الحجة في القراءات السبع ومن سورة حم عسق
(الشورى)
قوله تعالى: عسق «1». أجمع القراء على إدغام النون في القاف،
وبينهما متباعد في المخرج، وأظهر «حمزة» النون عند الميم في
طسم «2». فالحجة في الإظهار:
أنّ الميم قد أفردت من السين في أول سورة (النّمل)، وألحقت بها
في أول (الشعراء) و (القصص) فبيّن «3» فيهما ليعلم أن الميم
زائدة على هجاء السين، ولم تنفرد السين من القاف فيحتاج في ذلك
إلى فصل، فبنى فيه الكلام على الأصل «4»، والنون تدغم عند
الميم وتخفى عند القاف، والمخفي بمنزلة المظهر، فلما ثقل عليه
التشديد وكرهه في
(طسم) أظهر، ولما كان المخفي بمنزلة المظهر لم يحتج إلى إظهار
ثان.
قوله تعالى: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكَ اللَّهُ «5». يقرأ بكسر الحاء وفتحها. فالحجة لمن
كسر: أنه جعله فعلا لله عز وجل فرفع لفظ الاسم بفعله. والحجة
لمن فتحها: أنه جعل الفعل مبنيا لما لم يسمّ فاعله، ورفع اسم
الله تعالى بدلا من الضمير الذي في الفعل، أو بإعادة فعل مضمر،
أو بإضمار اسم مبتدأ يكون اسم الله تعالى خبرا له.
قوله تعالى: يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ «6». يقرأ بالياء
والتاء فيه، وفي «تكاد» والنون مع التاء، والياء والتخفيف،
وبالتاء في مكان النون بعد التاء، والياء والتشديد. وتقدّم شرح
جميع علل ذلك في سورة مريم بما يغني عن إعادة قول فيه «7».
قوله تعالى: وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ «8» يقرأ بالتاء والياء
على ما قدّمناه في أمثاله.
قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ «9». اتفقت المصاحف على
حذفها خطّا. واختلف القرّاء في اللفظ بها.
__________
(1) الشورى: 2.
(2) الشعراء: 1.
(3) بيّن: أظهر.
(4) في الأصل من غير أداة التعريف.
(5) الشورى: 3.
(6) الشورى: 5.
(7) انظر: 239.
(8) الشورى: 25.
(9) الشورى: 32.
(1/318)
فمنهم من أثبتها وصلا ووقفا، واحتج: أنه
إنما كان حذفها لمقارنة التنوين فلما زال التنوين بدخول الألف
واللام عادت إلى أصلها.
ومنهم من حذفها وقفا وأثبتها وصلا ليكون متبعا للخط وقفا،
وللأصل وصلا.
ومنهم من حذفها وقفا ووصلا. واحتج بأن النكرة الأصل، والمعرفة
فرع عليها، فلما حذفت الياء في النكرة لمقارنة التنوين، ثم لما
دخلت الألف واللام دخلتا على شيء قد حذف أصلا، فلم يعيداه لأن
الأصل أقوى من الفرع.
قوله تعالى: وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ «1». يقرأ
بالنصب والرفع. فالحجة لمن نصب:
أنه صرفه عن المجزوم، والنّصب بالواو عند الكوفيين، وبإضمار
«أن» عند البصريين.
ودليل ذلك قوله تعالى: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ
جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ «2» بالنصب والحجة
لمن رفع: أنه استأنف بالواو لتمام الشرط والجزاء بابتدائه
وجوابه.
قوله تعالى: كَبائِرَ الْإِثْمِ «3». يقرأ بالتوحيد والجمع،.
فالحجة لمن وحّد: أنه أراد:
به الشرك بالله فقط، لأن الله تعالى أوجب على نفسه غفران ما
سواه من الذنوب، ولذلك سماه ظلما عظيما. والحجة لمن جمع: أنه
أراد بذلك: الشرك، والقتل، والزّنا، والقذف، وشرب الخمر،
والفرار من الزّحف، وعقوق الوالدين، فذلك سبع.
وقال: «ابن عباس» «4»: هي إلى سبعين أقرب منها إلى سبع. وقيل:
هي من أول «النساء» إلى قوله: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما
تُنْهَوْنَ عَنْهُ وإذا ثبت أنّ أكبر المعاصي الشرك بالله،
فأكبر الطاعات الإيمان بالله، وهو: الإقرار باللسان، والتصديق
بالقلب. وقيل:
أكبر من الشرك ما ادّعاه فرعون لنفسه من الربوبية. وقيل: إذا
اجتمعت صغائر الذنوب صارت كبيرة.
قوله تعالى: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ «5». يقرءان
بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع:
أنه استأنف ب (أو) فخرج من النصب إلى الرفع. والحجة لمن نصب
أنه عطفه على معنى قوله: (إلّا وحيا)، لأنه بمعنى: أن يوحي.
إليه أو يرسل رسولا، فيوحى، فيعطف
__________
(1) الشورى: 35.
(2) آل عمران: 142.
(3) الشورى: 37.
(4) انظر: 242.
(5) الشورى: 51.
(1/319)
بعضا على بعض ب (أو) وبالفاء. ومعنى قوله:
(إلّا وحيا) يريد: إلهاما، أو من وراء حجاب، كما كلّم موسى، أو
يرسل رسولا يريد به: جبريل صلى الله عليه وسلم، وعلى جميع
النبيين والملائكة والمقرّبين.
ومن سورة الزخرف
قوله تعالى: أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ «1». يقرأ بفتح
الهمزة وكسرها. فالحجة لمن فتح:
أنه قدّر «أن» تقدير «إذ» ودليله قوله: أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى
«2» يريد: إذ جاءه الأعمى، وقدّر (كنتم) بعده تقدير الفعل
الماضي لفظا ومعنى، وموضع (أن) على هذا نصب وخفض، وقد ذكر.
والحجة لمن كسر: أنه جعل أن (إن) حرف شرط، وجعل الفعل بمعنى
المستقبل، وحذف الجواب علما بالمراد.
قوله تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ «3». يقرأ
بفتح الياء وإسكان النون والتخفيف، وبضم الياء وفتح النون
والتشديد. فالحجة لمن خفف: أنه جعل الفعل من قولهم: نشأ الغلام
فهو ناشئ. والحجة لمن شدّد: أنه جعل الفعل لمفعول به لم يسمّ
فاعله. ودليله قوله تعالى: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً
«4». فأنشأت، ونشأت بمعنى واحد.
قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ «5». يقرأ
بالباء والألف جمع «عبد» وبالنون من غير ألف على أنه ظرف.
فالحجة لمن قرأه بالجمع: أن الملائكة عباد الله. ودليل ذلك
قوله: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً
لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ «6». والحجة لمن
قرأه بالنون على معنى الظرف. قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ
عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ «7».
والجمع هاهنا أولى، لأن الله عز وجل إنما أكذبهم في قولهم: إن
الملائكة بناته بأن عرفهم أنهم عباده، لا بناته.
__________
(1) الزخرف: 5.
(2) عبس: 2.
(3) الزخرف: 18.
(4) الواقعة: 35.
(5) الزخرف: 19.
(6) النساء: 172.
(7) الأعراف: 206.
(1/320)
قوله تعالى: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ «1».
يقرأ بفتح الهمزة والشين، وبضمها وإسكان الشين.
فالحجة لمن فتح: أنه جعل الألف للتوبيخ، وأخذ الفعل من شهد
يشهد، فجعله فعلا لفاعل. والحجة لمن ضم: أن جعله فعل ما لم
يسمّ فاعلة. ودليله قوله تعالى: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ
السَّماواتِ «2» التي ينظرون، ولا خلق الأرض التي يمشون عليها،
ولا خلق أنفسهم.
وهذا من أوكد الحجج عليهم، لأن من لم يشهد خلق ما يعاينه ويقرب
منه، فكيف يعرف خلق ما بعد منه، وغاب عنه.؟
قوله تعالى: قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ «3». يقرأ بألف بين
القاف واللام على الإخبار، وطرح الألف، على طريق الأمر. وقد
تقدّمت الحجة في نظائره بما فيه كفاية.
قوله تعالى: لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ «4». يقرأ
بفتح السين وإسكان القاف على التوحيد. وبضمهما على الجمع.
فالحجة لمن وحّد: أنه أراد: أعلاهم وأظلّهم ودليله قوله تعالى:
فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ «5». والحجة لمن
جمع: أنه وافق بذلك بين اللفظين في قوله: مَعارِجَ عَلَيْها
يَظْهَرُونَ «6».
قوله تعالى: لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا «7». يقرأ
بتشديد الميم وتخفيفها. وقد ذكرت علله فيما مضى «8».
قوله تعالى: حَتَّى إِذا جاءَنا «9». يقرأ بالتوحيد وبالتثنية.
فالحجة لمن وحّد: أنه أفرد «العاشي» عن ذكر الرحمن بالفعل.
ودليله توحيد الفعل بعده في قوله: قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي
وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ «10». والحجة لمن قرأه
بالتثنية: أنه أراد: والشيطان المقيّض له الذي قارنه، لأنهما
جميعا جاءا، فكان الخطاب من أحدهما بعد المجيء «11».
وأراد بالمشرقين هاهنا: بعد ما بين المشرق والمغرب، فأتى
بالأشهر من الاسمين.
قوله تعالى: أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ «12». إجماع القرّاء على
إثبات الألف بين السين والواو إلّا ما رواه (حفص) عن (عاصم) من
حذفها وإسكان السين. فالحجة لمن أثبت الألف:
__________
(1) الزخرف: 19.
(2) الكهف: 51.
(3) الزخرف: 24.
(4) الزخرف: 33.
(5) النحل: 26.
(6) الزخرف: 33.
(7) الزخرف: 35.
(8) انظر: 191.
(9) الزخرف: 38.
(10) الزخرف: 38.
(11) في قوله تعالى: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ.
(12) الزخرف: 53.
(1/321)
أنه أراد: جمع الجمع. والحجة لمن حذفها أنه
أراد: الجمع فقط، فأما القرق بين السّوار والأسوار فالسّوار
لليد، والأسوار من أساورة الفرس.
قوله تعالى: فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً «1». يقرأ بفتح السين
واللام وبضمهما. فالحجة لمن فتح: أنه أراد: جمع «سالف». والحجة
لمن ضم: أنه أراد: جمع «سليف».
قوله تعالى: يَصِدُّونَ «2». يقرأ بكسر الصاد وضمها. فالحجة
لمن ضم: أنه أراد:
يعدلون ويعرضون، ودليله قوله: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ
إِعْراضُهُمْ «3». والحجة لمن كسر: أنه أراد: يصيحون، ودليله
على ذلك مجيء «منه» قبلها ولو كانت بمعنى الإعراض لجاءت معها
«عن» كقوله: أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ «4». وقيل: كسر الصاد،
وضمها، وإدخال الألف في أول الفعل وإخراجها بمعنى واحد.
قوله تعالى: يا أَيُّهَا السَّاحِرُ «5». يقرأ بطرح الألف
والوقوف على الهاء ساكنة، وبإثبات الألف والوقوف عليها. وقد
تقدّم القول في علله آنفا.
فإن قيل: لم نحلوه: اسم السّحر، وقد سألوه الدعاء لهم؟ فقل: في
ذلك جوابان، أحدهما: أن السّحر في اللغة: دقّة العلم بالشيء،
ولطافة النّظر، وحسن العبارة بأطرف الألفاظ. ومنه قولهم: فلان
يسحر بكلامه، ويسمون هذا الضرب: السّحر الحلال.
والثاني: أنهم خاطبوه بما كان قد تقدّم له عندهم من تشبيهه
بالساحر، لأن الأغلب عليهم كان السحر في زمانه.
قوله تعالى: أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ «6». يقرأ
بكسر الهمزة وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعل الكلام تامّا عند
قوله «إِذْ ظَلَمْتُمْ» ثم استأنف (إنكم) فكسرها.
والحجة لمن فتح: أنه جعل آخر الكلام متّصلا بأوله «7» فكأنه
قال: ولن ينفعكم اليوم
__________
(1) الزخرف: 56.
(2) الزخرف: 57.
(3) الأنعام: 35.
(4) المائدة: 42.
(5) الزخرف: 49.
(6) الزخرف: 39.
(7) إذ في قوله تعالى: إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ إلخ ..
مشكلة، لأنها ظرف زمان ماض، واليوم المذكور ليس بماض.
وقال ابن جني في مساءلته أبا عليّ: راجعته فيها مرارا، فآخر ما
حصل منه: أن الدنيا والآخرة متصلتان وهي
(1/322)
اشتراككم في العذاب إذ ظلمتم أنفسكم في
الدنيا فيكون موضع «أنكم» هاهنا رفعا، والكاف والميم في موضع
نصب.
قوله تعالى: يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ «1».
يقرأ بإثبات الياء وحذفها. وقد تقدم ذكره «2».
قوله تعالى: وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ «3». يقرأ
بالاستفهام على طريق التوبيخ، وبالإخبار. وقد ذكرت علل ذلك
فيما سلف «4».
قوله تعالى: ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ «5». يقرأ بإثبات هاء
«6» بعد الباء وبحذفها. فالحجة لمن أثبتها: أنه أظهر مفعول
تشتهي، لأنه عائد على «ما». والحجة لمن حذفها: أنه لما اجتمع
في كلمة واحدة فعل وفاعل ومفعول خفّفها بطرح المفعول لأنه فضلة
في الكلام.
قوله تعالى: وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ «7». يقرأ بالياء والتاء
على ما قدمناه في أمثاله «8». فأما ضم أوله فإجماع.
قوله تعالى: وَقِيلِهِ يا رَبِّ «9». يقرأ بالنصب والخفض «10».
فالحجة لمن نصب: أنه عطفه على قوله: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا
لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ «11» وقيله. والحجة لمن
خفض:
أنه ردّه على قوله: وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ «12»، وعلم
قيله.
__________
سواء في حكم الله تعالى وعلمه فتكون إذ بدلا من اليوم حتى
كأنها مستقبلة أو كأنّ اليوم ماض. انظر: (إملاء ما من به
الرحمن للعكبري 2: 228).
(1) الزخرف: 68.
(2) انظر: 310.
(3) الزخرف: 58.
(4) انظر: 161.
(5) الزخرف: 71.
(6) المراد: هاء الضمير مذكرا بعد الياء.
(7) الزخرف: 85.
(8) انظر: 82.
(9) الزخرف: 88.
(10) أي بكسر اللام والهاء، أو نصبها وضم الهاء.
(11) الزخرف: 80.
(12) الزخرف: 85.
(1/323)
قوله تعالى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ «1» يقرأ
بالياء والتاء على ما تقدّم من القول في أمثاله.
ومن سورة الدخان
قوله تعالى: رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «2». يقرأ بالرفع
والخفض هاهنا وفي الْمُزَّمِّلُ «3» وعَمَّ يَتَساءَلُونَ «4».
فالحجة لمن خفض: أنه جعله بدلا من الاسم الذي قبله. والحجة لمن
رفع: أنه جعله مبتدأ، أو خبرا لمبتدإ، أو أبدله من قوله: هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «5» ربّ.
قوله تعالى: فَاعْتِلُوهُ «6». يقرأ بكسر التاء وضمّها وهما
لغتان: كقوله:
يَعْرِشُونَ «7»، يَعْكُفُونَ «8». وقد ذكرت علله فيما مضى.
قوله تعالى: ذُقْ إِنَّكَ «9». يقرأ بكسر الهمزة وفتحها.
فالحجة لمن كسر: أنه جعل تمام الكلام عند قوله «ذق»، وابتدأ إن
بالكسر. والحجة لمن فتحها: أنه أراد:
حرف الخفض فحذفه، ففتح لذلك.
وقيل معنى قوله: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ «10»
يريد: عند نفسك، فأما عندنا فلا.
وقيل: هو كناية من الله عز وجلّ بأحسن الألفاظ. والمراد به:
السفيه الأحمق، أو الذليل كقول قوم شعيب له: إِنَّكَ لَأَنْتَ
الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ «11».
قوله تعالى: يَغْلِي فِي الْبُطُونِ «12». يقرأ بالياء ردا على
«المهل»، وبالتاء ردّا على «الشجرة». والأثيم هاهنا: أبو جهل.
قوله تعالى: فِي مَقامٍ أَمِينٍ «13». يقرأ بضم الميم وفتحها.
وقد ذكر معنى ذلك بما فيه كفاية «14».
__________
(1) الزخرف: 89.
(2) الدخان: 7.
(3) المزمل: 9.
(4) النبأ: 37.
(5) الدخان: 6.
(6) الدخان: 47.
(7) الأعراف: 137.
(8) الأعراف: 138.
(9) الدخان: 49.
(10) الآية نفسها.
(11) هود: 87.
(12) الدخان: 45.
(13) الدخان: 51.
(14) انظر: 239.
(1/324)
ومن سورة الجاثية
قوله تعالى: وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ «1» وَتَصْرِيفِ
الرِّياحِ آياتٌ «2». يقرءان بالرفع والنصب. ودليل النصب فيه
كسرة التاء. فالحجة لمن رفع: أنه جعل: الآيات مبتدأة، وما تقدم
من الصفة وما تعلقت به خبرا عنها.
ولمن نصب وجهان: أحدهما: العطف على الأول وفيه ضعف «3» عند
النحويين، لأنه عطف على «معمولي» عاملين مختلفين على (إن) وهي
تنصب، وعلى (في) وهي تخفض.
والثاني: أن تبدل الآيات الثانية من الأولى، ويعطف بالثالثة
على الثانية. وإن اختلفت «الآيات» فكانت إحداهن في السماء،
والأخرى في الأرض فقد اتّفقا في أنهما خلق لله عزّ وجل.
قوله تعالى: وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ «4». يقرأ بالياء والتاء
على ما قدّمناه في أمثاله.
قوله تعالى: لِيَجْزِيَ قَوْماً «5». يقرأ بالياء إخبارا من
الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربّه، وبالنون إخبارا من الله
عزّ وجلّ عن نفسه.
قوله تعالى: لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ «6». يقرأ برفع
الميم، وخفضها. وقد تقدّم ذكر العلة فيه «7».
قوله تعالى: سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ «8». يقرأ بالنصب
والرفع. فالحجة لمن نصب:
أنه عدّى إليه قوله: أَنْ نَجْعَلَهُمْ سواء. والحجة لمن رفع:
أنه جعل قوله كَالَّذِينَ
__________
(1) الجاثية: 4.
(2) الجاثية: 5.
(3) البصريون يمنعون العطف على معمولي عاملين مختلفين، وتأول
البصريون الآيتين على أن آيات» جيء بها توكيدا للآيات الأولى
حتى كأنه قيل: آيات آيات.
وعند الفراء، وبعض الكوفيين: يجوز العطف على معمولي العاملين
مطلقا مستدلّين بهذه الآيات.
انظر (شرح الكافية لابن الحاجب: 59: 60).
(4) الجاثية: 6.
(5) الجاثية: 14.
(6) الجاثية: 11.
(7) انظر: 292.
(8) الجاثية: 21.
(1/325)
آمَنُوا «1» هو المفعول الثاني ورفع «سواء»
بالابتداء و «محياهم» الخبر. وقد يجوز لمن جعل كَالَّذِينَ
آمَنُوا المفعول الثاني أن ينصب سواء على الحال، ويقف عليه.
قوله تعالى: وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً «2». يقرأ بكسر
الغين وإثبات الألف، وبفتحها وحذف الألف. فالحجة لمن كسر
الغين: أنه جعله مصدرا مجهولا كقولك: «الولاية» و «الكفاية».
والحجة لمن فتح الغين: أنه جعله كالخطفة والرّجعة. وقال بعض
أهل النظر: إنما قال: غشاوة لاشتمالها على البصر بظلمتها فهي
في الوزن مثل: الهداية.
قوله تعالى: وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها «3». إجماع القرّاء
على الرفع إلا (حمزة) فإنه قرأه بالنصب. فالحجة لمن رفع: أن من
شرط «إنّ» «4» إذا تمّ خبرها قبل العطف عليها كان الوجه الرفع.
ودليله قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَرَسُولُهُ «5».
فأما حجة (حمزة) فإنه عطف بالواو لفظ «الساعة» لأنها من تمام
حكاية قولهم. وعلى ذلك كان الجواب لهم في قوله: قُلْتُمْ ما
نَدْرِي مَا السَّاعَةُ «6».
قوله تعالى: فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ «7». يقرأ بفتح الياء
وضمّها. وقد ذكر.
ومن سورة الأحقاف
قوله تعالى: بِوالِدَيْهِ حُسْناً «8». يقرأ بضم الحاء من غير
ألف، وبألف قبل الحاء وإسكانها، وألف بعد السّين، وهما مصدران.
فالأول من: حسن يحسن حسنا. والثاني:
من: أحسن يحسن إحسانا.
قوله تعالى: لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا «9». يقرأ بالياء
والتاء، فالياء عز وجل، أو للنبيّ عليه السّلام، أو للقرآن،
والتاء للنبي خاصة.
قوله تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً
«10». يقرءان بضم الكاف وفتحها. وقد تقدم ذكره «11».
__________
(1) الجاثية: 21.
(2) الجاثية: 23.
(3) الجاثية: 32.
(4) من قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
الآية نفسها.
(5) التوبة: 3.
(6) الجاثية: 32.
(7) الجاثية: 35.
(8) الأحقاف: 15.
(9) الأحقاف: 12.
(10) الأحقاف: 15.
(11) انظر: 122.
(1/326)
قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ
نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ «1».
يقرءان بالياء مضمومة ورفع «أحسن» بما لم يسم فاعله، وبالنون
مفتوحة فيهما ونصب: «أحسن» على أنه إخبار من الفاعل عن نفسه.
قوله تعالى: أُفٍّ لَكُما «2» مذكور بعلله في بني إسرائيل «3».
قوله تعالى: وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ «4». يقرأ بالياء
والنون على ما تقدّم «5».
قوله تعالى: لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ «6». يقرأ بفتح
التاء، ونصب «مساكنهم» وبضم التاء ورفع «مساكنهم». فالحجة لمن
فتح التاء ونصب: أنه جعل الخطاب للرسول عليه السلام ونصب
«مساكنهم» بتعدّي الفعل إليه. والحجة لمن ضم: أنه دلّ بذلك على
بناء ما لم يسم فاعله ورفع الاسم بعده، لأن الفعل صار حديثا
عنه.
قوله تعالى: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ «7». يقرأ بهمزة واحدة
مقصورة كلفظ الأخبار. معناه:
«ويوم يعرض الذين كفروا على النار» فيقال: «أذهبتم» أو يريد
به: التوبيخ، ثم يحذف الألف، ويقتصر منها على الهمزة الباقية.
وانفرد (ابن كثير) بقراءة هذا الحرف بهمزة ومدّة، فالأولى ألف
التوبيخ، والمدة عوض من ألف القطع، واللفظ بالألف كلفظ
الاستفهام.
وكل لفظ استفهام ورد في كتاب الله عزّ وجلّ فلا يخلو من أحد
ستة أوجه: إمّا أن يكون توبيخا، أو تقريرا، أو تعجّبا، أو
تسوية، أو إيجابا، أو أمرا. فأمّا استفهام صريح فلا يقع من
الله تعالى في القرآن، لأن المستفهم مستعلم ما ليس عنده، طالب
للخبر من غيره، والله عالم بالأشياء قبل كونها. فالتوبيخ:
أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ «8» والتقرير:
__________
(1) الأحقاف: 16.
(2) الأحقاف: 17.
(3) انظر: 215.
(4) الأحقاف: 19.
(5) انظر: 96.
(6) الأحقاف: 25.
(7) الأحقاف: 20.
(8) الزخرف: 20.
(1/327)
أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ «1» والتعجّب:
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ «2» والتّسوية سَواءٌ عَلَيْهِمْ
أَأَنْذَرْتَهُمْ «3». والإيجاب كقوله: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ
يُفْسِدُ فِيها «4». والأمر: أَأَسْلَمْتُمْ «5».
فعلى هذا يجري ما في كتاب الله فاعرف مواضعه.
ومن سورة محمّد صلى الله عليه وسلّم
هذه السورة أول المفصل. وإنّما سمّي مفصّلا لكثرة تفصيل:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بين سوره.
قوله تعالى: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ «6».
يقرأ بالتشديد والتخفيف وضم القاف، وبإثبات ألف بين القاف
والتاء مع فتح القاف. فالحجة لمن خفّف أو شدّد: أنه دلّ بضم
القاف على بناء الفعل لما لم يسم فاعله. والحجة لمن أثبت الألف
وفتح القاف: أنه دل بذلك على بناء الفعل لهم. والكنايتان في
موضع رفع «7».
قوله تعالى: غَيْرِ آسِنٍ «8». يقرأ بالمدّ على وزن فاعل.
وبالقصر على وزن فعل.
فالحجة لمن قرأه بالمد: أنه أخذه من قولهم: أسن الماء يأسن فهو
آسن، كما تقول:
خرج يخرج فهو خارج. والحجة لمن قصر: أنه أخذه من قولهم: أسن
الماء يأسن فهو أسن كما تقول: حذر يحذر فهو حذر، وهرم يهرم فهو
هرم. والهمزة فيهما معا همزة أصل.
قوله تعالى: وَأَمْلى لَهُمْ «9». يقرأ بضم الهمزة وكسر اللام
وفتح الياء. وبفتح الهمزة واللام وإسكان الياء. فالحجة لمن ضم
الهمزة: أنه دلّ بذلك على بناء الفعل لما لم يسم فاعله، لأنه
جعل «التسويل» «10» للشيطان، و «الإملاء» لغيره. والحجة لمن
فتح الهمزة: أنه
__________
(1) المائدة: 116.
(2) البقرة: 28.
(3) البقرة: 6.
(4) البقرة: 30.
(5) آل عمران: 20.
(6) محمد: 4.
(7) واو الجماعة، في حالتي البناء للفاعل، والبناء للمفعول.
(8) محمّد: 15.
(9) محمد: 25.
(10) في قوله تعالى: سَوَّلَ لَهُمْ آية 25.
(1/328)
جعل الفعل مبنيا للفاعل، فكأنه قال: الشيطان سوّل لهم، والله
أملى لهم.
قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ «1». يقرأ بفتح
الهمزة وكسرها. فالحجة لمن فتح:
أنه أراد: جمع «سرّ». والحجة لمن كسر: أنه أراد: المصدر. وقد
ذكرنا العلة في فتح همزة الجمع وكسر همزة المصدر ذكرا يغني عن
إعادته.
قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ «2»
وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ «3». يقرءان بالياء والنون.
فالحجة لمن قرأ بالياء: أنه جعله من إخبار النبي عن الله عزّ
وجلّ. والحجة لمن قرأه بالنون:
أنه جعله من إخبار الله عزّ وجلّ عن نفسه.
فإن قيل: فما وجه قوله «حَتَّى نَعْلَمَ» وعلمه سابق لكون
الأشياء؟ فقل: الإخبار عنه، والمراد بذلك: غيره ممن لا يعلم،
وهذا من تحسين اللفظ ولطافة الرد.
قوله تعالى: وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ «4». يقرأ بفتح السين
وكسرها وقد تقدّم القول فيه «5». |