التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه

تفسير أم على ثلاثة وجوه
الوجه الأول: أم والميم صلة في الكلام
وذلك قوله في والطُّور: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} يعني أخلقوا من غير شيء، والميم صلة. وكقوله: {أَمْ لَهُ البنات} يعني أله البنات، والميم صلة.

الوجه الثاني: أم يعني بل
وذلك قوله في سورة الرّعد: {أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القول} يعني بل بظاهر من القول. وكقوله: {أَمْ أَنَآ خَيْرٌ} بل أنا خير. وكقوله في اقتربت السَّاعة: {أَمْ يَقُولُونَ} بل يقولون، {نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} .

(1/260)


الوجه الثالث: أم أو استفهام
وذلك قوله في سورة تبارك: {أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي السمآء} استفهام، أو أمنتم من في السماء. وقال في بني إِسرائيل: {أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ} يعني أو أمنتم. وقال: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكهف} أو حسبت.

(1/261)


تفسير الظن على أربعة وجوه
الوجه الأول: الظن يعني اليقين
وذلك قوله في البقرة: {إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله} يعني إِن أيقنا. وكقوله في ص: {وَظَنَّ دَاوُودُ} أيقن داود، {أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} ابتليناه. وقال في الحَاقَّةِ: {إِنِّي ظَنَنتُ} أيقنت، {أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ} .

الوجه الثاني: الظن يعني الشك
وذلك قوله في الجاثية: {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً} يعني ما نشك إِلاَّ شكا.

الوجه الثالث: ظنَّ يعني حسب
وذلك قوله في إِذا السمَاءُ انشقَّت: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} يعني حسب أن لن يرجع. وقال

(1/262)


في حم السَّجدة: {ولاكن ظَنَنتُمْ} يعني حسبتم {أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ} . ونحوه في الشعراء. ونحوه في سبحان.

الوجه الرابع: الظن يعني التهمة
وذلك قوله في الأَحزاب: {وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا} يعني التُّهمة. ونظيرها في الفتح {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} . وقال في إِذا الشَّمس كوّرت: {وَمَا هُوَ عَلَى الغيب بِضَنِينٍ} يعني بمتَّهم. ومن قرأها "بظنين" فإنَّ معناها على التَّنزيل أي: لم يبخل عليهم بما علم من علم الغيب الَّذِي عَلَّمَهُ الله.

(1/263)


تفسير ما بين أيديهم وما خلفهم على أربعة وجوه
الوجه الأول: ما بين أيديهم وما خلفهم يعني، ما بين أيديهم: ما كان قبل خلقهم. وما خلفهم يعني ما كان بعد خلقهم
وذلك قوله في البقرة: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} يعني يعلم ما كان قبل خلق الملائكة {وَمَا خَلْفَهُمْ} ما بعد خلقهم. وقال في سورة مريم: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} يعني ما كان قبل خلقنا وما يكون من بعد خلقنا. ومثلها في طه: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} . وكقوله في سورة الأَنبياء: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} يعني يعلم ما كان قبل خلق الملائكة وما كان بعد خلقهم.

الوجه الثاني: ما بين أيديهم، الآخرة. وما خلفهم يعني الدنيا
وذلك قوله في سورة مريم قول جبريل: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} يعني الآخرة {وَمَا خَلْفَنَا} من أمر الدُّنيا. وقال إِبليس في سورة الأعراف: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من قِبَلِ الآخرة، فأخبرهم أنَّه لا بعث بعد الموت، {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} يعني من قِبَلِ الدُّنيا، فأزيِّنها في أعينهم. وكقوله

(1/264)


في حم السَّجدة: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} يعني الآخرة، أنه لا بعث بعد الموت، {وَمَا خَلْفَهُمْ} يعني الدنيا، فأزيِّنها في أعينهم. وقال في يس {اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} يعني عذاب الدُّنيا وعذاب الآخرة.

الوجه الثالث: ما بين أيديهم وما خلفهم يعني قبل وبعد في الدنيا
وذلك قوله في الأَحقاف: {وَقَدْ خَلَتِ النذر مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} يعني وقد بعثت الرّسل من قبل هود إِلى قومهم، {وَمِنْ خَلْفِهِ} يعني ومن بعده، {أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله} . وكقوله في حمالسَّجدة: {إِذْ جَآءَتْهُمُ الرسل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} يعني قبل قوم هودٍ وصالحٍ، جاءت الرّسل أيضا إِلى قومه {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} يعني ومن بعدهم، يعني بعد هود وصالح جاءت الرّسل أيضا إلى قومهم، {أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله} .

الوجه الرابع: ما بين أيديهم وما خلفهم يعني أمامهم ووراءهم
وذلك قوله في سبأ: {أَفَلَمْ يَرَوْاْ إلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ السمآء والأرض} يعني {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} أمامهم، {وَمَا خَلْفَهُمْ} وراءهم.

(1/265)


تفسير العالمين على خمسة وجوه
الوجه الأول: العالمين يعني الانس والجن خاصة
وذلك قوله: {الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} الإِنس والجِنّ. وكقوله في الفرقان: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} يعني الإِنس والْجِنّ. ومثلها في سورة الأَنبياء [ {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} يعني العالمين من الإِنس والجان] . وقال في إِذا الشَّمس كوّرت: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} . وقال في ص مثل ذلك.

الوجه الثاني: العالمين يعني عالم أهل زمانهم
وذلك قوله في سورة البقرة لبني إِسرائيل: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين} يعني عالم زمانهم. ومثلها فيها أيضا. وقال في الجاثية لبني إِسرائيل: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العالمين} يعني عالم زمانهم. وقال في الدُّخان:

(1/266)


{وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين} على عالم زمانهم.

الوجه الثالث: العالمين يعني من لدن آدم إلى يوم القيامة
وذلك قوله في آل عمران: {يامريم إِنَّ الله اصطفاك وَطَهَّرَكِ واصطفاك على نِسَآءِ العالمين} يعني على كلِّ امرأة من ولد آدم. وقال في الأَنبياء: {التي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} يعني جميع العالمين.

الوجه الرابع: العالمين يعني ما كان بعد نوح
وذلك قوله في الصَّافاتِ: {سَلاَمٌ على نُوحٍ فِي العالمين} يعني الثَّناء الحَسَن، يقال لنوح من بعده في الناس.

الوجه الخامس: العالمين يعني أهل الكتاب
وذلك قوله في آل عمران: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العالمين} يعني عن أهل الكتاب، لأنهم لا يرون الحجّ واجبا عليهم.

(1/267)


تفسير الانذار والنذر على ثلاثة وجوه
الوجه الأول: الانذار يعني التحذير
وذلك قوله في يونس: {أَنْ أَنذِرِ الناس} يعني حذِّر كفَّار مكَّة العذاب. وقال في سورة البقرة: {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ} أَحَذرْتَهُم، {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} أم لم تحذِّرهم، {لاَ يُؤْمِنُونَ} . وقال في يس: {لِتُنذِرَ قَوْماً} يعني لتحذِّر قوما ما في القرآن من الوعيد، {مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ} كما أنذر آباؤهم، يعني كما حُذِّر آباؤهم.

الوجه الثاني: النذر يعني الخبر
وذلك قوله في سورة النَّجم: {هاذا نَذِيرٌ مِّنَ النذر الأولى} يعني هذا خبر من خبر الأُمم الخالية. وقال في براءة: {وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ} يعني وليخبروا قومهم، {إِذَا رجعوا إِلَيْهِمْ} .

الوجه الثالث: النذر يعني الرسل
وذلك قوله في اقتربت: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر} يعني بالرّسل. وقال: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ

(1/268)


بالنذر} بالرّسل. وقال: {وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ النذر} يعني الرّسل. وقال في تبارك: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} يعني رسولا، {قَالُواْ بلى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ} يعني رسولاً. وقال في سورة هود: {إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ} يعني رسولاً.

(1/269)


تفسير المد على ستة وجوه
الوجه الأول: يمدهم يعني يلجُهم في ضلالتهم يعمهون
وذلك قوله في الأَعراف: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي} يعني يَلِجُونهُم فِي الغيِّ، {ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} .

الوجه الثاني: المد الاعطاء
وذلك قوله في قد أفلح: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} يعني نعطيهم من مال وبنين. وكقوله في سورة نوح: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} يعني يعطيكم أموالا وبنين. وكقوله في سبحان لبني إِسرائيل: {وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} ، يقول: وأعطيناكم.

الوجه الثالث: المد التقوية
وذلك قوله في آل عمران: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الملائكة مُنزَلِينَ}

(1/270)


يعني يقوّيكم. وقال في الأَنفال: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة مُرْدِفِينَ} يعني مقوِّيكم. وقوله {مُرْدِفِينَ} أعوانا للمسلمين.

الوجه الرابع: المد الذي لا انقطاع له
وذلك قوله: {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً} يعني لا ينقطع شتاء ولا صيفا. وقال في سورة مريم: {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً} يعني لا انقطاع له. وقال في الواقعة: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} يعني لا انقطاع له.

الوجه الخامس: المد يعني البسط
وذلك قوله في الفرقان: {كَيْفَ مَدَّ الظل} يعني بسط الظلَّ من طلوع الفجر إِلى طلوع الشَّمس في الدُّنيا كلِّها. وقال في الرّعد: {وَهُوَ الذي مَدَّ الأرض} يعني بسط الأَرض من تحت الكعبة. وقال في سورة الحجر: {والأرض مَدَدْنَاهَا} يعني بسطناها من تحت الكعبة. وقال في ق: {والأرض مَدَدْنَاهَا} يعني بسطناها. ونحوه كثير.

الوجه السادس: مدّت يعني سويت
وذلك قوله: {وَإِذَا الأرض مُدَّتْ} يعني سويت، قد حلَّ ماء على ظهرها في بطنها. ومثله كثير.

(1/271)


تفسير الطغيان على أربعة وجوه
الوجه الأول: الطغيان يعني الضلالة
وذلك قوله في البقرة: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} يعني في ضَلاَلتِهِمْ يتردَّدونَ. وقال: {فَنَذَرُ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} يعني في ضلالتهم. وقال في ق: {رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ} يعني ما أضللته. وقال في الصَّافات: {بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ} يعين ضالِّين. وقال في ص: {وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ} يعني للضَّالِّين، {لَشَرَّ مَآبٍ} لشرّ مرجع. وقال في عمّ يتساءلون: {لِّلطَّاغِينَ مَآباً} .

الوجه الثاني: طغيان يعني عصيانا
وذلك قوله في طه: {اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} يعني عصى الله. وقال في النَّازعات: {إِنَّهُ طغى} يعني عصى الله. وقال في طه: {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ} يعني لا تعصوا الله في رفع المن والسّلوى.

(1/272)


الوجه الثالث: الطغيان: الارتفاع والتكبر
وذلك قوله: {إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء} يعني لمّا كثر وارتفع، {حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية} يعني في السّفينة. وقال: [ {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى} يرتفع من ... .] .

الوجه الرابع: طغى يعني ظلم
وذلك قوله: {مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى} يعني وما ظلم. وقال: {أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الميزان} يعني لا تظلموا في الميزان.

(1/273)


تفسير الاشتراء على ثلاثة وجوه
الوجه الأول: اشتروا يعني اختاروا
وذلك قوله في البقرة: {أولائك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} يعني اختاروا الكفر بمحمَّد - بعد ما بعث - على الإِيمان به، وهم رؤوس اليهود. كقوله أيضا: {إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ الله مِنَ الكتاب وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} يعني يختارون الكفر بمحمّد بِعرض من الدنيا يسير. وقال في لقمان: {وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث} يعني يختار باطل الحديث على القرآن.

الوجه الثاني: الاشتراء يعني الابتياع
فذلك قوله في براءة: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة} .

الوجه الثالث: اشتروا يعني باعوا
فذلك قوله في البقرة: {بِئْسَمَا اشتروا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} يعني باعوا به أنفسهم، {أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ الله} . ليس مثلها.

(1/274)


تفسير الصلاح على سبعة وجوه
الوجه الأول: الصلاح يعني الإيمان
فذلك قوله في الرّعد: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ} يعني ومن آمن من آبائهم وأزواجهم، {وَذُرِّيَّاتِهِمْ} . وقال في النور: {والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ} يعني المؤمنين. وقال في يوسف: {وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} يعني آباءه المؤمنين. وقال سليمان: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين} يعني المؤمنين.

الوجه الثاني: الصلاح يعني جودة المنزلة
فذلك قوله في يوسف: {وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} يعني تصلح منزلتكم عند أبيكم. وقال عن إِبراهيم في البقرة: {وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين} فِي المنزلة عند الله. مثلها في النَّحل. وكذلك كلُّ شيء لإِبراهيم: {فِي الآخرة مِنَ الصالحين} .

(1/275)


الوجه الثالث: الصلاح يعني الرفق
فذلك قوله في القصص: {سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} يعني من الرّافقين بك. وقال موسى في الأَعراف لهارون: {اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ} يعني وارفق بهم.

(1/276)


الوجه الرابع: الصلاح تسوية الخلق
وذلك قوله في سورة الأَعراف: {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً} لئن أعطيتنا ولداً سوِيَّ الخلْقِ في صورة البشر، {لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين * فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً} يعني سويَّ الخلق.

الوجه الخامس: الصلاح يعني الاحسان
وذلك قول شعيب في هود: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإصلاح} . يعني الإِحسان: {مَا استطعت} .

الوجه السادس: الصلاح يعني الطاعة
وذلك قوله في سورة البقرة {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} يعني نحن مطيعون الله في الأَرض. وقال في سورة الأَعراف: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} بعد الطَّاعة فيها. وفي العنكبوت: {والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} يعني أطاعوا الله فيما أمرهم به وفرض عليهم.

الوجه السابع: الصلاح يعني الامانة
وذلك قوله في سورة الكهف: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} يعني كان ذا أمانة.

(1/280)


تفسير إظهار على ثمانية وجوه
الوجه الأول: ظهر يعني بدا
وذلك قوله في النُّور: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يعني إِلاَّ ما بدا في الوجه والكفَّين. وقال في سورة الرّوم: {ظَهَرَ الفساد} يعني بدا. وقال في حمالمؤمن: {أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد} يعني يبدي في الأَرض الفسَاد. وقال في سورة الرّوم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا} يعني ما بدا من معائشهم وحرثهم.

الوجه الثاني: إظهار يعني اطلاعا
وذلك قوله في التَّحريم: {وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ} يعني أطلعه الله على السّر الذي أفشت على النَّبِيِّ. وقال: {عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ} يعني فلا يطلع {على غَيْبِهِ أَحَداً} وقال في الكهف: {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ} يعني يطَّلِعُوا عليْكُمْ.

الوجه الثالث: يظهرون يعني يرتقون
وذلك قوله في سورة

(1/281)


الزخرف: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} يعني يرتقون فيعلون فوق بيوتهم. وقال في سورة الكهف {فَمَا اسطاعوا أَن يَظْهَرُوهُ} يعني يرتقوه فيعلوه.

الوجه الرابع: التظاهر يعني التعاون
وذلك قوله/ في سورة التَّحريم: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} يعني تعاونا عليه. وقال: {وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} يعني أعوانا للنبيّ. ومثلها في سورة القصص: {لَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ} . وقال في بني إِسرائيل: {وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} يعني أعوانا. وقال في الفرقان: {وَكَانَ الكافر على رَبِّهِ ظَهِيراً} يعني معينا. وقال في سورة سبأ: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ} يعني عوينا. وقال في الأَحزاب: {وَأَنزَلَ الذين ظَاهَرُوهُم} يعني عاونوهم.

الوجه الخامس: الظهور يعني العلو
وذلك قوله في براءة {هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين

(1/282)


كُلِّهِ} يعني يعلو الإِسلام كلّ دين فيقهره. ومثلها في سورة الفتح. وفي سورة الصّف. وقال في حمالمؤمن: {ياقوم لَكُمُ الملك اليوم ظَاهِرِينَ فِي الأرض} . يعني غالبين على أهل مصر في القهر لهم. وقال في الصّفّ: {فَأَيَّدْنَا الذين آمَنُواْ على عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ} يعني غالبين على عدوّهم في القهر لهم.

الوجه السادس: بظاهر يعني باطلا
وذلك قوله في سورة الرّعد: {أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القول} يعني بباطل من القول، حين زعموا أنَّ للهِ شريكا. فأمَّا الَّتِي في المجادلة فيعني بها: الظّهار، الرّجل يظاهر من امرأته، يقول: أَنْتِ عَلَيَّ كظهر [أُمِّي] .

الوجه السابع: الظهري يعني بظهر
وذلك قوله في سورة هود: {واتخذتموه وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً} يعني جعلتم الله بظهر فلا تعظمونه وتعظمون

(1/283)


غيره. وقال في سورة البقرة: {كِتَابَ الله وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ} يعني جعلوا كتاب الله بظهر فلا يعملون به وعملوا بالسِّحر.

الوجه الثامن: تظهرون يعني نصف النهار
وذلك قوله في سورة الرّوم: {وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} يعني صلاة الأُولى بعد انتصاف النَّهار. وقال في سورة النُّور: {وَحِينَ تَضَعُونَ ثيابكم مِّنَ الظهيرة} يعني نصف النَّهار.

(1/284)


تفسير حتى على ثلاثة وجوه
الوجه الأول: حتى يعني إلى
وذلك قوله في سورة الصّافَّات: {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ} يعني إِلى حين، إِلى آجالهم. وكقوله في سورة الذَّاريات لقوم صالح: {إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ} إِلى حين يعني إِلى آجالهم. وقال في سورة المؤمنون: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حتى حِينٍ} يعني/ إلى آجالهم وقال: {حتى مَطْلَعِ الفجر} يعني إِلى مطلع الفجر.

الوجه الثاني: حتى يعني فلما
وذلك قوله في سورة يوسف: {حتى إِذَا استيأس الرسل} يعني فلمّا استيأس الرّسل من إِيمان قومهم. [وقال في] سورة الأَنبياء {حتى إِذَا فُتِحَتْ} يعني فلمّا فتحت {يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} . [وقال في سورة] المؤمنون {حتى إِذَآ أَخَذْنَا} يعني فلمّا أخذنا {مُتْرَفِيهِمْ بالعذاب} . وقال في سورة هود: {حتى

(1/285)


إِذَا جَآءَ} يعني فلمَّا جاء، {أَمْرُنَا وَفَارَ التنور} .

الوجه الثالث: حتى وتفسيره قراءته
وذلك قوله في سورة براءة: {حتى يُعْطُواْ الجزية} يعني بقوله حتَّى: أبدا {حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} يعني حتَّى يقرّوا بِالخَراج، فهذا وقتهم. وقال في سورة الحجرات: {فَقَاتِلُواْ التي تَبْغِي حتى تفياء} يعني حتى ترجع، {إلى أَمْرِ الله} . وقال في سورة الأَنفال: {وَقَاتِلُوهُمْ حتى} يعني أبدا، {حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} ، يعني حتَّى يذهب الشِّرك. ومثلها في سورة البقرة.

(1/286)


تفسير الأنفس على سبعة وجوه
الوجه الأول: الأنفس يعني القلوب
وذلك قوله في سورة النَّجم: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَمَا تَهْوَى الأنفس} يعني القلوب. وقال في سورة يوسف: {وَمَآ أُبَرِّىءُ نفسي} يعني قلبي {إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ} للجسد {بالسواء} يعني بقوله: {إِنَّ النفس} إِنَّ القلب. وقال في ق: {مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} يعني قلبه. وقال في سورة بني إِسرائيل: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} يعني بما في قلوبكم. ونحوه كثير.

الوجه الثاني: أنفسكم يعني منكم
وذلك قوله في آخر سورة براءة: {رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} يعني منكم، من جنسكم.

الوجه الثالث: الأنفس يعني الانسان
وذلك قوله في سورة المائدة: {النفس بالنفس} يعني الإِنسان بالإِنسان. وقال أيضا: {مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ} يعني إنسانا بغير إِنسان.

(1/287)


الوجه الرابع: أنفسكم يعني بعضكم بعضا
قوله في النِّساء: {وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ} يعني لا يقتل بعضكم بعضا، وذلك قوله في سورة البقرة: {فاقتلوا أَنفُسَكُمْ} يعني ليقتل بعضكم بعضا. وقال: {ثُمَّ أَنْتُمْ هاؤلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} يعني يقتل بعضكم بعضا.

الوجه الخامس: نفس يعني روح الإنسان
يعني حياته، وذلك قوله في سورة الأَنعام: {وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون} إِلى قوله: {أخرجوا أَنْفُسَكُمُ} يعني أرواحكم، حياة الإنسان فتفيض روحه. وقال في سورة الزُّمر: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مَوْتِهَا} يعني نفس الإِنسان، يعني/ حياته إِذا قبض روحه.

الوجه السادس: أنفسكم يعني أهل دينكم
وذلك قوله في سورة النِّساء: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} إِلى قوله: {وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ} يعني لا يقتل بعضكم بعضا أهل دينكم، {إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} . وقال في سورة النُّور: {فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ} يعني على أهل دينكم، بعضكم على بعض.

(1/288)


الوجه السابع: أنفسكم وتفسيره قراءته
وذلك قوله في سورة النِّساء: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقتلوا أَنْفُسَكُمْ} يعني أن يقتل الرّجل نفسه، قال: {أَوِ اخرجوا مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} .

(1/289)


تفسير آل على ثلاثة وجوه
الوجه الأول: آل يعني قوما
وذلك قوله: {وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ النذر} يعني قوم فرعَون القبْط. وقال في حمالمؤمن: {أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ} يعني قومه، آل ملَّته القبط، وفرعَون معهم، {أَشَدَّ العذاب} وقال فيها أيضا: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} يعني من قوم فرعون.

الوجه الثاني: آل يعني أهل الرجل
وذلك قوله {إِلاَّ آلَ لُوطٍ} وابْنَتَيْهِ، {نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} . وقال في سورة الحجر: {فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ المرسلون} يعني أهل لوط. وقال أيضا: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} يعني لوطا وأهله. ثم استثنى من أهله فقال: {إِلاَّ امرأته} لا نُنَجِّيها، {قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} . وقال في العنكبوت: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امرأتك كَانَتْ مِنَ الغابرين} .

(1/290)


الوجه الثالث: آل يعني ذرية الرجل وان سفلوا
وذلك قوله في سورة آل عمران: {إِنَّ الله اصطفىءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ} يعني إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأَسباط، {وَآلَ عِمْرَانَ} يعني موسى وهارون اختارهم للرّسالة، {عَلَى العالمين} في زمانهم. وذلك قوله: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} .

(1/291)