الحجة في القراءات السبع ومن سورة الفرقان
قوله تعالى: يَأْكُلُ مِنْها «8» يقرأ بالياء والنون. فالحجة
لمن قرأه بالياء: أنه أقرد الرّسول بذلك. والحجة لمن قرأه
بالنون: أنه أخبر عنهم بالفعل على حسب ما أخبروا به عن أنفسهم.
قوله تعالى: وَيَجْعَلْ لَكَ «9». يقرأ بالجزم والرفع. فالحجة
لمن جزم: أنه ردّه على معنى قوله: (جعل لك) لأنه جواب الشرط
وإن كان ماضيا فمعناه: الاستقبال. والحجة لمن استأنفه: أنه
قطعه من الأول فاستأنفه.
__________
(1) انظر 116.
(2) النّور: 51.
(3) في الأصل: والخفض والصّواب أن يقال (والرّفع) لأنه لا وجه
لخفض (قول) بعد كان وقد قال العكبري في هذه الآية: (قول
المؤمنين). يقرأ بالنصب والرفع: (العكبري 2: 158).
(4) انظر: 103 عند قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً.
(5) النّور: 55.
(6) النّور: 58.
(7) النّور: 58.
(8) الفرقان: 8.
(9) الفرقان: 10.
(1/264)
قوله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ «1»،
فَيَقُولُ «2». يقرءان بالياء والنون على ما تقدم من الغيبة
والإخبار عن النفس «3».
قوله تعالى: مَكاناً ضَيِّقاً «4». يقرأ بالتشديد والتخفيف
فقيل: هما لغتان: وقيل:
أراد: التشديد فخفف. وقيل الضيّق «5» فيما يرى ويحدّ، يقال بيت
ضيّق، وفيه ضيق.
والضيّق فيما لا يحد ولا يرى، يقال: صدر ضيّق وفيه ضيق.
قوله تعالى: تَشَقَّقُ السَّماءُ «6». يقرأ بالتشديد والتخفيف،
وقد تقدم القول فيه آنفا «7».
قوله تعالى: وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ «8». يقرأ بنون واحدة،
وتشديد الزاي، ورفع الملائكة.
وبنونين وتخفيف الزاي، ونصب الملائكة. فالحجة لمن شدّد ورفع:
أنه جعله فعل ما لم يسمّ فاعله ماضيا فرفع به، ودليله قوله:
(تنزيلا) لأنه من نزّل كما كان قوله تعالى:
تَقْتِيلًا «9» من قتّل. والحجة لمن قرأه بنونين: أنه أخذه من:
(أنزلنا) فالأولى نون الاستقبال، والثانية نون الأصل. وهو من
إخبار الله تعالى عن نفسه، ولو شدّد الزاي مع التنوين لوافق
ذلك المصدر.
قوله تعالى: يا وَيْلَتى «10». يقرأ بالإمالة والتفخيم. فالحجة
لمن أمال: أنه أوقع الإمالة على الألف فأمال لميل الألف.
والحجة لمن فخم: أنه أتى به على الأصل وأراد فيه النّدبة،
فأسقط الهاء وبقي الألف على فتحها.
قوله تعالى: أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً «11». يقرأ بالتوحيد
والجمع. وقد ذكر في البقرة «12».
__________
(1) الفرقان: 17.
(2) الفرقان: 17.
(3) انظر: 137.
(4) الفرقان: 13.
(5) قال الفراء: الضيّق ما يكون في الذي يتسع ويضيق مثل الدار
والثوب، والضيّق: ما ضاق عنه صدرك. أنظر:
(اللسان).
(6) الفرقان: 25.
(7) انظر: 161 عند قوله تعالى: تَلْقَفُ!!.
(8) الفرقان: 25.
(9) الأحزاب: 61.
(10) الفرقان: 28.
(11) الفرقان: 48.
(12) انظر: 91.
(1/265)
ويقرأ بالياء والنون وبالضم والإسكان «1».
وقد ذكر في الأعراف «2».
قوله تعالى: لِيَذَّكَّرُوا «3». يقرأ بتشديد الذال وفتحها.
وبتخفيفها وإسكانها «4».
والحجة لمن شدّد: أنه أراد ليتعظوا. ودليله: فَذَكِّرْ إِنَّما
أَنْتَ مُذَكِّرٌ «5». والحجة لمن خفف: أنه أراد بذلك: الذّكر
بعد النسيان.
قوله تعالى: لِما تَأْمُرُنا «6» يقرأ بالتاء والياء على ما
ذكرناه في معنى المواجهة والغيبة.
قوله تعالى: سِراجاً «7» يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن
وحّد: أنه أراد:
الشمس لقوله بعدها: (وقمرا). والحجة لمن جمع: أنه أراد: ما
أسرج وأضاء من النجوم، لأنها مع القمر تظهر وتضيء.
قوله تعالى: وَلَمْ يَقْتُرُوا «8». يقرأ بفتح الياء وكسر
التاء وضمها، وبضمّ الياء وكسر التاء. فالحجة لمن فتح الياء
وكسر التاء: أنه أخذه من قتر يقتر مثل: ضرب يضرب.
ومن ضم التاء أخذه من قتر يقتر مثل: خرج يخرج. والحجة لمن ضم
الياء وكسر التاء أنه أخذه من: أقتر يقتر. وهما لغتان:
معناهما: قلة الإنفاق.
قوله تعالى: يُضاعَفْ «9». يقرأ بإثبات الألف والتخفيف،
وبحذفها والتشديد وقد ذكرت علته فيما سلف «10».
ويقرأ بالرفع والجزم. فالحجة لمن رفع: أنه لما اكتفى الشرط
بجوابه كان ما أتى بعده مستأنفا فرفعه. والحجة لمن جزم أنه لما
اتصل بعض الكلام ببعض جعلت (يضاعف) بدلا من قوله: يَلْقَ «11»
فجزمته، ورددت عليه (ويخلد) بالجزم عطفا بالواو.
قوله تعالى: فِيهِ مُهاناً «12». يقرأ بكسر الهاء وإلحاق ياء
بعدها. وباختلاس الحركة من غير ياء. وقد تقدّم القول فيه بما
يغني عن إعادته «13».
قوله تعالى: وَذُرِّيَّاتِنا «14». يقرأ بالجمع والتوحيد.
فالحجة لمن جمع: أنه ردّ أول
__________
(1) يقصد: (بشرا).
(2) انظر 157.
(3) الفرقان: 50.
(4) وضم الكاف مخففة أيضا.
(5) الغاشية: 21.
(6) الفرقان: 60.
(7) الفرقان: 61.
(8) الفرقان: 67.
(9) الفرقان: 69.
(10) انظر: 98.
(11) الفرقان: 68.
(12) الفرقان: 69.
(13) انظر: 71 عند قوله تعالى: مَشَوْا فِيهِ.
(14) الفرقان: 74.
(1/266)
الكلام على آخره، وزواج بين قوله:
(أزواجنا) و (ذرياتنا). والحجة لمن وحّد: أنه أراد به الذرية،
وإن كان لفظها لفظ التوحيد فمعناها معنى الجمع. ودليله قوله
بعد ذكر الأنبياء: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ «1».
قوله تعالى: وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً «2». يقرأ بتشديد
القاف وتخفيفها. فالحجة لمن شدد:
أنه أراد تكرير تحية السّلام عليهم مرة بعد أخرى. ودليله قوله:
وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً «3».
والحجة لمن خفف: أنه جعله من اللّقاء لا من التّلقّي كقوله:
لقيته ألقاه، ويلقاه مني ما يسرّه.
من سورة الشعراء
قوله تعالى: طسم «4». يقرأ بالتفخيم، والإمالة، وبينهما. وقد
ذكرت علته في مريم «5» قوله: سين ميم، يقرأ بالإظهار والإدغام.
فالحجة لمن أدغم: أنه أجراه على أصل ما يجب في الإدغام عند
الاتصال. والحجة لمن أظهر: أن حروف التهجّي مبنيّة على قطع
بعضها من بعض، فكأن الناطق بها واقف عند تمام كل حرف منها.
قوله تعالى: إِنَّ مَعِي رَبِّي «6». يقرأ بفتح الياء
وإسكانها. فالحجة لمن فتحها: أنها اسم على حرف واحد، اتصلت
بكلمة على حرفين «7» فقويت بالحركة. والحجة لمن أسكن: أنه خفف،
لأنّ حركة الياء ثقيلة.
قوله تعالى: لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ «8». يقرأ بإثبات الألف،
وحذفها. فالحجة لمن أثبت: أنه أتى به على أصل ما أوجبه القياس
في اسم الفاعل كقولك: علم فهو عالم.
والحجة لمن حذف الألف: أنه قد جاء اسم الفاعل على فعل كقولك:
حذر، ونحر وعجل. وقد فرق بينهما بعض أهل العربية، فقيل: رجل
حاذر فيما يستقبل، لا في وقته، ورجل حذر: إذا كان الحذر لازما
له كالخلقة.
قوله تعالى: فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ «9». الخلف في الوقف
عليه. فوقف (حمزة)
__________
(1) آل عمران: 34.
(2) الفرقان: 75.
(3) الإنسان: 11.
(4) الشعراء: 1.
(5) انظر: 234
(6) الشعراء: 62.
(7) وهي كلمة: «مع».
(8) الشعراء: 56.
(9) الشعراء: 61.
(1/267)
(تري) بكسر الراء ومدّ قليل، لأن من شرطه
حذف الهمز في الوقف فكان المدّ إشارة إليها ودلالة عليها «1».
ووقف (الكسائي) بالإمالة والتمام.
ووقف الباقون بالتفخيم والتمام على الأصل، فإن كانت الهمزة
للتأنيث أشير إليها في موضع الرفع وحذفت في موضع النصب.
قوله تعالى: إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ «2». يقرأ بفتح الخاء
وضمها. فالحجة لمن فتح: أنه أراد: المصدر من قولهم: خلق،
واختلق بمعنى: كذب. والحجة لمن ضم: أنه أراد:
عادة الأولين ممّن تقدم.
قوله تعالى: فارِهِينَ «3». يقرأ بإثبات الألف وحذفها. فالحجة
لمن أثبتها: أنه أراد حاذقين بما يعملونه. والحجة لمن حذفها:
أنه أراد: أشرين، بطرين.
قوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «4». يقرأ
بالتشديد ونصب الروح وبالتخفيف والرفع.
فالحجة لمن شدّد: أنه جعل الفعل لله عز وجل. ودليله قوله:
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ «5».
والحجة لمن خفف: أنه جعل الفعل لجبريل عليه السلام، فرفعه
بفعله. فأمّا قوله: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ
بِإِذْنِ اللَّهِ «6»، فالتشديد لا غير، لاتصال الهاء باللام
وحذف الباء.
قوله تعالى: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً «7» يقرأ بالياء
والنصب. وبالتاء والرفع. فالحجة لمن رفع الآية: أنه جعلها اسم
كان، والخبر (أن يعلمه). والحجة لمن نصب: أنه جعل:
(الآية) الخبر، والاسم (أن يعلمه)، لأنه بمعنى (علم علماء بني
إسرائيل) فهو أولى بالاسم لأنه معرفة، والآية نكرة. وهذا من
شرط (كان) إذا اجتمع فيها معرفة ونكرة كانت المعرفة بالاسم
أولى من النكرة.
__________
(1) قال الدّاني: حمزة قرأ بإمالة فتحة الرّاء في الوصل، وإذا
وقف أتبعها الهمزة فأمالها، مع جعلها بين بين على أصله، فتصير
بين ألفين ممالتين، الأولى: أميلت لإمالة فتحة الراء،
والثانية: أميلت لإمالة فتحة الهمزة.
انظر: (التيسير في القراءات السبع: 165).
(2) الشعراء: 137.
(3) الشعراء: 149.
(4) الشعراء: 193.
(5) الشعراء: 192.
(6) البقرة: 97.
(7) الشّعراء: 197.
(1/268)
ومعنى الآية: أو لم يكن علم علماء بني
إسرائيل لمحمّد عليه السّلام في الكتب المنزلة إلى الأنبياء
قبله أنه نبيّ آية بيّنة ودلالة ظاهرة، ولكن لما جاءهم ما
كانوا يعرفون كفروا به على عمد لتأكد الحجّة عليهم.
قوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ «1». يقرأ بالفاء
والواو على حسب ما ثبت في السّواد.
فالحجة لمن قرأ بالفاء: أنه جعله جوابا لقوله تعالى: فَإِنْ
عَصَوْكَ «2» فتوكل: والحجة لمن قرأه بالواو: أنه جعل الجواب
في قوله «فقل» ثم ابتدأ قوله: وتوكّل بالواو مستأنفا.
ومعنى التوكل: قطع جميع الآمال إلّا منه، وإزالة الرغبة عن كلّ
إلّا عنه.
قوله تعالى: يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ «3». يقرأ بتشديد التاء
وفتحها. وبالتخفيف وإسكانها.
وقد تقدم من القول في علل ذلك ما يغني عن إعادته «4».
ومن سورة النمل
قوله تعالى: بِشِهابٍ قَبَسٍ «5». يقرأ بالتنوين، والإضافة.
فالحجة لمن أضاف: أنه جعل الشّهاب غير القبس، فأضافه، أو يكون
أراد: بشهاب من قبس فأسقط (من) وأضاف، أو يكون أضاف، والشهاب
هو القبس، لاختلاف اللفظين، كما قال تعالى:
وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ «6». والحجة لمن نوّن: أنه جعل
القبس نعتا لشهاب فأعربه بإعرابه.
وأصل الشهاب: كلّ أبيض نوريّ.
قوله تعالى: وَبُشْرى «7». يقرأ بالتفخيم على الأصل، وبالإمالة
لمكان الياء. ومثله فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ «8». يقرأ
بالتفخيم والإمالة. فأما كسر الراء والهمزة فتسمى إمالة
الإمالة.
قوله تعالى: ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ «9». وَما لِيَ لا
أَعْبُدُ «10» في (يس) يقرءان بالتحريك والإسكان. فالحجة لمن
فتح: أن كل اسم مكنّى كان على حرف واحد مبني على حركة:
(كالتاء) في قمت، و (الكاف) في ضربك، فكذلك الياء. والحجة لمن
أسكن: أن
__________
(1) الشّعراء: 217.
(2) الشّعراء: 216.
(3) الشعراء: 244.
(4) انظر: 161 عند قوله تعالى: تَلْقَفُ.
(5) النمل: 7.
(6) يوسف: 109.
(7) النمل: 2.
(8) القصص: 31.
(9) النمل: 20.
(10) يس: 22.
(1/269)
الحركة على الياء ثقيلة، فأسكنها تخفيفا،
وهذا لا سؤال فيه، وإنما السؤال على (أبي عمرو) لأنه أسكن في
(النّمل) وحرك في (يس).
وله في ذلك ثلاث حجج: إحداهن: ما حكى عنه: أنه فرّق بين
الاستفهام في (النمل)، وبين الانتفاء في (يس). والثانية: أنه
أتى باللغتين ليعلم جوازهما. والثالثة:
أن الاستفهام يصلح الوقف عليه فأسكن له الياء كقولك ما لي؟ وما
لك؟ والانتفاء يبنى على الوصل من غير نيّة وقوف، فحرّكت الياء
لهذا المعنى.
قوله تعالى: أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ «1». يقرأ
بإظهار النّونين، وبالإدغام. فالحجة لمن أظهر: أنه أتى باللّفظ
على الأصل، لأن الأولى: نون التأكيد مشددة، والثانية: مع الياء
اسم المفعول به. والحجة لمن أدغم: أنه استثقل الجمع بين ثلاث
نونات متواليات، فخفف بالإدغام وحذف إحداهن، لأن ذلك لا يخل
بلفظ ولا يحيل معنى. والسلطان هاهنا: الحجّة.
قوله تعالى: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ «2» يقرأ بضم الكاف إلا
ما روي عن (عاصم) من فتحها، وهما لغتان، والاختيار عند
النحويين الفتح لأنه لا يجيء اسم الفاعل من فعل يفعل بالضمّ
إلّا على وزن: (فعيل) إلا الأقل: كقولهم: «حامض»، و (فاضل).
قوله تعالى: مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ «3». يقرأ بالإجراء
والتنوين. وبترك الإجراء والفتح من غير تنوين، وبإسكان الهمزة.
فالحجة لمن أجراه أنه جعله اسم جبل أو اسم أب للقبيلة.
والحجة لمن لم يجره: أنه جعله اسم أرض، أو امرأة فثقل بالتعريف
والتأنيث. والحجة لمن أسكن الهمزة: أنه يقول: هذا اسم مؤنث،
وهو أثقل من المذكّر، ومعرفة، وهو أثقل من النكرة، ومهموز، وهو
أثقل من المرسل، فلما اجتمع في الاسم ما ذكرناه من الثقل خفّف
بالإسكان.
وسئل «أبو عمرو» عن تركه صرفه فقال: هو اسم لا أعرفه، وما لم
تعرفه العرب لم تصرفه.
قوله تعالى: أَلَّا يَسْجُدُوا «4». يقرأ بالتشديد والتخفيف.
فالحجة لمن شدّد: أنه
__________
(1) النمل: 21.
(2) النمل: 22.
(3) النمل: 22.
(4) النمل: 25.
(1/270)
جعله حرفا ناصبا للفعل «ولا» للنفي، وأسقط
النون علامة للنصب. ومعناه: وزيّن لهم الشيطان ألّا يسجدوا
لله. والحجة لمن خفف: أنه جعله تنبيها واستفتاحا للكلام، ثم
نادى بعده فاجتزأ بحرف النداء من المنادى «1» لإقباله عليه
وحضوره، فأمرهم حينئذ بالسجود.
وتلخيصه: ألا يا هؤلاء اسجدوا لله، والعرب تفعل ذلك كثيرا في
كلامها. قال الشاعر:
ألا يا اسلمي يا دارميّ على البلى ... ولا زال منهلّا بجرعائك
القطر
«2» أراد: يا هذه اسلمي. ودليله أنه في قراءة عبد الله (هلّا
يسجدون). وإنما تقع (هلّا) في الكلام تحضيضا على السّجود.
قوله تعالى: وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ «3».
يقرءان بالياء والتاء وقد تقدّم ذكر علله فيما مضى.
قوله تعالى: أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ «4». يقرأ بإدغام النون في
النون والتشديد وإثبات الياء وصلا ووقفا، وبإظهار النونين
وإثبات الياء وصلا. وبحذفها مع الإظهار وصلا ووقفا.
وقد ذكرت علله في نظائره مقدمة «5».
قوله تعالى: فَما آتانِيَ اللَّهُ «6». يقرأ بالمدّ والقصر،
وإثبات الياء وفتحها، وإسكانها وحذفها، وبالإمالة والتفخيم.
فالحجة لمن مدّ: أنه جعله من الإعطاء وبه قرأت الأئمة.
والحجة لمن قصر: أنه جعله من المجيء. ومن أثبت الياء وفتحها
كره إسكانها، فتذهب لالتقاء الساكنين. والحجة لمن حذفها: أنه
اجتزأ بالكسرة منها. وقد تقدّم القول في الاحتجاج لمن فخّم
وأمال.
__________
(1) قال ابن مالك: ومن حذف المنادى المأمور، قوله تعالى: «في
قراءة الكسائي «ألا يا اسجدوا» أراد: ألا يا هؤلاء اسجدوا.
انظر: (شواهد التوضيح والتصحيح لابن مالك: 6).
(2) قال في الدّرر اللوامع: حذف المنادى قبل الدعاء وجوبا عند
ابن مالك، وميّ اسم امرأة. منهلّا: سائلا. جرعاء: هي جرعاء
مالك: بلد قريبة من حزوى ببلاد نجد.
والبيت من قصيدة لذي الرمّة انظر: (الدرر 2: 3 وحاشية الصبان
1: 37 - وشروح سقط الزائد، القسم الرابع:
1528).
(3) النمل: 25.
(4) النمل: 36.
(5) انظر: 143 عند قوله تعالى: أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ. و:
169 عند قوله تعالى: ثُمَّ كِيدُونِ.
(6) النمل: 36.
(1/271)
قوله تعالى: وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها «1».
قرأه الأئمة بإرسال الألف إلا ما قرأه ابن كثير بالهمز مكان
الألف. وله في ذلك وجهان. أحدهما: أن العرب تشبه ما لا يهمز
بما يهمز فتهمزه تشبيها به كقولهم: حلّات السّويق «2»، وإنما
أصله في قولهم: حلّات الإبل عن الحوض: إذا منعتها من الشرب.
والآخر: أن العرب تبدل من الهمز حروف المد واللين فأبدل (ابن
كثير) من حروف المدّ واللين همزة تشبيها بذلك. فأمّا همزه في
(صاد) لقوله بِالسُّوقِ «3» فقيل: كان أصله سئوق على ما يجب في
جمع (فعل) «4» فلما اجتمع واوان الأولى مضمومة همزها، واجتزأ
بها من الثانية فحذفها.
قوله تعالى: لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ
«5» يقرءان بالتاء والنون. فالحجة لمن قرأه بالتاء «6»:
أنه أراد به: كأن مخاطبا خاطبهم فقال: تحالفوا من القسم
لتبيّتنّه، ثم لتقولنّ، فأتى بالتاء دلالة على خطاب الحضرة،
وأسقطت نون التأكيد، واو الجمع، لالتقاء الساكنين.
قوله تعالى: مَهْلِكَ أَهْلِهِ «7». يقرأ بضم الميم وفتحها
وبكسر اللام وفتحها. وقد أتينا على علله في الكهف «8».
قوله تعالى: أَنَّا دَمَّرْناهُمْ «9». يقرأ بكسر الهمزة
وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه استأنفها بعد تمام الكلام. والحجة
لمن فتحها: أنه جعلها متّصلة بالأول من وجهين:
أحدهما: أنه جعلها وما اتصل بها خبر كان. والآخر: أنه وصلها
بالباء، ثم أسقطها فوصل الفعل إليها.
__________
(1) النمل: 44.
(2) السويق: ما يعمل من الحنطة والشعير، فهمزوا غير مهموز لأنه
من الحلواء.
(3) ص: 33.
(4) فعول: يطرد في اسم على فعل بفتح فكسر، ككبد وكبود وفي فعل
اسما ثلاثيّا ساكن العين، مثلث الفاء. نحو:
كعب وكعوب، ويحفظ في فعل بفتحتين. كأسد وأسود، وذكر وذكور،
وشجن وشجون.
(5) النمل: 49.
(6) التاء الفوقية مضمومة بعد اللام، وكذلك ضم التاء التي بعد
الياء التحتية.
(7) النمل: 49.
(8) انظر: 227.
(9) النمل: 51.
(1/272)
قوله تعالى: أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ
الرِّجالَ «1». يقرأ بهمزة وياء. وبالمدّ وغير المدّ،
وبهمزتين.
وقد ذكرت علله محكمة فيما سلف «2».
قوله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ «3» قَدَّرْناها يقرأ بتشديد
الدال وتخفيفها. وقد تقدّم القول فيه «4».
قوله تعالى: قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ «5». يقرأ بالتاء والياء
«6»، وبالتشديد والتخفيف. وقد ذكر آنفا.
قوله تعالى: بَلِ ادَّارَكَ «7». يقرأ بقطع الألف وإسكان
الدال، وبوصل الألف وتشديد الدّال، وزيادة ألف بين الدال
والراء. فالحجة لمن قطع الألف: أنه جعله ماضيا من الأفعال
الرّباعية. ومنه قوله إِنَّا لَمُدْرَكُونَ «8». والحجة لمن
وصل وشدّد، وزاد ألفا: أن الأصل عنده: (تدارك) ثم أسكن التاء
وأدغمها في الدّال، فصارتا دالا شديدة ساكنة فأتى بألف الوصل،
ليقع بها الابتداء، وكسر لام (بل) لذهاب ألف الوصل في درج
الكلام، والتقائها مع سكون الدّال، ومثله: فَادَّارَأْتُمْ
فِيها «9»، قالوا: اطَّيَّرْنا بِكَ «10»، وَازَّيَّنَتْ
وَظَنَّ أَهْلُها «11».
قوله تعالى: أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا «12» مذكور فيما
تقدم «13».
فأمّا قوله: أَإِنَّا «14» يقرأ بالاستفهام والإخبار. فالحجة
لمن استفهم: أنه أراد أإنا
__________
(1) النمل: 55.
(2) انظر: 161.
(3) النمل: 57.
(4) انظر ص: 207 عند قوله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ
قَدَّرْنا.
(5) النمل: 62.
(6) في الأصل: (والهاء) وهو تحريف قرأ أبو عامر وهشام بالياء
والباقون بالتاء.
(7) النمل: 66.
(8) الشعراء: 61.
(9) البقرة: 72.
(10) النمل: 47.
(11) يونس: 24.
(12) النمل: 67.
(13) انظر: 161.
(14) النمل: 67.
(1/273)
بهمزتين فقلب الثانية ياء لانكسارها تخفيفا
لها. والحجة لمن أخبر أنه أراد: إننا، فاستثقل الجمع بين ثلاث
نونات فحذف إحداهن تخفيفا ثم أدغم النون في النّون للماثلة.
والحجة لمن أظهر النونات في الإخبار أنه أتى بالكلام على أصله
ووفّاه ما أوجبه المعنى له. فأمّا الاسم المكنّى ففي موضع نصب
بإنّ في كل الوجوه.
قوله تعالى: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ «1». يقرأ بالياء مفتوحة،
ورفع (الصمّ) وبالتاء مضمومة ونصب (الصمّ)، وقد بيّن الوجه في
ذلك مشروحا في سورة (الأنبياء) «2».
فإن قيل: فأي حجة تثبت عليهم إذا كانوا صمّا؟ فقل: هذا مثل:
وإنما نسبوا إلى الصمم لأن الرسول عليه السّلام لما وعظهم،
فتكبّروا عن الوعظ، ومجّته آذانهم، ولم ينجح فيهم، كانوا
بمنزلة من لم يسمع، ألا ترى إلى قول الشاعر:
* أصم عما ساءه سميع «3» * قوله تعالى: وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ
«4» يقرأ بفتح الضاد وكسرها وقد ذكر فيما سلف «5».
قوله تعالى: بِهادِي الْعُمْيِ «6». يقرأ بالياء واسم الفاعل
مضافا، وخفض «العمي» وبالتاء «7» مكان الباء علامة للمضارعة،
ونصب «العمي». فالحجة لمن أدخل الباء: أنه شبه «8» (ما) بليس
فأكّد بها الخبر، فإن أسقط الباء كان له في الاسم الرفع
والنصب.
والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعله فعلا مضارعا لاسم الفاعل،
لأنه ضارعه في الإعراب، وقام مقامه في الحال، فأعطي الفعل
بشبهه الإعراب «9»، وأعطي اسم الفاعل بشبهه الإعمال.
__________
(1) النمل: 80.
(2) انظر: 48.
(3) اللسان: مادة: صمم سمع، وانظر: (جمهرة الأمثال: 36).
(4) النمل: 70.
(5) انظر: 150.
(6) النمل: 81.
(7) المراد بتاء فوقية مفتوحة، وإسكان الهاء ونصب (العمى). وهي
قراءة حمزة: انظر: (التيسير: 169).
(8) في قوله تعالى: وَما أَنْتَ بِهادِي الخ .. الآية نفسها.
(9) في رأي ابن مالك أن هذا ليس هو العلة في إعراب الفعل
المضارع، وإنما العلة في إعرابه قبوله لصيغة واحدة، ومعان
مختلفة، ولا يميزها إلا الإعراب تقول: ما أحسن زيد فيحتمل:
النفي بها والتعجب، والاستفهام، فإن أردت الأول: رفعت زيدا، أو
الثاني نصبته، أو الثالث جررته، فلا بد أن تكون هذه العلة هي
الموجبة لإعراب المضارع فإنك تقول: لا تأكل السمك وتشرب اللبن،
فيحتمل النهي عن كل منهما على انفراده، وعن الجمع بينهما، وعن
الأول فقط، والثاني مستأنف، ولا يبين ذلك إلّا بالإعراب، بأن
تجزم الثاني إذا أردت الأول،
(1/274)
والفعل هاهنا مرفوع باللفظ في موضع نصب
بالمعنى. «والعمي» منصوبون بتعدّيه إليهم. وعلى هذا تأتي الحجة
في سورة «الرّوم» «1» إلّا في الوقف، فإن الوقف هاهنا بالياء،
وفي الرّوم بغير ياء اتّباعا لخطّ السّواد «2».
قوله تعالى: تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ «3». يقرأ بكسر
الهمزة وفتحها. فالحجة لمن كسر:
أنه جعل الكلام تامّا عند قوله: «تكلمهم» ثم ابتدأ (إن)
مستأنفا، فكسر. والحجة لمن فتح: أنه أعمل «تكلّمهم» في «أن»
بعد طرح الخافض، فوصل الفعل إليها، فموضعها على هذا نصب بتعدّي
الفعل إليها في قول البصريين، ونصب بفقدان الخافض في قول:
«الفرّاء» وخفض في قول: (الكسائي) وإن فقد الخافض.
قوله تعالى: وَكُلٌّ أَتَوْهُ «4». يقرأ بالمدّ وضم التاء،
وبالقصر وفتح التاء، فالحجة لمن مدّ: أنه جعله جمعا سالما ل
(آت) وأصله: آتونه، فسقطت النون لمعاقبة الإضافة، فالهاء في
موضع خفض. والحجة لمن قصر: أنه جعله فعلا ماضيا بمعنى: جاء،
والواو دالة على الجمع والرفع والتذكير، والهاء في موضع نصب
بتعدّي الفعل إليها.
فإن قيل: لم اختص ما يعقل بجمع السلامة دون ما لا يعقل؟ فقل:
لفضيلة ما يعقل على ما لا يعقل فضّل في اللفظ بهذا الجمع «5»،
كما فضل بالأسماء الأعلام في المعنى، وحمل ما لا يعقل في الجمع
على مؤنث ما يعقل، لأن المؤنث العاقل فرع على المذكّر، والمؤنث
ممّا لا يعقل فرع على المؤنث العاقل، فتجانسا بالفرعية،
فاجتمعا في لفظ الجمع بالألف والتاء.
قوله تعالى: بِما تَفْعَلُونَ «6». يقرأ بالتاء والياء على ما
قدّمناه من مشاهدة الحضرة والغيبة.
قوله تعالى: مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ «7». يقرأ بالتنوين
والنصب، وبالإضافة وكسر الميم،
__________
وتنصبه إن أردت الثاني، وترفعه إن أردت الثالث. انظر:
(الاقتراح للسيوطي: 62).
(1) الرّوم آية: 53 آي: أن أوجه الإعراب المذكورة هنا تكون
هناك.
(2) لأن خط المصحف في الروم بغير ياء.
(3) النمل: 82.
(4) النمل: 87.
(5) أي بجمع السلامة.
(6) النمل: 88.
(7) النمل: 89.
(1/275)
وفتحها معا. وقد ذكر بجميع علله في آخر المائدة «1» بما يغني
عن إعادة القول فيه.
قوله تعالى: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ «2».
يقرأ بالياء والتاء. وقد ذكرت علله في عدة مواضع. |