التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه تفسير الخزي على
أربعة وجوه
الوجه الأول: الخزي يعني القتل
والجلاء
وذلك قوله في سورة البقرة ليهود المدينة حيث يقول: {فَمَا
جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحياة
الدنيا} يعني قتل قريظة وإِجلاء النَّضير. قال الكلبِي: فقتلت
قريظة ونفيت النَّضير. ونظيرها في سورة المائدة قال: {لَهُمْ
فِي الدنيا خِزْيٌ} يعني القتل يوم بدر، ويقال الخزْيَة
{وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} . وقال في سورة الحجِّ
فِي النَّضْرِ بن الحارث: {لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ} يعني القتل
يوم بدر، قال: {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق} .
وهو تفسير الكلبي.
الوجه الثاني: الخزي يعني العذاب
وذلك قول إِبراهيم في طسم الشعراء: {وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ
يُبْعَثُونَ} يعني ولا تعذبني يوم يبعثون.
(1/130)
وكقوله: {يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي
والذين آمَنُواْ مَعَهُ} يعني لا يعذِّبُ الله النَّبي
والَّذين آمَنوا معه. وكقوله في سورة آل عمران: {وَلاَ
تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة} يعني ولا تعذبنا يوم القيامة. وقال
في سورة هود: {نَجَّيْنَا صَالِحاً والذين آمَنُواْ مَعَهُ
بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} يعني من عذاب
يومئِذٍ. وكقوله في الزمر: {فَأَذَاقَهُمُ الله الخزي فِي
الحياة} يعني العذاب في الدنْيَا.
الوجه الثالث: الخزي يعني الذل
والهوان
وذلك قوله في سورة يونس: {لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ
عَذَابَ الخزي} يعني عذاب الهوان فِي الدُّنْيَا. وكقوله في
سورة النَّحل: {إِنَّ الخزي اليوم} يعني إِنَّ الْهوَان
اليَوْم، {والسواء عَلَى الكافرين} . وقال في آل عمران:
{رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}
يعني فقد أهنته. وقال في سورة الحشر {وَلِيُخْزِيَ الفاسقين}
يعني وليذلَّ وَليُهِينَ الفاسقين.
الوجه الرابع: الخزي يعني الفضيحة
وذلك قول لوط في سورة هود: {فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ
تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} يعني ولا تفضحون ونظيرها في سورة
الحجر.
(1/131)
تفسير باءوا على
أربعة وجوه
الوجه الأول: باءوا يعني استوجبوا
وذلك قوله في سورة البقرة: {فَبَآءُو بِغَضَبٍ على غَضَبٍ}
يعني استوجبوا. ونظيرها في سورة آل عمران قال: {وَبَآءُوا
بِغَضَبٍ مِّنَ الله} يعني استوجبوا غضبا من الله. وقال أيضا:
{كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ الله} يعني استوجب. وقال في سورة
الأَنفال: {فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ الله} يعني فقد استوجب
غضبا من الله.
الوجه الثاني: تبوء يعني ترجع
وذلك قوله في سورة المائدة: {إني أُرِيدُ أَن تَبُوءَ
بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} يعني ترجع بإثمي وإِثمك.
الوجه الثالث: تبوّئ يعني توطئ
وذلك قوله في سورة آل عمران: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ
تُبَوِّىءُ المؤمنين مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} يعني تُوَطِّئ.
وكقوله في سورة الحشر: {والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان مِن
قَبْلِهِمْ} يعين وَطَّؤوا.
(1/132)
الوجه الرابع: يتبوأ
يعني ينزل
وذلك قوله في سورة يوسف: {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ}
. يقول: ينزل منها حيث يشاء. وكقوله في سورة الزُّمر: {الذي
صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ
الجنة حَيْثُ نَشَآءُ} يعني ننزل منها حيث نشاء، يعني ننزل
فيها حيث نشاء. وقال الحسن في سورة يونس: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا
بني إِسْرَائِيلَ} يعني أنزلنا بني إسرائيل {مُبَوَّأَ صِدْقٍ}
يعني منزل صدق، يعني مصر. ومثلها أيضا: {أَن تَبَوَّءَا
لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً} .
(1/133)
تفسير الرحمة على
أحد عشر وجها
الوجه الأول: الرحمة يعني دين
الإسلام
وذلك قوله في هل أتى على الإِنسان: {يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي
رَحْمَتِهِ} يعني في دين الإِسلام. ونظيرها في حم عسق، قال:
{وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ولاكن
يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ} يعني في دين الإِسلام.
وكقوله في سورة الفتح: {لِّيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ مَن
يَشَآءُ} يعني في دين الإِسلام. وكقوله في سورة البقرة: {والله
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ} يعني بدينه، الإِسلام.
وقال الحسن: النُّبوّة. ونظيرها في آل عمران. ونحوه كثير.
الوجه الثاني: الرحمة يعني الجنة
وذلك قوله في سورة آل عمران: {وَأَمَّا الذين ابيضت
وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ الله} يعني ففي جنَّة الله {هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ} . ونظيرها في آخر النِّساء قال: {فَأَمَّا
الذين آمَنُواْ بالله واعتصموا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي
رَحْمَةٍ مِّنْهُ} يعني الجنَّة.
(1/134)
وكقوله في الجاثية: {فَيُدْخِلُهُمْ
رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} يعني في جنَّتِه. وقال في سورة بني
إسرائيل: {يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} يعني جنَّتهُ. وقال في سورة
البقرة: {يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله} يعني جنَّة الله. وكقوله في
العنكبوت {أولائك يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي} يعني من جنَّتِي.
وقال في الزُّمر: {يَحْذَرُ الآخرة وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ
رَبِّهِ} يعني الجنَّة.
الوجه الثالث: الرحمة يعني المطر
وذلك قوله في سورة الأَعراف: {يُرْسِلُ الرياح بُشْراً بَيْنَ
يَدَيْ رَحْمَتِهِ} يعني قدَّام المطر. ونظيرها في الفرقان.
وقال في حم عسق: {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} يعني المطر. وكقوله في
سورة الرّوم: {فانظر إلى آثَارِ رَحْمَتِ الله} يعني المطر.
وقال: {ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً} يعني المطر.
وقال: {وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ} يعني المطر.
الوجه الرابع: الرحمة يعني النبوة
وذلك قوله في ص: {أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ}
يعني مفاتيح النُّبُوَّةِ. ونظيرها في
(1/135)
الزُّخرف: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ
رَبِّكَ} يعني النُّبُوة. وقال في سورة يوسف: {نُصِيبُ
بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ} النُبوَّة.
الوجه الخامس: الرحمة يعني النعمة
وذلك قوله في سورة النِّساء: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} يعني ونعمته. [ونظيرها في سورة
البقرة. وفي سورة النُّور قال: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} يعني ونعمته. ومثله كثير] . ونحوه
كثير.
الوجه السادس: الرحمة يعني القرآن
وذلك قوله في سورة يونس: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ}
يعني القرآن. ومثلها في آخر سورة يوسف.
الوجه السابع: الرحمة يعني الرزق
وذلك قوله في سورة بني إسرائيل: {قُل لَّوْ أَنْتُمْ
تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} يعني مفاتيح الرزق.
وقال أيضاً: {ابتغآء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا} يعني
انتظار رزق ترجو من الله. وهو قول مجاهد. وقال في أوّل سورة
الملائكة: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} يعني
الرزق. وهو قول الكلبي، {فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} . وقال
(1/136)
في الكهف: {آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً}
يعني رزقا. وقال فيها ايضا: {يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن
رَّحْمَتِهِ} يعني من رزقه.
الوجه الثامن: الرحمة يعني النصر
وذلك قوله في الأَحزاب: {مَن ذَا الذي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ الله
إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سواءا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} أَي
النَّصر والفتح. وقال يحيى: توبة.
الوجه التاسع: الرحمة يعني العافية
وذلك قوله في سورة الزُّمر: {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} يعني
بعافية، {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} يعني عافيته.
وقال في الرّوم: {وَإِذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً} عافية وفي
حم عسق نحوها. ويونس.
الوجه العاشر: الرحمة يعني المودة
وذلك قوله في سورة الحديد: {رَأْفَةً} يرأف بعضهم ببعض ويرحم
بعضهم بعضا، {وَرَحْمَةً} يعني مودَّة. كقوله في سورة الفتح:
{رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} يعني متوادِّين.
الوجه الحادي عشر: الرحمة يعني
الإيمان
الرّحمة يعني الإِيمان، وذلك قوله في سورة هود في قول نوح:
{إِن كُنتُ على بَيِّنَةٍ مِّن ربي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ
(1/137)
عِندِهِ} يعني النبوّة، يعني نعمة، وهو
الإِيمان. ومثلها قول صالح أيضا.
(1/138)
تفسير الفرقان على
ثلاثة وجوه
الوجه الأول: الفرقان يعني النصر
وذلك قوله في سورة البقرة {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب
والفرقان} يعني النصر، فرّق الله بين الحق والباطل، فنصر موسى
وأهلك عدوّه. وكقوله في سورة الأَنفال {وَمَآ أَنزَلْنَا على
عَبْدِنَا يَوْمَ الفرقان} يعني النَّصر، فرّق بين الحق
والباطل، فنصر الله نبيّه وهزم عدوّه.
الوجه الثاني: الفرقان يعني المخرج
وذلك قوله في سورة البقرة {وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهدى والفرقان}
يعني المخرج في الدِّين من الشُّبْهةِ، والضَّلالة. وفي آل
عمران مثلَها قال {وَأَنزَلَ الفرقان} . وكذلك في الأَنبياء.
وقال في الأَنفال: {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} يعني مخرجا في
الدِّينِ من الشُّبْهةِ والضَّلالةِ.
(1/139)
الوجه الثالث:
الفرقان يعني القرآن
وذلك قوله: {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان} يعني القرآن. وفي
قول قتادة: وفرقانه: حلاله وحرامه.
(1/140)
تفسير فلولا على
ثلاثة وجوه
الوجه الأول: فلولا يعني فلم
وذلك قوله في سورة يونس: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ
فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا} عند نزول العذاب يعني فلم تكن قرية
آمنت فنفعها إِيمانها عند نزول العذاب إِلاَّ قوم يونس. وكقوله
في سورة هود: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القرون مِن قَبْلِكُمْ}
يقول: فلم يكن.
الوجه الثاني: فلولا يعني فهلا
وذلك قوله في سورة الأَنعام: {فلولا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا
تَضَرَّعُواْ} يعني هلاَّ. وكقوله في سورة الواقعة: {فَلَوْلاَ
إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} يعني فهلاَّ. وقال في الفرقان:
{لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً} يعني
هلاَّ.
الوجه الثالث: فلولا يعني فلوما
وذلك قوله في سورة البقرة: {فَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ الخاسرين} يعني فلوما ذلك. وقال
في سورة والصّافات {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين}
يقول: فَلوما أَنَّه كان من المصلِّينَ، {لَلَبِثَ فِي
بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} .
(1/141)
تفسير لما على ستة
وجوه
الوجه الأول: لما يعني ما
لَمَا يعني ما، واللاَّم هاهنا صلة، وذلك قوله في سورة البقرة:
{وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار} يعني
ما يتفجَّر منه الأَنهار، واللاَّم هاهنا صلة، مثل قوله:
{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ} يعني ما يتشقَّق
{فَيَخْرُجُ مِنْهُ المآء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ
خَشْيَةِ الله} يعني ما يهبط. وقال في ن والقلم: {إِنَّ لَكُمْ
لَمَا تَحْكُمُونَ} يعني ما تحكمون. {إِنَّ لَكُمْ فِيهِ
لَمَا} يعني ما، {تَخَيَّرُونَ} ، واللاَّم صلة.
الوجه الثاني: لما يعني لم
لمَّا يعني لم، والأَلف هاهنا صلة. وذلك قوله في آل عمران:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَعْلَمِ
الله} يعني ولم ير الله {الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ} ، والأَلف
صلة. ومثلها في البقرة: {وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين} .
وكقوله في براءة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا
يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ} يعني ولم ير الله.
وكقوله في سورة الجمعة: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا
يَلْحَقُواْ بِهِمْ} يعني لم يلحقُوا بهم. ونحوه كثير.
(1/142)
الوجه الثالث: لمَّا يعني إلاَّ
وذلك قوله في يس: {وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا
مُحْضَرُونَ} يعني إِلاَّ جميع لدينا محضَرونَ. ومن خفَّف لما
جعل اللاَّم تأكيدا للفعل. وفي الزُّخرف مثلها: {وَإِن كُلُّ
ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحياة الدنيا} يعني إِلاَّ متاع.
وكقوله في والسَّماء والطَّارق: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا
عَلَيْهَا حَافِظٌ} يعني إِلاَّ عليها حافظ. ومن خفَّف جعل
اللاَّم توكيدا للفعل.
الوجه الرابع: لمَّا يعني حين
وذلك قوله في سورة يونس: {لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ}
يعني حين آمنوا. وقوله في سورة هود: {لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ
رَبِّكَ} يعني حين جاء أمر ربِّك.
الوجه الخامس: لمَّا يعني شديدا
وذلك قوله في الفجر: {وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً}
يعني شديدا. وليس غيرها.
الوجه السادس: لِما يعني الذي
لِمَا مُخَفَّفة يعني الَّذِي، وذلك قوله في سورة البقرة:
{مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} يعني لِلَّذِي بين
يدِيْه. وكذلك في
(1/143)
سورة المائدة: {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ} يعني لِلَّذي بين يديْهِ. وكقوله في والسماءِ ذات
البروج، قال: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} يعني للَّذي يريد.
وكقوله في سورة هود {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}
يعني لَلَّذِي يريد. وكل شيء "لما"، إِذا كانت اللاَّم
مكَسورة، مثل ذلك. غير أن في تنزيل السَّجدة: {لَمَّا
صَبَرُواْ} فإنَّها بِما صبروا. ومن قرأها "لمّا صبروا" فإنَّه
يعني حين صبروا.
(1/144)
تفسير حسنا على خمسة
وجوه
الوجه الأول: حسنا يعني حقا
وذلك قوله في سورة البقرة: [ {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}
يعين حقا في أمر محمَّد أنه رسول ونبيّ. وكقوله في طه {أَلَمْ
يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} يعني حقاًّ] .
الوجه الثاني: حسنا يعني محتسبا
وذلك قوله في سورة البقرة: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله
قَرْضاً حَسَناً} يعني محتسبا يعني احتسابا. ونظيرها في سورة
الحديد. وفي سورة التَّغابن. ومثل قوله {جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ
عَطَآءً حِسَاباً} يعني الجَّنَّة ثوابا من الله وعطية منه
لأَعمالهم التي عملوا في الدُّنيا احتسابا. وقال رسول الله:
"لا عمل لمن لا نيَّة لهُ، ولا أجر لمن لا حسنة له". تفسير
السدي.
(1/145)
الوجه الثالث: حسنا
يعني الجنة
وذلك قوله في سورة القصص: {أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً
حَسَناً} هي الْجنَّةُ، {فَهُوَ لاَقِيهِ} ، داخل الجنَّة.
وقال في الكهف: {أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} عند الله
الْجنَّة. وقال في يونس: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى}
الجنَّة.
الوجه الرابع: حسنا يعني العفو
وذلك قوله في سورة الكهف: {وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ
حُسْناً} يعني العفو.
الوجه الخامس: حسنا يعني برًا
وذلك قوله في الأَحقاف: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ
إِحْسَاناً} يعني برّا. ومثلها في بني إِسرائيل قال:
{وبالوالدين إِحْسَاناً} يعني برّا.
(1/146)
تفسير قانتين على
وجهين
الوجه الأول: قانتون يعين مُقرّين لله بالعبودية
وذلك قوله: في سورة البقرة: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} يقول:
مقرّون بالعبودية. ومثلها في سورة الرّوم: {كُلٌّ لَّهُ
قَانِتُونَ} مقرّون بالعبوديَّة. وهو تفسير الحسن، كُلٌّ له
قائم بالشَّهادة أنَّه عبد له. وليس مثلهما في القرآن.
الوجه الثاني: قانتين يعني مطيعين
وذلك قوله في سورة البقرة: {وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ}
يعني مطيعين. وهو تفسير ابن عبَّاس. وقال في سورة الأَحزاب:
{والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات} يعني المطيعين لله
والمطيعات. ومثلها: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ} من يطع.
وكذلك عامّة ما في القرآن.
(1/147)
تفسير إمام على خمسة
وجوه
الوجه الأول: إمام يعني قائدا في
الخير
وذلك قوله في سورة البقرة لإِبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِمَاماً} يعني قادئا في الخير يقتدى بسنَّتك وهديك
وهداك. وكقوله في سورة الفرقان: {واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ
إِمَاماً} يعني قادة في الخير يُقتدى بنا. وقال قتادة: قادة في
الخير ودعاة هدى.
الوجه الثاني: إمام يعني كتاب
أعمال بني آدم
وذلك قوله في سبحان: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ
بِإِمَامِهِمْ} يعني بكتابهم الَّذِي عملوا في الدنيا وهو قول
الحسن ... . بِكتابهم.
الوجه الثالث: إمام يعني اللوح
المحفوظ
وذلك قوله في يس: {وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ في إِمَامٍ
مُّبِينٍ} يعني اللَّوح المحفوظ.
(1/148)
الوجه الرابع: إمام
يعني التوارة
وذلك قوله في سورة هود: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إِمَاماً
وَرَحْمَةً} يعني التَّوراة إِماما يُقتدى به، ورحمة لمن آمن
به. ومثلها في سورة الأَحقاف {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى
إِمَاماً وَرَحْمَةً} يعني التَّوراة. وقوله: إِماما، يقتدى به
ورحمة لمن آمن به.
الوجه الخامس: إمام يعني طريقا
واضحا
وذلك قوله في سورة الحجر في قرية لوط وقرية شعيب قال:
{وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} يعني وإِنَّهُما لبطريق
واضح بيّن.
(1/149)
تفسير أمة على تسعة
وجوه
الوجه الأول: أمة يعني عصبة
وذلك قوله في سورة البقرة: {وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً} يعني
عصبة، {مُّسْلِمَةً لَّكَ} . وكقوله أيضا: {تِلْكَ أُمَّةٌ
قَدْ خَلَتْ} يعني عصبة. وكقوله في سورة آل عمران: {أُمَّةٌ
قَآئِمَةٌ} يعني عصبة قائمة. وكقوله في سورة المائدة:
{مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ} يعني عصبة. وكقوله فيها:
{وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق} يعني عصبة.
ونحوه كثير.
الوجه الثاني: أمة يعني ملة
وذلك قوله في سورة البقرة: {كَانَ الناس أُمَّةً} يعني على عهد
آدم وأهل سفينة نوح، {أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني على ملَّة
الإِسلام وحدها. وهو قول الكلبي. ومثلها في سورة يونس: {وَمَا
كَانَ الناس} يعني أهل سفينة نوح، وعلى عهد آدم، {إِلاَّ
أُمَّةً
(1/150)
وَاحِدَةً} يعني ملَّة واحدة، الإِسلام.
وهو قول قتادة. وقال في سورة المؤمنون: {وَإِنَّ هذه
أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني ملَّتكم ملَّة واحدة،
الإِسلام. ونظيرها في سورة الأَنبياء. وقال في النَّحل أيضا:
{وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني على
ملَّة الإِسلام. وكقوله في سورة المائدة: {وَلَوْ شَآءَ الله
لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني على ملَّة الإِسلام وقال
في سورة الأَنعام: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ} يعني
لكلِّ أهل ملَّة وقال في سورة الزخرف: {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ
الناس أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني ملَّة واحدة. وهو قول الحسَن.
الوجه الثالث: أمة يعني سنين
وذلك قوله في سورة هود {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب
إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} يعني إِلى سنين معدودة. وهو قول
الكلبي. ونظيرها في سورة يوسف حيث يقول: {وادكر بَعْدَ
أُمَّةٍ} يعني بعد سنين. وليس في القرآن غيرهما. وهو قول
الكلبي.
الوجه الرابع: أمة يعني قوما
وذلك قوله في سورة النَّحل: {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى
مِنْ أُمَّةٍ} يعني أن يكون قوم أكثر من قوم. وهو قول قتادة.
وقال في سورة الحجِّ: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً}
[يعني
(1/151)
ولكل قوم جعلنا منسكا] . وقال في سورة آل
عمران: {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخير
وَيَأْمُرُونَ بالمعروف} بتوحيد الله، {وَيَنْهَوْنَ عَنِ
المنكر} عن الشِّرْك بالله.
الوجه الخامس: أمة يعني إماما
وذلك قوله في سورة النَّحل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ
أُمَّةً} يعني كان إِماما يقتدى به في الخير. وهو قول قتادة.
الوجه السادس: أمة هي الأمم
الخالية
أمة هي الأُمم الخالية وغيرهم مِن الكفار، وذلك قوله في سورة
يونس: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ} يعني جميع الأُمم الخالية.
وقال في آل عمران: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} يعني هذه
الأُمَّة. وقال في سورة الحجر: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ
أَجَلَهَا} يعني الأمم الخاليَة. وقال في سورة الملائكة.
{وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} يعني
الأُمم الخالية كلها قد خلا فيهم النُّذر.
الوجه السابع: أمة يعني أمة محمد
صلى الله عليه وسلم خاصة
وذلك قوله في سورة آل عمران: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} يعني المسلمين خاصَّة. وهوَ قول الحسن.
وكقوله في سورة البقرة: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً
وَسَطاً} يعني عدلا بين النَّاس، يعني المسلمين خاصَّة.
(1/152)
الوجه الثامن: أمة
يعني أمة محمد الكفار منهم خاصة
وذلك قوله في سورة الرّعد: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ في أُمَّةٍ
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ} يعني الكفَّار خاصَّة.
الوجه التاسع: أمة يعني خلقا
وذلك قوله في سورة الأَنعام: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض
وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ
أَمْثَالُكُمْ} يقول: خلق مثلكم.
(1/153)
تفسير شقاق على
أربعة وجوه
الوجه الأول: شقاق يعني ضلالا
وذلك قوله في سورة البقرة: {وَإِنَّ الذين اختلفوا فِي الكتاب
لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} يعني الضلال الطَّوِيل. وكقوله في سورة
الحجِّ: {وَإِنَّ الظالمين لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} يعني ضلالا
طويلا. وكقوله في سورة حم السَّجدة: {مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ
بَعِيدٍ} يعني ضلالاً طويلا. وقال في سورة البقرة: {فَإِنَّمَا
هُمْ فِي شِقَاقٍ} يعني ضلالا.
الوجه الثاني: شقاق يعني اختلافا
وذلك قوله في سورة النساء: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ
بَيْنِهِمَا} يعني اختلافا بينهما. وكقوله في ص: {فِي عِزَّةٍ
وَشِقَاقٍ} يعني اختلافا. وقال في سورة النِّسَاء: {وَمَن
يُشَاقِقِ الرسول} يعني يُخالفُ الرّسول {مِن بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُ الهدى} وقال ... . الشِّقاق: الفراق.
(1/154)
الوجه الثالث: شقاق
يعني عداوة
وذلك قوله في سورة الأَنفال: {شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ}
يعني عَادوا الله ورسوله. وهو قول الحسن. وكقوله في سورة
الحشر: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} يعني
عَادَوُا الله ورسوله. وكقول شعيب: {لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ
شقاقي} يقول: لا تحملنَّكم عدواتي. وهو قول قتادة. وكقوله في
الَّذِين كفروا: {وَشَآقُّواْ الرسول} يعني عَادَوُا الرّسول.
الوجه الرابع: شقاق يعني حجابا
وذلك قوله في سورة النَّحل: {أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين
كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} يعني تحاجون فيهم ... كالمحاربة
والعداوة.
(1/155)
تفسير وجهة، ووجهه
ووجه على خمسة وجوه
الوجه الأول: وجهة يعني قبلة
وجهة يعني قبيلة، وذلك قوله في سورة البقرة: {وَلِكُلٍّ
وِجْهَةٌ} يعني قبلة {هُوَ مُوَلِّيهَا} يعني مستقبلها. وكقوله
في سورة النِّساء: {أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً} يعني من قبل أن
تحول القبيلة عن الهدى والبصيرة إلى الضَّلال. وقال وقال
مجاهد: عن الصّراط. وقال الحسن: عن الهدى.
الوجه الثاني: وجهة يعني دينا
وذلك قوله في سورة النِّساء {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ
أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله} يعني أخلص وجهه دينه الله. وكقوله في
سورة البقرة: {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ} يعني أخلص
دينه الله. ومثلها في لقمان.
الوجه الثالث: وجه يعني الله تبارك
وتعالى
وذلك قوله: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة
والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} يعني يريدون الله ورضاه. وكقوله
في القصص: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} يعني
(1/156)
الله تبارك وتعالى. وكقوله في الرّحمان:
{ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ} . وكقوله في سورة البقرة: {فَأَيْنَمَا
تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} يعني فَثَمَّ الله. وقال في
سورة الرّوم: {وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ
الله} يعني تريدون بها الله. وكقوله في هل أتى: {إِنَّمَا
نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله} يعني اللهِ.
الوجه الرابع: وجه يعني الوجه
بعينه خاصة
وذلك قوله في آل عمران: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ
وُجُوهٌ} يعني الوجوه بعينها. وقال في المائدة وفي النِّساء:
{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} . ونحوه
كثير.
الوجه الخامس: الوجه يعني أولا
وذلك قوله في آل عمران: {وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ
الكتاب آمِنُواْ بالذي أُنْزِلَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَجْهَ
النهار واكفروا آخِرَهُ} يعني أوَّل النَّهارِ، {واكفروا
آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وهو تفسير الكلبي، ومجاهد،
وقتادة.
(1/157)
تفسير الذكر على ستة
عشر وجها
الوجه الأول: الذكر يعني الطاعة
والعمل
وذلك قوله في سورة البقرة: {فاذكروني أَذْكُرْكُمْ} . يقول:
اذكروني بالطَّاعة، أطيعوني، أذكركم بالخير.
الوجه الثاني: الذكر باللسان
وذلك قوله في سورة النِّساء: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة
فاذكروا الله} يعني اذكروه باللِّسان {قِيَاماً وَقُعُوداً} .
وقال في آل عمران مثل ذلك. وقال في سورة البقرة: {فاذكروا
الله} باللِّسان {كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ} بألسنتكم {أَوْ
أَشَدَّ ذِكْراً} يعني باللِّسَان. وقال في سورة الأَحزاب:
{اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً} يعني باللِّسَان. وقال:
{والذاكرين الله كَثِيراً والذاكرات} .
الوجه الثالث: الذكر بالقلب
وذلك قوله في سورة آل عمران:
(1/158)
{والذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ
ظلموا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله} يعني ذكروه في أنفسهم
وعملوا أنَّهُ سَائلهم عمّا عملوا.
الوجه الرابع: الذكر يعني اذكر
أمري عند فلان
وذلك قوله في سورة يوسف: {اذكرني عِندَ رَبِّكَ} . يقول يوسف:
اذكر أمري عند الملك. وقال في سورة مريم: {واذكر فِي الكتاب
إِبْرَاهِيمَ} . يقول: اذكر لأَهل مكَّة أمر إِبراهيم. وكذلك
أمر مريم وموسى وإِسماعيل وإِدريس.
الوجه الخامس: الذكر يعني الحفظ
وذلك قوله في سورة البقرة: {خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ
واذكروا مَا فِيهِ} يعني احفظوا ما فيه، يعني ما في التوراة من
الأَمر والنَّهي. وقال في سورة آل عمران: {واذكروا نِعْمَتَ
الله عَلَيْكُمْ} يعني احفظوا. وكذلك التي في سورة البقرة.
ونحوه كثير.
الوجه السادس: الذكر يعني عظة
وذلك قوله في سورة الأَنعام {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ
بِهِ} يعني ما وُعِظوا به. ومثلها في الأَعراف:
(1/159)
{فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ}
يعني وعظوا به، {أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السواء} .
وقال في يس: {أَإِن ذُكِّرْتُم} يعني وعظتم. وقال في ق:
{فَذَكِّرْ بالقرآن} يعني عظ بالقرآن. وقال: {إِنَّمَآ أَنتَ
مُذَكِّرٌ} يعني واعظا {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} .
ونحوه كثير.
الوجه السابع: الذكر يعني الشرف
وذلك قوله في سورة الزَّخرف: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ
وَلِقَوْمِكَ} يعني لشرف لك ولقومك، يعني القرآن، يعني النبوة.
وفي يس. وهو قول سفيان. وكقوله في سورة المؤمنون: {فِيهِنَّ
بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ
مُّعْرِضُونَ} يعني شرفهم. وقال في سورة الأَنبيَاء: {لَقَدْ
أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ} يعني شرفكم،
يعني قريشا.
الوجه الثامن: الذكر يعني الخبر
وذلك قوله في سورة الأَنبياء: {هاذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ
وَذِكْرُ مَن قَبْلِي} يعني خبر من معي وخبر من قبلي. وكقوله
في سورة والصَّافَّات: {لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ
الأولين}
(1/160)
يعني خبرا من الأَوَّلِين. وقال في سورة
الكهف: {قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً} يعني
خبرا من الأَولين.
الوجه التاسع: الذكر يعني الوحي
وذلك قوله في اقتربت السَّاعة: {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ
مِن بَيْنِنَا} يعني أأنزل عليه الوحي من بيننا. وكقوله في
الصَّافات: {فالتاليات ذِكْراً} يعني الوحي. وكقوله في
والمرسلات: {فالملقيات ذِكْراً} يعني الوحي. وقال في الحجر:
{وَقَالُواْ ياأيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر} يعني الوحي،
القرآن.
الوجه العاشر: الذكر يعني القرآن
وذلك قوله في سورة الأَنبياء: {وهاذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ
أَنزَلْنَاهُ} يعني القرآن وهو قول قتادة. وفيها أيضا {عَن
ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ} ، القرآن. وقال [في سورة
الزخرف: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحاً} يعني القرآن.
وقال في سورة] الأَنبياء: {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن
رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ} يعني القرآن وكذلك في سورة الشُّعَراء.
ونحوه كثير.
(1/161)
الوجه الحادي عشر:
الذكر يعني التوراة
وذلك قوله في سورة الأَنبياء: {فاسئلوا أَهْلَ الذكر} يعني أهل
التَّوراة. وقال الحسن: أهل الكتابين. وقال ابن عباس: {مِن
بَعْدِ الذكر} التوراة، عبد الله بن سلام وأصحابه المؤمنين.
ومثلها في سورة النَّحل قال: {إِلَيْهِمْ فاسألوا أَهْلَ
الذكر} يعني التوراة، عبد الله بن سلاَّم وأصحابه الَّذين
أسلموا. وهو قول قتادة.
الوجه الثاني عشر: الذكر يعني
الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه يعني اللوح المحفوظ
يعني اللَّوح المحفوظ. وذلك قوله في سورة الأَنبياء: {وَلَقَدْ
كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر} يعني من بعد اللَّوح
المحفوظ. وهو قول مجاهد.
الوجه الثالث عشر: الذكر يعني
البيان من الله
وذلك قول نوح لقومه في سورة الأَعراف: {أَوَ عَجِبْتُمْ أَن
جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ} يعني بيانا من ربِّكُمْ.
وقول هود فيها أيضا: {أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ
مِّن رَّبِّكُمْ} . وقال: {ص والقرآن ذِي الذكر} يعني ذي
البيان. وقال في ص: {هاذا ذِكْرٌ} يعني بيان {وَإِنَّ
لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} . ومثله كثير.
(1/162)
الوجه الرابع عشر:
الذكر يعني التفكر
وذلك قوله في ص: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ}
يعني ما القرآن إِلاَّ تفكُّر للعالمين اي الغافلين عن الله.
ومثلها في إِذا الشَّمس كوّرت: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ
لِّلْعَالَمِينَ} يعني تفكُّرا. وقوله في سورة يس: {إِنْ هُوَ
إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} يعني ما هو إِلاَّ تفكُّر
للعالمين وقرآن مبين.
الوجه الخامس عشر: الذكر يعني
الصلوات الخمس
وذلك قوله في سورة البقرة: {فَإِذَآ أَمِنتُمْ فاذكروا الله}
يعني صلُّوا لله، يعني الصَّلوات الخمس {كَمَا عَلَّمَكُم مَّا
لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} . وكقوله في سورة النُّور:
{رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ
الله} يعني عن الصلوات الخمس. وقال في سورة المنافقين: {ياأيها
الذين آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ
أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ الله} يعني عن الصَّلوات الخمس،
وحضور الجمعة.
الوجه السادس عشر: الذكر يعني صلاة
واحدة
وذلك قوله في سورة الجمعة: {فاسعوا إلى ذِكْرِ الله} يعني صلاة
الجمعة خاصَّة في هذا الموضع. وقول سليمان: {إني أَحْبَبْتُ
حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِّي} يعني عن الصَّلاّة، صلاة العصر
خاصة.
(1/163)
تفسير الخوف على
خمسة وجوه
الوجه الأول: الخوف يعني القتل
وذلك قوله في سورة النِّساء: {وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ
الأمن أَوِ الخوف} يعني القتل والهزيمة. وكقوله في سورة
البقرة: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخوف} يعني
القتل.
الوجه الثاني: الخوف القتال
وذلك قوله في سورة الأَحزاب {فَإِذَا جَآءَ الخوف} يَعْنِي
القتالُ، {رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} . وكقوله:
{فَإِذَا ذَهَبَ الخوف} يعني إِذا ذهب القتال.
الوجه الثالث: الخوف يعني العلم
والمعرفة
وذلك قوله في سورة البقرة: {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ} يعني من
خاف، فمن علم. وقال في سورة البقرة أيضا: {فَإِنْ خِفْتُمْ
أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} يقول: إِن علمتم. وكقوله في
سورة النِّساء: {وَإِنِ امرأة خَافَتْ} يعني علمت، {مِن
بَعْلِهَا} يعني من زوجها، {نُشُوزاً} يعني بغضا أو إِعراضا.
وقال
(1/164)
في سورة الأَنعام: {وَأَنذِرْ بِهِ الذين
يَخَافُونَ أَن يحشروا إلى رَبِّهِمْ} يعني يعلمون ويستيقنون.
وقال: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} يعني إن علمتم.
الوجه الرابع: الخوف بعينه
وذلك قوله في آل عمران: {أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ
يَحْزَنُونَ} يعني ألاَّ خوف عليهم من العذاب. وقال في حم
السَّجدة: {أَلاَّ تَخَافُواْ} العذاب {وَلاَ تَحْزَنُواْ} .
وهو قول قتادة. وقال في الأَعراف: {وادعوه خَوْفاً} منْ
عَذابِهِ، {وَطَمَعاً} في رحمته. وقال في تنزيل السَّجدة:
{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً} من عذابه {وَطَمَعاً} في رحمته.
الوجه الخامس: الخوف يعني النقص
وذلك قوله في سورة النَّحل: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ}
يعني تَنقّص. وهو قول الكلبي.
(1/165)
|