الحجة في القراءات السبع ومن سورة الأنعام
قوله تعالى: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ «6». يقرأ بفتح الياء،
وضمّها. فالحجة لمن ضم:
أنه جعل فعل ما لم يسم فاعله. والضمير الذي في الفعل من ذكر
العذاب مرفوع، لأنه قام مقام الفاعل. والحجة لمن فتح: أنه جعل
الفعل لله عز وجل والفاعل مستتر في النية، والمفعول به هاء
محذوفة كانت متصلة بالفعل هي كناية عن العذاب.
قوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ «7». يقرأ بالياء
والنصب، وبالتاء والرفع. فالحجة لمن قرأ بالتاء: أنه أراد:
تأنيث لفظ الفتنة، ورفع الفتنة باسم كان والخبر «إلّا أن
قالوا» لأن معناه: إلّا قولهم. والحجة لمن قرأ بالياء ما
قدمناه آنفا، ونصب الفتنة بالخبر «8» وجعل
__________
(1) المائدة: 110.
(2) أي طائرا.
(3) المائدة: 119.
(4) أي لإضافة الفعل.
(5) الكوفيون يجوزون البناء على الفتح لإضافته إلى الفعل ولو
كان معربا. وغيرهم لا يجوّز ذلك إلا إذا أضيف إلى مبني.
انظر (العكبري 1: 234).
(6) الأنعام: 16.
(7) الأنعام: 23.
(8) انظر: 125 عند قوله تعالى: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ.
(1/136)
(إلّا أن قالوا) الاسم، وهو الوجه، لأن
الفتنة قد تكون نكرة فهي بالخبر أولى. وقوله (إلّا أن قالوا)
لا يكون إلّا معرفة. ومن شرط كان وأخواتها إذا اجتمع فيهن
معرفة ونكرة كانت المعرفة أولى بالاسم، والنكرة أولى بالخبر
إلا في ضرورة شاعر، ولذلك أجمع القرّاء على قوله: فَما كانَ
جَوابَ «1» قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا «2»، وكانت الياء أولى
لأن الفعل للقول لا للفتنة.
فأمّا من قرأ بالتاء والنصب فالحجة له: أن القول فتنة، والفتنة
قول، فجاز أن يحلّ أحدهما محلّ الآخر. وأيضا، فإن هذا المصدر
قد يمكن أن يؤنث على معنى:
(المقالة) ويذكر على معنى: (القول).
قوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ «3». يقرأ بالنون والياء.
فالحجة لمن قرأ بالنون: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه
تعظيما وتخصيصا. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه أراد:
يا محمد، ويوم يحشرهم الله.
قوله تعالى: وَاللَّهِ رَبِّنا «4» يقرأ بخفض الباء ونصبها.
فالحجة لمن قرأه بالخفض:
أنه جعله تابعا لاسم الله تعالى، لئلا يذهب الوهم إلى أنه غيره
إذ قد غيّر عن إعرابه.
والحجة لمن نصب: أنه جعله منادى مضافا يريد: يا ربنا: ما كنا
مشركين، لأن الله تعالى قد تقدم ذكره، فنادوه بعد ذلك مستغيثين
به.
قوله تعالى: وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ «5».
يقرءان بالرفع والنصب. فالحجة لمن قرأ بالنصب: أنه جعله جوابا
للتمني «6» بالواو، لأن الواو في الجواب كالفاء كقول الشاعر
«7»:
__________
(1) يقصد أن (فتنة) تعرب خبرا مقدما لكان. أي ينصب (جواب) على
أنه خبر كان مقدما
(2) النمل: 56.
(3) الأنعام: 22.
(4) الأنعام: 23.
(5) الأنعام: 27.
(6) في قوله تعالى في الآية نفسها يا لَيْتَنا نُرَدُّ.
(7) البيت وجد في قصائد عديدة ومن هنا قال البغدادي «اختلف في
قائله، فنسبه الإمام أبو عبد الله القاسم بن سلام في أمثاله
إلى المتوكل الكناني، والمتوكل من شعراء الإسلام وهو من أهل
الكوفة. ونسبه إليه أيضا الآمدي في «المؤتلف والمختلف» ونسبه
إليه أيضا أبو الفرج الأصبهاني في «الأغاني» ونسبه الحاتمي
لسابق البربري. ونقل السيوطي عن تاريخ ابن عساكر أنه للطرماح.
والمشهور أنه من قصيدة لأبي الأسود الدولي: أولها:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم
(الخزانة 3: 617)، (4: 40).
(1/137)
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا
فعلت عظيم
«1» ودليله: أنه في حرف (عبد الله) بالفاء في الأول، وبالواو
في الثاني، والنصب فيهما.
والحجة لمن رفع: أنه جعل الكلام خبرا. ودليله: أنهم تمنّوا
الرد، ولم يتمنّوا الكذب.
والتقدير: يا ليتنا نرد، ونحن لا نكذب بآيات ربنا ونكون.
ويحتمل أن يكونوا تمنوا الرّد والتوفيق. ومن التوفيق مع الردّ
ترك الكذب.
قوله تعالى: لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ «2».
يقرأ بالتاء، والياء في خمسة مواضع:
هاهنا، وفي الأعراف «3»، ويوسف «4»، والقصص «5»، ويس «6».
فالحجة لمن قرأهن بالتاء:
أنه جعلهم مخاطبين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. والحجة
لمن قرأهن بالياء: أنه جعلهم غيّبا «7» مبلّغين عن الله عز
وجل.
قوله تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ «8». يقرأ بتشديد
الذال «9» وتخفيفها «10». فالحجة لمن شدد: أنه أراد: لا يجدونك
كاذبا، لأنهم ما كانوا يشكون في صدقه، ولذلك كان يدعي فيهم
بالأمين، ولكنهم يكذبون بما جئت به.
وقيل معناه: فإنهم لا يأتون بدليل يدل على كذبك. والحجة لمن
خفف: أنه أراد:
فإنهم لا يكذبونك في نفسك، ولكنهم يكذبونك فيما تحكيه عن الله
عز وجل.
قوله تعالى: إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ «11». يقرأ بضم الياء وكسر
الزاي، وفتحها وضم الزاي وقد ذكر وجه علله فيما سلف «12».
__________
(1) استشهد به سيبويه على أن الفعل المضارع يأتي بعد واو
المعية- منصوبا بأن مضمرة (الكتاب لسيبويه 1: 424).
(2) الأنعام: 32
(3) الأعراف: 169
(4) يوسف: 2
(5) القصص: 60
(6) يس: 62، 68.
(7) جمع لغائب، ومن جموعه أيضا: غيّاب وغيب بتحريك الياء.
(8) الأنعام: 33
(9) وفتح الكاف
(10) وإسكان الكاف.
(11) الأنعام: 33
(12) انظر: 116
(1/138)
قوله تعالى: أَرَأَيْتَكُمْ «1»، وما كان
مثله من الاستفهام في القرآن يقرأ بإثبات الهمزة الثانية.
وطرحها. وتليينها. فالحجة لمن أثبتها أنها عين الفعل وهي ثابتة
في رأيت.
والحجة لمن طرحها: أن هذه الهمزة لما كانت تسقط من الفعل
المضارع في كلام فصحاء العرب، ولا تستعمل إلا في ضرورة شاعر
«2» كقوله:
أري عينيّ ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالتّرّهات
«3» كان الماضي في القياس كالمضارع إذا قاربه همزة الاستفهام.
والحجة لمن ليّنها: أنّه كره اجتماع همزتين في كلمة واحدة فخفف
الثانية بالتليين وحقق الأولى، لأنها حرف جاء لمعنى.
قوله تعالى: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ
... فَأَنَّهُ «4». يقرءان بكسر الهمزتين وفتحهما، وبفتح
الأولى، وكسر الثانية. فالحجة لمن كسرهما: أنه جعل تمام الكلام
في قوله: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، ثم
ابتدأ بقوله: إنه، وعطف الثانية عليها، ويجوز أن يحكي: ما كتب،
كما يحكي ما قال، ولا يعمل (كتب) في ذلك، كما قال الشاعر «5»:
وجدنا في كتاب بني تميم ... أحقّ الخيل بالرّكض المعار
فحكى ما وجد، ولم يعمل الفعل في ذلك. والحجة لمن فتحهما: أنه
أعمل الكتابة في الأولى، وجعل الثانية معطوفة عليها. والمعنى:
كتب ربكم على نفسه الرحمة بأنه أو لأنه من عمل، فلما سقط
الخافض وصل الفعل إلى (أن) فعمل، والهاء في قوله: «إنه من عمل»
كناية عن اسم مجهول، وما بعدها من الشرط والجواب الخبر، لأنه
جملة والجمل
__________
(1) الأنعام: 40
(2) ينسب هذا البيت إلى سراقة البارقي (اللسان .. رأى).
(3) ورواه أبو الحسن «الأخفش» ترياه، وقال الزجاج في أماليه:
أما قوله: ترأياه، فإنه رده إلى أصله والعرب لم تستعمل يرى
وترى، ونرى وأرى إلا بإسقاط الهمزة تخفيفا، فأما في الماضي
فإنها مثبتة، وكان المازني يقول: الاختيار عندي أن أرويه «لم
ترياه». انظر: (شواهد الشافية، 322 شرح عبد القادر البغدادي،
وإعراب ثلاثين سورة لابن خالويه: 75، والمحتسب لابن جنى 1: 69.
وانظر: أمالي أبي القاسم الزجاجي: 57 طبع مصر.
(4) الأنعام: 54.
(5) انظر فصيح ثعلب 16 ونسبه صاحب المفضليات لبشر بن أبي خازم،
وهو شاعر جاهلي لم يدرك الإسلام. المفضليات لمحمد الأنباري
الكبير،: 344 وانظر قصة الاستشهاد بهذا البيت في كتاب الموشح
للمرزباني: 282 ومصادر الشعر الجاهلي 163، 164، 559، والكتاب
لسيبويه 2: 65 واللسان: عير.
(1/139)
تكون أخبارا. والحجة لمن فتح الأولى: أنه
أعمل (الكتابة) فيها وفتحها بفقد الخافض عند الكوفيين، وبتعدّي
الفعل عند البصريين.
ولمن كسر الثانية أنها جاءت بعد الفاء وما جاء بعدها مستأنف
كقوله تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ
«1».
قوله تعالى: بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ «2». يقرأ بالألف،
وبالواو في موضع الألف مع إسكان الدال هاهنا وفي الكهف «3».
فالحجة لمن قرأه بالألف أنه حذا «4» ألفاظ العرب وما تستعمله
في خطابها إذا قالوا: جئتك بالغداة والعشيّ. وإنما كان ذلك
الاختيار لأن قولهم: (غداة) نكرة فإذا عرّفت بالألف واللام
جاءت مطابقة للعشيّ، فاتفقا في التعريف بالألف واللام.
والحجة لمن قرأه بالواو: أنه اتبع الخط لأنها في السّواد
بالواو. وليس هذا بحجة قاطعة، لأنها إنما كتبت بالواو كما كتبت
«الصلاة» و «الزكاة» و «الحياة». ودل على ضعف هذه القراءة: أن
(غدوة) إذا أردت بها غدوة يومك فلا تستعمل إلّا معرفة بغير ألف
ولام كما استعملوا ذلك في (سحر) «5». وما كان تعريفه من هذا
الوجه فدخول الألف واللام عليه محال، لأنه لا يعرّف الاسم من
وجهين، وإنما جاز في الغداة، لأنه لم يقصد بها قصد غداة بعينها
فتعرّفت بالألف واللام كما تعرف العشيّ، لأنهما مجهولان غير
مقصود بهما وقت بعينه. والحجة له: أنه أراد أن العرب قد تجعلها
نكرة في قولهم: (لدن غدوة) كما يقولون: عشرون درهما فعرفها على
هذا اللفظ بالألف واللام.
قوله تعالى: يَقُصُّ الْحَقَّ «6»: يقرأ بالضاد «7»، والصاد
«8». فالحجة لمن قرأ بالضّاد:
أنه استدلّ بقوله تعالى عند تمام الكلام: (وَهُوَ خَيْرُ
الْفاصِلِينَ)، والفصل لا يكون إلا في
__________
(1) الجن: 23.
(2) الأنعام: 52.
(3) الكهف: 28.
وهي قراءة ابن عامر، بضم العين، ويسكن الدال، وبعدها واو
مفتوحة.
(4) قال في الصحاح: «واحتذى مقاله: أي اقتدى به. مادة: حذا».
(5) قال في الصحاح: السحر: قبيل الصبح .. وهو معرفة وقد غلب
عليه التعريف بغير إضافة، ولا ألف ولام كما غلب ابن الزبير على
واحد من أبنائه.
(6) الأنعام: 57.
(7) ضاد معجمة مكسورة خفيفة، مع سكون القاف.
(8) صاد مهملة مضمومة مشددة مع ضم القاف.
(1/140)
القضاء «1». ومنه قوله تعالى: وَفَصْلَ
الْخِطابِ «2». والحجة لمن قرأه بالصاد أنه قال:
لو كان ذلك من القضاء لبثت في الفعل الياء علامة للرفع. واستدل
على أنها بالصاد بقوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ
أَحْسَنَ الْقَصَصِ «3» وبقوله: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ «4» يريد
به، القرآن فكذلك (الحق) يريد به القرآن. فأما احتجاجه بحذف
الياء فلا وجه له، لأنه قد حذف من السّواد ياءات وواوات هنّ
علامات الرفع لالتقاء الساكنين لأنهن لما ذهبن لفظا سقطن خطّا.
قوله تعالى: وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ «5». يقرأ
بالرفع، والنصب. فالحجة لمن رفع:
أنه جعل الفعل للسبيل فرفعها بالحديث عنها. ومن نصب جعل الخطاب
بالفعل للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان اسمه مستترا في الفعل،
ونصب السّبيل بتعدّي الفعل إليها.
قوله تعالى: تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً «6». يقرأ بضم الخاء
وكسرها. وهما لغتان فصيحتان.
قوله تعالى: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ «7»، قُلِ اللَّهُ
يُنَجِّيكُمْ «8» يقرءان بالتشديد والتخفيف.
فالحجة لمن شدّد: أنه أخذه من نجى ينجّي وهو علامة لتكرير
الفعل، ومداومته. والحجة لمن خفف: أنه أخذه من أنجى ينجي. فأما
من شدد الثانية وخفف الأولى فإنه أتى باللغتين ليعلم أن
القراءة بكلتيهما صواب.
قوله تعالى: لَئِنْ أَنْجَيْتَنا «9». يقرأ بالياء والتاء،
وبالألف مكان الياء «10». فالحجة لمن
__________
(1) يرجح الطبري هذه القراءة بقوله: «قرأ جماعة من قراء الكوفة
والبصرة: «إن الحكم إلا لله يقضي الحق» بالضاد من القضاء بمعنى
الحكم والفصل بالقضاء، واعتبروا صحة ذلك بقوله «وَهُوَ خَيْرُ
الْفاصِلِينَ»، وأن الفصل بين المختلفين، إنما يكون بالقضاء،
لا بالقصص، وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب، لما
ذكرنا لأهلها من العلة، فمعنى الكلام إذا: ما الحكم فيما
تستعجلون به أيها المشركون من عذاب الله، وفيما بيني وبينكم
إلا الله الذي لا يجور في حكمه، وبيده الخلق والأمر يقضي الحق
بيني وبينكم، وهو خير الفاصلين بيننا بقضائه وحكمه.
انظر (الطبري 7: 135، 136، المطبعة الأميرية طبعة أولى).
(2) ص: 20
(3) يوسف: 3
(4) الأعراف: 176
(5) الأنعام: 55
(6) الأنعام: 63
(7) الأنعام: 63
(8) الأنعام: 64
(9) الأنعام: 63
(10) أي من غير أن يكون معها تاء.
(1/141)
قرأ بالتاء: أنه أتى بدليل الخطاب سائلا
لله عز وجل، ضارعا إليه. والحجة لمن قرأ بالألف:
أنه أخبر عن الله عز وجل على طريق الغيبة، لأنه عز وجل غائب عن
الأبصار وإن كان شاهدا للجهر والأسرار.
قوله تعالى: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ «1». يقرأ
بتشديد السين وتخفيفها. فالحجة لمن شدد: أنه فرق بين نسي
الرجل، ونسّاه غيره. واستدل بقوله عليه السلام: (إنّما أنسى
لأسنّ لكم) «2» فشدد، لأن غيره نسّاه. والحجة لمن خفف أنه قال:
هما لغتان «3» تستعمل إحداهما مكان الأخرى. واستدل بقوله
تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ «4». يريد (والله أعلم)
تركوا الله من الطاعة، فتركهم من الثواب، لأن أصل النسيان:
الترك وقيل في قوله تعالى:
وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ «5» يريد إذا عصيت.
قوله تعالى: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ «6». يقرأ بالتاء،
والألف. وقد ذكرت علة ذلك في قوله تعالى: فَنادَتْهُ
الْمَلائِكَةُ «7». ومعنى استهوته: زيّنت له هواه بالوسوسة
والغلبة.
قوله تعالى: رَأى كَوْكَباً «8». يقرأ بالإمالة والتفخيم، وبين
ذلك، وبكسر الراء والهمزة وفتحهما. فالحجة لمن فخّم: أنه أتى
باللفظة على أصل ما وجب لها. لأن الياء قد انقلبت بالحركة
ألفا. وإنما كتبت في (السّواد) ياء للفرق بين ذوات الواو
والياء.
والحجة لمن أمال أنه أعمل اللسان من وجه واحد طلبا للتخفيف،
فأمال الياء في اللفظ ثم نحا بالكسرة إلى الهمزة، فأمالها
للمجاورة، لا لأن الإمالة واجبة لها في الأصل كما كسرت الميم
في قوله تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى «9» والضاد من قوله:
وَقَضى رَبُّكَ «10» لقربهما من الياء. والحجة لمن قرأها بين
بين أنه عدل بين اللفظين، وأخذ بأوسط اللغتين.
__________
(1) الأنعام: 68.
(2) الحديث (إنما أنسى لأسن لكم) ذكره ابن الأثير في النهاية
5: 51.
(3) يقال: نساه، وأنساه.
(4) التوبة: 67
(5) الكهف: 24
(6) الأنعام: 71
(7) آل عمران: 39
(8) الأنعام: 76
(9) الأنفال: 17
(10) الإسراء: 3
(1/142)
والحجة لمن أمال الهمزة والراء قبلها فإنه
أتبع بعض الحروف بعضا بالإمالة، وكسر الياء بواجب الإمالة،
وكسر الهمزة لمجاورة الياء، وكسر الراء لمجاورة الهمزة كما في
قوله:
أَمَّنْ لا يَهِدِّي «1» لكسر الهاء والياء معا. فأما قوله:
رَأَى الْقَمَرَ «2» وما شاكله مما تستقبله ألف ولام، فالوجه
فيه التفخيم، والإمالة مطروحة، لأنها إنما استعملت من أجل
الياء، فلما سقطت الياء لفظا لالتقاء الساكنين سقط ما استعمل
من أجل لفظها إلّا ما روي عن بعضهم أنه كسر الرّاء وفتح الهمزة
ليدل على أن أصل الكلمة ممال، وهذا ضعيف.
والوجه ما بدأنا به.
قوله تعالى: أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ «3». يقرأ بالتشديد
والتخفيف. فالحجة لمن شدد:
أن الأصل فيه: أتحاجونني بنونين الأولى علامة الرفع، والثانية
مع الياء اسم المفعول به فأسكن الأولى وأدغمها في الثانية
فالتشديد لذلك كما قرأت القراء قوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ
اللَّهِ تَأْمُرُونِّي «4» بتشديد النون. والحجة لمن خفف: أنه
لما اجتمعت نونان تنوب إحداهما عن لفظ الأخرى خفف الكلمة
بإسقاط إحداهما كراهية لاجتماعهما كما قال الشاعر «5».
رأته كالثّغام يعلّ مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني
أراد: فلينني فحذف إحدى النونين ومثله فَبِمَ تُبَشِّرُونَ «6»
بنون واحدة (يذكر في موضعه).
__________
(1) يونس: 35
(2) الأنعام: 77
(3) الأنعام: 80
(4) الزّمر: 64.
(5) الشاعر هو عمرو بن معدي كرب وقد استشهد الفراء بهذا البيت
في قوله تعالى: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (الحجر: 54) فقال: «وقد
كسر أهل المدينة، يريدون أن يجعلوا النون مفعولا بها، وكأنهم
شددوا النون فقالوا: فم تبشرون، قال: ثم خففوها، والنية على
تثقيلها كقول عمرو بن معدي كرب ... ثم ذكر البيت (المعاني 2:
90) وقال البغدادي في الخزانة: إنه من شواهد سيبويه على أنه قد
جاء حذف نون الوقاية مع نون الضمير للضرورة، والأصل إذا فلينني
بنونين. والثغام نبت يكون في الجبل أبيض إذا يبس يقال له
بالفارسية (درمنة)، الفاليات جمع فالية اسم فاعل من الفلي بفتح
الفاء وسكون اللام، وهو إخراج القمل من الشعر والثياب. يعلّ:
يطيب، لأنهن يكرهن الشيب. (الخزانة 2: 445). وانظر أيضا (فرائد
القلائد للعيني 41، وشرح المفصل لابن يعيش 3: 91 والكتاب
لسيبويه 2: 254).
(6) الحجر: 54
(1/143)
قوله تعالى: وَقَدْ هَدانِ «1». يقرأ
بالإمالة، والتفخيم. فالحجة لمن أمال: أنه في الأصل من ذوات
الياء، وذوات الياء معرضة للإمالة، فلما اتصلت به الكناية
بقّاه على أصله الذي كان له. والحجة لمن فخم أنه أتى بالكلمة
على الأصل ولم يلتفت إلى الفرع.
قوله تعالى: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ «2». يقرأ
بالتنوين، والإضافة. فالحجة لمن نوّن: أنه نوى التقديم
والتأخير فكأنّه قال: نرفع من نشاء درجات فيكون (من) في موضع
نصب. ودرجات منصوبة على أحد أربعة أوجه: إما مفعولا ثانيا،
وإما بدلا، وإما حالا، وإمّا تمييزا. والحجة لمن أضاف: أنه
أوقع الفعل على (درجات) فنصبها وأضافها إلى «من» فخفضه
بالإضافة، وخزل التنوين للإضافة، و «نشاء» صلة ل «من».
قوله تعالى: وَالْيَسَعَ «3». يقرأ بإسكان اللام وتخفيفها،
وبفتحها وتشديدها. فالحجة لمن أسكن أن الاسم كان قبل دخول
اللام عليه (يسع) ثم دخلت عليه الألف واللام فشاكل من الأسماء
قول العرب (اليحمد) اسم قبيلة «4» (واليرمع) اسم حجارة براقة
«5» فدخولها على ذلك عند الكوفيين للمدح والتعظيم. وأنشدوا:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا ... شديدا بأحناء الخلافة كاهله
«6» ودخولها عند البصريين على ما كان في الأصل صفة ثم نقل إلى
التسمية كقولهم:
الحرث والعبّاس، فعلى هذا إن كان (يسع) عربيا، فأصله: يوسع.
سقطت منه الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، ثم دخلت عليه الألف
واللام. وإن كان أعجميا لا يعرف اشتقاقه فوزنه (فعل) الياء فيه
أصل. دخلت عليه الألف واللام. والحجة لمن شدد: أن وزنه عنده
فيعل مثل: (صيرف)، وأصله: ليسع. فاللام فيه أصل والياء زائدة.
فإذا دخل عليها لام التعريف وهي ساكنة أدغمت في المتحركة
فصارتا لاما مشددة.
__________
(1) الأنعام: 80
(2) الأنعام: 83
(3) الأنعام: 86.
(4) قال الجوهري: يحمد: بطن من الأزد (مادة: حمد: الصحاح)
(5) قال الجوهري: اليرمع: حجارة بيض رقاق تلمع (الصحاح).
(6) انظر: (معاني القرآن للفراء 1: 342، 2: 408، والخزانة
للبغدادي 1: 327، 343، فرائد القلائد للعيني 23، شواهد الهمع
للشنقيطي 1: 6).
وأحناء الخلافة: جوانبها. قال الجوهري: مفردها: حنو، والحنو:
واحد الأحناء، وهي الجوانب (الصحاح).
(1/144)
قوله تعالى: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ «1».
يقرأ بإثبات الهاء وحذفها. وقد ذكرت علله في (البقرة). فأما من
كسر هذه الهاء في الوصل فقد وهم، لأنها إنما جيء بها في الوقف
ليبين بها حركة ما قبلها وليست بهاء كناية.
قوله تعالى: تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ
كَثِيراً «2». يقرأ بالياء، والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء:
أنه ردّه إلى قوله: (للناس يجعلونه). والحجة لمن قرأه بالتاء:
أنه جعل الخطاب للحاضرين. ودليله قوله تعالى: وَعُلِّمْتُمْ
«3»، ولم يقل: وعلّموا.
قوله تعالى: وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى «4» يقرأ بالياء
والتاء. فالحجة لمن قرأه بالتاء: أنه أراد به النبي صلى الله
عليه وسلم. ودليله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ «5». وأم القرى:
مكة. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه أراد: الكتاب المقدم ذكره
وهو (القرآن).
قوله تعالى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ «6» يقرأ بضم النون
وفتحها. فالحجة لمن قرأ بالضم:
أنه جعله اسما، معناه: «وصلكم» فرفعه، لأنه اسم هاهنا لا ظرف
قال الشاعر:
كأنّ رماحهم أشطان بئر ... بعيد بين جالبها شطون
«7» ويروى: جرور «8».
والحجة لمن قرأ بالفتح: أنه جعله ظرفا. ومعناه: الفضاء بين
الغايتين. ودليله قراءة عبد الله:
(لقد تقطّع ما بينكم). ومن الأسماء ما يكون ظرفا واسما كقولك:
زيد دونك، وزيد دون من الرجال، وزيد وسط الدار، وهذا وسطها.
__________
(1) الأنعام: 90
(2) الأنعام: 91
(3) الآية نفسها.
(4) الأنعام: 92
(5) الرعد: 7
(6) الأنعام: 94.
(7) في اللسان: مادة (بين) يروى البيت على النحو التالي:
كأن رماحنا أشطان بئر ... بعيد بين جالبها جرور
ويقول، أنشد أبو عمرو في رفع (بين) قول الشاعر:
كأن رماحنا الخ ...
وفي الأصل: أشطان بين، ولا معنى لها.
(8) في الأصل: حرور بالحاء المهملة، والصواب ما ذكرنا قال
الجوهري: بئر جرور: بعيدة القعر.
(1/145)
قوله تعالى: وَجَعَلَ اللَّيْلَ «1». يقرأ
بإثبات الألف. وخفض الليل، وبطرحها ونصب الليل. فالحجة لمن
أثبت الألف وخفض: أنه رد لفظ (فاعل) على مثله، وأضاف بمعنى ما
قد مضى، وثبت، وهو الأحسن، والأشهر. والحجة لمن حذفها، ونصب:
أنه جعله فعلا ماضيا وعطفه على فاعل «2» معنى لا لفظا كما عطفت
العرب اسم الفاعل على الماضي، لأنه بمعناه قال الراجز:
يا ليتني علقت غير خارج ... أمّ صبيّ قد حبا أو دارج
«3» قوله تعالى: فَمُسْتَقَرٌّ «4». يقرأ بكسر القاف وفتحها.
فالحجة لمن كسر: أنه جعله اسم الفاعل من قولهم: قرّ الشيء فهو
مستقر. ومعناه: مستقر في الأصلاب، ومستودع في الأرحام. وقيل في
الأحياء وفي الأموات. والحجة لمن فتح: أنه أراد الموضع من
قولهم: هذا مستقرّي. وقيل معناه: مستقرّ في الدنيا أو القبر،
ومستودع في الجنة أو النار.
قوله تعالى: وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ «5». يقرأ بالرفع
والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه رده على قوله: قِنْوانٌ دانِيَةٌ
وَجَنَّاتٍ. والحجة لمن نصب: أنه رده على قوله نُخْرِجُ مِنْهُ
حَبًّا مُتَراكِباً وجنات.
قوله تعالى: انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ «6» يقرأ بضم الثاء
والميم، وفتحهما. فالحجة لمن ضم أنه أراد به جمع: ثمار وثمر،
كما قالوا: إزار وأزر. والحجة لمن فتح: أنه أراد جمع:
__________
(1) الأنعام: 96.
(2) في قوله تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ الآية نفسها.
(3) في رواية الفراء:
يا ليتني علقت غير خارج ... قبل الصباح ذات خلق بارج
أم الصّبيّ قد حبا أو دارج وفي رواية اللسان:
يا ليتني قد زرت غير خارج ... أم صبيّ قد حبا أو دارج
ويرى محقق كتاب (معاني القرآن) للفراء، أن الأقرب أن تكون
«حارج» بالحاء المهملة أي آثم.
انظر الروايتين في معاني القرآن للفراء 1: 214 واللسان: درج.
(4) الأنعام: 98
(5) الأنعام: 99.
(6) الأنعام: 99
(1/146)
ثمرة وثمر. فأما التي في «الكهف» «1» فالضم
إلّا ما روى من الفتح عن عاصم ومن الإسكان عن أبي عمرو.
فإن قيل: فما الفرق بينهما؟ فقل: الفرق، أن التي في «الأنعام»
من أثمار الشجر، والتي في الكهف من تثمير المال لقوله بعد
انقضاء وصف الجنتين: وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ «2» أي ذهب وأثاث.
ودليله قوله: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا «3».
قوله تعالى: وَخَرَقُوا لَهُ «4» يقرأ بتشديد الراء، وتخفيفها.
وقد ذكر الفرق بين التشديد والتخفيف. فأمّا معناه فكمعنى:
«اختلقوا» وتلخيصه: كذبوا. ودليله قوله:
إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ «5». معناه إلا كذب، لأنهم قالوا ما
لم يعلموا.
قوله تعالى: دَرَسْتَ «6». يقرأ بإثبات الألف، وحذفها. فالحجة
لمن أثبت الألف أنه أراد: قارأت وذاكرت غيرك فاستفدت. والحجة
لمن حذفها: أنه أراد: قرأت لنفسك وعلمت. فأما من قرأه بضمّ
الدال وإسكان التاء فله وجهان: أحدهما: أنه أراد:
قرئت وعلمت. وهو الوجه، والثاني أنه أراد: محيت وذهبت من
قولهم: درس المنزل إذا ذهبت آثاره ومعالمه.
قوله تعالى: أَنَّها إِذا جاءَتْ «7». يقرأ بفتح الهمزة
وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه جعلها بمعنى (لعل) وكذلك لفظها في
قراءة (عبد الله) و (أبي). والحجة لمن كسر:
أنه جعل الكلام تاما عند قوله: وَما يُشْعِرُكُمْ: وابتدأ بإنّ
فكسرها.
قوله تعالى: لا يُؤْمِنُونَ «8» يقرأ بالتاء والياء. فالحجة
لمن قرأ بالتاء: معنى المخاطبة.
ودليله قوله: وَما يُشْعِرُكُمْ. والحجة لمن قرأ بالياء: أنه
أراد معنى الغيبة. ودليله قوله:
نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ «9».
__________
(1) قوله تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ آية: 42
(2) الكهف: 34
(3) الكهف: 34
(4) الأنعام: 100
(5) ص: 7
(6) الأنعام: 105
(7) الأنعام: 109
(8) الأنعام: 109
(9) الأنعام: 110
(1/147)
قوله تعالى: كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا «1».
يقرأ بضم القاف والباء، وبكسر القاف وفتح الباء.
فالحجة لمن ضم: أنه أراد جمع: (قبيل) يعني قبيلا قبيلا. والحجة
لمن كسر: أنه أراد:
مقابلة وعيانا.
قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ «2». يقرأ بالتوحيد
والجمع في أربعة مواضع: هاهنا وفي يونس «3» في موضعين، وفي
المؤمن «4» وإنّما عملوا في ذلك على السّواد، لأنهن مكتوبات
فيه بالتاء. فالحجة لمن جمع: قوله بعد ذلك: لا مُبَدِّلَ
لِكَلِماتِهِ «5». والحجة لمن وحّد أنه ينوب الواحد في اللفظ
عن الجميع. ودليله قوله: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى
«6».
وكل قريب.
قوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ «7».
يقرأ بضم الفاء والحاء وكسر الصاد والراء، وفتحهن، وبفتح الفاء
وضم الحاء. فالحجة لمن ضم: أنه دلّ بالضم على بناء ما لم يسم
فاعله، وكانت (ما) في موضع رفع. والحجة لمن فتح: أنه جعلهما
فعلا لله تعالى لتقدم اسمه في أول الكلام، وكانت (ما) في موضع
نصب. والحجة لمن فتح وضم:
أنه أتى بالوجهين معا، وكانت (ما) في موضع نصب.
قوله تعالى: لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ «8». يقرأ بضم الياء
وفتحها. والحجة لمن ضم: أنه جعل الفعل متعديا منهم إلى غيرهم،
فدل بالضم على أن ماضي الفعل على أربعة أحرف.
والحجة لمن فتح: أنه جعل الفعل لازما لهم غير متعدّ إلى غيرهم،
فدل بالفتح على أن ماضيه على ثلاثة أحرف. وعلى ذلك يقرأ ما كان
مثله في يونس «9» وإبراهيم «10» والحجر «11»
__________
(1) الأنعام: 111
(2) الأنعام: 115
(3) يونس: 19، 33
(4) المؤمن: 6.
(5) في الأصل: (لا مبدل لكلمات الله) وهو خطأ. انظر: الأنعام:
115.
(6) الأعراف: 137
(7) الأنعام: 119
(8) الأنعام: 119
(9) يونس: 108
(10) إبراهيم: 27
(11) الحجر: 56
(1/148)
ولقمان «1» والزّمر «2».
قوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ «3». يقرأ
بالتشديد والتخفيف. وقد ذكرت علته آنفا. «4» والمعنى: أفمن كان
ميتا بالكفر فأحييناه بالإيمان؟!.
قوله تعالى: ضَيِّقاً حَرَجاً «5». يقرأ بتشديد الياء
وتخفيفها، وفتح الراء وكسرها.
فالحجة لمن شدد: أنه أكّد الضيق. ودليله قوله تعالى: مَكاناً
ضَيِّقاً «6» فكأنه ضيق «7» بعد ضيق. والحجة لمن خفّف: أنه
استثقل الكسرة على الياء مع التشديد فخفف وأسكن كما قالوا هيّن
وهين. والحجة لمن فتح الراء: أنه أراد المصدر، ولمن كسرها: أنه
أراد الاسم. ومعناهما (الضيّق).
فإن قيل: فما وجه إعادته؟ فقل في ذلك وجوه: أولها: أنه أعاده
لاختلاف اللفظين.
والثاني: أنه أعاده تأكيدا والثالث: أن الحرج: الشك فكأنه قال:
ضيّقا شاكّا.
قوله تعالى: كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ «8». يقرأ
بالتشديد، والتخفيف، وإثبات الألف.
فالحجة لمن شدد: أنه أراد: يتصعّد، فأسكن التاء، وأدغمها في
الصاد تخفيفا، فشدّد لذلك. وكذلك الحجة في إثبات الألف مع
التشديد. والحجة لمن خفّف: أنه أخذه من قولهم: صعد يصعد. وذلك
كلّه، إن كان لفظه من الارتقاء، فالمراد به: المشقة والتكلّف.
من قولهم: عقبة صعود: إذا كانت لا ترتقى إلا بمشقّة. والمعنى:
أن الكافر لو قدر لضيق صدره أن يرتقي في السماء لفعل.
قوله تعالى: اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ «9». يقرأ بالإفراد،
والجمع. فالحجة لمن أفرد:
__________
(1) لقمان: 6
(2) الزمر: 41
(3) الأنعام: 122
(4) انظر: 107 عند قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ
الْمَيِّتِ
(5) الأنعام: 125
(6) الفرقان: 13
(7) قال الجوهري: الضّيق تخفيف الضّيّق. قال الراجز:
درنا ودارت بكرة نخيس ... لا ضيقة المجرى ولا مروس
انظر (الصحاح: ضيق).
(8) الأنعام: 125
(9) الأنعام: 135.
(1/149)
أنه أراد: على تمكينكم وأمركم وحالكم. ومنه
قولهم: لفلان عندي مكان، ومكانة.
أي: تمكّن محبّة. وقيل وزنها مفعلة من (الكون) فالميم فيها
زائدة، والألف منقلبة من واو. وقيل: وزنه: فعال مثل (ذهاب) من
(المكنة) «1»، ودليل ذلك جمعه: (أمكنة) على وزن «أفعلة»،
فالميم هاهنا أصل، والألف زائدة. والحجة لمن قرأه بالجمع: أنه
جعل لكل واحد منهم مكانة يعمل عليها، فجمع على هذا المعنى.
ويحتمل أن يكون أراد بالجمع الواحد، كقوله تعالى: يا أَيُّهَا
الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ «2»، والمخاطب بذلك محمد
عليه السلام.
فإن قيل: فكيف أمرهم النبي صلى الله عليه وسلّم أن يثبتوا على
عمل الكفر، وقد دعاهم إلى الإيمان؟ فقل: إنّ هذا أمر: معناه
التهديد، والوعيد، كقوله: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ «3» توعّدا
لهم بذلك.
قوله تعالى: مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ «4». يقرأ
بالياء والتاء. وقد تقدّم القول في علله قبل.
قوله تعالى: بِزَعْمِهِمْ «5». يقرأ بضم الزّاي وفتحها. فقيل:
هما لغتان. وقيل:
الفتح للمصدر، والضم للاسم.
قوله تعالى: وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ «6». يقرأ بفتح الزّاي ونصب:
«قتل» ورفع: «شركائهم»، وبضم الزّاي وفتح: «قتل» ونصب:
«أولادهم»
وخفض شركائهم. فالحجة لمن قرأ بفتح الزّاي: أنه جعل الفعل
للشركاء فرفعهم به، ونصب القتل بتعدّي الفعل إليه، وخفض
أولادهم بإضافة القتل إليهم. والحجة لمن قرأه بضم الزاي: أنه
دلّ بذلك على بناء الفعل لما لم يسمّ فاعله. ورفع به القتل.
وأضافه إلى
__________
(1) قال الجوهري: المكنة بكسر الكاف: واحدة المكن، والمكنات.
وفي الحديث: «أقروا الطير على مكناتها»، ومكناتها بالصم.
انظر: (الصحاح.: مكن).
(2) المؤمنون: 51
(3) فصّلت: 40
(4) الأنعام: 135.
(5) الأنعام: 136
(6) الأنعام: 137.
(1/150)
شركائهم فخفضهم. ونصب أولادهم بوقوع القتل
عليهم. وحال بهم بين المضاف والمضاف إليه، وهو قبيح في القرآن،
وإنّما يجوز في الشعر كقول ذي الرمّة: «1»
كأنّ أصوات من إيغالهنّ بنا ... أواخر الميس إنقاض الفراريج
«2» وإنما حمل القارئ بهذا عليه: أنه وجده في مصاحف أهل الشام
بالياء فاتّبع الخط.
قوله تعالى: وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً «3»، يقرأ بالياء والتاء.
وقد تقدّم القول في علل ذلك.
ويقرأ بنصب ميتة ورفعها. فالحجة لمن رفع: أنه جعل (كان) بمعنى:
حدث ووقع، فلم يأت لها بخبر. والحجة لمن نصب: أنه أضمر في
(يكون) الاسم، وجعل (ميتة) الخبر لتقدّم قوله: ما فِي بُطُونِ
هذِهِ الْأَنْعامِ «4».
قوله تعالى: خالِصَةٌ لِذُكُورِنا «5». يقرأ بهاء التأنيث
والتنوين، وبهاء الكناية والضمّ «6».
فالحجة لمن قرأ بهاء التأنيث: أنه ردّه على معنى: «ما»، لأنه
للجمع. والحجة لمن جعلها هاء كناية: أنه ردّها على لفظ «ما».
قوله تعالى: يَوْمَ حَصادِهِ «7». يقرأ بفتح الحاء وكسرها فرقا
بين الاسم والمصدر،
__________
(1) ذو الرّمة: ذكره ابن سلام في الطبقة الثانية من فحول
الشعراء في الإسلام. انظر أخباره في (طبقات فحول الشعراء لابن
سلام: 465).
(2) قال البغدادي في الخزانة: (الأصل: كأن أصوات أواخر الميس
من إيغالهن بنا إنقاض الفراريج).
و (من) للتعليل، والإيغال: الإبعاد، يقال: أوغل في الأرض إذا
بعد فيها. حكاه ابن دريد:
والأواخر: جمع آخرة بوزن فاعلة، وهي آخرة الرّحل، وهو العود
الذي في آخر الرّحل الذي يستند إليه الراكب.
والميس بفتح الميم: شجر يتخذ منه الرّحال والأقتاب. وإضافة
الأواخر إليه كإضافة خاتم إلى الفضة.
والأنقاض: مصدر أنقضت الدّجاجة إذا صوتت، وهو بالنون، والقاف،
والضاد المعجمة.
الفراريج: جمع فروجة، وهو صغار الدجاج.
يريد: أنه قد طال سيرهم فبعض الرّحل يحك بعضه بعضا: فتصوّت مثل
أصوات الفراريج من شدة السير، واضطراب الرحل.
انظر: الخزانة 2: 119، 120. وانظر أيضا: (الخصائص لابن جنّي 2:
404). والحيوان 2: 342 تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون، مطبعة
الحلبي والموشّح للمرزباني، تحقيق الأستاذ علي البجاوي 292،
دار نهضة مصر 1965. وشروح سقط الزند: 1573: القسم الرابع،
السّفر الثاني. وشرح المفصّل لابن يعيش 1: 103، 2: 108، 4: 132
والكتاب لسيبويه 1: 92، 295، 347.
(3) الأنعام: 139
(4) الآية نفسها.
(5) الأنعام: 139.
(6) أي خالصة لذكورنا، وهو مبتدأ، وللذكور خبره، والجملة خبر
«ما» انظر: (إعراب القرآن للعكبري 1: 263)
(7) الأنعام: 141
(1/151)
على ما قدّمنا القول فيه، أو على أنهما
لغتان.
قوله تعالى: وَمِنَ الْمَعْزِ «1». يقرأ بفتح العين وإسكانها.
وهما لغتان. والأصل الإسكان وإنما جاز الفتح فيه، لمكان الحرف
الحلفي.
فإن قيل: فكذلك يلزم في الضأن فقل: إن الهمزة وإن كانت حلقية،
فهي مستثقلة، لخروجها من أقصى مخارج الحروف، فتركها على سكونها
أخف من حركتها.
قوله تعالى: وَأَنَّ هذا صِراطِي «2». يقرأ بفتح الهمزة
وكسرها. فالحجة لمن كسرها:
أنه ابتدأها مستأنفا. والحجة لمن فتح: أنه أراد وجهين: أحدهما:
أنه ردّه على قوله:
ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ «3»، وبأن هذا صراطي. والآخر: أنّه
ردّه على قوله: أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً «4» وأن هذا
صراطي.
قوله تعالى: فَرَّقُوا دِينَهُمْ «5». يقرأ بإثبات الألف
والتخفيف، وبطرحها والتشديد.
فالحجة لمن أثبتها: أنه أراد: تركوه، وانصرفوا عنه. والحجة لمن
طرحها: أنه أراد:
جعلوه فرقا. ودليله قوله: وَكانُوا شِيَعاً «6» أي أحزابا.
قوله تعالى: دِيناً قِيَماً «7» يقرأ بفتح القاف وكسر الياء
والتشديد، وبكسر القاف وفتح الياء والتخفيف. فالحجة لمن شدّد:
أنه أراد: دينا مستقيما خالصا. ودليله قوله:
وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ «8». والحجة لمن خفّف: أنه أراد:
جمع قيمة وقيم كقولهم:
(حيلة) و (حيل).
قوله تعالى: فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها «9». يقرأ بالتنوين ونصب
«10». الأمثال، وبطرحه والخفض.
__________
(1) الأنعام: 143
(2) الأنعام: 153
(3) الأنعام: 152
(4) في الأصل (ألا تشركوا بي شيئا) والصواب: (به) الأنعام:
151.
(5) الأنعام: 159
(6) الآية نفسها
(7) الأنعام: 161
(8) البينة: 5
(9) الأنعام: 160.
(10) ليس في كتب القراءات إلّا حذف التنوين، وجرّ اللام
بالإضافة، وهي قراءة جميع القراء في الأمصار ما عدا الحسن
البصري فإنه كان يقرأ: (عشر) بالتنوين و (أمثالها) بالرفع،
وذلك وجه صحيح في العربيّة، غير أن
(1/152)
فالحجة لمن نصب: أنّ التنوين يمنع من الإضافة فنصبت على خلاف
المضاف. والحجة لمن أضاف: أنه أراد: فله عشر حسنات، فأقام
الأمثال مقام الحسنات؛ ولهذا المعنى خزلت الهاء من العدد؛ لأنه
لمؤنث، فاعرفه. |