الحجة في القراءات السبع

ومن سورة سبأ
قوله تعالى: عالِمِ الْغَيْبِ «11» يقرأ «علّام الغيب» و «عالم الغيب» بالخفض وعالم بالرفع. فالحجة لمن خفض: أنه جعله وصفا لقوله: (بلى وربي) «12» لأنه مخفوض بواو القسم. فأما علّام فهو أبلغ في المدح من عالم وعليم. ودليله قوله في آخرها: «قُلْ إِنَّ رَبِّي
__________
(1) الأحزاب: 51.
(2) انظر: 159 عند قوله تعالى: أَرْجِهْ وَأَخاهُ.
(3) الأحزاب: 52.
(4) انظر: التيسير: 179.
(5) الأحزاب: 53.
(6) انظر: 71.
(7) الأحزاب: 67
(8) أي سادات بألف بعد الدّال مع كسر التاء، وهي قراءة ابن عامر: (التيسير ص: 179).
(9) الأحزاب: 68.
(10) انظر: 96 عند قوله تعالى: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ.
(11) سبأ: 3.
(12) الآية نفسها.

(1/291)


يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ «1». وقيل: بل شدد دلالة على التكثير، لأنه مضاف إلى جمع.
والحجة لمن قرأه بالرفع: أنه جعله خبر ابتداء محذوف، معناه: هو عالم الغيب.
قوله تعالى: لا يَعْزُبُ «2» يقرأ بضم الزاي وكسرها وقد ذكر «3».
قوله تعالى: مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ «4» يقرأ بالخفض والرفع. فالحجة لمن خفض: أنّه جعله وصفا للرجز. والحجة لمن رفع: أنه جعله وصفا لقوله: (لهم عذاب). ومعنى: (أليم):
مؤلم موجع.
قوله تعالى: إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ «5»، أَوْ نُسْقِطْ «6» يقرءان بالنون والياء. فالحجة لمن قرأ بالنون: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن ذاته. والحجة لمن قرأ بالياء: أنه جعله من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل. واتفق القراء على إظهار الفاء عند (الباء) «7» إلا ما قرأه (الكسائي) مدغما. وحجته: أن مخرج الباء من الشفتين، ومخرج الفاء من باطن الشفة السفلى، وأطراف الثنايا العلى، فاتفقا في المخرج للمقاربة إلا أن في الفاء تفشيا يبطل الإدغام. فأما إدغام الباء في الفاء فصواب.
قوله تعالى: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ «8» اتفاق القراء على نصب الريح إلا ما رواه «أبو بكر» «9» عن «عاصم» بالرفع. فالحجة لمن نصب: إضمار فعل معناه: وسخرنا لسليمان الريح «10».
فأما الحجة «لعاصم» فإنه رفعه بالابتداء «ولسليمان» الخبر.
__________
(1) سبأ: 48.
(2): 3.
(3) انظر: 157.
(4) سبأ: 5.
(5) سبأ: 9.
(6) سبأ: 9.
(7) في قوله تعالى: نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ.
(8) سبأ: 12.
(9) انظر: 82.
(10) يرد بهذه الآية أبو عمرو بن العلاء على عيسى بن عمر، لأن عيسى كان يقرأ «يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ» على النداء، وقال أبو عمرو: لو كانت على النداء لكانت رفعا ولكنها على إضمار: «وَسَخَّرْنا» الطير لقوله على أثر هذا: «وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ» أي سخرنا الريح.
انظر: (طبقات الشعراء لابن سلام 14) المطبعة المحمودية.

(1/292)


قوله تعالى: كَالْجَوابِ «1» اتفق القرّاء على حذف الياء في الوقف إلا (ابن كثير) فإنه أثبتها على الأصل.
قوله تعالى: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ «2» يقرأ بالهمز وتركه. فالحجة لمن همز: أنه أتى باللفظ على أصل الاشتقاق، لأن العصا سميت بذلك، لأن الراعي ينسئ بها الإبل عن الحوض أي يؤخرها. والحجة لمن ترك الهمز: أنه أراد التخفيف.
قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ «3». يقرأ (سبأ) بالإجراء وتركه. وقد ذكرت علله في سورة النمل «4». و (في مساكنهم) يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحد: أنه اجتزأ بالتوحيد من الجمع. والحجة لمن جمع: أنه جعل كل موضع منهما مسكنا.
قوله تعالى: ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ «5». أجمع القراء فيه على التنوين إلا (أبا عمرو) فإنه أضاف. فالحجة لمن نوّن: أنه جعل (الخمط) و (الأثل) بدلا من الأكل، وهو هو في المعنى، ولذلك كرهوا إضافته، لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه. والحجة لأبي عمرو: أنه جعل الأكل أشياء كثيرة، و (الخمط) جنسا من المأكولات، فأضاف كما يضيف الأنواع إلى الأجناس. و (الخمط): ثمر الأراك فأمّا (أكل) فيقرأ بضم الكاف على الأصل وإسكانها تخفيفا.
قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ «6». أجمع القراء على ضم الفاء دلالة على بناء ما لم يسم فاعله إلا (ابن عامر) فإنه فتحها دلالة على بناء الفعل للفاعل وهو الله عز وجل «7».
ومعنى ذلك: أن الملائكة لما سمعت صليل الوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد الفترة التي كانت بينه وبين عيسى عليه السلام، فزعت له خوفا من قيام الساعة فقالوا: ماذا قالَ رَبُّكُمْ؟ «8» فأجيبوا قالُوا الْحَقَّ «9» أي: قال ربكم: الحق.
__________
(1) سبأ: 13.
(2) سبأ: 14.
(3) سبأ: 15.
(4) انظر: 270.
(5) سبأ: 16.
(6) سبأ: 23.
(7) وتقرأ بفتح الفاء والزاي مشددة انظر: (شرح ابن القاصح على الشاطبية: 283).
(8) سبأ: 23.
(9) سبأ: 23

(1/293)


قوله تعالى: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ «1». يقرأ بالياء وفتح الزاي. وبالنون وكسر الزاي. فالحجة لمن قرأه بالياء والفتح: أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله فرفع لذلك الكفور.
والحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعل الفعل لله عز وجل وعدّاه إلى (الكفور) فنصبه به «2».
و (هل) يجيء في الكلام على أربعة أوجه: يكون جحدا كقوله: (وهل يجازى إلا الكفور). ودليل ذلك مجيء التحقيق بعدها. وتكون استفهاما كقوله: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ «3». ويكون أمرا كقوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «4». ويكون بمعنى «قد» كقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ «5».
قوله تعالى: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا «6». يقرأ بتشديد العين وكسرها من غير ألف، وبالتخفيف وإثبات الألف بين الباء والعين. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد: التكرير يعني بعد بعد وهو ضد: القرب. والحجة لمن أدخل الألف وخفف: أنه استجفى أن يأتي بالعين مشددة فأدخل الألف، وخفف، كقوله تعالى: عَقَّدْتُمُ «7» و (عاقدتم).
وقد ذكرت علله هناك بأبين من هذا، وهما في حال التشديد والتخفيف عند الكوفيين مجزومان بلام مقدرة، حذفت مع حرف المضارعة. وعند البصريين مبنيا على معنى الطّلب بلفظ الأمر على ما وجب للفعل في الأصل.
قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ «8». يقرأ بتشديد الدّال وتخفيفها. ومعناهما قريب وذلك أن إبليس لعنه الله قال: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ «9» ظانا لذلك،
__________
(1) سبأ: 17.
(2) قال ابن قتيبة في معرض وجوه الخلاف في القراءات: إنه قد يكون الاختلاف في إعراب الكلمة أو في حركة بنائها بما لا يزيلها عن صورتها في الكتاب ولا يغير معناها نحو قوله تعالى: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ وهل يجازي إلّا الكفور. انظر: (تأويل مشكل القرآن 28، 29).
(3) الشعراء: 72
(4) المائدة: 91
(5) الإنسان: 1
(6) سبأ: 19.
(7) المائدة 89.
(8) سبأ: 20.
(9) النساء: 119.

(1/294)


لا متيقنا فلما تابعه عليه من سبقت له الشقوة عند الله عز وجل صدّق ظنّه عليهم.
قوله تعالى: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ «1». يقرأ بضم الهمزة دلالة على ما لم يسم فاعله، ونصبها إخبارا بالفعل عن الله عز وجل.
قوله تعالى: وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ «2». يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد: أنه اجتزأ بالواحد عن الجمع كقوله تعالى: وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها «3» يريد به الملائكة. والحجة لمن جمع قوله تعالى: لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ «4». وكلّ صواب اللفظ، قريب المعنى.
قوله تعالى: وَأَنَّى لَهُمُ «5» يقرأ بالتفخيم على الأصل، وبالإمالة لمكان الياء، وبين بين، تعديلا بين اللغتين.
قوله تعالى: التَّناوُشُ «6». يقرأ بتحقيق الهمزة وإبداله. فالحجة لمن همز: أنه أراد:
التباعد. والحجة لمن ترك الهمز: أنه أراد: التناول. وأنشد (لرؤبة) «7» في الهمز الذي هو بمعنى البعد قوله:
كم ساق من دار امرئ جحيش ... إليك ناش القدر النّئوش
«8» وأنشد لغيره في ترك الهمز الذي هو بمعنى: التناول قوله:
فهي تنوش الحوض نوشا من علا ... نوشا به تقطع أجواز الفلا
«9»
__________
(1) سبأ: 23.
(2) سبأ: 37.
(3) الحاقة: 17.
(4) الزمر: 20.
(5) سبأ: 52.
(6) سبأ: 52.
(7) انظر: 119.
(8) البيت من قصيدة، يمدح بها الحارث أوّلها:
عاذل قد أطعت بالترقيش ... إليّ سرا فاطرقي، وميشي
انظر: (ديوان رؤية بن العجاج 3: 77 من مجموع أشعار العرب).
وانظر: (لسان العرب مادة: جحش).
الجحيش: الشق والناحية. ورجل جحيش المحلّ: إذا نزل ناحية عن الناس ولم يختلط بهم.
النأش: الأخذ والبطش. والنئوش: القوي القلب
(9) لعيلان بن حريث كما جاء في اللسان، والضمير للإبل، من علا: أي من فوق يريد أن الإبل، عالية الأجسام.

(1/295)


من سورة فاطر
قوله تعالى: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ «1». يقرأ بالرفع والخفض. فالحجة لمن رفع:
أنه أراد: هل غير الله من خالق أو يجعله نعتا لخالق قبل دخول (من) أو يجعل (هل) بمعنى (ما) و (غيرا) بمعنى: إلّا كقوله: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ «2». والحجة لمن خفض:
أنه جعله نعتا لخالق، أراد: هل من خالق غير الله يرزقكم.
قوله تعالى: كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ «3». يقرأ بضم الياء وفتح الزاي والرفع، وبالنون مفتوحة وكسر الزاي والنصب. فالحجة لمن ضم: أنه دلّ بالفعل على بنائه لما لم يسمّ فاعله، فرفع ما أتى بعده به. والحجة لمن قرأه بالنون والفتح: أنه أراد: حكاية ما أخبر الله عز وجل عن نفسه، ونصب قوله: (كل كفور) بتعدّي الفعل إليه.
قوله تعالى: يَدْخُلُونَها «4». يقرأ بفتح الياء وضم الخاء، وبضم الياء وفتح الخاء.
فالحجة لمن قرأه بفتح الياء: أنه جعل الدخول فعلا لهم، والتّحلية إلى غيرهم ففرّق بين الفعلين لهذا المعنى. والحجة لمن قرأه بضم الياء: أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله وزاوج بذلك بين هذا الفعل وبين قوله: يدخلونها، ويحلون، ليشاكل بذلك بين اللفظين.
قوله تعالى: وَلُؤْلُؤاً «5». يقرأ بالهمز، وتركه، وبالنصب والخفض. وقد ذكر بجميع وجوهه في سورة الحج «6».
قوله تعالى: فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ «7». يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد: قوله
__________
طويلة الأعناق، وهذا النوش الذي ترتوي به يعينها على قطع الفلوات.
والأجواز: الوسط: انظر: (معاني القرآن للفراء 2: 365. اللسان: مادة: نوش. شرح المفصل 4: 89.
والكتاب لسيبويه 2: 23).
(1) فاطر: 3.
(2) الأعراف: 59.
(3) فاطر: 36.
(4) فاطر: 33.
(5) فاطر: 33
(6) انظر: 252
(7) فاطر: 40

(1/296)


فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ «1». والحجة لمن قرأه بالجمع أنه وجده مكتوبا في السّواد بالتاء فأخذ بما وجده في الخط.
وفرق بينهما بعض أهل النظر بفرقان مستحسن: فقال من وحّد، أراد: الرسول عليه السلام ودليله: قوله تعالى: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ «2». ومن جمع أراد:
القرآن، ودليله: قوله تعالى: وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ «3».
قوله تعالى: وَمَكْرَ السَّيِّئِ «4» أجمع القراء فيه على كسر الياء وخفض الهمزة إلّا ما قرأه (حمزة) بوقف الهمزة كالجزم في الفعل، وإنما فعل ذلك تخفيفا للحرف لاجتماع الكسرات وتواليها مع الهمزة، كما خفّف (أبو عمرو) في قوله: بارِئِكُمْ «5».
فإن قيل: فهلّا فعل في الثاني «6» كما فعل في الأول؟ فقل: لم تتوال الكسرات في الثاني، كما توالت في الأوّل، لأنه لما انضمت الهمزة للرفع زال الاستثقال، فأتى به على أصل ما أوجبه الإعراب له من الرفع. فاعرف حجته في ذلك فقد نسب إلى الوهم.

ومن سورة يس
قوله تعالى: يس وَالْقُرْآنِ «7». يقرأ بإدغام النون في الواو وإظهارها. فالحجة لمن أدغم: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن أظهر: أن حروف التهجي ليست كغيرها لأنها ينوى بها الوقف على كلّ حرف منها، فكأنه بذلك منفرد مما بعده.
فإن قيل: فيلزم من أدغم النون هاهنا في الواو أن يدغم في قوله ن وَالْقَلَمِ «8» فقل:
هذا لا يلزم، لأن الياء «9» أخفّ من الواو «10» وأسهل في اللفظ. وقد ذكرت الإمالة والتفخيم فيما تقدم «11».
قوله تعالى: تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ «12». يقرأ برفع اللّام ونصبها. فالحجة لمن رفع:
__________
(1) الأنعام: 157.
(2) البيّنة: 1، 2.
(3) البقرة: 185.
(4) فاطر: 43.
(5) البقرة: 54.
(6) أي في «بارئكم».
(7) يس: 1، 2.
(8) القلم: 1.
(9) أي: الياء في (سين) من (يس).
(10) أخف من الواو في (نون)
(11) انظر: 234 في أول سورة مريم.
(12) يس: 5.

(1/297)


أنه جعله خبر ابتداء محذوف. معناه: هذا تنزيل العزيز. والحجة لمن نصب: أنه أراد المصدر كما قال تعالى: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ «1».
قوله تعالى: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا «2». يقرءان بضم السين وفتحها.
وقد ذكرت علله في الكهف «3».
قوله تعالى: فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ «4». أجمع القراء على تشديد الزّاي فيه إلّا ما رواه (أبو بكر) عن (عاصم) من التخفيف. فمعنى التشديد: قوّينا ومنه: أعزّك الله. ومعنى التخفيف:
غلبنا ومنه: «من عزّ بزّ» أي من غلب: أخذ السّلب.
قوله تعالى: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ «5». يقرأ بهمزتين محققتين، وبهمزة وياء. وقد ذكر فيما مضى «6».
قوله تعالى: وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ «7». يقرأ بإثبات الهاء وطرحها. فالحجة لمن أثبتها:
أنه أتى بالكلام على أصل ما وجب، لأن الهاء عائدة على (ما) في صلتها، لأنها من أسماء النواقص التي تحتاج إلى صلة وعائد. والحجة لمن حذفها: أنه لما اجتمع في الصلة فعل وفاعل ومفعول خفف الكلمة بحذف المفعول، لأنه فضلة في الكلام.
قوله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ «8». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه ابتدأه وجعل ما بعده خبرا عنه، والهاء عائدة عليه وبها صلح الكلام. والحجة لمن نصب:
أنه أضمر فعلا فسّره ما بعده فكأنه في التقدير: وقدّرنا القمر قدّرناه.
فإن تقدم قبل الاسم حرف هو بالفعل أولى، وتأخر بعده ما له صدر الكلام كالأمر والنهي. والاستفهام كان وجه الكلام النصب، لأنك بالفعل تأمر وعنه تنهي، وتستفهم ودليل ذلك إجماع القرّاء على نصب قوله: أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ «9». والرفع عند النحويين جائز، وإن كان ضعيفا.
قوله تعالى: وَهُمْ يَخِصِّمُونَ «10» يقرأ بإسكان الخاء والتخفيف، وبتشديد الصاد
__________
(1) النمل: 88.
(2) يس: 9.
(3) انظر ص: 231.
(4) يس: 14.
(5) يس: 19.
(6) انظر: 161.
(7) يس: 35.
(8) يس: 39.
(9) القمر: 24.
(10) يس: 49.

(1/298)


أيضا مع الإسكان، وبفتح الياء والخاء وكسر الصاد والتشديد، وبفتح الياء وكسر الخاء والصاد. وبكسر الياء والخاء والصاد. وقد ذكرت علله مستقصاة في نظائره «1».
قوله تعالى: فِي شُغُلٍ «2». يقرأ بضمتين متواليتين، وبضم الشين وإسكان الغين.
فقيل هما لغتان فصيحتان. وقيل: الأصل: الضم، والإسكان: تخفيف. وقيل معنى شغلهم: افتضاض الأبكار. وقيل: استماع النّغم والألحان.
قوله تعالى: فِي ظِلالٍ «3» يقرأ بضم الظاء وفتح اللام من غير ألف بين اللامين وبكسر الظاء وألف بين اللامين. فالحجة لمن ضم الظاء: أنه جعله جمع (ظلّة). ودليله قوله تعالى:
فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ «4». والحجة لمن كسر الظاء: أنه جعله جمع (ظل وهو ما ستر من الشمس في أول النهار إلى وقت الزوال. وما ستر بعد ذلك فهو فيء، لأنه ظلّ فاء من مكان إلى مكان أي: رجع. ودليله قوله تعالى: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ «5».
قوله تعالى: وَأَنِ اعْبُدُونِي «6» يقرأ بضم النون وكسرها. وقد تقدم القول فيه آنفا «7» فأما الياء فثابتة وصلا ووقفا، لأنها مكتوبة في السّواد.
قوله تعالى: جِبِلًّا كَثِيراً «8». يقرأ بضم الجيم والباء «9». وبإسكانها مع التخفيف، وبكسر الجيم والباء وتشديد اللام. وكلها لغات، معناها: الخلقة والطّبع، وما جبل الإنسان عليه.
قوله تعالى: نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ «10». يقرأ بضم النون والتشديد، وبفتحها والتخفيف فقيل: هما لغتان بمعنى واحد. وقيل معنى التشديد: التكثير والترداد. ومعنى التخفيف:
المرة الواحدة. وفرق (أبو عمرو) بينهما فقال: نكّست الرجل عن دابته بالتشديد،
__________
(1) انظر: 161.
(2) يس: 55.
(3) يس: 56.
(4) البقرة: 210.
(5) الواقعة: 30.
(6) يس: 61.
(7) قرأ البصري وعاصم، وحمزة، بكسر النون، وصلا،، والباقون بالضم: (غيث النفع: 227).
(8) يس: 62.
(9) وتخفيف اللام أيضا، وهي قراءة ابن كثير، والأخوان. انظر: (غيث النفع: 227).
(10) يس: 68.

(1/299)


ونكس في مرضه ردّ فيه. ومعناه: نعيده إلى أرذل العمر يريد به: الهرم.
قوله تعالى: أَفَلا يَعْقِلُونَ «1» يقرأ بالياء والتاء على ما قدّمناه.
قوله تعالى: أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ «2». يقرأ بالتوحيد والجمع. وقد تقدّم الاحتجاج في نظائره بما يغني عن إعادته ومثله: لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ «3» ومكاناتهم.
قوله تعالى: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا «4». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء:
قوله وما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ «5». والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعله عليه السلام مخاطبا.
ووجه الياء أن يكون للقرآن، لقوله تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ «6».
قوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ «7» يقرأ بالرفع والنصب. وقد ذكر وجه ذلك «8».