الحجة في القراءات السبع ومن سورة النساء
قوله تعالى: الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ «4». يقرأ
بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن خفف: أنه أراد: تتساءلون، فأسقط
إحدى التاءين تخفيفا. والحجة لمن شدد: أنه أسكن التاء الثانية،
وأدغمها في السين للمقاربة فلزمه التشديد لذلك.
قوله تعالى: وَالْأَرْحامَ «5». يقرأ بالنصب والخفض. فالحجة
لمن نصب: أنه عطفه على (الله) تعالى. وأراد: واتقوا الأرحام:
لا تقطعوها، فهذا وجه القراءة عند البصريين، لأنهم أنكروا
الخفض، ولحّنوا القارئ به. وأبطلوه من وجوه: أحدها: أنه لا
يعطف بالظاهر على مضمر المخفوض إلّا بإعادة الخافض، لأنه معه
كشيء واحد لا ينفرد منه، ولا يحال بينه وبينه، ولا يعطف عليه
إلا بإعادة الخافض. والعلة في ذلك أنه لما كان العطف على
المضمر المرفوع قبيحا حتى يؤكد لم يكن بعد القبح إلا الامتناع،
وأيضا فإن
النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن تخلف بغير الله فكيف ننهى
عن شيء ويؤتى به؟ وإنما يجوز مثل ذلك في نظام الشعر ووزنه
اضطرارا كما قال الشاعر:
__________
(1) آل عمران: 179.
(2) آل عمران: 184.
(3) أي بالزبر.
(4) النساء: 1
(5) الآية نفسها.
(1/118)
فاليوم قد بتّ تهجونا وتشتمنا ... فاذهب
فما بك والأيّام من عجب
«1» وليس في القرآن- بحمد الله- موضع اضطرار. هذا احتجاج
البصريين.
فأمّا الكوفيون فأجازوا الخفض، واحتجّوا للقارئ بأنه أضمر
الخافض، واستدلوا بأن (العجاج) «2» كان إذا قيل له: كيف تجدك؟
يقول: خير عافاك الله، يريد: بخير.
وقال بعضهم: معناه. واتقوه في الأرحام أن تقطعوها.
وإذا كان البصريون لم يسمعوا الخفض في مثل هذا ولا عرفوا إضمار
الخافض فقد عرفه غيرهم، وأنشد:
رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الحياة من خلله
«3» أراد: وربّ رسم دار إلّا أنهم مع إجازتهم ذلك، واحتجاجهم
للقارئ به يختارون النصب في القراءة.
قوله تعالى: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً «4». يقرأ
بإثبات الألف، وطرحها. وهما لغتان، وأصل الياء فيهما واو،
وقلبت ياء لكسرة ما قبلها كما قالوا: ميعاد وميزان.
فالحجة لمن أثبت الألف: أن الله تعالى جعل الأموال قياما لأمور
عباده. والحجة لمن طرحها:
أنه أراد: جمع قيمة، لأن الأموال قيم لجميع المتلفات.
فإن قيل: فإن (التي) اسم واحد والأموال جمع، فقل: إن كلّ جمع
خالف الآدميّين كان كواحده المؤنث، لأن لفظه وإن كان جمعا كلفظ
الواحد. ومنه قوله: حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ «5». فإن قيل:
فهلّا كان في التثنية كذلك؟ فقل: لما صح لفظ التثنية ومعناها
اقتصروا فيها على لفظ واحد، ولما وقع الجمع بألفاظ في القلّة
والكثرة اتسعوا فيه لاتساع معانيه.
__________
(1) انظر (إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس ورقة: 216). (الكامل
في اللغة والأدب لأبي العباس المبرد 2: 749).
(الإنصاف 1: 392). (الدرر اللوامع 1: 90، 2: 192). (شرح المفصل
3: 78). (الكتاب لسيبويه 1: 392) (مفاتيح الغيب للإمام محمد
الرازي 1: 131).
(2) العجاج: اسمه عبد الله بن رؤبة، أحد بني سعد بن مالك بن
سعد بن زيد مناة بن تميم (طبقات فحول الشعراء:
571)، و (معجم الأدباء 11: 150).
(3) انظر: (الإنصاف 1: 378. الدرر اللوامع 1: 211. الخزانة: 4:
199، وشرح المفصل 3: 28).
(4) النساء: 5.
(5) النمل: 60.
(1/119)
قوله تعالى: وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «1»
يقرأ بضم الياء وفتحها. وهما لغتان. فالحجة لمن ضمّ: أنه جعله
فعل ما لم يسم فاعله. والحجة لمن فتح: أنه جعله فعلا لهم،
ودليله قوله:
إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ «2». وقال بعض اللغويين:
صليته النار: شويته بها، وأصليته النار: أحرقته فيها.
قوله تعالى: وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً «3». يقرأ بالنصب، والرفع.
والنصب أصوب إلا أن يجعل بمعنى: حدث ووقع «4». وقد ذكر ذلك في
البقرة «5».
قوله تعالى: فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ «6». يقرأ بضم الهمزة
وكسرها. فمن كسرها فلكسرة اللام قبلها لئلا يخرج من كسر إلى
ضمّ. ومن ضم أتى بالكلمة على أصلها، لأنه لا خلف بين العرب في
ضمّها عند إفرادها.
قوله تعالى: يُوصى بِها «7». يقرأ بكسر الصاد وفتحها. فالحجة
لمن كسر: أنه جعل الفعل للموصي، لأنه قد تقدم ذكره في قوله:
«فلأمه». والحجة لمن فتح: أنه جعله فعل ما لم يسمّ فاعله.
قوله تعالى: يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ «8». يقرأ بالنون والياء،
وكذلك: يُدْخِلْهُ ناراً «9» فالحجة لمن قرأها بالياء: قوله
تعالى في أول الكلام: «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ» يدخله. ولو كان
بالنون لقال: «ومن يطعنا». والحجة لمن قرأهما بالنون: أن العرب
ترجع من الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى الخطاب كقوله تعالى:
حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ «10»
ولم يقل: بكم. ومن ذلك قول عنترة: «11»
__________
(1) النساء: 10.
(2) الصافات: 163.
(3) النساء: 11.
(4) فتكون كان «تامة».
(5) انظر: 103.
(6) النساء: 11.
(7) النساء: 12.
(8) النساء: 13.
(9) النساء: 14.
(10) يونس: 22.
(11) هو عنترة بن شداد بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن مالك بن
غالب بن عبس. وضعه ابن سلام في الطبقة السادسة من فحول
الجاهلية، انظر: (طبقات فحول الشعراء: 128).
(1/120)
حلّت بأرض الزّائرين فأصبحت ... عسرا على
طلابك ابنة مخرم
«1» قوله تعالى: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها «2» مِنْكُمْ «3».
يقرأ بتشديد النون وتخفيفها. وكذلك ما كان في القرآن من نون
التثنية في مثل هذا. فالحجة لمن شدد: أنه جعل التشديد عوضا من
الياء المحذوفة في «الذي» كما جعلها عوضا من الألف في إِنْ
هذانِ لَساحِرانِ «4» ليفرّق بين ما قد سقط منه حرف، وبين ما
قد بنى على لفظه وتمامه. والحجّة لمن خفف: أن العرب قد تحذف
طلبا للتخفيف من غير تعويض، وتعوض طلبا للإتمام. وكلّ من
ألفاظها ومستعمل في كلامها. فأما قوله: فَذانِكَ «5» فإن من
شدّد النون جعله تثنية: (ذلك)، وتقديره:
(ذان لك) فقلب من اللام نونا وأدغم.
ومن خفف جعله تثنية (ذاك)، فأتى بالنون الخفيفة للاثنين. فأما
دخول الكاف فيهما فلمعنى الخطاب ولا موضع لها من الإعراب.
والدليل على ذلك أن النون لا تثبت مع الإضافة «6». وإنما كسرت
اللام في (ذلك) لسكونها. وسكون الألف قبلها. واختير لها لئلا
يلتبس بقولهم في الإشارة: (ذا لك) إذا أردت (هذا لك) ثم خزلت
الهاء. فأما جمع ذلك: ف «أولئك». وأما جمع ذاك: ف «أولاك»،
واللّام في ذلك زائدة لتراخي المشار إليه.
قوله تعالى: بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ «7» يقرأ بكسر الياء،
وفتحها هاهنا، وفي: الأحزاب «8» والطلاق «9». فالحجة لمن كسر:
أنه جعل الفاحشة هي الفاعلة والمبيّنة على فاعلها.
والحجة لمن فتح: أنه جعل الفاحشة مفعولا بها، والله تعالى
بيّنها. فأما قوله آياتٍ مُبَيِّناتٍ «10» فالفتح فيها بمعنى:
مفسّرات، والكسر بمعنى: مفصّلات.
__________
(1) ويروى «شطت مزار العاشقين» أي بعدت عبلة من مزارهم: واسم
«أصبحت» مضمر، ولفظ «عسرا» خبر أصبحت، والطلاب مرتفع بمعنى
عسر. انظر: (شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات: 299، 300).
(2) الألف في قوله تعالى: يَأْتِيانِها عائدة على الفاحشة التي
في قوله: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم).
(3) النساء: 16
(4) طه: 63
(5) القصص: 32.
(6) إذا لم يكن الكاف حرفا زائدا يدل على الخطاب.
(7) النساء: 19
(8) الأحزاب: 30
(9) الطلاق: 1.
(10) النور: 34.
(1/121)
قوله تعالى: أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ
كَرْهاً «1». يقرأ بفتح الكاف، وضمّها. فقيل: هما لغتان بمعنى
«2» وقيل: الفتح للمصدر، والضم للاسم. وقيل: الفتح لما كرهته،
والضم لما استكرهت عليه، أو شقّ عليك.
قوله تعالى: الْمُحْصَناتُ «3». يقرأ بفتح الصاد وكسرها.
فالحجة لمن فتح: أنه جعلهن مفعولا بهن، لأن أزواجهن أحصنوهن.
والحجة لمن كسر: أنه جعل الفعل لهن، أي أحصنّ أنفسهن فهنّ
محصنات لها أي: عفيفات، أو تكون أحصنت نفسها بالإسلام من
الفجور فصارت محصنة.
وكلّ ما في كلام العرب من (أفعل) فاسم الفاعل فيه (مفعل) إلا
ثلاثة أحرف، فإنها جاءت بفتح العين: أحصن فهو (محصن) «4».
وأسهب في القول فهو (مسهب)، وألفح إذا أفلس فهو (ملفح).
قوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ «5» يقرأ بفتح الهمزة وضمها.
فالحجة لمن فتح قوله:
كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ «6»، لأن معناه: كتب الله كتابا
عليكم وأحل لكم، لأن ذلك أقرب إلى ذكر الله تعالى. والحجة لمن
ضمّ: أنه عطفه على قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ «7» وجاز له
ذلك، لأنه إنما يأتي محظور بعد مباح، أو مباح بعد محظور. وأحلّ
بعد حرّم أحسن وأليق بمعنى الكلام.
قوله تعالى: مُدْخَلًا كَرِيماً «8» يقرأ بضم الميم وفتحها،
وكذلك ما شاكله. فالحجة لمن ضم: أنه جعله مصدرا من أدخل يدخل.
ودليله قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ
وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ. «9» والحجّة لمن فتح: أنه جعله
مصدرا من دخل يدخل
__________
(1) النساء: 19
(2) هكذا في الأصل ولعله يريد بمعنى واحد.
(3) النساء: 24.
(4) قال الجوهري: وأحصن الرجل إذا تزوج فهو محصن بفتح الصاد،
وهو أحد ما جاء على أفعل فهو مفعل. وقال ثعلب: كل امرأة عفيفة
محصنة ومحصنة وكل امرأة متزوجة محصنة بالفتح لا غير. الصحاح:
مادة: حصن.
(5) النساء: 24.
(6) الآية نفسها.
(7) النساء: 23.
(8) النساء: 31.
(9) الإسراء: 80.
(1/122)
مدخلا ودخولا. ودليله قوله تعالى، حَتَّى
مَطْلَعِ الْفَجْرِ «1» ويجوز أن يكون الفتح اسما للمكان،
وربما جاء بالضم.
قوله تعالى: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ «2». يقرأ هو
وما شاكله من الأمر بالهمز وتركه إذا تقدمت الواو والفاء قبل
الفعل. فالحجة لمن همز: أن الهمزة إنما تسقط فيما كثر استعماله
من الأفعال في الأمر، فإذا تقدمت الواو عادت الهمزة إلى أصلها
ودليله قوله تعالى:
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ «3» فاتفاقهم على همز ذلك يدل
على ثبات الهمز في هذا، وما ماثله.
والحجة لمن ترك الهمز أنه لما اتفقت القراء والخط على حذف
الألف من قوله: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ «4». وكان أصله: (أسأل)
في الأمر فنقلوا فتحة الهمزة إلى السين فغنوا عن ألف الوصل
لحركتها، وسقطت الهمزة المنقولة الحركة لسكونها بالتليين،
وسكون لام الفعل، فلما تقدمت الواو بقي الكلام على ما كان عليه
قبل دخولها.
قوله تعالى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ «5» يقرأ بإثبات الألف
والتخفيف، وبترك الألف وتخفيف القاف. فالحجة لمن أثبت الألف:
أنه جعله من المعاقدة، وهي المحالفة في الجاهلية أنه يواليه،
ويرثه، ويقوم بثأره فأمروا بالوفاء لهم، ثم نسخ ذلك بآية
المواريث فحسنت الألف هاهنا، لأنها تجيء في بناء فعل الاثنين.
والحجة لمن حذف الألف: أنه يقول: هاهنا صفة محذوفة. والمعنى:
والذين عقدت أيمانكم لهم الحلف.
قوله تعالى: وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ «6». يقرأ بضم
الياء وإسكان الخاء، وبفتحهما وهما لغتان كالعدم والعدم والحزن
والحزن. وقيل: التحريك المصدر، والإسكان:
الاسم.
قوله تعالى: وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها «7». يقرأ بنصب
حسنة ورفعها، وبإثبات الألف وطرحها. وقد ذكرت الحجة فيهما
آنفا، فأغنى عن الإعادة هاهنا «8».
__________
(1) القدر: 5
(2) النساء: 32
(3) طه: 132.
(4) البقرة: 211
(5) النساء: 33
(6) النساء: 37
(7) النساء: 40.
(8) انظر: 98 عند قوله: «فيضاعفه».
(1/123)
قوله تعالى: لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ
الْأَرْضُ «1». يقرأ بضم التاء والتخفيف، وبفتحها «2» والتشديد
«3». وقد ذكرت من علة ذلك فيما سلف ما يدل على معناه «4».
قوله تعالى: بِهِمُ الْأَرْضُ «5» يقرأ بكسر الهاء والميم،
وبضمهما، وبكسر الهاء، وضم الميم. فالحجة لمن كسرهما: أنه كسر
الهاء لمجاورة الباء والميم لالتقاء الساكنين.
والحجة لمن ضمهما: أنه ردّهما إلى الأصل الذي كانا عليه قبل
دخول الباء.
ومن كسر الهاء فلمجاورة الباء، وبقي الميم على أصل ما كانت
عليه، وأسقط الواو بعدها تخفيفا وحرك الميم بحركة قد كانت لها
في الأصل.
قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ «6» يقرأ بإثبات الألف
وطرحها. فالحجة لمن أثبتها:
أنه جعل الفعل للرجل والمرأة. ودليله: أنّ فعل الاثنين لم يأت
عن فصحاء العرب إلا ب «فاعلت»، وب «المفاعلة». وأوضح الأدلة
على ذلك قولهم: جامعت المرأة ولم يسمع منهم جمعت. والحجة لمن
طرحها: أنه جعلها فعلا للرجل دون المرأة. ودليله قوله تعالى:
إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ «7»، ولم يقل: ناكحتم.
وكل قد ذهب من العربية مذهبا أبان به عن فضله، وفصاحته.
قوله تعالى: أَنِ اقْتُلُوا ... أَوِ اخْرُجُوا «8». قد تقدم
القول في الحجة له «9».
قوله تعالى: ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ «10» تفرد
ابن عامر بنصبه. والرفع وجه القراءة، لأن من شرط المستثنى إذا
أتى بعد موجب نصب، وإذا أتى بعد منفي رفع. فقال الفراء «11»
محتجا له: إنما نصب لأنه أراد: ما فعلوه إلا قليلا، لأن (إلّا)
عنده مركبة من (إن)
__________
(1) النساء: 42.
(2) أي تخفيف السين.
(3) أي تشديد السين وهي قراءة ابن عامر.
(4) انظر: 68 عند قوله تعالى: بِما كانُوا يَكْذِبُونَ.
(5) النساء: 42
(6) النساء: 43
(7) الأحزاب: 49
(8) النساء: 66.
(9) انظر 92 عند قوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ.
(10) النساء: 66.
(11) الفراء: 60، 61.
(1/124)
و (لا) كما كانت (لولا) مركبة من (لو) و
(لا).
وقال غيره: هو منصوب بفعل مضمر معناه: (استثنى) قليلا منهم.
وهذا احتجاج فيه بعض الوهن لأنه يدخل عليه ما يفسده.
والاختيار في هذا: أنه ردّ لفظ النفي على ما كان في الإيجاب.
كأن قائلا قال: قد فعلوه إلا قليلا منهم، فردّ عليه لفظه
مجحودا فقال: ما فعلوه إلا قليلا منهم، كما يقول: قد قام زيد،
فيرد عليك: ما قام زيد، فهذا وجه قريب.
ووجه ثان: أنك إذا قلت: ما قام أحد إلا زيد أبدلت زيدا من أحد
فرفعته فكأنك قلت: ما قام إلّا زيد ولم تأت (بأحد). فإن لم
تقدر البدل في كلامك، وجعلت قولك:
ما قام أحد كلاما تاما، لا تنوي فيه الإبدال من أحد، ثم
استثنيت على هذا نصبت فقلت:
ما قام أحد إلا زيدا. فعلى هذا تصح قراءة ابن عامر بالنصب،
كأنه قال: ما فعلوه على تمام الكلام، وترك تقدير البدل فيه. ثم
قال بعد ذلك: إلّا قليلا منهم. فهذا وجه صحيح.
وما قبله ليس بخارج عنه.
قوله تعالى: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ «1». يقرأ بالياء
والتاء. وقد قلنا فيمن قرأه وما أشبهه بالياء: أنه أقام الفصل
مقام علامة التأنيث، أو أن تأنيثه ليس بحقيقي، أو أن المودّة
والودّ بمعنى. وأن من قرأه بالتاء أتى بالكلام على ما أوجبه له
من لفظ التأنيث.
قوله تعالى: وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا «2». يقرأ بالتاء
والياء، فالتاء جامعة للخطاب والغيبة يريد بذلك: أنتم وهم.
والياء لمعنى الغيبة فقط. وقيل في الفتيل: هو ما كان في شقّ
النواة، وقيل: ما قتلته بين أصابعك من الوسخ. والنقير: نقطة في
ظهرها «3». والقطمير:
غشاوتها «4». وقيل: قمعها.
قوله تعالى: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ «5». يقرأ بالإدغام
والإظهار. فالحجة لمن أدغم:
مقاربة التاء من الصاد، لأن السكون في تاء التأنيث بنية، فلما
كان السكون لها لازما كان إدغامها واجبا. والحجة لمن أظهر: أنه
أتى بالكلام على ما يجب في الأصل من البيان.
__________
(1) النساء: 73
(2) النساء: 77.
(3) أي في ظهر النواة.
(4) الغشاوة بالكسر: الغطاء.
(5) النساء: 90
(1/125)
قوله تعالى: فَتَبَيَّنُوا «1» يقرأ بالياء
من التبيين، وبالتاء من التثبت هاهنا، وفي الحجرات «2» والأمر
بينهما قريب؛ لأن من تبيّن فقد تثبّت، ومن تثبّت فقد تبيّن.
قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ
السَّلامَ «3». يقرأ بإثبات الألف وطرحها.
فالحجة لمن أثبتها: أنه أراد: التحية. ودليله: أنّ رجلا سلم
عليهم فقتلوه، لأنهم قدّروا أنه فعل ذلك خوفا، فقرّعهم الله
به. والحجة لمن طرحها: أنه جعله من الاستسلام، وإعطاء المقادة
من غير امتناع.
قوله تعالى: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ «4». يقرأ بالرفع والنصب.
فالحجة لمن رفع: أنه جعله من وصف (القاعدين) والوصف تابع
للموصوف. والحجة لمن نصب أنه: جعل (غير) استثناء بمعنى إلّا
فأعربها بإعراب الاسم بعد إلّا، وخفض بها ما بعدها. ودليله على
ذلك أنّها نزلت في ابن أم مكتوم الضرير «5».
قوله تعالى: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ «6» يقرأ بالياء والنون.
فالحجة لمن قرأ بالياء: أنه من إخبار الرسول عليه السلام عن
الله عز وجل. والحجة لمن قرأ بالنون: انه من إخبار الله عز وجل
عن نفسه بالنون.
قوله تعالى: «إلا أن يصالحا» «7» يقرأ بفتح الياء والتشديد
«8». وبضمها والتخفيف.
فالحجة لمن شدّد: أنه أراد: يتصالحا، فأسكن التاء وأدغم فلذلك
شدّد. والحجة لمن خفف أنه أخذه من (أصلح).
فإن قيل: فلو كان كذلك لجاء المصدر على: إصلاح، فقل: العرب
تقيم الاسم مقام المصدر كقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ
اللَّهَ قَرْضاً «9». ولم يقل: إقراضا.
__________
(1) النساء: 94
(2) الحجرات: 6
(3) النساء: 94.
(4) النساء: 95.
(5) ابن أم مكتوم: انظر: الإصابة 4: 68: 111،: 284، وانظر:
(صفة الصفوة 1: 237).
(6) النساء: 74
(7) النساء: 128
(8) وألف بعدها من هذه القراءة
(9) البقرة: 245.
(1/126)
قوله تعالى: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ «1». يقرأ بضم الياء وفتحها. فالحجة لمن ضم:
أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله طابق بذلك بين لفظي الفعلين «2».
والحجة لمن فتح. أنه جعل الفعل للداخلين، لأن من أذن له الله
في دخول الجنة كان هو الداخل. وخالف بين الفعلين لأن الدخول
إليهم، وترك الظلم ليس إليهم.
قوله تعالى: وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ «3».
يقرا بفتح النون، وضمها والتشديد.
فالحجة لمن فتح: أنه جعل الفعل لله تعالى، وعطف الثاني بفتح
الهمزة عليه «4». والحجة لمن ضم: أنه جعله فعلا لما لم يسم
فاعله، وعطف الثاني بضم الهمزة عليه.
قوله تعالى: وَإِنْ تَلْوُوا «5». يقرأ بإسكان اللام وواوين
بعده، وبضمها وواو واحدة ساكنة. فالحجة لمن قرأ بواوين: جعله
فعلا من: (لويت حقه)، وأصله: (تلويوا) فاستثقلت
الضمة على الياء فحذفت، وخزلت الواو «6» لالتقاء الساكنين، ثم
ضمّت الواو الأولى لمجاورة الثانية، وسقطت النون علامة للجزم.
والحجة لمن قرأه بواو واحدة: أنه جعله من الولاية. يريد: وإن
تلوا ذلك، أو تتركوه. معناه: أو تعرضوا عنه تاركين له، وأصله:
توليوا فخزلت الواو الأولى لوقوعها بين ياء «7» وكسرة، وخزلت
الياء لوقوع الحركة عليها، وضمت اللام لمجاورة الواو.
قوله تعالى: فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ «8» يقرأ بإسكان الراء
وفتحها. فالحجة لمن حرّك:
أنه أتى بالكلام على أصله، لأنّ التحريك فيه أيسر وأشهر.
والحجة لمن أسكن: أنه أتى به على طريق التخفيف. والدّرجات
للنار كالدرجات للجنة. والدرجات في العلو كالدّرجات في السّفل
«9».
__________
(1) النساء: 124
(2) يدخلون ويظلمون.
(3) النساء: 136.
(4) وهو قوله تعالى في الآية نفسها: (أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ).
(5) النساء: 135.
(6) هكذا في الأصل، والأوضح أن يقال: وخزلت الياء ليستقيم
الأسلوب.
(7) هي ياء المضارعة.
(8) النساء: 145.
(9) السّفل، والسّفل، والسّفول، والسّفال، والسّفالة بالضم:
نقيض العلوّ. انظر: (الصحاح للجوهري).
(1/127)
قوله تعالى: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ «1» وأُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ
«2» يقرءان بالنون والياء وقد تقدم القول في أمثاله بما يغني
عن إعادته «3».
قوله تعالى: لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ «4». يقرأ بإسكان العين
والتخفيف، وبفتحها والتشديد «5».
فالحجة لمن فتح وشدد: أنه أراد: تعتدوا، فنقل حركة التاء إلى
العين، وأدغم التاء في الدال فالتشديد لذلك. وأصله: تفتعلوا من
الاعتداء. ومثله: تخطّف، وتهدّى. والحجة لمن أسكن وخفف: أنه
أراد: لا تفعلوا من العدوان. وروى عن نافع إسكان العين وتشديد
الدّال، وهو قبيح، لجمعه بين ساكنين ليس أحدهما يحرف مد ولين
في كلمة واحدة.
فالحجة له: أنه أسكن وهو يريد الحركة، وذلك من لغة (عبد القيس)
«6» لأنهم يقولون:
(اسل زيدا) فيدخلون ألف الوصل على متحرك، لأنهم يريدون فيه:
الإسكان. فعلى ذلك أسكن نافع وهو ينوي الحركة.
قوله تعالى: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً «7». يقرأ بفتح الزاي،
وضمها. فالحجة لمن فتح:
أنه أراد: واحدا مفردا. والحجّة لمن ضم: أنه أراد: الجمع،
فالأول كقولك: عمود.
والثاني كقولك: عمد. والزبر: الكتب، تقول العرب: زبرت الكتاب
بالزاي:
كتبته. وذبرته بالذال «8» قرأته. فأما زبر الحديد فواحدتها:
(زبرة) كقولك: سدفة وسدف. |