الإتقان في علوم القرآن النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ: فِي
غَرَائِبِ التَّفْسِيرِ
أَلَّفَ فِيهِ مَحْمُودُ بْنُ حَمْزَةَ الْكِرْمَانِيُّ
كِتَابًا فِي مُجَلَّدَيْنِ سَمَّاهُ "الْعَجَائِبَ
وَالْغَرَائِبَ" ضَمَّنَهُ أَقْوَالًا ذُكِرَتْ في معاني آيات
مُنْكَرَةً لَا يَحِلُّ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا وَلَا
ذِكْرُهَا إِلَّا لِلتَّحْذِيرِ مِنْهَا، من ذَلِكَ قَوْلُ
مَنْ قَالَ فِي "حمعسق": إِنَّ الْحَاءَ حَرْبُ عَلِيٍّ
وَمُعَاوِيَةَ وَالْمِيمَ وِلَايَةُ الْمَرْوَانِيَّةِ
وَالْعَيْنَ وِلَايَةُ الْعَبَّاسِيَّةِ، وَالسِّينَ وِلَايَةُ
السُّفْيَانِيَّةِ، وَالْقَافَ قُدْوَةُ مَهْدِيٍّ، حَكَاهُ
أَبُو مُسْلِمٍ، ثُمَّ قَالَ أَرَدْتُ بِذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ
أَنَّ فِيمَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ حَمْقَى، وَمِنْ ذَلِكَ
قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي الم: مَعْنَى "أَلِفٍ" أَلِفَ اللَّهُ
مُحَمَّدًا فَبَعَثَهُ نَبِيًّا، وَمَعْنَى "لَامٍ" لَامَهُ
الْجَاحِدُونَ وَأَنْكَرُوهُ، وَمَعْنَى "مِيمٍ" مِيمُ
الْجَاحِدُونَ الْمُنْكِرُونَ مِنَ الْمُومِ وَهُوَ
الْبِرْسَامُ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ
حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} : إِنَّهُ قَصَصُ الْقُرْآنِ
وَاسْتَدَلَّ بِقِرَاءَةِ أَبِي الْجَوْزَاءِ {وَلَكُمْ فِي
الْقِصَصِ} ، وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ
أَفَادَتْ مَعْنًى غَيْرَ مَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ
وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ كَمَا بَيَّنْتُهُ
فِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ
(4/231)
وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فُورَكٍ
فِي تَفْسِيرِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ
قَلْبِي} : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ لَهُ صَدِيقٌ وَصَفَهُ
بِأَنَّهُ "قَلْبُهُ"، أَيْ لِيَسْكُنَ هَذَا الصَّدِيقُ إِلَى
هَذِهِ الْمُشَاهَدَةِ إِذَا رَآهَا عِيَانًا
قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَهَذَا بِعِيدٌ جِدًّا
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي {رَبَّنَا وَلا
تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} إِنَّهُ الْحُبُّ
وَالْعِشْقُ وَقَدْ حَكَاهُ الْكَوَاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ
إِذَا وَقَبَ} إِنَّهُ الذَّكَرُ إِذَا انْتَصَبَ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي مُعَاذٍ النَّحْوِيِّ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ}
يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ، {نَاراً} أَيْ نُورًا وَهُوَ مُحَمَّدٌ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، {فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ
تُوقِدُونَ} تَقْتَبِسُونَ الدِّينَ.
(4/232)
|