التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه تفسير الحكمة على
خمسة وجوه
الوجه الأول: الحكمة يعني السنة
التي في الأمر والنهي
وذلك قوله في البقرة: {وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الكتاب}
يعني القرآن {والحكمة} يعني السّنة الَّتِي في القرى من الأَمر
والنَّهْي، والحلا والحرام. وقوله في النساء: {وَأَنزَلَ الله
عَلَيْكَ الكتاب} يعني القرآن {والحكمة} يعني السُّنَّة من
الحلال والحرام الذي في القرآن. وقال في البقرة:
{وَيُعَلِّمُكُمُ الكتاب} القرآن. / {والحكمة} يعني السّنَّة
الَّتِي في القرآن، وهو الحلال والحرام. ومثلها في آل عمران،
ومعناها كلِّها السُّنَّة. وهو تفسير قتادة، الكتاب: القرآن،
والحكمة: السُّنَّة.
الوجه الثاني: الحكمة يعني الفهم
والعقل
وذلك قوله في سورة مريم ليحيى {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً}
يعني الفهم والعقل. وقال في
(1/201)
لقمان: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ
الحكمة} يعني الفهم والعقل. وقال في الأَنعام: {أولائك الذين
آتَيْنَاهُمُ الكتاب والحكم} يعني الفهم والعقل. وقال في
الأَنبياء: {وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} يعني الفهم
والعقل. ونظيرها قوله ليوسف وموسى: {وَلَمَّا بَلَغَ
أَشُدَّهُ} عشرين سنة، {آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} يعني
عقلا وفهما.
الوجه الثالث: الحكمة يعني النبوة
وذلك قوله في النِّساء: {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ
الكتاب والحكمة} يعني النبوّة. وقال لداود في البقرة:
{وَآتَاهُ الله الملك والحكمة} يعني النُّبُوّة. ونظيرها في ص:
{وَآتَيْنَاهُ الحكمة وَفَصْلَ الخطاب} يعني النُّبوّة وعلم
القضاء.
الوجه الرابع: الحكمة يعني القرآن
ظاهرا وعلم تفسيره
وذلك قوله في البقرة: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ} يعني العلم
بما في القرآن وقراءته ظاهرا {فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً
كَثِيراً} .
الوجه الخامس: الحكمة يعني القرآن
وذلك قوله في سورة النَّحل: {ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة}
يعني بالقرآن.
(1/202)
تفسير الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر على وجهين
الوجه الأول: الأمر بالمعروف
بالتوحيد والنهي عن المنكر عن الشرك
وذلك قوله في آل عمران: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروف} يعني بتوحيد الله،
{وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر} يعني عن الشِّرك بالله. وقال في
براءة: {التائبون العابدون} إِلى قوله: {الآمرون بالمعروف}
يعني بتوحيد الله، {والناهون عَنِ المنكر} يعني عن الشِّرك
بالله. وقال لقمان لابنه: {يابني أَقِمِ الصلاة وَأْمُرْ
بالمعروف} يعني بالتَّوْحيد، {وانه عَنِ المنكر} يعني الشِّرك
بالله.
الوجه الثاني: الأمر بالمعروف
اتباع النبي والتصديق به والمنكر التكذيب به
وذلك قوله في آل عمران لمؤمني أهل التَّوْرَاة: {لَيْسُواْ
سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ الكتاب} إِلى قوله: {وَيَأْمُرُونَ
بالمعروف} بالإِيمان بمحمّد، {وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر}
يَعْنِي عنِ التَّكذْيِبِ بمحمد صلى الله عليه وسلم. / وقال
أيضا في براءة: {والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بالمعروف} بالإِيمان بمحمّد، {وَيَنْهَوْنَ
عَنِ المنكر} يعني عن التَّكذيب بمحمّد صلى الله عليه وسلم.
(1/203)
تفسير المعروف على
خمسة وجوه
الوجه الأول: المعروف يعني القرض
وذلك قوله في النِّساء: {وَمَن كَانَ غَنِيّاً
فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بالمعروف}
يعني بالقرض. ونظيرها في آخر السُّورة قوله: {لاَّ خَيْرَ فِي
كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ
مَعْرُوفٍ} يعني القرض.
الوجه الثاني: المعروف يعني الزينة
وذلك قوله في البقرة للمتوفّى عنها زوجها: {فَإِذَا بَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ} يعني إذا انقضت العدَّة، {فَلاَ جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ بالمعروف} يعني:
أن يتَزيّنَّ، ويتَشوَّفْنَ، ويلتمسن الأَزواج. ونظيرها عندها
قوله: {مَّتَاعاً إِلَى الحول غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ
خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ في
أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ} يعني أن يتزينَّ ويتشوفن
ويلتمسن الأَزواج.
(1/204)
الوجه الثالث:
المعروف يعني العدة الحسنة
وذلك قوله في البقرة: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا
عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النسآء} إِلى قوله: {و [لاكن]
لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً
مَّعْرُوفاً} يعني عدة حسنة. وقال أيضا في سورة النساء:
{وارزقوهم فِيهَا واكسوهم وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً
مَّعْرُوفاً} يعني عدة حسنة. وقال في النساء: {وَإِذَا حَضَرَ
القسمة} إِلى قوله: {وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً}
عدة حسنة.
الوجه الرابع: المعروف يعني الدعاء
بالخير
وذلك قوله في سورة البقرة: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} أي: قول حسن،
دعاء الرّجل لأَخيه {خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى}
أي يمنّ بها على المساكين.
الوجه الخامس: المعروف يعني ما
يتيسر على الإنسان
وذلك قوله في البقرة: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بالمعروف}
أي على قدر ميسرة الرّجل، {حَقّاً عَلَى المتقين} . وقال أيضا:
{مَتَاعاً بالمعروف} يعني أن يُمَتِّعَ
(1/205)
المرأة إِذا طلقها على قدر ميسرته {حَقّاً
عَلَى المحسنين} . وقال أيضا في المراضع: {وَعلَى المولود
لَهُ} يعني الأَب، {رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمعروف} على
قدر ميسرته.
(1/206)
تفسير الطاغوت على
ثلاثة وجوه
الوجه الأول: الطاغوت يعني به
الشيطان
وذلك قوله في البقرة: {فَمَنْ} ... {يَكْفُرْ بالطاغوت} يعني
الشيطان. ونظيرها في النساء حيث يقول: {والذين كَفَرُواْ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطاغوت} يعني في سبيل الشيطان.
ونظيرها في المائدة حيث يقول: {وَعَبَدَ الطاغوت} يعني
الشيطان.
الوجه الثاني: الطاغوت يعني به
الأوثان التي تعبد من دون الله
وذلك قوله في النحل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ
رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} يعني اجتنبوا
الأَوثان. ونظيرها في الزمر حيث يقول: {والذين اجتنبوا الطاغوت
أَن يَعْبُدُوهَا} يعني والَّذِين اجتنبوا عبادة الأَوثان،
{وأنابوا إِلَى الله} .
الوجه الثالث: الطاغوت يعني به كعب
بن الأشرف اليهودي
(1/207)
وذلك قوله في البقرة: {والذين كفروا
أَوْلِيَآؤُهُمُ الطاغوت} يعني كعب بن الأَشرف،
{يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ النور إِلَى الظلمات} . ومثلها في
النساء حيث يقول: {الذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب
يُؤْمِنُونَ بالجبت والطاغوت} يعني كعب بن الأَشرف. وقال أيضا
فيها: {يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت} يعني كعب بن
الأَشرف.
(1/208)
تفسير الظلمات
والنور على أربعة وجوه
الوجه الأول: الظلمات يعني الشرك،
والنور الإيمان
وذلك قوله في البقرة: {الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ
يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور} يعني يخرجهم من
الشِّرك إِلى الإِيمان. ونظيرها عندها. وقال في الأَحزاب:
{هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ
لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور} يعني من الشرك إِلى
الإِيمان. وقال لموسى: {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات
إِلَى النور} . ونحوه كثير.
الوجه الثاني: الظلمات يعني الليل،
والنور يعني النهار
وذلك قوله في الأَنعام: {الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السماوات
والأرض وَجَعَلَ الظلمات والنور} يعني وجعل اللَّيل والنَّهار،
وليس في القرآن غيرها.
الوجه الثالث: الظلمات يعني
الأهوال
وذلك قوله في الأَنعام: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ
البر والبحر} يعني من أهوال البرّ والبحر.
(1/209)
ومثلها في النَّمل حيث يقول: {أَمَّن
يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ البر والبحر} في أهوال.
الوجه الرابع: ظلمات يعني ثلاث
خصال
وذلك قوله في الزمر: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ
خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ} يعني
البطن، والرّحم، والمشيمة. وقال في الأَنبياء ليونس: {فنادى
فِي الظلمات} يعني ظلمة اللَّيل، وظلمة البحر، وبطن الحوت.
وقال: في النُّور: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ
يَغْشَاهُ مَوْجٌ} إِلى قوله {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ
بَعْضٍ} يعني به الكافر، يقول: قلبه مظلم في صدر مظلم، في جسد
مظلم. قلبه بالشرك، وصدره بالكفر، وجسده بالشَّكِّ. وهو
النِّفاق.
(1/210)
تفسير الظالمين على
سبعة وجوه
الوجه الأول: الظالمون يعني
المشركين
وذلك قوله في الأَعراف: {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين}
يعني المشركين. ومثلها في هود وقال في هل أتى على الإِنسان:
{والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} يعني المشركين.
الوجه الثاني: الظالمون المسلم
يظلم نفسه بذنب يصيبه من غير شرك
المسلم يظلم نفسه بذنب يصيبه من غير شرك، وذلك قوله في البقرة
لآدم وحوّاء {وَلاَ تَقْرَبَا هاذه الشجرة فَتَكُونَا مِنَ
الظالمين} لأَنفسكما. ومثلها في الأَعراف حيث يقول: {وَلاَ
تَقْرَبَا هاذه الشجرة فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} لأَنفسكما
بخطيئتكما. وهو قول يونس في الأَنبياء: {لاَّ إلاه إِلاَّ
أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين} يعني بخطيئته.
وقال موسى: {إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} بقتله النفس، {فاغفر
لِي} . وهذا كُلُّهُ فِي التَّوْحِيد الظُّلْم للنفس من غير
شرك.
(1/211)
الوجه الثالث:
الظالمون يعني الذين يظلمون الناس
وذلك قوله في حمعاساقا: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ
مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله
إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين} يعني من يبدأ بظلم. ونظيرها
{إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس وَيَبْغُونَ
فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} .
الوجه الرابع: الظلم يعني يضرون
وينقضون أنفسهم من غير شرك
وذلك قوله في البقرة لبني إِسرائيل: {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ
مَا رَزَقْنَاكُمْ} يعني المنَّ والسَّلْوَى، وكان أمرهم أن
يأخذوا ما يكفيهم ليومهم مولا يزدادوا على على ذلك، فعصوا فيه،
فذلك قوله: {وَمَا ظَلَمُونَا} يعني وما ضرّونا، وما نقصونا
حين رفعوا من المنِّ والسَّلْوَى فوق يوم، {ولاكن كانوا
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} يعني أنفسهم يضرّون وينقصون. ومثلها
في الأَعراف: {وَمَا ظَلَمُونَا} ما ضرّونا، وما نقصونا حين
رفعوا من المنّ والسَّلوى فوق يومٍ {ولاكن كانوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ} يعني ينقصون ويضرّون.
الوجه الخامس: الظالمون يعني
يظلمون أنفسهم بالشرك
وذلك قوله في الزُّخرف: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} يعني كفار
الأُمم كلَّها فنعذبهم في الآخرة بغير ذنب، {ولاكن كَانُواْ
هُمُ الظالمين} لأَنفسهم بكفرهم وتكذيبهم. وقال أيضا في آل
عمران: {وَ [نَقُولُ] ذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} يعني في
الآخرة، {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} من الكفر
والتَّكذيب في
(1/212)
الدُّنْيَا، {وَأَنَّ الله لَيْسَ
بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} يقول: وما ظلمناهم / فنعذِّبهم في
الدُّنيا على غير ذنب، ولا نعذِّب في الآخرة على غير ذنب. وقال
في هود لكفَّار الأُمم الَّذين عذّبوا في الدُّنيا: {وَمَا
ظَلَمْنَاهُمْ} فعذبناهم بغير ذنب، {ولاكن ظلموا أَنفُسَهُمْ}
بكفرهم وتكذيبهم. وقال في الرّوم: {فَمَا كَانَ الله
لِيَظْلِمَهُمْ} يعني كفار الأُمم الخالية الَّذين كذبوا في
الدُّنيا، يقول: لم يظلمهم فيعذبهم على غير ذنب، {ولاكن كانوا
أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بكفرهم وتكذيبهم.
الوجه السادس: يظلمون يجحدون
وذلك قوله في الأَعراف، {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأولائك
الذين خسروا أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا
يِظْلِمُونَ} يعني بِمَا كانُوا بالقرآن يجحدون أنَّهُ ليس من
الله. كقوله أيضا في الأَعراف: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم
موسى بِآيَاتِنَآ} يعني اليد والعصى، {إلى فِرْعَوْنَ
وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا} أي جحدوا بآياتنا أَنَّها ليست
من الله. وقوله أيضا في بني إِسرائيل {وَآتَيْنَا ثَمُودَ
الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا} أي فجحدوا بها أَنها
ليست من اللهِ.
الوجه السابع: الظالمون يعني
السارقين
وذلك قوله في يوسف {قَالُواْ جَزَآؤُهُ} يعني السارق، {مَن
وُجِدَ فِي رَحْلِهِ} السَّرِقة، {فَهُوَ جَزَاؤُهُ كذلك
نَجْزِي الظالمين} يعني السَّارقين أن يُتَّخَذ عبدا بسرقته
(1/213)
فيستخدم على قدر سرقته. وقال في المائدة:
{والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} إِلى قوله: {فَمَن
تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ} يعني بعد سرقته.
(1/214)
تفسير الظلم على
خمسة وجوه
الوجه الأول: الظلم يعني الشرك
وذلك قوله في الأَنعام: {الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا
إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} يعني بشرك. وقال لقمان لابنه: {يابني
لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} يقول: الذنب
عظيم.
الوجه الثاني: الظلم يعني ظلم
العبد نفسه بذنب يصيبه من غير شرك
وذلك قوله في البقرة في أمر الطَّلاق: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ
ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ
نَفْسَهُ} بذنبه من غير شرك. وقوله في سورة النِّساء
الصُّغْرَى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله} في أمر الطَّلاق،
{فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} بمعصيته من غير شرك. ونظيرها في
البقرة. وقال في سورة الملائكة {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ
لِّنَفْسِهِ} يعني أصحاب الكبائر من أهل التَّوحيد، ظلموا
أنفسهم/ بذنوبهم من غير شرك.
الوجه الثالث: من الظلم وهو الذي
يظلم الناس
وذلك قوله في بني إِسرائيل: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً} يعني
المقتول ظلمَهُ القاتِلُ حين قتله
(1/215)
بغير حقٍ. وقال في النِّساء: {وَمَن
يَفْعَلْ ذلك} يعني قتل النَّفس، وأخذ الأَموال {عُدْوَاناً
وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً} . وقال: {إِنَّ الذين
يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً} يعني بغير حق. قال
يحيى: يذهبون به لا يريدون ردَّه، استحلالا له.
الوجه الرابع: الظلم يعني النقص
وذلك قوله في الكهف: {كِلْتَا الجنتين آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ
تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً} يعني حِمْلَها {وَلَمْ تَظْلِم} أي
تنقص منه شيئا. وقال في الأَنبياء: {وَنَضَعُ الموازين القسط
لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} يقول: فلا
تُنقص من ثواب عملها شيئا. وقوله في مريم: {وَلاَ يُظْلَمُونَ
شَيْئاً} يقول: لا يُنقصون من أعمالهم. وقال: {وَلاَ
تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} لا تُنقصون فتيلا.
الوجه الخامس: الظلم يعني العذاب
وذلك قوله في النَّحل: {والذين هَاجَرُواْ فِي الله مِنْ
بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} يعني من بعد ما عذِّبوا على الإِيمان.
(1/216)
تفسير الطمأنينة على
ثلاثة وجوه
الوجه الأول: تطمئن يعني تسْكن
وذلك قوله في البقرة: {لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} إِذا نظرتُ
إِليه. وقال في المائدة: {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} إِذا
رأينا المائدة. وقال في الرّعد: {الذين آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ
القلوب} يعني تسكن القلوب. وقال في آل عمران: {وَمَا جَعَلَهُ
الله} يعني مدد الملائكة يوم أحد، {إِلاَّ بشرى لَكُمْ
وَلِتَطْمَئِنَّ} أي ولتسكن، {قُلُوبُكُمْ بِهِ} . وقال في
الأَنفال: {وَمَا جَعَلَهُ الله} يعني المدد من الملائكة يوم
بدر، {إِلاَّ بشرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} يعني
ولتسكن.
الوجه الثاني: الطمأنينة يعني
الإقامة
وذلك قوله في النِّساء: {فَإِذَا اطمأننتم} يقول: فإذا أَقمتم،
{فَأَقِيمُواْ الصلاة} يعني فأتموا الصَّلاة. وقال في بني
إِسرائيل: {قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ
مُطْمَئِنِّينَ} يعني مقيمين في الأَرض.
(1/217)
الوجه الثالث:
الطمأنينة يعني الرضى
وذلك قوله في الحجِّ: {حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأن
بِهِ} يقول: رضي به. وقال في النَّحل: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ} أَي راض. {بالإيمان} . وقال في الفجر:
{ياأيتها النفس المطمئنة} يعني الرّاضية ثواب الله.
(1/218)
تفسير الفرار على
أربعة وجوه
الوجه الأول: الفرار يعني الكراهية
وذلك قوله في/ الجمعة {قُلْ إِنَّ الموت الذي تَفِرُّونَ
مِنْهُ} يَعني الَّذِي تكرهونه {فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ} .
الوجه الثاني: الفرار يعني الاعراض
وذلك قوله في عبس: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ *
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} يعني يعرض ولا يلتفت.
الوجه الثالث: الفرار يعني التباعد
وذلك قوله في سورة نوح: {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعآئي إِلاَّ
فِرَاراً} يعني تباعدا.
الوجه الرابع: الفرار يعني الهرب
وذلك قوله في الأَحزاب: {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار} يعني
الهرب، {إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ الموت} يعني إن هربتم {أَوِ
القتل} . وكقوله في الشعراء: {فَفَرَرْتُ مِنكُمْ} يعني فهربت
منكم {لَمَّا خِفْتُكُمْ} .
(1/219)
تفسير وجعلوا على
وجهين
الوجه الأول: الجعل الوصف
وذلك قوله في الأَنعام: {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ الجن}
يعني وصفوا لله شركاء الجنِّ. وكقوله في الزُّخرف:
{وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} يعني وصفوا له من
عباده شركاء. وكقوله في سورة النَّحل: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ
البنات} يعني ويصفون. وكقوله في الزخرف: {وَجَعَلُواْ الملائكة
الذين هُمْ} يعني وَصَفُوا.
الوجه الثاني: وجعلوا يعني فعلوا
وذلك قوله في الأَنعام: {وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ
مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً} يعني فعلوا ذلك. وقال في سورة
يونس: {فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً} يعني فعلتم،
يعني الحرث والأَنعام.
(1/220)
تفسير السبيل على
ثلاثة عشر وجها
الوجه الأول: السبيل يعني الطاعة
لله
وذلك قوله في البقرة {مَّثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ
فِي سَبِيلِ الله} يعني في طاعة الله. وقال: {الذين آمَنُواْ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله} يعني في طاعة الله. وفي
الفرقان. وفي هل أتى على الإنسان. ونحوه كثير.
الوجه الثاني: سبيل يعني بلاغا
وذلك قوله في سورة آل عمران: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ
البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً} يعني بلاغا.
الوجه الثالث: السبيل المخرج
وذلك قوله في سورة بني إِسرائيل: {انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ
الأمثال فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً} يعني
مخرجا. ومثلها في الفرقان: وقال في سورة النِّساء: {أَوْ
يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً} يعني مخرجا من الحبس.
(1/221)
الوجه الرابع:
السبيل يعني المسلك
وذلك قوله في النِّساء: {وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً} يعني
وبئس المسلك. ونظيرها في بني إسرائيل حيث يقول: {إِنَّهُ كَانَ
فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً} يعني وبئس المسلك.
الوجه الخامس: السبيل العلل
وذلك قوله في النِّساء: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ
عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} يعني عِللاً.
الوجه السادس: السبيل يعني الدين
وذلك قوله في النِّساء: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين}
يعني غير دين المؤمنين. ونظيرها فيها أيضا، وذلك قوله:
{وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً} يعني
دِيناً. وقال في النَّحل: {ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ} يعني إِلى
دين ربِّكَ. ونحوه كثير.
الوجه السابع: السبيل يعني الهدى
وذلك قوله في النِّساء: {وَمَن يُضْلِلِ الله} يعني عن الهدى،
{فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} أى هدى. وكقوله في عسق: {وَمَن
يُضْلِلِ الله} عن الهُدى، {فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ} يعني
الهدى.
الوجه الثامن: السبيل يعني حجة
وذلك قوله في النِّساء: {وَلَن
(1/222)
يَجْعَلَ الله لِلْكَافِرِينَ عَلَى
المؤمنين سَبِيلاً} يعني حجة. وقال أيضا: {فَمَا جَعَلَ الله
لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} حجة.
الوجه التاسع: السبيل الطريق
وذلك قوله في النِّساء: {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ
يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} يعني طريقا، لا يعرفون طريقا إِلى
المدينة. وقال موسى في سورة القصص: {عسى ربي أَن يَهْدِيَنِي
سَوَآءَ السبيل} يعني قصد الطَّرِيق إِلى مدين.
الوجه العاشر: السبيل يعني طريق
الهدى
وذلك قوله في سورة المائدة: {وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السبيل}
يعني قصد طريق الهدى. وكقوله: {وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ السبيل}
يعني قصد طريق الهدى. ونحوه كثير.
الوجه الحادي عشر: سبيل يعني
عدوانا
وذلك قوله في حمعاساقا: {فأولائك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ}
يعني من عدوان، {إِنَّمَا السبيل} إِنما العدوان، {عَلَى الذين
يَظْلِمُونَ الناس} .
الوجه الثاني عشر: سبيل يعني ملة
وذلك قوله في سورة يوسف: {قُلْ هاذه سبيلي} يعني مِلَّتِي،
{أَدْعُو إلى الله على بَصِيرَةٍ} .
(1/223)
الوجه الثالث عشر:
سبيل يعني إثما
وذلك قوله في آل عمران: {ذلك بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ
عَلَيْنَا فِي الأميين سَبِيلٌ} يعني إِثما. وقال في براءة:
{مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ} يعني إِثما في قعودهم عن
الغزو إِذا كان لهم عذر.
(1/224)
|