الحجة في القراءات السبع ومن سورة مريم
قوله تعالى: كهيعص «1». يقرأ بفتح جميع حروفه. وبإمالتها. وبين
الإمالة والفتح.
وبإمالة الياء وفتح الهاء وبكسر الهاء وفتح الياء. فالحجة لمن
فتحهن: أنه أتى بالكلام على أصله، ووفّاه حقّ ما وجب له، لأن
الحروف إذا قطعت كانت أولى بالفتح فرقا بينها وبين ما يمال من
الأسماء، والحروف، والأفعال. والحجة لمن أمالهن: أنه فرّق بين
هاء التنبيه، وهاء الهجاء، وبين ما إذا كانت نداء، وإذا كانت
هجاء. والحجة لمن قرأهن (بين بين):
أنه عدل بين اللفظين، وأخذ بأقرب اللغتين. والحجة لمن أمال
بعضا، وفخّم بعضا: أنه كره توالي الكسرات أو الفتحات، فأمال
بعضا، وفخم بعضا. وقد قلنا فيما تقدم: إن العرب تذكّر حروف
الهجاء وتؤنثها، وتميلها وتفخمها، وتمدّها، وتقصرها، ولها
مراتب:
فما كان منها على حرفين مدّ مدّا وسطا، وما كان على ثلاثة
أحرف، مدّ فوق ذلك.
وقيل في معناهن: إن الله تعالى أقسم بحروف المعجم، لأنها أصل
لتأليف أسمائه، فاجتزأ بما في أوائل السّور منها. وقيل: هي:
شعار للسورة. وقيل: هي سر الله تعالى عند نبيّه. وقيل: كل حرف
منها نائب عن اسم من أسماء الله عز وجل، فالكاف من (كاف)
والهاء من (هاد) والعين من (عليم) والصاد من (صادق).
قوله تعالى (صاد) ذِكْرُ «2». يقرأ باظهار على الأصل وبالإدغام
للمقاربة بين الحرفين.
قوله تعالى: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ «3». يقرأ بالإدغام وطرح
الحركة من الراء لمجانسة الحرفين وطلب التخفيف. وبالإظهار، لأن
الحرفين من كلمتين، والحركة تمنع من الإدغام، وإنما يجوز
الإدغام مع السكون، لا مع الحركة.
قوله تعالى: مِنْ وَرائِي «4». يقرأ بإسكان الياء لطول الاسم،
وثقله بالهمز، إلّا ما روي عن (ابن كثير) أنه فتح الياء مع
المدّ، لئلا يجمع بين ياء إضافة ساكنة، وهمزة مكسورة، ففتحها
طلبا للتخفيف.
قوله تعالى: وَلِيًّا يَرِثُنِي «5». يقرأ بالجزم، والرفع.
فالحجة لمن جزم: أنه جعله
__________
(1) مريم: 1.
(2) مريم: 1، 2.
(3) مريم: 2.
(4) مريم: 5.
(5) مريم: 5، 6.
(1/234)
جوابا للأمر، لأن معنى الشرط موجود فيه،
يريد: فإن تهب لي وليّا يرثني. والحجة لمن رفع: أنه جعل قوله:
يرثني صلة «1» لوليّ، لأنه نكرة، عاد الجواب عليها بالذكر،
ودليله قوله تعالى: أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ
تَكُونُ «2». ولو قيل: إنه إنما جاز الرفع في قوله:
(يرثني) وما أشبهه، لأنه حال، حلّ محلّ اسم الفاعل لكان وجها
بيّنا. ودليله قوله تعالى:
ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ «3» يريد: (لاعبين)
وفيه بعض الضعف، لأن الأول حال من (وليّ) وهو نكرة، وهذا حال
من الهاء والميم، وهما معرفة.
قوله تعالى: وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ «4». يقرأ بالرفع
والجزم عطفا على ما تقدّم من الوجهين في أول الكلام.
قوله تعالى: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا «5».
يقرأ بالكسر والضم، وما شاكله من قوله صِلِيًّا «6» وجِثِيًّا
«7» وبُكِيًّا «8». فالحجة لمن قرأ بالكسر: أنه نحا ذلك
لمجاورة الياء، وجذبها ما قبلها إلى الكسر، ليكون اللفظ به من
وجه واحد؛ لأنه يثقل عليهم الخروج من ضم إلى كسر. والحجة لمن
ضم: أن الأصل عنده في هذه الأسماء الضمّ، لأنها في الأصل على
وزن: (فعول) فانقلبت الواو فيهن ياء لسكونها وكون الياء بعدها
فصارتا ياء مشددة.
فإن قيل: فهلا كانت هذه الأسماء بالواو، «9» كما كان قوله
وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً «10» بالواو، فقل: الأصل في
الواحد من هذا الجمع (عاتو وجاثو) لأنه من (يعتو) و (يجثو)،
فانقلبت فيه الواو ياء لانكسار ما قبلها، كما قالوا: (غاز)
والأصل (غازو)، لأنه من يغزو، فجاء الجمع في ذلك تاليا للواحد
في بنائه، لأن الجمع أثقل من الواحد،
__________
(1) يريد بالصلة: الصفة، وهذا التعبير شائع عند قدامى النحاة.
(2) المائدة: 114.
(3) الأنعام: 91.
(4) مريم: 6.
(5) مريم: 8.
(6) مريم: 70.
(7) مريم: 68، 72.
(8) مريم: 58.
(9) أي: صلّوا، وجثّوا، وبكّوا.
(10) الفرقان: 21.
(1/235)
والواو أثقل من الياء، فإذا كان القلب في
الواحد واجبا كان في الجمع لازما.
فأمّا قوله: (عتوّا) فإنما صحّ بالواو؛ لأنه مصدر، والمصدر
يجري مجرى الاسم الواحد حكما وإن شارك الجمع لفظا، فصحّت الواو
فيه لخفّته، واعتلت في الجمع لثقله، واعتلالها في واحده.
فإن قيل: فيلزم على هذا أن يجيز في قوله: فَمَا اسْتَطاعُوا
مُضِيًّا «1» كسر الميم فقل:
هذا لا يلزم، لأنه مصدر، والفعل منه مضى يمضي مضاء، ومضيّا.
وقد بيّنا وجه صحّة لفظ المصدر. وإنما كان يلزم ذلك لو أنه جمع
لماض، فأمّا وهو مصدر (فلا).
قوله تعالى: وَقَدْ خَلَقْتُكَ «2». يقرأ بالتاء، وبالنّون
والألف. فالحجة لمن قرأه بالتاء:
أنه ردّه على قوله: (هو على هيّن)، وقد خلقتك. والحجة لمن قرأه
بالنون والألف: أنه حمله على قوله: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا
«3»، وقد خلقناك، وكلاهما من إخبار الله تعالى عن نفسه.
فإن قيل: فما معنى قوله: وَلَمْ تَكُ شَيْئاً «4» فقل: معناه:
ولم تك شيئا مرئيا مخلوقا موجودا عند المخلوقين، فأما في علم
الله فقد كان شيئا، وإنما سمّي «يحيى»، لأنه حيي من عقمين، قد
نيّفا على التسعين، ويئسا من الولد.
وقوله: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا «5» قيل: لم
يسمّ باسمه غيره. وقيل: لم يولد لأبويه ولد قبله. وقوله: هَلْ
تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا «6» يحتمل الوجهين.
قوله تعالى: لِأَهَبَ لَكِ «7». يقرأ بالياء، والهمزة. فالحجة
لمن قرأه بالياء: أنه جعله من إخبار جبريل عليه السلام عن الله
عز وجل. ومعناه: ليهب لك ربك. والحجة لمن قرأه بالهمز: أنه
أراد بذلك: حكاية جبريل عليه السلام عن الله تعالى: إِنَّما
أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ وهو يقول: لِأَهَبَ لَكِ، فأراد أن
جبريل عليه السلام أخبر بذلك عن نفسه،
__________
(1) يس: 67.
(2) مريم: 9.
(3) مريم: 13.
(4) مريم: 9.
(5) مريم: 7.
(6) مريم: 65.
(7) مريم: 19.
(1/236)
لأنه هو كان المخاطب لها، والنافخ بأمر
الله في حيّها «1».
قوله تعالى: وَكُنْتُ نَسْياً «2». يقرأ بفتح النون وكسرها.
فالحجة لمن فتح أنه أراد المصدر من قولك «نسيت». والحجة لمن
كسر: أنه أراد: كنت شيئا ألقي فنسي، والعرب تقول: هذا الشيء
لقى «3» ونسي «4»، ومنه قول الشاعر يصف امرأة بالحياء والخفر،
وغضّ الطرف:
كأنّ لها في الأرض نسيا تقصّه ... إذا ما غدت وإن تحدّثك تبلت
«5» يريد: كأنها تطلب شيئا ألقته لتعرف خبره. ومعنى تبلت: تقصّ
وتصدق.
قوله تعالى: فَناداها مِنْ تَحْتِها «6». يقرأ بفتح الميم
والتاء، وبكسرهما. فالحجة لمن فتح: أنه جعله اسم عيسى وفتح
التاء، لأنه ظرف مكانيّ متضمن لجثة (من)، ومن مستقرّ فيه،
والاستقرار كون له، والكون مشتمل على الفعل فانتصب الظرف لأنه
مفعول فيه بما قدّمناه من القول في معناه. والحجة لمن كسر
الميم والتاء: أنه جعلها حرفا خافضا للظرف، لأنه اسم للموضوع.
والظرف في الحقيقة: الوعاء، فلذلك جعل المكان ظرفا، لأن الفعل
يقع فيه فيحويه. والمراد بالنداء: جبريل، فأمّا مواقع (من) في
الكلام، فتقع ابتداء غاية، وتقع تبعيضا، وتقع زائدة مؤكّدة.
قوله تعالى: تُساقِطْ «7» يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن
شدّد: أنه أراد:
تتساقط فأسكن التاء الثانية، وأدغمها في السين فشدّد لذلك.
والحجة لمن خفف: أنه
__________
(1) قال في اللسان: والحيّ فرج المرأة، ورأى أعرابي جهاز عروس
فقال: هذا سقف الحيّ: أي جهاز فرج المرأة.
اللسان: مادة: حيا.
(2) مريم: 23.
(3) قال في اللسان: اللّقى: الشيء الملقى، وفي حديث أبي ذرّ ما
لي أراك لقى بقى، هكذا جاء محققا في رواية بوزن عصا انظر:
(اللسان: مادة لقا).
(4) قال الزجاج: النّسي في كلام العرب: الشيء المطروح، لا يؤبه
له. (اللسان مادة: نسا).
(5) البيت نسبه اللسان إلى الشّنفري على هذه الصورة:
كأنّ لها في الأرض نسيا تقصّه ... على أمّها وإن تخاطبك تبلت
انظر: اللسان: مادة: نسا.
ورواية الطبري تتفق مع رواية ابن خالويه، انظر: (الطبري 16:
66) مطبعة مصطفى الحلبي- طبعة ثانية.
(6) مريم: 24.
(7) مريم: 25.
(1/237)
حذف التاء تخفيفا، لأنه يثقل عليهم اجتماع
حرفين متجانسين، متحرّكين، فمنهم من يخفف بالإدغام، ومنهم من
يخفّف بالحذف.
قوله تعالى: وَأَوْصانِي «1» يقرأ بالتفخيم والإمالة. وقد ذكر
في أمثاله من الاحتجاج ما يغني عن إعادته هاهنا «2».
قوله تعالى: قَوْلَ الْحَقِّ «3». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة
لمن نصب: أنه وجهه إلى نصب المصدر كما يقول: هذا قولا حقّا،
وقول الحقّ. والحجة لمن رفع: أنه جعله بدلا من (عيسى) أو أضمر
له (ذلك) ثانية، فعيسى كلمة الله، لأنه بكلمته كان، وقوله،
لأنه بقولة: (كن تكون) و (روحه) لأنه كان رحمة على من بعث إليه
إذ آمنوا به فنجوا.
قوله تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ «4» يقرأ بفتح
الهمزة وكسرها. فالحجة لمن فتحها:
أنه ردّ الكلام بالواو على قوله: وأوصاني بالصلاة وبأن الله
ربي. والحجة لمن كسرها:
أنه استأنف الكلام بالواو. ودليله: أنها في قراءة «أبيّ»: «إنّ
الله» بغير واو.
قوله تعالى: أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ «5». يقرأ بتشديد
الكاف وفتح الذال، وبضم الكاف وإسكان الذال. وقد تقدم من القول
في نظائره ما يغني عن إعادته «6».
قوله تعالى: إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً «7». يقرأ بفتح اللام
وكسرها. والحجة فيه كالحجة في (المخلصين) وقد ذكرت آنفا «8».
قوله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ «9». يقرأ بالإدغام للمقاربة،
وبالإظهار على الأصل وانفصال الحرفين.
__________
(1) مريم: 31.
(2) انظر: 144. عند قوله تعالى: وَقَدْ هَدانِ.
(3) مريم: 34.
(4) مريم: 36.
(5) مريم: 67.
(6) انظر: 161 عند قوله تعالى: فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ.
(7) مريم: 51.
(8) انظر: 194 عند قوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا
الْمُخْلَصِينَ.
(9) مريم: 65.
(1/238)
قوله تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي «1»، يقرأ
بالتشديد من نجّى. وبالتخفيف من أنجى.
قوله تعالى: خَيْرٌ مَقاماً «2». يقرأ بفتح الميم وضمها.
فالحجة لمن ضمّ: أنه جعله من الإقامة، ولمن فتح: أنه جعله اسما
للمكان.
قوله تعالى: أَثاثاً وَرِءْياً «3». يقرأ بالهمز وتخفيف الياء،
وبترك الهمز وتشديد الياء.
فالحجة لمن همز: أنه أخذه من رؤية المنظر والحسن. والحجة لمن
شدد: أنه أخذه من الرّيّ وهو: امتلاء الشباب، وتحير مائه في
الوجه، أو يكون أراد: الهمز فتركه وعوّض التشديد منه.
قوله تعالى: مالًا وَوَلَداً «4». يقرأ بفتح الواو واللام،
وبضم الواو وإسكان اللام، هاهنا في أربعة مواضع «5»، وفي
الزخرف «6» وفي نوح «7». فالحجة لمن فتح: أنه أراد:
الواحد من الأولاد. والحجة لمن ضمّ: أنه أراد: جمع (ولد). وقيل
هما: لغتان في الواحد كقولهم: عدم وعدم، وسقم وسقم.
قوله تعالى: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ «8». يقرأ تكاد
بالتاء. وقد تقدم ذكره. فأمّا «ينفطرن» فيقرأ بالنون والتخفيف،
وبالتاء والتشديد هاهنا، وفي عسق «9». فالحجة لمن قرأه
بالتخفيف: أنه مأخوذ من قوله: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ
«10»، ودليله قوله: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ «11». والحجة
لمن قرأه بالتشديد: أنه أخذه من تفطّرت السماء تتفطّر. وهما
لغتان فصيحتان، معناهما: التشقق. ومنه قولهم: تفطّر الشجر: إذا
تشقّق ليورق، ومنه قوله تعالى: هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ «12».
__________
(1) مريم: 72.
(2) مريم: 73.
(3) مريم: 74.
(4) مريم: 77.
(5) انظر آيات: 88 - 91، 92 من سورة مريم.
(6) الزخرف: 81.
(7) نوح: 21.
(8) مريم: 90.
(9) الشّورى: 5.
(10) الانفطار: 1.
(11) المزّمل: 18.
(12) الملك: 3.
(1/239)
ومن سورة طه
قوله تعالى: طه «1». يقرأ بفتح الحرفين، وكسرهما، وبين ذلك،
وهو إلى الفتح أقرب. وبفتح الطاء وكسر الهاء، وقد تقدّم في
(كهيعص) من الاحتجاج ما فيه بلاغ.
قوله تعالى: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ «2» يقرأ بفتح الهمزة
وكسرها. فالحجة لمن فتحها:
أنه أوقع عليها: (نودي)، فموضعها على هذه القراءة نصب. والحجة
لمن كسر: أنه استأنفها مبتدئا، فكسرها، وليس لها على هذه
القراءة موضع من الإعراب، لأنها حرف ناصب.
قوله تعالى: لِأَهْلِهِ امْكُثُوا «3». يقرأ بضم الهاء وكسرها.
وقد ذكرت علّته في البقرة. «4»
قوله تعالى: طُوىً «5» يقرأ بإسكان الياء من غير صرف،
وبالتنوين والصّرف.
فالحجة لمن أسكن ولم يصرف: أنه جعله اسم بقعة، فاجتمع فيه
التعريف، والتأنيث، وهما فرعان، لأن التنكير أصل، والتعريف فرع
عليه. والتذكير أصل، والتأنيث فرع عليه، فلمّا اجتمع فيه علتان
شبّه بالفعل فمنع ما لا يكون إعرابا في الفعل. «6»
وقال بعض النحويين: هو معدول عن «طاو» كما عدل «عمر» عن «عامر»
فإن صح ذلك، فليس في ذوات الواو اسم عدل عن لفظه سواه.
والاختيار: ترك صرفه، ليوافق الآي التي قبله. والحجة لمن أجراه
ونوّنه: أنه اسم واد مذكّرا، فصرفه، لأنه لم تجتمع فيه علّتان،
تمنعانه الصّرف.
قوله تعالى: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ «7». يقرأ بتخفيف «أنا» وفتح
الهمزة وبالتاء في «اخترتك»، وبكسر الهمزة وفتحها وتشديد
النون، وبنون مكان التاء وألف بعدها في (اخترتك).
فالحجة لمن فتح الهمزة وخفّف وأتى بالتاء: أنه جعل (أنا) اسما
لله تعالى مقدّما على الفعل
__________
(1) طه: 1.
(2) طه: 12.
(3) طه: 10.
(4) انظر: 71 عند قوله تعالى: مَشَوْا فِيهِ.
(5) طه: 12.
(6) وهو الخفض والتنوين.
(7) طه: 13.
(1/240)
مرفوعا بالابتداء، و «اخترت» الخبر، والتاء
اسم للفاعل، والكاف اسم المفعول به.
والحجة لمن كسر الهمزة وشدّد النون. أنه جعلها حرفا ناصبا
مبتدأ، وشدّد النون لأنها في الأصل نونان أدغمت إحداهما في
الأخرى تخفيفا. والحجة لمن فتحها: أنه ردّ الكلام على قوله:
(أني أنا ربك)، وأنا اخترناك كما تخبر الملوك عن أنفسها بنون
الملكوت.
قوله تعالى: أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ «1».
يقرءان بوصل الألف الأولى وقطع الثانية وفتحها، وبقطع الأولى
وفتحها، وبقطع الثانية وضمّها، والفعل في القراءتين مجزوم،
لأنه جواب الطلب. فالحجة لمن وصل الأولى وفتح الثانية: أنه أتى
بالكلام على طريق الدعاء بلفظ الأمر فوصل الأولى، لأنها من فعل
ثلاثي، وقطع الثانية لأنها من فعل رباعي.
والحجة لمن قطعهما: أنه أخبر بذلك عن نفسه، وقياس ألف المخبر
عن نفسه قياس النون، والتاء، والياء الزوائد مع الألف في أول
الفعل المضارع، فمتى انضممن حكم على الألف بالضم، ومتى انفتحن
حكم على الألف بالفتح، لأن الألف إحداهن عند الأمر بالفعل،
والطلب، والدّعاء، والمسألة.
قوله تعالى: الْأَرْضَ مِهاداً «2». يقرأ بإثبات الألف وحذفها.
فالحجة لمن أثبت الألف هاهنا وفي الزخرف «3»: أنه جعله اسما
للأرض أي: جعلها لهم فراشا والحجة لمن حذف الألف: أنه جعله
مصدرا من قولك: مهدتها مهدا، كما تقول: فرشتها فرشا. فأمّا
التي في عَمَّ يَتَساءَلُونَ «4» فبالألف إجماع لموافقة رءوس
الآي.
قوله تعالى: مَكاناً سُوىً «5». يقرأ بضم السين وكسرها. فالحجة
لمن ضم: أنه أراد:
مكانا مساويا بيننا وبينك. والحجة لمن كسر «6»: أنه أراد:
مكانا مستويا أي: لا مانع فيه من النظر. وقيل: هما لغتان
فصيحتان إلّا أنه اسم مقصور لا يبين فيه إعراب، لأنه قصر
__________
(1) طه: 30، 31، 32.
(2) طه: 53.
(3) الزخرف: 10.
(4) النبأ: 6.
(5) طه: 58.
(6) في الأصل: (لمن ضم) وهو تحريف لأنه لا يتفق مع الأسلوب من
ناحية ولا مع اللغة من ناحية أخرى، فقد قال ابن هشام: «سواء
تكون بمعنى مستو، ويوصف به المكان بمعنى: أنه نصف بين مكانين،
والأفصح فيه حينئذ أن يقصر مع الكسر نحو (مكانا سوى) وهو أحد
الصفات التي جاءت على فعل كقولهم: ماء روى، وقوم عدى). انظر:
(المغنى لابن هشام 1: 124).
(1/241)
عنه، أو لأنه مأخوذ من قوله: مَقْصُوراتٌ
فِي الْخِيامِ «1» أي محبوسات فكأنه حبس عن الإعراب.
قوله تعالى: فَيُسْحِتَكُمْ «2». يقرأ بفتح الياء والحاء وبضم
الياء وكسر الحاء. وهما لغتان:
فالفتح من سحت، والضم من أسحت، ومعناهما: استأصل.
قوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ «3». أجمع القراء على تشديد
نون «إنّ» إلّا (ابن كثير) و (حفصا) عن (عاصم) فإنهما خفّفاها.
وأجمعوا على لفظ الألف في قوله:
(هذان) إلا (أبا عمرو) فإنه قرأها بالياء. وأجمعوا على تخفيف
النون في التثنية إلّا ابن كثير فإنه شدّدها. فالحجة لمن شدّد
النون في (إنّ) وأتى بألف في (هذان): أنه احتج بخبر (الضحاك)
«4» عن (ابن عباس) «5»: أن الله تعالى أنزل هذا القرآن بلغة كل
حيّ من أحياء العرب. وهذه اللفظة بلغة «بلحارث بن كعب» «6»
خاصة، لأنهم يجعلون التثنية بالألف في كل وجه، لا يقلبونها
لنصب ولا خفض. قال شاعرهم:
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
«7» فلما ثبتت هذه اللفظة في السّواد بالألف، وافقت هذه اللغة،
فقرءوا بها، ولم يغيّروا
__________
(1) الرحمن: 72.
(2) طه: 61.
(3) طه: 63.
(4) هو الضّحاك بن سفيان بن عوف بن كعب، يكنى أبا سعيد، وصحب
النبي عليه الصلاة والسلام، وولّاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم على من أسلم من قومه، وروى عنه سعيد بن المسيّب، والحسن
البصري. انظر: (أسد الغاية 3: 36).
(5) انظر: أسد الغابة 3: 192.
(6) قال الجاربردي: «إن بلحارث بن كعب، وخثعما، وزبيدا، وقبائل
من اليمن، يجعلون ألف الاثنين في الرفع، والنصب، والخفض على
لفظ واحد» انظر: (شرح الجاربردي على الشافية لابن الحاجب 1:
77). وقال ابن جماعة: نسبها إلى بني الحارث من النحويين
الكسائي، ونسبها أيضا إلى خثعم وزبيد وهمدان، ونسبها أبو خطاب
لكنانة، وبعضهم لبني العنبر، وعذره، ومراد، وغيرهم. انظر:
(حاشية ابن جماعة على شرح شافية ابن الحاجب 1: 277).
(7) ينسب إلى أبي النّجم: الفضل بن قدامة العجلي، وقيل إلى
رؤية بن العجاج، وهذان البيتان من الرجز المشطور.
«وغايتاها» مفعول «بلغا» والضمير للمجد، وأنثه باعتبار أنه
صفة، أو رتبة. والمراد «بالغايتين»: المبدأ والنهاية.
أو غاية المجد في النسب، وغايته في الحسب. انظر: (الإنصاف لابن
الأنباري 1: 18)، و (شرح ابن عقيل 1: 38). و (حاشية الخضري 1:
38).
(1/242)
ما ثبت في المصحف. والحجة لمن خفف النون:
أنه جعلها خفيفة من الشديدة فأزال عملها، وردّ ما كان بعدها
منصوبا إلى أصله، وهو المبتدأ، وخبره، فلم يغيّر اللفظ ولا لحن
في موافقة الخطّ.
فإن قيل: إن اللام لا تدخل على خبر المبتدأ، لا يقال: زيد
لقائم. فقل: من العرب من يفعل ذلك تأكيدا للخبر. وأنشد شاهدا
لذلك:
خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
«1» والوجه الآخر: أن يكون (إن) هاهنا بمعنى «ما» واللام بمعنى
«إلّا» كقوله تعالى:
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ «2» معناه: والله
أعلم: ما كل نفس إلّا عليها حافظ «3».
وقال: (أبو العباس المبرد) «4»: أولى الأمور بإن المشددة أن
تكون هاهنا بمعنى «نعم» كما قال (ابن الزبير) «5» للأعرابي لما
قال له: لعن الله ناقة حملتني إليك فقال له: (إنّ وراكبها)
أراد: (نعم وراكبها) وأنشد:
بكر العواذل بالضّحى ... يلحينني وألومهنّه
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت ت فقلت إنّه
«6» أراد فقلت: نعم، فوصلها بهاء السكت. فقيل له: إنّ اللام لا
تدخل على خبرها إذا كانت بمعنى «نعم» فقال: إنما دخلت اللام
على اللفظ لا على المعنى. والحجة لمن قرأها بالياء ما روي عن
(عائشة) «7» و (يحيى بن يعمر) «8»: أنه لما رفع المصحف إلى
__________
(1) انظر: فرائد القلائد: 81.
(2) الطارق: 4.
(3) انظر: البيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري: (ورقة:
257) مخطوط.
(4) انظر ص 165.
(5) انظر: أسد الغابة 3: 161.
(6) في الخزانة 4: 485، وقد نسبا إلى عبيد الله بن قيس
الرقيّات وانظر: الكتاب 1: 475، 2: 279. وشرح المفصل 3: 130،
وفي المغنى لابن هشام 1: 36، 2: 175. والبيان والتبيين للجاحظ
2: 279، وانظر:
تحقيق أستاذنا عبد السلام هارون في صاحب هذين البيتين، هل هو:
عبد الله، أو عبيد الله؟.
(7) عائشة: انظر: أسد الغابة 5: 501 وغيره من كتب الطّبقات.
(8) يحيى بن يعمر: ويكنى: أبا سليمان. وكان عالما بالعربية
والحديث، لقي عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وروى عن
قتادة، ومات بخراسان سنة تسع وعشرين ومائة: انظر: (نزهة
الألباء: 10).
(1/243)
(عثمان) «1» قال: أرى فيه لحنا، وستقيمه
العرب بألسنها.
فإن قيل: فعثمان كان أولى بتغيير اللحن: فقل: ليس اللحن هاهنا
أخطاء الصواب، وإنما هو خروج من لغة قريش إلى لغة غيرهم «2».
والحجة لمن شدد النون في التثنية مذكورة في النساء «3».
قوله تعالى: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ «4». يقرأ بوصل الألف،
وقطعها. فالحجة لمن وصل:
أنه جعله بمعنى اعزموا. والحجة لمن قطع: أنه أراد: فأجمعوا
الكيد، والسّحر. ودليل الوصل، قوله تعالى: فَجَمَعَ كَيْدَهُ
«5» ولم يقل: فأجمع.
قوله تعالى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ «6». يقرأ بالتاء «7» والياء.
والحجة لمن قرأ بالتاء: أنه ردّه على الحبال والعصي، لأنه جمع
ما لا يعقل. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه على السّحر.
قوله تعالى: تَلْقَفْ «8» يقرأ بفتح اللام وتشديد القاف،
والرفع، والجزم، وبإسكان اللام وتخفيف القاف والجزم. فالحجة
لمن شدّد ورفع: أنه أراد: تتلقف فأسقط إحدى التاءين تخفيفا،
وجزم بجواب الأمر، فقد روى عن (ابن كثير): تشديد هذه التاء وما
شاكلها في نيّف «9» وثلاثين موضعا. والحجة لمن خفف وجزم: أنه
أخذه من لقف يلقف وجزمه بالجواب أيضا. والحجة لمن شدّد ورفع:
أنه أضمر الفاء فكأنه قال: الق ما في يمينك، فإنها تلقف، أو
يجعله حالا من (ما) كما قال: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ «10».
قوله تعالى: إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ «11». يقرأ بإثبات
الألف وحذفها. فالحجة لمن
__________
(1) عثمان: انظر: (أسد الغابة 3: 376 وغيره من كتب الطبقات).
(2) انظر: كتاب القرآن الكريم، وأثره في الدراسات النحوية
للمحقق من 24 إلى 29 طبع دار المعارف.
(3) انظر ص 121.
(4) طه: 64.
(5) طه: 60.
(6) طه: 66.
(7) هي قراءة الحسن البصري، وقرأ بالياء عامّة قراء الأمصار.
وفي نظر الطبري أن القراءة التي لا يجوز غيرها، «يخيل» بالياء،
لإجماع الحجة من القراء عليه. انظر: الطبري (16: 140) المطبعة
الأميرية سنة 1328 هـ.
(8) طه: 69.
(9) نيّف بتشديد الياء، وعوامّ الناس يخففونه، وهو لحن عند
الفصحاء. «اللسان: نوف».
(10) المدثر: 6.
(11) طه: 69.
(1/244)
أثبتها: أنه جعله اسما لفاعل مشتقا من
فعله. والحجة لمن حذفها، أنه أراد اسم الفعل وهو المصدر.
قوله تعالى: لا تَخافُ دَرَكاً «1». أجمع القرّاء على الرفع
إلا حمزة فإنه قرأه بالجزم على طريق النهي. فالحجة لمن رفع.
أنه جعله خبرا وجعل (لا) فيه بمعنى (ليس).
فإن قيل: فما حجة (حمزة) في إثبات الياء في تَخْشى «2» وحذفها
علم الجزم «3»؟
فقل له في ذلك وجهان أحدهما: أنه استأنف: (ولا تخشى)، ولم
يعطفه على أول الكلام فكانت (لا) فيه بمعنى (ليس) كما قال
تعالى: فَلا تَنْسى «4». والوجه الآخر: أنه لما
طرح الياء أشبع فتحة السين فصارت ألفا ليوافق رءوس الآي التي
قبلها بالألف.
قوله تعالى: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ «5». يقرأ بقطع الألف
وإسكان التاء، وبوصلها وتشديد التاء. فالحجة لمن قطع: أنه
أراد: فألحقهم وهما لغتان؛ لحق وألحق. والحجة لمن وصل: أنه
أراد: سار في أثرهم.
قوله تعالى: قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ
وَواعَدْناكُمْ «6». يقرءان بالتاء وبالألف والنون إلا ما قرأه
(أبو عمرو) من طرح الألف في «ووعدناكم» فمن قرأه بالتاء.
فالحجة له:
أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه، لأن التاء اسم الفاعل
المنفرد بفعله. والحجة لمن قرأه بالنون والألف: أنه جعله من
إخبار الله عزّ وجل عن نفسه بنون الملكوت لأنه ملك الأملاك،
وعلى هذه اللغة يتوجه قوله: قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ «7»، لأنه
خاطبه بلفظ ما أخبر به عه نفسه، فأمّا قوله: (وعدناكم) و
(أوعدناكم) فالفرق بينهما مذكور في البقرة «8».
قوله تعالى: آمَنْتُمْ لَهُ «9». يقرأ بالاستفهام والإخبار.
وقد ذكرت علله في الأعراف «10» قوله تعالى: فَيَحِلَّ
عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ «11» يقرءان بالكسر معا،
وبالضم.
فالحجة لمن كسر: أنه أراد: نزل ووقع. والحجة لمن ضم: أنه أراد؛
وجب. والوجه:
الكسر لإجماعهم على قوله تعالى: وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ
مُقِيمٌ «12».
__________
(1) طه: 77.
(2) طه: 77.
(3) أي أنها تحذف في حالة الجزم.
(4) الأعلى: 6.
(5) طه: 78.
(6) طه: 80.
(7) المؤمنون: 99.
(8) انظر: 76 عند قوله تعالى: وَإِذْ واعَدْنا.
(9) طه: 71 وفي الأصل (به) وهو خطأ.
(10) انظر: ص: 161 عند قوله تعالى: (أأمنتم به).
(11) طه: 81.
(12) هود: 39.
(1/245)
فإن قيل: ما وجه الإدغام في قوله: (فيحلّ)
والإظهار في قوله: (ومن يحلل)؟
فقل: إنما يكون الإدغام في متحرّكين، فسكن الأول لاجتماعهما،
ثم يدغم. فإن كان الأول متحرّكا، والثاني ساكنا بطل الإدغام،
فالأصل المدغم فيمن ضم (فيحلل) وفيمن كسر (فيحلل) فنقلت الحركة
من اللام إلى الحاء وأسكنت اللام ثم أدغمت. فهذا فرقان ما بين
المدغم والمظهر.
قوله تعالى: بِمَلْكِنا «1» يقرأ بكسر الميم وضمّها، وفتحها.
فالحجة لمن كسر:
أنه أراد: اسم الشيء المملوك كقولك: هذا الغلام ملكي، وهذه
الجارية ملك يميني.
والحجة لمن ضم: أنه أراد بسلطاننا. ودليله قوله تعالى: لِمَنِ
الْمُلْكُ الْيَوْمَ «2» يريد:
السّلطان. والحجة لمن فتح: أنه أراد: المصدر من قولهم: ملك
يملك ملكا.
قوله تعالى: وَلكِنَّا حُمِّلْنا «3» يقرأ بالتخفيف والتشديد.
فالحجة لمن خفف: أنه أرادهم بالفعل، وجعل النون والألف
المتصلين به في موضع رفع «4». والحجة لمن شدد:
أنه جعل الفعل لما لم يسمّ فاعله، ودلّ عليه بضم أوله وكان
أصله ولكنّا حملنا (السامريّ)، فلما خذل الفاعل أقيم المفعول
مقامه، فرفع، لأن الفعل الذي كان حديثا عن الفاعل صار عن
المفعول فارتفع به.
قوله تعالى: أَلَّا تَتَّبِعَنِ «5». يقرأ بإثبات الياء وصلا
ووقفا على الأصل، وبإثباتها وصلا وحذفها درجا اتّباعا للخط في
الوصل، والأصل في الدّرج، وبحذفها وصلا ووقفا اجتزاء بالكسرة
منها.
قوله تعالى: يا ابن أم «6» يقرأ بكسر الميم وفتحها. فالحجة لمن
كسر: أنه أراد:
يا ابن أمي، فحذف الياء اجتزاء بالكسرة منها، والوجه إثباتها،
لأن هذه الياء إنما تحذف في النداء المضاف إليك، إذا قلت: يا
غلامي، لأنها وقعت موقع التنوين، والتنوين لا
يثبت في النداء.
__________
(1) طه: 87.
(2) غافر: 16.
(3) طه،: 87.
(4) على أنه فاعل.
(5) طه: 93.
(6) طه: 94.
(1/246)
فأما الياء هاهنا فالتنوين ثبت في موضعها
إذا قلت: يا ابن أم زيد، وإنما حذفت الياء لما كثر به الكلام،
فصار المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، فحذفت الياء كذلك.
والحجة لمن فتح: أنه أراد: يا ابن أمّاه، فرخّم، فبقيت الميم
على فتحها، أو بنى ابنا مع الأم بناء (خمسة عشر)، أو قلب من
الياء ألفا وقد ذكرت وجوهه في الأعراف «1» مستقصاة بما يغني عن
إعادته هاهنا.
قوله تعالى: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ «2». يقرأ
بالياء والتاء فالياء لمعنى الغيبة والتاء لمعنى الحضرة.
قوله تعالى: لَنْ تُخْلَفَهُ «3». يقرأ بكسر اللام وفتحها.
فالحجة لمن كسر: أنه جعل الفعل (للسامريّ) والهاء كناية عن
الموعد. والحجة لمن فتح: أنه أراد: الدّلالة على أنه مستقبل ما
لم يسمّ فاعله. والهاء على أصلها في الكناية، وهي في موضع نصب
في الوجهين.
قوله تعالى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ «4». إجماع القراء
فيه على الياء وضمها على ما لم يسم فاعله إلّا ما اختاره (أبو
عمرو) من النون وفتحها. وله في ذلك وجهان: أحدهما أنه أتى
بالنون في ننفخ ليوافق به لفظ نَحْشُرُ «5»، فيكون الكلام من
وجه واحد. والثاني:
أن النافخ في الصّور، وإن كان إسرافيل، فإن الله عز وجل هو
الآمر له بذلك والمقدّر والخالق له، فنسب الفعل إليه لهذه
المعاني. ودليله قوله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ
حِينَ مَوْتِها «6» والمتوفّى لها ملك الموت عليه السلام.
قوله تعالى: وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها «7». يقرأ بفتح (أن)
وكسرها. فالحجة لمن فتحها:
أنه ردّه على قوله: أَلَّا تَجُوعَ «8» يريد: وأنك لا تظمأ
فردّه على المعنى لا على اللفظ.
والحجة لمن كسر، أنه استأنف ولم يعطف. ومعنى لا تظمأ: أي لا
تعطش. ولا تضحي:
أي: لا تبرز للشمس.
قوله تعالى: فَلا يَخافُ ظُلْماً «9». يقرأ بالياء وإثبات
الألف والرفع، وبالتاء وحذف
__________
(1) انظر: 164.
(2) طه: 96.
(3) طه: 97.
(4) طه: 102.
(5) طه: 102.
(6) الزمر: 42.
(7) طه: 119.
(8) طه: 118.
(9) طه: 112.
(1/247)
الألف والجزم. فالحجة لمن قرأ بالياء
والرفع أنه جعله خبرا. والحجة لمن قرأ بالتاء والجزم أنه جعله
نهيا. ومعنى الظلم في اللغة: وضع الشيء في غير موضعه. والهضم:
النقصان.
قوله تعالى: أَعْمى «1» في الموضعين يقرءان بالتفخيم والإمالة.
فالحجة لمن فخم:
أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن أمال: أنه دلّ بذلك على
الياء. وقيل في معناه:
أعمى عن حجته، وقيل عن طريق الجنة.
قوله تعالى: لَعَلَّكَ تَرْضى «2». يقرأ بفتح التاء وضمّها.
فالحجة لمن فتحها: أنه قصده بكون الفعل له ففتح، لأنه من فعل
ثلاثي. والحجة لمن ضم: أنه دلّ بذلك على بناء الفعل لما لم
يسمّ فاعله، والأمر فيهما قريب، لأن من أرضي فقد رضي. ودليله
قوله تعالى: راضِيَةً مَرْضِيَّةً «3».
قوله تعالى: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ «4». يقرأ بالياء والتاء.
والحجة فيه ما قدّمناه في أمثاله، والاختيار التاء لإجماعهم
على قوله: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ «5».
ومن سورة الأنبياء
قوله تعالى: قالَ رَبِّي يَعْلَمُ «6». يقرأ بإثبات الألف
وحذفها «7». فالحجة لمن أثبت:
أنه جعله فعلا ماضيا أخبر به. والحجة لمن حذف: أنه جعله من أمر
النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: نُوحِي إِلَيْهِمْ «8». يقرأ بالنون وكسر الحاء
وبالياء وفتحها. فالحجة لمن قرأ بالياء: أنه أراد بذلك من شكّ
في نبوة محمد صلى الله عليه، وكفر به وقال: هلّا كان ملكا؟
فأمرهم الله أن يسألوا أهل الكتب هل كانت الرسل إلّا رجالا
يوحى إليهم.
والحجة لمن قرأه بالنون: أنه أراد: أن الله تعالى أخبر به عن
نفسه وردّه على قوله: (أرسلنا) ليكون الكلام من وجه واحد،
فيوافق بعضه بعضا.
قوله تعالى: وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ «9». يقرأ بياء
مفتوحة ورفع (الصمّ)، وبتاء
__________
(1) طه: 124، 125.
(2) طه: 130.
(3) الفجر: 28.
(4) طه: 133.
(5) البينة: 1.
(6) الأنبياء: 4.
(7) وذلك في قوله «قال».
(8) الانبياء: 7.
(9) الأنبياء: 45.
(1/248)
مضمومة ونصب (الصم). فالحجة لمن قرأ
بالياء: أنه أفردهم بالفعل فرفعهم بالحديث عنهم. والحجة لمن
قرأ بالتاء: أنه قصد النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل، ونصب
(الصم) بتعدي الفعل إليهم. ودليله قوله تعالى: وَما أَنْتَ
بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ «1» لأنّ من لم يلتفت إلى وعظ
الرسول عليه السلام، ولم يسمع عن الله ما يخاطبه به كان
كالميّت الذي لا يسمع ولا يجيب.
قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا «2». يقرأ
بإثبات الواو وحذفها. فالحجة لمن ثبتها: أنه جعلها واو العطف
دخلت على ألف التوبيخ كما تدخل الفاء. والحجة لمن حذفها:
أنه اتّبع خط مصاحف أهل الشام، ومكة واجتزأ منها بالألف، لأن
دخولها مع الألف وخروجها سيّان. ومعنى قوله: (رتقا): مغلقة.
ومعنى (الفتق): تشقّق السماء بالمطر، والأرض بالنبات.
قوله تعالى: وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ «3». يقرأ بالرفع
والنصب. فالحجة لمن رفع:
أنه جعل كان بمعنى (حدث) و (وقع) فلم يحتج إلى خبر. والحجة لمن
نصب: أنه أضمر في (كان) اسما معناه: وإن كان الشيء مثقال حبّة.
فإن قيل: فلم قال: أَتَيْنا بِها «4»، ولم يقل (به)؟ فقل: لأن
مثقال الحبّة هو الحبّة ووزنها.
قوله تعالى: وَضِياءً وَذِكْراً «5». يقرأ بياء وهمزة،
وبهمزتين وقد ذكرت علته «6» في (يونس) وقال الكوفيون: الواو في
قوله: (وضياء) زائدة، لأن الضياء: هو:
الفرقان، فلا وجه للواو.
وقال البصريون: هي واو عطف معناها: وآتيناهما ضياء. ودليلهم
قوله: فِيهِ هُدىً وَنُورٌ «7». والنور: هو الهدى، وسمّيت
التوراة فرقانا، لأنها فرّقت بين الحق والباطل.
قوله تعالى: وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ «8» يقرأ بضم التاء
وفتحها. فالحجة لمن ضم: أنه أراد:
تردون. والحجة لمن فتح: أنه أراد: تصيرون.
__________
(1) فاطر: 22.
(2) الأنبياء: 53.
(3) الأنبياء: 47.
(4) الآية نفسها.
(5) الأنبياء: 48.
(6) انظر: 180.
(7) المائدة: 46.
(8) الأنبياء: 35.
(1/249)
قوله تعالى: جُذاذاً «1». يقرأ بضم الجيم
وكسرها. فمن ضمّ أراد به: معنى حطام ورفات، ولا يثنى في هذا
ولا يجمع. والحجة لمن كسر: أنه أراد: جمع (جذيذ) بمعنى: مجذوذ
كقولهم: (خفيف) و (خفاف).
قوله تعالى: أُفٍّ لَكُمْ «2» مذكور في بني إسرائيل «3».
قوله تعالى: لِتُحْصِنَكُمْ «4»، يقرأ بالتاء، والياء، والنون.
فالحجة لمن قرأه بالتاء:
أنه ردّه على (الصنعة) و (اللّبوس) «5» لأن اللبوس: الدرع وهي
مؤنثة. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه على لفظ (اللبوس) لا
على معناه. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه أخبر به عن الله عز
وجل، لأنه هو المحصّن لا الدّرع.
قوله تعالى: وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ «6»، إجماع
القرّاء على إثبات النونين الأولى علامة الاستقبال، والثانية
فاء الفعل إلّا ما قرأه (عاصم) بنون واحدة مضمومة، وتشديد
الجيم. فالحجة لمن قرأه بنونين وإن كان في الخط بنون واحدة:
أنّ النون تخفى عند الجيم فلما خفيت لفظا، سقطت خطّا، ودل نصب
المؤمنين على أن في الفعل فاعلا هو: الله عز وجل.
و (لعاصم) في قراءته وجه في النحو: لأنه جعل (نجّي) فعل ما لم
يسم فاعله، وأرسل الياء بغير حركة، لأن الحركة لا تدخل عليها
في الرفع، وهي ساقطة في الجزم إذا دخلت في المضارع، وأضمر مكان
المفعول الأول المصدر لدلالة الفعل عليه. ومنه قولهم:
من كذب كان شرا له، يريدون: كان الكذب. فلما دلّ (كذب) عليه
حذف، فكأنه قال: وكذلك نجّي النّجاء المؤمنين. وأنشد شاهدا
لذلك:
ولو ولدت قفيرة جرو كلب ... لسبّ بذلك الجرو الكلابا
«7»
__________
(1) الأنبياء: 58.
(2) الأنبياء: 67.
(3) انظر: 215.
(4) الأنبياء: 80.
(5) من قوله تعالى: صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ
الآية: نفسها.
(6) الأنبياء: 88.
(7) قال في الخزانة: قفيرة بتقديم القاف على الفاء، والراء
المهملة: اسم أم الفرزدق والجرو: مثلث الجيم: ولد السباع، وهذا
البيت من قصيدة لجرير يهجو بها الفرزدق مطلعها:
(1/250)
قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ
يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ «1» يقرءان بالتشديد والتخفيف، وبالهمز
وتركه. وقد ذكرت علل ذلك فيما سلف «2».
قوله تعالى: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ «3» يقرأ بفتح الحاء
والراء وإثبات الألف، وبكسر الحاء وإسكان الراء وحذف الألف
«4». فالحجة لمن فتح وأثبت الألف: أنه أراد: ضد الحلال. والحجة
لمن كسر الحاء وحذف الألف: أنه أراد: وواجب على قرية. و (لا)
في قوله: (لا يرجعون) صلة. ومعناه: واجب عليهم الرجوع للجزاء.
وقيل هما لغتان:
حرم وحرام، وحلّ وحلال.
قوله تعالى: لِلْكُتُبِ «5». يقرأ بالتوحيد والجمع. وقد ذكرت
علل ذلك آنفا «6»، وقال بعضهم: السّجلّ: الكاتب.
قوله تعالى: فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ «7». يقرأ
بضم الزاي وفتحها. وقد ذكر فيما مضى «8».
قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ «9» يريد به من قبل الذكر.
والذكر القرآن. والأرض:
أرض الجنة، لقوله: الصَّالِحُونَ «10».
__________
أقلّي اللوم عاذل والعتابا ... وقولى: إن أصبت لقد أصابا
والشاهد في هذا البيت كما في الدّرر اللوامع: نيابة غير
المفعول به مع وجوده ف (بذلك) جار ومجرور وناب عن فاعل (سب) مع
وجود الكلاب وهو مفعول به.
انظر: (الخزانة 1: 163 والدّرر اللوامع: 1: 144).
(1) الأنبياء: 96.
(2) انظر: 231.
(3) الأنبياء: 95.
(4) قراءة عامة أهل الكوفة. قال الطبري: والصواب من القول في
ذلك أنهما قراءتان مشهورتان: متفقتا المعنى غير مختلفتيه، وذلك
أن الحرم هو:: الحرام والحرام هو: الحرم، كما الحلّ هو: الحلال
والحلال هو: الحلّ فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب. (الطبري: 17:
68) المطبعة الأميرية.
(5) الأنبياء: 104.
(6) انظر ص: 105.
(7) الأنبياء: 105.
(8) انظر: 128.
(9) الأنبياء: 105.
(10) الأنبياء: 105.
(1/251)
قوله تعالى: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ «1». يقرأ بإثبات
الألف على الخبر، وبطرحها على الأمر.
فإن قيل: ما وجه قوله (بالحق)؟ فقل: يريد احكم بحكمك الحقّ ثم
سمّى الحكم حقّا.
قوله تعالى: عَلى ما تَصِفُونَ «2». يقرأ بالياء والتاء. وقد
تقدّمت العلة في ذلك من الغيبة والخطاب. فاعرفه إن شاء الله. |