التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه

تفسير الصلاة على وجهين
الوجه الأول: الاستغفار من المخلوقين، ومن الله المغفرة
ومن الله، المغفرة، وذلك قوله في سورة الأَحزاب {هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} يعني - الله تبارك وتعالى - هو الَّذي يغفر لكم إذا عصيتموه. قال: {وَمَلاَئِكَتُهُ} يعني وتستغفر لكم الملائكة. وهو قول ابن عباس. وكقوله: {إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي} يعني إنَّ الله يغفر للنَّبِيِّ وتستغفر له الملائكة. وقال: {ياأيها الذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ} يعني استغفروا له، {وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} . وقال في البقرة: {وَبَشِّرِ الصابرين} ... ... إلى قوله: {أولائك عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ} يعني مغفرة من ربّهم. وقال في براءة: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} . يقول للنَّبيِّ: استغفر لهم {إِنَّ صلاوتك} يعني إِنَّ استغفارك {سَكَنٌ} يعني طمأنينة قلوبهم. وقال فيها أيضا: {وَصَلَوَاتِ الرسول} يعني استغفار النَّبيِّ.

(1/166)


الوجه الثاني: الصلاة يعني الصلاة التي يصلي المخلوقن لله
الصَّلاة التي يصلِّي المخلوقون لله، وذلك قوله في سورة البقرة: {وَيُقِيمُونَ الصلاة} يعني يُتِمّون الصّلاة، يعني الصَّلوات الخمس. وقال أيضا: {وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار} . ونحوه كثير. وقال: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} يعني الصَّلوات الخمس {إلى غَسَقِ اليل} . وقال في سور النِّسَاء: {إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً} .

(1/167)


تفسير الناس على أحد عشر وجها
الوجه الأول: الناس يعني إنسانا واحداً، يعني النبي وحده
وذلك قوله في سورة النِّساء: {أَمْ يَحْسُدُونَ الناس} يعني النَّبي وحده، قال: {على مَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} . قال الكلبي: النَّبيُّ وحده. وقال في سورة آل عمران: {الذين قَالَ لَهُمُ الناس} يعني نعيم بن مسعود الأَشجعي وحده. وقال في حمالمؤمن: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} يعني الدَّجَّال وحده.

الوجه الثاني: الناس يعني الرسل خاصة
وذلك قوله في سورة البقرة: {أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس} يعني شهداء النّاس يعني الرّسل خاصّة. وكقوله في سورة الحجِّ: {وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس} يعني لتكونوا شهداء الرّسل خاصة.

(1/168)


الوجه الثالث: الناس يعني المؤمنين خاصة
وذلك في قوله في سورة البقرة: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ} يعني على الكافرين، {لَعْنَةُ الله والملائكة والناس أَجْمَعِينَ} يعني بالنَّاس أجمعين المؤمنين خاصَّة. وهو قول قتادة في سورة آل عمران حيث يقول: {والناس أَجْمَعِينَ} يعني المؤمنين خاصَّة. وقال في آل عمران أيضا: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} يعني المؤمنين خاصَّة.

الوجه الرابع: الناس يعني المؤمنين من أهل التوراة خاصة
وذلك قوله في سورة البقرة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ الناس} يعني مؤمني أهل التَّوراة خاصَّة.

الوجه الخامس: الناس يعني بني إسرائيل خاصة
وذلك قوله في سورة المائدة: {ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} يعني بني إسرائيل خاصَّة، {اتخذوني وَأُمِّيَ إلاهين مِن دُونِ الله} . وكقوله في آل عمران: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} يعني عيسى، {أَن يُؤْتِيهُ الله الكتاب والحكم والنبوة ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي} يعني بني إسرائيل خاصَّة. وقال في آل عمران أيضا: {وَأَنزَلَ التوراة والإنجيل * مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ} يعني لبني إِسرائيل خاصَّة.

(1/169)


الوجه السادس: الناس يعني أهل مصر خاصة
وذلك قوله في سورة يوسف: {لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس} يعني أهل مصر، {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} . وقال أيضا: {عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ الناس} يعني أهل مصر. وقال في طه: {وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى} يعني أهل مصر.

الوجه السابع: الناس يعني أهل مكة خاصة
وذلك قوله في بني إِسرائيل: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس} يعني أهل مكة خاصَّة. وقال: {وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} يعني أهل مكَّة خاصة. وقال في سورة يونس: {ياأيها الناس} يعني أهل مكَّة خاصَّة، {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ} . وقال في سورة النَّمْل: {أَنَّ الناس كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ} يعني أهل مكة خاصَّة.

الوجه الثامن: الناس يعني أهل اليمن خاصة
وذلك قوله: {وَرَأَيْتَ الناس يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجاً} يعني أهل اليمن خاصَّة.

الوجه التاسع: الناس يعني أهل اليمن وربيعه
وذلك قوله في سورة البقرة: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس} يعني ربيعة وأهل اليمن.

(1/170)


الوجه العاشر: الناس يعني الناس كلهم
وذلك قوله في سورة النِّسَاء: {ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} . وقال في سورة الحجرات: {ياأيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى} يعني جميع النَّاس. ونحوه كثير. وهو قول الحسن وقتادة.

الوجه الحادي عشر: الناس يعني أهل سفينة نوح ومن كان على عهد آدم
وذلك قوله في سورة البقرة: {كَانَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني أهل سفينة نوح، وعلى عهد آدم. وهو قول قتادة. وكقوله في سورة يونس: {وَمَا كَانَ الناس} يعني أهل سفينة نوح، وعلى عهد آدم.

(1/171)


تفسير كتب على أربعة وجوه
الوجه الأول: كتب يعني فرض
وذلك قوله في سورة البقرة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى} يعني فرض. وكقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} يعني فرض. قال: {كَمَا كُتِبَ} يعني كما فرض {عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ} . تفسير قتادة. وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموت} يعني فرض عليكم. وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال} يعني فرض. وقال في سورة النِّسَاء: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال} يعين فلمَّا فرض، {وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا} يقول: لِمَ فرضت علينا القتال.

الوجه الثاني: كتب يعني قضى
وذلك قوله في سورة المجادلة: {كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ} يعني قضى الله {أَنَاْ ورسلي} . وقال في براءة {قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ الله} يعني إِلاَّ مَا قضى الله {لَنَا}

(1/172)


وقال في سورة الحجِّ {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ} يقول: قُضي على إبليس أنَّه من تولاَّهُ، {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير} . وقال في آل عمران: {لَبَرَزَ الذين كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتل إلى مَضَاجِعِهِمْ} يعني الَّذين قُضي عليهم القتل.

الوجه الثالث: كتب يعني جعل
وذلك قوله في سورة المجادلة: {أولائك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان} يعني جعل. وقال في سورة آل عمران: {رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ واتبعنا الرسول فاكتبنا مَعَ الشاهدين} يعني واجعلنا مع الشَّاهدين. ومثلها في سورة المائدة: {فاكتبنا مَعَ الشاهدين} يعني فاجعلنا مع الشَّاهدين. وقال في سورة الأَعراف: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} يعني فسأجعلها.

الوجه الرابع: كتب يعني أمر
وذلك قوله في سورة المائدة: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يعني الَّتِي أمركم أن تدخلوها وهي الأُردن.

(1/173)


تفسير الخير على ثمانية وجوه
الوجه الأول: الخير يعني المال
وذلك قوله في سورة البقرة: {إِن تَرَكَ خَيْراً} يعني مالا. وكقوله: {قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ} يعني من مال، {فَلِلْوَالِدَيْنِ والأقربين} . وكقوله {وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ} يعني من مال، {فَلأَنْفُسِكُمْ} . وقال: {وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ} من مال، {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} . وقال في صاد: {حُبَّ الخير} يعني المال. وقال: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} مالا. وهو قول الحسن. ونحوه كثير.

الوجه الثاني: الخير يعني الإيمان
وذلك قوله في الأَنفال: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً} يعني إِيمانا، {لأَسْمَعَهُمْ} الإِيمان، وقال فيها أيضا: {ياأيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً} يعني إِيمانا. وقال نوح في سورة هود: {وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تزدري أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ الله خَيْراً} يعني إِيمانا.

(1/174)


الوجه الثالث: الخير يعني الاسلام
وذلك قوله في سورة البقرة: {أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} يعني الإِسلام ونزول الوحي بالشَّرَائع. وكقوله في سورة ق: {مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} يعني مَنَّاعاً للإِسلام، وهو المشرك، يعني الوليد بن المغيرة منع بني أخيه أن يسلموا. ومثلها في نون والقلم: {مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} يعني للإِسلام.

الوجه الرابع: الخير يعني الفضل
وذلك قوله في سورة المؤمنون: {وَقُل رَّبِّ اغفر وارحم وَأنتَ خَيْرُ الراحمين} يعني وأنت أفضل من يرحم. [وقال في المائدة أيضا: {وَأَنتَ خَيْرُ الرازقين} يعني أفضل الرَّازقين] . وقال في يوسف: {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} يعني أفضل الحاكمين. وكذلك كلُّ شيء في القرآن من نحو هذا. وقال في أفضل الحاكمين. وكذلك كلُّ شيء في القرآن من نحو هذا. وقال في سورة الزُّخرف: {أَمْ أَنَآ خَيْرٌ} بل أنا خير، يعني أفضل.

الوجه الخامس: الخير يعني العافية
وذلك قوله في سورة الأَنعام: {وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ} يعني بعافية، {فَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} . ومثلها في سورة يونس: {وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} يعني بعافية، {فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ} .

(1/175)


الوجه السادس: الخير يعني الأجر
وذلك قوله في سورة الحج: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} يعني لكم في البُدن أجر في نحرها، والصّدقة منها.

الوجه السابع: الخير يعني الطعام
الخير يعني الطَّعام، وذلك قوله في سورة القصص: {رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} يعني الطَّعام.

الوجه الثامن: الخير الطعن في القتال
الخير [يعني] الظَّفر في القتال، وذلك قوله في سورة الأَحزاب: {وَرَدَّ الله الذين كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً} يعني لم يصيبوا ظفرا ولا غنيمة. وقال: {أَشِحَّةً عَلَى الخير} . والخير القتال.

(1/176)


تفسير الخيانة على خمسة وجوه
الوجه الأول: الخيانة يعني الذنب في الإسلام
وذلك قوله في سورة البقرة: {عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ} يعني الذّنب في الإِسلام؛ وذلك أنَّ رجلا من المسلمين، يقال أَنَّه عمر بن الخطَّاب، واقع امرأته في شهر رمضان. وقال في سورة الأَنفال: {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله والرسول وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ} يعني المعصية في الإِسلام؛ وذلك أنَّ أبا لُبابة صاحب النبيِّ أشار إلى يهود قريظة بيده ألاَّ ينزلوا على الحكم، فكانت هذه منه خيانة وذنبا. وقوله في المؤمن: {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين} يعني النَّظرة في المعصية، وهو الذي يُسارق النَّظر.

الوجه الثاني: الخيانة الذي تكون عنده أمانة فيخونها
وذلك قوله في سورة النِّساء: {وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} وهو

(1/177)


الذي يخون أمانته. نزلت في طعمة بن ابيرق، خان درعا من حديد كانت عنده وديعة.

الوجه الثالث: الخيانة يعني نقض العهد
وذلك قوله في سورة الأَنفال: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً} يعني نقض العهد، نزلت في اليهود. ومثلها في سورة المائدة {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ على خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ} يعني اليهود. ذكره مجاهد: نقضوا العهد، وهمّوا بقتل النَّبيِّ عليه السلام ومن معه، وكانوا ثلاثة نفر: أبو بكر، وعمر، وعلي.

الوجه الرابع: الخيانة يعني الخلاف في الدين
وذلك قوله في سورة التَّحريم: {فَخَانَتَاهُمَا} يعني فخالفتاهما في الدِّين، كانت كافرتين. وقال في سورة الأَنفال: {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ} - يعني الَّذين أسروا يوم بدر - ويريدوا خلافك في الدِّين أي الكفر بك، {فَقَدْ خَانُواْ الله مِن قَبْلُ} يعني فقد كفروا بالله من قبل. وقال في سورة النِّساء: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً} يعني في دينه. نزلت في طعمة بن أبيرق وكان منافقا.

الوجه الخامس: الخيانة يعني الزنا
وذلك قوله في سورة يوسف: {وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين} يعني لا يصلح عمل الزِّنا.

(1/178)


تفسير الفتنة على أحد عشر وجها
الوجه الأول: الفتنة يعني الشرك.
وذلك قوله في سورة البقرة: {وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} يعني حَتَّى لا يكون شركٌ، {وَيَكُونَ الدين للَّهِ} . ومثلها في سورة الأَنفال. وقال في سورة البقرة: {والفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل} يعني الشِّرك أعظم جرما عند الله من القتل في الشَّهر الحرام.

الوجه الثاني: الفتنة يعني الكفر
وذلك قوله في سورة آل عمران: {ابتغاء الفتنة} يعني الكفر. وقال في سورة براءة: {لَقَدِ ابتغوا الفتنة مِن قَبْلُ} يعني الكفر. وقال {أَلا فِي الفتنة سَقَطُواْ} يعني في الكفر وقعوا. وقال في سورة النَّور: {فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} يعني الكفر. وقال في سورة الحديد {ولكنكم

(1/179)


فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} يعني كفرتم أنفسكم. وكذلك كل فتنة في المنافقين واليهود.

الوجه الثالث: الفتنة يعني البلاء
وذلك قوله في سورة العنكبوت: {الاما * أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} يعني وهم لا يبتلون في إِيمانهم. {وَلَقَدْ فَتَنَّا} يعني ولقد ابتلينا، {الذين مِن قَبْلِهِمْ} . وقال لموسى في طه: {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} يعني ابتليناك ابتلاء على ابتلاء. وقال في سورة الدُّخان: {وَلَقَدْ فَتَنَّا} يعين ابتلينا، {قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ} .

الوجه الرابع: الفتنة يعني العذاب في الدنيا
وذلك قوله في سورة العنكبوت {فَإِذَآ أُوذِيَ فِي الله جَعَلَ فِتْنَةَ الناس} يعني جعل عذاب الناس في الدنيا {كَعَذَابِ الله} في الآخرة. نزلت في عياش بن أبي ربيعة أَخي أبي جهل. ونظيرها في النّحل حيث يقول: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} يعني من بعد ما عذبوا في الدنيا.

(1/180)


الوجه الخامس: الفتنة يعني الحرق بالنار
وذلك قوله في السَّماء ذات البروج: {إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات} يعني أحرقوا المؤمنين والمؤمنات في الدُّنيا. وقال في الذَّاريات: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ} يعني بالنَّار، يحرقون بها، يعذبون في الآخرة، {ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} يعني ذوقوا حريقكم.

الوجه السادس: الفتنة يعني القتل
وذلك قوله في سورة النِّساء: {إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا} يقول: أن يقتلكم الَّذين كفروا. وكقوله في يونس: {على خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ} أَي أن يقتلهم.

الوجه السابع: الفتنة يعني الصدود
وذلك قوله في المائدة: {واحذرهم أَن يَفْتِنُوكَ} يعني أن يَصدُّوك {عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ الله إِلَيْكَ} وقال في بني إِسرائيل {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} يعني يصدُّونك {عَنِ الذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} .

الوجه الثامن: الفتنة يعني الضلالة
وذلك قوله في سورة الصَّافات: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} يعني ما أنتم عليه بمضلِّين، {إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم} من قدر له أن يصلى الجحيم.

(1/181)


وقال في المائدة: {وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ} يعني من يرد الله ضلالته {فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئاً} .

الوجه التاسع: الفتنة يعني المعذرة
وذلك قوله في سورة الأَنعام: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} أي معذرتهم. وهو تفسير مجاهد وقتادة، {إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} .

الوجه العاشر: الفتنة يعني التسليط
وذلك قوله لبني إسرائيل في سورة يونس {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظالمين} ، يقول: لا تسلَّط علينا فرعون وقومه فيقولون: لولا أَنَّا أمثَل منهم ما سُلِّطْنا عليهم، فيكون ذلك فتنة لهم. وقول إبراهيم في الممتحنة [ {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً] لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} يقول لا تقتِّر علينا الرّزق وتبسطه لهم.

الوجه الحادي عشر: المفتون يعني المجنون
وذلك قوله [في ن] : {بِأَييِّكُمُ المفتون} يعني المجنون. وقال مجاهد: أيّكم المفتون، أيّكم الشَّيْطان.

(1/182)


تفسير عدوان على وجهين
الوجه الأول: عدوان يعني سبيلا
وذلك قوله في البقرة: {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظالمين} يقول: فلا سبيل إِلاَّ على الظالمين. وكقول موسى في القصص: {أَيَّمَا الأجلين قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ} يقول: لا سبيل عليَّ.

الوجه الثاني: عدوان يعني الظلم
وذلك قوله في المائدة: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان} يقول: لا تعاونوا على المعصية والظُّلم. ومثلها فيها. وقال أيضا في المجادلة: {فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بالإثم والعدوان} يعني بالعدوان الظُّلم. وقال في المؤمنون: {فَمَنِ ابتغى وَرَآءَ ذلك فأولائك هُمُ العادون} أي فأولئك هم المعتدون، أي الظَّالمون أنفسهم بركوب المعصية. ومثلها في سال سائل. وقال في البقرة: {تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بالإثم وَالْعُدْوَانِ} أي الظُّلم.

(1/186)


تفسير الاعتداء على وجهين
الوجه الأول: الاعتداء الذي يتعدى أمر الله
وذلك قوله في البقرة: {تِلْكَ حُدُودُ الله} يعني سُنَّة الله، وأمره في الطَّلاقِ. يقول: {فَلاَ تَعْتَدُوهَا} إلى غيرها، {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فأولائك هُمُ الظالمون} لأَنفسهم. ونظيرها في النساء الصّغرى. وقال في النِّساء: {وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} إلى غيرها استحلالا له {يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا} .

الوجه الثاني: الاعتداء بعينه
وذلك قوله في البقرة: {فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك} يقول: فمن اعتدى على القاتل بعد ما قُبل منه الدِّية، فقتله، {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . وكقوله في المائدة: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ الله بِشَيْءٍ مِّنَ الصيد تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} إِلى قوله: {فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك} يقول: فمن اعتدى فقتل الصّيد بعد النَّهي، {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يقول: ضرب وجيع. وقال في البقرة: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ} أي قاتلكم في الشَّهر الحرام، والبلد الحرام، {فاعتدوا عَلَيْهِ} أي قاتلوه، {بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ} .

(1/187)


تفسير فرض على خمسة وجوه
الوجه الأول: فرض يعني أوجب
وذلك قوله في البقرة: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج} يقول: فمن أوجب فيهن الحجَّ، فأحرم به. وذلك قوله في الأَحزاب: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} يعني ما أوجبنا عليهم {في أَزْوَاجِهِمْ} . وقال في البقرة: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} يعني أوجبتم على أنفسكم.

الوجه الثاني: فرض يعني بين
وذلك قوله في يا أيّها النبي لم تحرّم: {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} يعني قد بين لكم كفارة أيمانكم. وقال في النُّور: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} يعني بينَّاها.

الوجه الثالث: فرض يعني أحل
وذلك قوله في الأَحزاب: {مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ} يعني فيما أحلَّ الله له.

(1/188)


الوجه الرابع: فرض يعني أنزل
وذلك قوله في القصص: {إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن} يعني الَّذِي أنزل عليك القرآن، {لَرَآدُّكَ إلى مَعَادٍ} يعني إِلى مَكَّة. وليس في القرآن آية إِلا وهي مكية أو مدنية إِلاَّ هذه الآية فإنها ليست بمكيِّة ولا مدنية، وذلك إِنما نزلت على النَّبِي بالجحفة.

الوجه الخامس: الفريضة بعينها
وذلك قوله في سورة النِّساء في قسمة المورايث: {فَرِيضَةً مِّنَ الله} يعني قسمة المواريث لأَهلها الَّذين ذكرهم الله في هذه الآيات. وقال في براءة في أمر الصّدقات: [في] الذين ذكرهم الله {فَرِيضَةً} أي قسما، {مِّنَ الله} يعني الصَّدقات في هذه الآية أنهم أهلها، قال: {والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .

(1/189)


تفسير العفو على ثلاثة وجوه
الوجه الأول: العفو يعني الفضل من المال
وذلك قوله في البقرة: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو} يعني الفضل من أموالهم. وقال في سورة الأَعراف: {خُذِ العفو} يعني الفضل من أموالهم، يعني في الصَّدقات.

الوجه الثاني: العفو يعني الترك
وذلك قوله في/ البقرة: {إِلاَّ أَن يَعْفُونَ} يعني إِلاَّ أن يتركن نصف المهر، {أَوْ يَعْفُوَاْ الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح} يعني أو يترك الزَّوجِ النِّصف الَّذي له للمرأة، فيوفيها تمام مهرها. وقال أيضا في البقرة: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} يعني وترككم فلم يعاقبكم. وقال: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ} يقول: فمن ترك مظلمته.

الوجه الثالث: العفو بعينه
وذلك قوله في آل عمران للَّذين انهزموا يوم أحد: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} حين لم يستأصلكم. وكقوله في براءة للنَّبي: {عَفَا الله عَنكَ} يعني العفو بعينه.

(1/190)


تفسير الطهور على عشرة وجوه
الوجه الأول: الطهور يعني الاغتسال
وذلك قوله في البقرة: {وَلاَ تَقْرَبُوْهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ} يعني حَتَّى يغتسلن من المحيض، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} يعني فإذا اغتسلن، {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} يعني في الفرج. وقال في المائدة: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا} يعني فاغتسلوا.

الوجه الثاني: الطهور يعني الاستنجاء
الطهور يعني الاستنجاء بالماء، وذلك قوله في براءة، {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} يعني أن يغتسلوا إِثر البول والغائط، {والله يُحِبُّ المطهرين} .

الوجه الثالث: الطهور يعني به الطهر بعينه من جميع الأحداث والجنابة
وذلك قوله في الأَنفال: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السمآء مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} يعني من الأَحداث والجنابة. وقوله في الفرقان: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً طَهُوراً} للمؤمنين، يتطهَّرون به من الأَحداث والجنابة.

(1/191)


الوجه الرابع: الطهر يعني التنزه عن إتيان الرجال في ادبارهم
وذلك قوله في الأَعراف: {أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} يعني يتنزَّهُون عن إِتيان الرّجال في أدبارهم. ونظيرها في النَّمل.

الوجه الخامس: الطهر يعني من الحيض والأقذار
وذلك قوله: {وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} يعني لهم في الجنَّة أزواج مطهَّرة من الحيض والأَقذار كلّها. ونظيرها في آل عمران حيث يقول: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلكم} إِلى قوله: {وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} من الحيض والأَقذار كلِّهَا. ونظيرها في سورة النِّساء.

الوجه السادس: الطهور يعني من الذنوب
وذلك قوله في إِذا وقعت الواقعة: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون} يعني المطَهرُون من الذنوب، وهم الملائكة. وقال في المجادلة للمؤمنين: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ} / لذنوبكم. وقال في براءة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} مِنْ الذُّنُوبِ، {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} أي وتصلحهم بها.

(1/192)


الوجه السابع: الطهور يعني من الشرك
وذلك قوله في المفصَّل: {فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ} يعني القرآن، يعني من الشِّرك. وقال أيضا: {يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً} يعني القرآن مطهّر من الشِّرك والكفر. وقال في البقرة: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ} من الأَوثان، يعني لا تذرَا حَوْلهُ وَثنا يُعْبَدُ من دون الله، {لِلطَّائِفِينَ والعاكفين} . ونظيرها في الحجِّ.

الوجه الثامن: الطهر يعني طهور القلب من الريبة
وذلك قوله في البقرة/: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بالمعروف [ذلك يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر] ذلكم أزكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ} لقلب الرجل والمرأة من الرّيبة. وقال في الأَحزاب لنساء النَّبِي عليه السَّلام: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فاسألوهن مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} يعني من الرّيبة والدَّنس.

الوجه التاسع: الطهور يعني به من الفاحشة والإثم
وذلك قوله في آل عمران: {يامريم إِنَّ الله اصطفاك وَطَهَّرَكِ} من الفاحشة والإِثم. ذلك أن اليهود قذفوها بالفاحشة. وقال في الأَحزاب. {يانسآء النبي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ} إِلى قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس}

(1/193)


يعني الإِثم الذي ذكر في هذه الآيات {وَيُطَهِّرَكُمْ} من الإِثم {تَطْهِيراً} .

الوجه العاشر: الطهور يعني الحلال
وذلك قوله في هود: {هاؤلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} يعني هنَّ أحلُّ لكم. وكلُّ رجس في القرآن فإنما هو إِثم، والرِّجز كلّه العذاب، والرِّجز الأَوثان.

(1/194)


تفسير "إن" و "أن" على ستة وجوه
الوجه الأول: أن يعني إذ
وذلك قوله في البقرة: {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الربا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} يعني إِذ كنتم مؤمنين. وقوله في آل عمران: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} يعني إِذ كنتم مؤمنين. وقال في سورة براءة: {فالله أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ} يعني إِذ كنتم مؤمنين.

الوجه الثاني: ان يعني ما
وذلك قوله/ في الأَنبياء: {لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً} يعني صاحبة وولدا، {لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ} يعني ما كنَّا فاعلين. وقال في الزُّخرف: {قُلْ إِن كَانَ للرحمان وَلَدٌ} يقول: ما كان للرحمن ولد. وقال في تبارك: {إِنِ الكافرون إِلاَّ فِي غُرُورٍ} يعني ما الكافرون إِلاَّ في غرور. وقال: {إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} يعني ما كانت إِلا صيحة واحدة.

(1/195)


وكذلك كل إِن خفيفة تستقبلها الأَلف. وقال في تبارك: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ} يعني ما أنتم إِلاَّ في ضلال كبير.

الوجه الثالث: ان يعني لقد
وذلك قوله في آخر بني إِسرائيل: {إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} يعني لقد كان وعد ربِّنا لمفعولا. وقال في طسم الشعراء: {تالله إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} يقول: والله، لقد كُنَّا فِي ضلال مبين. وقال في الصَّافات: {تالله إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ} يعني والله لقد كدت تغويني. وقال في يونس: {إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ} يعني لقد كنَّا. وقال في سبحان: {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ} يعني قد كادوا. وقال: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} يعني قد كادوا.

الوجه الرابع: ان مخففة يعني لئلا
وذلك قوله في سورة النساء: {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} يعني لئلا تَضلُّوا. وقال في سورة الملائكة: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ} لئلاَّ تزولا. وقال في الحج: {وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض} يعني لئلا تقع على الأرض {إِلاَّ بِإِذْنِهِ} . وقال فِي الكهف: {إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} لئِلا يفقهوه.

(1/196)


الوجه الخامس: ان يعني بأن
وذلك قوله في حام الزُّخرف: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً} يعني بأن كُنْتُمْ قوْماً {مُّسْرِفِينَ} . وقال في الرّوم: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الذين أَسَاءُواْ السواءى أَن كَذَّبُواْ} يعني بأن كذَّبوا. وقال في الشعراء: {إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنَّآ} يعني بأن كنَّا {أَوَّلَ المؤمنين} .

الوجه السادس: ان بعينه
وذلك قوله {إِنَّ الله لَهُ مُلْكُ السماوات} يعني بأن الله له ملك السّماوات. ونحوه ما كان مبتدأ في مبتدأ الكلام. وهذا الحرف الآخر مشدد. أَنْ.

(1/197)


تفسير أني على وجهين
الوجه الأول: أنى يعني كيف
وذلك قوله في البقرة: {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ} يقول: كيف شئتم في الفرج. وقال أيضا فيها: {أنى يُحْيِي هاذه الله بَعْدَ مَوْتِهَا} يقول: كيف يحيى هذه الله بعد موتها.

الوجه الثاني: أنى يعني من أين
وذلك قوله في آل عمران: {أنى لَكِ هاذا} يعني من أي لك هذا؟ وقوله: {أنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ} . يقول: من أين يكون لي ولد. وقوله: {أنى يُؤْفَكُونَ} يعني من أين يكذِّبون. وقوله: {أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ} من أين يكون لِي غلام. ونحوه كثير.

(1/198)


تفسير نأى واناء على وجهين
الوجه الأول: آناء ساعات
وذلك قوله في آل عمران: {يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَآءَ الليل} يعني ساعات اللَّيْل، {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} يصلُّون. وقال في طه: {وَمِنْ آنَآءِ الليل} يعني من ساعات اللَّيْلِ، {فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النهار} . وقال في الزّمر: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اليل} يعني ساعات اللَّيْلِ، {سَاجِداً وَقَآئِماً} .

الوجه الثاني: ناء يعني تباعد
وذلك قوله في الأَنعام يريد النبي صلى الله عليه وسلم: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} وَيَنْئَوْنَ عَنْهُ نزلت في أبي طالب، ينهى عن أذى النبي من أراده وينأى عن دينه، وعمَّا جاء به. وقال في سبحان {أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} يعني تباعد. وهو مثل

(1/199)


قوله في يونس: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ} يقول: وهو مضطجع، {أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ} معرضا عنَّا، {كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ} .

(1/200)