور: 24. [.....]
(2) الكتاب (1: 243) .
(3) يعنى: سيبويه.

(2/537)


وقوله: «1» : «فإذا صار الاسم مجروراً» - يعني «برجل» ، يعني بقوله:
مررت برجل- أو عاملاً «فيه فعل» نحو قوله: مررت برجل معه صقر.
وقوله «2» «أو مبتدأ» ، يعني مثل قولك: هذا رجل معه صقر.
فقال في الجميع: إذا صار الاسم كذا لم تلفه «3» - يعني الظرف.
وقوله «4» : «وفي الظروف، إذا قلت: فيها أخواك قائمان، رفعه الابتداء» .
هذا كلام فا «5» . وقد ناقض في قوله: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) «6» ، وقوله: (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ) «7» ، وقوله: (بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها) «8» ، وقوله: (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)
«9» ، وقوله: (حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ) «10» ، وزعم أنه على الخلاف.
ومن ذلك قوله تعالى: (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) «11» ، / فيمن قرأ «علي» بتشديد الياء يرتفع «أن» الظرف على المذهبين، كقوله تعالى:
(وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) «12» .
__________
(4- 2- 1) يعني: سيبويه.
(3) العبارة في سيبويه: «أي مبتدأ لم تلفه لأنه ليس يرفعه الابتداء» .
(5) يعني: أبا علي الفارسي. وانظر الحاشية (ص 529) من هذا الجزء. وكثيرا ما يعقب المؤلف على الفارسي (ص 531 من هذا الجزء) .
(6) ص: 58.
(7) الكهف: 44.
(8) هود: 41.
(9) القيامة: 14.
(10) الأنعام: 71.
(11) الأعراف: 105.
(12) فصلت: 39.

(2/538)