الحجة في القراءات السبع

ومن سورة يونس
قوله تعالى: الر «4». يقرأ بكسر الرّاء وفتحها. فالحجة لمن أمال: أنه أراد:
التخفيف. والحجة لمن فتح: أنه أتى باللفظ على الأصل. وكلهم قصروا الراء. وأهل العربية يقولون في حروف المعجم: إنه يجوز إمالتها، وتفخيمها، وقصرها ومدّها، وتذكيرها وتأنيثها.
قوله تعالى: لَسِحْرٌ مُبِينٌ «5». يقرأ بإثبات الألف وحذفها. فالحجة لمن أثبتها: أنه أراد: النبي صلى الله عليه وسلم. والحجة لمن حذفها أنه أراد: القرآن.
قوله تعالى: يُفَصِّلُ الْآياتِ «6». يقرأ بالياء والنون. فالحجة لمن قرأه بالياء:
أنه أخبر به عن الله عز وجل، لتقدم اسمه قبل ذلك. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه بنون الملكوت، لأنه ملك الأملاك.
قوله تعالى: لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ «7». يقرأ بضم القاف والرفع، وبفتحها والنصب.
فالحجة لمن ضم القاف: أنه بنى الفعل لما لم يسم فاعله فرفع به المفعول. والحجة لمن فتح القاف: أنه أتى بالفعل على بناء ما سمّي فاعله، وأضمر الفاعل فيه ونصب المفعول بتعدّي الفعل إليه.
__________
(1) التوبة: 101
(2) التوبة: 107
(3) التوبة: 123
(4) يونس: 1
(5) يونس: 2
(6) يونس: 5
(7) يونس: 11

(1/179)


قوله تعالى: الشَّمْسَ ضِياءً «1». يقرأ بهمزتين، وبياء وهمزة. فالحجة لمن قرأه بهمزتين: أنه أخذه من قولهم: ضاء القمر ضوءا أو أضاء «2».
ومن قرأه بياء وهمزة جعله جمعا ل «ضوء»، وضياء كقولك: بحر وبحار. وهما لغتان: أضاء القمر، وضاء.
فإن قيل: فما معنى قوله: (وقدّره منازل) وكلاهما مقدّر؟ «3» فقل: لما كان انقضاء الشهور والسنة، وحسابهما بالقمر معلوما كان لذلك مقدّرا، ويجوز أن يكون أرادهما فاجتزأ بأحدهما من الآخر.
قوله تعالى: وَلا أَدْراكُمْ بِهِ «4». يقرأ بالتفخيم والإمالة. فالحجة لمن قرأه بالتفخيم:
أنه أراد: أن يأتي به على أصل الكلام. والحجة لمن أمال: أنه دلّ على الياء المنقلبة إلى لفظ الألف.
فأما ما روي عن (ابن كثير) «5» أنه قرأ: ولأدراكم به «6» بالقصر. فالحجة له:
أنه لا يمدّ حرفا لحرف، وقد ذكر ذلك في أول البقرة «7».
قوله تعالى: وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ «8». يقرأ بالياء والتاء هاهنا، وفي النحل «9» في موضعين، وفي النمل «10» وفي الروم «11». فالحجة لمن قرأهن بالياء: أنه أخبر بها عن المشركين في حال الغيبة. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه أراد: قل لهم يا محمد:
تعالى الله عما تشركون يا كفرة.
__________
(1) يونس: 5
(2) قال العكبري: «والوجه فيه: أن يكون أخّر الياء، وقدّم الهمزة فلمّا وقعت الياء طرفا بعد ألف زائدة، قلبت همزة عند قوم، وعند آخرين قلبت ألفا، ثم قلبت الألف همزة لئلا يجتمع ألفان». انظر: (إعراب القرآن: 2:
24).
(3) أي الشمس والقمر.
(4) يونس: 16.
(5) سبقت ترجمته قبل ذلك انظر: 37.
(6) أي بحذف ألف «لا».
(7) انظر: 76
(8) يونس: 18
(9) النحل: 1
(10) النمل: 63
(11) الروم: 40

(1/180)


قوله تعالى: مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا «1». يقرأ بالرفع. والنصب.
فلمن رفع وجهان: أحدهما: بالخبر لقوله: (إنّما بغيكم) متاع الحياة. والآخر:
أن يجعل تمام الكلام عند قوله: (على أنفسكم)، ثمّ يرفع ما بعده بإضمار (هو) كما قال:
بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ «2»، أي هي النار. والحجة لمن نصب: أنه أراد: الحال، ونوى بالإضافة الانفصال، أو القطع من تمام الكلام.
قوله تعالى: قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً «3». يقرأ بفتح الطاء. وإسكانها. فالحجة لمن فتحها: أنه أراد جمع قطعة على التكسير. والحجة لمن أسكنها: أنه أراد: ساعة من الليل. ودليله قوله: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ «4». أو أراد الفتح، فأسكن تخفيفا.
قوله تعالى: هُنالِكَ تَبْلُوا «5». يقرأ بالباء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالباء: أنه أراد تختبر. ودليله قوله تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ «6». والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه أراد به:
التّلاوة من القراءة. ومعناه: (تقرؤه في صحيفتها). ودليله: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ «7».
قوله تعالى: حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ «8». يقرأ بالتوحيد، والجمع. وإنما حمل من قرأه بالجمع على ذلك كتابته في السواد بالتاء. وقد ذكرت علله آنفا «9».
قوله تعالى: أَمَّنْ لا يَهِدِّي «10». يقرأ بفتح الياء وإسكان الهاء، وكسر الدال والتخفيف، وبفتح الهاء وكسر الدال والتشديد. وبكسر الياء والهاء والدال. وبفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدّال فيهما. فالحجة لمن أسكن الهاء وخفف: أنه أخذه من هدى في الماضي بتخفيف الدال. والحجة لمن فتح الهاء. وشدّد: أنه أخذه من اهتدى في الماضي،
__________
(1) يونس: 23
(2) الحج: 72
(3) يونس: 27
(4) هود: 81
(5) يونس: 30
(6) الطارق: 9
(7) العنكبوت: 48
(8) يونس: 33
(9) انظر: 148
(10) يونس: 35

(1/181)


فأراد: يهتدى، ثم نقل فتحة التاء إلى الهاء، فبقيت التاء ساكنة فأدغمها في الدال للمقاربة فشدّد لذلك. والحجة لمن كسر الهاء والياء قبلها، وشدّد أنه أراد: ما ذكرناه في التاء إلّا أنه لم ينقل الحركة بل حذفها، وأسكن التاء فالتقى ساكنان فكسر الهاء لالتقائهما، وكسر الياء لمجاورة الهاء. والحجة لمن أسكن الهاء وشدد الدال فجمع بين ساكنين: أنه أراد نيّة الحركة في الهاء. ومثل هذا إنما يحسن فيما كان أحد الساكنين حرف مدّ أولين، لأن المدّ الذي فيه يقوم مقام الحركة.
فأما ما رواه (اليزيدي) عن أبي عمرو: أنه كان يسكن الهاء ويشمّها شيئا من الفتح، فإنه وهم في الترجمة، لأن السكون ضد الحركة، ولا يجتمع الشيء وضده، ولكنه من
إخفاء الفتحة، واختلاسها لا من الإسكان.
قوله تعالى: هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ «1». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء:
أنه ردّه على قوله: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا «2» فجاء بالياء على وجه واحد. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه أراد بها: مواجهة الخطاب للصحابة.
واحتجّ بأنه قد قرئ (فلتفرحوا) بالتاء، وهو ضعيف في العربية، لأن العرب لم تستعمل الأمر باللام للحاضر إلّا فيما لم يسمّ فاعله كقولهم: لتعن بحاجتي. ومعنى:
(فبذلك) إشارة إلى القرآن لقوله: قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ «3» يعني به: القرآن لقوله: هو خير ممّا يجمع الكفرة.
قوله تعالى: وَما يَعْزُبُ «4». يقرأ بضم الزاي وكسرها ومعنى يعزب: يبعد ويغيب.
ومنه قولهم: المال عازب في المرعى. وقد تقدّم القوم في الضمّ والكسر، فأغنى عن الإعادة «5».
قوله تعالى: وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ «6». يقرءان بالنصب، والرفع. فالحجة لمن نصبهما: أنهما في موضع خفض بالرّدّ على قوله: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ. ولم يخفضا، لأنهما على وزن (أفعل) منك. وما كان على هذا الوزن لم ينصرف في معرفة
__________
(1) يونس: 58
(2) الآية نفسها.
(3) يونس: 57
(4) يونس: 61.
(5) انظر: 162 عند قوله تعالى: وَما كانُوا يَعْرِشُونَ.
(6) يونس: 61

(1/182)


ولا نكرة. والحجة لمن قرأه بالرفع: أنه ردّه على قوله: «مثقال ذرة» قبل دخول (من) عليها، فردّ اللفظ على المعنى، لأن (من) هاهنا زائدة.
قوله تعالى: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ «1». يقرأ بقطع الألف ووصلها. فالحجة لمن قطع:
أنه أخذه من قولهم: أجمعت على الأمر: إذا أحكمته، وعزمت عليه. وأنشد:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع ... هل أغدون يوما وأمري مجمع
«2» والحجة لمن وصل: أنه أخذه من قولهم: جمعت. ودليله قوله تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ «3» فهنا من: جمعت، لا من أجمعت؟
قوله تعالى: ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ «4». يقرأ بالاستفهام وبتركه. فالحجة لمن استفهم:
أنه جعل «ما» فيه بمعنى: أي شيء جئتم به، السحر هو؟ دليله: قوله تعالى: أَسِحْرٌ هذا «5» وهي ألف التوبيخ بلفظ الاستفهام، لأنهم قد علموا أنه سحر. والحجة لمن ترك الاستفهام: أنه جعل (ما) بمعنى الذي، يريد: الذي جئتم به السحر، ف «ما» مبتدأة، و (جئتم) صلة (ما) و (به) عائدها و (السحر) خبر الابتداء ف «ما» والذي هاهنا بمعنى) «6».
قوله تعالى: وَلا تَتَّبِعانِّ «7» يقرأ بإسكان التاء وتخفيفها. وبفتحها وتشديدها.
فالحجة لمن خفّف: أنه أخذه من تبع يتبع. والحجة لمن شدّد: أنه أخذه من اتّبع يتّبع.
وهما لغتان: معناهما واحد. والنون مشددة لتأكيد النهي. ودخولها على الفعل مخففة
__________
(1) يونس: 71.
(2) هو من الرجز، أنشده أبو زيد:
يقول: إن المنى لا ينال بها المتمني ما يحبّه. والمني: جمع منية، وهي مبتدأ، و (لا تنفع) الخبر، والجملة اعتراض بين (شعري) وما يتعلق به، و (أمري مجمع): جملة حالية من الضمير في (أغدون).
واستشهد ابن السكيت بالبيت على أنه يقال: أجمع أمره إذا عزم عليه.
انظر: (الدرر اللوامع 1: 204، 205).
وانظر أيضا (معاني القرآن للفراء 1: 473، والخصائص لابن جني 2: 136)، اللسان: مادة: جمع.
(3) آل عمران: 9
(4) يونس: 81
(5) يونس: 77 وفي الأصل: (أفسحر) وهو تحريف.
(6) هكذا في الأصل: والأوضح أن يقول: فما بمعنى الذي هاهنا، أو يريد فما والذي هاهنا بمعنى واحد.
(7) يونس: 89.

(1/183)


ومشددة في أربعة مواضع: للتأكيد في الأمر، والنهي، والاستفهام، والجزاء. وتخرج «1» منه ولها أحكام.
قوله تعالى: آمَنْتُ أَنَّهُ «2». يقرأ بكسرة الهمزة وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعل تمام الكلام عند قوله تعالى: آمَنْتُ، ثم ابتدأ إنّ فكسرها. والحجة لمن فتح:
أنه وصل آخر الكلام بأوله وهو يريد: آمنت بأنه، فلما أسقط الباء وصل الفعل إلى أن فعمل فيها.
قوله تعالى: آلْآنَ «3». يقرأ بإسكان اللام وتحقيق الهمزة بعدها. وبفتح اللام وتخفيف الهمزة الثانية. فالحجة لمن حقّق: أنه أتى بالكلام على أصل ما وجب له ووفّاه حقه.
والحجة لمن خفف: أنه نقل حركة الهمزة إلى اللام الساكنة فحرّكها بحركتها، وأسقطها كما قرأ (قد افلح المؤمنون): قد افلح بفتح الدال وتخفيف الهمزة.
فإن قيل: لم بني (الآن) وفيه الألف واللام؟ فقل: قال الفراء «4»: أصله: أوان، فقلبوا الواو ألفا، فصار آان ثم دخلت اللام على مبنيّ فلم تغيّره عن بنائه «5». واستشهد على ذلك بقول الشاعر:-
فإني حبست اليوم والأمس قبله ... ببابك حتى كادت الشمس تغرب
«6» فأدخل الألف واللام على مبني، ولم يغيره عن بنائه.
وقال سيبويه «7»: (الآن) إشارة إلى وقت أنت فيه، بمنزلة (هذا)، والألف واللام تدخل لعهد قد تقدّم، فلما دخلت هاهنا لغير عهد ترك مبنيّا.
وقال المبرد: إنما بني الآن مع الألف واللام، لأن معرفته وقعت قبل نكرته، وليس يشركه غيره في التسمية، فتكون الألف واللام معرّفة له، وإنما تعني به الوقت الذي أنت فيه.
__________
(1) أي لا يؤكد بها الفعل.
(2) يونس: 90
(3) يونس: 91.
(4) الفراء: 60.
(5) انظر: «معاني القرآن للفراء 1: 467، 468) لتقف على رأي الفراء، فإنه لا يخرج عما ذكره ابن خالويه.
(6) قال في (الدّرر اللوامع): لم أعثر على قائله، واستشهد به على أن من العرب من يبني (أمس) مع الكسر (1:
175، 176).
(7) سيبويه: تقدمت ترجمته انظر: 78.

(1/184)


من الزمان فلذلك بني، وخالف نظائره من الأسماء.
قوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ «1». يقرأ بالياء والنون، وعلّته قد أتى عليها فيما تقدم «2».
قوله تعالى: نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ «3». يقرأ بالتخفيف والتشديد. والحجة لمن خفف:
أنه أخذه من: أنجينا ننجي. ودليله قوله تعالى: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ «4». والحجة لمن شدّد: أنه أخذه من: نجيّنا ننجّي. ودليله قوله تعالى: وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ «5».
والتشديد أولى، لإجماعهم عليه في الأولى «6».
قوله تعالى: وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى «7». يقرأ بالياء والنون. فالحجة لمن قرأ بالياء:
أنه ردّه على قوله (إلّا بإذن الله) ويجعل. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه ردّه على قوله:
(فاليوم ننجّيك ببدنك)، ونجعل.
قوله تعالى: أَنْ تَبَوَّءا «8» وزنه: تفعّلا، يوقف عليه بالهمزة، وألف بعدها، وبترك الهمز، وبياء مكان الهمزة وألف بعدها. فالحجة لمن همز: أنه أتى به على أصله، فوقف عليه، كما وصله. والحجة لمن أسقطها: أنه قنع بالإشارة منها، لوقوعها طرفا فجرى على أصله. والحجة لمن قلبها ياء: أنّه ليّنها فصارت ألفا، والألف لا تقبل الحركة، فقلبها ياء، لأن الياء أخت الألف في المدّ واللّين، إلّا أنها تفضلها بقبول الحركة «9».
__________
(1) يونس: 28.
(2) انظر: 137.
(3) يونس: 103.
(4) الأعراف: 165
(5) هود: 58
(6) أي في قوله تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا يونس 103.
(7) يونس: 100.
(8) يونس: 87.
(9) قلب الهمزة ياء، وألف بعدها في حالة الوقف: قراءة حفص، قال ابن سعيد الداني: «وروى عبيد الله بن أبي مسلم عن أبيه وهبيرة عن حفص: أنه وقف على قوله (أن تبوءا): (تبوّيا). بالياء بدلا من الهمزة. لكن ابن سعيد نفى هذه الرواية حيث ذكر أن ابن خواستي عن أبي طاهر عن الأشناني أنّ حفص وقف بالهمزة. قال ابن سعيد: وبذلك قرأت، وبه آخذ. انظر: (التيسير في القراءات السبع 123). وأنكر هذه القراءة المنسوبة إلى حفص الشاطبي حيث قال:
* ... حكم تبوّءا .. بيا وقف حفص لم يصح فيحملا* انظر: (شرح ابن القاصح على الشاطبية: 230).

(1/185)


قوله تعالى: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ «1». يقرأ بفتح الهمزة وكسرها. فالحجة لمن فتح.
أنه أراد: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه بأني لكم، فلما حذف الباء وصل الفعل فعمل.
والحجة لمن كسر: أنه جعل الكلام تامّا عند قوله: إلى قومه، ثم ابتدأ مستأنفا، فكسر.
قوله تعالى: بادِيَ الرَّأْيِ «2». يقرأ بياء مفتوحة، وبالهمز. فالحجة لمن قرأه بالياء:
أنه أخذه من. بدأ يبدأ إذا أخذ في فعل الشيء، فإن وقف عليه واقف استوى المهموز فيه وغيره، فكان بياء ساكنة، لأن الهمزة تسكن في الوقف، وقبلها كسرة، فتقلب ياء، والهمزة عند الوقف جائزة لا تمتنع، لأنها حرف صحيح، وإنما تسقط في الوقف إذا كان قبلها ساكن.
قوله تعالى: فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ «3». يقرأ بضم العين والتشديد، وبفتحها والتخفيف.
فالحجة لمن ضمّ وشدّد: أنه دلّ بذلك على بناء الفعل لما لم يسمّ فاعله. ودليله: أنها في حرف (عبد الله) «4» و (أبي) «5» (فعمّاها عليكم). والحجة لمن فتح وخفف: أنه جعل الفعل للرحمة «6». ومعناهما قريب. يريد: فخفيت.
قوله تعالى: مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ «7». يقرأ بالتنوين. والإضافة، هاهنا وفي سورة المؤمنين «8». فالحجّة لمن نوّن: أنه أراد من كل جنس، ومن كل نوع: زوجين، فجعل التنوين دليلا على المراد. والحجة لمن أضاف: أنه أراد: أن يجعل الزوجين محمولين، وجمع بين سائر الأصناف. وعنى بقوله: زوجين: ذكرا وأنثى، لأن كل اثنين لا ينتفع بأحدهما إلّا أن يكون صاحبه معه، فكل واحد منهما زوج للآخر. وأكّد بقوله: (اثنين) كما قال: لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ «9» فأكّد من غير لبس.
__________
(1) هود: 25.
(2) هود: 27.
(3) هود: 28.
(4) عبد الله: انظر: 72.
(5) أبيّ: انظر: 87.
(6) في قوله تعالى: وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ .. الخ هود: 28.
(7) هود: 40.
(8) المؤمنون: 27.
(9) النحل: 51.

(1/186)


قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها «1». يقرأ بضم الميم وفتحها، وبالإمالة والتفخيم.
فالحجة لمن ضم: أنه أراد: المصدر من قولك: أجرى يجري مجرى. والحجة لمن فتح: أنه أراد المصدر من قولك: جرت مجرى. فأما ضمّ الميم في (مرساها) فإجماع.
وفيه من الإمالة ما في قوله (مجراها). والحجة في ذلك مذكورة فيما سلف.
قوله تعالى: يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا «2». يقرأ بكسر الياء وفتحها. وبإدغام الباء في الميم وإظهارها. فالحجة لمن كسر الياء: أنه أضاف إلى نفسه، فاجتمع في الاسم ثلاث ياءات، ياء التصغير، وياء الأصل «3»، وياء الإضافة، فحذفت ياء الإضافة اجتزاء بالكسرة التي قبلها لأن النداء مختص بالحذف، لكثرة استعماله. والحجة لمن فتح: أنه أراد: (يا بنياه) فأسقط الألف والهاء، وبقّى الياء على فتحها، ليدل بذلك على ما أسقط. والحجة لمن أدغم «4»: مقاربة مخرج الحرفين، وبناء الباء على السكون للأمر، فحسن الإدغام لحسنه في قوله تعالى: وَدَّتْ طائِفَةٌ «5». والحجة لمن أظهر: أنه أتى بالكلام على الأصل، لأن الأصل: الإظهار، والإدغام فرع عليه.
قوله تعالى: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ «6». يقرأ بالتنوين ورفع غير، وبالفتح ونصب غير. فالحجة لمن نوّن ورفع «غير»: أنه جعله اسما أخبر به عن إنّ ورفع «غير» اتباعا له على البدل. ومعناه: إن سؤالك إيّاي أن أنجي كافرا ليس من أهلك عمل غير صالح.
والحجة لمن فتح: أنه جعله فعلا ماضيا وفاعله مستتر فيه، وغير منصوب لأنه وصف قام مقام الموصوف. ومعناه: أنه عمل عملا غير صالح.
قوله تعالى: فَلا تَسْئَلْنِي «7». يقرأ بإسكان اللام ونون وياء بعدها، وبفتح اللام ونون شديدة وياء بعدها. فالحجة لمن أسكن اللّام: أنه جعل السكون علامة للجزم بالنّهي، والنون والياء كناية عن اسم الله تعالى في محلّ نصب. والحجة لمن فتح اللّام وشدد النون أنه أراد: تأكيد النهي، فالتقى ساكنان: سكون اللام للجزم، وسكون النون المدغمة،
__________
(1) هود: 41.
(2) هود: 42.
(3) لأن (ابن) أصله: بني أو بنو.
(4) أي إدغام الباء في الميم، في قوله تعالى: ارْكَبْ مَعَنا.
(5) آل عمران: 69.
(6) هود: 46.
(7) هود: 46.

(1/187)


فحركت اللام لالتقاء الساكنين وبقيت النون على فتحها، وقرأه بعض القرّاء بكسر النون.
والحجة له أنه: خزل ياء الإضافة واجتزأ بالكسرة منها.
قوله تعالى: وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ «1». يقرأ وما شاكله في قوله: مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ «2» ومِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ «3» بالتنوين وفتح (يوم). وبترك التنوين وخفض يوم. وببناء (يوم) مع ترك التنوين. فالحجة لمن نوّن ونصب: أنه أراد بالنصب خلاف المضاف، لأن التنوين دليل، والإضافة دليل، ولا يجتمع دليلان في اسم واحد. والحجة لمن ترك التنوين وأضاف:
أنه أتى به على قياس ما يجب للأسماء، ولمن بناه مع ترك التنوين وجهان: أحدهما أنه جعل «يوم» مع «إذ» بمنزلة اسمين جعلا اسما واحدا، فبناه على الفتح كما بني خمسة عشر.
والثاني: أنه لما كانت «إذ» اسما للوقت الماضي، واليوم من أسماء الأوقات أضفتهما إضافة الأوقات إلى الجمل، كقولك: جئتك يوم قام زيد، فيكون كقولك: جئتك إذ قام زيد. فلمّا كانت «إذ» بهذه المثابة بني اليوم معها على الفتح لأنه غير متمكن من الظروف، وجعل تنوين (إذ) عوضا من الفعل المحذوف بعدها، لأن معناه: يوم إذ قدم الحاج وما شاكل ذلك.
قوله تعالى: أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ «4». يقرأ وما شاكله من الأسماء الأعجمية مصروفا وغير مصروف.
فلمن صرفه وجهان: أحدهما: أنه جعله اسم حيّ أو رئيس فصرفه، والآخر:
أنه جعله «فعولا» من الثمد وهو: الماء القليل فصرفه. والحجة لمن لم يصرفه: أنه جعله اسما للقبيلة، فاجتمع فيه علتان فرعيتان منعتاه من الصرف: إحداهما: للتأنيث وهو فرع للتذكير، والأخرى: التعريف وهو فرع للتنكير.
والقرّاء مختلفون في هذه الأسماء، وأكثرهم يتبع السّواد، فما كان فيه بألف أجراه «5» وما كان بغير ألف منعه الإجراء.
__________
(1) هود: 66.
(2) النمل: 89.
(3) المعارج: 11.
(4) هود: 68.
(5) الإجراء: الصرف. قال في القاموس: المجاري: أواخر الكلم. قال الشارح: وذلك لأن حركات الإعراب والبناء إنما تكون هنالك سميت بذلك، لأن الصوت يبتدئ بالجريان في حروف الوصل منها.

(1/188)


فأما قوله: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ «1» فإنما ترك إجراؤه لاستقبال الألف واللام، فطرح تنوينه كما قرءوا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ «2».
قوله تعالى: قالُوا: سَلاماً قالَ: سَلامٌ «3». يقرأ بإثبات الألف وفتح السين، وبكسرها وحذف الألف «4». فالحجة لمن أثبت وفتح: أنه جعله من التحيّة والسلام، ومعناه: تسلّما منكم تسأّما. أو يريد: تركناكم تركا، فكأنه قال: قالوا: تركا. فردّ عليهم: ترك. ومنه قولهم: لا تكن من فلان إلّا سلاما تسلم. معناه: إلّا مباينا له متاركا.
فالأول: منصوب على المصدر. والثاني: مرفوع بالابتداء. والحجة لمن حذف الألف، وكسر السين: أنه جعله من الصلح. والمسالمة يريد قالوا: نحن سلم.
قوله تعالى: وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ «5». يقرأ برفع الباء ونصبها. فالحجة لمن رفع:
أنه أراد: الابتداء، وجعل الظرف خبرا مقدّما كما تقول: من ورائك زيد. والحجة لمن نصب: أنه ردّه بالواو على قوله: وبشّرناها. وجعل البشارة بمعنى الهبة فكأنه قال:
ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوب. وكان بعض النحاة يقول: هو في موضع خفض، إلا أنه لا ينصرف. وهذا بعيد، لأنه عطفه على عاملين (الباء) «6» و (من).
قوله تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ «7». يقرأ بقطع الألف ووصلها. فالحجة لمن قطع: أنه أخذه من: «أسرى». ودليله قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى «8». والحجة لمن وصل:
أنه أخذه من سرى، وهما لغتان أسرى وسرى. وبيت النابغة «9» شاهد لهما.
__________
(1) الإسراء: 59.
(2) الإخلاص: 1، 2.
(3) هود: 61.
(4) هاتان القراءتان في قوله تعالى قالَ سَلامٌ وأما قوله: قالُوا سَلاماً: فاتفق القراء العشرة على قراءته بفتح السين، وألف بعدها. (انظر: شرح الشاطبيّة لابن القاصح: 234). والتيسير لابن سعيد الدّاني: 125.
(5) هود: 71.
(6) في قوله تعالى: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ «الآية نفسها».
(7) هود: 81.
(8) الإسراء: 1.
(9) النابغة: هو زياد بن معاوية، ويكني: أبا أمامة، ويقال: يكني أبا ثمامة وأهل الحجاز يفضلون النابغة وزهيرا، ويقال: كان النابغة أحسنهم ديباجة شعر وأكثرهم رونق كلام، وأجزلهم بيتا، كان شعره كلاما ليس فيه تكلّف.
أنظر: (الشعر والشعراء لابن قتيبة: 157).

(1/189)


سرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجى الشّمال عليه جامد البرد
«1» ويروي أسرت عليه. وقيل معنى أسرى: سار من أول الليل، وسرى: سار من آخره.
قوله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَكَ «2». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه استثناها من قوله: وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ «3». والحجة لمن نصب: أنه استثناها من قوله: فأسر بأهلك «4».
قوله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا «5». يقرأ بفتح السين وضمّها. فالحجة لمن فتحها:
أنه بنى الفعل لهم فرفعهم به. والحجة لمن ضمها: أنه بنى الفعل لما لم يسمّ فاعله و (سعد) يصلح أن يتعدّى إلى مفعول، وأن لا يتعدّى، كقولك: سعد زيد وسعده الله، وجبر زيد، وجبره الله، قال العجّاج «6» فأتى باللغتين:
قد جبر الدّين الإله فجبر ... وعوّر الرحمن من ولّى العور
«7» قوله تعالى: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ «8». يقرأ بتشديد إنّ وتخفيفها. فالحجة لمن شدّد:
أنه أتى بالحرف على أصل ما بني عليه فنصب به الاسم. والحجة لمن خفف: أنه جعلها مخفّفة من المثقلة، فأعملها عمل المثقلة، لأنها مشبهة بالفعل. فلما كان الفعل يحذف منه،
__________
(1) قال البطليوسي: ويروي بيت النابغة على وجهين:
سرت عليه من الجوزاء سارية ... الخ، وأسرت.
انظر: (شروح سقط الزند، القسم الأول- الشطر الثاني 237) وانظر: أيضا: (اللسان: مادة: حيا).
(2) هود: 81.
(3) على أنها بدل من أحد.
(4) أي استثناه من (أهلك).
(5) هود: 108.
(6) العجاج: انظر: 94
(7) انظر: (ديوان أبي رؤبة عبد الله العجاج مع شرحه ص 1 مخطوط رقم 517، أدب. دار الكتب المصرية).
واستدل بهذا الرجز ابن أبي الأصبع المصري في باب «المراجعة».
وقال قد روي عن الأصمعي أنها تزيد عن تسعين سطرا، ولو أطلقت قوافيها لكانت كلها مفتوحة.
ويروي الدكتور حفني شرف أن البيت لابنه عبد الله بن رؤبة وليس لرؤبة.
انظر: (بديع القرآن لابن أبي الأصبع المصري تحقيق الدكتور حفني شرف: 301 ويرى محقق «مجموع أشعار العرب» أن الرجز لرؤية يمدح عمر بن عبيد الله. وكان عبد الله وجهه إلى أبي فديك الحروري فقتله وأصحابه.
(مجموع أشعار العرب 2: 15).
(8) هود: 111.

(1/190)


فيعمل عمله تاما كقولك: سل «1» زيدا أو قل «2» الحق كانت إنّ بهذه المثابة.
ولو رفع ما بعدها في التخفيف لكان وجها. واحتج أنه لما كانت إنّ مشبهة بالفعل لفظا ومعنى، عملت عمله، والمشبه بالشيء أضعف من الشيء، فلما خفّفت عاد الاسم بعدها إلى الابتداء والخبر، لأنها عليه دخلت.
قوله تعالى: لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ «3» يقرأ بتشديد الميم، وتخفيفها. فالحجّة لمن خفف: أنه جعل اللام داخلة على خبر (إنّ). و (ليوفّينّهم) لام تحتها قسم مقدّر. و «ما» صفة عن ذات الآدميين كقولك: إنّ عندي لما غيره خير منه. والحجة لمن شدّد: إنه أراد:
(لمن ما) فقلب لفظ النون ميما، ثم أدغمها في الميم بعد أن أسقط إحدى الميمات تخفيفا واختصارا، لأنهنّ ثلاث في الأصل.
قوله تعالى: وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ «4». يقرأ بفتح الياء وكسر الجيم. وبضم الياء وفتح الجيم. فالحجة لمن ضم: أنه أراد: يردّ الأمر. والحجة لمن فتح: أنه أراد: يصير الأمر.
ومعناهما قريب.
قوله تعالى: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ «5» يقرأ بالياء والتاء. وقدمنا من ذكره في نظائره ما يغني عن إعادته إن شاء الله.