الحجة في القراءات السبع

بسم الله الرّحمن الرّحيم
ربّ يسّر الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله. لقد جاءت رسل ربنا بالحق، ومقال الصدق، صلّى الله عليهم أجمعين، وعلى محمد خاتم النبيّين، وعلى آله الكرام الطيّبين، الأخيار الطّاهرين. وبعد، فإني تدبّرت قراءة الأئمّة السّبعة «1» من أهل الأمصار الخمسة «2» المعروفين بصحة النقل، وإتقان الحفظ، المأمونين على تأدية الرواية،
__________
(1) نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ... أصله من «أصبهان» ويكني: أبا رؤيم، وقيل: أبا الحسن، وقيل: أبا عبد الرحمن. وتوفي بالمدينة سنة تسع وستين ومائة- ابن كثير: عبد الله بن كثير الدّاري، مولى عمرو بن علقمة الكناني، ويكني أبا معبد. توفي بمكة سنة عشرين ومائة.
- أبو عمرو بن العلاء بن عمّار بن عبد الملك بن الحصين بن الحرث بن جلهم بن خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، وقيل: اسمه زبّان. وقيل: العريان، وقيل: غير ذلك، وتوفي بالكوفة سنة أربع وخمسين ومائة.
- ابن عامر: عبد الله بن عامر اليخصبي، قاضي دمشق، ويكني: أبا عمران، وهو من التابعين، وليس في القرّاء السبعة من العرب غيره، وغير أبي عمرو. والباقون هم موال. وتوفي في دمشق سنة ثماني عشر ومائة.
- عاصم: هو عاصم بن أبي النّجود، ويقال له: ابن بهدلة، ويكني: أبا بكر، وهو من التابعين، وتوفي بالكوفة سنة ثمان، وقيل: سنة سبع وعشرين ومائة.
- حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الزيات، ويكني: أبا عمارة وتوفي بحلوان سنة ست وخمسين ومائة.
- الكسائي: علي بن حمزة النحوي مولي لبني أسد، ويكني: أبا الحسن، وقيل له الكسائي: لأنه أحرم في كساء.
توفي سنة تسع وثمانين ومائة.
انظر: (التيسير في القراءات السبع) من ص 4 إلى ص 7.
(2) المدينة: بها قرأ نافع. مكة: وبها قرأ ابن كثير. البصرة: وبها قرأ أبو عمرو. الكوفة: وبها قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي. والشام: وبها قرأ ابن عامر.

(1/61)


واللفظ، فرأيت كلّا منهم قد ذهب في إعراب ما انفرد به من حرفه «1» مذهبا من مذاهب العربية لا يدفع، وقصد من القياس وجها لا يمنع، فوافق باللفظ والحكاية طريق النقل والرواية غير مؤثر للاختيار على واجب الآثار «2». وأنا بعون الله ذاكر في كتابي هذا ما احتج به أهل صناعة النحو لهم في معاني اختلافهم، وتارك ذكر اجتماعهم وائتلافهم، معتمد فيه على ذكر القراءة المشهورة، ومنكب «3» عن الروايات الشاذة المنكورة، وقاصد قصد الإبانة في اقتصار، من غير إطالة ولا إكثار، محتذيا لمن تقدّم في مقالهم، مترجما عن ألفاظهم واعتلالهم، جامعا ذلك بلفظ بيّن جذل، ومقال واضح سهل؛ ليقرب على مريده، وليسهل على مستفيده، والله الموفق للسّداد، والهادي إلى سبيل الرشاد، وهو حسي وإليه معاد.

ذكر اختلافهم في فاتحة الكتاب
قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ «4». يقرأ بإثبات الألف، وطرحها. فالحجة لمن أثبتها:
أن الملك داخل تحت المالك. والدّليل له: قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ «5».
والحجة لمن طرحها: أن الملك أخص من المالك وأمدح؛ لأنه قد يكون المالك غير ملك، ولا يكون الملك إلا مالكا.
قوله تعالى: الصِّراطَ. تقرأ بالصاد والسّين وإشمام «6» الزّاي. فالحجة لمن قرأ بالسّين:
أنه جاء به على أصل الكلمة. والحجة لمن قرأ بالصّاد: أنه أبدلها من السّين لتؤاخي السّين في الهمس «7» والصّفير «8»، وتؤاخي الطاء في الإطباق «9»، لأن السين مهموسة والطاء مجهورة،
__________
(1) كل كلمة تقرأ على الوجوه من القرآن تسمى حرفا (اللسان: حرف).
(2) الآثار: الأخبار، والمراد بها روايات القراءات.
(3) منكب: يقال: نكّب، ونكب، وننكّب عن الشيء وعن الطريق: عدل (اللسان).
(4) آية: 4
(5) آل عمران: 26.
(6) الإشمام: المراد بالإشمام هنا: خلط صوت الصاد بصوت الزاي فيمتزجان، فيتولد منهما حرف ليس بصاد، ولا زاي. (شرح ابن القاصح على الشاطبية: 34).
(7) الهمس: لغة: إخفاء الصوت، واصطلاحا: جري النفس مع الحرف لضعف الاعتماد على المخرج. وحروفه عشرة، يجمعها لفظ: (فحثه شخص سكت).
(8) الصّفير: لغة صوت تصوّت به الطيور، واصطلاحا: صوت يخرج بقوة مع الريح من بين طرف اللسان والثنايا.
وحروفه: السين- الصاد- الزاي.
(9) الإطباق: لغة: الإلصاق، واصطلاحا: تلاقى طائفتي اللسان والحنك الأعلى عند النطق بالحرف. وحروفه أربعة

(1/62)


والحجة لمن أشمّ الزّاي: أنها تؤاخي السّين في الصفير وتؤاخي الطّاء في الجهر.
قوله تعالى: عَلَيْهِمْ. يقرأ بكسر الهاء، وضمها، وإسكان الميم، وضمها وإلحاق واو بعدها. فالحجة لمن كسر الهاء: أنها لما جاورت الياء كره الخروج من كسر إلى ضم، لأن ذلك مما تستثقله العرب، وتتجافاه في أسمائها. والحجة لمن ضم الهاء: أنه أتى بها على أصل ما كانت عليه قبل دخول حرف الخفض عليها. والحجة لمن ضم الميم وألحقها الواو:
أنه جعل الواو علما للجمع كما كانت الألف علما للتثنية. والحجة لمن أسكنها وحذف الواو: أنّ الواو لما وقعت طرفا وقبلها حركة حذفها إذ لم يمكنه قلبها، ونابت الميم عنها، لأنها زائدة. وليس قولك: قاموا «1» كقولك: عليهمو.