الحجة في القراءات السبع

ومن سورة التوبة
قوله تعالى: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ «7». يقرأ بهمزتين مفتوحة ومكسورة، وبهمزة وياء.
فالحجة لمن حقق الهمزتين: أنه جعل الأولى همزة الجمع، والثانية همزة الأصل التي كانت في إمام أأممة على وزن «أفعلة» فنقلوا كسرة الميم إلى الهمزة، وأدغموا الميم في الميم للمجانسة.
والحجة لمن جعل الثانية ياء: أنه كره الجمع بين همزتين، فقلب الثانية ياء لكسرها بعد أن ليّنها، وحركها لالتقاء الساكنين.
وروى «المسيّبيّ» «8» عن نافع «9»: أنه قرأ: أآيمة بمدة بين الهمزة والياء. والحجة له في
__________
(1) انظر: 83 عند قوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً.
(2) الأنفال: 67
(3) الأنفال: 70
(4) سبقت ترجمته 61.
(5) الأنفال: 72
(6) الكهف: 44
(7) التوبة: 12
(8) المسيّبيّ: هو إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن بن المسيّب .. أبو محمد المسيّبي المدني، إمام جليل، عالم بالحديث، قيّم في قراءة نافع، ضابط لها قال أبو حاتم السجستاني: إذا حدثت عن المسيبي عن نافع، ففرغ سمعك وقلبك، فإنه أتقن الناس، وأعرفهم بقراءة أهل المدينة. (غاية النهاية: 1: 157،: 158).
(9) سبقت ترجمته: 61

(1/173)


ذلك أنه فرق بين الهمزتين بمدّة، ثم ليّن الثانية فبقيت المدة على أصلها.
قوله تعالى: إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ «1». يقرأ بفتح الهمزة وكسرها. فالحجة لمن فتح:
أنه أراد: جمع «يمين». والحجة لمن كسر: أنه أراد مصدر: آمن يؤمن إيمانا. وإنّما فتحت همزة الجمع لثقله، وكسرت همزة المصدر لخفته. والفتح هاهنا أولى، لأنها بمعنى، اليمين والعهد أليق منها بمعنى الإيمان.
قوله تعالى: أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ «2» يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد أنه:
أراد به: المسجد الحرام. ودليله قوله تعالى: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ «3». والحجة لمن جمع: أنه أراد: جميع المساجد. ودليله قوله تعالى: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ «4». وهذا لا خلف فيه. واحتجوا أن الخاصّ يدخل في العام، والعام لا يدخل في الخاص.
قوله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ «5». يقرأ بالتنوين، وتركه، فلمن نون حجتان: إحداهما: أنه وإن كان أعجميا فهو خفيف، وتمامه في (الابن). والأخرى:
أن يجعل عربيا مصغّرا مشتقّا، وهو مرفوع بالابتداء، و (ابن) خبره. وإنما يحذف التنوين من الاسم لكثرة استعماله، إذا كان الاسم نعتا كقولك: جاءني زيد بن عمرو.
فإن قلت: كان زيد بن عمرو، فلا بدّ من التنوين، لأنه خبر. وهذا إنما يكون في الاسم الذي قد عرف بأبيه، وشهر بنسبه إليه. والحجة لمن ترك التنوين: أنه جعله اسما أعجميّا، وإن كان لفظه مصغّرا، لأن من العرب من يدع صرف الثلاثي من الأعجمية «6» مثل: «لوط» و «نوح» و «عاد».
قوله تعالى: يُضاهِؤُنَ «7». يقرأ بطرح الهمزة، وإثباتها. فالحجة لمن همز: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن ترك الهمز: أنه أراد: التخفيف فأسقط الياء لحركتها
__________
(1) التوبة: 12
(2) التوبة: 17
(3) التوبة: 28
(4) التوبة: 18
(5) التوبة: 30
(6) أي من الأسماء الأعجمية.
(7) التوبة: 30.

(1/174)


بالضمّ «1»، والضم لا يدخلها. ومثله (لترونّ الجحيم) وهما لغتان: ضاهأت، وضاهيت «2» قوله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ «3» يقرأ بالهمز وتخفيف الياء. وبتركه وتشديدها. فمن همز فعلى الأصل، لأنه من قولهم: نسأ الله في أجلك. ومعناه: التأخير. والحجة لمن شدّد:
أنه أبدل الهمزة ياء، وأدغمها في الياء الساكنة قبلها.
وروى عن (ابن كثير) «4»: أنه قرأ: (إنّما النّسو) «5» بهمزة، ساكنة السين، والواو بعد الهمزة «6» جعله مصدرا.
معناه: أن العرب في الجاهلية كانت تحرّم القتال في «المحرّم»، فإذا احتاجت إليه أخّرت المحرّم إلى «صفر».
قوله تعالى: يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا «7». يقرأ بضم الياء وفتح الضاد وكسرها، وبفتح الياء وكسر الضاد. فالحجة لمن ضم الياء وفتح الضاد: أنه جعله فعل ما لم يسمّ فاعله، و (الذين) في موضع رفع، و (كفروا) صلة الذين. والحجة لمن كسر الضاد مع ضم الياء: أنه جعله فعلا لفاعل مستتر في الفعل. وهو مأخوذ: من أضلّ يضلّ. والحجة لمن فتح الياء: أنه جعل الفعل للذين فرفعهم به وإن كان الله تعالى الفاعل ذلك بهم، لأنه يضل من يشاء، ويهدي من يشاء. فمعناه: أنه أضلهم عقوبة لضلالهم، فاستوجبوا العقوبة بالعمل. وقيل: (صادفهم كذلك) «8». وقيل أضلّهم: سمّاهم ضالين.
__________
(1) أصلها: يضاهيون.
(2) قال في اللسان: المضاهاة: مشاكلة الشيء بالشيء. وربّما همزوا فيه: وضاهيت الرجل: شاكلته وقيل: عارضته اللسان: مادة: ضها.
(3) التوبة: 37.
(4) ابن كثير سبقت ترجمته 37.
(5) ليست في كتب القراءات التي بين أيدينا- كالتيسير، وغيث النفع، والنشر- هذه القراءة مع أن هذه الكتب تعرضت للقراءات السبع، والعشر. وقد ذكرها ابن جني في «المحتسب» وقال: «يحكي عن ابن كثير بخلاف:
أنه قرأ به 1: 287».
(6) هكذا في الأصل: والمراد: سكون السين. والإتيان بهمزة بعدها الواو: مصدر نسأ نسأ (القاموس المحيط).
(7) التوبة: 37.
(8) أي وجدهم ضالين. من قولهم: صادفت فلانا أي لاقيته ووجدته. اللسان: صدف.

(1/175)


قوله تعالى: وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ «1». يقرأ بالياء والتاء، وقد ذكرت الحجة فيه آنفا «2».
قوله تعالى: مَنْ يَلْمِزُكَ «3». يقرأ بضم الميم وكسرها. وحجته مذكورة في قوله يَعْكُفُونَ ويَعْرِشُونَ «4».
قوله تعالى: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ «5». يقرأ بضم الذال في جميعه «6»، وإسكانها. فالحجة لمن ضم: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن أسكن: أنه ثقل عليه توالي الضم فخفّف.
وهما لغتان فصيحتان.
والقرّاء في هذا الحرف مجمعون على الإضافة إلا ما روي عن (نافع) «7» من التنوين، ورفع (خير). فالحجة له في ذلك: أنه أبدل قوله: (خير) من قوله: (أذن).
قوله تعالى: وَرَحْمَةٌ «8». يقرأ بالرفع والخفض. فالحجة لمن رفع: أنه ردّه بالواو على قوله (أُذُنٌ). والحجة لمن خفض: أنه ردّه على قوله (خَيْرٍ) ورحمة. ومعنى الآية:
أن المنافقين قالوا: إنا نذكر محمّدا من ورائه، فإذا بلغه اعتذرنا إليه، فقبل، لأنه «أذن» فقال الله تعالى: أُذُنُ خَيْرٍ، لا أذن شرّ.
قوله تعالى: إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ «9». يقرأ بالياء في الأول، وبالتاء في الثاني، وضمّهما معا. وبنون مفتوحة في الأول، ونون مضمومة في الثاني. فالحجة لمن قرأه بالياء والتاء والضم: أنه جعله فعل ما لم يسمّ فاعله، فرفع الطائفة لذلك. والحجة لمن قرأه بالنون فيهما: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه بنون الملكوت فكان الفاعل في الفعل عزّ وجل و (طائفة) منصوبة بوقوع الفعل عليها.
فأما فتح النون الأولى فلأن ماضيها ثلاثي، وأما ضم الثانية، فلأنها من فعل ماضيه
__________
(1) التوبة: 54
(2) انظر: 82 عند قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وقد تكرّرت الإحالة إلى هذا الموضع.
(3) التوبة: 58
(4) انظر: 162
(5) التوبة: 61.
(6) أي في المواضع التي ذكرت فيها.
(7) نافع: تقدمت ترجمته: 61.
(8) التوبة: 61.
(9) التوبة: 66

(1/176)


رباعيّ، لأن التشديد في الذال يقوم مقام حرفين. والطائفة في اللغة: الجماعة. وقيل:
أربعة. وقيل: واحد «1».
قوله تعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ «2». يقرأ بضم السين وفتحها، هاهنا، وفي سورة (الفتح) «3». فالحجة لمن ضم: أنه أراد: دائرة الشر. والحجة لمن فتح: أنه أراد: المصدر من قولك: ساءني الأمر سوءا ومساءة ومساية.
قوله تعالى: إِنَّ صَلاتَكَ «4». يقرأ بالتوحيد. والجمع هاهنا، وفي هود «5» والمؤمنين «6». فالحجة لمن وحّد: أنه اجتزأ بالواحد عن الجميع، لأن معناها هاهنا:
الدّعاء عند أخذ الصدقة بالبركة، فالصلاة من الله عز وجل: المغفرة والرحمة، ومن عباده: الدّعاء والاستغفار. والحجة لمن جمع أنه أراد: الدّعاء للجماعة، وترداده ومعاودته.
فأما التي، في سَأَلَ سائِلٌ «7»، فبالتوحيد لا غير، لأنها مكتوبة به في السّواد.
قوله تعالى: أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ «8». يقرأ بإسكان الراء، وضمّها. فالحجة في ذلك كالحجة في (أذن) «9».
قوله تعالى: هارٍ فَانْهارَ بِهِ «10». يقرأ بالتفخيم والإمالة. فالحجة لمن فخّم: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن أمال فلكسرة الراء. والأصل في هار: (هاير) قلبت ياؤه من موضع العين إلى موضع اللام، ثم سقطت لمقارنة التنوين.
قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ «11». يقرأ بضم التاء وفتحها. فالحجة لمن ضم:
أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله، ورفع به القلوب. والحجة لمن فتح أنه أراد: تتقطع فألقى
__________
(1) قال في اللسان: قال مجاهد: الطائفة: الرجل الواحد إلى الألف، وقيل: الرّجل الواحد فما فوقه: (اللسان:
مادة: طوف).
(2) التوبة: 98
(3) الفتح: 6
(4) التوبة: 103
(5) هود: 87
(6) المؤمنون: 2
(7) المعارج: 23
(8) التوبة: 99
(9) انظر: 176
(10) التوبة: 109
(11) التوبة: 110

(1/177)


إحدى التاءين تخفيفا، ورفع القلوب بفعلها. ومعناه: إلّا أن يتوبوا فتتقطع قلوبهم ندما على ما فرّطوا. وقيل: إلّا أن يموتوا.
قوله تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ «1». يقرأ بضم الهمزة وكسر السّين ورفع البنيان.
وبفتحهما ونصب البنيان. فالحجة لمن ضمّ: أنه لم يسمّ الفاعل في الفعل فرفع لذلك.
والحجة لمن فتح: أنه سمّى الفاعل، فنصب به المفعول. ومعناه: أفمن أسس بنيانه على الإيمان، كمن أسس بنيانه على الكفر؟ لأن المنافقين بنوا لهم مسجدا، لينفضّ أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم من مصلّاهم إلى مسجدهم.
قوله تعالى: فَيَقْتُلُونَ «2» وَيُقْتَلُونَ. يقرأ بتقديم الفاعل وتأخير المفعول، وبتأخير الفاعل وتقديم المفعول. وقد ذكرت علته في آل عمران «3».
قوله تعالى: أَوَلا يَرَوْنَ «4». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه أراد:
أن يجعل الفعل لهم، ودلّ بالياء على الغيبة. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فدلّ بالتاء على ذلك، وأدخل أمّته معه في الرؤية. ومعنى الافتتان هاهنا: الاختبار. وقيل: المرض.
قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ «5»، يقرأ بالتاء والياء. وبإدغام الدّال في التاء وإظهارها. فالحجة لمن قرأه بالتاء: أنه أراد: تقديم (القلوب) قبل الفعل فدلّ بالتاء على التأنيث، لأنه جمع. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه حمله على تذكير (كاد) أو لأنه جمع ليس لتأنيثه حقيقة. والحجة لمن أدغم: مقاربة الحرفين، ولمن أظهر: الإتيان به على الأصل.
قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً «6». يقرأ بإثبات الواو وحذفها، فالحجة لمن اثبتها: أنه ردّ بها الكلام على قوله: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ «7» أو على قوله:
__________
(1) التوبة: 109.
(2) التوبة: 111
(3) انظر 107 عند قوله تعالى: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ وانظر أيضا: 104 عند قوله تعالى: لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ.
(4) التوبة: 126، وفي الأصل: «أفلا يرون» وهو تحريف.
(5) التوبة: 117
(6) التوبة: 107
(7) التوبة: 106

(1/178)


وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ «1». والحجة لمن حذفها: أنه جعل (الذين) بدلا من قوله: (وآخرون)، أو من قوله: (وممّن حولكم) وهي في مصاحف أهل الشام بغير واو.
قوله تعالى: ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً «2». ينتصب على أنه مفعول له معناه:
اتّخذوه لهذا. أو ينتصب على أنه مصدر أضمر فعله.
قوله تعالى: غِلْظَةً «3» يقرأ بكسر الغين وفتحها. وهما لغتان، والكسر أكثر وأشهر.