الحجة في القراءات السبع ومن سورة النحل
قوله تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ «5». يقرأ بالإمالة والتفخيم.
فالحجة لمن أمال: أنه دلّ على الياء. والحجة لمن فخّم: أنه
أجرى الكلام على أصله، و «أتى» هاهنا ماض في معنى مستقبل.
ودليله قوله: (فلا تستعجلوه) يريد به «الساعة».
قوله تعالى: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ. سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا
يُشْرِكُونَ «6». يقرأ بالياء والتاء.
فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه جعله مما أمر الله نبيّه عليه
السلام أن يخبر به. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه أراد: معنى
الخطاب، وأتى به تنزيها لله تعالى من عنده، فأنزله الله تصديقا
لقوله.
والتسبيح: ينقسم في اللغة أربعة أقسام: تنزيها، صلاة،
واستثناء، ونورا.
فالتنزيه، كقوله: (سبحانه وتعالى). والصلاة: كقوله: فَلَوْلا
أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ «7».
__________
(1) الحجر: 78.
(2) الشعراء: 176.
(3) ص: 13.
(4) ق: 14.
(5) النحل: 1.
(6) النحل: 1.
(7) الصافات: 143
(1/208)
والاستثناء: كقوله: لَوْلا تُسَبِّحُونَ
«1». والنّور: كقول النبي صلّى الله عليه وسلم:
«فلولا سبحات وجهه «2» أي: نور وجهه».
قوله تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ «3». يقرأ بالياء والتاء،
وضمّهما، وبالتشديد والتخفيف.
فالحجة لمن قرأه بالتاء والتشديد: أنه جعل الفعل لما لم يسمّ
فاعله، ورفعهم بذلك. والحجة لمن قرأه بالياء مشدّدا أو مخففا:
أنه جعل الفعل لله عز وجل، فأضمره فيه لتقدّم اسمه، ونصب
(الملائكة) بتعدّي الفعل إليهم. وأخذ المشدّد من نزّل،
والمخفّف من أنزل.
قوله تعالى: يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ «4». يقرأ بالياء والنون.
فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه أخبر به عن الله عز وجل لتقدّم
اسمه في أول الكلام. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعله من
إخبار الله عز وجل عن نفسه بنون الملكوت. وقد تقدّم لذلك من
الاحتجاج ما فيه بلاغ.
قوله تعالى: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ
«5». يقرأ كله بالنصب، وبالرفع، وبالنصب إلّا قوله
وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ فإنه رفع. فالحجة لمن نصبه: أنه عطفه
بالواو على أول الكلام فأتى به على وجه واحد. والحجة لمن رفعه:
أنه جعل الواو حالا لا عاطفة كقولك: كلمت زيدا وعمرو قائم
فترفع عمرا بالابتداء، وقائم خبره. وكذلك قوله:
(والشمس والقمر والنجوم) مبتدآت و (مسخرات) خبر عنهنّ. والحجة
لمن رفع قوله:
(والنجوم مسخّرات): أنه لما عطف: (والشمس والقمر) على قوله:
(وسخّر لكم) لم يستحسن أن يقول: وسخر النجوم مسخرات، فرفعها
قاطعا لها مما قبلها.
فإن قيل: فما حجة من نصبها؟ فقل: بفعل مقدّر معناه: وجعل
النجوم مسخرات.
فإن قيل: فما معنى قوله: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ «6»
فوحّدها هنا، وقد جمع في أول الكلام؟ فقل: إنّ الله عز وجل جعل
النجوم ثلاثة أصناف: منها رجوم الشياطين، ومنها ما تهتدى به
كالجدي والفرقدين، ومنها مصابيح وزينة. فأمّا النجم الثّاقب
فقيل: «الثريّا»
__________
(1) القلم: 28.
(2) انظر: (النهاية في غريب الحديث والأثر). لابن الأثير 2:
332
(3) النحل: 2.
(4) النحل: 11.
(5) النحل: 12.
(6) النحل: 16.
(1/209)
وقيل: المتوقّد نورا لقولهم: أثقب نارك.
والنجم: القرآن لقوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى «1».
قيل: هو نزول جبريل به. والنّجم من النبات: ما لا يقوم على
ساق.
قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما
تُعْلِنُونَ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ «2». يقرأن بالتاء والياء
وقد تقدّم من القول في مثاله ما يغني عن إعادته «3».
قوله تعالى: تُشَاقُّونَ فِيهِمْ «4». يقرأ بفتح النون،
وكسرها. والقول فيه كالقول في قوله: فبم تبشّرون) «5».
قوله تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ «6» يقرأ
بالياء والتاء. وقد أتينا على علّته في قوله:
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ «7».
قوله تعالى: تَتَوَفَّاهُمُ «8». يقرأ بالإمالة والتفخيم.
فالحجة لمن أمال: أنه دلّ على أصل الياء. والحجة لمن فخم: أنه
لما زالت (الياء) «9» عن لفظها، لانفتاح ما قبلها زالت الإمالة
بزوال اللفظ.
قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ «10». يقرأ بالتاء
والياء على ما قدمنا من القول في أمثاله «11».
قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ «12».
يقرأ بضم الياء وفتح الدال، وبفتح الياء وكسر الدال. فالحجة
لمن قرأ بضم الياء: أنه أراد: لا يهدى من يضلّه الله فاسم
(الله) منصوب ب (إنّ) و (يهدى) الخبر، وهو: فعل ما لم يسم
فاعله و (من) في محل رفع و (يضل) صلة (من) وقد حذفت الهاء منه،
لأن الهاء عائدة على «من»: ولا بدل (من)
__________
(1) النجم: 1.
(2) النحل: 19، 20.
(3) انظر مثلا 82.
(4) النحل: 27.
(5) انظر: 206 عند قوله تعالى: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ: الحجر:
54.
(6) النحل: 28.
(7) انظر: 108.
(8) النحل: 28.
(9) في الأصل: التاء، والصواب ما أثبتّه.
(10) النحل: 33.
(11) انظر: 82 وغيرها.
(12) النحل: 37.
(1/210)
و (ما) و (الذي) و (التي) و (أيّ) من صلة
وعائد ومعرب، لأنّهن أسماء نواقص.
والحجة لمن فتح الياء: أنه أراد: فإن الله لا يهدي من يضلّه
أحد إلّا هو «1» (فيهدي):
فعل لله عز وجل و (من) في موضع نصب، بتعدّي الفعل إليه.
قوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ «2». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة
لمن رفع: أنه أراد:
فإنه يكون. والحجة لمن نصب: أنه عطفه على قوله: (أن نقول له)،
ومثلها التي في آخر (يس) «3».
قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ «4»،
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ «5»، أَوَلَمْ يَرَوْا
كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ «6». يقرأن بالتاء والياء.
فالحجة لمن قرأهن بالتاء: أنه أراد: معنى مخاطبتهم وتقريرهم
بآيات الله، وبدائع خلقه. والحجة لمن قرأهن بالياء: أنه جعل
الألف للتوبيخ، فكأنه قال موبّخا لهم: ويحهم! كيف يكفرون بالله
وينكرون البعث ويعرضون عن آياته وهم يرون الطير مسخرات، وما
خلق الله من شجر ونباتا، وما بدأه من الخلق؟
أفليس من خلق شيئا من غير شيء، فأنشأه، وكوّنه، ثم أماته،
فأفناه قادرا على إعادته بأن يقول له: عد إلى حالتك الأولى؟.
قوله تعالى: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ «7». يقرأ بالياء والتاء.
فالحجة لمن قرأ بالتاء: أنه جمع (ظل)، وكلّ جمع خالف الآدميين،
فهو مؤنث، وإن كان واحده مذكّرا. ودليله، قوله عز وجل في
الأصنام: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ «8» فأنّث لمكان الجمع.
والحجة لمن قرأه بالياء: أنه وإن كان جمعا فلفظه لفظ الواحد،
كقولك جدار، وعذار، ولذلك ناسب جمع التكسير الواحد، لأنه معرب
بالحركات مثله.
__________
(1) أي: لا يرشد من أضله، وهذه قراءة ابن مسعود، وأهل الكوفة.
انظر: (تفسير القرطبي 10: 104).
(2) النحل: 40.
(3) يس: 83.
(4) النحل: 48.
(5) الملك: 19.
(6) العنكبوت: 19.
(7) النحل: 48.
(8) إبراهيم: 36.
(1/211)
فإن قيل: (أجاز) «1» مثل ذلك في قوله أَمْ
هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ «2»؟ فقل:
هذا لا يلزم، وإن كانا جمعين، لأن علامة التأنيث في قوله:
(الظلمات) موجودة وفي قوله: (ظلال) معدومة.
قوله تعالى: إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ «3». يقرأ
بالياء وفتح الحاء وبالنون وكسر الحاء.
وقد ذكر ذلك مع أمثاله «4».
قوله تعالى: وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ «5». يقرأ بفتح الراء
وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه جعلهم مفعولا بهم لما لم يسمّ
فاعله. ومعناه: منسيون من الرحمة، وقيل: مقدمون إلى النار.
والحجة لمن كسر: أنه جعل الفعل لهم. وأراد: أنهم فرّطوا في
الكفر والعدوان، فهم مفرطون. والعرب تقول: أفرط فلان في الأمر:
إذا قصّر وإذا جاوز الحد.
قوله تعالى: نُسْقِيكُمْ «6». يقرأ بضم النون وفتحها هاهنا وفي
المؤمنين «7». وهما لغتان بمعنى سقى وأسقى. وأنشد:
سقى قومي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هلال
«8» وقال قوم: سقيته ماء بغير ألف. ودليله قوله: وَسَقاهُمْ
رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً «9» وأسقيته بالألف: سألت الله أن
يسقيه. وقال آخرون: ما كان مرّة واحدة فهو بغير ألف وما كان
دائما فهو بالألف.
قوله تعالى: يَوْمَ ظَعْنِكُمْ «10». يقرأ بتحريك العين
وإسكانها. فالحجة لمن حرّك العين
__________
(1) في الأصل: فأجز، والصواب ما ذكرته.
(2) الرّعد: 16.
(3) النحل: 43.
(4) انظر: 96 عند قوله تعالى يُبَيِّنُها.
(5) النحل: 62.
(6) النحل: 66.
(7) المؤمنون: 21.
(8) نسبه في «اللسان» للبيد: انظر: مادة: سقى.
(9) الإنسان: 21.
(10) النحل: 80.
(1/212)
فلأنها من حروف الحلق. والحجة لمن أسكن:
أنه أراد المصدر. ومثله: طعنته بالرمح طعنا.
قوله تعالى: وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا «1». يقرأ
بالياء والنون. فالحجة لمن قرأه بالياء:
أنه ردّه على قوله: (ما عندكم ينفد، وما عند الله باق،
ولنجزين). والحجة لمن قرأه بالنون: أنه أراد: أن يأتي بأول
الكلام محمولا على آخره، فوافق بين قوله تعالى:
وَلَنَجْزِيَنَّ وقوله: فَلَنُحْيِيَنَّهُ «2»
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ «3».
قوله تعالى: يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ «4». يقرأ بضم
الياء وفتحها. وقد ذكرت علته فيما سلف «5».
قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا «6». يقرأ بفتح التاء،
وبضم الفاء وكسر التاء. فالحجة لمن فتح: أنه جعل الفعل لهم.
والحجة لمن ضم الفاء أنه دل بذلك على بناء ما لم يسم فاعله.
ومعناه: أن (عمار بن ياسر) «7» وجماعة من أهل مكة أرادهم كفار
قريش على الكفر وأكرهوهم، فقالوا بألسنتهم، وقلوبهم مطمئنة
بالإيمان ثم هاجروا إلى المدينة فأخبر الله عز وجل عنهم بما
كان من إضمارهم ومن إظهارهم. والحجة لمن جعل الفعل لهم: أن ذلك
كان منهم قبل الإسلام فمحا الإسلام ما قبله.
قوله تعالى: وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ «8». يقرأ بفتح الضاد
وكسرها. وقد ذكرت حجته آنفا «9» وقلنا فيه: ما قاله أهل اللغة.
والاختيار هاهنا: الفتح، لأن الضّيق بالكسر: في الموضع،
والضّيق بالفتح: في المعيشة. والذي يراد به هاهنا: ضيق
المعيشة، لا ضيق المنزل.
__________
(1) النحل: 96.
(2) النحل: 97.
(3) النحل: 97.
(4) النحل: 103.
(5) انظر: 167.
(6) النحل: 110.
(7) عمّار بن ياسر: انظر: (أسد الغابة 4: 43) وانظر: (صفة
الصّفوة 1: 175).
(8) النحل: 127.
(9) انظر: 149.
(1/213)
ومن سورة بني
إسرائيل (الإسراء)
قوله تعالى: أَلَّا تَتَّخِذُوا «1» يقرأ بالياء والتاء.
فالحجّة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه على بني إسرائيل. والحجة
لمن قرأه بالتاء: أنه جعل النبيّ عليه السلام مواجها لهم
بالخطاب.
قوله تعالى: لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ «2». يقرأ بفتح الهمزة
علامة للنصب. وبضمّها، وواو بعدها. وبالياء والنون. فالحجة لمن
قرأ بفتح الهمزة: أنه جعله فعلا للوعد وللعذاب.
والحجة لمن قرأه بالضم: أنه جعله فعلا للعباد في قوله: عِباداً
لَنا «3» ليسوءوا وجوهكم.
ودليله قوله: وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ «4»، وَلِيُتَبِّرُوا
«5». والقراءة بالياء في هذين الوجهين.
فأمّا النون فإخبار عن الله عز وجل، أخبر به عن نفسه.
وخصّ الوجوه، وهو يريد: الوجوه والأبدان. ودليله قوله تعالى:
كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ «6». يريد: إلّا هو.
والفعل في الإفراد والجمع منصوب بلام كي.
قوله تعالى: كِتاباً يَلْقاهُ «7». يقرأ بتخفيف القاف، وسكون
اللام، وبتشديدها وفتح اللام «8». فالحجة لمن خفف: أنه جعل
الفعل للكتاب والهاء للإنسان «9». والحجة لمن شدّد: أنه جعل
الفعل لما لم يسمّ فاعله، واسمه مستتر فيه، والهاء للكتاب.
قوله تعالى: أَمَرْنا مُتْرَفِيها «10». يقرأ بالتشديد
والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنّه أراد به: الإمارة، والولاية
منها. والحجة لمن خفف: أنه أراد: أمرناهم بالطاعة، فخالفوا إلى
العصيان. وأمّا قول العرب: أمّر بنو فلان، فمعناه: كثروا «11»
والله آمرهم أي: كثّرهم وبارك فيهم.
__________
(1) الإسراء: 2.
(2) الإسراء: 7.
(3) الإسراء: 5.
(4) الإسراء: 7.
(5) الإسراء: 7.
(6) القصص: 88.
(7) الإسراء: 13.
(8) وضم الياء أيضا، وهي قراءة أبي جعفر والحسن، وابن عامر.
انظر: (القرطبي 1: 249 ط 1940 م).
(9) في قوله تعالى وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي
عُنُقِهِ آية 13.
(10) الإسراء: 16.
(11) ويقال في مثل: في وجه مالك تعرف أمرته وأمرته، أي نماؤه
وكثرته. وقال أبو عبيدة: يقال: خير المال سكّة
(1/214)
قوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ «1».
يقرأ بالكسر منوّنا وغير منوّن، وبالفتح من غير تنوين. فالحجة
لمن نوّن: أنه أراد بذلك: الإخبار عن (نكر) «2» معناه: فلا تقل
لهما القبيح. والحجة لمن كسر ولم ينون: أنه أراد: إسكان الفاء
فكسر لالتقاء الساكنين «3».
وفيها سبع لغات: الفتح والتنوين، والكسر والتنوين، والضم
والتنوين، وأفّى على وزن فعلى. وزاد (ابن الأنباري) «4»: «أف»
بتخفيف الفاء وبإسكانها.
وهي: كلمة تقال عند الضجر. ولو علم الله تعالى أوجز منها في
ترك العقوق لأتى بها. ومعناها: كناية عن كل قبيح.
فإن قيل فلم جاز إجراء الفاء في «أف» لجميع الحركات؟ فقل: لأن
حركتها ليست بحركة إعراب إنما هي لالتقاء الساكنين، فأجروها
مجرى ما انضم أوله من الأفعال عند الأمر بها، وإدغام آخرها كما
قال:
فغضّ الطّرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
«5» فالضاد تحرك بالضم اتّباعا للضم، وبالفتح لالتقاء
الساكنين، وبالكسر على أصل ما يجب في تحريك الساكنين إذا
التقيا.
فإن قيل: أفيجوز مثل ذلك في (ربّ)، وثم؟ فقل: لا، لأن هذين
حرفان وحقّ الحروف البناء على السكون، فلمّا التقى في أواخرها
ساكنان حرّكت بأخفّ الحركات، واتسع في «أف» لأنها لمنهى عنه،
كما وقعت (إيه) لمأمور به، كما اتسعوا في حركات أواخر الأفعال
عند الأمر والنهي.
__________
مأبورة، أو مهرة مأمورة، فالمأمورة: الكثيرة الولد من آمرها
الله: كثّرها، وكان ينبغي أن يقال: مومرة، ولكنه أتبع مأبورة،
والسكة: السطر من النخل والمأبورة: المصلحة. انظر: (الأمالي
لأبي علي القالي 1: 103).
وقال في الجمهرة: أمر القوم إذا كثروا. انظر: (كتاب جمهرة
اللغة 3: 253).
(1) الإسراء: 23.
(2) النكر: المنكر، قال الله تعالى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً
نُكْراً. وفي الأصل: نكرة، ولا معنى لها في سياق الأسلوب.
(3) لأن الفاء المشددة حرفان.
(4) ابن الأنباري: محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، أبو بكر
الأنباري كان من أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظا له،
وتوفي أبو بكر بن الأنباري سنة سبع وعشرين وثلاثمائة يوم
الأضحى، إنباه الرواة 3 - 201، نزهة الألباء 185.
(5) انظر: (بديع القرآن لابن أبي الأصبع 292، ديوان جرير 75،
مطبعة الصاوي، والدرر اللوامع 2: 240، وشرح شافية ابن الحاجب
لرضي الدين الاسترابادي 4: 163. والكتاب 2: 160). وهذا البيت
من قصيدة لجرير، المعروفة بالدامغة، هجا بها الرّاعي النّميري
وقومه.
(1/215)
قوله تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ
الْكِبَرَ «1». يقرأ بإثبات الألف بعد الغين، وبطرحها وبتشديد
النون في الوجهين. فالحجة لمن أثبت الألف: أنه جعلها ضميرا
للوالدين، وكناية عنهما لتقدّمهما، وأسقط النون التي هي علامة
الإعراب لدخول حرف الشرط وأتى بنون التأكيد الشديدة، وبني
الفعل معها، لأنها مانعة من الإعراب، وكسرت تشبيها بنون
الاثنين. والحجة لمن طرح الألف: أنه صاغ الفعل لقوله: (أحدهما)
ونصب الكبر بتعدّى الفعل إليه، وأتى بالنون الشديدة لدخول
«إمّا» على الفعل لأنها قلّما تدخل على فعل إلا أتى فيه بالنون
الشديدة للتأكيد.
فإن قيل: فإذا رفعت (أحدهما) هاهنا بفعله فبم ترفعه مع الألف؟
فقل في ذلك غير وجه. أحدها: أنه يرتفع بدلا من الألف التي في
الفعل. والثاني: أنه يرتفع بتجديد فعل مضمر، ينوب عنه الظاهر.
والثالث: أنه يرتفع على إعادة سؤال وإجابة، كأنه قيل: من يبلغ
الكبر؟ فقل: أحدهما أو كلاهما. وعلى هذا الوجه يحمل قوله
تعالى:
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا «2».
فإن قيل: فلم خصّا بالبرّ عند الكبر؟ فقل إنما خصّا بذلك، وإن
كان لهما واجبا في سائر الأوقات، لأنهما عند الكبر يثقل عليهما
الاضطراب والخدمة، فخصّا بالبر فيه لذلك. وتقول العرب: (فلان
أبرّ بوالديه من النّسر) لأن أباه إذا كبر، ولم ينهض للطيران
لزم وكره وعاد الفرخ عليه فزقّه، «3» كما كان أبوه يفعل به.
قوله تعالى: كانَ خِطْأً «4». يقرأ بكسر الخاء وإسكان الطاء
والقصر، وبفتحهما والقصر، وبكسر الخاء وفتح الطاء والمدّ.
فالحجة لمن كسر وأسكن وقصر: أنه جعله مصدرا لقولهم: خطئت خطأ.
ومعناه: أثمت إثما. والحجة لمن فتحهما وقصر: أنه أراد الخطأ
الذي هو ضدّ العمد. ودليله قوله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ
أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً «5». وقال بعض أهل
اللغة: هما لغتان بمعنى، كما قالوا قتب وقتب، وبدل وبدل.
__________
(1) الإسراء: 23.
(2) الأنبياء: 3.
(3) الزّق: إطعام الطائر فرخه.
(4) الإسراء: 31.
(5) النساء: 92.
(1/216)
والحجة لمن كسر الخاء وفتح الطاء ومدّ،
فوزنه فعال من الخطيئة «1». وهو مصدر كالصيام والقيام. والعرب
تقول: هذا مكان مخطوء فيه من خطئت، ومخطأ فيه من أخطأت، هذان
بالهمز ومكان مخطو فيه من المشي بتشديد الواو من غير همز.
قوله تعالى: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ «2». يقرأ بالياء
والتاء، فمن قرأه بالياء ردّه على الوليّ لأنه غير مقصود
بمواجهة الخطاب. والحجة لمن قرأه بالتاء، فالمعنى للوليّ،
والخطاب له وللحاضرين، أي: فلا تسرف يا وليّ ولا أنتم يا من
حضر. ودليله قراءة (أبيّ) «3»:
«فلا تسرفوا في القتل».
ومعنى الإسراف: أن تقتل عشرة بواحد، أو يقتل غير القاتل لشرفه
في قومه وخمول القاتل فيهم.
قوله تعالى: وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ «4». يقرأ بكسر القاف
وضمها. وهما لغتان فصيحتان والضم أكثر، لأنه لغة أهل الحجاز.
ومعناه: الميزان وأصله: (روميّ). والعرب إذا عرّبت اسما من غير
لغتها اتّسعت فيه كما قلنا: في إبراهيم وما شاكله «5».
قوله تعالى: كانَ سَيِّئُهُ «6». يقرأ بفتح الهمزة وإعراب
الهاء وتنوينها، وبرفع الهمزة وضمّ الهاء، لأنها هاء كناية.
فالحجة لمن فتح الهمزة وأعرب الهاء: أنه جعلها واحدة من
السّيئات. ودليله أن كل ما نهى الله عز وجل عنه سيئ مكروه، ليس
فيه مستحسن لقوله: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً
«7» فالسيئ: ضد الصالح. والحجة لمن قرأه بالإضافة قوله:
(مكروها). ولو أراد السّيئة لقال مكروهة، لأنها أقرب من (ذلك)
«8».
دليله أنه في قراءة (أبيّ): (كلّ ذلك كان سيئاته عند ربّك).
__________
(1) هكذا في الأصل، ولعل العبارة حدث فيها تقديم وتأخير، وكان
أصلها: «والحجة لمن كسر الخاء وفتح الطاء ومد» انه مصدر
كالصيام والقيام فوزنه: «فعال» الخ.
(2) الإسراء: 33.
(3) أبيّ: سبقت ترجمته 63.
(4) الإسراء: 35.
(5) انظر: 88.
(6) الإسراء: 38.
(7) التوبة: 102.
(8) في قوله تعالى: كُلُّ ذلِكَ الآية نفسها.
(1/217)
فإن قيل: لفظ «كل» يقتضي الجمع فلم لم يؤت
بعده بجمع؟ فقل ما بعده بمعنى:
الجمع، وإن أتى بلفظ الواحد. فمن أتى بعده بالجمع فعلى معناه،
ومن أتى بعده بالواحد فعلى لفظه.
قوله تعالى: لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ «1». يقرأ
بالتشديد والتخفيف. وقد ذكر القول فيه آنفا «2».
قوله تعالى: عَمَّا يَقُولُونَ، و (عما تقولون) «3»، تُسَبِّحُ
لَهُ «4» يقرأن بالتاء والياء. فالحجة لمن قرأه (يقولون) في
الموضعين بالياء والتاء مذكورة فيما مضى «5» والحجة لمن قرأ
تسبح بالتاء قراءة (أبيّ): (سبّحت له السماوات). والحجّة لمن
قرأه بالياء: أنه جمع قليل «6»، والعرب تذكّره. ودليله قوله
تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ «7».
وَقالَ نِسْوَةٌ «8» والعلة في ذلك: أن الجمع القليل قبل
الكثير، والتذكير قبل التأنيث، يحمل الأول «9» على الأول.
والحجة لمن قرأ بعضا بالتاء، وبعضا بالياء ما قدّمناه من
العلّة في الجمع.
قوله تعالى: أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا «10»
مذكور في «الأعراف»، والعلل فيه «11».
قوله تعالى: لَئِنْ أَخَّرْتَنِ «12». يقرأ بإثبات الياء
وحذفها. فالحجة لمن أثبتها: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن
حذفها: أنه اجتزأ بالكسرة منها.
فإن قيل: (لئن) حرف شرط، وحروف الشرط لا يليها إلّا مستقبل، أو
ماض في
__________
(1) الإسراء: 41.
(2) انظر: 68 عند قوله تعالى: بِما كانُوا يَكْذِبُونَ.
(3) الإسراء: 43.
(4) الإسراء: 44.
(5) انظر: 82 عند قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ.
(6) «السموات» جمع مؤنث، وهو: جمع قلّة.
(7) التوبة: 5.
(8) يوسف: 30.
(9) أي القلة على التذكير.
(10) الإسراء: 49.
(11) انظر: 161 عند قوله تعالى: قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً.
(12) الإسراء: 62.
(1/218)
معنى المستقبل، فقل: إنّ «اللّام» حرف
تأكيد، يرفع بعده الفعل، «وإن» حرف شرط ينجزم بعده الفعل، فلما
جمعوا بينهما لم يجز اجتماع الرفع والجزم في فعل واحد، فعدلوا
عن المستقبل إلى فعل لا يتبيّن فيه رفع ولا جزم، فوجدوه
الماضي، فأولوه (لئن) في جميع المواضع فاعرفه «1».
قوله تعالى: بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ «2». يقرأ بإسكان الجيم
وكسرها. فالحجة لمن أسكن:
أنه أتى بالجمع على حقّه، لأنه جمع (راجل). والحجة لمن كسر:
فلمجاورة اللام، لأن اللام كسرت للخفض، وكسرت الجيم للقرب
منها، كما قالوا: حجل. وأنشد:
أرتني حجلا على ساقها ... فهشّ الفؤاد لذاك الحجل.
«3»
قوله تعالى: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ «4»، أو فَيُرْسِلَ
«5»، فَيُغْرِقَكُمْ «6» يقرأ كله بالنون والياء. فالحجة لمن
قرأه بالنون: أنه جعله من إخبار الله عن نفسه. والحجة لمن قرأه
بالياء: أنه جعله من إخبار النبي صلى الله عليه عن ربّه.
قوله تعالى: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي
الْآخِرَةِ أَعْمى «7». يقرءان بالإمالة والتفخيم معا. وبإمالة
الأول، وتفخيم الثاني. فالحجة لمن أمالهما: أنه دلّ بالإمالة
على أنهما من ذوات الياء، لأنهم يميلون الربّاعي، وإن كان من
ذوات الواو، فذوات الياء بذلك أولى. والحجة لمن فخّمها: أنه
أتى بالكلام على أصله، لأنه قد انقلبت الياء ألفا لفتح ما
قبلها، فاستعمال اللفظ أولى من استعمال المعنى.
ومعنى ذلك: ومن كان فيما وصفنا من نعيم الدنيا أعمى فهو في
نعيم الآخرة أعمى وأضل. والحجّة لمن أمال الأول، وفخّم الثاني:
أنه جعل الأول صفة والثاني بمنزلة: أفعل منك، ومعناه: ومن كان
في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى منه في الدنيا.
__________
(1) يقصد أن ذلك حكم «لئن» إذا دخلت على الفعل في جميع
المواضع.
(2) الإسراء: 64.
(3) الإنصاف لابن الأنباري 2: 733.
(4) الإسراء: 68.
(5) الإسراء: 69.
(6) الإسراء: 69.
(7) الإسراء: 72.
(1/219)
قوله تعالى: وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ
خِلافَكَ «1». يقرأ بفتح الخاء وإسكان اللام وبكسر الخاء وألف
بعد اللام. ومعناهما: بعدك. وهما لغتان، وليس من المخالفة، قال
الشاعر:
نؤي أقام خلاف الحيّ أو وتد
«2» قوله تعالى: وَنَأى بِجانِبِهِ «3». يقرأ بفتح النون
والهمزة، وبكسرها، وبفتح النون وكسر الهمزة، وإثبات الهمزة في
ذلك كله، وبفتح النون وتأخير الهمزة وفتحة قبلها كالمدّة.
فالحجة لمن قرأه بفتحهما: أنه أتى بالكلمة على أصلها، لأنها في
حقيقة اللفظ نأي على وزن (فعل). والحجة لمن قرأه بكسرهما: أنه
أمال الياء للدّلالة عليها، فكسر لها الهمزة ليقربها منها
بالمجاورة، وكسر النون لمجاورة الهمزة كما قالوا: شعير وبعير.
والحجة لمن فتح النون: أنه بقاها على أصلها، وكسر الهمزة
لمجاورة الياء. ومعنى ذلك كله: «بعد» والاسم منه النّأي.
والحجة لمن قرأه بتأخير الهمزة أنه أراد: معنى ناء ينوء:
إذا نهض بثقل مطيقا لحمله. ودليله قوله تعالى: لَتَنُوأُ
بِالْعُصْبَةِ «4». وأصله نوأ فانقلبت الواو ألفا لتحرّكها
وانفتاح ما قبلها، ومدّها تمكينا للهمزة بعدها.
قوله تعالى: حَتَّى تَفْجُرَ لَنا «5» يقرأ بالتشديد والتخفيف،
فالحجّة لمن شدّد: أنه أخذه من فجّر يفجّر. ودليله قوله:
تَفْجِيراً «6» كما قال: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً
«7».
والحجة لمن خفّف: أنه أخذه من فجر يفجر: إذا شقّ الأنهار،
وأجرى فيها الماء.
قوله تعالى: كِسَفاً «8» يقرأ بفتح السين وإسكانها. فالحجة لمن
فتح: أنه أراد به جمع «كسفة» كقولك: قطعة وقطع. والحجة لمن
أسكن: أنه شبّهه بالمصدر في قولهم «علم» و «حلم».
__________
(1) الإسراء: 76.
(2) لم أهتد بعد، إلى قائل هذا الشعر، أو المرجع الذي سجّل
فيه: قال في اللّسان: والنّؤى، والنّئي، والنأي، والنّوى بفتح
الهمزة على مثال التّقى: الحفير حول الخباء أو الخيمة يدفع
عنها السيل يمينا وشمالا ويبعده: اللسان:
مادة: نأى.
(3) الإسراء: 83.
(4) القصص: 76.
(5) الإسراء: 90
(6) الإسراء: 91.
(7) النساء: 164.
(8) الإسراء: 92.
(1/220)
قوله تعالى: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي «1» يقرأ
بإثبات ألف على الإخبار. وبطرحها على الأمر.
فالحجة لمن أتى به على الإخبار: أنه أتى به على الحكاية عن
الرسول عليه السلام، وهي بالألف في مصاحف أهل مكة والشام.
والحجّة لمن قرأه على الأمر: أنه أراد: ما لفظ به جبريل عليه
السلام فكأنه قال: قل يا محمد: تنزيها لله ربّي من قولكم.
قوله تعالى: لَقَدْ عَلِمْتَ «2». يقرأ بفتح التاء وضمّها.
فالحجة لمن فتح: أنه جعل التاء لفرعون دلالة على المخاطبة.
والحجة لمن ضمّ: أنه جعل التاء لموسى دلالة على إخبار المتكلّم
عن نفسه.
فإن قيل: فما وجه الخلف في هذه الآية؟ فقل: الخلف في القرآن
على ضربين: خلف المغايرة، وهو فيه معدوم، وخلف الألفاظ، وهو
فيه موجود.
ووجه الخلف في هذه الآية: أنّ موسى قال لفرعون لما كذّبه ونسب
آياته إلى السّحر:
لقد علمت أنها ليست بسحر، وأنها منزّلة فقال له فرعون: أنت
أعلم، فأعاد عليه موسى:
لقد علمت أنا أيضا أنّها من عند الله.
قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا «3». يقرأ بالضم والكسر. وقد ذكر في
البقرة «4».
قوله تعالى: فَهُوَ الْمُهْتَدِي «5». يقرأ بإثبات الياء
وحذفها. وقد ذكر في الأعراف «6».
ومن سورة الكهف
قوله تعالى: مِنْ لَدُنْهُ «7». يقرأ بضم الدال وإسكان النون،
وضم الهاء وإلحاق الضمة واوا. وباختلاس الضمة مع غير واو.
وبالإشارة إلى ضمة الدال وكسر النون والهاء وإلحاق ياء بعد
الهاء. فالحجة لمن أسكن النون وألحق ضمّة الهاء واوا: أنه أتى
بالكلمة على أصلها، ووفّاها ما وجب لها ولهاء الكناية إذا جاءت
بعد حرف ساكن، كقوله: (منهو) و (عنهو).
__________
(1) الإسراء: 93.
(2) الإسراء: 102.
(3) الإسراء: 110.
(4) انظر: 92 عند قوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ والمراد: ضم
اللام وكسرها من «قل».
(5) الإسراء: 97.
(6) انظر: 169 عند قوله تعالى: ثُمَّ كِيدُونِ.
(7) الكهف: 2.
(1/221)
والحجة لمن اختلس حركة الهاء: أنه اكتفى
بالضمّة من الواو لثقلها في أواخر الأسماء إذا انضم ما قبلها.
والحجة لمن أشار إلى حركة الدال بالضمة، وكسر النون والهاء،
وألحقها ياء: أنه استثقل الضمّة على الدّال، فأسكنها، وأشار
بالضمة إليها دلالة عليها فالتقى ساكنان، فكسر النون، وأتبعها
الهاء، وبيّن كسرتها بإلحاق الياء كما تقول: مررت بهي يا فتى.
و (لدن) في جميع أحوالها بمعنى عند، لا يقع عليها إعراب، وهي:
ظرف مكانيّ.
فإن قيل: فإذا كانت بمعنى «عند» فيجب أن تخفضها ب «من» كما
تقول: من عنده.
فقل: وقع الاتساع في «عند» ما لم يقع في «لدن» لأنك تقول:
المال عندي، وهو بحضرتك أو بعيد عنك، وتقول: القول عندي أي في
تمييزي، وهذا لا يكون في «لدن».
فأما عملهما فالخفض إلّا في قولهم: لدن غدوة فإنّهم خصوه
بالنصب «1».
قوله تعالى: تَتَزاوَرُ «2» يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة
لمن شدد: أنه أراد:
تتزاور فأسكن التاء وأدغمها في الزّاي لأنها تفضلها بالصّفير.
والحجة لمن خفف: أنه أراد: تتزاور أيضا ب «تاءين»، فثقل عليه
اجتماعهما، فحذف إحداهما، واكتفى بما أبقى ممّا ألقى.
قوله تعالى: وَلَمُلِئْتَ «3». يقرأ بتشديد اللّام وتخفيفها،
وبالهمز وتركه. فالحجة لمن شدد أنه أراد: تكرير الفعل والدوام
عليه. والحجة لمن خفف: أنه أراد: مرة واحدة.
فأما إثبات الهمز فيه فعلى الأصل، وأمّا تركه فتخفيف. فأما
تملّيت العيش فبغير همز.
قوله تعالى: بِوَرِقِكُمْ هذِهِ «4» بكسر الراء وإسكانها.
فالحجة لمن كسر: أنه أتى به على أصله. والحجة لمن أسكن: أنه
استثقل توالي الكسرات في الراء، والقاف، للتكرير الذي فيهما.
__________
(1) هذا يختلف مع قول ابن هشام حيث ذكر في المغنى: أنهم حكوا
في «غدوة» الواقعة بعد (لدن) الجرّ بالإضافة، والنصب على
التمييز والرفع بإضمار كان (المغنى 1: 136).
(2) الكهف: 17.
(3) الكهف: 18.
(4) الكهف: 19.
(1/222)
قوله تعالى: ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ «1».
يقرأ بإثبات التنوين، وبطرحه والإضافة. فالحجة لمن أثبت
التنوين: أنه نصب سنين بقوله «ولبثوا» ثم أبدل ثلاثمائة منها
فكأنه قال: ولبثوا سنين ثلاثمائة، كما تقول: صمت أيّاما خمسة.
ووجه ثان: أنه ينصب (ثلاثمائة) بلبثوا، ويجعل (سنين) بدلا منها
أو مفسّرة عنها. والحجة لن أضاف: أنه أتى بالعدد على وجهه،
وأضافه على خفّة بالمفسّر مجموعا على أصله، لأن إجماع النحويين
على أن الواحد المفسّر عن العدد معناه الجمع «2». فأمّا (سنون)
هاهنا فمجموعة جمع سلامة فلذلك فتحت نونها.
ومن العرب من يقرّها على لفظ الياء، ويجري النون بوجوه الإعراب
تشبيها بقولهم (قنّسرين) «3» و (بيرين) «4».
قوله تعالى: بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ «5». مذكور بعلله في
الأنعام «6».
قوله تعالى: وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً «7». يقرأ
بالياء والرفع، وبالتاء والجزم. فالحجة لمن قرأه بالياء
والرفع: أنه أخبر بذلك عن الله تعالى وجعل (لا) فيه بمعنى ليس.
والحجة لمن قرأه بالتاء والجزم: أنه قصد الرسول عليه السلام
ووجهه إلى غيره وجعل (لا) للنهي فجزم بها قوله تعالى:
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ «8». يقرأ بضم التاء والميم، وبفتحهما،
وبضم التاء وإسكان الميم. فالحجة لمن ضمّهما: أنه جعله جمع
الجمع. والحجة لمن فتحهما: أنه جعله من الجمع الذي يفرق بينه
وبين واحده بالهاء. والحجة لمن أسكن: أنه جعله من تثمير المال
__________
(1) الكهف: 25.
(2) قال سيبويه: إن هذا العدد- أعني مائة إلى الألف- يضاف إلى
المفرد دون الجمع، وإنما جاء هكذا (أي في الآية) تنبيها على
أنّ الأصل أن يضاف إلى الجمع، وإن جاء الاستعمال بخلافه تقول:
استحوذ عليهم الشيطان «والقياس» استحاذ. انظر: (إعراب القرآن
المنسوب خطأ إلى الزجاج ورقة: 31، مخطوط) - هذا ويرى مكّي أن
التنوين هو الاختيار، لأنه المستعمل المشهور، ولأن الأكثر
عليه. (الكشف عن وجوه القراءات وعللها لوحة 129، نسخة مصورة).
(3) مدينة بينها وبين حلب مرحلة، ولم يبق منها إلّا «خان»
تنزله القوافل انظر: (قاموس الأمكنة والبقاع: 169).
وقد ضبطها ياقوت بكسر الأول وفتح ثانيه وتشديده ثم سين مهملة
(معجم البلدان، المجلد الرابع 84).
(4) قال ياقوت: «بيرين» من قرى حمص (معجم البلدان، المجلد
الأول: 187).
(5) الكهف: 28.
(6) انظر: 140.
(7) الكهف: 26.
(8) الكهف: 42.
(1/223)
لقوله بعد ذلك: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ
مالًا «1». وقد ذكر هذا مستقصى في الأنعام «2».
قوله تعالى: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي «3». يقرأ بإثبات
الألف وصلا ووقفا. وبحذفها وصلا وإثباتها وقفا. فالحجة لمن
أثبتها: أن الأصل فيه: لكن أنا فحذفت الهمزة تخفيفا، فبقي
(لكننا) فأدغمت النون في النون فصارتا نونا مشددة. والحجة لمن
حذفها وصلا: أنه اجتزأ بفتحة النون من الألف لاتصالها بالكلام،
ودرج بعضه في بعض، واتبع خط السّواد في إثباتها وقفا.
قوله تعالى: مِرفَقاً «4». بكسر الميم وفتح الفاء، وبفتح الميم
وكسر الفاء. فالحجة لمن كسر الميم: أنه جعله من الارتفاق.
والحجة لمن فتح: أنه جعله من (اليد). وقيل هما لغتان فصيحتان.
قوله تعالى: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ «5». يقرأ بالياء
والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء ما ذكرناه آنفا من الفصل بين
الفعل والاسم، وأن التأنيث فيها ليس بحقيقي. ودليله قوله:
(ينصرونه).
والحجة لمن قرأه بالتاء: ظهور علم التأنيث في الاسم، وأنه جمع،
والتاء ثابتة في فعل الجمع كقوله: قالَتِ الْأَعْرابُ 6.
والطائفة، والفئة يكونان واحدا، وجمعا. فإن قيل: لفظ «مائة» و
«فئة» سيّان، فلم زيدت الألف في مائة خطّا؟ فقل: إنما زيدت
الألف في قولك: أخذ مائة درهم، لئلا يلتبس
في الخط بأخذ منه درهم، وكتب فئة على أصلها لأنه لا لبس فيها
7.
قوله تعالى: الْوَلايَةُ 8. يقرأ بفتح الواو وكسرها. فالحجة
لمن فتح: أنه جعله مصدرا من قولك: ولى بيّن الولاية. والحجة
لمن كسر: أنه جعله مصدرا من قولك: وآل بيّن الولاية، أو من
قولك: واليته موالاة وولاية. وقيل: هما لغتان، كقولك: الوكالة
والوكالة.
قوله تعالى: لِلَّهِ الْحَقِّ 9. يقرأ بالرفع والخفض. فالحجة
لمن رفع: أنه جعله وصفا
__________
(1) الكهف: 34.
(2) انظر: 146.
(3) الكهف: 38.
(4) الكهف: 16.
(5) الكهف: 43.
(1/224)
للولاية. ودليله: أنه في قراءة (أبيّ):
هنالك الولاية الحقّ لله. وهنالك إشارة إلى يوم القيامة.
والحجة لمن خفض: أنه جعله وصفا لله عز وجل، ودليله قوله تعالى:
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ «1». وقرأه
(عبد الله): (هنالك الولاية لله وهو الحقّ).
فالحق: الله عز وجل. والحقّ: صدق الحديث. والحق: الملك
باستحقاق.
والحق: اليقين بعد الشك.
ويجوز في النحو والنصب بإضمار فعل على المصدر معناه: أحق الحقّ
«2».
قوله تعالى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ «3». يقرأ بالتاء
والرفع. وبالنون والنصب. فالحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعل
الفعل لما لم يسمّ فاعله، فرفع الجبال به، وأتى بالتاء لتأنيث
الجبال، لأنها جمع لغير الآدميين. ودليل ذلك قوله تعالى:
وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً «4» فمستقبل هذا
(تسيّر). والحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعله من إخبار الله
تعالى عن نفسه، ونصب الجبال بتعدّي الفعل إليها. ودليله قوله
تعالى: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ «5»، ولم يقل:
(وحشروا فلم يغادر) فردّ اللفظ على مثله لمجاورته له أولى
وأحسن. (ويوم) منصوب بإضمار فعل. معناه: واذكر يا محمد يوم
نسير الجبال، أو يكون منصوبا، لأنه ظرف لقوله تعالى: خَيْرٌ
عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً «6» في يوم تسيّر الجبال. ومعنى قوله:
«بارزة» أي: ظاهرة لا يستتر منها شيء لاستوائها، ويحتمل أن
يريد تبرز ما فيها من الكنوز والأموات.
قوله تعالى: وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا «7» يقرأ بالياء والنون.
فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه
__________
(1) الأنعام: 62.
(2) بذلك قرأ عمرو بن عبيد بالنصب على التأكيد، قال الزمخشري:
وهي قراءة حسنة فصيحة، وكان عمرو بن عبيد من أفصح الناس:
(تفسير الكشاف للزمخشري 2: 566). وقد ردّ أحمد بن المنير عليه
زعمه هذا مبينا:
أنه «يوهم أن القراءة موكولة إلى رأى الفصحاء، واجتهاد
البلغاء، فتتفاوت في الفصاحة لتفاوتهم فيها، وهذا منكر شنيع».
والحق. أنه لا يجوز لأحد أن يقرأ إلا بما سمع، فوعاه متصلا.
انظر: (الانتصاف 2: 566 هامش الكشاف)
(3) الكهف: 47.
(4) النبأ: 20.
(5) الكهف: 47.
(6) الكهف: 46 وفي الأصل (ذلك خير ثوابا) وهو تحريف.
(7) الكهف: 52.
(1/225)
جعله من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن
الله عز وجل بأمره. والحجة لمن قرأه بالنون:
أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه.
قوله تعالى: قُبُلًا «1» يقرأ بضم القاف والباء، وبكسرها وفتح
الباء. فالحجة لمن ضمّ:
أنه أراد: جمع (قبيل) كقولك في جمع قميص: قمص. ودليله قوله:
(كل شيء) «2» يريد: قبيلا قبيلا. والحجة لمن كسرها وفتح الباء:
أنه أراد: عيانا ومقابلة. وقال بعض أهل
اللغة: القبيلة بنو أب. والقبيل، الجماعة. واستدلّ بقوله: أَوْ
تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا «3» وبقول
الشاعر:
جوانح قد أيقنّ أنّ قبيلهم ... إذا ما التقى الجمعان أوّل غالب
«4» قوله تعالى: وَما أَنْسانِيهُ «5». يقرأ بضم الهاء وكسرها
مختلستين. فالحجة لمن ضمّ:
أنه أتى بلفظ الهاء على أصل ما وجب لها. والحجة لمن قرأه
بالكسر: فلمجاورة الياء، ومثله: وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ
عَلَيْهُ اللَّهَ «6» وأمال الكسائي الألف في (أنسانيه)، ليدلّ
بذلك على أنها مبدلة من الياء.
قوله تعالى: مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً «7». يقرأ بضمتين،
وفتحتين، وبضم الراء وإسكان الشين.
فالحجة لمن قرأه بضمتين: أنه اتبع الضم كما ترى: الرُّعْبَ «8»
والسُّحْتَ «9».
والحجة لمن قرأه بفتحتين: أنه أراد به الصّلاح في الدّين.
والحجة لمن قرأه بضم الراء وإسكان الشين: أنه أراد: الصّلاح في
المال، وحد البلوغ. ودليله قوله تعالى: فَإِنْ آنَسْتُمْ
مِنْهُمْ رُشْداً «10» أي صلاحا.
__________
(1) الكهف: 55.
(2) كل شيء قبلا: الأنعام: 111.
(3) الإسراء: 92.
(4) انظر: أساس البلاغة للزمخشري: مادة: جنح.
(5) الكهف: 63.
(6) الفتح: 10.
(7) الكهف: 66.
(8) آل عمران: 151. الأنفال: 12. الأحزاب: 26. الحشر: 2.
(9) المائدة: 42، 62، 63.
(10) النساء: 6.
(1/226)
قوله تعالى: وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ
مَوْعِداً «1». يقرأ بفتح الميم، وضمّها. وبفتح اللام وكسرها.
فالحجة لمن فتحها: أنه جعله مصدرا من قولهم: هلكوا مهلكا، كما
قالوا:
طلعوا مطلعا. والحجة لمن قرأه بكسر اللام وفتح الميم: أنه جعله
وقتا لهلاكهم، أو موضعا لذلك. ودليله قوله تعالى: حَتَّى إِذا
بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ «2» أي الموضع الذي تغرب فيه.
والحجة لمن قرأه بضم الميم، وفتح اللام: أنه جعله مصدرا من
قولهم: أهلكهم الله مهلكا يريد: إهلاكا، فجعل مهلكا في موضعه.
ودليله قوله تعالى أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ «3».
قوله تعالى: لِتُغْرِقَ أَهْلَها «4». يقرأ بالتاء مضمومة،
ونصب الأهل. وبالياء مفتوحة ورفع الأهل. فالحجة لمن قرأه
بالتاء مضمومة: أنه جعله من خطاب موسى للخضر عليهما السلام،
ونسب الفعل إليه. ودلّ بالتاء على حد المواجهة والحضور. ونصب
(الأهل) بتعدّي الفعل إليهم. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه جعل
الفعل للأهل، فرفعهم بالحديث عنهم.
فإن قيل: فما وجه قول موسى للخضر عليهما السلام: هَلْ
أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ «5»؟
فقل عن ذلك أجوبة. أحدها: أن يكون موسى أعلم من الخضر بما
يؤدّى عن الله تعالى إلى خلقه مما هو حجّة لهم وعليهم، بينهم
وبين خالقهم، إلّا في هذه الحال.
والثاني: أنه استعلم من الخضر علما لم يكن عنده علم منه، وإن
كان عنده علوم سوى ذلك.
والثالث: أنه قد يمكن أن يكون الله تعالى أعطى نبيّا من العلم
أكثر مما أعطى غيره.
هذا جواب من جعل الخضر نبيّا.
قوله تعالى: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً «6». يقرأ زاكية
بالألف، وزكيّة بغير ألف. فالحجة لمن قرأ زاكية: أنه أراد:
أنها لم تذنب قطّ. والحجة لمن قرأها زكيّة أنه أراد: أنها
أذنبت ثم تابت. وقيل: هما لغتان بمعنى كقوله: قاسية وقسيّة.
__________
(1) الكهف: 59.
(2) الكهف: 86.
(3) الإسراء: 80.
(4) الكهف: 71.
(5) الكهف: 66.
(6) الكهف: 74.
(1/227)
قوله تعالى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً
«1». يقرأ وما كان مثله في كتاب الله تعالى بضم النون والكاف،
وبضم النون وإسكان الكاف.
فمن قرأه بالضم أتى به على الأصل. والحجة لمن أسكن: أنه خفّف
الكلمة استثقالا بضمتين متواليتين، وأولى ما استعمل الإسكان:
مع النصب. والضمّ: مع الرفع والخفض كقوله: إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ
«2» أكثر وأشهر. وكقوله: وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً «3».
الإسكان هاهنا أكثر لموافقة رءوس الآي.
قوله تعالى: مِنْ لَدُنِّي «4» يقرأ بضم الدال وتشديد النون،
وبضمها وتخفيف النون.
فالحجة لمن شدد: أن الأصل عنده لدن بسكون النون. ومن شأن ياء
الإضافة أن يكسر ما قبلها فزادوا على النون نونا ليسلم لهم
السّكون، فالتقى نونان، فأدغمت إحداهما في الأخرى، ثم جاءوا
بياء الإضافة. والحجة لمن خفّف: أنه حذف إحدى النونين تخفيفا
كما قرأ:
أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ «5» وتَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ «6»
بنون واحدة. وأنشد شاهدا لذلك:
أيّها السّائل عنه وعني ... لست من قيس ولا قيس مني
«7» وجرى (عاصم) «8» على أصله: في إسكان الدّال والإشارة إلى
الضم وتخفيف النون. وقد ذكرت حجته في ذلك «9». فإذا أفردت
«لدن» ففيها ثلاث لغات: لدن، ولدن، ولدن.
قوله تعالى: لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً «10». يقرأ بفتح
التاء وكسر الخاء وإظهار الذال، وإدغامها، وبألف الوصل وتشديد
التاء بعدها، وإدغام الذّال في التاء. فالحجة لمن قرأه بفتح
التاء وكسر الخاء والإظهار: أنه أخذه من تخذ يتخذ كما تقول:
شرب يشرب فأتى
__________
(1) الكهف: 74.
(2) القمر: 6.
(3) الطلاق: 8.
(4) الكهف: 76.
(5) الأنعام: 80.
(6) الزمر: 64.
(7) انظر: الدّرر اللوامع 2: 69، فرائد القلائد: 37 وخزانة
الأدب 2: 449، شرح الأشموني 1: 106، شرح المفصل 3: 125.
(8) عاصم سبقت ترجمته في 61.
(9) انظر: ص: 143 عند قوله تعالى: أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ
من سورة الأنعام.
(10) الكهف: 77.
(1/228)
بالكلام على أصله مبيّنا غير مدغم. والحجة
لمن قرأ بذلك وأدغم مقاربة الذّال للتاء. وقد ذكر في البقرة
«1». والحجة لمن قرأ بألف الوصل: أن وزنه افتعلت من الأخذ.
وأصله:
«ايتخذت» لأن همزة الوصل تصير ياء لانكسار ما قبلها ثم تقلب
تاء وتدغم في تاء افتعلت فتصيران تاء شديدة.
قوله تعالى: فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما «2» يقرأ بالتشديد
والتخفيف. فالحجة لمن شدد:
أنه أخذه من قولك: بدّل. ودليله قوله: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً
«3». والحجة لمن خفف: أنه أخذه من أبدل. ودليله قول العرب:
أبدلت الشيء من الشيء إذا أزلت الأول، وجعلت الثاني مكانه،
ومنه قول أبي النّجم «4»:
* عذل الأمير للأمير المبدل «5» * فكذلك الولد الذي أراد الله
تعالى إبدال أبويه به غير الأول. فهذا مذهب العرب ولفظها إذا
قالوا: بدّلت الشيء من الشيء، فمعناه غيّرت حاله وعينه، والأصل
باق كقولك:
بدلت قميصي جبة، وخاتمي حلقة. ودليل ذلك قوله تعالى:
بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها.
فالجلد الثاني هو الأول ولو كان غيره لم يجب عذابه، لأنه لم
يباشر معصية وهذا أوضح.
فأمّا إذا قالوا أبدلت غلامي جارية وقرسي ناقة لم يقولوه إلّا
بالألف. فاعرف فرق ما بين اللفظين فإنه لطيف.
فأمّا قوله تعالى: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ
خَوْفِهِمْ أَمْناً «6» فالتشديد لتكرير الفعل من الأمن بعد
الخوف، مرّة بعد مرّة، وأمنا بعد أمن.
قوله تعالى: وَأَقْرَبَ رُحْماً «7». يقرأ بضم الحاء وإسكانها،
وهما لغتان: كالعمر
__________
(1) انظر: 77.
(2) الكهف: 81.
(3) النحل: 101.
(4) أبو النجم: هو الفضل بن قدامة، من رجّاز الإسلام وهو الذي
يقول:
أنا أبو النجم وشعري شعري ... لله درّي ما يجيش صدري
كان من شعراء زمان الدولة الأموية، ومات في أواخر أيام دولتهم
انظر: (الكنى والألقاب 1: 160، والشعر والشعراء لابن قتيبة 2:
602).
(5) انظر: (معاني القرآن للفراء 2: 259).
(6) النور: 55.
(7) الكهف: 81.
(1/229)
والعمر، ومعناه: رحمة، وعطف، وقربى.
قوله تعالى: فَأَتْبَعَ «1» ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً «2».
يقرءان بألف الوصل وتشديد التاء، وبألف القطع وإسكان التاء.
فالحجة لمن قرأها بألف الوصل: أنّ وزنه: (افتعل) وأصله:
اتتبع فأدغمت التاء في التاء. والحجة لمن قرأها بألف القطع:
أنه جعله من أفعل يفعل أتبع يتبع. وقال بعض اللغويين: معنى
اتّبعه بألف الوصل: سرت في أثره، ومعنى أتبعته بألف القطع:
لحقته، ودليل ذلك قوله تعالى: فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ «3»
أي:
لحقه. والسّبب هاهنا: الطريق: وفي غير هذا: الحبل، والقرابة.
قوله تعالى: فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ «4». يقرأ بغير ألف،
وبالهمزة، وبالألف من غير همز.
فالحجة لمن قرأها بغير ألف وبالهمز: أنه أراد في عين سوداء
وهي: (الحمأة) التي تخرج من البئر. وقيل معناه: في ماء، وطين.
والحجة لمن قرأها بالألف من غير همز: أنه أراد: في عين حارّة
من قوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ، نارٌ حامِيَةٌ «5».
قوله تعالى: فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى «6». يقرأ بالرفع
والإضافة، وبالنصب والتنوين.
فالحجة لمن رفع وأضاف: أنه رفع الجزاء بالابتداء، وأضافه إلى
الحسنى، فتم بالإضافة اسما. وقوله: (له) الخبر. يريد به (فجزاء
الحسنى له). ودليله قوله: لَهُمُ الْبُشْرى «7».
والحسنى هاهنا: بمعنى الإحسان، والحسنات. والحجة لمن قرأه
بالنصب، أنه أراد به وضع المصدر في موضع الحال، كأنه قال: فله
الجنة مجزيا بها جزاء. وله وجه آخر:
أنه ينصبه على التمييز، وفيه ضعف، لأن التمييز يقبح تقديمه،
سيّما إذا لم يأت معه فعل متصرّف، وقد أجازه بعض النحويين على
ضعفه. واحتج له بقول الشاعر:
أتهجر ليلى للفراق حبيبها ... وما كان
«8» نفسا بالفراق تطيب «9»
__________
(1) الكهف: 85.
(2) الكهف: 89، 92.
(3) الصافّات: 10.
(4) الكهف: 86.
(5) القارعة: 10، 11.
(6) الكهف: 88.
(7) يونس: 64.
(8) في الأصل: (وما كل نفسا) وهو تحريف.
(9) في شرح المفصل لابن يعيش يروي البيت في صورة أخرى وهي:
(1/230)
قوله تعالى: بَيْنَ السَّدَّيْنِ «1» يقرأ
بضم السين وفتحها. فالحجة لمن ضم: أنه جعله من السّد في
المعين. والحجة لمن فتح: أنه جعله من الحاجز بينك وبين الشيء.
وقال بعضهم: ما كان من صنع الله فهو الضم، وما كان من صنع
الآدميين فهو بالفتح «2»، والذي في (يس) «3» مثله.
قوله تعالى: لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا «4». يقرأ بضم
الياء وكسر القاف، وبفتحهما.
فالحجة لمن ضم الياء: أنه أخذه: من أفقه يفقه يريد به: لا
يكادون ينسون قولا لغيرهم، ولا يفهمونه، وهاهنا مفعول محذوف.
والحجة لمن فتح أنه أراد: لا يفهمون ما
يخاطبون به وأخذه من قوله: فقه يفقه إذا علم ما يقول، ومنه أخذ
الفقه في الدين.
قوله تعالى: إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ «5». يقرءان بالهمز
وتركه. فالحجة لمن همز: أنه أخذه من أجيج النار أو من قولهم
(ملح أجاج)، فيكون وزنه: (يفعول) و (مفعول) من أحد هذين فيمن
جعله عربيّا مشتقا، ومنعه الصرف للتعريف والتأنيث، لأنه اسم
للقبيلة.
فأمّا من جعله أعجميّا فليس له اشتقاق. والحجة لمن لم يهمز:
أنه جعله عجميّا، وقاسه على ما جاء من الأسماء الأعجمية على
هذا الوزن: نحو (طالوت) و (جالوت) و (هاروت)، و (ماروت).
قوله تعالى: فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً «6». يقرأ بإثبات
الألف وطرحها، هاهنا، وفي المؤمنين «7». فالحجة لمن أثبتها:
أنه أراد بذلك: ما يأخذه السّلطان كل سنة من الإتاوة،
والضريبة. والحجة لمن طرحها: أنه أراد بذلك: (الجعل) «8».
فأمّا قوله:
__________
أتهجر سلمى بالفراق حبيبها ... وما كاد نفسا بالفراق تطيب
ويرد ابن يعيش على هذه الرواية ويقول: إن الرواية: وما كاد
نفسي بالفراق تطيب. هكذا قال أبو إسحاق الزجاج. انظر: (شرح
المفصل لابن يعيش 2: 74).
(1) الكهف: 93.
(2) روي عن أبي عبيدة أنه قال: بين السّدين مضموم إذا جعلوه
مخلوقا من فعل الله تعالى، وإن كان من فعل الآدميين فهو سد
بالفتح، ونحو ذلك قال الأخفش: انظر: اللسان: مادة سدد.
(3) يس: 9.
(4) الكهف: 93.
(5) الكهف: 94.
(6) الكهف: 94.
(7) المؤمنون: 72.
(8) قال في اللسان: الجعل، والجعال، والجعيلة، والجعالة،
والجعالة، كل ذلك: ما جعله له على عمله.
(1/231)
فَخَراجُ رَبِّكَ «1» فبالألف إجماع، لأنه
مكتوب في السّواد بالألف.
قوله تعالى: ما مَكَّنِّي «2». يقرأ بنون شديدة، وبنونين
ظاهرتين. فالحجة لمن أدغم:
أنه أراد: التخفيف والإيجاز، وجعل (ما) بمعنى الذي و (خير)
خبرها. والحجة لمن أظهر: أنه أتى به على الأصل، لأن النون
الأولى لام الفعل، والثانية زائدة لتسلم بنية الفعل على الفتح،
والياء اسم المفعول به.
قوله تعالى: بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ «3». يقرأ بضم الصاد والدال
وفتحهما، وبفتح الصّاد وإسكان الدّال. فالحجة لمن قرأه بالضم:
أنه أتى باللفظ على الأصل واتبع الضمّ الضمّ. والحجة لمن
فتحهما: خفّة الفتح، والواحد عنده «صدف». ودليله: أن النبي صلى
الله عليه وسلم (مر بصدف مائل فأسرع) «4»، الرواية بالفتح.
والحجة لمن أسكن الدّال: أنه جعله اسما للجبل بذاته، غير مثنى،
وأنشد الراجز:
قد أخذت ما بين أرض الصّدفين ... ناحيتيها وأعالي الرّكنين
«5» قوله تعالى: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ «6». يقرأ بالمدّ
والقصر. فالحجة لمن مد: أنّه جعله من الإعطاء. والحجة لمن قصر:
أنه جعله من المجيء. والوجه أن يكون هاهنا من الإعطاء لأنه لو
أراد المجيء لأتى معه بالباء، كما قال تعالى: وَأْتُونِي
بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ «7».
قوله تعالى: فَمَا اسْطاعُوا «8». يقرأ بالتخفيف إلّا ما روي
عن (حمزة) «9» من تشديد الطاء. وقد عيب بذلك لجمعه بين
الساكنين، ليس فيهما حرف مدّ، ولين. وليس في
__________
(1) المؤمنون: 72.
(2) الكهف: 95.
(3) الكهف: 96.
(4) الحديث كما رواه ابن الأثير في النهاية: (كان إذا مر بصدف
مائل أسرع المشي) انظر: (النهاية في غريب الحديث 3: 17).
(5) وفي رواية: (الطبري 16: 24) طبعة ثانية مصطفى الحلبي.
قد أخذت ما بين عرض الصدفين ...
وقد يكون المراد: «أرض» فكتبت الهمزة عينا لأن النسّاخ القدماء
كثيرا ما يفعلون ذلك.
(6) الكهف: 96.
(7) يوسف: 93.
(8) الكهف: 97.
(9) انظر: 61.
(1/232)
ذلك عليه عيب، لأن القراء قد قرءوا
بالتشديد قوله: لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ «1» أَمَّنْ لا
يَهِدِّي «2» ونِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ «3».
فإن قيل: فإن الأصل في الحرف الأول الذي ذكرته الحركة، وإنما
السكون عارض فقل: إن العرب تشبه الساكن (بالساكن) «4»
لاتفاقهما في اللفظ. والدليل على ذلك:
أن الأمر للمواجهة مبنيّ على الوقف «5» والنهي مجزوم بلا،
واللفظ بهما سيّان. فالسين في استطاعوا ساكنة، كلام التعريف
ومن العرب الفصحاء من يحرّكها فيقول: اللبكة «6» والاحمر،
فجاوز تشبيه السين بهذه اللام. وأيضا، فإنهم يتوهّمون الحركة
في الساكن، والسكون في المتحرك، كقول (عبد القيس) «7»: اسل،
فيدخلون ألف الوصل على متحرّك، توهّما لسكونه.
والاختيار ما عليه الإجماع، لأنه يراد به: استطاعوا فتحذف
التاء كراهية لاجتماع حرفين متقاربي المخرج، فيلزمهم فيه
الإدغام.
قوله تعالى: دَكَّاءَ «8». مذكور العلل في سورة الأعراف «9».
قوله تعالى: قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ «10» يقرأ بالياء والتاء.
وقد ذكرت حجته آنفا في غير موضع.
__________
(1) النساء: 154.
(2) يونس: 35.
(3) النساء: 58.
(4) في الأصل: (بالمساكن) ولا معنى لها.
(5) أي على السكون.
(6) قال في القاموس: اللبكة محركة: اللقمة والقطعة من الثريد.
(7) انظر: 128.
(8) الكهف: 98.
(9) انظر: 163.
(10) الكهف: 109.
(1/233)
|