الحجة في القراءات السبع

ومن سورة الأنفال
قوله تعالى: مُرْدِفِينَ «6». يقرأ بكسر الدّال وفتحها. فالحجة لمن كسر الدال: أنه جعل الفعل للملائكة، فأتى باسم الفاعل من «أردف». والحجة لمن فتح الدال: أنه جعل الفعل لله عز وجل، فأتى باسم المفعول به من «أردف». والعرب تقول: أردفت الرجل: أركبته على قطاة «7» دابّتي خلفي. وردفته: إذا ركبت خلفه «8».
قوله تعالى إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ «9». يقرأ بفتح الياء والألف والرفع «10»، وبضم الياء الأولى
__________
(1) حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة، واسمه تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخروج، توفي سنة خمسين، وقيل سنة أربع وخمسين «أسد الغابة 2، 4، 5، 6».
(2) من قصيدة: أولها:
ما هاج حسان رسوم المقام ... ومظعن الحيّ، ومبني الخيام
انظر: «ديوان حسان بن ثابت: 24».
(3) الأعراف: 193
(4) الأعراف: 195
(5) المرسلات: 39
(6) الأنفال: 9.
(7) القطاة: العجز، وما بين الوركين، أو مقعد الرّديف من الدابة. «القاموس المحيط: مادة: قطا».
(8) قال الزجاج. يقال: ردفت الرجل: إذا ركبت، خلفه وأردفته: أركبته خلفي. انظر: اللسان: مادة: ردف.
(9) الأنفال: 11.
(10) المراد به رفع «النعاس».

(1/169)


وبياء في موضع الألف مخفّفا ومشدّدا والنصب «1». فالحجة لمن قرأه بالألف والرفع:
أنه جعل الفعل للنعاس، فرفعه، وأخذه من غشي يغشى. والكاف والميم في موضع نصب.
والحجة لمن ضم الياء الأولى ونصب النعاس وخفف: أنه جعل الفعل لله عز وجل، وعدّاه إلى المفعولين. وأخذه من أغشى يغشي. ومن شدّد أخذه: من غشّى يغشّي.
ومعنى الآية: أن المسلمين أصبحوا يوم بدر جنبا «2» على غير ماء، وعدوّهم على الماء، فوسوس لهم الشيطان، فأرسل الله عليهم مطرا فطهّرهم به.
قوله تعالى: مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ «3». يقرأ بتشديد الهاء وفتح الواو، وبإسكان الواو وتخفيف الهاء. والحجة لمن شدّد: أنه أخذه من وهّن فهو موهّن. والحجة لمن خفف: أنه أخذه من أوهن فهو موهن، وهما لغتان، والتشديد أبلغ وأمدح.
قوله تعالى: مُوهِنُ «4». يقرأ بالتنوين، ونصب «كيد»، وبترك التنوين وخفض كيد. فالحجة لمن نوّن: أنه أراد الحال أو الاستقبال. والحجة لمن أضاف: أنه أراد ما ثبت ومضى من الزّمان.
قوله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ «5». يقرأ بكسر الهمزة وفتحها. فالحجة لمن كسر:
أنه ابتدأ الكلام. ودليله: أنه في قراءة عبد الله «والله مع المؤمنين». والحجة لمن فتح:
أنه ردّ بالواو على قوله: وأن الله موهن، أو أضمر اللّام بعد الواو.
قوله تعالى: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ «6». وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ «7». يقرءان بكسر العين، وضمها.
فالحجة لمن ضمّ أو «كسر» «8»: أنهما لغتان، معناهما: جانب الوادي. و «الدنيا»:
القريبة، و «القصوى»: البعيدة، وهما من ذوات الواو.
__________
(1) المراد به نصب «النعاس».
(2) قال الزمخشري في أساس البلاغة. «رجل جنب، وقوم جنب» أي: يستوي فيه الفرد والجمع. انظر، مادة:
جنب.
(3) الأنفال: 18.
(4) الأنفال: 18.
(5) الأنفال: 19
(6) الأنفال: 42
(7) الأنفال: 42
(8) في الأصل: أو «فتح» وهو تحريف لأن سياق الكلام لا يدل عليه وليس في كتب القراءات إلا الضم أو الكسر والفتح قراءة قتادة، وهي من الشاذ. انظر: اللسان.

(1/170)


فإن قيل: فلم جاءتا بلفظين مختلفين «1»؟ فقل في ذلك وجهان: أحدهما: أنّ الدنيا بنيت على فعلها. فلما جاوزت ثلاثة أحرف بنيت على الياء، وهو القياس. والقصوى اسم مختلف ليس بمبنيّ على فعله. والآخر: أن الاسم إذا ورد على وزن فعلى بفتح الفاء صحت فيه الواو كقولهم: «الفتوى» و «التّقوى» وإن كان صفة انقلبت واوه ياء نحو: «الصّديا» و «الحبلى»، فأمّا القصوى، فجاءت على الأصل.
قوله تعالى: وَيَحْيى مَنْ حَيَّ «2». يقرأ بياءين: الأولى مكسورة والثانية مفتوحة، وبياء واحدة شديدة مفتوحة. فالحجة لمن قرأه بياءين: أنه أتى به على الأصل، وما أوجبه بناء الفعل. والحجة لمن أدغم: أنه استثقل اجتماع ياءين متحركتين، فأسكن الأولى، وأدغمها في الثانية.
قوله تعالى: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً «3». يقرأ برفع «صلاتهم»، ونصب قوله: «مكاء»، و «تصدية». وبنصب «صلاتهم»، ورفع قوله: «مكاء وتصدية».
فالوجه في العربية إذا اجتمع في اسم كان وخبرها معرفة ونكرة: أن ترفع المعرفة، وتنصب النكرة، لأن المعرفة أولى بالاسم، والنكرة أولى بالفعل، «4» والوجه الآخر: يجوز في العربية اتساعا على بعد أو لضرورة شاعر. قال حسان «5»:-
كأن سبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء
«6» قوله تعالى: لِيَمِيزَ اللَّهُ «7». يقرأ بفتح الياء والتخفيف، وبضمّها والتشديد. والمعنى بين ذلك قريب. وقد ذكرت علة «8» ذلك. ومعناه: التفرقة والتخليص.
__________
(1) لأن الدنيا بالياء، والقصوى بالواو.
(2) الأنفال: 42
(3) الأنفال: 35
(4) لأن الفعل قد يقع خبرا، ويمتنع أن يكون مبتدأ.
(5) سبق التعريف به: 144.
(6) الدرر اللوامع 1: 88، «وخزانة الأدب 4: 63»، و «رسالة الغفران: 128، 129»، واللسان: مادة:
سبأ.
(7) الأنفال: 37
(8) انظر: 118 عند قوله تعالى: «حَتَّى يَمِيزَ».

(1/171)


قوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ «1». يقرأ بالياء والتاء، وبكسر السين وفتحها. وقد ذكرت علله في آل عمران «2».
قوله تعالى: إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ «3». يقرأ بفتح الهمزة، وكسرها. فالحجة لمن فتحها:
أنه جعل (يحسبن) فعلا للذين كفروا، وأضمر مع (سبقوا) «4» أن الخفيفة، ليكون اسما منصوبا مفعولا لتحسبن، وأنّهم لا يعجزون المفعول الثاني، فكأنه قال: ولا تحسبن
الذين كفروا سبقهم إعجازهم. والحجة لمن كسر: أنه جعل قوله: «وَلا يَحْسَبَنَّ» خطابا للنبي عليه السلام، وجعل «الَّذِينَ كَفَرُوا» مفعول (تحسبن) الأول، و (سبقوا) الثاني، واستأنف إنّ فكسرها مبتدئا.
قوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ «5». يقرأ بفتح السين وكسرها. وقد ذكرت علته في البقرة «6».
قوله تعالى: إِذْ يَتَوَفَّى «7». يقرأ بالياء والتاء. وقد ذكرت علله فيما مضى «8».
قوله تعالى: وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ «9» وفَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ «10». يقرءان بالياء، والتاء. فالحجة لمن قرأهما بالتاء: أنه جاء به على لفظ «مائة» «11» ومن قرأه بالياء أتى به على لفظ المعدود، لأنه مذكّر. والحجة لمن قرأهما بالياء والتاء. أنه أتى بالمعنيين معا، وجمع بين اللغتين.
قوله تعالى: وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً «12». يقرأ بضم الضاد، وفتحها. وهما لغتان.
__________
(1) الأنفال: 59
(2) انظر: 103، 116
(3) الأنفال: 59
(4) الآية نفسها.
(5) الأنفال: 61
(6) انظر: 95
(7) الأنفال: 50
(8) انظر: 82، 91 عند قوله تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ وقوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
(9) الأنفال: 65
(10) الأنفال 66، وفي الأصل «وإن يكن»: وهو تحريف.
(11) لأن لفظها مؤنث.
(12) الأنفال: 66.

(1/172)


وقد ذكرت الحجة في أمثال ذلك بما يغني عن الإعادة «1».
قوله تعالى: أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى «2». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه إلى المعنى. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه ردّه على اللفظ.
قوله تعالى: مِنَ الْأَسْرى «3». يقرأ بضم الهمزة وإثبات الألف، وبفتحها وطرح الألف. فالحجة لمن أثبتها: أنه أراد: جمع الجمع. والحجة لمن طرحها: أنه أراد جمع أسير. وقال أبو عمرو «4»: الأسرى: من كانوا في أيديهم أو في الحبس. والأسارى:
من جاء مستأسرا.
قوله تعالى: مِنْ وَلايَتِهِمْ «5». يقرأ بفتح الواو وكسرها هاهنا، وفي الكهف «6» فالحجة لمن فتح: أنه أراد: ولاية الدين. والحجة لمن كسر: أنه أراد: ولاية الإمرة، وقيل: هما لغتان، والفتح أقرب.