التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه تفسير النجم على
ثلاثة وجوه
الوجه الأول: النجم يعني الكوكب
وذلك قوله: {النجم الثاقب} يعني الكوكب المضيء. وقال في سورة
النَّحلِ: {وبالنجم} يعني وبالكواكب، {هُمْ يَهْتَدُونَ} .
وقال في سورة الصّافَّات: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النجوم} يعني
في الكواكب.
الوجه الثاني: النجم يعني نجوم
القرآن إذا أنزل
كان ينزل القرآن نجوما على النبي عليه السّلام، الآية والآيتين
والسّورة والسّورتين ونحو ذلك، وذلك قوله {والنجم إِذَا هوى}
[يعني نجوم] / القرآن إِذا نزل به جبريل على النَّبي يعني بذلك
الآية والآيتين، والسورة والسورتين وفوق ذلك. وقال في سورة
الواقعة {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم} يعني أقسم
بِمواقِعِ النُّجوم، نجوم القرآن إِذا نزل به جبريل على النبي.
الوجه الثالث: النجم يعني النبت
الذي ليس له ساق
وذلك قوله في سورة الرّحمنِ: {والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} ،
النَّجم كلُّ نبت ليس له ساق، والشَّجر كلُّ ما قام على ساق.
(1/292)
تفسير النشوز على
أربعة وجوه
الوجه الأول: النشوز يعني العصيان
من المرأة لزوجها
وذلك قوله في سورة النِّساء: {واللاتي تَخَافُونَ} تعلمون،
{نُشُوزَهُنَّ} عصيانهن لأَزواجهنَّ {فَعِظُوهُنَّ} .
الوجه الثاني: النشوز يعني النفار
والأثرة، أن يؤثر زوج المرأة عليها غيرها من النساء
أن يؤثر زوج المرأة عليها غيرَها من النساء، وذلك قوله في سورة
النساء: {وَإِنِ امرأة خَافَتْ} يعني علمت، من زوجها {نُشُوزاً
[أَوْ إِعْرَاضاً] } أثرة، آثر عليها غيرها من النِّساء، قال:
{فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا
صُلْحاً} بالمال.
الوجه الثالث: النشوز يعني
الارتفاع، يعني القيام
وذلك قوله: {وَإِذَا قِيلَ انشزوا} يعني ارتفعوا، قوموا،
{فَانشُزُواْ} يعني فارتفعوا، قوموا من مجالسكم.
(1/293)
الوجه الرابع:
النشوز يعني الحياة
وذلك قوله في سورة البقرة: {وانظر إِلَى العظام كَيْفَ
نُنْشِزُهَا} يعني كيف نحييها. وقد قرأها ناس "كَيْفَ
نُنْشِرُهَا" وهو أجود الوجهين. وتصديقه في كتاب الله {ثُمَّ
إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ} .
(1/294)
تفسير الباطل على
أربعة وجوه
الوجه الأول: الباطل يعني الكذب
وذلك قوله في سورة المؤمن: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ المبطلون} يعني
خسر المكذِّبون بالعذاب. وقال في حمالجاثية: {وَيَوْمَ تَقُومُ
الساعة يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ المبطلون} يعني يخسر المكذّبون
بالبعث. وقال في سورة العنكبوت: {إِذاً لاَّرْتَابَ المبطلون}
يقول: المكذّبون وهم اليهود. وقال في حمالسَّجدة: {لاَّ
يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ}
يعني لا يأتي القرآنَ التكذيبُ من الكتب الَّتِي كانت قبله،
ولا يجيء من بعده كتاب فيكذِّبه.
الوجه الثاني: الابطال يعني
الاحباط
وذلك قوله في سورة البقرة: {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ
تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم} يعني لا تحبطوا، {بالمن والأذى} .
وقال في سورة محمّد: {وَلاَ تبطلوا أَعْمَالَكُمْ} يعني
بالمنِّ.
الوجه الثالث: الباطل يعني الشرك
الباطل يعني الشِّرك الذي ليس له أصل ثابت، وذلك قوله في سورة
بني إِسرائيل: {وَقُلْ جَآءَ الحق} التَّوحِيدُ، {وَزَهَقَ
(1/295)
الباطل} يعني ذهب الشرك، عبادة الشيطان.
قال: {إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقاً} . قال: الشّرك، لأَنَّ
الشِّرك ليس له في الأرض أصل ولا في السَّماء فرع فلذلك قال:
{كَانَ زَهُوقاً} . وقال في سورة العنكبوت: {والذين آمَنُواْ
بالباطل} يعني بعبادة الشيطان الشرك، {وَكَفَرُواْ بالله
أولائك هُمُ الخاسرون} . وقال في سورة النحل: {أفبالباطل
يُؤْمِنُونَ} يعني بعبادة الشيطان، الشرك، يصدقون.
الوجه الرابع: الباطل يعني الظلم
وذلك قوله في سورة البقرة: {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بالباطل} يعني بالظلم. ومثلها في سورة النِّساءِ
وذلك قوله: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تأكلوا
أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} ، بالظلم، {إِلاَّ أَن
تَكُونَ تِجَارَةً} .
(1/296)
تفسير التوفي على
ثلاثة وجوه
الوجه الأول: التوفي يعني قبض ذهن
الإنسان الذي به يعقل الأشياء ويرى الرؤيا
وذلك قوله في سورة الأَنعام: {وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم
بالليل} يعني يميتكم فيقبض من الأَنفس الذهن الذي به يعقل
الأَشياء ويترك فيها الروح والحياة فهو يتقلب بالروح الذي فيه،
ويرى الرؤيا بالذهن الذي قُبِض منه، وذلك قوله في سورة الزّمر:
{الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مَوْتِهَا} يعني يقبض الأَنفس
حين موتها. وذلك أن الإِنسان له حياة، وروح، ونفس. فإِذا نام
وخرج من نفسه الذي به يعقل وله شعاع وله حبل / إِلى الجسد
كشعاع الشمس في الأَرض فيرى الرؤيا بالنفس الَّتي خرجت منه
كأنه بأرض أخرى، وتبقى الحياة والروح في الجسد، فبهما يتقلب
ويتنفس، فإِذا حُرك رجعت النفس إِليه اسرع من طرْفه، فإِذا
أراد اللهُ أن يميته في منامه أمسك النفس الخارجة وقبض الروح،
فيموت في منامه.
الوجه الثاني: التوفي يعني القبض
إلى السماء
وذلك قوله في المائدة في قول عيسى، قال: {فَلَمَّا
تَوَفَّيْتَنِي} يعني فلمَّا قبضتني إِلى السماء وهو حيّ،
(1/297)
قال: {كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}
، لأَنّ النَّصارى إِنَّما تنصَّروا بعدما رفع عيسى، وليس بعد
موته. وقال في سورة آل عمران: {ياعيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ}
يعني قابضك من بني إِسرائيل ورافعك إِلى السماء، فقد فعل.
الوجه الثالث: التوفي يعني فيض
الأرواح
وهو الموت بعينه، وذلك قوله في سورة المؤمن: {فَإِمَّا
نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ}
يعني نميتك {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} . وقال في تنزيل السجدة:
{قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ} يعني
يقبض أرواحكم ملك الموت الَّذِي وكل بكم، {ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ
تُرْجَعُونَ} . وقال في سورة النَّحل: {الذين تَتَوَفَّاهُمُ
الملائكة} يعني يقبض أرواحهم ملك الموت، {طَيِّبِينَ} . وقال:
{الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} .
(1/298)
تفسير اللام
المنكسرة على ثلاثة وجوه
الوجه الأول: اللام لكي
وذلك قوله في تنزيل السجدة: {لِتُنذِرَ قَوْماً} يعني لكي تنذر
قوما {مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ} . وقال في
سورة يونس: {لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ} يعني لكي يجزي الذين
آمنوا.
الوجه الثاني: اللام المنكسرة
وتفسيرها إنما يقع بعدها
اللاَّم التي تخرج مخرج الجحود، وذلك قوله {وَمَا كَانَ الله
لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب} يعني ما كان الله أن يطلعكم على
الغيب. وقال في سورة الأَنفال: {وَمَا كَانَ الله
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} يعني وما كان الله أن يعذبهم
/ {وَأَنتَ فِيهِمْ} . وقال في سورة إِبراهيم: {وَإِن كَانَ
مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال} يعني أن تزول منه الجبال.
(1/299)
الوجه الثالث: اللام
تفسيرها لئلا
وذلك قوله في سورة النّحل {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ}
يعني لئلا يكفروا بما آتيناهم. ومثلها في سورة العنكبوت، وفي
سورة الرّوم.
(1/300)
تفسير خاطئين على
ثلاثة وجوه
الوجه الأول: خاطئين يعني مذنبين
من غير شرك
وذلك قول إِخوة يوسف {قَالُواْ ياأبانا استغفر لَنَا
ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} يعني مذنبين من غير شرك.
الوجه الثاني: خاطئين يعني مشركين
وذلك قوله في طسم القصص: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ
وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ} يعني مذنبين بالشرك.
وقَالَ في سورة الحاقَّة {وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ
* لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الخاطئون} المذنبون بالشرك.
الوجه الثالث: الخطأ ما لم تتعمد
له
وذلك قوله في سورة البقرة: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن
نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} يعني ما لم نتعمد له. وقال في
سورة النّساء: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً
إِلاَّ خَطَئاً} يعني لا يعتمد لقتله.
(1/301)
تفسير مثوى على
ثلاثة وجوه
الوجه الأول: مثوى يعني مأوى
وذلك قوله في سورة محمد: {والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ
وَمَثْوَاكُمْ} يعني مأواكم. وقال فيها أيضا للكافرين: {والنار
مَثْوًى لَّهُمْ} يعني مأوى لهم. وقال في سورة المؤمن:
{جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى} يعني مأوى،
{المتكبرين} . وقال في حمالسجدة: {فَإِن يَصْبِرُواْ فالنار
مَثْوًى لَّهُمْ} يعني مأوى لهم.
الوجه الثاني: مثوى يعني منزله
وذلك قوله في سورة يوسف: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} يعني أحسني
منزلهُ، وقال فيها أيضا: {إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}
يعني منزلي، {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} .
الوجه الثالث: المثوى يعني الاقامة
في مكان
وذلك قوله في طسم القصص: {وَمَا كُنتَ ثَاوِياً في أَهْلِ
مَدْيَنَ} يقول: لم تكن يا محمد مقيما بمدين، فتعلم كيف كان
أمرهم / فتخبر أهل مكة بشأنهم وأمرهم.
(1/302)
تفسير الكلام على
خمسة وجوه
الوجه الأول: الكلام يعني الكلام
الذي كلم الله عباده من غير وحي
وذلك قوله في سورة النساء: {وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً}
كلاما من غير وحي. وقال في سورة البقرة لبني إِسرائيل، السبعين
رجلا الذين اختارهم موسى، قال: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ
مِّنْهُمْ} من بني إِسرائيل، {يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله} يعني
إِنهم سمعوا كلامه، قال: {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا
عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} .
الوجه الثاني: كلام الله يعني
كلامه بالوحي
وهو القرآن، وذلك قوله في براءة: {فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ
كَلاَمَ الله} يعني القرآن الَّذِي أوحى الله إِلى محمد. وقال
في سورة الفتح: {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ الله}
يعني قول الله للنبي عليه السَّلام.
الوجه الثالث: كلمات الله يعني أمر
الله وعجائبه
وذلك قول الله في سورة الكهف: {قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَاداً
لِّكَلِمَاتِ رَبِّي} يعني لعلم ربِّي وعجائبه، {لَنَفِدَ
البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} يعني علم ربِّي.
وعجائبه. وقال في آخر سورة لقمان: {وْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن
شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ
(1/303)
والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ
أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} يعني علم الله
وعجائبه:
الوجه الرابع: كلام الله من
الخلوقين عند الموت ولا يسمعه بنو آدم
وذلك قول الكفّار: {حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ
رَبِّ ارجعون} وذلك أن الكافر إِذا نزل به الموت وعاين حسناته
قليلة وسيئاته كثيرة نظر إِلة ملك الموت من قبل أن يخرج من
الدنيا فتمنى الرّجعة وصدَّق بما كذب به، فعند ذلك يقول:
{رَبِّ ارجعون} يعني إلى الدنيا {لعلي أَعْمَلُ صَالِحاً
فِيمَا تَرَكْتُ} ، يقول الله: {كَلاَّ} يعني لا ترجع إلى
الدنيا. ثم استأنف فقال: {كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ
قَآئِلُهَا} ولا يسمع بها بنو آدم، وذلك مثل قول فرعون: {حتى
إِذَآ أَدْرَكَهُ الغرق} ونزل به الموت وعاينه، {قَالَ آمَنتُ
أَنَّهُ لا إلاه إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ
وَأَنَاْ مِنَ المسلمين} ، فلم ينفعه إِيمانه عند معاينة ملك
الموت ولو كان آمن قبل أن يدركه الغرق لنفعه إِيمانه. وكما
يؤمن أهل الكتاب بعيسى قال: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ
/ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} يعني لا يموت أحد حتى
يؤمن به، فلا ينفعه إِيمانه عند معاينة ملك الموت ونزول الموت
به، لأَنه لا يستطيع أن ينطق به كمنطق أهل الدنيا. وذلك قوله
في سورة النساء: {وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ
السيئات} يعني الشرك، {حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت}
يعني إِذا نزل بأحدهم الموت وعاين حَسَنَاتِه وسيئاته، حين لا
يسمع كلامه المخلوقون، {قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن} قال: فليس
من كافر إلا يتوب عند الموت فلا ينفعه. ولا يتجاوز عن {الذين
يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} قال:
(1/304)
{أولائك أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً
أَلِيماً} .
الوجه الخامس: الكلام يعني الإيمان
من الكفار عند معاينة العذاب في الدنيا
فقال يخبر عن الأُمم الخالية الَّذين عذِّبوا في الدُّنيا قال:
{فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} يعني عذابنا في الدُّنيا {قالوا
آمَنَّا بالله وَحْدَهُ} ، يقول الله: {فَلَمْ يَكُ
يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ} عند نزول العذاب بهم كما لم ينفع
فرعونَ إِيمانُه عند الغرق. وقال: {فَلَمَّآ أَحَسُّواْ
بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ} ، و {قَالُواْ
ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} فأقرّوا على أنفسهم
بالظُّلْمِ، وآمنُوا بما جاءت به الرّسل، وسألوا الرّجعة إِلى
الدُّنيا وسألوا النَّظر ليحسنوا العمل. وقال في سورة الشعراء:
{لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم} فيقُولُوا
عنذ ذلك، {فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} . وقال في
سورة يونس: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ} يعني حتى إِذا ما نزل
العذاب، {آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ
تَسْتَعْجِلُونَ} .
(1/305)
تفسير إلا على أربعة
وجوه
الوجه الأول: إلا استثناء
وذلك قوله في الزُّخرف: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} استثنى من الأَخِلاَّءِ
المتَّقين فقالَ: {إِلاَّ المتقين} منهم، فإنَّهم ليسوا بأعداء
بعضهم لبعض. وقال في سورة الفرقان {والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ
الله إلاها آخَرَ} إِلى قوله {إِلاَّ مَن تَابَ} ، استثنى مَن
تاب. ونحوه كثير.
الوجه الثاني: وهو الذي يشبه
الاستثناء وليس بالمستثنى
ولكنه مستأنف الكلام، وذلك قوله في سورة الأَعراف حين سألوا
النَّبِي عليه السَّلام عن القيامة: متى هي؟ فقال الله له:
{قُل} يا محمّد {لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ
ضَرّاً} ، ثمّ انقطع / الكلام، ثمّ استأنف فقال: {إِلاَّ مَا
شَآءَ الله} فإنَّه يصيبني ما شاء الله. وقال في يونس حين
سألوا النبي متى ينزل العذاب: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي
ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً} ، وانقطع الكلام، ثم استأنف {إِلاَّ مَا
شَآءَ الله} ، فإنه يصيبني ذلك. وقال
(1/306)
[إبراهيم] في سورة الأنعام: {وَلاَ أَخَافُ
مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} ثُمَّ استأنف فقال: {إِلاَّ أَن يَشَآءَ
رَبِّي شَيْئاً} فيصيبني ما شاء ربِّي. وقال شعيب في سورة
الأَعراف: {وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ} يعني
مِلَّة الشرك، ثمَّ استأنف فقال: {إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله
رَبُّنَا} شيئا فيدخلنا فيها.
وقال في آخر الدُّخان: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت} البتَّة،
ثم استأنف فقال {إِلاَّ الموتة الأولى} التي ذاقوها في
الدُّنيا. وقال في اللَّيل إِذا يغشى: {وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ
مِن نِّعْمَةٍ تجزى} يعني ما لبلال عند أبي بكر {مِن نِّعْمَةٍ
تجزى} يجزيه بها حين أعتقه أبو بكر. ثم استأنف فقال: مَا
فَعَلَ ذَلكَ {إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى} . وقال في
هل أتاك: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} ، ثم انقطع الكلام،
ثم استأنف فقال: {إِلاَّ مَن تولى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ
الله العذاب الأكبر} . وقال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في
أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}
، فانقطع الكلام، ثم استأنف فقال: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ
وَعَمِلُواْ الصالحات فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} .
وقال في قل أوحي: {عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ
أَحَداً} يعني غيب وقت العذاب يعني وقته، ثم استأنف فقال:
{إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ} .
(1/307)
وقال في سورة سبأ: {وَمَآ أَمْوَالُكُمْ
وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بالتي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى} ، ثم
استأنف فقال: {إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} فإن ذلك
يقرب إلى الله، قال: {فأولائك لَهُمْ جَزَآءُ الضعف بِمَا
عَمِلُواْ وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ} .
الوجه الثالث: إلا يعني يخبر عن
شيء
وذلك قوله في سورة الحجر: {وَإِن مِّن شَيْءٍ} ثم أخبر عنه
فقال: {إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} ، ثم أخبر عنه فقال:
{وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} . وقوله في
إِبراهيم: {إِنْ أَنتُمْ} ثم أخبر فقال: {إِلاَّ بَشَرٌ
مِّثْلُنَا} ، وقال قولوا: {إِن نَّحْنُ} ، ثم أُخبِروا عنه،
{إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} . وقال في تبارك: {إِنْ أَنتُمْ}
ثمّ أخبر فقال: {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ} . ونحوه كثير.
الوجه الرابع: إلا يعني غير
وذلك قوله في سورة الأَنبياء: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ
إِلاَّ الله} يعني غير الله {لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله
رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ} . وكقوله: {لاَ إلاه إِلاَّ
الله} لاَ إِلهَ غير الله. وكذلكَ كُلُّ شَيْءٍ: لا إِلهَ
إِلاَّ الله، غير الله.
(1/308)
تفسير السعي على
ثلاثة وجوه
الوجه الأول: السعي يعني المشي على
الأرجل
وذلك قوله في البقرة: {ثُمَّ ادعهن يَأْتِينَكَ سَعْياً} يعني
مشيا على أرجلهن. وقال في والصّافات: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ
السعي} يعني المشي. وفي الجمعة {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن
يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله} يقول: فامشوا إِلى
الصلاة المفروضة، وهي في قراءة ابن مسعود: فامضوا إِلى الصلاة.
الوجه الثاني: السعي يعني السرعة
وذلك قوله في عبس: {وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يسعى} يعني يسرع في
الخير. وقال في القصص. وفي يس
(1/309)
نحوها: {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى المدينة
رَجُلٌ يسعى} يعني يسرع. وقال في طه: {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا
هِيَ حَيَّةٌ تسعى} أي تزحف على مكانها بسرعة.
الوجه الثالث: السعي يعني العمل
وذلك قوله في سبحان: {وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وسعى لَهَا
سَعْيَهَا} يعني وعمل لها عملها، {وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ
كَانَ سَعْيُهُم} يعني عملهم {مَّشْكُوراً} يعني يشكر الله
أعمالهم حتى يجزيهم بها. وقال: {إِنَّ هاذا كَانَ لَكُمْ
جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً} يعني عملهم. وقال في
الليل: {إِنَّ سَعْيَكُمْ} يعني عملكم {لشتى} . وقال في الحجّ:
{والذين سَعَوْاْ في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} يعني يعملون في
آياتنا في القرآن {مُعَاجِزِينَ} يثبطون الناس عن الإِيمان.
ومثلها في سورة سبأ.
(1/310)
تفسير الحرب على
وجهين
الوجه الأول: الحرب يعني الكفر
وذلك قوله في البقرة: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ
بِحَرْبٍ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ} يعني بالحرب الكفر. وقال في
المائدة: {إِنَّمَا جَزَآءُ الذين يُحَارِبُونَ الله
وَرَسُولَهُ} يعني محاربة الكفر.
الوجه الثاني: الحرب يعني القتال
وذلك قوله في الأنفال: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب
فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ} يعني في القتال. وقال في
المائدة: {كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ
أَطْفَأَهَا الله} يعني لقتالهم النبي عليه السلام،
{أَطْفَأَهَا الله} .
(1/311)
تفسير بعل على وجهين
الوجه الأول: بعل يعني ربا
وذلك قوله في والصافات: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ
أَحْسَنَ الخالقين} يعني ربًّا.
الوجه الثاني: بعل يعني زوجا
وذلك قوله في البقرة: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
يعني زوج المرأة. وقال في هود: {قَالَتْ ياويلتى أَأَلِدُ
وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهاذا بَعْلِي شَيْخاً} يعني وهذا زوجي شيخا،
{إِنَّ هاذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} . وقال في سورة النُّور: {وَلاَ
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ وَلاَ
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ
آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ
أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ} يعني أبناء أزواجهنَّ.
(1/312)
تفسير السماء على
ثلاثة وجوه
الوجه الأول: السماء يعني السماء
والسماوات
وذلك قوله: {والسمآء ذَاتِ البروج} . وقوله: {إِذَا السمآء
انفطرت} . {إِذَا السمآء انشقت} . {والسمآء ذَاتِ الرجع} .
ونحوه كثير.
الوجه الثاني: السماء يعني المطر
وذلك قول نوح لقومه: {يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً}
. وقال في الأَنعام: {وَأَرْسَلْنَا السمآء عَلَيْهِم
مِّدْرَاراً} يعني المطر. ونحوه كثير.
الوجه الثالث: السماء يعني سقف
البيت
وذلك قوله في سورة الحجِّ: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى
السمآء} يعني سقف البيت. والسبب ها هنا حبل، فليمدد بحبل إِلى
سقف البيت، {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} يعني ثم ليختنق به حتى يموت.
(1/313)
تفسير حبل على وجهين
الوجه الأول: حبل يعني دينا
وذلك قوله في آل عمران: {واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً}
يَعْنِي بِدِينِ اللهِ.
الوجه الثاني: حبل يعني عهدا
وذلك قوله في آل عمران: {أَيْنَ مَا ثقفوا إِلاَّ بِحَبْلٍ
مِّنَ الله وَحَبْلٍ مِّنَ الناس} يعني بأمان وعهد من الله ومن
الناس. وليس في القرآن غيرها.
(1/314)
|