إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب الثامن والستون
هذا باب ما جاء في التنزيل من حذف إحدى التاءين في أول المضارع فمن ذلك قوله تعالى: (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) «1» .
وقال في سورة الأحزاب: (تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) «2» .
وقال: (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) «3» .
والأصل: تتظاهرون، و: تتظاهرا، فلما اجتمعت تاآن حذفت إحداهما.
وكذلك قوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
«4» ، فيمن خفف.
وقال: (قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ) «5» ، في جميع التنزيل.
وأصله: تتذكرون، فحذفت إحدى التاءين، والمحذوفة الثانية، لأن التكرار بها وقع، وليس الأول بمحذوف، لأن الأول علامة المضارع، والعلامات لا تحذف.
ومن ذلك قراءة العامة دون قراءة ابن كثير: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) «6» ، (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) «7» ، (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) «8» ، (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) «9» ، (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) «10» ،
__________
(1) البقرة: 85.
(2) الأحزاب: 4- وتظاهرون، قرأ عاصم بالتاء للخطاب، والحرميان وأبو عمرو بشد الظاء والهاء. وابن عامر بشد الظاء وألف بعدها، أبو حمزة والكسائي بتخفيف الظاء وألف، وابن رئاب بضم التاء وسكون الظاء وكسر الهاء، مضارع أضهر، وفيما حكى الرازي عنه بتخفيف الظاء لحذفهم تاء المطاوعة وشد الهاء، وقرأ الحسن بضم التاء وتخفيف الظاء وشد الهاء. وقرأ هارون بفتح التاء والهاء وسكون الظاء.
وفي مصحف أبي: تتظهرون: بتاءين (البحر 7: 211) .
(3) التحريم: 4.
(4) الأنعام: 152- الأعراف: 57- النمل: 90- النور: 27.
(5) النمل: 62.
(6) البقرة: 267.
(7) النساء: 97.
(8) المائدة: 2.
(9) الأنعام: 153.
(10) الأعراف: 117.

(3/849)


(وَلا تَوَلَّوْا) «1» في الأعراف وطه والشعراء «2» ، (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) «3» فى الأنفال، (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ) «4» في التوبة، (لا تَكَلَّمُ) «5» ، (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ) «6» في هود، (ما نُنَزِّلُ) «7» في الحجر، (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) «8» ، (فَإِنْ تَوَلَّوْا) «9» في النور، (عَلى مَنْ تَنَزَّلُ ... تَنَزَّلُ) «10» في الشعراء، (وَلا تَبَرَّجْنَ) «11» ، (أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ) «12» في الأحزاب، (لا تَناصَرُونَ) «13» في الصافات، (وَلا تَجَسَّسُوا) «14» ، (لِتَعارَفُوا) «15» ، (وَلا تَنابَزُوا) «16» في الحجرات، (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) ، في الممتحنة «17» (تَكادُ تَمَيَّزُ) «18» ، (لَما تَخَيَّرُونَ) «19» في القلم، (عَنْهُ تَلَهَّى) «20» في عبس، (ناراً تَلَظَّى) «21» في الليل، (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) «22» في القدر بتشديد الراء.
حذفت العامة إحدى التاءين من هذه الحروف، وأدغم الأولى في الثانية ابن أبي بزة، إجراءً للمنفصل مجرى المتصل، نحو: (اطَّيَّرْنا) «23»
__________
(1) الأنفال: 20.
(2) كذا في الأصل. [.....]
(3) الأنفال: 46.
(4) التوبة: 52.
(5) هود: 105.
(6) هود: 57.
(7) الحجر: 8.
(8) النور: 15.
(9) النور: 54.
(10) الشعراء: 221،
(11) الأحزاب: 33.
(12) الأحزاب: 52.
(13) الصافات: 25.
(14) الحجرات: 12.
(15) الحجرات: 13.
(16) الحجرات: 11. [.....]
(17) الممتحنة: 9.
(18) الملك: 8.
(19) القلم: 38.
(20) عبس: 10.
(21) الليل: 14.
(22) القدر: 4.
(23) النمل: 47.

(3/850)


(ادَّارَكُوا) «1» . وترى في كتب النحو يقولون: (فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) «2» ، وذلك ليس بمروى في القراءة، إنما قاسوه على هذه الحروف.
وزاد بعضهم على ابن كثير: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) «3» ، أي: تتمارى.
وروى عن عاصم: (بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ) «4» ، أي: تتعلمون، فحذف إحدى التاءين.
ومن الحذف الذي جاء في التنزيل قوله: (قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ) «5» ، وقوله:
(فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) «6» ، وقوله: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي) «7» . منهم من يدغم النون الأولى في الثانية، ومنهم من يحذف، فمن حذف حذف النون الثانية التي يتصل بها ياء الضمير، ويبقى علامة الرفع ويكسرها لمجاورة الياء. والدليل على أن النون الثانية هي المحذوفة حذفها في: ليتى، و، لعلى، و: قدى.
وقد جاء في القراءة عن ابن عامر: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي) «8» ، بإثبات النونين.
ولم يجىء عن أحد: «تبشروننى» ، ولا «تحاجوننى في الله» ، إلا الإدغام أو الحذف، والحذف ضرب من الإدغام، والفرق بين «تأمروننى» وبين الكلمتين الأخريين: أن الأخريين لما شدد فيه «الجيم» و «الشين» جاء التشديد
__________
(1) الأعراف: 38.
(2) المجادلة: 9.
(3) النجم: 55.
(4) آل عمران: 79.
(5) الأنعام: 80.
(6) الحجر: 54.
(8- 7) الزمر: 64. [.....]

(3/851)


فيما بعده للمجاورة، والحذف مثل الإدغام، وليس فى «تأمروننى» إدغام حرف قبله، فلم يدغم. فأما قوله: (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ) «1» فإن أحدا لم يدغم كما أدغم «أتحاجونى» و «تبشرون» ، ولم يحذف أيضا، لأنه جاء على الأصل، وليس كل ما جاز في موضع جاز فى موضع.
وروى عن ابن محيصن: (قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ) «2» ، بنون واحدة مشددة، قياسا على ما ذكرناه.
قال ابن مجاهد: كان أبو عمرو لا يدغم الحرف إذا لقى مثله في كلمة واحدة وهما متحركان، مثل: (أَتُحَاجُّونَنا) «3» ، و (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) «4» .
ومثل قوله: (مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ) «5» و (فِي وُجُوهِهِمْ) ، إلا أن يكون مدغما في الكتاب، مثل قوله: (تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) «6» و (ما مَكَّنِّي) «7» ، و (أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ) إلا قوله: (ما سَلَكَكُمْ) «8» ، و (مَناسِكَكُمْ) «9» فإنه أدغمها.
ومثل هذه الآية قوله: (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) لا يدغمها أبو عمرو وغيره جرياً على الأصل، ولأن النون الثانية غير لازمة، ألا تراك تقول: تمدون زيدا.
وأدغمها حمزة كما أدغم غيره «أتحاجونى» اعتبارا بسماحة العربية.
ومن حذف التاء قوله تعالى: (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) «10» ، تقديره: «تتصدقوا» فأدغمه الجماعة، وحذفها عاصم، كما حذف هو وغيره.
(وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) «11»
__________
(3- 1) البقرة: 83.
(2) الأنعام: 80.
(4) النمل: 36.
(5) النور: 33.
(6) الزمر: 64.
(7) الكهف: 95.
(8) المدثر: 42.
(9) البقرة: 200.
(10) البقرة: 280.
(11) البقرة: 267.

(3/852)


ومنه قوله: (تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) «1» ، أي: تتسوى، فحذف. ومنهم من أدغم فقرأ، «تسوى» ، كما أدغم «تصدقوا» . وقد اختلفوا في حذف هذه التاء أيتها هي، فمن قائل المحذوفة الأولى، ومن قائل المحذوفة الثانية، وهذا هو الأولى، لأنهم أدغموها/ فى نحو «تذكرون» ، و «تزكى» ، ولأنه لو حذف حرف المضارعة لوجب إدخال ألف الوصل في ضروب من المضارع، نحو: يذكرون، ودخول ألف الوصل لا مساغ له هنا، كما لا يدخل على أسماء الفاعلين والمفعولين، لأن حذف الجار أقوى من حذف حرف المضارعة، للدلالة عليه بالجر الظاهر في اللفظ، يعني في:
لاه أبوك. فلهذا خفف الثاني في هذا النحو دون حرف المضارعة، لأن الحذف غير سائغ في الأول مما لم يتكرر، لأنك قد رأيت مساغ الحذف من الأول من هذه المكررة.
__________
(1) النساء: 42.

(3/853)