التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه تفسير "هُدًى" على سبعة عشر وجها
الوجه الأول: هدى يعني بيانا
وذلك في قوله في البقرة: {أولائك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ}
يعني على بيان من ربهم. وقوله في لقمان: {أولائك على هُدًى}
يعني على بيان. وتصديق ذلك في حمالسَّجدة قوله: {وَأَمَّا
ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} يعني بيَّنَّا لَهُمْ. وقال في هل
أتى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل} يعني بَيَّنَّا له
السَّبِيل. وقال في لا أقسم: {وَهَدَيْنَاهُ النجدين} يعني
بيَّنَّا له. وقال في الأَعراف: {أَوَلَمْ يَهْدِ} يعني أو لم
يبّيِّن، {لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض} . وفي طاه: {أَفَلَمْ
يَهْدِ} يعني أفلم يبَيِّن،
(1/96)
وهو تفسير قتادة. وقال الحسن: وقوله:
{قَدَّرَ فهدى} يَعْنِي بَيّن له سبيل الهدى وسبيل الضلالة،
وفي الم تنزيل السَّجدة: {أَوَلَمْ يَهْدِ} يعني أو لم يبيّن
لهم. ونحوه كثير.
الوجه الثاني: هدى يعني دين
الإسلام
وذلك قوله في الحج {إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} يعني على
دين مستقيم، حق، وهو الإِسلام. ومثلها في البقرة: {قُلْ إِنَّ
هُدَى الله هُوَ الهدى} يعني دين الله، يعني الإِسلام، هو
الدين وهو الحق. وفي الأَنعام: {قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ
الهدى} يعني دين الله هو الدِّين. وقال في آل عمران: {قُلْ
إِنَّ الهدى هُدَى الله} يعني إِنَّ الدين دين الله وهو
الإِسلام، وهو الحق. ونحوه كثير.
الوجه الثالث: هدى يعني الإيمان
وذلك قوله في سورة مريم:
(1/97)
{وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى} يعني
يزيدهم إيمانا. وكقوله في الكهف: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} يعني
إِيمانا. وفي سبأ: {أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ الهدى} يعني عن
الإيمان. وقال في الزُخرف {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} يعني
إِنَّنا لمؤمنون، وهو تفسير مجاهد. ونحوه كثير.
الوجه الرابع: هدى يعني دعاء
وذلك قوله في الرعد: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} يعني داعيا،
يعني نبيّاً. وهو تفسير قتادة. وفي حمعاساقا: {وَإِنَّكَ
لتهدي} يعني لتدعو. وفي الأَنبياء: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً
يَهْدُونَ} يعني يدعون {بِأَمْرِنَا} . وقال في الم السجدة:
{أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} . ومثله كثير. وقال في
سبحان: {إِنَّ هاذا القرآن يَِهْدِي} يعني يدعو، {لِلَّتِي
هِيَ أَقْوَمُ} . وقال في الأَحقاف: {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ يهدي} يعني يدعو {إِلَى الحق} ، وقال في قل أوحي:
{يهدي إِلَى الرشد} يعني يدعو. وقال في الصَّافَّات: {فاهدوهم}
يعني
(1/98)
فادعوهم، {إلى صِرَاطِ الجحيم} . وقال في
الأَعراف: {وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ} يَعْنِي
يدعون {بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} .
الوجه الخامس: هدى يعني معرفة
وذلك قوله في النَّحل: {وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ} يعني يعرفون
الطّرق. وفي النَّمل {نَنظُرْ أتهتديا} يعني أتعرفه تفسير
مجاهد {أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ} يعني أم تكون
من الَّذين لا يعرفون. وفي الأَنبياء: {فِجَاجاً سُبُلاً
لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} يعني لعلَّهم يعرفون الطَّريق،
تفسير قتادة. وقال في الزخرف: {سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ} لكي تبصروا الطريق، يعني لعلكم تعرفون. وفي طه:
{ثُمَّ اهتدى} ثم عرف الصّواب.
الوجه السادس: هدى يعني أمر محمد
يعني أمر النبي
وذلك قوله تعالى في الذين كفروا: {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُمُ الهدى} يعني أمر محمد أنه رسول الله وقامت عليهم الحجة
بالنبي والقرآن. وفي البقرة: {إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَآ
أَنزَلْنَا مِنَ البينات والهدى} يعني أمر محمد أنَّه رسول
الله. وقال قتادة: وكتموا الإِسلام، وكتموا محمدا وهم يجدونه
مكتوبا عندهم. وفي الَّذين كفروا أيضا: {وَشَآقُّواْ الرسول
مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى}
(1/99)
يعني أمر محمد أنَّه نبي وأنه رسول الله.
وقال يحيى: من بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لهم الإِيمان، وقامت عليهم
الحجًَّة على النبي والقرآن، يعني المنافقين.
الوجه السابع: هدى يعني رشدا
وذلك قوله في القصص: {عسى ربي أَن يَهْدِيَنِي} . قال قتادة:
أن يرشدني {سَوَآءَ السبيل} . وفي طه: {أَوْ أَجِدُ عَلَى
النار هُدًى} يعني مرشدا للطريق. وقال قتادة: يهدونه
الطَّرِيق. وفي ص: {واهدنآ إلى سَوَآءِ الصراط} يعني أرشدنا.
وفي فاتحة الكتاب {اهدنا الصراط} يعني ارشدنا ونحوه كثير.
الوجه الثامن: هدى يعني رسلا
هدى يعني رسلا وكتبا، وذلك قوله في البقرة: {فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} يعني رسلا وكتبا، {فَمَن تَبِعَ
هُدَايَ} يعني فمَنْ تبِع رسلي وكتبي. وفي طه: {فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} ، مثل الأَوًَّل سواء، {فَمَنِ
اتبع هُدَايَ} يعني رسلي وكتبي، {فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يشقى} .
الوجه التاسع: هدى يعني القرآن
وذلك قوله في النجم: {وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ
الهدى} يعني القرآن، فيه بيان كل شيء. وقال في سبحان: {وَمَا
مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى} يعني القرآن.
وفيه بيان كل شيء. وفي يوسف: {وَهُدًى وَرَحْمَةً} يعني
القرآن. وفي آل عمران مثلها. وفي الكهف: {وَمَا مَنَعَ الناس
أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى} يعني القرآن.
(1/100)
الوجه العاشر: هدى
يعني التوراة
وذلك قوله في حمالمؤمن: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الهدى} يعني
التَّوراة. وفي الم السجدة: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لبني
إِسْرَائِيلَ} يعني التَّوْراة. وقال الحسن: {وَجَعَلْنَاهُ}
يعني موسى {هُدًى لبني إِسْرَائِيلَ} . وفي أوّل سبحان مثلها.
الوجه الحادى عشر: هدى يعني
التوفيق
وذلك قوله في البقرة: {وأولائك هُمُ المهتدون} إِلى الاسترجاع
والصّبر، يعني هم الْموفَّقون. وفي التَّغابن: {وَمَن يُؤْمِن
بالله يَهْدِ قَلْبَهُ} يعني يوفِّق قلبه إلى الاسترجاع عند
المصيبة فسلَّم ورضي وعرف أَنها من الله.
الوجه الثاني عشر: هدى يعني لا
يهدي
وذلك قوله في البقرة: {والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين}
المشركين، لا يهديهم إِلى الحجّة، ولا يهديهم من الضَّلالةِ
إِلى دينه. وفي براءة: {والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين}
يعني إِلى الحجَّة. وفي سورة الجمعة: {والله لاَ يَهْدِي القوم
الظالمين}
(1/101)
يعني لا يهديهم من الضَّلالةِ إِلى دينه.
قال: هم الَّذِين يلقون الله بشركهم. وفي الصّف مثلها أيضا.
ونحوه كثير.
الوجه الثالث عشر: هدى يعني
التوحيد
وذلك قوله في القصص {إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ
مِنْ أَرْضِنَآ} يعني التَّوحيد وهو الإِيمان. وفي الصَّفِّ:
{هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق} يعني
التَّوحيد يعني الإِسلام. ومثلها في براءة. وفي إِنَّا فتحنا
لك: {هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى} يعني التَّوحيد،
{وَدِينِ الحق} . يعني الإِسلام.
الوجه الرابع عشر: هدى يعني سنة
وذلك قوله في الزخرف {وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}
يعني مستنون سنتهم في الكفر. وقال مجاهد: سنتهم. وفي الأَنعام
يقول للنَّبي: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} يعني بسنتهم، التوحيد،
"اقتده"، يعني اسْتَنَّ بِها.
(1/102)
الوجه الخامس عشر:
هدى يعني التوبة
وذلك قوله في الأَعراف {إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ} . تفسير
مجاهد وقتادة: إنَّا تبنا إليك.
الوجه السادس عشر: هدى يعني يصلح
يهدي يُصلح، وذلك قوله في سورة يوسف {وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي
كَيْدَ الخائنين} يعني لا يصلح عمل الزُّناة.
الوجه السابع عشر: هدى يعني
الإلهام
وذلك قوله في طه: {الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى}
يعني ألهمه لمرعاه، فمنها ما يأكل النَّبْت، ومنها ما يأكل
الحب، ومنها ما يأكل اللَّحم. وقوله: {خَلْقَهُ} يعني صورته
التي تصلح له. قال: {ثُمَّ هدى} يعني ألهمه كيف يأتي معيشته
ومرعاه، وذلك قوله في سَبِّح اسم ربِّك الأعلى {والذي قَدَّرَ
فهدى} يعني قدَّر الخلق، الذَّكر والأُنثى، "فهدى" يعني أَلهَم
كيف يأتيها وتأتيه.
(1/103)
تفسير الكفر على
أربعة وجوه
الوجه الأول: الكفر يعني الكفر
نفسه
يعني الكفر بتوحيد الله والإِنكار له، وذلك قوله في البقرة:
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ} .
يقول: إِنَّ الَّذِين كفروا بتوحيد الله، الَّذين يلقون الله
بكفرهم. وقال في سورة محمَّد: {الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن
سَبِيلِ الله} ، الهُدَى، يعني الإِسلام، يعني كفروا بتوحيد
الله. وفي الحجِّ: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن
سَبِيلِ الله} كفروا بتوحيد الله؟
الوجه الثاني: الكفر يعني الجحود
وذلك قوله في البقرة: {فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ
كَفَرُواْ بِهِ} يعني جحدوا به وهم يعرفونه. وفي الأَنعام
{الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ
أَبْنَآءَهُمُ} يعني يعرفون النَّبِيَّ عليه السَّلام لأنَّ
نعته عندهم في التوراة، قال: {الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ
لاَ يُؤْمِنُونَ} لأَنهم كفروا به بعد المعرفة. وقال في
البقرة: {وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحق
وَهُمْ يَعْلَمُونَ} الحق. وقال في
(1/104)
آل عمران: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله
غَنِيٌّ عَنِ العالمين} يعني من كفر بالحجِّ فجحد به من أهل
الكتاب وأهل الأَديان، فلم ير الحج واجبا {فَإِنَّ الله
غَنِيٌّ عَنِ العالمين} يعني أهل الكتاب وغيرهم.
الوجه الثالث: الكفر يعني كفر
النعمة
وذلك قوله في البقرة: {واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} ولا
تكفروا نعمتي. وقال في النَّمل: {أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}
يعني أم أكفر النِّعمة. وفي لقمان: {وَمَن كَفَرَ} يعني كفر
النِّعمة. وقال فرعون: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ
وَأَنتَ مِنَ الكافرين} يعني الكافرين بنعمتي، إِذ ربيتك صغيرا
وأحسنت إِليك. ونحوه كثير.
الوجه الرابع: الكفر يعني البراءة
وذلك قوله في الممتحنة: {كَفَرْنَا بِكُمْ} يعني تبرّأنا
مِنْكُمْ. وقال الحسن: كفرْنا بولايتكم في الدِّين. وفي
العنكبوت {يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} يعني تبرأ بعضكم من
بعض. وقال إِبليس: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن
قَبْلُ} يعني تبرّأت. ونحوه كثير.
(1/105)
تفسير الشرك على
ثلاثة أوجه
الوجه الأول: الشرك يعني الشرك
بالله
الشرك يعني الشرك بالله الذي يعدل به غيره، وذلك قوله في سورة
النِّسَاء: {واعبدوا الله وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً}
يعني لا تعدلوا به غيره. وكقوله: {لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ
بِهِ} يعني لا يغفر أن يُعْدَل به غيره. وفي المائدة {إِنَّهُ
مَن يُشْرِكْ بالله} يعني يَعْدِل بالله غيره، {فَقَدْ حَرَّمَ
الله عَلَيهِ الجنة} إِذا مات مصرّا على ذلك. وفي براءة:
{أَنَّ الله برياء مِّنَ المشركين وَرَسُولُهُ} يعني الَّذين
يعدلون به غيره. ونحوه كثير.
الوجه الثاني: الشرك يعني الطاعة
من غير عبادة
وذلك قوله في الأَعراف: {فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ
لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا} يعني جعلا إِبليس شريكاً لله
في الطاعة، في اسم ولدهما من غير عبادة. وهو قول قتادة. وقول
إِبليس: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ}
يعني أشركتموني مع الله في الطَّاعة.
الوجه الثالث: الشرك يعني في
الأعمال بالرياء
وذلك قوله في
(1/106)
الكهف: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً
وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً} من خلقه، يقول:
لا يريد بذلك غير الله لأَنه قد برأه.
(1/107)
تفسير الإيمان على
أربعة وجوه
الوجه الأول: الإيمان يعني الإقرار
باللسان
الإِيمان يعني الإقرار باللسان من غير تصديق، وذلك قوله في
سورة المنافقون: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ} يعني أَقرّوا
باللِّسَانِ في العلانية {ثُمَّ كَفَرُوا} في السِّرِّ ولم
يصدِّقوا بالنبيِّ وما جاء به. وفيها أيضا مثلها، قوله:
{ياأيها الذين آمَنُواْ} يعني أَقَرُّوا باللِّسَان من غير
تصديق {لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن
ذِكْرِ الله} . وقال في سورة الحديد: {أَلَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آمنوا أَن} يعْني الَّذِين أَقرُّوا باللِّسَانِ.
{لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} . وفي
المجَادلة. وفي الحجِّ مثله.
الوجه الثاني: الإيمان يعني
التصديق
وذلك قوله في لم يكن: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصالحات أولائك هُمْ خَيْرُ
(1/108)
البرية} . وفي سورة إِنَّا فتحْنا لك:
{لِّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن
تَحْتِهَا الأنهار} . ونحوه كثير.
الوجه الثالث: الإيمان يعني
التوحيد
الإِيمان يعني التَّوحيد، وذلك قوله في المائدة: {وَمَن
يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} يعني ومن يكفر
بالتوحيد، وهو قول مجاهد، بالله. وفي سورة المؤمن: {إِذْ
تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان} يعني التَّوحيد، تفسير مجاهد. وفي
النَّحل: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بالإيمان} يعني بالتَّوحيد. قال يحيى: بلغني أَنَّها نزلت في
عمَّار بن ياسر.
الوجه الرابع: الإيمان يعني الشرك
الإِيمان يعني الشِّرك، وذلك قوله في سورة يوسف: {وَمَا
يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} يعني
بذلك مشركي العرب وإِيمانهم. كما قال الله: {وَلَئِن
سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} . وهو قول
سفيان الثوري. وقال في لقمان: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ
خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} وهذا منهم إِيمان،
وهم في ذلك
(1/109)
مشركون بالله. وأهل الكتاب يؤمنون ببعض
الكتاب وبعض الرّسل ويكفرونَ ببعض. قال الله: {أولائك هُمُ
الكافرون حَقّاً} ، فلم ينفعهم إِيمانهم ببعض الرّسل والكتب
إِذ لم يؤمنوا بهم كلِّهم.
(1/110)
تفسير سواء على ستة
وجوه
الوجه الأول: سواء يعني عدلا
وذلك قوله في آل عمران: {قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى
كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} يعني عدلا بيننا
وبينكم. وفي حم السَّجدة: {سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ} يعني عدلا
لمن يسأل الرّزق. وفي ص: {واهدنآ إلى سَوَآءِ الصراط} ، يعني
إِلى عدل القضاء.
الوجه الثاني: سواء يعني وسطا
وذلك قوله في والصّافات: {فَرَآهُ فِي سَوَآءِ الجحيم} يعني في
وسط الجحيم، وهو تفسير قتادة. وفي الدُّخان: {فاعتلوه إلى
سَوَآءِ الجحيم} يعني وسط الجحيم، وهو تفسير قتادة.
الوجه الثالث: سواء يعني أمرا بيّنا
وذلك قوله في الأَنفال: {فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَآءٍ} يعني
على أمر بيّن. وفي سورة الأَنبياء {فَقُلْ آذَنتُكُمْ على
سَوَآءٍ} يعني ءاذنتكم على أمر بيّن.
(1/111)
الوجه الرابع: سواء
يعني شرعا
وذلك قوله في سورة الحجِّ: {سَوَآءً العاكف فِيهِ والباد} يعني
أهل مكَّة، والباد، هم في بيوتها شرعا، سواء وفي النِّسَاء:
{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ
سَوَآءً} يعني فتكونون أنتم والكفَّار في الكفر شرعا، سواء.
وفي الرّوم: {هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
يعني عبيدكم {مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ}
وهم {فِيهِ سَوَآءٌ} يعني شرعا، سواء. وفي سورة النَّحل:
{فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ} يعني شرعا، سواء.
الوجه الخامس: سواء يعني قصدا
وذلك قوله في القصص: {عسى ربي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السبيل}
يعني قصد الطَّرِيقِ. وفي المائدة: {وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ
السبيل} يعني قصد الطَّرِيقِ. ونَحوه كثير.
الوجه السادس: سواء يعني سواء في
الاستواء
سواء يعني سواء في الاستواء، وذلك قوله في البقرة: {سَوَآءٌ
عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ
يُؤْمِنُونَ} يعني أناسا من كفَّار العرب، لأنَّه طبع على
قلوبهم، إِن أنذرت الكفَّار أم لم تنذرهم فهو عليهم سواء. وفي
يس مثلها: {وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ} . ومثله
كثير.
(1/112)
تفسير المرض على
أربعة وجوه
الوجه الأول: المرض يعني الشك
وذلك قوله في البقرة: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} يعني شكّا. وهو
تفسير الحسن. {فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً} يعني شكًّا. وفي
براءة: {وَأَمَّا الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} يعني شكًّا،
نفاقا. وفي الَّذِين كفروا: {رَأَيْتَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ
مَّرَضٌ} يعني شكًّا، نفاقاً. ونحوه كثير.
الوجه الثاني: المرض يعني الفجور
وذلك قوله في الأَحزاب: {فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}
يعني فجورا. وفي آخرها: {والذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} يعني
فجوراً. وليس في القرآن غيرهما. وقال قَتادة: الزِّنا.
الوجه الثالث: المرض يعني الجراح
وذلك قوله في سورة النساء: {وَإِنْ كُنْتُمْ مرضى} يعني جرحى.
والَّتِي مثلها في المائدة
(1/113)
مثلها: {وَإِن كُنتُم مرضى أَوْ على
سَفَرٍ} يعني جرحى. وليس في القرآن غيرهما.
الوجه الرابع: المرض يعني المرض
بعينه
المرض يعني المرض بعينه والأَوجاع، وذلك قوله في البقرة:
{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً} يعني جميع الأَوجاع. وفي
براءة: {لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى} يعني من كان
به شيء من مرض. وفي إِنَّا فتحنا لك: {وَلاَ عَلَى المريض
حَرَجٌ} . والَّتِي في النُّور مثلها.
(1/114)
تفسير الفساد على
ستة وجوه
الوجه الأول: الفساد يعني المعاصي
وذلك قوله في البقرة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ
فِي الأرض} يعني لا تعملوا فيها بالمعاصي والشِّرك {قالوا
إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} . وَالَّتي في الأَعراف: {وَلاَ
تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} يعني لا تعملوا
فيها بالمعاصي والشِّرك بعدما جاءكم الرّسل: {ذلكم خَيْرٌ
لَّكُمْ} ونحوه كثير.
الوجه الثاني: الفساد يعني الهلاك
وذلك قوله في سبحان: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ}
يعني لتهلكنَّ في الأَرض مرّتين. وفي سورة الأَنبياء: {لَوْ
كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ} يعني في السَّمَاء والأَرض {إِلاَّ
الله لَفَسَدَتَا} يعني لهلكتا. ونظيرها في قد أفلح قوله:
{وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض
وَمَن فِيهِنَّ} يعني لهلكت السماوات والأَرض ومن فيهنَّ.
والحقُّ في هذا الموضع هو الله تبارك وتعالى.
(1/115)
الوجه الثالث: الفساد يعني قحط المطر وقلّة
النبات
وذلك قوله في الرّوم: {ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر} يعني
قحط المطر وقلة النبات في البرِّ، يعني البادية، والبحر، يعني
العمران والرِّيف.
الوجه الرابع: الفساد يعني القتل
وذلك قوله في الأَعراف: {أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ
لِيُفْسِدُواْ فِي الأرض} يعني يقتلوا أبناء أهل مصر كقول
فرعون: {أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد} يعني يقتل
أبناءكم - وهذا قول فرعون - كما قتلتم أبناء بني أَسرائيل. وفي
الكهف: {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرض}
يعني يقتلون النَّاس.
الوجه الخامس: الفساد يعني الفساد
بعينه
وذلك قوله في البقرة: {وَإِذَا تولى سعى فِي الأرض لِيُفْسِدَ
فِيِهَا} يعني الفساد بعينه، {والله لاَ يُحِبُّ الفساد} يعني
الفساد بعينه. وفي النَّمل: {إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ
قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} يعني خَرَّبوها.
الوجه السادس: الفساد يعني السحر
وذلك قوله في سورة يونس: {إِنَّ الله لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ
المفسدين} يعني عمل السِّحر.
(1/116)
تفسير المشي على
أربع وجوه
الوجه الأول: المشي يعني المُضيّ
وذلك قوله في البقرة: {كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ
فِيهِ} يعني مَضْوا فيه. وفي تبارك: {فامشوا فِي مَنَاكِبِهَا}
يعني امضُوا وسيروا في نواحيها.
الوجه الثاني: المشي يعني الهدي
وذلك قوله في الأَنعام: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي
بِهِ} يعني يهتدي به في الناس. وفي الحديد: {وَيَجْعَل لَّكُمْ
نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} يَعْنِي إِيمانا تهتدون به.
الوجه الثالث: المشي يعني الممرّ
وذلك قوله في الم السَّجدة: {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ}
يقول: قد مرّ أهل مكَّة عل قراهم، كقوله {وَإِنَّكُمْ
لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ} . والَّتِي في طه:
{يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} يعني ممرّ أهل مكَّة على قراهم.
(1/117)
الوجه الرابع: المشي
يعني المشي بعينه
وذلك قوله في سبحان {قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة
يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ} يعني المشي قال: ومطمئنين مقيمين قد
اطمأنت بهم الدَّار. وفي الفرقان: {وَقَالُواْ مَالِ هاذا
الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق} يعين المشي
بعينه. وكقوله {الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً} يعني المشي
بعينه.
(1/118)
تفسير اللباس على
ستة وجوه
الوجه الأول: اللباس يعني الخلط
وذلك قوله في البقرة: {وَلاَ تَلْبِسُواْ الحق بالباطل} يعني
لا تخلطوا الحقَّ بالباطل. وفي آل عمران: {لِمَ تَلْبِسُونَ
الحق بالباطل} يعني لِمَ تخلطون الحقَّ بالباطل؟ الإِسلام
بالشِّرْك، تفسير الحسن. وفي الأَنعام: {وَلَمْ يلبسوا
إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} يعني ولم يخلطوا إيمانهم بشرك.
الوجه الثاني: اللباس يعني السكن
وذلك قوله في البقرة: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ
لِبَاسٌ لَّهُنَّ} يقول: نساؤكم سكن لكم وأنتم سكن لهنَّ. وفي
الفرقان: {جَعَلَ لَكُمُ الليل لِبَاساً} يعني سكنا. والَّتِي
في عم يتساءلون: {وَجَعَلْنَا اليل لِبَاساً} يعني سكنا.
الوجه الثالث: اللباس يعني الثياب
التي تلبس
وذلك قوله في
(1/119)
الأَعراف: {يابنيءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا
عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ} يعني الثِّيَابَ.
وفي حم الدخان: {يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} يعني
الثِّيَاب بعينها.
الوجه الرابع: اللباس يعني العمل
الصالح
وذلك قوله في الأَعراف: {وَرِيشاً وَلِبَاسُ التقوى} يعني
العمل الصَّالح والعفاف، لأَن العفيف مستور العورة وإِن كان
عاريا من الثِّيَاب، وأن الفاجر بادي العورة وإِن كان كاسيا من
الثِّياب.
الوجه الخامس: اللباس يعني الشبيه
وذلك قوله في سورة الأنعام: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا
يَلْبِسُونَ} يعني ولشبَّهْنا عليهم ما يشبِّهون.
الوجه السادس: اللباس يعني الشك
وذلك قوله في سورة ق {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} يعني بل هم في شك
{مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} يعني في شكٍّ. وهو قول الحسن.
(1/120)
تفسير سوء على أحد
عشر وجها
الوجه الأول: سوء يعني شدة
وذلك قوله في سورة البقرة: {يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب} يعني
شدة العَذابِ. ومثلها في سورة إبراهيم. وقال في الرَّعد:
{أولائك لَهُمْ سواء الحساب} شدَّة الحساب. وقال أيضا:
{وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} شدة الحساب ونحوه كثير.
الوجه الثاني: سوء يعني عقرا
وذلك قوله في الأَعراف: {هاذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً} إِلى
قوْلِهِ: {وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء} يعني بعقر، أَي لا
تعقروها. ونظيرها في الشُّعَرَاء. ونظيرها أيضاً في سورة هود،
قال: {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أَرْضِ الله وَلاَ تَمَسُّوهَا
بسواء} يَعنِي بعقر.
الوجه الثالث: سوء يعني الزنا
وذلك قوله في سورة يوسف: {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سواء}
مِنْ زِناً. و {مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ
(1/121)
سوءا} يعني الزِّنا. وقال في سورة مريم:
{مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ} يعني مَا كان زانيا. وهو
تفسير مجاهد وقتادة. وقال في سورة يوسف: {إِنَّ النفس
لأَمَّارَةٌ بالسواء} يعني بالزِّنا. يعني مَا همَّ بها.
الوجه الرابع: سوء يعني برصا
وذلك قوله في طه لموسى: {واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ
بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء} يعني بيضاء من غير برص. وهو قول
قتادة وغيره. ونظيرها في النَّمل. ومثلها في القصص.
الوجه الخامس: سوء يعني العذاب
وذلك قوله في النَّحل: {إِنَّ الخزي اليوم والسواء} يعين
العذاب {عَلَى الكافرين} . وكقوله في سورة الزُّمر: {لاَ
يَمَسُّهُمُ السواء} يعني عذاب النار. وهو قول الحسن. وكقوله
في سورة الرّعد: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سواءا
فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} يعني عذابا. وكقوله في سورة الرّوم:
{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الذين أَسَاءُواْ السواءى} يعني
العذاب. وقال قتادة: جهنَّم. ونحوه كثير.
الوجه السادس: سوء يعني الشرك
السُّوء يعني الشِّرْك، وذلك قوله في النَّحل: {مَا كُنَّا
نَعْمَلُ مِن سواء} يعني الشِّرْك. قول الحسن. وقال فيها أيضا:
{ثُمَّ إِنَّ
(1/122)
رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السواء
بِجَهَالَةٍ} يعني الشِّرك. وكقوله في سورة الرّوم: {ثُمَّ
كَانَ عَاقِبَةَ الذين أَسَاءُواْ السواءى} يعني أشركوا بالله.
وكقوله في سورة النَّجْم: {لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ} يعني
أشركوا {بِمَا عَمِلُواْ} .
الوجه السابع: سوء يعني الشتم
وذلك قوله في سورة الممتحنة: {ويبسطوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ
وَأَلْسِنَتَهُمْ بالسواء} يعني بالشّتْم. وكقوله في سورة
النِّسَاء: {لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسواء مِنَ القول} يعني
الشَّتْم {إِلاَّ مَن ظُلِمَ} . وهو قول مجاهد، والحسن،
وقتادة.
الوجه الثامن: سوء يعني بئس
وذلك قوله في الرّعد: {أولائك لَهُمُ اللعنة وَلَهُمْ سواء
الدار} يعين بئس الدَّار، يعني منازلهم، وكقوله في حم المؤمن:
{وْمَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللعنة
وَلَهُمْ سواء الدار} يعني بئس الدَّار، يعني النار.
الوجه التاسع: سوء يعني الذنب من
المؤمن
وذلك قوله في سورة النِّسَاء: {إِنَّمَا التوبة عَلَى الله
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السواء بِجَهَالَةٍ} يعين الذنب، وكلُّ
ذنب من المؤمن فهو جهل منه. وكقوله في سورة الأَنعام: {أَنَّهُ
مَن عَمِلَ مِنكُمْ سواءا} يعني ذنبا {بِجَهَالَةٍ} يعني بغيره
من المؤمنين.
(1/123)
الوجه العاشر: سوء
يعني الضر
وذلك قوله في الأَعراف: {وَمَا مَسَّنِيَ السواء} يعني الضرّ.
وقال في النَّمل: {وَيَكْشِفُ السواء} يعني الضُّر.
الوجه الحادي عشر: سوء يعني القتل
والهزيمة
وذلك قوله في سورة الأَحزاب: {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سواءا} يعني
القتل والهزيمة ونظيرها فيها أيضا. وقال في سورة آل عمران:
{لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء} يعني لم يمسسهم قتل ولا هزيمة.
(1/124)
تفسير الحسنة
والسيئة على خمسة وجوه
الوجه الأول: الحسنة يعني النصر
والغنيمة والسيئة يعني القتل والهزيمة
الحسنة يعني النصر والغنيمة، والسَّيِّئة يعني القتل والهزيمة،
وذلك قوله في سورة آل عمران: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ} يعني
النَّصر والغنيمة، يعني يوم بدر، قال: {تَسُؤْهُمْ وَإِن
تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ} يعني القتل والهزيمة يوم أحد،
{يَفْرَحُواْ بِهَا} . ونظيرها في سورة النِّسَاء قال: {مَّآ
أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله} يعني النَّصر والغنيمة
يوم بدر تسؤهم، {وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ} يعني القتل
والهزيمة يوم أحد. وهو تفسير السدِّي. وقال في سورة براءة:
{إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ} النَّصر والغنيمة {تَسُؤْهُمْ} .
الوجه الثاني: الحسنة والسيئة
التوحيد والشرك
وذلك قوله في طس النمل: {مَن جَآءَ بالحسنة} يعني التَّوحيد،
{فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا} .
(1/125)
{وَمَن جَآءَ بالسيئة} يعني الشِّرك،
{فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار} . ونظيرها في طسم القصص،
وفي سورة الأَنعام أيضا.
الوجه الثالث: الحسنة يعني كثرة
المطر والخصب والسيئة يعني قحط المطر والجدب وقلة النبات
وذلك قوله في سورة الأَعراف: {فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الحسنة}
يعني كثرة المطر والخصب {قَالُواْ لَنَا هاذه وَإِن تُصِبْهُمْ
سَيِّئَةٌ} ميعني قحط المطر، وقلَّة الخير والنَّبات
{يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ} . ونظيرها فيها، قال:
{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة} يعني مكان القحط
المطر، ومكان قلَّة النَّبات الخصب والخير. وقال أيضا:
{وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات} كثرة المطر والخصب، {والسيئات}
قلَّة المطر والجدب. وقال في سورة الرّوم: {وَإِن تُصِبْهُمْ
سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} يعني قحط المطر. قال:
{بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} يقول: بذنوبهم.
الوجه الرابع: السيئة يعني العذاب
في الدنيا والحسنة يعني العافية والرخاء
وذلك قوله في سورة الرّعد: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة
قَبْلَ الحسنة} يعني بالعذاب في الدنيا، {قَبْلَ الحسنة} يعني
قبل العافية. وكقوله في النَّمل: {لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ
بالسيئة} يعني بالعذاب في الدنيا، {قَبْلَ الحسنة} يعني قبل
العافية.
(1/126)
الوجه الخامس:
الحسنة يعني العفو والقول المعروف والسيئة الأذى وقول الفحش
وذلك قوله في القصص: {وَيَدْرَؤُنَ بالحسنة السيئة} يقول:
ويدفعون بالقول المعروف والعفو الأَذى والأَمر القبيح. وقال في
حم السَّجدة: {وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة} يعني العفو والصفح،
{وَلاَ السيئة} يعني الشرّ من القول والأَذى. ونظيرها في سورة
المؤمنون، قال: {ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ السيئة} يقول: يدفع
بالعفو والصَّفح القول القبيح والأَذى. نظيرها في سورة الرّعد:
{وَيَدْرَءُونَ بالحسنة السيئة} . وفي حم السَّجدة.
(1/127)
تفسير الحسنى على
أربعة وجوه
الوجه الأول: الحسنى يعني الجنة
وذلك قوله في سورة يونس: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} يعني
لِلَّذِين وَحَّدوا الله، وأدَّوا الفرَائِض واجتنبوا الكبَائر
"الحسنى" الجنَّة. وهو قول مجاهد. ونظيرها في سورة النَّجم
قال: {وَيِجْزِيَ الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى} يعني الذين وحدوا
الله بالحسنى، بالجَنَّةِ. وقال في سورة الرّحمنِ: {هَلْ
جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان} يقول: هل جزاء [أَهل]
الإِيمان، أهل طاعة الله إِلاَّ الجنَّة. وقال في سورة
واللَّيل: {وَصَدَّقَ بالحسنى} يعني بالجنَّة. وقال في سورة
الأَنبياء: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى} يعني
الجَنَّة {أولائك عَنْهَا} عن النَّارِ {مُبْعَدُونَ} .
الوجه الثاني: الحسنى يعني الخلف
أَي وأخلفوا في الآخرَة خيرا، وذلك قوله في سورة سبأ: {وَمَآ
أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ} أَي في طاعة الله {فَهُوَ
يُخْلِفُهُ} يعني في الآخرة يعوّضون منه الجنَّة.
(1/128)
الوجه الثالث:
الحسنى يعني البنين
وذلك قوله في سورة النَّحل: {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكذب
أَنَّ لَهُمُ الحسنى} يعني البنين، الغلمان.
الوجه الرابع: الحسنى يعني الخير
وذلك قوله في سورة براءة: {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا
إِلاَّ الحسنى} يعني ما أردنا ببنيان هذا المسجد إِلاَّ الخير.
ونظيرها في سورة النِّساء قال: {يَحْلِفُونَ بالله إِنْ
أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} يعني إِنْ أردنا
إِلاَّ الخير.
(1/129)
|