التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه

تفسير الخزي على أربعة وجوه
الوجه الأول: الخزي يعني القتل والجلاء
وذلك قوله في سورة البقرة ليهود المدينة حيث يقول: {فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحياة الدنيا} يعني قتل قريظة وإِجلاء النَّضير. قال الكلبِي: فقتلت قريظة ونفيت النَّضير. ونظيرها في سورة المائدة قال: {لَهُمْ فِي الدنيا خِزْيٌ} يعني القتل يوم بدر، ويقال الخزْيَة {وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} . وقال في سورة الحجِّ فِي النَّضْرِ بن الحارث: {لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ} يعني القتل يوم بدر، قال: {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق} . وهو تفسير الكلبي.

الوجه الثاني: الخزي يعني العذاب
وذلك قول إِبراهيم في طسم الشعراء: {وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} يعني ولا تعذبني يوم يبعثون.

(1/130)


وكقوله: {يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ مَعَهُ} يعني لا يعذِّبُ الله النَّبي والَّذين آمَنوا معه. وكقوله في سورة آل عمران: {وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة} يعني ولا تعذبنا يوم القيامة. وقال في سورة هود: {نَجَّيْنَا صَالِحاً والذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} يعني من عذاب يومئِذٍ. وكقوله في الزمر: {فَأَذَاقَهُمُ الله الخزي فِي الحياة} يعني العذاب في الدنْيَا.

الوجه الثالث: الخزي يعني الذل والهوان
وذلك قوله في سورة يونس: {لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزي} يعني عذاب الهوان فِي الدُّنْيَا. وكقوله في سورة النَّحل: {إِنَّ الخزي اليوم} يعني إِنَّ الْهوَان اليَوْم، {والسواء عَلَى الكافرين} . وقال في آل عمران: {رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} يعني فقد أهنته. وقال في سورة الحشر {وَلِيُخْزِيَ الفاسقين} يعني وليذلَّ وَليُهِينَ الفاسقين.

الوجه الرابع: الخزي يعني الفضيحة
وذلك قول لوط في سورة هود: {فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} يعني ولا تفضحون ونظيرها في سورة الحجر.

(1/131)


تفسير باءوا على أربعة وجوه
الوجه الأول: باءوا يعني استوجبوا
وذلك قوله في سورة البقرة: {فَبَآءُو بِغَضَبٍ على غَضَبٍ} يعني استوجبوا. ونظيرها في سورة آل عمران قال: {وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ الله} يعني استوجبوا غضبا من الله. وقال أيضا: {كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ الله} يعني استوجب. وقال في سورة الأَنفال: {فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ الله} يعني فقد استوجب غضبا من الله.

الوجه الثاني: تبوء يعني ترجع
وذلك قوله في سورة المائدة: {إني أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} يعني ترجع بإثمي وإِثمك.

الوجه الثالث: تبوّئ يعني توطئ
وذلك قوله في سورة آل عمران: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ المؤمنين مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} يعني تُوَطِّئ. وكقوله في سورة الحشر: {والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان مِن قَبْلِهِمْ} يعين وَطَّؤوا.

(1/132)


الوجه الرابع: يتبوأ يعني ينزل
وذلك قوله في سورة يوسف: {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ} . يقول: ينزل منها حيث يشاء. وكقوله في سورة الزُّمر: {الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَآءُ} يعني ننزل منها حيث نشاء، يعني ننزل فيها حيث نشاء. وقال الحسن في سورة يونس: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بني إِسْرَائِيلَ} يعني أنزلنا بني إسرائيل {مُبَوَّأَ صِدْقٍ} يعني منزل صدق، يعني مصر. ومثلها أيضا: {أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً} .

(1/133)


تفسير الرحمة على أحد عشر وجها
الوجه الأول: الرحمة يعني دين الإسلام
وذلك قوله في هل أتى على الإِنسان: {يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ} يعني في دين الإِسلام. ونظيرها في حم عسق، قال: {وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ولاكن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ} يعني في دين الإِسلام. وكقوله في سورة الفتح: {لِّيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ} يعني في دين الإِسلام. وكقوله في سورة البقرة: {والله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ} يعني بدينه، الإِسلام. وقال الحسن: النُّبوّة. ونظيرها في آل عمران. ونحوه كثير.

الوجه الثاني: الرحمة يعني الجنة
وذلك قوله في سورة آل عمران: {وَأَمَّا الذين ابيضت وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ الله} يعني ففي جنَّة الله {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . ونظيرها في آخر النِّساء قال: {فَأَمَّا الذين آمَنُواْ بالله واعتصموا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ} يعني الجنَّة.

(1/134)


وكقوله في الجاثية: {فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} يعني في جنَّتِه. وقال في سورة بني إسرائيل: {يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} يعني جنَّتهُ. وقال في سورة البقرة: {يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله} يعني جنَّة الله. وكقوله في العنكبوت {أولائك يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي} يعني من جنَّتِي. وقال في الزُّمر: {يَحْذَرُ الآخرة وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ} يعني الجنَّة.

الوجه الثالث: الرحمة يعني المطر
وذلك قوله في سورة الأَعراف: {يُرْسِلُ الرياح بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} يعني قدَّام المطر. ونظيرها في الفرقان. وقال في حم عسق: {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} يعني المطر. وكقوله في سورة الرّوم: {فانظر إلى آثَارِ رَحْمَتِ الله} يعني المطر. وقال: {ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً} يعني المطر. وقال: {وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ} يعني المطر.

الوجه الرابع: الرحمة يعني النبوة
وذلك قوله في ص: {أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} يعني مفاتيح النُّبُوَّةِ. ونظيرها في

(1/135)


الزُّخرف: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} يعني النُّبُوة. وقال في سورة يوسف: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ} النُبوَّة.

الوجه الخامس: الرحمة يعني النعمة
وذلك قوله في سورة النِّساء: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} يعني ونعمته. [ونظيرها في سورة البقرة. وفي سورة النُّور قال: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} يعني ونعمته. ومثله كثير] . ونحوه كثير.

الوجه السادس: الرحمة يعني القرآن
وذلك قوله في سورة يونس: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ} يعني القرآن. ومثلها في آخر سورة يوسف.

الوجه السابع: الرحمة يعني الرزق
وذلك قوله في سورة بني إسرائيل: {قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} يعني مفاتيح الرزق. وقال أيضاً: {ابتغآء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا} يعني انتظار رزق ترجو من الله. وهو قول مجاهد. وقال في أوّل سورة الملائكة: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} يعني الرزق. وهو قول الكلبي، {فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} . وقال

(1/136)


في الكهف: {آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} يعني رزقا. وقال فيها ايضا: {يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ} يعني من رزقه.

الوجه الثامن: الرحمة يعني النصر
وذلك قوله في الأَحزاب: {مَن ذَا الذي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سواءا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} أَي النَّصر والفتح. وقال يحيى: توبة.

الوجه التاسع: الرحمة يعني العافية
وذلك قوله في سورة الزُّمر: {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} يعني بعافية، {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} يعني عافيته. وقال في الرّوم: {وَإِذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً} عافية وفي حم عسق نحوها. ويونس.

الوجه العاشر: الرحمة يعني المودة
وذلك قوله في سورة الحديد: {رَأْفَةً} يرأف بعضهم ببعض ويرحم بعضهم بعضا، {وَرَحْمَةً} يعني مودَّة. كقوله في سورة الفتح: {رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} يعني متوادِّين.

الوجه الحادي عشر: الرحمة يعني الإيمان
الرّحمة يعني الإِيمان، وذلك قوله في سورة هود في قول نوح: {إِن كُنتُ على بَيِّنَةٍ مِّن ربي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ

(1/137)


عِندِهِ} يعني النبوّة، يعني نعمة، وهو الإِيمان. ومثلها قول صالح أيضا.

(1/138)


تفسير الفرقان على ثلاثة وجوه
الوجه الأول: الفرقان يعني النصر
وذلك قوله في سورة البقرة {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب والفرقان} يعني النصر، فرّق الله بين الحق والباطل، فنصر موسى وأهلك عدوّه. وكقوله في سورة الأَنفال {وَمَآ أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا يَوْمَ الفرقان} يعني النَّصر، فرّق بين الحق والباطل، فنصر الله نبيّه وهزم عدوّه.

الوجه الثاني: الفرقان يعني المخرج
وذلك قوله في سورة البقرة {وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهدى والفرقان} يعني المخرج في الدِّين من الشُّبْهةِ، والضَّلالة. وفي آل عمران مثلَها قال {وَأَنزَلَ الفرقان} . وكذلك في الأَنبياء. وقال في الأَنفال: {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} يعني مخرجا في الدِّينِ من الشُّبْهةِ والضَّلالةِ.

(1/139)


الوجه الثالث: الفرقان يعني القرآن
وذلك قوله: {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان} يعني القرآن. وفي قول قتادة: وفرقانه: حلاله وحرامه.

(1/140)


تفسير فلولا على ثلاثة وجوه
الوجه الأول: فلولا يعني فلم
وذلك قوله في سورة يونس: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا} عند نزول العذاب يعني فلم تكن قرية آمنت فنفعها إِيمانها عند نزول العذاب إِلاَّ قوم يونس. وكقوله في سورة هود: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القرون مِن قَبْلِكُمْ} يقول: فلم يكن.

الوجه الثاني: فلولا يعني فهلا
وذلك قوله في سورة الأَنعام: {فلولا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} يعني هلاَّ. وكقوله في سورة الواقعة: {فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} يعني فهلاَّ. وقال في الفرقان: {لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً} يعني هلاَّ.

الوجه الثالث: فلولا يعني فلوما
وذلك قوله في سورة البقرة: {فَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ الخاسرين} يعني فلوما ذلك. وقال في سورة والصّافات {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين} يقول: فَلوما أَنَّه كان من المصلِّينَ، {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} .

(1/141)


تفسير لما على ستة وجوه
الوجه الأول: لما يعني ما
لَمَا يعني ما، واللاَّم هاهنا صلة، وذلك قوله في سورة البقرة: {وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار} يعني ما يتفجَّر منه الأَنهار، واللاَّم هاهنا صلة، مثل قوله: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ} يعني ما يتشقَّق {فَيَخْرُجُ مِنْهُ المآء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله} يعني ما يهبط. وقال في ن والقلم: {إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} يعني ما تحكمون. {إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا} يعني ما، {تَخَيَّرُونَ} ، واللاَّم صلة.

الوجه الثاني: لما يعني لم
لمَّا يعني لم، والأَلف هاهنا صلة. وذلك قوله في آل عمران: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَعْلَمِ الله} يعني ولم ير الله {الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ} ، والأَلف صلة. ومثلها في البقرة: {وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين} . وكقوله في براءة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ} يعني ولم ير الله. وكقوله في سورة الجمعة: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} يعني لم يلحقُوا بهم. ونحوه كثير.

(1/142)


الوجه الثالث: لمَّا يعني إلاَّ
وذلك قوله في يس: {وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} يعني إِلاَّ جميع لدينا محضَرونَ. ومن خفَّف لما جعل اللاَّم تأكيدا للفعل. وفي الزُّخرف مثلها: {وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحياة الدنيا} يعني إِلاَّ متاع. وكقوله في والسَّماء والطَّارق: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} يعني إِلاَّ عليها حافظ. ومن خفَّف جعل اللاَّم توكيدا للفعل.

الوجه الرابع: لمَّا يعني حين
وذلك قوله في سورة يونس: {لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ} يعني حين آمنوا. وقوله في سورة هود: {لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ} يعني حين جاء أمر ربِّك.

الوجه الخامس: لمَّا يعني شديدا
وذلك قوله في الفجر: {وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً} يعني شديدا. وليس غيرها.

الوجه السادس: لِما يعني الذي
لِمَا مُخَفَّفة يعني الَّذِي، وذلك قوله في سورة البقرة: {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} يعني لِلَّذِي بين يدِيْه. وكذلك في

(1/143)


سورة المائدة: {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} يعني لِلَّذي بين يديْهِ. وكقوله في والسماءِ ذات البروج، قال: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} يعني للَّذي يريد. وكقوله في سورة هود {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} يعني لَلَّذِي يريد. وكل شيء "لما"، إِذا كانت اللاَّم مكَسورة، مثل ذلك. غير أن في تنزيل السَّجدة: {لَمَّا صَبَرُواْ} فإنَّها بِما صبروا. ومن قرأها "لمّا صبروا" فإنَّه يعني حين صبروا.

(1/144)


تفسير حسنا على خمسة وجوه
الوجه الأول: حسنا يعني حقا
وذلك قوله في سورة البقرة: [ {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} يعين حقا في أمر محمَّد أنه رسول ونبيّ. وكقوله في طه {أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} يعني حقاًّ] .

الوجه الثاني: حسنا يعني محتسبا
وذلك قوله في سورة البقرة: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً} يعني محتسبا يعني احتسابا. ونظيرها في سورة الحديد. وفي سورة التَّغابن. ومثل قوله {جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً} يعني الجَّنَّة ثوابا من الله وعطية منه لأَعمالهم التي عملوا في الدُّنيا احتسابا. وقال رسول الله: "لا عمل لمن لا نيَّة لهُ، ولا أجر لمن لا حسنة له". تفسير السدي.

(1/145)


الوجه الثالث: حسنا يعني الجنة
وذلك قوله في سورة القصص: {أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً} هي الْجنَّةُ، {فَهُوَ لاَقِيهِ} ، داخل الجنَّة. وقال في الكهف: {أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} عند الله الْجنَّة. وقال في يونس: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى} الجنَّة.

الوجه الرابع: حسنا يعني العفو
وذلك قوله في سورة الكهف: {وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} يعني العفو.

الوجه الخامس: حسنا يعني برًا
وذلك قوله في الأَحقاف: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} يعني برّا. ومثلها في بني إِسرائيل قال: {وبالوالدين إِحْسَاناً} يعني برّا.

(1/146)


تفسير قانتين على وجهين
الوجه الأول: قانتون يعين مُقرّين لله بالعبودية
وذلك قوله: في سورة البقرة: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} يقول: مقرّون بالعبودية. ومثلها في سورة الرّوم: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} مقرّون بالعبوديَّة. وهو تفسير الحسن، كُلٌّ له قائم بالشَّهادة أنَّه عبد له. وليس مثلهما في القرآن.

الوجه الثاني: قانتين يعني مطيعين
وذلك قوله في سورة البقرة: {وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ} يعني مطيعين. وهو تفسير ابن عبَّاس. وقال في سورة الأَحزاب: {والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات} يعني المطيعين لله والمطيعات. ومثلها: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ} من يطع. وكذلك عامّة ما في القرآن.

(1/147)


تفسير إمام على خمسة وجوه
الوجه الأول: إمام يعني قائدا في الخير
وذلك قوله في سورة البقرة لإِبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} يعني قادئا في الخير يقتدى بسنَّتك وهديك وهداك. وكقوله في سورة الفرقان: {واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} يعني قادة في الخير يُقتدى بنا. وقال قتادة: قادة في الخير ودعاة هدى.

الوجه الثاني: إمام يعني كتاب أعمال بني آدم
وذلك قوله في سبحان: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} يعني بكتابهم الَّذِي عملوا في الدنيا وهو قول الحسن ... . بِكتابهم.

الوجه الثالث: إمام يعني اللوح المحفوظ
وذلك قوله في يس: {وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ في إِمَامٍ مُّبِينٍ} يعني اللَّوح المحفوظ.

(1/148)


الوجه الرابع: إمام يعني التوارة
وذلك قوله في سورة هود: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إِمَاماً وَرَحْمَةً} يعني التَّوراة إِماما يُقتدى به، ورحمة لمن آمن به. ومثلها في سورة الأَحقاف {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إِمَاماً وَرَحْمَةً} يعني التَّوراة. وقوله: إِماما، يقتدى به ورحمة لمن آمن به.

الوجه الخامس: إمام يعني طريقا واضحا
وذلك قوله في سورة الحجر في قرية لوط وقرية شعيب قال: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} يعني وإِنَّهُما لبطريق واضح بيّن.

(1/149)


تفسير أمة على تسعة وجوه
الوجه الأول: أمة يعني عصبة
وذلك قوله في سورة البقرة: {وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً} يعني عصبة، {مُّسْلِمَةً لَّكَ} . وكقوله أيضا: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} يعني عصبة. وكقوله في سورة آل عمران: {أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ} يعني عصبة قائمة. وكقوله في سورة المائدة: {مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ} يعني عصبة. وكقوله فيها: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق} يعني عصبة. ونحوه كثير.

الوجه الثاني: أمة يعني ملة
وذلك قوله في سورة البقرة: {كَانَ الناس أُمَّةً} يعني على عهد آدم وأهل سفينة نوح، {أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني على ملَّة الإِسلام وحدها. وهو قول الكلبي. ومثلها في سورة يونس: {وَمَا كَانَ الناس} يعني أهل سفينة نوح، وعلى عهد آدم، {إِلاَّ أُمَّةً

(1/150)


وَاحِدَةً} يعني ملَّة واحدة، الإِسلام. وهو قول قتادة. وقال في سورة المؤمنون: {وَإِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني ملَّتكم ملَّة واحدة، الإِسلام. ونظيرها في سورة الأَنبياء. وقال في النَّحل أيضا: {وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني على ملَّة الإِسلام. وكقوله في سورة المائدة: {وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني على ملَّة الإِسلام وقال في سورة الأَنعام: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ} يعني لكلِّ أهل ملَّة وقال في سورة الزخرف: {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني ملَّة واحدة. وهو قول الحسَن.

الوجه الثالث: أمة يعني سنين
وذلك قوله في سورة هود {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} يعني إِلى سنين معدودة. وهو قول الكلبي. ونظيرها في سورة يوسف حيث يقول: {وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ} يعني بعد سنين. وليس في القرآن غيرهما. وهو قول الكلبي.

الوجه الرابع: أمة يعني قوما
وذلك قوله في سورة النَّحل: {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} يعني أن يكون قوم أكثر من قوم. وهو قول قتادة. وقال في سورة الحجِّ: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً} [يعني

(1/151)


ولكل قوم جعلنا منسكا] . وقال في سورة آل عمران: {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخير وَيَأْمُرُونَ بالمعروف} بتوحيد الله، {وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر} عن الشِّرْك بالله.

الوجه الخامس: أمة يعني إماما
وذلك قوله في سورة النَّحل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} يعني كان إِماما يقتدى به في الخير. وهو قول قتادة.

الوجه السادس: أمة هي الأمم الخالية
أمة هي الأُمم الخالية وغيرهم مِن الكفار، وذلك قوله في سورة يونس: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ} يعني جميع الأُمم الخالية. وقال في آل عمران: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} يعني هذه الأُمَّة. وقال في سورة الحجر: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} يعني الأمم الخاليَة. وقال في سورة الملائكة. {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} يعني الأُمم الخالية كلها قد خلا فيهم النُّذر.

الوجه السابع: أمة يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة
وذلك قوله في سورة آل عمران: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} يعني المسلمين خاصَّة. وهوَ قول الحسن. وكقوله في سورة البقرة: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} يعني عدلا بين النَّاس، يعني المسلمين خاصَّة.

(1/152)


الوجه الثامن: أمة يعني أمة محمد الكفار منهم خاصة
وذلك قوله في سورة الرّعد: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ في أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ} يعني الكفَّار خاصَّة.

الوجه التاسع: أمة يعني خلقا
وذلك قوله في سورة الأَنعام: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} يقول: خلق مثلكم.

(1/153)


تفسير شقاق على أربعة وجوه
الوجه الأول: شقاق يعني ضلالا
وذلك قوله في سورة البقرة: {وَإِنَّ الذين اختلفوا فِي الكتاب لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} يعني الضلال الطَّوِيل. وكقوله في سورة الحجِّ: {وَإِنَّ الظالمين لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} يعني ضلالا طويلا. وكقوله في سورة حم السَّجدة: {مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} يعني ضلالاً طويلا. وقال في سورة البقرة: {فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} يعني ضلالا.

الوجه الثاني: شقاق يعني اختلافا
وذلك قوله في سورة النساء: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} يعني اختلافا بينهما. وكقوله في ص: {فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} يعني اختلافا. وقال في سورة النِّسَاء: {وَمَن يُشَاقِقِ الرسول} يعني يُخالفُ الرّسول {مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهدى} وقال ... . الشِّقاق: الفراق.

(1/154)


الوجه الثالث: شقاق يعني عداوة
وذلك قوله في سورة الأَنفال: {شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} يعني عَادوا الله ورسوله. وهو قول الحسن. وكقوله في سورة الحشر: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} يعني عَادَوُا الله ورسوله. وكقول شعيب: {لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شقاقي} يقول: لا تحملنَّكم عدواتي. وهو قول قتادة. وكقوله في الَّذِين كفروا: {وَشَآقُّواْ الرسول} يعني عَادَوُا الرّسول.

الوجه الرابع: شقاق يعني حجابا
وذلك قوله في سورة النَّحل: {أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} يعني تحاجون فيهم ... كالمحاربة والعداوة.

(1/155)


تفسير وجهة، ووجهه ووجه على خمسة وجوه
الوجه الأول: وجهة يعني قبلة
وجهة يعني قبيلة، وذلك قوله في سورة البقرة: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ} يعني قبلة {هُوَ مُوَلِّيهَا} يعني مستقبلها. وكقوله في سورة النِّساء: {أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً} يعني من قبل أن تحول القبيلة عن الهدى والبصيرة إلى الضَّلال. وقال وقال مجاهد: عن الصّراط. وقال الحسن: عن الهدى.

الوجه الثاني: وجهة يعني دينا
وذلك قوله في سورة النِّساء {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله} يعني أخلص وجهه دينه الله. وكقوله في سورة البقرة: {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ} يعني أخلص دينه الله. ومثلها في لقمان.

الوجه الثالث: وجه يعني الله تبارك وتعالى
وذلك قوله: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} يعني يريدون الله ورضاه. وكقوله في القصص: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} يعني

(1/156)


الله تبارك وتعالى. وكقوله في الرّحمان: {ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ} . وكقوله في سورة البقرة: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} يعني فَثَمَّ الله. وقال في سورة الرّوم: {وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله} يعني تريدون بها الله. وكقوله في هل أتى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله} يعني اللهِ.

الوجه الرابع: وجه يعني الوجه بعينه خاصة
وذلك قوله في آل عمران: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} يعني الوجوه بعينها. وقال في المائدة وفي النِّساء: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} . ونحوه كثير.

الوجه الخامس: الوجه يعني أولا
وذلك قوله في آل عمران: {وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب آمِنُواْ بالذي أُنْزِلَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَجْهَ النهار واكفروا آخِرَهُ} يعني أوَّل النَّهارِ، {واكفروا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وهو تفسير الكلبي، ومجاهد، وقتادة.

(1/157)


تفسير الذكر على ستة عشر وجها
الوجه الأول: الذكر يعني الطاعة والعمل
وذلك قوله في سورة البقرة: {فاذكروني أَذْكُرْكُمْ} . يقول: اذكروني بالطَّاعة، أطيعوني، أذكركم بالخير.

الوجه الثاني: الذكر باللسان
وذلك قوله في سورة النِّساء: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة فاذكروا الله} يعني اذكروه باللِّسان {قِيَاماً وَقُعُوداً} . وقال في آل عمران مثل ذلك. وقال في سورة البقرة: {فاذكروا الله} باللِّسان {كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ} بألسنتكم {أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} يعني باللِّسَان. وقال في سورة الأَحزاب: {اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً} يعني باللِّسَان. وقال: {والذاكرين الله كَثِيراً والذاكرات} .

الوجه الثالث: الذكر بالقلب
وذلك قوله في سورة آل عمران:

(1/158)


{والذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله} يعني ذكروه في أنفسهم وعملوا أنَّهُ سَائلهم عمّا عملوا.

الوجه الرابع: الذكر يعني اذكر أمري عند فلان
وذلك قوله في سورة يوسف: {اذكرني عِندَ رَبِّكَ} . يقول يوسف: اذكر أمري عند الملك. وقال في سورة مريم: {واذكر فِي الكتاب إِبْرَاهِيمَ} . يقول: اذكر لأَهل مكَّة أمر إِبراهيم. وكذلك أمر مريم وموسى وإِسماعيل وإِدريس.

الوجه الخامس: الذكر يعني الحفظ
وذلك قوله في سورة البقرة: {خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ واذكروا مَا فِيهِ} يعني احفظوا ما فيه، يعني ما في التوراة من الأَمر والنَّهي. وقال في سورة آل عمران: {واذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ} يعني احفظوا. وكذلك التي في سورة البقرة. ونحوه كثير.

الوجه السادس: الذكر يعني عظة
وذلك قوله في سورة الأَنعام {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ} يعني ما وُعِظوا به. ومثلها في الأَعراف:

(1/159)


{فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ} يعني وعظوا به، {أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السواء} . وقال في يس: {أَإِن ذُكِّرْتُم} يعني وعظتم. وقال في ق: {فَذَكِّرْ بالقرآن} يعني عظ بالقرآن. وقال: {إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ} يعني واعظا {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} . ونحوه كثير.

الوجه السابع: الذكر يعني الشرف
وذلك قوله في سورة الزَّخرف: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} يعني لشرف لك ولقومك، يعني القرآن، يعني النبوة. وفي يس. وهو قول سفيان. وكقوله في سورة المؤمنون: {فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ} يعني شرفهم. وقال في سورة الأَنبيَاء: {لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ} يعني شرفكم، يعني قريشا.

الوجه الثامن: الذكر يعني الخبر
وذلك قوله في سورة الأَنبياء: {هاذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي} يعني خبر من معي وخبر من قبلي. وكقوله في سورة والصَّافَّات: {لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ الأولين}

(1/160)


يعني خبرا من الأَوَّلِين. وقال في سورة الكهف: {قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً} يعني خبرا من الأَولين.

الوجه التاسع: الذكر يعني الوحي
وذلك قوله في اقتربت السَّاعة: {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا} يعني أأنزل عليه الوحي من بيننا. وكقوله في الصَّافات: {فالتاليات ذِكْراً} يعني الوحي. وكقوله في والمرسلات: {فالملقيات ذِكْراً} يعني الوحي. وقال في الحجر: {وَقَالُواْ ياأيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر} يعني الوحي، القرآن.

الوجه العاشر: الذكر يعني القرآن
وذلك قوله في سورة الأَنبياء: {وهاذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ} يعني القرآن وهو قول قتادة. وفيها أيضا {عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ} ، القرآن. وقال [في سورة الزخرف: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحاً} يعني القرآن. وقال في سورة] الأَنبياء: {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ} يعني القرآن وكذلك في سورة الشُّعَراء. ونحوه كثير.

(1/161)


الوجه الحادي عشر: الذكر يعني التوراة
وذلك قوله في سورة الأَنبياء: {فاسئلوا أَهْلَ الذكر} يعني أهل التَّوراة. وقال الحسن: أهل الكتابين. وقال ابن عباس: {مِن بَعْدِ الذكر} التوراة، عبد الله بن سلام وأصحابه المؤمنين. ومثلها في سورة النَّحل قال: {إِلَيْهِمْ فاسألوا أَهْلَ الذكر} يعني التوراة، عبد الله بن سلاَّم وأصحابه الَّذين أسلموا. وهو قول قتادة.

الوجه الثاني عشر: الذكر يعني الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه يعني اللوح المحفوظ
يعني اللَّوح المحفوظ. وذلك قوله في سورة الأَنبياء: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر} يعني من بعد اللَّوح المحفوظ. وهو قول مجاهد.

الوجه الثالث عشر: الذكر يعني البيان من الله
وذلك قول نوح لقومه في سورة الأَعراف: {أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ} يعني بيانا من ربِّكُمْ. وقول هود فيها أيضا: {أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ} . وقال: {ص والقرآن ذِي الذكر} يعني ذي البيان. وقال في ص: {هاذا ذِكْرٌ} يعني بيان {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} . ومثله كثير.

(1/162)


الوجه الرابع عشر: الذكر يعني التفكر
وذلك قوله في ص: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} يعني ما القرآن إِلاَّ تفكُّر للعالمين اي الغافلين عن الله. ومثلها في إِذا الشَّمس كوّرت: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} يعني تفكُّرا. وقوله في سورة يس: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} يعني ما هو إِلاَّ تفكُّر للعالمين وقرآن مبين.

الوجه الخامس عشر: الذكر يعني الصلوات الخمس
وذلك قوله في سورة البقرة: {فَإِذَآ أَمِنتُمْ فاذكروا الله} يعني صلُّوا لله، يعني الصَّلوات الخمس {كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} . وكقوله في سورة النُّور: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله} يعني عن الصلوات الخمس. وقال في سورة المنافقين: {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ الله} يعني عن الصَّلوات الخمس، وحضور الجمعة.

الوجه السادس عشر: الذكر يعني صلاة واحدة
وذلك قوله في سورة الجمعة: {فاسعوا إلى ذِكْرِ الله} يعني صلاة الجمعة خاصَّة في هذا الموضع. وقول سليمان: {إني أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِّي} يعني عن الصَّلاّة، صلاة العصر خاصة.

(1/163)


تفسير الخوف على خمسة وجوه
الوجه الأول: الخوف يعني القتل
وذلك قوله في سورة النِّساء: {وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمن أَوِ الخوف} يعني القتل والهزيمة. وكقوله في سورة البقرة: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخوف} يعني القتل.

الوجه الثاني: الخوف القتال
وذلك قوله في سورة الأَحزاب {فَإِذَا جَآءَ الخوف} يَعْنِي القتالُ، {رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} . وكقوله: {فَإِذَا ذَهَبَ الخوف} يعني إِذا ذهب القتال.

الوجه الثالث: الخوف يعني العلم والمعرفة
وذلك قوله في سورة البقرة: {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ} يعني من خاف، فمن علم. وقال في سورة البقرة أيضا: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} يقول: إِن علمتم. وكقوله في سورة النِّساء: {وَإِنِ امرأة خَافَتْ} يعني علمت، {مِن بَعْلِهَا} يعني من زوجها، {نُشُوزاً} يعني بغضا أو إِعراضا. وقال

(1/164)


في سورة الأَنعام: {وَأَنذِرْ بِهِ الذين يَخَافُونَ أَن يحشروا إلى رَبِّهِمْ} يعني يعلمون ويستيقنون. وقال: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} يعني إن علمتم.

الوجه الرابع: الخوف بعينه
وذلك قوله في آل عمران: {أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} يعني ألاَّ خوف عليهم من العذاب. وقال في حم السَّجدة: {أَلاَّ تَخَافُواْ} العذاب {وَلاَ تَحْزَنُواْ} . وهو قول قتادة. وقال في الأَعراف: {وادعوه خَوْفاً} منْ عَذابِهِ، {وَطَمَعاً} في رحمته. وقال في تنزيل السَّجدة: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً} من عذابه {وَطَمَعاً} في رحمته.

الوجه الخامس: الخوف يعني النقص
وذلك قوله في سورة النَّحل: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ} يعني تَنقّص. وهو قول الكلبي.

(1/165)