إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب الثالث والعشرون
هذا باب ما جاء في التنزيل من المضمرين إلى أي شيء يعود مما قبلهم وهو كثير في التنزيل، لكنا نذكر نبذاً منها:
فمن ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) «1» قيل: من مثل محمد- عليه السلام- فالهاء تعود إلى «عبدنا» .
وقيل: تعود الهاء إلى قوله «ما» ، أي: فأتوا بسورة من مثله/ ما نزلناه على عبدنا- فيكون «من» زيادة- على قول أبي الحسن- دليله قوله:
(فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) .
وقيل: الهاء تعود إلى الأنداد، كما قال سيبويه في قوله: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) «2» وفي الأخرى: (مِمَّا فِي بُطُونِها) «3» لأن «أفعالا» و «أفعلا» و «أفعلة» و «فعلة» جرت عندهم مجرى الآحاد لأنهم جمعوها في قولهم: أناعيم، وأكالب، وأساق، وغير ذلك، وصغروها تصغير الآحاد في: أنيعام، وأكيلب. فجاز عودها إلى الأنداد في قوله:
(فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) «4» ، والمعنى يقتضي الأوجه الثلاثة، وقرب اللفظ يقتضى عوده إلى «عبدنا» .
__________
(1) البقرة: 23.
(2) النحل: 66.
(3) المؤمنون: 21.
(4) البقرة: 22.

(2/552)


ومن ذلك قوله: (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) «1» .
قيل: التقدير: أول كافر بالتوراة، وهو مقتضى قوله: (لِما مَعَكُمْ) «2» فيعود إلى «ما» .
وقيل: يعود الهاء إلى قوله (بِما أَنْزَلْتُ) «3» وهو القرآن. والوجه الأول أقرب.
ويجوز أن تعود الهاء إلى النبي- صلى الله عليه وعلى آله- وذلك مذكور دلالة، لأن قوله: (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ) أي: أنزلته على محمد، عليه السلام.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) «4» .
قيل: الهاء تعود إلى «الصلاة» . أي: إن الصلاة لكبيرة- أي:
لثقيلة- إلا على الخاشعين، كقوله: (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) «5» .
وعندي: أن الهاء تعود إلى المصدر، لأن قوله: «واستعينوا» يدل على الاستعانة، أي: إن الاستعانة لكبيرة إلا على الخاشعين، كما قال:
من كذب كان شرّا له.
__________
(1) البقرة: 41.
(2) البقرة: 41.
(3) البقرة: 41.
(4) البقرة: 45.
(5) البقرة: 143.

(2/553)


ومن ذلك قوله: (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) «1» .
قيل: يعود إلى ذبح الأبناء، واستحياء النساء. أي: في المذكور نقمة من ربكم.
ووحّد «ذا» ولم يقل: «ذينكم» ، لأنه عبّر به عن المذكور المتقدم.
وقيل: يعود «ذلكم» إلى «الإنجاء» من آل فرعون.
ومثل الأول قوله: (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) «2» ، أي: ذلكم المذكور المتقدم.
ومثله: (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) «3» .
أي: بين المذكور المتقدم، لأن «بين» يضاف إلى أكثر من واحد، كقولك: المال بين زيد وعمرو.
ومثله: (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) «4» ، «هو» عبارة عن المصدر، / أي. الإخراج محرم عليكم، ثم قال: «إخراجهم» .
فبين ما عاد إليه هو.
وقال: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) «5» أي: العدل أقرب للتقوى.
وقد تقدم (هُوَ خَيْراً لَهُمْ) «6» على معنى: البخل خيراً لهم لأن «ينجلون» يدل عليه.
__________
(1) البقرة: 49.
(2) البقرة: 54.
(3) البقرة: 68.
(4) البقرة: 85. [.....]
(5) المائدة: 8.
(6) آل عمران: 18.

(2/554)


وقال: (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) «1» ، أي: إن أكله.
وقال: (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) «2» ، أي: إن أكله لفسق.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ) «3» .
قيل: التقدير: وما أحد يزحزحه من العذاب تعميره. ف «هو» يعود إلى «أحد» وهو اسم «ما» .
وقوله: «بمزحزحه» خبر «ما» والهاء في «بمزحزحه» يعود إلى «هو» .
وقوله: «أن يعمر» يرتفع «بمزحزحه» .
ويجوز أن يكون «وما هو» «هو» ضمير التعمير، أي: ما التعمير [بمزحزحه] من العذاب. ثم بين فقال: «أن يعمر» ، يعني: التعمير، أي: ما التعمير.
وقال الفراء: «هو» ضمير المجهول، أي: ما الأمر والشأن يزحزح أحداً تعميره من العذاب. وهذا ليس بمستو، لمكان دخول الباء، والباء لا تدخل في الواجب، إلا أن يقول: إن النفي سرى من أول الكلام إلى أوسطه، فجلب الباء.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) «4» .
قيل: وآتى المال على حب الإعطاء.
[و] قيل: وآتى المال على حب ذوي القربى. فإن صح كان (ذَوِي الْقُرْبى) بدلاً من الهاء- وفيه نظر.
__________
(1) النساء: 2.
(2) الأنعام: 121.
(3) البقرة: 96.
(4) البقرة: 177.

(2/555)


وقيل: على حب المال فعلى هذا يكون الجار والمجرور في موضع الحال، أي: آتاه محباً له.
وأما قوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) «1» . أي: على حب الطعام، ويكون: على حب الإطعام، ويكون: على حب الله.
ومن ذلك قوله: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) «2» .
قيل: معناه: فمن عفي عن الاقتصاص منه، فاتباع بالمعروف، هو أن يطلب الولي الدية بمعروف، ويؤدي القاتل الدية بإحسان- عن ابن عباس.
فالهاء في «إليه» يعود إلى «من» .
وقوله: «فاتباع بالمعروف، أي: فعلى الولي اتباع بالمعروف، وعلى القاتل أداء إلى الولي بإحسان. فالهاء في «إليه» على هذا ل «الوليّ» .
وقيل: إن معنى قوله (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) «3» بمعنى: فمن فضل له فضل- وهو مروي عن السدي، لأنه قال: الآية نزلت في فريقين كانا على عهد رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله- قتل من كلا الفريقين قتلى، فتقاصا ديات القتلى بعضهم من بعض، فمن بقيت له بقية/ فليتبعها بالمعروف، وليؤد من عليه الفاضل بإحسان.
ويكون معنى قوله: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) «4» . أي: فمن فضل من قتل أخيه القاتل له شيء.
__________
(1) الإنسان: 8.
(2) البقرة: 178.
(4- 3) البقرة: 178.

(2/556)


ولعل فارس الصناعة «1» أراد هذا حين قال «فمن عفي له» أي: من يسر من قتل اخيه القاتل شيء فاتباع بالمعروف، أي، ليتبعه ولي المقتول، وليؤد إليه بإحسان، فلا يمطله، والأداء في تقدير فعل المفعول، أي فله: أن يؤدي إليه، يعني الميسر له، ولو قدر تقدير: أن يؤدي القاتل، جاز، والباء حال، ولم يكن من تمام الأداء ليعلق إلى «به» .
فمقتضى ما قدمنا في قوله: (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) «2» قولان:
أحدهما: أنهما عائدان إلى القاتل والمقتول «اتباع بالمعروف» عائد إلى ولي المقتول أن يطالب بالدية بمعروف، والأداء بإحسان عائد إلى القاتل أن يؤدي الدية بإحسان.
والثاني: أنهما عائدان إلى القاتل، أن يؤدي الدية بمعروف وإحسان فالمعروف أن لا ينقصه والإحسان أن لا يؤخره.
ففى الآية ثلاث كنايات:
أحدها: الهاء في «له» .
والثاني: الهاء في «أخيه» .
والثالث: الهاء في «إليه» .
فيقال الهاء في «له» وفي «أخيه» للقاتل الذي عفي له للقصاص،
__________
(1) يعني: أبا علي الفارسي.
(2) البقرة: 178.

(2/557)


وأخوه ولي القتيل. والضمير في «إليه» أيضاً له. أي: يؤدي القاتل الدية إلى الولي العافي بإحسان عن غير مطل.
وبين الفريقين في هذه الآية كلام في موجب العمد، هل هو القود؟
أو أحد الشيئين من القود والدية لا بعينه.
فقال الشافعي في موجبه أحدهما: فإن شاء استوفى القصاص، وإن شاء أخذ الدية، فقال في الآية: إن الله شرع القصاص عيناً ابتداء، ثم ألزم القاتل أداء المال إلى الولي إذا عفى له، ولأن قوله: (فَمَنْ) «1» كلمة مبهمة، وذكرت لبيان تغيّر حكم القصاص بعفو يقع له فدل ضرورة أن كلمة «من» تنصرف إلى من عليه القصاص، ليسقط به، وهي كناية عن الاسم المراد بقوله (فَمَنْ) «2» .
فثبت ضرورة أن الثابت في اسم القاتل، الذي دل عليه القصاص، وأن العفو وقع له.
والله تعالى علق بالعفو وجوب الاتباع والقبول والأداء، فإن قوله:
(فَاتِّباعٌ) «3» على/ سبيل التعليق بالأول. بمنزلة قوله: «فاتبعوا» .
كقول الله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) «4» في باب الكفارة.
ثم بين أن هذا الحكم من الله تخفيف ورحمة، فإن الحياة لا عوض لها، وقد حي بعد الهلاك بالدية.
__________
(3- 2- 1) البقرة: 178.
(4) المجادلة: 3.

(2/558)


و (عُفِيَ لَهُ) «1» يجئ بمعنى: عفي عنه، فلما ثبت أن العفو وقع للقاتل علم أن العافي هو الولي ضرورة، وما لأحد غيره حق في هذا الباب، وقد تقدم الجواب عن هذا الكلام.
ودل قوله «شيء» على التنكير، فإن الله أوجب القصاص ابتداء، ثم قال: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) «2» على سبيل التنكير، فينصرف إلى شيء من الواجب عليه، أي: أي شيء من القصاص.
فإن قيل: تأويله: شيء من العفو بعفو القصاص دون البدل.
قلنا: لما كان «شيء» نكرة من جملة وجب صرفها إلى الجملة المذكورة شائعة، وهو القصاص، دون العفو، الذي لم يذكر، كما يجب في الكناية والتعريف.
ومن ذلك قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ) «3» .
فيه قولان:
أحدهما: «الهاء» لنمرود، لما أوتي الملك، حاج في الله تعالى. عن الحسن.
الثاني: هو لإبرهيم، لما آتاه الله الملك، حاجه نمرود: عن أبى حذيفة.
و «الملك» النبوة.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) «4» .
__________
(2- 1) البقرة: 178. [.....]
(3) البقرة: 258.
(4) فاطر: 11.

(2/559)


فيه قولان:
أحدهما: أنه لا يمد في عمر معمر حتى يهرم (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) «1» أي: من عمر آخر، حتى يموت طفلا (إِلَّا فِي كِتابٍ) . «2» .
وقيل: (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) «3» قدر الله مدة أجله، إلا كان ما ينقص منه بالأيام الماضية وفي كتاب، جل سبحانه وتعالى، فالهاء على هذا للمعمر، على الأول، كقولك: عندي درهم ونصفه، أي، نصف مثله، كذلك:
لا ينقص من عمر مثل معمر، ولا يشبه الآية «درهم ونصفه» ، لأنه ليس المعنى:
لا ينقص آخر من عمر ذلك الآخر.
إنما المعنى: ولا ينقص آخر من عمر هذا المعمر، أي: لا ينقص بجعله أنقص عمراً منه.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) «4» فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: إلا ليؤمنن بالمسيح قبل موت المسيح، إذا نزل من السماء.
عن ابن عباس.
الثاني: إلا ليؤمنن بالمسيح قبل موت الكتابي عند المعاينة، فيؤمن بما أنزل الله من الحق وبالمسيح-/ عن الحسن- فيعود الهاء من «موته» إلى «أحد» المضمر، لأن التقدير: وإن أحد من أهل الكتاب.
__________
(3- 2- 1) فاطر: 11.
(4) النساء: 159.

(2/560)


والقول الثالث: إلا ليؤمنن بمحمد- صلى الله عليه وعلى آله- قبل موت الكتابي. عن عكرمة. وفيه ضعف لأنه لم يجر هاهنا لمحمد- عليه السلام- ذكر.
فإن قيل: إذا كان الاختيار الأول، فما وجه قوله عز وجل: (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) «1» ؟ وكيف يشهدون على من لم يشاهدهم، ولم ير منهم ما يشهد به عليهم؟
فالجواب: أنه ليس واجباً على الشاهد ألّا يشهد إلا بما شاهد لأن الشهادة علم، وإذا علم الشيء وتحققه فله أن يشهد.
ألا ترى أنا نشهد بأن محمداً رسول الله، ولم نره ولم نشاهده، لأنا علمنا بالتواتر كونه، وبالدليل رسالته، فكذلك عيسى نشهد بعلمه.
ومن ذلك قوله تعالى: (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) «2» .
فيه قولان:
الأول: أنها كفارة للجارح لأنه يقوم مقام آخذ الحق.
والثاني: كفارة للمجروح. عن ابن مسعود.
وعن ابن عباس، هذا محمول على من عفي عنه بعد التوبة.
ويجوز أن يعود الضمير في قوله إلى المقتول، أي: إذا عفا وليه زاد الله فى ثواب المقتول.
__________
(1) النساء: 159.
(2) المائدة: 45.

(2/561)


ويجوز أن يرجع إلى القاتل، والهاء الأولى للقتل، أي: من تصدق بتبيين القتل منه، وأنه هو الذي فعله، وقصد استتار القاتل، وخفي أمره على الأولياء. فذلك التصدق كفارة للقاتل لأنه إنفاذ لحكم الله، وتخليص الناس من التهم والظنون.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) «1» .
قيل: الهاء لنوح.
وقيل: لإبرهيم لأن الله أراد تعداد الأنبياء من ولد إبراهيم- عليه السلام، امتناناً عليه بهذه النعمة.
وليس القصد ذكر أولاد نوح، فهو له «2» ، ولوطا ويونس ب «هدينا» مضمرة عند من قال: إنه لإبرهيم. ولا وجه لإختلاف العطف.
ومن ذلك قوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) «3» . أي:
للذكر لقوله: (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) «4» وقيل: «وإنا له» يعني لمحمد صلى الله عليه وعلى آله كما قال: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) «5» .
ومن ذلك قوله: (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) «6» .
__________
(1) الأنعام: 84.
(2) يريد: فالخطاب له، أي لنوح عليه السلام.
(3) الحجر: 9.
(4) فصلت: 42.
(5) المائدة: 67.
(6) طه: 88.

(2/562)


قيل: «فنسي» / أي: نسيه موسى، فمضى يطلب رباً سواه، فعلى هذا تقف على قوله: «فنسي» دون «موسى» .
وقيل: «هذا إلهكم وإله موسى» تمت الحكاية ثم قال: «فنسي» أي: فنسي السامري.
ومن ذلك قوله تعالى: (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) «1» .
قيل: علم الله صلاة نفسه، وتسبيح نفسه.
وقد ذكرنا ما في هذا من الاختيار فيما تقدم.
ومن ذلك قوله: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) «2» أي: فإن المذكور، كما قال: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) «3» .
أي: إن المذكور كما قال: (وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) «4» . أي:
ما جعل الله الإمداد، فكنى عن الإمداد لأن قوله: (أَنْ يُمِدَّكُمْ) «5» ، يدل عليه نظيره في الأنفال: (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَما جَعَلَهُ اللَّهُ) «6» .
ومن ذلك قوله: (لِنُحْيِيَ بِهِ) «7» أي: بالماء، ثم قال: (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ) «8»
__________
(1) النور: 41.
(2) آل عمران: 186. [.....]
(3) الشورى: 43.
(4) آل عمران: 126.
(5) آل عمران: 124.
(6) الأنفال: 9 و 10.
(7) الفرقان: 49.
(8) الفرقان: 50.

(2/563)


فقالوا: يعني المطر، صرفه بين الخلق، فلم يخص به مكاناً دون مكان، ليعتبروا ويتعظوا، ومع ذلك أبوا إلا كفوراً، حين قالوا: مطرنا بنوء كذا.
وقال قوم: ولقد صرفنا القرآن بينهم لأنه ذكره في أول السورة.
والأول أوجه لأنه أقرب.
ومن ذلك قوله: (وَجاهِدْهُمْ بِهِ) «1» أي: بالقرآن، وقيل: بالإنذار لأن قبله «نذيراً» يدل على الإنذار.
ومن ذلك قوله: (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) «2» ، أي: بالله، لقوله: (مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ) «3» .
وقيل: بالرسول، صلى الله عليه وعلى آله.
فأما قوله: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) «4» .
فقيل: الضمير للأمر والشأن، أي: قل الأمر والشأن «الله أحد» .
وقيل: «هو» إشارة إلى «الله» ، وقوله: «الله» بدل منه، مفسر له.
وأما قوله تعالى: (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) «5» فيمن اختلس كسرة الهاء كان كناية عن المصدر، أي: اقتد اقتداء.
__________
(1) الفرقان: 52.
(2) الزمر: 33.
(3) الزمر: 32.
(4) الإخلاص: 1.
(5) الأنعام: 90.

(2/564)


وعلى هذا قراءة من قرأ: (لَمْ يَتَسَنَّهْ) «1» بالهاء في الوصل، يكون كناية عن المصدر.
وأما قوله: َ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها)
«2» .
ففي «هو» وجهان:
أحدهما- أن يكون ضمير (كل) ، أي: لكل أهل وجهة وجهة هم الذين يتولونها ويستقبلونها عن أمر نبيهم. عن مجاهد.
والثاني- الله تعالى هو الذي يوليهم إليها، وأمرهم باستقبالها. عن الأخفش.
وقد قرئ: «هو مولاها» . وهذا حسن.
يدل على الثاني من القولين قال: (مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) «3» .
قيل: الهاء تعود إلى الله، أي: هو عصمني ونجاني من الهلكة.
وقيل: إنه سيدي أحسن مثواي لأنه قال لامرأته: (أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) «4» .
فأما قوله: (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ) «5» أي: الإجابة أو المقالة أو الكلمة، ولا يكون قوله: (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) «6» تفسيراً لقوله (فَأَسَرَّها) لأنه لا نظير لمثل هذا المثل، والمفسر في كلامهم لأن المفسر في جملة، والمفسر في جملة أخرى، وإنما يكونان في جملة واحدة، نحو: نعم رجلاً زيد، وربه رجلاً وما أشبه ذلك.
__________
(1) البقرة: 259.
(2) البقرة: 148.
(3) يوسف: 23. [.....]
(4) يوسف: 21.
(6- 5) يوسف: 77.

(2/565)


ومن ذلك قوله: (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) «1» .
أي: زاد الإنس الجن عظماً وتكبراً.
وقيل: بل زاد الجن الإنس رهقاً، ولم يعيذوهم، فيزدادوا خوفاً.
ومن ذلك قوله: (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ) «2» أي: فذلك النقر، فعبر عن المصدر ب «ذا» .
ومن ذلك قوله: (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) «3» .
أي: على رجع الإنسان وبعثه.
وقيل: على رجع الماء إلى الإحليل.
ومن ذلك قوله: (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) «4» .
الهاء الأولى ل «ما» من قوله: (لَما آتَيْتُكُمْ) «5» والثانية للرسول، إذا جعلت «ما» بمعنى «الذي» ، وإذا جعلته شرطاً، كلاهما للرسول.
ومن ذلك قوله: (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) «6» .
قيل فاعل «أملى» هو الله لقوله «أملى لهم» .
وقيل: هو الشيطان، لأنه أهملهم، ورجاهم، وسول لهم، وزين لهم.
ومن ذلك قوله: (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) «7» ، أي: من الكافرين من أهل الكتاب.
__________
(1) الجن: 6.
(2) المدثر: 8، 9.
(3) الطارق: 8.
(5- 4) آل عمران: 81.
(6) محمد: 25.
(7) المائدة: 73.

(2/566)


ومن ذلك قوله: (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) «1» .
قيل: الهاء للمصدر، أي: يذرؤكم في الذرء.
ويجوز أن يكون «2» ، لقوله: (أَزْواجاً) كما قال: (فِي بُطُونِهِ) «3» .
فأما قوله: (وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ) «4» أي: من قبل هدايته لأن قبله:
(وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) «5» .
وأما قوله: (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ) «6» . أي:
من قبل السحاب لأن السحاب جمع سحابة فجرى مجرى النخل والحب، وقد قال: (يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) «7» كما، قال: (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) «8» / و (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) «9»
. وقال: (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) «10» ، ولم يقل: «مواضعها» .
فأما قوله: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ) «11» .
ففيما يعود إليه «منهما» ثلاثة أقوال:
__________
(1) الشورى: 11.
(2) في الأصل: «إن لم يكون» .
(3) النحل: 66.
(5- 4) البقرة: 198.
(6) الروم: 49.
(7) النور: 43. [.....]
(8) القمر: 20.
(9) الحاقة: 7.
(10) النساء: 46.
(11) البقرة: 102.

(2/567)


أحدها- أنه لهاروت وماروت.
والثاني- من السحر والكفر.
والثالث- من الشيطان والملكين، يتعلمون من الشياطين السحر، ومن الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه.
ومن ذلك قوله: (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ)
«1» .
فالمعنى في الآية: أن مجترحي السيئات لا يستوون مع الذين آمنوا، كما قال: (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) «2» .
وكما قال: (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) «3» .
فالمراد في الآية هذا المعنى، والضمير في قوله: (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ)
«4» لا يخلو من أن يكون للذين آمنوا دون الذين اجترحوا السيئات، أو للذين اجترحوا من دون المؤمنين أولهما جميعاً.
فيجوز أن يكون الضمير في «محياهم ومماتهم» للذين آمنوا دون غيرهم.
ويكون المعنى: كالذين آمنوا مستوياً محياهم ومماتهم، فتكون الجملة في موضع الحال من «الذين آمنوا» ، كما يكون الحال من المجرور في نحو: مررت بزيد.
ويجوز أن تكون الجملة في موضع المفعول الثاني من «نجعل»
__________
(4- 1) الجاثية: 21.
(2) السجدة: 18.
(3) الرعد: 16.

(2/568)


أي: نجعلهم مستوياً محياهم ومماتهم، كالذين آمنوا، أي: لا ينبغي ذلك لهم، فيكون الضمير فى (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ)
«1» للذين اجترحوا السيئات، و «محياهم ومماتهم» يعود الضمير منه إلى الضمير الذي في (نَجْعَلَهُمْ)
«2» .
ويدل على ذلك أنه قد قرئ فيما زعموا: «سواء محياهم ومماتهم» فنصب الممات «3» . وقد حكي عن الأعمش.
فهذا يدل على أنه أبدل المحيا والممات من الضمير المتصل ب «نجعلهم» فيكون كالبدل، كقوله: (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) «4» .
فيكون الذكر في «محياهم ومماتهم» على هذا المعنى: للذين اجترحوا السيئات.
ويجوز أن نجعل قوله: (كَالَّذِينَ آمَنُوا)
«5» في موضع المفعول الثاني ل «نجعل» ، ويكون الضمير في «محياهم ومماتهم» للقبيلين.
ويكون العامل في الحال «أن نجعلهم» الذي هو مفعول «الحسبان» «6» .
ويكون المعنى: أن نجعلهم والمؤمنين متساوين في المحيا والممات.
وقد روي عن مجاهد أنه قال/ في تفسير هذه الآية: يموت المؤمن على إيمانه ويبعث عليه، ويموت الكافر على كفره ويبعث عليه.
فهذا يكون على الوجه الثالث يجوز أن يكون حالاً، من «نجعلهم» والضمير للقبيلين.
__________
(2- 1) الجاثية: 21.
(3) وجه النصب في هذه القراءة على نزع الخافض بتقدير أن الأصل: سواء في محياهم وفي مماتهم.
(4) الكهف: 63.
(6- 5) يريد قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ) في أول الآية.

(2/569)


فإن قلنا: إن من الكفار من يلحقه مكانه في الدنيا، ويكون له نعم ومزية، فالذى يلحق ذلك ليس يخلو من أن يكون من أهل الذمة، أو من أهل الحرب.
فإن كان من أهل الذمة، فليس يخلو من أن يكون قد أدركه ما ضرب عليهم من الذلة في الحكم.
وإن كان من أهل الحرب، فليس يخلو من إباحة نفسه وماله، لكونه حرباً.
ومن أن يكون ذلك جارياً عليه في الفعل من المسلمين بهم أو الحكم، والمؤمن مكرم في الدنيا لغلبته بالحجة، وفي الآخرة في درجاته الرفيعة ومنازله الكريمة.
ومن ذلك قوله: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا) «1» . أي: الله سماكم المسلمين، من قبل إنزال القرآن، وفي هذا القرآن. عن ابن عباس.
وقيل: بل إبراهيم سماكم المسلمين لقوله: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) «2» .
عن ابن زيد.
ومن ذلك قوله تعالى: (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) «3» .
فى الهاء ثلاثة أقوال:
الأول- أنه من التكذيب.
والثاني- أنه للكتاب.
والثالث- للإنذار، وإن جاء «لتنذر» بعده.
__________
(1) الحج: 78.
(2) البقرة: 128.
(3) الأعراف: 2. [.....]

(2/570)


ومن ذلك قوله: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) «1» .
قال سعيد بن جبير: إن الرسل يئسوا من قومهم أن يؤمنوا به، وإن قومهم ظنوا أن الرسل قد كذبوا فيما قالوا لهم، فأتاهم نصر الله على ذلك.
والضمير في قوله: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) «2» للمرسل إليهم، أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به، من أنهم إن لم يؤمنوا نزل العذاب بهم، وإنما ظنوا ذلك لما شاهدوه من إمهال الله إياهم وإملائه.
ودل ذكر الرسل على المرسل إليهم، فكنى عنهم، كما كنى عن الرعد حين جرى ذكر «البرق» في قوله:
أمنك البرق أرقبه فهاجا ... فبت إخاله دهماً خلاجاً «3»
وفيمن شدد «كذبوا» فالضمير للرسل، تقديره: ظن الرسل، أي: تيقنوا.
«وظنوا» ليس/ الظن الذي هو حسبان.
ومعنى «كذبوا» تلقوا بالتكذيب، كقولهم: خطأته، وفسقته، وجدعته، وغفرته، فتكذيبهم إياهم، يكون بأن تلقوا بذلك.
وقيل في قوله تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً) «4» أي: تساقط ثمرة النخلة، فأضمر «الثمرة» لجري ذكر «النخلة» ، كالرعد مع البرق، والرسول مع المرسل إليه.
__________
(2- 1) يوسف: 110.
(3) البيت لأبي ذؤيب. والدهم: الإبل السود. والخلاج: جمع خلوج، وهي الناقة التي جذب عنها ولدها بذبح أو موت فحنت إليه. يشبه صوت الرعد بأصوات هذه الخلاج لأنها تحن لفقد أولادها.
(4) مريم: 25.

(2/571)


ومن ذلك قوله: (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها) «1» . أي:
فسوى الدمدمة بينهم، وهو الدمار.
وقيل: سواهم بالأرض، أو سوى بهم بعدهم من الأمم.
(وَلا يَخافُ عُقْباها) «2» أي: الله تعالى، لا يخاف عاقبة إهلاكه إياهم، ولا تبعة من أحد لفعله، كقوله: (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) «3» .
وقيل: لم يخف الذي عقر الناقة عقباها. أي: عقبى عقر الناقة، على حذف المضاف. عن الضحاك.
وقيل: لا يخاف صالح- رسول الله صلى الله عليه- تبعتها، أي:
قد أهلكها الله ودمرها وكفاه مؤونتها.
و «الواو» يجوز أن تكون للحال، أي: فسواها غير خائف عقباها، أي: غير خائف أن يتعقب عليه في شيء مما فعله.
وقيل: فعقروها غير خائف عقباها. ولم يقل: ولا تخافون لأن لفظ «أشقى» مفرد، فهو كقوله: (مَنْ يَسْتَمِعُ) «4» ، و (مَنْ يَسْتَمِعُونَ) «5» .
ومن ذلك قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) «6» ، فيكون على إضافة المصدر إلى المفعول، مثل: (بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ) «7» (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) «8» لأن الضمير للروم، وهم المغلوبون، كأنه لما قيل: (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) «9» أي: بجد واجتهاد، علمنا أنه أخذ بما أمر به وتلقّاه بالقبول.
__________
(1) الشمس: 14.
(2) الشمس: 15.
(3) الأنبياء: 23.
(4) الأنعام: 25.
(5) يونس: 42.
(6) السجدة: 23.
(7) ص: 24.
(8) الروم: 3.
(9) الأعراف: 145.

(2/572)


والمعنى: من لقاء موسى الكتاب، فأضيف المصدر إلى ضمير «الكتاب» وفي ذلك مدح له على امتثاله ما أمر به، وتنبيه على الأخذ بمثل هذا الفعل.
كقوله: (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) «1» و (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)
«2» .
ويجوز أن يكون الضمير لموسى- عليه السلام- والمفعول به محذوف، كقوله: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) «3» والدعاء مضاف إلى الفاعل.
ويجوز أن يكون التقدير: من لقائك موسى، فحذف/ الفاعل، فيكون ذلك في الحشر، والاجتماع للبعث، أو في الجنة، فيكون كقوله:
(فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) «4» .
ومن ذلك قوله: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) «5» . أي: مثل نور الله في قلب محمد- صلى الله عليه وعلى آله.
وقيل: مثل نور القرآن.
وقيل: بل مثل نور محمد- عليه السلام.
وقيل: بل مثل نور قلب المؤمن.
[و] «6» قوله تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) «7» ، «ذا» إشارة إلى الإحياء، أو إلى ذكر القصة، أو للإباحة، أو للإبهام.
__________
(1) الأنعام: 106.
(2) القيامة: 18. [.....]
(3) فاطر: 14.
(4) طه: 16.
(5) النور: 35.
(6) تكملة يقتضيها السياق.
(7) البقرة: 74.

(2/573)


وفي الضمير الآخر قولان:
أحدهما- للقلوب.
والثاني- أنها للحجارة، لأنها أقرب المذكورين.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) «1» الضمير لله، لتقدم ذكره في قوله: (آمَنَّا بِاللَّهِ) «2» ، أو لجميع المذكورين «3» .
وفي قوله: (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) «4» غير وجه:
قيل: يعرفون تحويل القبلة إلى الكعبة.
وقيل: يعرفون محمداً.
وقيل: يعود إلى العلم، من قوله: (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) «5» وهو نعته.
وأما قوله تعالى: (بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) «6» .
قال أبو علي: الهاء تعود إلى «ما عقدتم» بدلالة أن الأسماء المتقدمة:
اللغو، والأيمان، وما عقدتم.
ولا يجوز أن يعود إلى اللغو لأن اللغو لا شيء فيه، بلا خلاف.
قال: ولا يعود إلى «الأيمان» إذ لم يقل: فكفارتها.
والمعقود عليه ما كان موقوفاً على الحنث والبر، وما عدا ذلك لم يدخل تحت النص.
وعندي أنه يعود إلى «الأيمان» ، كقوله: (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) «7» .
__________
(1) البقرة: 136.
(2) البقرة: 136.
(3) أي جميع المذكورين في صدر هذه الآية.
(4) البقرة: 146.
(5) البقرة: 145.
(6) المائدة: 89.
(7) النحل: 66.

(2/574)


ومن ذلك قوله: (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) «1» ولم يقل: ألا إنهما قربة.
ولا يجوز أن يعود إلى «الصلوات» ، لأن المفعول الثاني من «يتخذ» هو الأول، والنفقة قربة، وليست بدعاء الرسول، والضمير في «إنه» للنفقة التي عليها ما ينفق، فلا يكون قوله: (وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) «2» عطفاً على (قُرُباتٍ) «3» ولكن يكون عطفاً على لفظة (اللَّهِ) «4» .
وقيل: يكون عطفاً على لفظة «ما» ، أي يتخذ ما ينفق قربات، ويتخذ صلوات الرسول قربات.
وأما قوله: (فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) «5» ، فاعل «انهار» : «الجرف» فكأنه: فانهار الجرف بالبنيان في النار لأن البنيان مذكر، بدلالة (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا) «6» .
ويجوز أن يكون/ الفاعل ضمير (مِنَ) «7» وسقوط البنيان زيادة في غضب الباني كالصنم زيادة في عقاب عابده.
وإنما قوله: (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) «8» .
قيل: «اللام» للعاقبة، أي: إلى الاختلاف صار خلقهم لأنهم خلقوا للعبادة.
__________
(4- 3- 2- 1) التوبة: 99.
(7- 5) التوبة: 109. [.....]
(6) التوبة: 110.
(8) هود: 119.

(2/575)


وقيل: هو مردود إلى قوله: (وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) «1» ، أي. خلقهم لئلا يهلكهم وأهلها مصلحون.
وقيل: للرحمة خلقهم.
وقيل: للشقاوة والسعادة خلقهم. عن ابن عباس.
وقيل: للاختلاف خلقهم عن مجاهد.
ومن ذلك قوله: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) «2» .
قال أبو علي:
الهاء ضمير المصدر الذي دل عليه قوله: (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) «3» ، أي: ولا يحيطون علماً بعلمه.
ومما يبين ذلك قوله: (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) «4» .
ومن ذلك قوله: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) «5» ، أي: الإعادة أهون على الخالق، وجاز لأن الفعل يدل على مصدره، أي: الإعادة أهون على الخالق من الابتداء في زعمكم.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) «6» .
أي: ما كان الله معذب المشركين.
«وهم» أي: المسلمون يستغفرون بين أظهرهم.
__________
(1) هود: 117.
(2) طه: 110.
(3) طه: 110.
(4) البقرة: 30.
(5) الروم: 27.
(6) الأنفال: 33.

(2/576)