التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه تفسير الصلاة على
وجهين
الوجه الأول: الاستغفار من
المخلوقين، ومن الله المغفرة
ومن الله، المغفرة، وذلك قوله في سورة الأَحزاب {هُوَ الذي
يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} يعني - الله تبارك وتعالى - هو الَّذي
يغفر لكم إذا عصيتموه. قال: {وَمَلاَئِكَتُهُ} يعني وتستغفر
لكم الملائكة. وهو قول ابن عباس. وكقوله: {إِنَّ الله
وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي} يعني إنَّ الله يغفر
للنَّبِيِّ وتستغفر له الملائكة. وقال: {ياأيها الذين آمَنُواْ
صَلُّواْ عَلَيْهِ} يعني استغفروا له، {وَسَلِّمُواْ
تَسْلِيماً} . وقال في البقرة: {وَبَشِّرِ الصابرين} ... ...
إلى قوله: {أولائك عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ} يعني
مغفرة من ربّهم. وقال في براءة: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} . يقول
للنَّبيِّ: استغفر لهم {إِنَّ صلاوتك} يعني إِنَّ استغفارك
{سَكَنٌ} يعني طمأنينة قلوبهم. وقال فيها أيضا: {وَصَلَوَاتِ
الرسول} يعني استغفار النَّبيِّ.
(1/166)
الوجه الثاني:
الصلاة يعني الصلاة التي يصلي المخلوقن لله
الصَّلاة التي يصلِّي المخلوقون لله، وذلك قوله في سورة
البقرة: {وَيُقِيمُونَ الصلاة} يعني يُتِمّون الصّلاة، يعني
الصَّلوات الخمس. وقال أيضا: {وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ
النهار} . ونحوه كثير. وقال: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس}
يعني الصَّلوات الخمس {إلى غَسَقِ اليل} . وقال في سور
النِّسَاء: {إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً
مَّوْقُوتاً} .
(1/167)
تفسير الناس على أحد
عشر وجها
الوجه الأول: الناس يعني إنسانا واحداً، يعني النبي وحده
وذلك قوله في سورة النِّساء: {أَمْ يَحْسُدُونَ الناس} يعني
النَّبي وحده، قال: {على مَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} .
قال الكلبي: النَّبيُّ وحده. وقال في سورة آل عمران: {الذين
قَالَ لَهُمُ الناس} يعني نعيم بن مسعود الأَشجعي وحده. وقال
في حمالمؤمن: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ
الناس} يعني الدَّجَّال وحده.
الوجه الثاني: الناس يعني الرسل
خاصة
وذلك قوله في سورة البقرة: {أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ
شُهَدَآءَ عَلَى الناس} يعني شهداء النّاس يعني الرّسل خاصّة.
وكقوله في سورة الحجِّ: {وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس}
يعني لتكونوا شهداء الرّسل خاصة.
(1/168)
الوجه الثالث: الناس
يعني المؤمنين خاصة
وذلك في قوله في سورة البقرة: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ} يعني على
الكافرين، {لَعْنَةُ الله والملائكة والناس أَجْمَعِينَ} يعني
بالنَّاس أجمعين المؤمنين خاصَّة. وهو قول قتادة في سورة آل
عمران حيث يقول: {والناس أَجْمَعِينَ} يعني المؤمنين خاصَّة.
وقال في آل عمران أيضا: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت}
يعني المؤمنين خاصَّة.
الوجه الرابع: الناس يعني المؤمنين
من أهل التوراة خاصة
وذلك قوله في سورة البقرة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ
كَمَآ آمَنَ الناس} يعني مؤمني أهل التَّوراة خاصَّة.
الوجه الخامس: الناس يعني بني
إسرائيل خاصة
وذلك قوله في سورة المائدة: {ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ
قُلتَ لِلنَّاسِ} يعني بني إسرائيل خاصَّة، {اتخذوني وَأُمِّيَ
إلاهين مِن دُونِ الله} . وكقوله في آل عمران: {مَا كَانَ
لِبَشَرٍ} يعني عيسى، {أَن يُؤْتِيهُ الله الكتاب والحكم
والنبوة ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي} يعني
بني إسرائيل خاصَّة. وقال في آل عمران أيضا: {وَأَنزَلَ
التوراة والإنجيل * مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ} يعني لبني
إِسرائيل خاصَّة.
(1/169)
الوجه السادس: الناس
يعني أهل مصر خاصة
وذلك قوله في سورة يوسف: {لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس} يعني أهل
مصر، {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} . وقال أيضا: {عَامٌ فِيهِ
يُغَاثُ الناس} يعني أهل مصر. وقال في طه: {وَأَن يُحْشَرَ
الناس ضُحًى} يعني أهل مصر.
الوجه السابع: الناس يعني أهل مكة
خاصة
وذلك قوله في بني إِسرائيل: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ
رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس} يعني أهل مكة خاصَّة. وقال: {وَمَا
جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً
لِّلنَّاسِ} يعني أهل مكَّة خاصة. وقال في سورة يونس: {ياأيها
الناس} يعني أهل مكَّة خاصَّة، {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على
أَنفُسِكُمْ} . وقال في سورة النَّمْل: {أَنَّ الناس كَانُوا
بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ} يعني أهل مكة خاصَّة.
الوجه الثامن: الناس يعني أهل
اليمن خاصة
وذلك قوله: {وَرَأَيْتَ الناس يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله
أَفْوَاجاً} يعني أهل اليمن خاصَّة.
الوجه التاسع: الناس يعني أهل
اليمن وربيعه
وذلك قوله في سورة البقرة: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ
أَفَاضَ الناس} يعني ربيعة وأهل اليمن.
(1/170)
الوجه العاشر: الناس
يعني الناس كلهم
وذلك قوله في سورة النِّسَاء: {ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ
الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} . وقال في سورة
الحجرات: {ياأيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ
وأنثى} يعني جميع النَّاس. ونحوه كثير. وهو قول الحسن وقتادة.
الوجه الحادي عشر: الناس يعني أهل
سفينة نوح ومن كان على عهد آدم
وذلك قوله في سورة البقرة: {كَانَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً}
يعني أهل سفينة نوح، وعلى عهد آدم. وهو قول قتادة. وكقوله في
سورة يونس: {وَمَا كَانَ الناس} يعني أهل سفينة نوح، وعلى عهد
آدم.
(1/171)
تفسير كتب على أربعة
وجوه
الوجه الأول: كتب يعني فرض
وذلك قوله في سورة البقرة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي
القتلى} يعني فرض. وكقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} يعني
فرض. قال: {كَمَا كُتِبَ} يعني كما فرض {عَلَى الذين مِن
قَبْلِكُمْ} . تفسير قتادة. وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا
حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموت} يعني فرض عليكم. وقوله: {كُتِبَ
عَلَيْكُمُ القتال} يعني فرض. وقال في سورة النِّسَاء:
{فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال} يعين فلمَّا فرض،
{وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا} يقول: لِمَ
فرضت علينا القتال.
الوجه الثاني: كتب يعني قضى
وذلك قوله في سورة المجادلة: {كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ} يعني
قضى الله {أَنَاْ ورسلي} . وقال في براءة {قُل لَّن يُصِيبَنَآ
إِلاَّ مَا كَتَبَ الله} يعني إِلاَّ مَا قضى الله {لَنَا}
(1/172)
وقال في سورة الحجِّ {كُتِبَ عَلَيْهِ
أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ} يقول: قُضي على إبليس أنَّه من
تولاَّهُ، {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ
السعير} . وقال في آل عمران: {لَبَرَزَ الذين كُتِبَ
عَلَيْهِمُ القتل إلى مَضَاجِعِهِمْ} يعني الَّذين قُضي عليهم
القتل.
الوجه الثالث: كتب يعني جعل
وذلك قوله في سورة المجادلة: {أولائك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ
الإيمان} يعني جعل. وقال في سورة آل عمران: {رَبَّنَآ آمَنَّا
بِمَآ أَنزَلَتَ واتبعنا الرسول فاكتبنا مَعَ الشاهدين} يعني
واجعلنا مع الشَّاهدين. ومثلها في سورة المائدة: {فاكتبنا مَعَ
الشاهدين} يعني فاجعلنا مع الشَّاهدين. وقال في سورة الأَعراف:
{فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} يعني فسأجعلها.
الوجه الرابع: كتب يعني أمر
وذلك قوله في سورة المائدة: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ
المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يعني الَّتِي
أمركم أن تدخلوها وهي الأُردن.
(1/173)
تفسير الخير على
ثمانية وجوه
الوجه الأول: الخير يعني المال
وذلك قوله في سورة البقرة: {إِن تَرَكَ خَيْراً} يعني مالا.
وكقوله: {قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ} يعني من مال،
{فَلِلْوَالِدَيْنِ والأقربين} . وكقوله {وَمَا تُنْفِقُواْ
مِنْ خَيْرٍ} يعني من مال، {فَلأَنْفُسِكُمْ} . وقال: {وَمَا
تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ} من مال، {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} . وقال
في صاد: {حُبَّ الخير} يعني المال. وقال: {إِنْ عَلِمْتُمْ
فِيهِمْ خَيْراً} مالا. وهو قول الحسن. ونحوه كثير.
الوجه الثاني: الخير يعني الإيمان
وذلك قوله في الأَنفال: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً}
يعني إِيمانا، {لأَسْمَعَهُمْ} الإِيمان، وقال فيها أيضا:
{ياأيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى إِن
يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً} يعني إِيمانا. وقال
نوح في سورة هود: {وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ
لِلَّذِينَ تزدري أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ الله خَيْراً}
يعني إِيمانا.
(1/174)
الوجه الثالث: الخير
يعني الاسلام
وذلك قوله في سورة البقرة: {أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ
خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} يعني الإِسلام ونزول الوحي
بالشَّرَائع. وكقوله في سورة ق: {مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} يعني
مَنَّاعاً للإِسلام، وهو المشرك، يعني الوليد بن المغيرة منع
بني أخيه أن يسلموا. ومثلها في نون والقلم: {مَّنَّاعٍ
لِّلْخَيْرِ} يعني للإِسلام.
الوجه الرابع: الخير يعني الفضل
وذلك قوله في سورة المؤمنون: {وَقُل رَّبِّ اغفر وارحم وَأنتَ
خَيْرُ الراحمين} يعني وأنت أفضل من يرحم. [وقال في المائدة
أيضا: {وَأَنتَ خَيْرُ الرازقين} يعني أفضل الرَّازقين] . وقال
في يوسف: {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} يعني أفضل الحاكمين. وكذلك
كلُّ شيء في القرآن من نحو هذا. وقال في أفضل الحاكمين. وكذلك
كلُّ شيء في القرآن من نحو هذا. وقال في سورة الزُّخرف: {أَمْ
أَنَآ خَيْرٌ} بل أنا خير، يعني أفضل.
الوجه الخامس: الخير يعني العافية
وذلك قوله في سورة الأَنعام: {وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ} يعني
بعافية، {فَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} . ومثلها في سورة
يونس: {وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} يعني بعافية، {فَلاَ رَآدَّ
لِفَضْلِهِ} .
(1/175)
الوجه السادس: الخير
يعني الأجر
وذلك قوله في سورة الحج: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} يعني لكم في
البُدن أجر في نحرها، والصّدقة منها.
الوجه السابع: الخير يعني الطعام
الخير يعني الطَّعام، وذلك قوله في سورة القصص: {رَبِّ إِنِّي
لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} يعني الطَّعام.
الوجه الثامن: الخير الطعن في
القتال
الخير [يعني] الظَّفر في القتال، وذلك قوله في سورة الأَحزاب:
{وَرَدَّ الله الذين كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ
خَيْراً} يعني لم يصيبوا ظفرا ولا غنيمة. وقال: {أَشِحَّةً
عَلَى الخير} . والخير القتال.
(1/176)
تفسير الخيانة على
خمسة وجوه
الوجه الأول: الخيانة يعني الذنب
في الإسلام
وذلك قوله في سورة البقرة: {عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ
تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ} يعني الذّنب في الإِسلام؛ وذلك أنَّ
رجلا من المسلمين، يقال أَنَّه عمر بن الخطَّاب، واقع امرأته
في شهر رمضان. وقال في سورة الأَنفال: {ياأيها الذين آمَنُواْ
لاَ تَخُونُواْ الله والرسول وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ} يعني
المعصية في الإِسلام؛ وذلك أنَّ أبا لُبابة صاحب النبيِّ أشار
إلى يهود قريظة بيده ألاَّ ينزلوا على الحكم، فكانت هذه منه
خيانة وذنبا. وقوله في المؤمن: {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين}
يعني النَّظرة في المعصية، وهو الذي يُسارق النَّظر.
الوجه الثاني: الخيانة الذي تكون
عنده أمانة فيخونها
وذلك قوله في سورة النِّساء: {وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ
خَصِيماً} وهو
(1/177)
الذي يخون أمانته. نزلت في طعمة بن ابيرق،
خان درعا من حديد كانت عنده وديعة.
الوجه الثالث: الخيانة يعني نقض
العهد
وذلك قوله في سورة الأَنفال: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ
خِيَانَةً} يعني نقض العهد، نزلت في اليهود. ومثلها في سورة
المائدة {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ على خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ}
يعني اليهود. ذكره مجاهد: نقضوا العهد، وهمّوا بقتل النَّبيِّ
عليه السلام ومن معه، وكانوا ثلاثة نفر: أبو بكر، وعمر، وعلي.
الوجه الرابع: الخيانة يعني الخلاف
في الدين
وذلك قوله في سورة التَّحريم: {فَخَانَتَاهُمَا} يعني
فخالفتاهما في الدِّين، كانت كافرتين. وقال في سورة الأَنفال:
{وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ} - يعني الَّذين أسروا يوم بدر
- ويريدوا خلافك في الدِّين أي الكفر بك، {فَقَدْ خَانُواْ
الله مِن قَبْلُ} يعني فقد كفروا بالله من قبل. وقال في سورة
النِّساء: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً} يعني
في دينه. نزلت في طعمة بن أبيرق وكان منافقا.
الوجه الخامس: الخيانة يعني الزنا
وذلك قوله في سورة يوسف: {وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ
الخائنين} يعني لا يصلح عمل الزِّنا.
(1/178)
تفسير الفتنة على
أحد عشر وجها
الوجه الأول: الفتنة يعني الشرك.
وذلك قوله في سورة البقرة: {وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ
فِتْنَةٌ} يعني حَتَّى لا يكون شركٌ، {وَيَكُونَ الدين للَّهِ}
. ومثلها في سورة الأَنفال. وقال في سورة البقرة: {والفتنة
أَشَدُّ مِنَ القتل} يعني الشِّرك أعظم جرما عند الله من القتل
في الشَّهر الحرام.
الوجه الثاني: الفتنة يعني الكفر
وذلك قوله في سورة آل عمران: {ابتغاء الفتنة} يعني الكفر. وقال
في سورة براءة: {لَقَدِ ابتغوا الفتنة مِن قَبْلُ} يعني الكفر.
وقال {أَلا فِي الفتنة سَقَطُواْ} يعني في الكفر وقعوا. وقال
في سورة النَّور: {فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ
أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} يعني الكفر. وقال في سورة
الحديد {ولكنكم
(1/179)
فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} يعني كفرتم أنفسكم.
وكذلك كل فتنة في المنافقين واليهود.
الوجه الثالث: الفتنة يعني البلاء
وذلك قوله في سورة العنكبوت: {الاما * أَحَسِبَ الناس أَن
يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} يعني وهم
لا يبتلون في إِيمانهم. {وَلَقَدْ فَتَنَّا} يعني ولقد
ابتلينا، {الذين مِن قَبْلِهِمْ} . وقال لموسى في طه:
{وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} يعني ابتليناك ابتلاء على ابتلاء.
وقال في سورة الدُّخان: {وَلَقَدْ فَتَنَّا} يعين ابتلينا،
{قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ} .
الوجه الرابع: الفتنة يعني العذاب
في الدنيا
وذلك قوله في سورة العنكبوت {فَإِذَآ أُوذِيَ فِي الله جَعَلَ
فِتْنَةَ الناس} يعني جعل عذاب الناس في الدنيا {كَعَذَابِ
الله} في الآخرة. نزلت في عياش بن أبي ربيعة أَخي أبي جهل.
ونظيرها في النّحل حيث يقول: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ
هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} يعني من بعد ما عذبوا في
الدنيا.
(1/180)
الوجه الخامس:
الفتنة يعني الحرق بالنار
وذلك قوله في السَّماء ذات البروج: {إِنَّ الذين فَتَنُواْ
المؤمنين والمؤمنات} يعني أحرقوا المؤمنين والمؤمنات في
الدُّنيا. وقال في الذَّاريات: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النار
يُفْتَنُونَ} يعني بالنَّار، يحرقون بها، يعذبون في الآخرة،
{ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} يعني ذوقوا حريقكم.
الوجه السادس: الفتنة يعني القتل
وذلك قوله في سورة النِّساء: {إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ
الذين كفروا} يقول: أن يقتلكم الَّذين كفروا. وكقوله في يونس:
{على خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ}
أَي أن يقتلهم.
الوجه السابع: الفتنة يعني الصدود
وذلك قوله في المائدة: {واحذرهم أَن يَفْتِنُوكَ} يعني أن
يَصدُّوك {عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ الله إِلَيْكَ} وقال في بني
إِسرائيل {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} يعني يصدُّونك
{عَنِ الذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} .
الوجه الثامن: الفتنة يعني الضلالة
وذلك قوله في سورة الصَّافات: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ
* مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} يعني ما أنتم عليه
بمضلِّين، {إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم} من قدر له أن يصلى
الجحيم.
(1/181)
وقال في المائدة: {وَمَن يُرِدِ الله
فِتْنَتَهُ} يعني من يرد الله ضلالته {فَلَن تَمْلِكَ لَهُ
مِنَ الله شَيْئاً} .
الوجه التاسع: الفتنة يعني المعذرة
وذلك قوله في سورة الأَنعام: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ}
أي معذرتهم. وهو تفسير مجاهد وقتادة، {إِلاَّ أَن قَالُواْ
والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} .
الوجه العاشر: الفتنة يعني التسليط
وذلك قوله لبني إسرائيل في سورة يونس {رَبَّنَا لاَ
تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظالمين} ، يقول: لا تسلَّط
علينا فرعون وقومه فيقولون: لولا أَنَّا أمثَل منهم ما
سُلِّطْنا عليهم، فيكون ذلك فتنة لهم. وقول إبراهيم في
الممتحنة [ {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً] لِّلَّذِينَ
كَفَرُواْ} يقول لا تقتِّر علينا الرّزق وتبسطه لهم.
الوجه الحادي عشر: المفتون يعني
المجنون
وذلك قوله [في ن] : {بِأَييِّكُمُ المفتون} يعني المجنون. وقال
مجاهد: أيّكم المفتون، أيّكم الشَّيْطان.
(1/182)
تفسير عدوان على
وجهين
الوجه الأول: عدوان يعني سبيلا
وذلك قوله في البقرة: {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظالمين}
يقول: فلا سبيل إِلاَّ على الظالمين. وكقول موسى في القصص:
{أَيَّمَا الأجلين قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ} يقول: لا
سبيل عليَّ.
الوجه الثاني: عدوان يعني الظلم
وذلك قوله في المائدة: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم
والعدوان} يقول: لا تعاونوا على المعصية والظُّلم. ومثلها
فيها. وقال أيضا في المجادلة: {فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بالإثم
والعدوان} يعني بالعدوان الظُّلم. وقال في المؤمنون: {فَمَنِ
ابتغى وَرَآءَ ذلك فأولائك هُمُ العادون} أي فأولئك هم
المعتدون، أي الظَّالمون أنفسهم بركوب المعصية. ومثلها في سال
سائل. وقال في البقرة: {تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بالإثم
وَالْعُدْوَانِ} أي الظُّلم.
(1/186)
تفسير الاعتداء على
وجهين
الوجه الأول: الاعتداء الذي يتعدى
أمر الله
وذلك قوله في البقرة: {تِلْكَ حُدُودُ الله} يعني سُنَّة الله،
وأمره في الطَّلاقِ. يقول: {فَلاَ تَعْتَدُوهَا} إلى غيرها،
{وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فأولائك هُمُ الظالمون}
لأَنفسهم. ونظيرها في النساء الصّغرى. وقال في النِّساء:
{وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} إلى غيرها استحلالا له {يُدْخِلْهُ
نَاراً خَالِداً فِيهَا} .
الوجه الثاني: الاعتداء بعينه
وذلك قوله في البقرة: {فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك} يقول: فمن
اعتدى على القاتل بعد ما قُبل منه الدِّية، فقتله، {فَلَهُ
عَذَابٌ أَلِيمٌ} . وكقوله في المائدة: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ
الله بِشَيْءٍ مِّنَ الصيد تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} إِلى قوله:
{فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك} يقول: فمن اعتدى فقتل الصّيد بعد
النَّهي، {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يقول: ضرب وجيع. وقال في
البقرة: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ} أي قاتلكم في الشَّهر
الحرام، والبلد الحرام، {فاعتدوا عَلَيْهِ} أي قاتلوه،
{بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ} .
(1/187)
تفسير فرض على خمسة
وجوه
الوجه الأول: فرض يعني أوجب
وذلك قوله في البقرة: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج} يقول: فمن
أوجب فيهن الحجَّ، فأحرم به. وذلك قوله في الأَحزاب: {قَدْ
عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} يعني ما أوجبنا عليهم {في
أَزْوَاجِهِمْ} . وقال في البقرة: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}
يعني أوجبتم على أنفسكم.
الوجه الثاني: فرض يعني بين
وذلك قوله في يا أيّها النبي لم تحرّم: {قَدْ فَرَضَ الله
لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} يعني قد بين لكم كفارة
أيمانكم. وقال في النُّور: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا
وَفَرَضْنَاهَا} يعني بينَّاها.
الوجه الثالث: فرض يعني أحل
وذلك قوله في الأَحزاب: {مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ
فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ} يعني فيما أحلَّ الله له.
(1/188)
الوجه الرابع: فرض
يعني أنزل
وذلك قوله في القصص: {إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن} يعني
الَّذِي أنزل عليك القرآن، {لَرَآدُّكَ إلى مَعَادٍ} يعني إِلى
مَكَّة. وليس في القرآن آية إِلا وهي مكية أو مدنية إِلاَّ هذه
الآية فإنها ليست بمكيِّة ولا مدنية، وذلك إِنما نزلت على
النَّبِي بالجحفة.
الوجه الخامس: الفريضة بعينها
وذلك قوله في سورة النِّساء في قسمة المورايث: {فَرِيضَةً
مِّنَ الله} يعني قسمة المواريث لأَهلها الَّذين ذكرهم الله في
هذه الآيات. وقال في براءة في أمر الصّدقات: [في] الذين ذكرهم
الله {فَرِيضَةً} أي قسما، {مِّنَ الله} يعني الصَّدقات في هذه
الآية أنهم أهلها، قال: {والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .
(1/189)
تفسير العفو على
ثلاثة وجوه
الوجه الأول: العفو يعني الفضل من
المال
وذلك قوله في البقرة: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ
العفو} يعني الفضل من أموالهم. وقال في سورة الأَعراف: {خُذِ
العفو} يعني الفضل من أموالهم، يعني في الصَّدقات.
الوجه الثاني: العفو يعني الترك
وذلك قوله في/ البقرة: {إِلاَّ أَن يَعْفُونَ} يعني إِلاَّ أن
يتركن نصف المهر، {أَوْ يَعْفُوَاْ الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ
النكاح} يعني أو يترك الزَّوجِ النِّصف الَّذي له للمرأة،
فيوفيها تمام مهرها. وقال أيضا في البقرة: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ
وَعَفَا عَنْكُمْ} يعني وترككم فلم يعاقبكم. وقال: {فَمَنْ
عَفَا وَأَصْلَحَ} يقول: فمن ترك مظلمته.
الوجه الثالث: العفو بعينه
وذلك قوله في آل عمران للَّذين انهزموا يوم أحد: {وَلَقَدْ
عَفَا عَنْكُمْ} حين لم يستأصلكم. وكقوله في براءة للنَّبي:
{عَفَا الله عَنكَ} يعني العفو بعينه.
(1/190)
تفسير الطهور على
عشرة وجوه
الوجه الأول: الطهور يعني الاغتسال
وذلك قوله في البقرة: {وَلاَ تَقْرَبُوْهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ}
يعني حَتَّى يغتسلن من المحيض، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} يعني
فإذا اغتسلن، {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} يعني
في الفرج. وقال في المائدة: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا}
يعني فاغتسلوا.
الوجه الثاني: الطهور يعني
الاستنجاء
الطهور يعني الاستنجاء بالماء، وذلك قوله في براءة، {فِيهِ
رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} يعني أن يغتسلوا إِثر
البول والغائط، {والله يُحِبُّ المطهرين} .
الوجه الثالث: الطهور يعني به
الطهر بعينه من جميع الأحداث والجنابة
وذلك قوله في الأَنفال: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السمآء
مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} يعني من الأَحداث والجنابة.
وقوله في الفرقان: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً طَهُوراً}
للمؤمنين، يتطهَّرون به من الأَحداث والجنابة.
(1/191)
الوجه الرابع: الطهر
يعني التنزه عن إتيان الرجال في ادبارهم
وذلك قوله في الأَعراف: {أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ
إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} يعني يتنزَّهُون عن إِتيان
الرّجال في أدبارهم. ونظيرها في النَّمل.
الوجه الخامس: الطهر يعني من الحيض
والأقذار
وذلك قوله: {وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} يعني لهم
في الجنَّة أزواج مطهَّرة من الحيض والأَقذار كلّها. ونظيرها
في آل عمران حيث يقول: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن
ذلكم} إِلى قوله: {وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} من الحيض
والأَقذار كلِّهَا. ونظيرها في سورة النِّساء.
الوجه السادس: الطهور يعني من
الذنوب
وذلك قوله في إِذا وقعت الواقعة: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ
المطهرون} يعني المطَهرُون من الذنوب، وهم الملائكة. وقال في
المجادلة للمؤمنين: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ
بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ
وَأَطْهَرُ} / لذنوبكم. وقال في براءة: {خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} مِنْ الذُّنُوبِ،
{وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} أي وتصلحهم بها.
(1/192)
الوجه السابع:
الطهور يعني من الشرك
وذلك قوله في المفصَّل: {فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ *
مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ} يعني القرآن، يعني من الشِّرك.
وقال أيضا: {يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً} يعني القرآن
مطهّر من الشِّرك والكفر. وقال في البقرة: {أَن طَهِّرَا
بَيْتِيَ} من الأَوثان، يعني لا تذرَا حَوْلهُ وَثنا يُعْبَدُ
من دون الله، {لِلطَّائِفِينَ والعاكفين} . ونظيرها في الحجِّ.
الوجه الثامن: الطهر يعني طهور
القلب من الريبة
وذلك قوله في البقرة/: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء فَبَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ
أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بالمعروف [ذلك
يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر]
ذلكم أزكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ} لقلب الرجل والمرأة من الرّيبة.
وقال في الأَحزاب لنساء النَّبِي عليه السَّلام: {وَإِذَا
سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فاسألوهن مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذلكم
أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} يعني من الرّيبة
والدَّنس.
الوجه التاسع: الطهور يعني به من
الفاحشة والإثم
وذلك قوله في آل عمران: {يامريم إِنَّ الله اصطفاك
وَطَهَّرَكِ} من الفاحشة والإِثم. ذلك أن اليهود قذفوها
بالفاحشة. وقال في الأَحزاب. {يانسآء النبي مَن يَأْتِ
مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ} إِلى قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله
لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس}
(1/193)
يعني الإِثم الذي ذكر في هذه الآيات
{وَيُطَهِّرَكُمْ} من الإِثم {تَطْهِيراً} .
الوجه العاشر: الطهور يعني الحلال
وذلك قوله في هود: {هاؤلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}
يعني هنَّ أحلُّ لكم. وكلُّ رجس في القرآن فإنما هو إِثم،
والرِّجز كلّه العذاب، والرِّجز الأَوثان.
(1/194)
تفسير "إن" و "أن"
على ستة وجوه
الوجه الأول: أن يعني إذ
وذلك قوله في البقرة: {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله
وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الربا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ}
يعني إِذ كنتم مؤمنين. وقوله في آل عمران: {وَلاَ تَهِنُوا
وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ
مُّؤْمِنِينَ} يعني إِذ كنتم مؤمنين. وقال في سورة براءة:
{فالله أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ} يعني
إِذ كنتم مؤمنين.
الوجه الثاني: ان يعني ما
وذلك قوله/ في الأَنبياء: {لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ
لَهْواً} يعني صاحبة وولدا، {لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ
إِن كُنَّا فَاعِلِينَ} يعني ما كنَّا فاعلين. وقال في
الزُّخرف: {قُلْ إِن كَانَ للرحمان وَلَدٌ} يقول: ما كان
للرحمن ولد. وقال في تبارك: {إِنِ الكافرون إِلاَّ فِي
غُرُورٍ} يعني ما الكافرون إِلاَّ في غرور. وقال: {إِن كَانَتْ
إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} يعني ما كانت إِلا صيحة واحدة.
(1/195)
وكذلك كل إِن خفيفة تستقبلها الأَلف. وقال
في تبارك: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ} يعني ما
أنتم إِلاَّ في ضلال كبير.
الوجه الثالث: ان يعني لقد
وذلك قوله في آخر بني إِسرائيل: {إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا
لَمَفْعُولاً} يعني لقد كان وعد ربِّنا لمفعولا. وقال في طسم
الشعراء: {تالله إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} يقول:
والله، لقد كُنَّا فِي ضلال مبين. وقال في الصَّافات: {تالله
إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ} يعني والله لقد كدت تغويني. وقال في
يونس: {إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ} يعني لقد كنَّا. وقال
في سبحان: {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ} يعني قد كادوا.
وقال: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} يعني قد كادوا.
الوجه الرابع: ان مخففة يعني لئلا
وذلك قوله في سورة النساء: {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن
تَضِلُّواْ} يعني لئلا تَضلُّوا. وقال في سورة الملائكة:
{إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ} لئلاَّ
تزولا. وقال في الحج: {وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى
الأرض} يعني لئلا تقع على الأرض {إِلاَّ بِإِذْنِهِ} . وقال
فِي الكهف: {إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن
يَفْقَهُوهُ} لئِلا يفقهوه.
(1/196)
الوجه الخامس: ان
يعني بأن
وذلك قوله في حام الزُّخرف: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر
صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً} يعني بأن كُنْتُمْ قوْماً
{مُّسْرِفِينَ} . وقال في الرّوم: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ
الذين أَسَاءُواْ السواءى أَن كَذَّبُواْ} يعني بأن كذَّبوا.
وقال في الشعراء: {إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا
رَبُّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنَّآ} يعني بأن كنَّا {أَوَّلَ
المؤمنين} .
الوجه السادس: ان بعينه
وذلك قوله {إِنَّ الله لَهُ مُلْكُ السماوات} يعني بأن الله له
ملك السّماوات. ونحوه ما كان مبتدأ في مبتدأ الكلام. وهذا
الحرف الآخر مشدد. أَنْ.
(1/197)
تفسير أني على وجهين
الوجه الأول: أنى يعني كيف
وذلك قوله في البقرة: {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ}
يقول: كيف شئتم في الفرج. وقال أيضا فيها: {أنى يُحْيِي هاذه
الله بَعْدَ مَوْتِهَا} يقول: كيف يحيى هذه الله بعد موتها.
الوجه الثاني: أنى يعني من أين
وذلك قوله في آل عمران: {أنى لَكِ هاذا} يعني من أي لك هذا؟
وقوله: {أنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ} . يقول: من أين يكون لي ولد.
وقوله: {أنى يُؤْفَكُونَ} يعني من أين يكذِّبون. وقوله: {أنى
يَكُونُ لِي غُلاَمٌ} من أين يكون لِي غلام. ونحوه كثير.
(1/198)
تفسير نأى واناء على
وجهين
الوجه الأول: آناء ساعات
وذلك قوله في آل عمران: {يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَآءَ الليل}
يعني ساعات اللَّيْل، {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} يصلُّون. وقال في
طه: {وَمِنْ آنَآءِ الليل} يعني من ساعات اللَّيْلِ،
{فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النهار} . وقال في الزّمر: {أَمَّنْ
هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اليل} يعني ساعات اللَّيْلِ، {سَاجِداً
وَقَآئِماً} .
الوجه الثاني: ناء يعني تباعد
وذلك قوله في الأَنعام يريد النبي صلى الله عليه وسلم: {وَهُمْ
يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} وَيَنْئَوْنَ عَنْهُ
نزلت في أبي طالب، ينهى عن أذى النبي من أراده وينأى عن دينه،
وعمَّا جاء به. وقال في سبحان {أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ}
يعني تباعد. وهو مثل
(1/199)
قوله في يونس: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر
دَعَانَا لِجَنبِهِ} يقول: وهو مضطجع، {أَوْ قَاعِداً أَوْ
قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ} معرضا
عنَّا، {كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ} .
(1/200)
|