البرهان فى تناسب سور القرآن

سورة الحاقة
لما بنيت سورة "ن والقلم " على تقريع مشركي قريش وسائر العرب
وتوبيخهم وتنزيه نبى الله - صلى الله عليه وسلم - عن شنيع قولهم وقبيح بهتهم، وبين حسدهم وعداوتهم "وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ"
أتبعت بسورة الحاقة وعيدا لهم وبيانا أن حالهم في سوء ذلك المرتكب قد سبق إليه غيرهم

(1/345)


"كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) ... فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) "
"أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ " (الأنعام: 6) "فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ" "وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98) ".
فسورة الحاقة جارية مجرى هذه الآي المعقب بها ذكر عناد مشركي العرب
ليتعظ بها من رزق التوفيق "لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) .
ولما ذكر حال من هلك من الأمم السالفة بسوء تكذيبهم وقبيح عنادهم أتبع ذلك بذكر الوعيد الأخروي "يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) .
ثم عاد الكلام إلى ما بنيت عليه سورة "ن والقلم " من تنزيهه - صلى الله عليه وسلم - وتكريمه مقسما على ذلك "إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر ولا بقول كاهن " وانتهى نفي ما يقولونه منصوصا على
نزاهته عن كل جملة منها في السورتين "مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) .
أي ما الذي جئت به بقول شاعر ولا بقول كاهن بل هو تنزيل من رب العالين، (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) " ... "وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) "
فنزه ربك وقدسه عن عظيم ما ارتكبوه.
سورة المعارج
لما انطوت سورة الحاقة على أشد وعيد وأعظمه اتبعت بجواب من استبطأ
ذلك واستبعده، إذ هو مما يلجأ إليه المعاند الممتحن فقال تعالى: "سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) " إلى قوله: "إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) "
، ثم ذكر حالهم إذاك "يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ....الآية. ثم أتبع بأن ذلك لا يغني عنه ولا يفيده "إنها لظى"
ثم ختمت السورة بتأكيد الوعيد وأشد التهديد "فذرهم يخوضوا ويلعبوا" إلى قوله "ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون "
أي: ذلك يوم الحاقة ويوم القارعة.

(1/346)


سورة نوح عليه السلام
لما أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالصبر في قوله تعالى: "فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)
وجليل الإغضاء في قوله: "فذرهم يخوضوا ويلعبوا"
أتبع ذلك بذكر قصة نوح عليه السلام وتكرر دعاء قومه إلى الإيمان وخص
من خبره حاله في طول مدة التذكار والدعاء لأنه المقصود في الموضع تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم وليتأسى به في الصبر والرفق في الدعاء كما قيل له صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ"
" فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ "
فقد دام دعاء نوح قومَه أدوم من مدتك ومع ذلك فلم يزدهم إلا فرارا
(قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)
ثم مضت آى السورة على هذا المنهج من تجديد الِإخبار بطول مكابدته عليه

(1/347)


السلام وتكرار دعائه، فلم يزدهم ذلك إلا بعدا وتصميما على كفرهم حتى
أخذهم الله وأجاب فيهم دعاء نبيه نوح عليه السلام "رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) .
وذلك ليأسه من فلاحهم، وانجر في هذا حض نبينا - صلى الله عليه وسلم - على الصبر على قومه والتححمل منهم كما صرح به في قوله: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)
وكما قيل له (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ)
(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) .
سورة الجن
لما تقدم ذكر حال كفار قريش في تعاميهم عن النظر وجريهم في اللدد
والعناد حسبما انطوت عليه سورة "ن والقلم "، ثم اتبعت بوعيدهم في الحاقة

(1/348)


بتحقيقه وقرب وقوعه في المعارج، ثم تسليته عليه الصلاة والسلام وتأنيسه بقصة نوح مع قومه أعقب ذلك بما يتعظ به الموفق ويعلم أن القلوب بيد الله، فقد كانت استجابة معاندى قريش والعرب أقرب في ظاهر الأمر لنبيء من جنسهم ومن أنفسهم، فقد تقدمت لهم معرفة صدقه وأمانته، ثم جاءهم بكتاب بلسانهم الذى به يتحاورون ولغتهم التى بها يتكلمون فقد بهرت العقول آياته ووضحت لكل قلب سليم براهينه ومعجزاته، وقد علموا أنهم لا يقدرون على معارضته إلى ما شاهدوه من عظيم البراهين، ومع ذلك عموا وصموا، وسبق إلى الإيمان من ليس من جنسهم ولا سبقت له مزية تكريمهم وهم الجن ممن سبقت لهم من الله الحسنى فآمنوا وصدقوا، وأمر - صلى الله عليه وسلم - بالإخبار بذلك فأنزل عليه "قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ".. إلى قوله إخبارا عن تعريف الجن سائر
إخوانهم بما شاهدوه من عناد كفار العرب "وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)
ثم استمرت الآى ملتحمة المعاني معتضدة المباني إلى آخر السورة.
سورة المزمل
لما كان ذكر إسلام الجن قد أحرز غاية انتهى مرماها، وتم مقصدها
ومبناها، وهي الإعلام باستجابة هؤلاء وحرمان من كان أولى بالاستجابة وأقرب في

(1/349)


ظاهر الأمر إلى الإنابة بعد تقديم وعيدهم وشديد تهديدهم، صرف الكلام إلى
أمره صلى الله عليه وسلم بما يلزمه من وظائف عبادته وما يلزمه في أذكاره من ليله ونهاره مفتتحا ذلك بأجمل مكاملة وألطف مخاطبة "يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ"
تسلية له صلى الله عليه وسلم كما ورد " فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ"
وليحصل منه ألَّا اكتراث بعناد من قدم عناده وكثر لججه، واتبع ذلك بما يشهد لهذا الغرض ويعضده وهو قوله تعالى:، (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)
وهذا عين الوارد في قوله: " فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ " وفي قوله: "نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار" (ق. 45)
ثم قال: "إن لدينا أنكالا"
فذكر ما أعد لهم، وإذا تأملت هذه الآي وجدتها قاطعة بما قدمناه وبان لك التحام ما ذكره، ثم رجع الكلام إلى التلطف به صلى الله عليه وسلم وبأصحابه رضى الله عنهم وأجزل جزاءهم مع وقوع التقصير ممن يصح منه تعظيم المعبود الحق جل جلاله "عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ، إلى قوله: "فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَهُ "
ثم ختم السورة بالاستغفار من كل ما تقدم من عناد الجاحدين المتقدم ذكرهم فيما قبل من السور إلى ما يفي العباد - المستجيبون به مما أشار إليه قوله تعالى: (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) .
سورة المدثر
ملاءمتها لسورة المزمل واضحة واستفتاح السورتين من نمط واحد، وما
ابتدئت به كل واحدة منهما من جليل خطابه - صلى الله عليه وسلم - وعظيم تكريمه "يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ"

(1/350)


"يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ" والأمر فيهما بما يخصه "قم الليل إلا قليلا نصفه ... الآى"
وفي الأخرى "قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)
أتبعت في الأولى بقوله: "واصبر على ما يقولون " (15) وفي الثانية بقوله: "ولربك فاصبر" (7) وكل ذلك قصد واحد وأتبع أمره بالصبر في المزمل بتهديد الكفار ووعيدهم "وذرني والمكذبين ... الآيات " (11) وكذلك في الأخرى "ذرني ومن خلقت وحيدا.... الآية " (11) فالسورتان واردتان في معرض واحد وقصد متحد.
سورة القيامة
لما تقدم قوله مخبرا عن أهل الكفر "وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ" (45) ثم
تقدم في صدر السورة قوله تعالى: "فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ".. إلى قوله "غَيْرُ يَسِيرٍ"
والمراد به يوم القيامة، والوعيد به لمن ذكر بعد في قوله: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) .

(1/351)


ومن كان على حاله في تكذيب وقوع ذلك اليوم، ثم تكرر ذكره عند جواب من سئل بقوله: "ما سلككم في سقر" (41)
فبسط القول في هذه السورة في بيان ذكر ذلك اليوم وأهواله، وأشير إلى حال من كذب به في قوله تعالى: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)
وفي قوله: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)
ثم أتبع ذلك بذكر أحوال الخلائق في ذلك اليوم (يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) .
سورة الإنسان
قوله تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) .
تعريف للإنسان بحاله وابتداء أمره ليعلم أن لا طريق له للكبر واعتقاد
السيادة لنفسه وأن لا يغالطه ما اكتنفه من الألطاف الربانية والاعتناء الإلهي

(1/352)


والتكرمة، فيعتقد أنه يستوجب ذلك ويستحقه "وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ".
ولما تقدم في القيامة إخباره تعالى عن حال منكري البعث عنادا واستكبارا
وتعاميا عن النظر والاعتبار "أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ"
وقوله بعد: (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)
أي يتبختر عتوا واستكبار، وفرحا وتجبرا، وتعريفه بحاله التي لو ذكر
منها لما كان منه ما وصف، وذلك قوله: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) .
ثم أتبع ذلك بما هو أعرق في التوبيخ وأوغل في التعريف وهو أنه قد كان لا شىء، فلا نطفة ولا علقة، ثم أنعم عليه بنعمة الإيجاد
ونقله تعالى من طور إلى طور فجعله نطفة من ماء مهين في قرار مكين، ثم كان
علقة ثم مضعة إلى إخراجه وتسويته خلقا آخر فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، فمن اعتبر اتصافه بالعدم ثم تقلبه في هذه الأطوار المستنكف حالها، والواضح فناؤها واضمحلالها، وأمده الله بتوفيقه، عرف حرمان من وصف في قوله: (ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) .
فسبحان الله ما أعظم حلمه أكرم رفقه، ثم بين تعالى أن ما جعله للإنسان من السمع والبصر ابتلاء له، ومن إدراكه أدركه الغلط وارتكب
الشطط.
سورة المرسلات
أقسم تعالى بالملائكة المتتابعين في الإرسال والرياح المسخرة والآتية بالمطر
والملائكة الفارقة بما تنزل به بين الحق والباطل، والملقيات الذكر بالوحي إلى الأنبياء إعذارا من الله وإنذارا: أقسم تعالى بما ذكره من مخلوقاته على صدق الموعود به في قوله: "إنا اعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا.... الآية".

(1/353)


وقوله: (إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)
وقوله: "وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) ... إلى قوله: "وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) .
وقوله "وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27)
وقوله: "يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31) .
ولو لم يتقدم إلا هذا الوعد والوعيد المختتم به السورة لطابق افتتاح الأخرى
قَسَماً عليه أشد المطابقة، فكيف وصورة "هل أتى على الإنسان " برأسها
مواعد أخروية وإخبارات جزائية، فأقسم سبحانه وتعالى على صحة الوقوع وهو المتعالي الحق وكلامه الصدق.
سورة عم
سورة النبأ أما مطلعها فمرتب على التساؤل واستفهام وقع منهم، وكأنه وار
هنا في معرض العدول والالتفات، وأما قوله: "كلا سيعلمون "
فمناسب للوعيد المكرر في قوله: "ويل يومئذ للمكذبين "، كأن قد

(1/354)


قيل سيعلمون عاقبة تكذيبهم، ثم أورد تعالى من جميل صنعه وما إذا اعتبره المعتبر علم أنه لم يخلق شىء منه عبثا بل ليعتبر به، ويستوضح وجه الحكمة فيه فيعلم أنه لابد من وقت ينكشف فيه الغطاء ويجازي الخلائق على نسبة من أحوالهم في الاعتبار والتدبر والخضوع لمن نصب مجموع تلك الدلائل، ويستشعر من تكرار الفصول وتجدد الحالات وإحياء الأرض بعد موتها جري ذلك في البعث واطراد الحكم، وإليه الإشارة بقوله: "كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى" فقال تعالى منبها على ما ذكرناه: "أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) .. إلى قوله وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) .
فهذه المصنوعات المقصودة بها الاعتبار كما تقدم، ثم قال تعالى.: "إن يوم الفصل كان ميقاتا" (17) أي موعدا لجزائكم لو اعتبرتم بما ذكر لكم لعلمتم منه وقوعه وكونه، ليقع جزاؤكم على ما سلف منكم، فويل يومئذ للمكذبين، ويشهد لهذا القصد مما بعد من الآيات قوله تعالى لما ذكر ما أعد للطاغين (إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29)
ثم قال بعد: "إن للمتقين مفازا" (31) وقوله بعد "ذلك اليوم الحق ".
وأما الحياة الدنيا فلعب ولهو "وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ"
وقوله بعد: (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40) .